تحريرات في الفقه: كتاب البيع

اشارة

سرشناسه : خميني، مصطفي، 1309-1356.

عنوان و نام پديدآور : تحريرات في الفقه: كتاب البيع/ تاليف مصطفي الخميني.

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1378 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره 964-335-158-0 : ؛ ج.1 964-335-117-3 : ؛ 35000 ريال (ج. 1، چاپ دوم) ؛ 13000ريال:ج.2 964-335-118-1 : ؛ 39000 ريال (ج. 2، چاپ دوم) ؛ 75000 ريال: ج.3 978-964-212-095-6 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ اول: 1418ق. = 1376

يادداشت : ج. 1 و 2(جاپ دوم: 1427 ق. = 1385).

يادداشت : ج.3 : 1389.

يادداشت : جلد سوم كتاب حاضر توسط موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني ، موسسه چاپ و نشر عروج منتشر گرديده است .

يادداشت : كتابنامه.

عنوان ديگر : كتاب البيع.

موضوع : خريد و فروش (فقه)

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني (س)

شناسه افزوده : موسسه چاپ و نشر عروج

رده بندي كنگره : BP190/1/خ 84ت 3 1378

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 78-10686

الجزء الأول

اشارة

كتاب البيع و فيه مقاصد

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 5

المقصد الأوّل في حقيقته و ماهيّته

اشارة

و فيه جهات

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 7

الجهة الاولى في تعريف ماهيّته

اشارة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 9

في أنّ ماهيّة البيع اعتباريّة حادثة بعد الاجتماع

و حيث لا حدّ لها تعرّف بآثارها، فإنّها من الاعتبارات المقصود فيها التمليك بالعوض، بخلاف الصلح، فإنّ المقصود ليس فيه ذلك و إن تحصّل منه هذه الفائدة.

هذا بناء على المشهور «1»، و أمّا على المختار فهو ليس عقدا مستقلّا، و التفصيل في محلّه.

و أخذ عنوان «التمليك» «2» أو عنوان «المبادلة» «3» في حدّها غير صحيح، لأنّه بالحمل الأوّلي ليس واحدا من تلك المفاهيم، و الاتحاد الخارجي في الحمل الشائع لا يجوّز التحديد اصطلاحا.

و ليس الأثر المذكور عامّا، لأنّ ذلك في غير البيع لا يبقى على إطلاقه، كما لا يخفى.

و حيث إنّ القبول ليس داخلا في ماهيّة المعاملات، فلا ينقض

______________________________

(1) السرائر 2: 64- 65، شرائع الإسلام 2: 99، مسالك الأفهام 1: 212- السطر 18، جواهر الكلام 26: 212.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 79- السطر 20.

(3) المصباح المنير: 87، منية الطالب 1: 34- السطر 21، و 35- السطر 17.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 10

بالهبة المعوّضة «1»، لأنّها تحتاج إلى الهبة الثانية، بخلاف البيع مثلا، فإنّه يحصل بعمل البائع بتمام هويّته و حقيقته.

نعم، يحتاج في الأثر إلى القبول، كما في الفضوليّ.

و ممّا يشهد على أنّ الملكيّة ليست داخلة بمفهومها في الماهيّة المشار إليها: صحّة بيع الشي ء قبل تملّكه مع القدرة على حيازته، و صحّة بيع الكلّي.

إيقاظ: حول تقسيم أسباب البيع إلى دخيل في الأثر و دخيل في صدق الاسم

حقيقة البيع من المعاني الاعتباريّة المتوسّل إليها بالأسباب المختلفة، كالألفاظ، و الإشارة، و الفعل المطلق، أو المخصوص. و القيود المعتبرة فيها إمّا من الأمور الدخيلة فيها عرفا، أو شرعا:

فما كان من الثاني، فهو ليس داخلا في ماهيّتها، كما لا يخفى.

و ما كان من الأوّل، فربّما يختلج بالبال دعوى تقوّمها به، لأنّها ترجع إلى صحّة سلبها عند فقد ذلك القيد

عرفا.

و لكنّه غير تامّ، لشهادة اللغة و الإطلاقات الدارجة على خلافه، فهي عندهم على نحوين:

منها: ما هو الدخيل في الأثر.

و منها: ما هو الدخيل في الذات.

و على هذا يصحّ التمسّك بإطلاقات الأدلّة الشرعيّة لرفع القيود

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 206.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 11

المحتملة دخالتها، إلّا إذا رجع إلى الشكّ في الاسم، فتوهّم عدم جواز التمسّك، لأنّ الاسم موضوع للصحيح، كما عن الشهيدين «1»، فاسد.

و لعلّ مرادهما من «الصحيح» هو المؤثّر العرفيّ، دون الشرعيّ، فليتأمّل، و سيأتي توضيح المسألة في الجهة الآتية إن شاء اللّه تعالى «2».

استئناف: حول حقيقة المعاوضة

المتعارف في العصور البدويّة هو التبادل بين الأعيان المسمّاة ب- «المعاوضة» و المشهور بين فقهائنا أنّها بيع، لصدق تعاريفه المختلفة عليها.

و قد يشكل ذلك، لعدم مساعدة الإطلاقات الخاصّة و الاستعمالات العامّة عليه. مع أنّ البيع اعتباره على النظر مستقلّا إلى المعوّض، و لا يؤخذ العوض في الإنشاءين- الإيجابيّ، و القبوليّ- مقدّما على المعوّض، بخلاف المعاوضة، فيقول صاحب العين: «عوّضت هذا بهذا» و يقول الآخر مثله، و هذا التعارف الخارجيّ يشهد على اختلاف الاعتبارين في النظر العرفيّ.

و صحّة إطلاق لفظ «البيع» عليها لا يشهد على أنّها بيع، لأنّه أعمّ من الحقيقة، و باب التوسّعات مفتوح على أرباب الاستعمالات.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 80- السطر 32، القواعد و الفوائد 1: 158، الفائدة الثانية من القاعدة 42، مسالك الأفهام 2: 159- السطر 37.

(2) يأتي في الصفحة 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 12

و هذا لا يورث تقوّم البيع بكون العوض كلّيا، ضرورة إمكان بيع الكتاب بالكتاب.

نعم، في المعاوضة يكون نظر المتعاملين كلّ بماله، و يكون كلّ واحد منهما معوّضا و عوضا باختلاف الاعتبار، و في

البيع أحدهما المبيع، و الآخر ثمنه، فلا تخلط.

ثمّ إنّه يلزم بناء عليه، بطلان التعاريف المذكورة للبيع، و لكن جعل الأثر الأخصّ أو الأعمّ عنوانا مشيرا إلى تلك الحقيقة، ممّا لا بأس به.

و إن شئت قلت: هو في الأثر مختلف:

فمنه: ما يورث الملكيّة دون السلطنة، كما في المعاملة بمال المحجور.

و منه: ما يورث السلطنة و الملكيّة، كما في المتعارف منه.

و منه: ما يورث السلطنة فقط، كما في بيع الحاكم العين الزكويّة من الحاكم الآخر، على بعض المباني.

و عليه كيف يمكن تعريفه؟! و «مبادلة المال بالمال» منقوض بالإجارة، و بجعل إسقاط الحقّ ثمنا، كما اخترناه في الأجرة فيها «1».

______________________________

(1) لعلّه في كتاب الإجارة من «تحريرات في الفقه» و هو مفقود.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 13

الجهة الثانية في الأسباب المتوسّل بها إلى تلك الماهيّة الاعتباريّة

اشارة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 15

عدم الإشكال في صحّة العقد اللفظي

لا شبهة بين فقهاء الإسلام في صحّة العقد اللفظيّ و البيع الموجود باللفظ و نفوذه، و أنّه هو الموضوع لاعتبار العقلاء للنقل و الانتقال، و إنّما الخلاف بينهم في صحّة السبب الفعليّ و المعاطاة الخارجيّة المتعارفة بين الناس قديما و حديثا، و قد بلغت أقوالهم إلى سبعة أو أكثر «1»، و منشأ الاختلاف ليس راجعا إلى الأدلّة اللفظيّة إلّا ما شذّ، بل هو لاختلاف أنظارهم في درك ما هو المتعارف خارجا.

فبالجملة: جعلوا محلّ النزاع و مصبّ النفي و الإثبات المعاطاة.

و الذي هو الحقّ عندي: أنّ الأمر على عكسه، فإنّ المعاطاة هي الأصل في العقود و الإيقاعات، و في صحّة العقود اللفظيّة إشكال، إلّا

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 154- 155، كتاب الإجارة، المحقّق الرشتي: 4- السطر 17- 18، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 68- السطر 15، مصباح الفقاهة 2: 87.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 16

ما دلّ عليه الدليل الشرعيّ المتضمّن لصحّته و نفوذه، و ذلك لأنّ المعاطاة هي المعاملة التي حدثت حينما تشكّلت معيشة الاجتماع بين الناس، فإنّهم بعد ما احتاجوا إلى التبادل بين لوازم حياتهم، توسّلوا إلى المبادلة بين الأموال و المعاوضة عليها، ثمّ بعد ذلك أشكل الأمر عليهم، لجهات خارجة عن بحثنا، فتوجّهوا إلى العروض و النقود، و جعلوها أثمانا فيها، و اعتبروا ماهيّة البيع بارتكازهم.

و هذا الاعتبار إمّا عين اعتبار المعاوضة، كما قد عرفت عن المشهور، أو غيره، إلّا أنّه قريب منه كما هو المختار. و الذي ترى في المجتمع البشريّ في جميع الأحيان و الأعصار، و في كافّة البلاد و الأمصار قديما و حديثا، ليس إلّا المعاطاة حتّى في المعاملات

الخطيرة، و أمّا ثبت المعاملة في الدفاتر و المكاتيب، فهو ليس إلّا سندا لها.

نعم، بين المتشرّعة دارجت المعاملات العقديّة، لما ذهب إليها فقهاؤهم من العصر الأوّل، فلا تغفل.

و لا ينبغي الخلط بين المقاولة و العقد اللفظيّ، و ما تجدون في البلاد الراقية فهو منها أيضا، و ليس بينهم تعارف العقود اللفظيّة.

و هكذا الخلط بين التعهّدات على المعاملة، كما بين الدول، و بين العقد اللفظيّ، و ما تسمع: «من أنّ المتعارف في التجارات الكلّية هي العقود اللفظيّة» «1» باطل، بل هو منها، فنقل السببيّة من المعاطاة و الأعمال الخارجيّة إلى الأقوال و الألفاظ بخصوصها، يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 86- السطر 8- 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 17

و في كفاية الاتفاق و الإجماع «1» إشكال.

و توهّم السيرة غير المردوعة «2»، غير تامّ، لما أنّ السيرة- خصوصا في تلك الأعوام- على المعاطاة، و لو اتفق أحيانا العقد اللفظيّ، فهو ليس إلى حدّ يكون بمرأى و مسمع من الشرع، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال: العقد اللفظي عقد لغة و عرفا، و عمومات المسألة تشمله، فيعلم منها صحّته و نفوذه و لزومه.

أو يقال: بأنّ الأدلّة لو فرضنا قصورها عن إثبات حكم- كما سيأتي تفصيله في ذيل هذه الجهة- يمكن دعوى صحّة العقد اللفظيّ، للعلم بعدم الخصوصيّة، فلو كان عند العقلاء عقدا صحيحا و موضوعا لاعتبارهم، فعدم الردع المطلق و إن كان لا يكفي، إلّا أنّ وحدة الحكم تستكشف من الموضوع المسانخ، كما لا يخفى، فليتدبّر.

فتحصّل: أنّ الدليل الوحيد على صحّة العقد اللفظيّ، هي الأدلّة اللفظيّة و الروايات الخاصّة [1].

______________________________

[1] و هي المآثير التي استدلّ بها على اعتبار اللفظ في صحّة البيع (أ)، فإنّها و

إن لم تدلّ عليه، إلّا أنّها تدلّ على كفاية العقد اللفظيّ [منه قدّس سرّه].

(أ) القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أنّه نهى عن المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة.

المنابذة يقال: أنّها أن يقول لصاحبه: أنبذ إليّ الثوب أو غيره من المتاع أو أنبذه إليك، و قد وجب البيع بكذا، و يقال: إنّما هو أن يقول الرجل إذا نبذت الحصاة فقد وجب

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26، مفتاح الكرامة 4: 154.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 86- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 18

و لو فرضنا صحّة التمسّك بالعمومات في هذه المسائل على ما هو

______________________________

البيع و هو معنى قوله: إنّه نهى عن بيع الحصاة.

و الملامسة أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع بكذا، و يقال:

بل هو أن يلمس المتاع من وراء الثوب و لا ينظر إليه فيقع البيع على ذلك.

و هذه بيوع كان أهل الجاهليّة يتبايعونها، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عنها لأنّها غرر كلّها.

معاني الأخبار: 278، وسائل الشيعة 17: 358، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 12، الحديث 13.

ابن أبي عمير، عن يحيى بن الحجّاج، عن خالد بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا الثوب، و أربحك كذا و كذا، قال:

أ ليس إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به إنّما يحل الكلام، و يحرم الكلام.

تهذيب الأحكام 7: 50- 216، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.

علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:

سألته عن رجل باع بيعا إلى أجل فجاء الأجل و البيع عند صاحبه، فأتاه البائع، فقال له: بعني الذي اشتريته منّي، و حطّ عنّي كذا و كذا، و أقاصّك بمالي عليك، أ يحلّ ذلك؟ قال: إذا تراضيا فلا بأس.

قرب الإسناد: 266، وسائل الشيعة 18: 71، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 16، الحديث 23.

الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين اشتركا في مال و ربحا فيه ربحا و كان المال دينا عليهما، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و الربح لك و ما توى فعليك، فقال: لا بأس به إذا اشترط عليه.

تهذيب الأحكام 7: 25- 107، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 19

المشهور، فلا بأس به هنا أيضا، ضرورة أنّ العقدة الحاصلة من الإيجاب و القبول، تعدّ عقدا و بيعا، لما أنّ في صدقها لا نحتاج إلى مئونة زائدة، بل المدار على ترتيب آثار العقد المعاطاتيّ عليها، و على أن يكون بناؤهم على تماميّة النقل و الانتقال بها.

______________________________

الخيار، الباب 6، الحديث 4.

عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: إنّ المصاحف لن تشترى، فإذا اشتريت فقل: إنّما أشتري منك الورق، و ما فيه من الأديم، و حليته، و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا.

الكافي 5: 121- 1، وسائل الشيعة 17: 158، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 31، الحديث 1.

بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا

القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وكل المشتري من يقبضه فأصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف طنّ، فقال: العشرة آلاف طنّ التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع.

تهذيب الأحكام 7: 126- 549، وسائل الشيعة 17: 365، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 19، الحديث 1.

عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: لا، إلّا أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا، فيقول:

أشتري منك هذه الرطبة و هذا النخل بكذا و كذا.

الكافي 5: 176- 7، وسائل الشيعة 18: 219، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 3، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 21

بحث و تفصيل في المعاطاة
اشارة

اختلفت آراء فقهائنا في صحّة المعاطاة و فسادها، بعد البناء على صحّة العقد اللفظيّ، و في لزومها و جوازها. و ربّما ذلك بعد اتّفاقهم على إفادتها الملكيّة.

و في أنّها من المعاملات المتداولة، و تكون مندرجة فيها، و موضوعا لأحكامها، كما قد يقال في الصلح، أو أنّها معاملة مستقلّة بحيال ذاتها.

و في أنّها على فرض بطلانها و عدم إفادتها الملك، تكون لغوا، أو هي سبب للإباحة المطلقة، أو إباحة خاصّة.

و في أنّها على الإطلاق مثل العقد اللفظيّ، أو يفصّل بين الأمور الخطيرة، و غير الخطيرة.

و يمكن دعوى التفصيل بين ما يقبل التسليط الخارجيّ، و ما لا يقبل، و يمكن غير ذلك، كالتفصيل بين العقود و الإيقاعات.

و حيث إنّ المسألة لا يفيد فيها الاتفاق، فلا وجه لصرف الكلام في

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 22

تحرير موقف النزاع و مصبّ النفي و الإثبات، و لا داعي لنا في توجيه مختار الأصحاب، لما فيه من الخروج عمّا وضع عليه الكتاب.

و الذي لا شبهة فيه: أنّ البحث هنا في سبب الملك الحاصل بالقول و العقد اللفظيّ، و أنّه يختصّ به، أو يشاركه غيره في السببيّة، فلا بدّ من حفظ جميع القيود و الشروط الموجودة في الصيغة في المعاطاة إلّا الألفاظ. و أمّا لو اختلف العقد باختلاف السبب، فهو خارج عن البحث قطعا. و عدم وجود الجامع الصحيح بين الأقوال بشتاتها، لا يورث خللا في الباب، بل لا بدّ لنا من فرض النزاع على الوجه الصحيح.

ثمّ إنّه بعد الفراغ عن هذه المسألة، يتوجّه البحث حول أنّ الفعل الجامع للشرائط لو لم يقم مقام القول، يكون من اللغو، أم يفيد إباحة التصرّفات و إن لم تكن مقصودة، لعدم الحاجة إليه.

فعدّ الأقوال في المعاطاة ستّة «1»، أو سبعة «2»، من الغفلة عن حقيقة الحال. كما أنّ كونها معاملة مستقلّة «3»، ليس من الأقوال في المعاطاة، لجريان البحوث فيها أيضا.

إذا عرفت ذلك، فالكلام في المقام يتمّ في ضمن مباحث، و المهمّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 4.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 68- السطر 15، مصباح الفقاهة 2: 87.

(3) جواهر الكلام 22: 226- 228.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 23

منها ثلاثة، و أمّا البحث حول أنّها مستقلّة، أو أمر سار في العقود و الإيقاعات، فهو ساقط جدّا عنه، ضرورة أنّ المراجعة إلى ما هو المتعارف بين الناس، تقضي بأنّها سبب لحصول العلقة الحاصلة بالصيغة أيضا، فتوهّم ذلك ينافي التوصيف المتداول بينهم من قولهم:

«البيع المعاطاتي» و «الصلح المعاطاتي» و «الإجارة

المعاطاتيّة».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 25

المبحث الأوّل في إفادة المعاطاة للملكيّة
اشارة

هل المعاطاة تفيد الملكيّة إذا كانت الشرائط موجودة عرفا، و منها قصد المتعاملين التمليك بالعوض، و التسليط بالثمن، و هو المنسوب إلى المتأخّرين «1»، و اختاره جمع آخر «2».

أم لا و تكون باطلة، و لا توجب الملكيّة؟ و هو المحكيّ عن «نهاية» العلّامة «3». و لعلّ القائل بالإباحة يقول أيضا بالبطلان، فهو المشهور بين القدماء «4» و من تعرّض منهم للمسألة.

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 58، مجمع الفائدة و البرهان 8: 139.

(2) مفاتيح الشرائع 3: 48، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 15- 16، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 68- السطر 21، منية الطالب 1: 49- السطر 7.

(3) نهاية الإحكام 2: 449.

(4) المبسوط 2: 87، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26، السرائر 2: 250.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 26

و الحقّ هو الأوّل، لما عرفت منّا سابقا «1»، و لعدم تماميّة الجهات المذكورة إشكالا عليها، و هي كثيرة:

الاستدلال على بطلان المعاطاة بعدم تحقّق إنشاء المعاملة بالفعل

فمنها: أنّ الإنشاء من الاعتبارات، و لا يمكن التوسّل إليه و إيجاده إلّا بما هو قابل لذلك، و هو القول دون الفعل.

و إن شئت قلت: ليس الفعل موضوعا للإنشاء، حتّى يتوسّل به إليه، بخلاف هيئات الألفاظ، فإنّها كما تكون موضوعة للإخبار موضوعة للإنشاء أيضا.

و لك أن تقول باعتبار الوضع و السنخيّة بين الآلات و معلولاتها.

و فيه:- مضافا إلى السيرة العمليّة- أنّ باب الاعتبارات أوسع من ذلك، و لا خصوصيّة للألفاظ. نعم مجرّد الإمكان غير كاف.

و بذلك يدفع الإشكال الثاني: هو أنّ إمكان الإنشاء بالفعل، لا يلازم نفوذه و صحّته، و وجه الدفع واضح.

الاستدلال على البطلان بعدم شمول آية الوفاء و التجارة للمعاطاة

و منها: أنّها لغة و عرفا ليست عقدا، بل قيل: «إنّها ليست بيعا» «2»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 16.

(2) تقدّم في الصفحة 25، الهامش 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 27

فلا تشملها الآيتان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» و لو شكّ فلا يرجع إليهما.

و فيه:- مضافا إلى كفاية قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «3»- أنّها أولى بأن تكون عقدا، لأسبقيّتها في إيجاد العقدة بها من غيرها، و لم يعهد من أرباب اللغة ما يورث خروجها عنه، لأنّ العقد هو العهد المطلق، أو المشدّد، و حيث إنّ التشديد لا معنى له في الاعتبارات إلّا بأن يرجع إلى التشديد في الأسباب و لواحقها، يمكن اتصاف العقد اللفظيّ بالشدّة و الضعف، و يمكن اتصافها بهما.

و بعبارة أخرى: ليس العقد إلّا أمرا محصّلا و اعتبارا معنويّا، فلا نظر فيه إلى الأسباب المحصّلة له، فلا تغفل.

نعم، الظاهر أنّ هذه الآية أجنبيّة عن هذه المسائل، لأنّ العقود المعمول بها بين الأمم و الأقوام من

بدو حياتهم الاجتماعيّة، لا تحتاج إلى التشديد بمثل هذه الآية الكريمة، خصوصا بعد ما تكون في سورة المائدة، و لا سيّما بعد ملاحظة الصدر، و قوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «4».

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) البقرة (2): 275.

(3) النساء (4): 29.

(4) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 28

فإنّه بعد التأمّل يظهر: أنّها راجعة إلى العقود الخاصّة، و العقود الكلّية، لا العقود الماليّة و التجاريّة. و توهّم عدم صدق «البيع» مدفوع بالمراجعة إلى الإطلاقات العرفيّة و اللغة.

و لو شكّ في إطلاقها، فالقدر المتيقّن هي المعاطاة، دون العقود اللفظيّة، و هكذا لو شكّ في أنّها جملة إنشائيّة، فإنّه مع ذلك يعلم حلّية البيع إجمالا، كما لا يخفى.

إن قلت: آية التجارة غير كافية، لأنّ المقصود حصول الملكيّة بالمعاطاة التي هي البيع، لا التي هي المعاملة الحديثة.

قلت: كونها ممضاة و صحيحة يعرف منها، و كونها بيعا يعرف من اللغة و العرف، فلو فرضنا قصور الآيتين عن تصحيح المعاطاة- لأجل أنّها ليست عقدا، و لأجل أنّ الآية الكريمة الثالثة لا إطلاق لها، فلا تشمل المعاطاة- يكفي الآية الأولى.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ هذه الآية ناظرة إلى اشتراط الرضا، و النهي عن الأكل بالباطل، و هو الأكل بلا رضا، و لا تعرّض فيها لتصحيح التجارة و سببيّتها للحلّية. و يشهد لذلك النهي أوّلا عن الأكل، و الإتيان ثانيا بالرضا، و ثالثا بكلمة منكم فكأنّها تورث شرطيّة الرضا فقط، لخروج الأكل من الباطل إلى الحقّ، و لا خصوصيّة للتجارة، فكون المعاطاة سببا مملّكا أجنبيّ عنها.

إن قلت: لا يمكن الاستدلال لصحّة المعاطاة بآية الوفاء، لأنّ موضوعها العقد الصحيح، لا الأعمّ. و يشهد له أنّ التخصيص فيها، لا يورث الفساد

بوجود العقود الصحيحة غير اللازم الوفاء بها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 29

قلت: موضوعها العقد عرفا، إلّا أنّه يكشف الصحّة من لزوم الوفاء إلّا ما خرج عنها، فإنّه حينئذ لا كاشف عنها.

و بعبارة أخرى: مقتضى قاعدة الملازمة صحّة العقد اللازم و الوفاء به، و إذا كان من العقود ما ليس لازما الوفاء به، لا يمكن كشف الصحّة، لانتفاء اللازم، و حيث هو أخصّ لا يكشف من انتفائه انتفاء الملزوم، و هو فساد العقد، فتدبّر.

إن قلت: قضيّة حكم العقل- و هو أنّ العقد الباطل لا يجب الوفاء به- تخصيص الآية لبّا، فالتمسّك فيما نحن فيه غير جائز.

قلت: هذا هو مقتضى بعض المباني في تلك المسألة، و لكنّ التحقيق جوازه، لأنّ المخصّصات العقليّة، لا تورث تعنون العمومات اللفظيّة بها عرفا، و على هذا بعد الفحص عن دليل فساد المعاطاة، و عدم العثور عليه، يصحّ التمسّك بها بلا شبهة.

الاستدلال على البطلان بالإجماع و بالنبوي الناهي عن بيع المنابذة و الملامسة و «إنّما يحلّل.»

لا يقال: يكفي له الإجماع المدّعى في «الغنية» «1» و غيرها «2» على اعتبار الصيغة، و هو المؤيّد بالشهرة المحصّلة و المنقولة، و عدّة من الروايات، و منها النبويّ الناهي عن بيع المنابذة و الملامسة، و عن بيع

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26.

(2) جامع المقاصد 5: 309.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 30

الحصاة «1»، و ما ورد في الصحيح و غيره: «إنّما يحلّل الكلام، و يحرّم الكلام» «2».

لأنّا نقول: ليس معقد المحصّل منهما بطلانها، و كفاية المنقول ممنوعة، و لا دلالة للنبويّ- على فرض تماميّة سنده- على فسادها، لعدم معلوميّة وجه النهي و كيفيّته أوّلا.

و لاختصاصه بمواضعه ثانيا.

و لظهوره في أنّه لأجل كونه من الطرق غير المتعارفة ثالثا.

و لاحتمال كونه لأجل أنّهم

كانوا يعيّنون المبيع بتلك الأفعال، و هو يستلزم الغرر المنهيّ رابعا.

و أمّا غيره منها، فهو لا يرجع إلى محصّل، فراجع.

و أمّا قوله عليه السلام: «إنّما يحلّل الكلام، و يحرّم الكلام» ففيه وجوه و احتمالات، و كونه دليلا على اعتبار الصيغة، موقوف على حفظ مفهوم الحصر في مفاده، و هو حصر المحلّل و المحرّم به، و قد تقرّر منّا: أنّ مفهوم الحصر آب عن التخصيص «3». مع أنّ في المسألة يلزم التخصيص الكثير، كما قيل «4».

______________________________

(1) معاني الأخبار: 278، وسائل الشيعة 17: 358، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 12، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4، و 19: 41- 42، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 8، الحديث 4 و 6 و 10.

(3) تحريرات في الأصول 5: 185- 186.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 86- السطر 26.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 31

هذا، و المحلّليّة و المحرّمية ممّا لا يمكن الأخذ بمفهومهما، لما أنّ المال المنتقل بالكلام الفاسد، أو الكلام الواقع في غير مقامه، محرّم، و لا يعقل أن يحرّمه الكلام ثانيا.

فعلى هذا، يحتمل أن يراد منه أنّ الكلام المحلّل هو المحرّم، لأنّه يحلّل العوض على أحد المتعاملين، و يحرّم المعوّض على الآخر. و هذا الوجه بعيد من صدر بعض روايات المسألة، مثل ما رواه الكلينيّ، عن بعض الأصحاب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجيئني و يقول: اشتر لي هذا الثوب و أربحك كذا و كذا.

فقال: «أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك؟» قلت: بلى.

قال: «لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام، و يحرّم الكلام» «1».

و مقتضى ما ورد في باب المزارعة- مثل رواية

الشيخ، عن أبي الربيع الشاميّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: عن الرجل يزرع أرض رجل آخر، فيشترط عليه ثلثا للبذر، و ثلثا للبقر؟ فقال: «لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا. فإنّما يحرّم الكلام» «2»- هو أنّ المتّبع هو المنشأ، دون المقاصد، و الذي يتّصف بالصحّة و الفساد و يورث الحلّية و الحرمة، هو الأمر البارز، فإذا اختلّ الكلام فربّما يلزم حرمة المعاملة و آثارها.

______________________________

(1) الكافي 5: 201- 6.

(2) تهذيب الأحكام 7: 194- 857، وسائل الشيعة 19: 43، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 8، الحديث 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 32

فالمقصود من «الكلام» ليس خصوص اللفظ، بل المقصود عنوان المبرز و ما ينشأ به، سواء كان من الأقوال الخاصّة، أو المطلقة، أو كان من الأفعال و الإشارة، أو الكتابة، و على هذا لا وجه لطرح هذه الروايات، و لا لحملها على دلالتها على فساد المعاطاة، و لا يلزم التخصيص، فضلا عن المستهجن منه. و يظهر ممّا مرّ مواضع ضعف كلمات الأعلام- رضوان اللّه عليهم- فليراجع.

عدم شمول آية الوفاء للمعاطاة
اشارة

إن قلت: بلغت التخصيصات إلى حدّ الاستهجان، لخروج العقود الكثيرة عن لزوم الوفاء بها، فلا وجه للتمسّك بمثلها.

قلت: العموم إن كان أفراديّا فاللازم ممنوع، و إن كان أنواعيّا، فالعقود الجائزة و إن كانت كثيرة، إلّا أنّ الآية لا تختصّ بالعقود المعامليّة قطعا، و هذا بنفسه يشهد على أنّها العامّ الأفراديّ، فلا تغفل، و تأمّل جدّا.

لا يقال: لا يتصوّر الوفاء في المعاطاة، ضرورة أنّ الآية تأمر بالعمل بالعقود، فالعقد غير الوفاء به، فكأنّها وردت هكذا: «يا أيّها الذين آمنوا اعملوا بعقودكم» فهو مترتّب على العقد، و من لوازمه الشرعيّة أو العرفيّة المأمور بها شرعا، فعليه لا

بدّ من العقد قبل التسليم و التعاطي الخارجيّ، و هذا لا يمكن إلّا باللفظ الموضوع لإنشائه خصوصا أو عموما.

لأنّا نقول: الآية كما تقتضي التسليم، لأنّه مقتضى الوفاء به، كذلك

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 33

تقتضي المنع عن الاسترداد، لأنّه أيضا خلاف مقتضى الوفاء به، فعليه إن حصلت المعاطاة من الطرفين في زمان واحد، فمعنى الوفاء عدم الاسترداد.

و إن حصلت من جانب واحد، فمعناه- مضافا إليه- تسليم الآخر مورد المعاملة، للزوم الوفاء به.

و إن حصلت بالمقاولة- بناء على أنّ محلّ النزاع، أعمّ من الفعل و القول غير المخصوص- فيتّحد معناه مع القول المخصوص و الصيغة الخاصّة.

ثمّ إنّه قد يشكل الاستدلال بها لصحّة المعاطاة، نظرا إلى أنّ مقتضاها اللزوم المفقود في المقام بالإجماع «1»، فلا كاشف لصحّتها كما عرفت.

و فيه أوّلا: أنّه سيأتي أنّها لازمة.

و ثانيا: نفي اللزوم لا يلازم الجواز المقصود في العقود الجائزة، فيمكن دعوى: أنّها مثل العقود التي فيها الخيار، فإنّه يجب الوفاء بمقتضاها، مع جواز فسخها قبل التفرّق من مجلسه. و لو صحّ ما قيل، للزم عدم صحّة التمسّك بها للعقد اللفظيّ إلّا بعض منه، كما لا يخفى.

و لو قيل: الآية ناظرة إلى إيجاب العمل بالعقد مطلقا، إن لازما فلازم، و إن جائزا فجائز، و لا تخصيص فيها، و لا يصحّ التمسّك بها حينئذ، لأنّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 29، لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 9- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 34

اللزوم و الجواز يعلمان من الخارج، و لا دلالة لها على حكم العقد و إن أوجبت الوفاء بمقتضاه قبل الفسخ «1».

و بعبارة أخرى: لا يعقل أن يكون الحكم حافظ موضوعه، فلا وجه للتمسّك بها

للزوم عدم فسخ العقد، فإذن يجب الوفاء به ما دام موجودا، و له أن يعدم موضوعه- و هو العقد- بالفسخ و نحوه.

قلنا: ظاهر الآية الكريمة و إطلاقها أنّها توجب الوفاء، و فسخ العقد يعدّ خلافه عرفا، و ليس وجوب حفظ العقد إلّا حكم العقل بأنّه إذا وجب الوفاء على الإطلاق، فلا بدّ من إبقائه، و لذلك يجب إبقاء الدار في الإجارة للمستأجر.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ وجوب الوفاء بالعقد، غير حرمة نقض العهد و فسخ العقد، و لا يعقل استفادة الحكمين من الآية الكريمة، فهي تفيد الأوّل، أي إذا تحقّق العقد يجب الوفاء به و إن جاز إعدامه، فعليه يشكل التمسّك بها لصحّة المعاطاة، لأنّ لزوم العقد و جوازه لا يعلم من قبلها، و إيجاب الوفاء و إن استلزم أحدهما و هو المطلوب، إلّا أنّ الآية بعد ذلك تصير ناظرة إلى العقود المتنوّعة باللزوم و الجواز، و كون المعاطاة واحدة منها محلّ الكلام، و مورد النقض و الإبرام، فافهم.

لا يقال: إنّ المتبادر من وجوب الوفاء بالعقد هو القيام به، و عدم البناء على خلافه، دون الالتزام بالآثار، و لذا يستهجن استعمال «وجوب الوفاء» في سائر أسباب الملك، كالإرث و نحوه.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 9- السطر 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 35

و السرّ فيه: أنّ العقد هو العهد، و الوفاء بالعهد مقابل لنكثه و الإعراض عن نفسه، لا عن آثاره، و لذا لا يعدّ سرقة البائع المبيع نكثا له، فهي بالدلالة على عدم جواز الرجوع، أولى من دلالتها على وجوب العمل بمقتضاه «1».

فإنّه يقال: كيف يحتمل ذاك، و الوجدان قاض بأنّ العهد الواجب الوفاء به، هو الذي يلزم ترتيب آثاره؟! و مثله النذر

و اليمين. بل لا معنى لإيجاب الوفاء بالعقد و العهد، إلّا باعتبار البعث إلى ترتيب مقتضياته و الإتيان بلوازمه، و أمّا نفس عدم البناء على خلافه فهو ليس نكثا و حنثا. و عدم كون السرقة نكثا، لأجل دخالة القصد في الوفاء بالعقد و نحوه، و هكذا في نقضه و نكثه.

إشكال صاحب الرياض على الاستدلال بالآية و جوابه

ثمّ إنّه استشكل في «الرياض» على صحّة الاستدلال: بأنّ المراد من «العقود» هي العقود المتعارفة في زمان صدور الآية، فلا بدّ من إحراز تعارف العقد أوّلا، ثمّ الاستدلال بها «2».

و فيه: أنّ الشبهة في العموم المذكور، بدعوى ظهور الآية- لما أنّها في سورة المائدة، و هي آخر سورة نزلت- في كون «اللام» للإشارة إلى

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 9- السطر 19 و ما بعده.

(2) رياض المسائل 1: 511- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 36

العقود الخاصّة، ربّما كانت قريبة، و قد اختارها جمع من المفسّرين «1»، و هذا يكفي لاستقرار الشكّ في العموم، فتأمّل جدّا، و لكنّ المعاطاة من العقود المتعارفة في عصرها، فيكشف صحّتها، و تكون الآية إمضاء لها.

دلالة آية الوفاء على التأسيس و الإمضاء بالنسبة للعقود

إن قلت: الهيئة في الآية إمّا إرشاد إلى لزوم ترتيب آثار العقد، لما أنّه يلزم التصرّف في مال الغير، أو إلى لزوم البناء على نفسه، و عدم جواز نكثه و نقضه، و على التقديرين لا تدلّ على صحّة المعاطاة، لأنّه على الثاني لا يكون حكم العقلاء، وحيدا بالنسبة إلى جميع العقود، بل العقود عندهم على صنفين: لازم، و جائز، و حيث تكون العقود الجائزة خارجة عنها، لا يعقل دلالتها على صحّتها، بل هي عندئذ تدلّ على صحّة العقود اللازمة.

و على الأوّل، تكون الآية إمضاء الطريقة العقلائيّة، فلا تكون سندا لصحّتها.

نعم، هي حينئذ دليل على إمضاء المعاطاة بعد معلوميّة وجودها في زمان صدورها.

قلت: كما تكون الآية إمضاء، هي تأسيس في مواقف الشكّ، بمعنى أنّها تأمر بالوفاء بالعقود، فإن كان من العقود ما هو المتعارف بينهم، فهي إمضاء، و إذا لم يكن متعارفا فهي تأسيس.

______________________________

(1) التبيان في تفسير القرآن 3: 414، مجمع البيان 3:

232.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 37

و هذا لا يورث الجمع بين التأسيس و الإمضاء- حتّى يقال بامتناعه، أو خروجه عن المتعارف في باب الاستعمالات- ضرورة أنّها ليست إلّا باعثة نحو الوفاء بالعقود فقط، و ينتزع عنوان «التأسيس» و «الإمضاء» من الإضافة الخارجة عن الاستعمال، كما لا يخفى.

فإذا كانت المعاطاة عقدا عرفا، لا بدّ من ترتيب آثار الوفاء، و هو يلازم الصحّة و النفوذ، فهي تورث الملكيّة بمقتضاها.

وجه عدم إمكان التمسّك بآية الوفاء بالعقود

و قد يتوهّم: أنّ صدرها المخصوص بالخطاب بالمؤمنين، في حكم القرينة على أنّ المقصود ما يخصّ بهم، فيكون من المسائل الاعتقاديّة، أو البعث إلى العمل بالوظائف الإلهيّة، و حلّية البهيمة من آثار الوفاء بتلك العقود. هذا و لا أقلّ من الاحتمال الكافي لصرف العموم، لصلاحية ذلك للقرينيّة.

أقول: التحقيق أنّ هذه النكتة و بعض الجهات المشار إليها، تورث سقوطها عن صحّة الاستدلال بها. هذا مع أنّ مراعاة مختار المفسّرين، و عدم معهوديّة الاستدلال بها في أمثال هذه المسائل بين قدماء الأصحاب إلّا نادرا أيضا، يؤدّي إلى ذلك. و خروج المعاهدات البدويّة المتعارفة بين الناس عن العموم بالسيرة، مع كثرتها المعتنى بها، يوجب وهنا فيها، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 38

عدم شمول آية حل البيع للمعاطاة
اشارة

ثمّ إنّه ربّما يشكل التمسّك بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» لأجل الجهل بالمراد من «الحلّية» فإنّه من المحتمل إرادة الحلّية التكليفيّة، أي أنّ البيع الناقل و السبب البيعيّ المملّك حلال، و لا يعاقب الناس عليه، و كون المعاطاة سببا مملّكا غير معلوم، فلا تشهد الآية على صحّتها.

و يمكن رفع الاستبعاد عنه بقوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «2» الظاهر في التكليفيّة. و كون الزيادة غير منتقلة إلى المشتري، لا يورث خلافه، ضرورة أنّ الربا محرّم تكليفا زائدا على حرمة التصرّف في مال الغير.

و هكذا لو فرضنا أنّ المحرّم البيع الربويّ، فإنّه مضافا إلى فساده محرّم تكليفا، فالحلّية التكليفيّة مصبّها الموضوع المفروضة صحّته عرفا و شرعا، و الحرمة موضوعها المفروضة صحّته و حلّيته عرفا، لا شرعا.

و يندفع أوّلا: الموضوع المفروض ليس إلّا المعاطاة، لأنّها هي المتعارفة بين الناس، فيشكل صحّة البيع العقديّ.

و ثانيا: لا وجه لحمل الآية على الإهمال، و الإطلاق

يقتضي صحّة البيع، للملازمة العرفية بين الحلّية و الصحّة. مع أنّ الحلّية ربّما

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) البقرة (2): 275.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 39

كانت بمعنى الإطلاق و الإرسال مقابل الحرمة، و هي بمعنى المنع، و لا يستعملان في مفاهيم الوضع و التكليف، و إن اعتبرا منه لأجل الخصوصيّات الخارجة عن الاستعمال، على ما تقرّر في الأصول.

فبالجملة: يتوقّف الاستدلال على ثبوت الإطلاق، و إلّا فالحلّية بجميع محتملاتها تجامع الصحّة إمّا شرعا، أو عرفا. و توهّم دلالة الآية بالمطابقة عليها «1»، ساقط جدّا، لأنّ المفهومين مختلفان.

و دعوى: أنّ الحلّية هنا بمعنى أنّه تعالى أحلّه محلّه و أقرّه مقرّه، و ليس معناها أنّه لم يصدّ عنه و جعله مرخيّ العنان في تأثيره، لأجل أنّ الحلّ- في قبال الشدّ- يتعدّى بنفسه «2»، مدفوعة، ضرورة أنّ من الأفعال ما يتّحد معناه في المجرّد و المزيد فيه، و لا ملزم لاستعمال المجرّد، كما لا يخفى.

إن قلت: المحتملات حولها كثيرة، فيحتمل أن تكون الآية إنشاء، و يحتمل أن تكون إخبارا، و يحتمل أن تكون ناظرة إلى نفي المماثلة في الحكم، و يحتمل أن تكون ناظرة إلى نفيها في حكم الزيادة الحاصلة بالبيع، و الحاصلة من البيع الربويّ، و يحتمل كونها جملة حاليّة، أو استقلاليّة، و يحتمل كونها موجبة، أو في حكم السالبة، لما أنّها سيقت

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 17، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 25- السطر 18.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 25- السطر 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 40

لرفع المنع «1».

و بالجملة: يحتمل فيها الإطلاق و الإهمال، و لا يمكن الخروج عن هذه المحتملات حتّى يمكن الاستدلال بها و لو ثبت

الإطلاق و إن تمّ الاستدلال إلّا على الاحتمال الثاني، إلّا أنّ الظاهر كونها جملة إخباريّة عن طبيعيّ الفرق، و لا يكون المخبر عنه منشأ بنحو الإطلاق و الكلّية.

أو الظاهر أنّها لا تبيّن حكم طبيعة البيع؛ لما هي معلومة، فهي مسوقة لبيان الفرق بين ربح المكسب الصحيح و البيع الربويّ.

و إن شئت قلت: المستفاد منها أنّ ما هو الحاصل من البيع- أي المؤثّر الخارجيّ- غير الحاصل من المكسب الباطل، فلا يعقل دلالتها على صحّة المعاطاة.

قلت: لا شبهة في أنّها بظاهرها جملة حاليّة إخباريّة مسوقة لبيان الفرق بين الموضوعين، ردّا على الذين قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا «2» و وجه الفرق حلّية البيع و حرمة الربا.

و الذي يستظهر منها: أنّ المراد- بعد ملاحظة القرائن حول الآية الكريمة الشريفة- نفي التسوية بين البيع غير الربويّ و الربويّ؛ لأنّ الربا المحرّم ليس عنواناً يقابل البيع، بل هو من الأوصاف المصنّفة للبيع و نحوه، و المقصود من نفيها بهذه الكيفيّة إرشاد القائلين بها إلى أنّهما كيف يتساويان، مع اختلاف ملاكهما و المصلحة و المفسدة فيهما؟! ضرورة

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 59- 62.

(2) البقرة (2): 275.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 41

أنّ اللّه حرّمه و أحلّ البيع، و ذلك لا يكون جزافا، فيعلم الفرق بينهما قطعا.

فإذن لا معنى لإطلاقها؛ لعدم كونها في مقام جعل الحكم، أو الإخبار عن الحكم المجعول بنحو الإطلاق، لأنّه خارج عمّا يعلم من مقصود المتكلّم. بل ربّما يلزم الكذب، لأنّ مقتضى كونها إخباريّة إخبارها عن أمر جدّي، لا صوريّ و قانونيّ، و ليس مطلق البيع حلالا جدّا، فتأمّل جيّدا.

و أمّا توهّم عدم إمكان التمسّك بها، على فرض إطلاقها في الفرض الثاني

«1»، فغير تامّ، لأنّ لازم حلّية الزيادة الحاصلة من البيع بنحو الإطلاق حلّيته أيضا، لأنّ البيع مفهوم عرفيّ، و لا معنى لحمله على المعنى المؤثّر الشرعيّ، فإذا كانت المعاطاة بيعا فالزيادة الحاصلة منها حلال، و مقتضاها صحّتها قهرا، فتأمّل.

و الحاصل: أنّ الاحتمالات لا تضرّ بالاستدلال لو أمكن إثبات الإطلاق، و لكنّه مشكل جدّا.

نعم، بناء على ما سلكناه في المسألة، لا تبقى المعاطاة بلا دليل، لأنّها القدر المتيقّن من شمولها.

توهّم عدم إمكان تحليل البيع لامتناع تحليل المعنى المسببي

لا يقال: لا يعقل تحليل البيع، لأنّه ليس نفس الألفاظ، و لا النقل و الانتقال، ضرورة أنّ حقيقته تحصل بها، و يحصل منها النقل، فهو أمر آخر ربّما يكون المعنى الجامع من الألفاظ و المعاني، و من الأسباب

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 60.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 42

و المسبّبات، فالسبب المتعقّب بالمسبّب هو البيع، على أن يكون القيد داخلا، و إذن لا يعقل جعل الحلّية للبيع، لعدم معقوليّة جعلها للمعنى المسبّبي.

فما اشتهر: «من أنّه التمليك بالعوض» «1» و ما يقاربه «2»، ناشئ عن الذهول عن حقيقته، فإنّه من لوازم تلك الحقيقة و آثارها.

فإنّه يقال أوّلا: لو سلّمنا ذلك فتكون الآية مورثة لحلّية الآثار، و مقتضى حلّيتها على الإطلاق، صحّة السبب و نفوذها و حصول الملكيّة عرفا، للملازمة نوعا. بل لا معنى لاعتبار حلّية جميع الآثار إلّا اعتبار الملكيّة، لعدم معقوليّة اعتبارها للآخر.

و ثانيا: ليس المسبّب جزء مفهوم البيع، و لا هو نفس ذات السبب، بل المسبّب قيد خارجا، فما هو موضوع الحلّية هو المؤثّر الخارجيّ عند العرف، دون الشرع، و حيث تكون المعاطاة مؤثّرة تشملها الآية الكريمة.

و توهّم: أنّ ذلك ينافي اتصافه بالفساد في نظر العرف، في محلّه، إلّا أنّ

منشأ الاتصاف ربّما يكون التسامح، أو بلحاظ فقد الشرائط الشرعيّة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

60- السطر 9.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 81- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 43

توهّم عدم إطلاق الآية و جوابه

ثمّ إنّه ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» يكون ناظرا إلى البيع الخارجيّ، لتعرّضه لتحريم الرّبا، و هي الزيادة الخارجة عن طبيعة البيع، و اللاحقة بالفرد منه، و تكون من تبعاته في الخارج، فلا وجه لتوهّم الإطلاق له.

و إن شئت قلت: ليس مطلق الزيادة محرّمة في الآية، و لا يلتزم به، فالآية تختصّ بزيادة مخصوصة، و هي الزيادة في البيع على ما قد يستظهر منها في مقامه «2»، و إذن يكون المراد حلّية البيع الخارجيّ، و تكون وضعيّة محضا، و لا إطلاق حينئذ لها، لأنّها تكون حينئذ ناظرة إلى تحليل البيع الخالص من الربا و تحريم الربا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بثبوت الإطلاق تعبّدا، لما ورد في «الفقيه» بسنده عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك، إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرام، و هو من الربا.

قال عليه السلام: «و هل رأيت أحدا يشتري- غنيّا، أو فقيرا- إلّا من ضرورة؟! يا عمر، قد أحلّ اللّه البيع و حرّم الربا، فاربح و لا تربه».

قلت: و ما الربا؟

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) يأتي في الصفحة 89.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 44

قال عليه السلام: «دراهم بدراهم، مثلان بمثل» «1».

بناء على كونها ناظرة إلى الآية الشريفة.

و فيه: أنّه كذلك، إلّا أنّ ذلك لا يورث الإطلاق، لأنّ استدلال الأئمّة عليهم السلام بالكتاب أعمّ من الصحّة، كما لا يخفى.

توهّم وضع «البيع» للصحيح و عدم شموله للمعاطاة

ثمّ إنّه قد يشكل التمسّك بها، لما ادعي: أنّ المعاطاة غير ثابت كونها بيعا، لأنّه موضوع للصحيح «2»، و قد مرّ بعض الكلام فيه «3».

و ينحلّ الإشكال: بأنّه على القول بأنّه موضوع للأعمّ و الأخصّ على ما عرفت آنفا،

لاختلاف الشرع و العرف، بمعنى أنّ العرف إذا لاحظ في البيع القيود الشرعيّة، يقسّمه إلى الصحيح و الفاسد، و إذا لاحظ فيه القيود العرفيّة يكون أمره دائرا بين الوجود و العدم، و على التقديرين يتمّ الاستدلال.

و هكذا على القول: بأنّه موضوع للأعمّ مطلقا «4».

و دعوى كونه موضوعا للأخصّ على الإطلاق «5»- ترجع إلى القول

______________________________

(1) الفقيه 3: 176- 793.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 7- السطر 10- 11.

(3) تقدّم في الصفحة 21.

(4) درر الفوائد، المحقّق الحائري: 54.

(5) انظر القواعد و الفوائد 1: 158، الفائدة الثانية من القاعدة 42، مسالك الأفهام 2:

159- السطر 37.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 45

بالحقيقة الشرعيّة، و هي باطلة قطعا، خصوصا في ألفاظ المعاملات.

تلخيص الشبهات السابقة

هذا تمام الكلام في رفع الشبهة على صحّة المعاطاة، و قد عرفت:

أنّ الشبهات من طرق شتّى:

فتارة: من جهة عدم إمكان الإنشاء بالفعل.

و اخرى: من جهة أنّ مجرّد الإمكان غير كاف.

و ثالثة: لأجل دعوى خروجها موضوعا عن أدلّة الإمضاء.

و رابعة: لأجل دعوى قصور تلك الأدلّة عن شمولها، و إن كانت عقدا و بيعا.

و قد مضى رفعها من الثلاثة دون الأخيرة، إلّا على ما سلكناه.

و لا ينبغي الخلط بين الجهات المبحوث عنها فيها و أدلّتها، فإنّ البحث في المعاطاة تارة: يكون من ناحية أنّها تورث الملكيّة، أم لا.

و اخرى: من ناحية أنّها لو اقتضت الملكية تكون سببا ممضى شرعا و تشملها الأدلّة العامّة، أم لا.

و ثالثة: في لزومها و جوازها.

و ما قد يرى من بعض المحقّقين من الاستدلال بالأدلّة اللفظيّة لإفادة المعاطاة الملكيّة «1»، في غير محلّه، و كان ينبغي عقد البحث على

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 17، الإجارة، المحقّق الرشتي: 7- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 46

هذه الطريقة، و الأمر سهل.

تتميم: حول الاستدلال بآية التجارة على صحّة المعاطاة
اشارة

قصور الآيتين عن شمولها لا يلازم قصور آية التجارة «1» عنه، لأنّ ظاهرها هو أنّ الميزان لصحّة الأكل و جوازه، هي التجارة غير المنطبق عليها عنوان «الباطل» و تكون حقّا، و المعاطاة تجارة عرفيّة عقلائيّة، و ليست باطلا عند العقلاء.

بل الظاهر منها أنّ المدار على الحقّ و الباطل، و لا خصوصيّة لباب الأموال و المعاملات و العقود و الإيقاعات، فما هو الحقّ هو الممضى، و ما هو الباطل منهيّ بها، لأنّ وجه النهي عن الأكل و التصرّفات بإطلاقها هو البطلان عرفا، لا الأمر الآخر، و يصير عرفا وجه التجويز كونها حقّا، سواء كانت تجارة، أو نكاحا.

و ربّما يخطر بالبال قصورها، لما فيها من الاحتمالات الكثيرة الناشئة من اختلاف القراءة رفعا و نصبا في لفظة «التجارة» و من اختلاف الآراء في كون الاستثناء منقطعا، أو متّصلا.

و من أنّها على فرض كونها منصوبة، تكون خبرا، أو قائمة مقامه، أي يصير المعنى «إلّا أن تكون التجارة تجارة عن تراض» أو «أن تكون الأموال أموال تجارة».

______________________________

(1) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 47

و من اختلافهم في أنّ «الباء» للسببيّة أو لغيرها، و في أنّ «الأكل» كناية عن التصرّف، أو هو المقصود مع قصد التصرّفات، و بلا قصدها، أو يكون الغرض النهي عن التملّك بالباطل، كالقمار، و السرقة، و الخيانة «1».

هذا مع أنّ مقتضى قراءة الرفع، كون جملة المستثنى مستقلّة، لما أنّ الاستثناء منقطع.

و أمّا على أن يكون متّصلا، فيشكل تصحيح الآية إعرابا، إلّا على أن يقال: بأنّ المحذوف كلمة «الأموال» «2» و هي الاسم، و قد حذفت لعدم خصوصيّة لها، و لدعوى: أنّ التجارة هي الأموال،

أو لأجل انتقال المخاطب إلى أنّ تمام الموضوع هي التجارة، و إن وقعت على ما يقابل الأموال، كالحقوق مثلا، بناء على أنّ الظاهر من «الأموال» هي الأعيان، أو هي و المنافع.

فحينئذ كيف يمكن استفادة الحكم منها مع هذه الوجوه الكثيرة؟! و توهّم: أنّه يمكن الاستدلال لصحّة المعاطاة على جميع الوجوه الممكنة «3»، فاسد، ضرورة أنّ بناء العقلاء على عدم العمل بمثل هذه الظواهر غير المعلوم منها مراد المتكلّم، لا العمل بالقدر المتيقّن فيها،

______________________________

(1) لاحظ التبيان في تفسير القرآن 3: 178، مجمع البيان 3: 58- 59، زبدة البيان: 427.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 65.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 64.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 48

كما لا يخفى.

أقول: تكثير الوجوه لا يوجب سقوط الظواهر، إلّا إذا تردّد الأمر، و لم يتمكّن من تعيين ما هو الظاهر.

و لعمري، إنّ الآية ظاهرة في الاستثناء المنقطع، لأنّ الباطل بذاته ممنوع، و ليس قابلا للإمضاء، و جعل جملة بِالْبٰاطِلِ علّة للنهي، خروج عن الظاهر، فإنّها من متعلّقات الفعل الناقص، و يكون المقصود طريق الباطل و السبب الساقط، فيصير ظاهر الآية النهي عن أكل الأموال بالوجوه الباطلة، إلّا أن تكون الأموال من تجارة عن تراض، فالنّصب على حذف كلمة الجارّ، و إذا كانت المعاطاة من التجارة، و لم تكن باطلة، تصير صحيحة و نافذة.

شبهات على الاستدلال بآية التجارة لا يمكن دفعها

فمنها: ما مرّ منّا «1»، و هو أنّ الآية ناظرة إلى اعتبار الرضا و طيب النفس في المعاملة، و النهي عن أكل الأموال بغير رضا صاحبها، و لا تكون ناظرة إلى تجويز جميع الأسباب غير الباطلة، و إلّا لما كان وجه لذكر القيد في المستثنى مع عدم ذكر سائر القيود المعتبرة، فإنّه

يشهد على أنّ النظر إلى الرضا و التراضي، و أنّ الباطل و إن كان موضوعا للنهي، إلّا أنّ التجارة عن تراض ليست موضوعا للتجويز.

فبالجملة: هي تفيد اعتبار التراضي في صحّة الأكل و التصرّفات،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 49

و لا تكون في مقام بيان حكم آخر.

و منها: أنّ الاستثناء من النفي لا يورث الإثبات، و لو أثبت فلا يثبت به الإطلاق و لو كان الاستثناء منقطعا، لأنّ الانقطاع يؤكّد عموم المستثنى منه، لا عموم نفسه. بل الانقطاع يشهد على أنّ المتكلّم في مقام بيان حكم المستثنى منه، فلا تغفل.

و منها: أنّ كلمتي «الحقّ» و «الباطل» من الألفاظ التي يختلف الأقوام و الأديان و الأمم و أهل الذوق في تفسيرهما، و لا يمكن تفسيرهما على وجه ثابت كتفسير سائر المفاهيم العرفيّة و اللغات، فإنّه كما يصحّ أن يقال:

ألا كلّ شي ء ما خلا اللّه باطل

و يكون أصدق شعر قالته العرب «1»، يصحّ أن يقال «التجارة عن تراض ليست من الباطل» ففي الإسلام يكون أمور باطلة، و حقّة بالأنظار المختلفة.

و إن شئت قلت بالحقيقة الشرعيّة في هذه الألفاظ. بل لهما الحقائق الكثيرة في الشرائع و الأمم.

و لا يذهب عليك أنّا نقول باختلاف المفهوم، بل المقصود اختلافهم في تشخيص الصغريات، فكثير من الأباطيل العرفيّة حقّ في الشرائع و بالعكس، و عندئذ لا معنى للتمسّك بالآية لموارد الشكّ.

______________________________

(1) سنن البيهقي 10: 237، حلية الأولياء 7: 201، الأغاني 15: 375.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 50

و لعلّه ما توجّه إليه المحقّق الأردبيلي- قدّس اللّه نفسه- «1».

و يؤيّده المرويّ عن أبي جعفر عليه السلام حيث عدّ الرّبا من أكل المال بالباطل «2».

و توهّم:

أنّه من الباطل حكما «3»، في غير محلّه، لأنّها باطل واقعا و عقلا و إن لم يساعد عليه العرف، و عليه مدار معاش الأمم، و سيأتي حولها المباحث الأخر عند البحث عن لزوم المعاطاة «4».

و منها: أنّ صحّة المعاطاة مشروطة- مضافا إلى كونها تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ- بأن يصدق عليها «الحقّ» أو لا يصدق عليها «الباطل» و لو شكّ في ذلك فلا يصحّ التمسّك لها بالآية الشريفة، فلو فرضنا أنّ مفهومي «الحقّ» و «الباطل» من المفاهيم العرفيّة كغيرهما، و لكنّه يشكل دعوى ذلك هنا، ضرورة أنّ السيرة العقلائيّة عليها من سائر الأمم، لا تورث حقّيتها و أنّها ليست باطلة، لقيامها على الأباطيل.

و هي في الأمّة الإسلاميّة ناشئة من آراء الفقهاء، فلا استقلال لهم في هذا الأمر، و إذا شاهدنا فقهاءنا و قد أفتوا بأنّ المعاطاة لا تفيد الملك، و الناس بنو على خلافهم، يعلم أنّ السيرة حصلت من عدم مبالاتهم بالآراء الحقّة اللّازم عليهم اتباعها، فالتوسّل بالمعاطاة لجواز الأكل ممّا لا بأس

______________________________

(1) زبدة البيان: 427.

(2) مجمع البيان 3: 59، البرهان في تفسير القرآن 1: 363 و 364- 10 و 11.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 64.

(4) يأتي في الصفحة 82- 88.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 51

به، إلّا أنّها لا تندرج في المستثنى بالوجه المقصود، كما لا يخفى.

و توهّم عدم لزوم صدق «الحقّ» أو «عدم الباطل» على المستثنى، حتّى يلزم الإشكال في صحّة الاستدلال، في غير محلّه، لأنّ الظاهر من الاستثناء أنّ التجارة عن تراض ليست باطلا، و لأجله تكون نافذة، بل مقتضى لزوم كونها خارجة عن المستثنى منه، دخولها تحت أحد العنوانين.

و لو لم يكن الأمر كما ذكر يلزم التعارض

بين الجملتين- المستثنى منها، و المستثناة- في المعاملات الربويّة، فإنّها تجارة عن تراض و باطلة، فليتدبّر جيّدا.

تنبيه: في التمسّك بالمستثنى منه في آية التجارة على صحّة المعاطاة

ظاهر القوم أنّ المستثنى دليل على صحّة المعاطاة «1»، و لا يجوز التمسّك بالجملة الاولى لها، بخلاف لزومها.

و الذي يظهر لي، إمكان التمسّك بها للصحّة أيضا، فإنّه بناء على انقطاع الاستثناء يستفاد منها الكبريان: عدم جواز أكل الأموال بالباطل، و الرخصة فيه بالتجارة، فلو فرضنا عدم صدق «التجارة» على المعاطاة، و عدم صدق «الباطل» عليها، فإنّها خارجة عن عموم النهي.

و لا يلزم اندراجها في عموم الترخيص، لخروج العناوين الكثيرة منها، كالإباحات، و الأوقاف و نحوها. و توهّم وجود دليل المخرج لها دونها،

______________________________

(1) منية الطالب 1: 50- السطر 4، بلغة الفقيه 2: 102- 103.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 52

في غير محلّه، لأنّ السيرة القطعيّة تكفي له.

إشكال عدم إمضاء آية التجارة للمعاطاة العقلائيّة و جوابه

قد يشكل دلالتها على المدّعى: و هو أنّ المعاطاة ليست في نظر الشرع ممضاة على النحو المرتكز لدى العقلاء، فإنّ مفاد الاستثناء ترخيص التصرّفات و الأكل بالتجارة، و لا دلالة لها على أنّ ذلك لأجل إمضاء سببيّتها للملكيّة التي هي موضوع لها، بل لعلّ الشرع بعد وقوع التجارة رخّص مستقلّا.

و فيه: أنّه خلاف المتفاهم العرفيّ، مع أنّه يستلزم إسقاط السببيّة العرفيّة لها، كما لا يخفى.

خاتمة: في الروايات المستدلّ بها على صحّة المعاطاة
اشارة

إلى هنا تقرّر وجه الاستدلال بالآيات، و قد عرفت قصورها عن تصحيح المعاطاة و كونها دليلا إمضائيّا لها إلّا على ما سلكناه، من أنّها القدر المتيقّن، دون العقود اللفظيّة «1».

بقي الكلام حول بعض الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها عليها:

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 53

الاستدلال بحديث السلطنة
اشارة

فمنها: ما اشتهر بينهم، و هي قاعدة التسليط، و «إنّ الناس مسلّطون على أموالهم» على ما هو المرويّ في «البحار» «1».

و عن «السرائر»- على ما في عبارته المحكيّة في تنبيهات قاعدة «لا ضرر.» للشيخ رحمه اللّه «2»- يظهر تمسّكه بها.

و من المحتمل قويّا أنّ «السرائر» استند إلى قاعدة ثابتة عند العرف، من غير استناد إلى المعصوم عليه السلام «3» و لمّا كان دأب المتأخّرين على التقاط الأحاديث من الكتب الاستدلاليّة، توهّموا أنّه حديث، فنسبوه إلى رئيس الإسلام غفلة و ذهولا.

و يؤيّد ذلك ما عرف من مذهبه من عدم العمل بأخبار الآحاد «4»، فلا يمكن أن يوجد حديث عنده، و لا يوجد عند الآخرين، فراجع.

و غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال: هو أنّها قاعدة إمضائيّة لطريقة العقلاء، و مدلولها المطابقيّ ليس إلّا اعتبار السلطنة المطلقة على الأموال، سواء كانت من التصرّفات الخارجيّة المجامعة مع

______________________________

(1) بحار الأنوار 2: 272- 7.

(2) رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن المكاسب، الشيخ الأنصاري: 375- السطر 7.

(3) قال في السرائر: «لأنّ الناس مسلطون على أملاكهم»، بلا إسناد إلى معصوم عليه السلام.

السرائر 2: 382.

(4) السرائر 1: 51.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 54

وجودها، أو المفنية لها، ضرورة أنّ خروجها عن موضوعها، في الرتبة المتأخّرة عن السلطنة عليها الموجبة لانعدامها، فإذا كانت السلطنة عليها

أمرا عقلائيّا، و القدرة عليها معتبرا عرفيّا، فكلّ ما ينافيها يعدّ عندهم ساقطا، فلو منع سلطان عن سلطنة أحد على ماله يكون ذلك عندهم غصبا.

و من ذلك لو منعه عن تسليط الغير عليها مجّانا أو بعوض، فإنّه مزاحمة مع حقّه الثابت لديهم في أمواله.

و هذا في المعاطاة واضح و مناف للمدلول المطابقيّ، و في العقد اللفظيّ مناف للمدلول الالتزاميّ، لاستلزام المنع عن النقل الاعتباريّ منعه عن السلطنة على ماله بتسليط الغير عليه بعنوان الوفاء بالعقد، فإذا كان مسلّطا على تسليط الغير بعنوان التملّك، تصحّ المعاطاة، و بعنوان الوفاء بالعقد يصحّ العقد اللفظيّ بلازمه، فيصحّ التمسّك بها لرفع ما شكّ في اعتبار شي ء في العقد.

و توهّم: أنّها لا دلالة لها على صحّة الإعراض و نفوذه، لأنّه لا سلطنة لها على سلب السلطنة «1»، فاسد جدّا، ضرورة أنّ الإشكال يسري إلى النقل بعوض أوّلا.

و ثانيا: ليس هذا من السلطنة على سلبها، بل هي السلطنة على إخراجها من الإضافة الخاصّة، فإذا انتفت الإضافة ينتفي موضوع القاعدة، و ينتزع حينئذ السلطنة على سلب السلطنة، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه النظر في تقاريب القوم حول الاستدلال بها،

______________________________

(1) لاحظ مصباح الفقاهة 2: 102.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 55

و أنّها لا تتقوّم بكونها مثبتة للسلطنة بأنواعها، و المعاطاة منها «1»، أو هي الصنف الملحق بنوعها، لأنّ المراد منه ليس النوع المصطلح «2»، حتّى يتوجّه إليه: أنّ قاعدة التسليط لا دلالة لها على بيان المقرّرات العرفيّة و الشرعيّة في النقل و الانتقال، و لا يعقل نظارتها إلى الأسباب و العقود، لأنّها غير الأموال «3»، فافهم و تدبّر.

شبهات و تفصّيات متعلّقة بحديث السلطنة
الشبهة الأولى:

ما أشير إليه، و هو أنّ السلطنة على الأموال للناس، لا

تعقل مع فقد موضوعها، و هو الناس، و ما هو كالموضوع لها، و هي الأموال، فمفادها القدرة على الأموال و جواز تصرّفهم فيها بأنحاء التصرّفات التي يبقى معها الحكم، و لا يعقل اقتضاء الحكم إعدام موضوعها أو ما هو كالموضوع «4».

و فيه: نقض بأنّها ترد على قوله تعالى:

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 20، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 12، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 77- السطر 27، مصباح الفقاهة 2: 101- 102.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 69- السطر 32.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 80.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 77- السطر 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 56

إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ «1».

و حلّها: أنّ الأموال متعلّق السلطنة التي هي الحكم المجعول فيها، أو الممضيّ بها، و عموم السلطنة يقضي بأنّ الناس يجوز لهم التصرّف فيها على الإطلاق، و خروج المال عنه بالسلطنة عليه و إعدامه لا يورث السلطنة على المعدوم، و لا لزوم حفظه.

و لو فرضنا أنّ الشبهة غير منحلّة عقلا فهي منحلّة عرفا قطعا، و أنّه يعلم منها المراد، كما لا يخفى.

الشبهة الثانية:

أنّ ما لدى العرف في إنفاذ المعاملات، يتوقّف على أمرين:

أحدهما: سلطنة المالك على ماله، فمثل المجنون و الطفل غير المميّز لا سلطنة لديهم، فلا بدّ في إنفاذ المعاملة من السلطنة على المال.

ثانيهما: إيقاع المعاملة على طبق المقرّرات العقلائيّة، فبيع المجهول المطلق بمجهول مطلق، ليس نافذا لديهم، لا لقصور سلطنة المالك، بل لمخالفته للمقرّر العقلائيّ.

فإنفاذ السلطنة على الأموال، لا يلازم الإنفاذ الثاني، بل العرف له السلطان على الأموال، و عليه التبعيّة للمقرّرات العقلائيّة، و لا سلطنة له عليها، فأحد الحكمين أجنبيّ عن الآخر، فلا معنى للاستدلال

بها لصحّة

______________________________

(1) البقرة (2): 20 و 106 و 109.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 57

المعاطاة أو العقد المستحدث الآخر، و لا ينبغي الخلط بين البابين و المقامين «1».

و فيه: أنّ تسليط الغير على الأموال جائز بمقتضاها، فلو سلّطه عليها بعنوان التمليك بعوض، فهو أيضا صحيح، مع أنّ تسليط الغير خلاف مفادها، لأنّ الناس لا يسلّطون على أنفس الآخرين، و لكنّه كما يجوز له أن يجعل ماله مورد سلطنة الآخر بلا عوض، له أن يجعلها مع العوض، فمع قبول المسلّط عليه يجوز له التصرّف فيما انتقل إليه، و هذا هو النقل البيعيّ المستخرج منها.

فلزوم التبعيّة للمقرّرات العرفيّة يتصوّر على وجهين:

أحدهما: ما هو غير المنافي لعموم السلطنة عرفا، كما في المثال المذكور.

و ثانيهما: ما هو المنافي عرفا، و هو يمنع عن تسليط الغير بعوض على ماله، و المنع عن مبادلة ماله بمال الآخرين و لو في صورة.

فالمدار على فهم العرف فيما هو المنافي لعموم السلطنة و نفوذها، فالقاعدة و إن تعرّضت للسلطنة على الأموال، إلّا أنّ الملازمات المنافية لها تدفع بها.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 80.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 58

الشبهة الثالثة:

ليس مقتضى قاعدة التسليط جواز التصرّفات على الإطلاق «1»، بحيث تكون مرجعا لو شكّ في حلّية شي ء و حرمته، أو نفوذ شي ء و فساده، و إلّا يلزم جواز التمسّك بها لو شكّ في حلّية لحم الأرنب مثلا، مع أنّه لم يعهد منهم التمسّك بها في أمثال المقام، فهي لم ترد في مقام التشريع.

و لا تدلّ على استقلال الملّاك في التصرّف في أموالهم من جميع الجهات، حتّى يلزم التخصيص بالنسبة إلى الممنوعات الشرعيّة في المآكل و المشارب و

الملابس و غيرها، فإنّها في أفق آخر لا ينافي ما ذكر:

و هو أنّ الملّاك مستقلّون في أموالهم في الجهات المشروعة، و لا وجه لمزاحمة الآخرين لهم، فهم غير محجورين عن التصرّف فيها في تلك الجهات، فعليه لا يمكن رفع الشبهات الحكميّة بها، تكليفيّة كانت، أو وضعيّة.

و فيه: أنّ الملازمة بين عدم كونها قاعدة رافعة للشكّ في بعض المقامات، و بين كون معناها ما ذكر، ممنوعة جدّا، فإنّها قاعدة يصحّ رفع الشكّ بها، إلّا أنّ الشكوك مختلفة، فتارة: يشكّ في أنّ زيدا له السلطنة على ماله أم لا، و اخرى: يشكّ في أنّ السلطنة الكذائيّة ثابتة له أم لا، فإنّها بعمومها تكون رافعة، فهي قاعدة مشرّعة من تلك الجهة، و بإطلاقها إن لم تكن مشرّعة و رافعة للشكّ و الشبهة، فهو لا يستلزم أن يكون معناها

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 2: 101- 102.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 59

ما ذكر، فإنّه تقييد بلا دليل، و لا ملزم لتفسيرها على الوجه المنطبق على القواعد.

فبالجملة: سيأتي منّا أنّها قاعدة عامّة مشرّعة بعمومها، و لا إطلاق لها حتّى يصحّ رفع الشبهة الثانية بها، بل لا يعقل الإطلاق لها «1»، و ما قيل فهو من القرائن على عدم الإطلاق لها، لا على أنّ معناها السلطنة على الجهات المشروعة حتّى يلزم إفادة الواضحات، فتدبّر.

هذا مع أنّ الالتزام بالإطلاق و التقييد، التزام بالأمر الرائج في القوانين العرفيّة و الشرعيّة، و عليه مدار المقرّرات كلّها، و عدم تمسّك الأصحاب لرفع الشبهات الحكميّة بها، كعدم تمسّكهم بها لتصحيح العقود المستحدثة، فإنّه لا يضرّ شيئا.

الشبهة الرابعة:

هذه القاعدة ليست منجّزة، لعدم معقوليّة جعل السلطنة على الأموال و إن زاحمت السلطان الحقيقيّ و الشرع الأقدس، فهي

قاعدة معلّقة، سواء كانت تأسيسيّة، أو إمضائيّة، لأنّ حكم العقلاء أيضا معلّق على عدم ورود الدليل من السلطان الحقيقيّ.

نعم، العرف غير المنتحل للديانة لا يكون كذلك. اللّهم إلّا أن يقال:

بأنّهم أيضا يعتقدون التعليق بالنسبة إلى الهرج و اختلال النظم.

فعليه لا دلالة لها على صحّة عقد من العقود، لاحتمال ورود الأمر

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 62.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 60

من الشرع على خلافها «1».

و فيه: أنّ مثل هذا التعليق سار و جار في جميع القوانين العرفيّة و الشرعيّة، و هذا لا يورث التعليق في الحكم المنجّز، بل الحكم المنجّز- في مقام المزاحمة- يترك إذا كان المزاحم أقوى.

هذا مع أنّ التعليق العقليّ، لا يورث سقوط التمسّك بالدليل اللفظيّ، لما تقرّر منّا في ذيل آية الوفاء بالعقود «2»، فإذا فحصنا عن حال المعاطاة، و لم نجد نهيا في الشريعة عنها، فهي صحيحة، تمسّكا بالعمومات و الإطلاقات في الشبهات المصداقيّة اللبّية العقليّة.

الشبهة الخامسة:

لا إطلاق لها، إمّا لأجل أنّها في مقام رفع الحجر عن الملّاك بإثبات السلطنة لهم على أموالهم.

و إمّا لأنّها قاعدة حيثيّة، بمعنى أنّها تكفّلت لإثبات صرف وجود السلطنة، من غير أن يكون النهي عن التصرّفات الخاصّة منافيا لها، كقوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «3» فإنّ هذه الحلّيّة حلّية من حيث الذات، و لا ينافيها الحرمة العرضيّة الجائية من قبل الوطء و غيره.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 83.

(2) تقدّم في الصفحة 29.

(3) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 61

فعلى هذا، رفع الشكّ بها غير ممكن إلّا إذا شكّ في أصل السلطنة، دون الخصوصيّات الراجعة إلى الأسباب المملّكة، و عندئذ ينتفي توهّم التعارض بينها و بين سائر

الأدلّة المانعة عن بعض التصرّفات «1».

و فيه: أنّ التزامهم بعدم الإطلاق، لأجل الفرار من بعض الشبهات المتوجّهة إلى ظاهر الحديث، و هذا لا يقتضي ذاك، و لا ملزم لتفسيرها بالوجه المنطبقة عليه القواعد، حتّى يلزم ارتكاب خلافها، فإنّها- بلا شبهة- تكون ظاهرة في عموم السلطنة للناس، و إطلاقها لجميع الأموال في أنحاء التصرّفات، و هو يستلزم نفوذ الأسباب، لأنّ مقتضى نفي الملازمة ممنوعيّتهم عنها كما عرفت.

بل قضيّة كونها أمرا عقلائيّا، هي السلطنة على الإطلاق المورثة لجواز التصرّفات الاعتباريّة كالخارجيّة، لما نجد منهم الاستدلال بها في موقف منعهم عنها، فلو قيل: «لا تبع هذا» يجيب: «بأنّه مالي و ملكي نتصرّف فيه كيف نشاء».

و إن شئت قلت: لا خصوصيّة للقيود المأخوذة في هذه القاعدة، لأنّها بيان ارتكاز العرف و العقلاء، و مقتضى المناسبة بين كون شي ء مال أحد و في ملكه، إطلاق سلطنته بالنسبة إلى ما لا يعدّ عندهم مزاحما معه، فلا يجوز له أن يقتل أحدا بسيفه بدعوى إطلاق سلطنته.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 82- 83.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 62

شبهة منع إطلاق حديث السلطنة و جوابها

و ممّا ذكرنا يظهر النظر في الشبهة على الإطلاق: بأنّها قاعدة تنادي بعدم الفرق بين العرب و العجم و الترك و الديلم في ثبوت السلطنة على أموالهم، و لا نظر لها إلى إطلاق السلطنة. و تأييده باقتضاء كلمة «الناس» ذلك، في غير محلّه، فليتدبّر.

و الذي يخطر بالبال أن يقال: هو أنّ القاعدة من العمومات اللفظيّة، و المحمول فيها جمع يفيد العموم، و شأن هذه العمومات غير شأن المطلقات، فإنّه فرق بين قولنا: «الناس لهم السلطنة على أموالهم» و قولنا: «الناس مسلّطون على أموالهم» فإنّ النظر في الاولى إلى جعل

الطبيعة محمولا، و حيث لم تكن مقيّدة يكشف أنّها تمام الموضوع.

و بعبارة أخرى: المتكلّم في هذه الصورة ناظر إلى نفس الطبيعة، و جعلها سارية و محمولا، بخلاف الصورة الثانية، فإنّ النظر فيها إلى تكثير الطبيعة إلى جميع الأفراد، و لا معنى لأن يكون ناظرا إلى أنّ الطبيعة وحدها هي المقصودة على الإطلاق، أو هي مع القيد الآخر، و هذا أمر يسري في جميع العمومات اللفظيّة.

نعم، إذا تعرّض في ذيل كلامه لما يدلّ على الإطلاق، كأن يقال: «حتّى السلطنة على الأكل» فهو، و إلّا فالمناسب للقواعد الأدبيّة التعرّض لعموم القضيّة و خصوصها، فيقول: «الناس مسلّطون على أموالهم، حتّى الكفّار» أو «إلّا كذا» فلاحظ و تدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 63

و يمكن دعوى: أنّ هذه القاعدة كما لا تدلّ على جواز ارتكاب الشبهات الحكميّة و الموضوعيّة، تدلّ على نفوذ المعاطاة و العقود المستحدثة، و ذلك لشهادة العرف على أجنبيّتها عن الاولى دون الثانية، و لعلّه لأجل أنّ ظاهرها الارتباط مع المسائل الوضعيّة، دون التكليفيّة.

اختصاص حديث السلطنة بالمعاملات العرفيّة الإمضائية

و لك أن تقول: لا مساس لهذه القاعدة بالمسائل الشرعيّة الناشئة عن المقتضيات و الأحكام التأسيسيّة الدائرة مدار المصالح و المفاسد، بخلاف المسائل العرفيّة التي لا يحتاج في إمضائها إلى وجود تلك الاقتضاءات، بل نفس عدم ترتّب الفساد كاف في إمضائها، و حيث إنّ أبواب المعاملات عرفيّة و إمضائيّة، تشملها القاعدة، لكونها كذلك.

و قد ذكرنا تفصيل هذه النكتة في مسائل قاعدة نفي الضرار، و ذكرنا أنّ قاعدة السلطنة لا تعارضها، و هكذا في مسائل الشروط، فليراجع.

ثمّ إنّ هنا شبهات أخر لا خير في نقلها و نقدها، و قد مرّ بعض منها في ذيل الآيات الكريمة، فليراجع.

ذنابة: حول سند حديث السلطنة

لم يثبت صدور القاعدة و لا انجبارها بعمل الأصحاب، لما لم يعهد منهم التمسّك بها في الكتب الواصلة منهم إلينا، و الشهرة بين

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 64

المتأخّرين لا تغني من الحقّ شيئا.

و توهّم: أنّ الشهرة القديمة مثلها، ساقط جدّا، ضرورة أنّ هؤلاء الإعلام- أمّا لاطلاعهم على وثاقة الرواة، أو القرائن- اتّكلوا عليها، و حيث هي غير معلومة لا يلزم طرحها.

و توهّم انتقاضها بالشهرة الفتوائيّة المستندة إلى الرواية الواصلة غير الدالّة عليها، فإنّهم لا يعتنون بهم فيها، فكيف بنوا على العمل بآرائهم في السند دون الدلالة؟! مع أنّ من المحتمل اتكالهم على بعض القرائن الواصلة إليهم.

و لو قيل: إنّها لو وصلت إلينا ربّما لا تدلّ على شي ء.

قلنا: الأمر كذلك في السند.

غير تامّ، لأنّ أمر السند دائر بين أمرين: وثاقة الرواة، و وجود القرائن، و أمر الدلالة يدور على الثاني فقط.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الدوران لا ينفع شيئا، فإنّ من المحتمل اتكالهم على القرائن غير الكافية، فلا يثبت اعتبار السند بالعمل.

أقول: في المسألة تفصيل خارج

عن وضع الكتاب، و من شاء الاطّلاع عليه فليراجع مباحثنا الأصوليّة «1».

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 6: 388- 394.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 65

حول التمسّك بحديث «المؤمنون.» لصحّة المعاطاة

و منها: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «المؤمنون عند شروطهم» «1».

و مثله ما ورد في عدّة روايات: «المسلمون عند شروطهم» مذيّلا بالاستثناء [2].

و تقريب الاستدلال به يعلم بعد تحرير المسألة: و هو أنّ «الشرط» كما يطلق على الالتزامات الضمنيّة، يطلق على المتعلّقات البدويّة، فلو قال المشتري: «لو أعطيتني ذلك أو ملّكتني فعليّ كذا» أو «نعطيك ذلك» فإنّه بعد التملّك يلزم عليه العمل بشرطه، و هذا النحو من المعلّقات كما

______________________________

[1] عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم، ممّا وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ.

الكافي 5: 169- 1، تهذيب الأحكام 7: 22- 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.

إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يقول:

من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطا حرّم حلالا و أحلّ حراما.

تهذيب الأحكام 7: 467- 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 371- 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 66

يجعل مستقلّا، يجعل في ضمن العقود أيضا.

و في إطلاق «الشرط» على المعاملات إشكال، فالمعروف بينهم عدمه «1»، و قيل بصحّة الإطلاق «2»،

مستدلّا ببعض الاستعمالات في الأدعية «3» و الروايات «4»، و يحمل كلام اللغويّ المفسّر له ينافيه على المثال، كما هو المتداول بينهم.

و يمكن دعوى خروج المعاملات المعلّقة عن موضوع النزاع أيضا، ضرورة أنّ الإنشاء في الجعالة و السبق و الرماية، ليس تمليكا منجّزا كالبيع و الصلح، فهي شروط لغة.

و أمّا المنجّزات من العقود، فهي في الإنشاء و إن كانت غير معلّقة، و لا يصدق عليها «الشرط» بدوا، و لو فرضنا صدقه عليها فدليله منصرف عنها، لظهور الشرط في المعنى المقابل لها، فلا خير في إطالة الكلام حول معناه اللغويّ، و لكنّها في اللبّ متضمّنات للتعليق عرفا.

و تفصيله: هو أنّ حقيقة البيع و الغرض الأصليّ منه، انتقال العوضين خارجا إلى المتعاقدين، لكي ينتفعوا بهما، و يصلوا إلى مرامهم

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 215- السطر الأخير، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 5- السطر 15.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4- السطر 27.

(3) الصحيفة السجّاديّة: 154، الدعاء 80، «و أوجب لي محبّتك كما شرطت و لك يا ربّ شرطي أن لا أعود»، بحار الأنوار 99: 104، في ضمن دعاء الندبة.

(4) وسائل الشيعة 18: 37، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 2، الحديث 2 و 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 67

المطلوب بالذات، فالإنشاء و إن هو منجّز، إلّا أنّ تسليم كلّ واحد منهما معلّق على تسليم الآخر ضمنا، و لأجله قيل بخيار تخلّف الشرط إذا تخلّف أحدهما عن التسليم «1»، فإذا ملك البائع مثلا معاطاة فهو على مبنى الشرط، فعلى المشتري بمقتضى الرواية ردّ الثمن، و إذا وجب ذلك يعلم صحّتها على النحو المقرّر في ذيل آية الوفاء بالعقود.

نعم، لو احتاجت المعاطاة إلى تسليم الجانبين، فلا

يكون الحديث سندا لصحّتها.

اللّهم إلّا أن يقال: بإلغاء الخصوصيّة، فإنّ العرف إذا توجّه لوجوب العمل بالشرط، ينتقل منه إلى أنّ مفهوم «الشرط» لا خصوصيّة له، بل المدار على المعنى الحاصل منه، و هو المشترك بينه و بين سائر الالتزامات، و سيوافيك تمام البحث حوله في المبحث الآتي «2».

و قد يشكل الاستدلال به لصحّتها لما أنّ دعوى انصرافها عن مثل هذه النحو من الشروط مسموعة جدّا، خصوصا بعد مراعاة حال الاستثناء المنطبق في بعض المآثير على الشروط التابعة [3].

______________________________

[3] عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز.

تهذيب الأحكام 7: 22- 93، الفقيه 3: 127- 553، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 4: 267.

(2) يأتي في الصفحة 102- 104.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 68

هذا مع أنّ عمومها معرض عنه في الشروط البدويّة و العهود الابتدائيّة، لقيام السيرة القطعيّة على خلافها. و دعوى التخصيص بعيدة جدّا.

و توهّم صحّة التمسّك مع سقوط العموم عن الظهور في مثل المقام، غير تامّ، لأنّه يرجع إلى وجود القرينة على خلافه، و هي مجهولة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ ذلك لأجل أنّ السيرة العمليّة غير قابلة للردع بمثله، فيبقى العامّ قابلا للرجوع إليه، فافهم و تدبّر.

حول التمسّك بحديث حلّ المال مع الطيب و الرضا لتصحيح المعاطاة

و منها: موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه» [1].

______________________________

إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول:

من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإنّ

المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

تهذيب الأحكام 7: 467- 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

[1] سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: «من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 69

و تقريب الاستدلال بها: هو أنّ مقتضى الحصر أنّ السبب لحلّية المال هو الرضا و الإذن الكاشف عنه، كما في بعض المآثير [1]، و إذا تحقّقت المعاطاة فإمّا يحلّ، أو لا، فعلى الثاني يلزم عدم الحلّية مع الطيب، و على الأوّل تلزم صحّة المعاطاة، لأنّ الطيب المورث لحلّية المال، تعلّق بالعنوان الملازم لها، لا بنفسه.

و إن شئت قلت: تحليل العين بجميع منافعها على الإطلاق، موضوع لاعتبار الملكيّة لمن حلّت له، فإذا جاز المقدّم بمقتضى إطلاق الحديث، تحقّقت الملكيّة عرفا، و إذا حصلت هي فالسبب نافذ شرعا. و لعلّ مقصود المحقّق الرشتيّ رحمه اللّه «2» يرجع إليه.

و بعبارة أخرى: لو ورد جواز تحليل شي ء مطلقا، فكأنّه ورد جواز

______________________________

الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

[1] أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار عليه السلام.

إلى أن قال:- و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع الّتي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها، و أداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى

الناحية احتسابا للأجر و تقرّبا إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه فكيف يحلّ ذلك في ما لنا؟! كمال الدين: 520- 49، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

______________________________

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 10- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 70

تمليكه عرفا، فإذا جاز التمليك فهو أعمّ من التمليك بالسبب اللفظيّ أو العمليّ، و على ما سلكناه يكون الثاني القدر المتيقّن منه.

و ما يتوجّه إلى الوجه الأوّل واضح، مع أنّ لنا اختيار الشقّ الآخر: و هو حلّية المال بدون الحاجة إلى الطيب، لأنّه بالمعاطاة خرج عن سلطانه و أمواله، و دخل في ملك المشتري، بناء على صحّة المعاطاة. و إذا كانت فاسدة فله مقام آخر، فلا يستكشف نفوذها منه.

و يتوجّه إلى الثاني: أنّ مقتضى إطلاق الحديث ممنوعيّة الغير عن التصرّف إلّا بالإذن و الطيب، و أمّا إذا أذن و حصل منه الطيب فيجوز على الإهمال، و لا يورث جواز التحليل على الإطلاق، كما لا يخفى، و سيأتي تفصيل البحث في ذيلها «1».

ثمّ إنّه قد ذكر الشيخ الأعظم قدّس سرّه «2» عموم أدلّة البيع و الهبة و نحوها، و لا أظنّ وجود العموم في هذه الأبواب.

فالمسألة على ما سلكناه واضحة، و هي صحّة المعاطاة بعد كونها عرفا صحيحة و مورثة للملكيّة.

نعم، قد يشكل في بعض المقامات تصويرها، كما في استئجار الحرّ، و جعل الدار مسجدا، و إلّا لو فرضناها فهي مشمولة للسيرة القطعيّة و البناء العقلائيّ.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 96- 99.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 71

إن قلت: لا خير فيها، لأنّها متشكّلة من الذين لا يعتنون

بالديانة «1»، فإنّ فتوى المشهور على خلافهم، مع أنّها على اللزوم المخالف معه، إلّا مثل المفيد «2» و جماعة من متأخّري المتأخّرين، كالأردبيليّ، و الكاشانيّ «3»، فهي سيرة مردوعة غير مرتدعة، فلا تكون حجّة و كاشفة عن رأي المعصوم عليه السلام.

قلت: المغروسات العقلائيّة، و ما ابتلي به الناس، و يكون من عاداتهم الموروثة، لا يمكن ردعها و ارتداعهم منها برواية و حديث، بل بآية و أحاديث، بل نحتاج- مضافا إلى الأدلّة اللفظيّة من الآيات و الأحاديث في جميع الأعصار من النواحي المقدّسة- إلى إعمال القوى الأخرى وراءها، كما ترى في مشابهاتها، فعليه لا معنى للشبهة فيها بعد عدم العثور على رواية تدلّ على خلافها.

و من هنا يعلم قرب مقالة المحقّق الثاني رحمه اللّه: من حمل فتوى المشهور على ما يوافقه العرف «4». و البحث عن لزومها غير منظور فيه عند الأكثر، فتدبّر.

هذا مع أنّ المعتنين بالديانة غير معتنين بها، و لا يبالون بما قيل فيها، كما في معاملات الصبيّ، و هذا أيضا دليل على ما ذكرناه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 83- السطر 29، الإجارة، المحقّق الرشتي: 10- السطر 22.

(2) المقنعة: 591.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 142- 143، مفاتيح الشرائع 3: 48- 49.

(4) جامع المقاصد 4: 58.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 72

خاتمة: حول الاستدلال بآيتي القنطار و الإفضاء على صحّة المعاطاة

قد حكي «1» عن بعض أجلّة العصر جواز التمسّك لها بقوله تعالى:

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً «2».

و قال الوالد المحقّق- مدّ ظلّه العالي- في تقريبه بالآية الاولى: «إنّ المراد من «إيتاء

القنطار» إيتاؤه مهرا، و عدم جواز الأخذ لأجل صحّته و لزومه، و لازمهما صحّة العقد المشتمل عليه، و بإلقاء الخصوصيّة يسري الحكم إلى سائر العقود».

و في تقريبه بالثانية: «إنّ قوله وَ قَدْ أَفْضىٰ علّة مستقلّة للتعجّب من أخذ المهر، و قوله أَخَذْنَ مِنْكُمْ علّة مستقلّة أخرى، فتدلّ على أنّ أخذ الميثاق الغليظ علّة الصحّة و اللزوم، فيسري الحكم إلى غيره» «3» انتهى.

و بعبارة أخرى: لا معنى للغلظة في المعنى المسبّبي، و في السبب كما يمكن في اللفظيّ منه، يمكن في غير اللفظيّ كما مرّ، لأنّ المراد منها تحكيم العقدة.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 77.

(2) النساء (4): 20- 21.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 77.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 73

و الظاهر أنّ المراد من قوله وَ قَدْ أَفْضىٰ هي المواصلات و المراودات المتعارفة قبل العقد، لاشتمال الآية على المعنى التبادليّ.

فحمله على الجماع و نحوه لأجل المآثير و الروايات [1]، و لأنّ ظاهر قوله وَ أَخَذْنَ أنّه من آثار الإفضاء، و لا وجه لتقديم أثر الميثاق الغليظ على المؤثّر، و هو الميثاق الغليظ، فعلى هذا ينحصر وجه التعجّب بالجملة الأخيرة.

و يتوجّه إلى الأولى: أنّها في مقام البحث عن النكاح بعد تحقّقه، و لا نظر فيها إلى تصحيح السبب المحقّق له، بخلاف الثانية، فإنّ ظاهرها أنّ الميثاق الغليظ موضوع لممنوعيّة الزوج عن الأخذ، و هو أمر عرفيّ، فلو تحقّق بغير الألفاظ المخصوصة، أو بغير اللفظ رأسا، فهو ممنوع، و لا حاجة في استكشاف العلّة إلى أداتها، بل المدار على العرف، فإذا صحّت المعاطاة في الجملة نقول بصحّتها على الإطلاق، لما يتراءى منها القول بعدم الفصل.

و توهّم خروج النكاح عن الآية «2»، في

غير محلّه، لأنّ النكاح الواقع في سائر الأمم ممضى عندنا، و هو ربّما لا يكون باللفظ، فالآية ناظرة

______________________________

[1] بريد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً فقال: الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح، و أمّا قوله غَلِيظاً فهو ماء الرجل يفضيه إليها.

الكافي 5: 560- 19، وسائل الشيعة 20: 262، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 4.

______________________________

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 79.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 74

إلى المعنى الكلّي، و إن كان في خصوص النكاح بين المسلمين، شرط اللفظ و اعتبار القول.

و بعبارة أخرى: المدار على الميثاق الغليظ حسب الآية الشريفة، فإن ورد في الأخبار في خصوص عقد اعتبار اللفظ، فيعلم منها أنّ الميثاق الغليظ فيه ذلك، و فيما وراءه تبقى الآية على إفادتها، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

أقول: لو سلّمنا دلالتها عليها، فهو مع قطع النظر عن الروايات الكثيرة المشتملة على المعتبرة، و آراء المفسّرين، و إلّا فهي على خلاف ما ذكرنا في معناها، و التفصيل في كتاب النكاح.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 75

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 75

المبحث الثاني في إفادة المعاطاة للزوم
اشارة

المشهور «1» بل المدّعى عليه الإجماع بقسميه بسيطا و مركّبا «2»، جواز المعاطاة، و عن «الغنية» نفي كونها بيعا «3»، و عن «جامع المقاصد» اعتبار اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع «4».

و قال المحقّق الرشتي: «و يعضد جميع ذلك السيرة الواضحة الجارية على الجواز، و السلطنة

على الترادّ قبل التلف، أو التصرّف في أحد العوضين» «5».

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 30.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 24.

(3) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 25.

(4) جامع المقاصد 5: 309.

(5) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 16 و 24.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 76

و ما نسب إلى المفيد «1» ليس موافقا لما حكي عن عبارته «2»، بل قيل:

«إنّه في موافقة المشهور أظهر» «3» و هو غير بعيد.

و يؤيّده ما عن «كاشف الرموز» من نسبة اشتراط الصيغة في البيع إليه و إلى الشيخ «4»، و قيل: «هذا من الرموز التي كشف عنها، فجزاه اللّه خيرا» «5».

و ما يستظهر من عبارات العلّامة في محكيّ «التذكرة» من نسبة اعتبار الصيغة إلى الأشهر «6»، و في محكيّ «المختلف» إلى الأكثر «7»، و في محكيّ «التحرير» إلى الأقوى «8»، لا يضرّ بالإجماع و الاتفاق، لاحتمال احتياطهم في التعبير لما كان في ذهنهم وجود الخلاف، فتأمّل.

مع أنّ الاستظهار، لا يعارض الدعاوي الصريحة المشار إليها.

فقول: الأردبيليّ و الكاشانيّ و ميل «المسالك» لا يعبأ به «9» بعد

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 58.

(2) المقنعة: 591.

(3) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 16.

(4) كشف الرموز 1: 446.

(5) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 18- 19.

(6) تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر 5.

(7) مختلف الشيعة: 348- السطر 1.

(8) تحرير الكلام 1: 164- السطر 6.

(9) مجمع الفائدة و البرهان 8: 142، مفاتيح الشرائع 3: 48- 49، مسالك الأفهام 1:

133- السطر 36.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 77

الاتفاق المشهود عنهم «1»، و لا سيّما السيرة المدّعاة على خلافهم «2»، ضرورة أنّ الأدلّة اللفظيّة لو اقتضت اللزوم، فهي غير قابلة للاحتجاج بها، لقيام السيرة

القطعيّة على خلافها، على ما ادّعاه رحمه اللّه «3» و لدعوى الإجماع صريحا عن بعض الأساطين في «شرح القواعد» «4» على عدم لزومها، من غير اعتناء بمخالفتهم.

أقول: لا يعتنى بالإجماعات المحكيّة التي أخذ اللاحق من السابق من غير الغور في تحصيلها، و ليس المحصّل منها موجودا. بل المحصّلات منها في أمثال هذه المسائل غير قابلة للاعتماد، لسوء الظنّ بها، ضرورة أنّ المسائل المبتلى بها الناس، هي التي بحيث يرد من الشرع فيها نصّ صريح، فإنّ ردع الناس لا يمكن إلّا بمثل ذلك، فلو قيل:

بصدوره و عدم وصوله، فيقال: بأنّه لا يصدر النصّ الواحد، لأنّه غير كاف لارتداعهم عمّا عليهم من الالتزام، و ما سمعت من السيرة فهو ممنوع، إلّا في المحقّرات غير المعتنى بشأنها.

فبالجملة: دعوى عدم لزوم البيع في المحقّرات و لو كان البيع لفظيّا للسيرة، لا تخلو من خيال رجحان، و مع التردّد في حاصلها يرجع إلى الأصل المحرّر الآتي على اللزوم.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 22.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 16- السطر 16.

(3) نفس المصدر.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 29، شرح قواعد الأحكام: 49- السطر 3- 6 (مخطوط).

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 78

الأمور الدالّة على أصالة اللزوم
اشارة

و ما يمكن أن يكون سندا لهذا الأصل و القاعدة أمور:

الأمر الأوّل: السيرة العقلائيّة

لا شبهة في أنّ بناء العقلاء على اللّزوم في جملة من العقود، كالبيع في الجملة، و الإجارة، و الصلح.

و هل هذا أمر تعبّدي بينهم، فلا يعلم من قبلهم حال سائر العقود، أم أمر عقلائيّ مشترك فيه جميع العقود؟

الظاهر هو الثاني، و ذلك الأمر هو تقبيحهم المتخلّف عن الوعد و العهد، و إن من أخرج شيئا من ملكه- بعوض كان أو بغير عوض- يقبح له أن يدّعيه، لأنّه من قبيل ادعاء ما ليس له، فلا فرق عندهم بين العقود الإذنيّة التمليكيّة كالهبة، و العقود المعاوضيّة.

نعم، في العقود الإذنيّة غير التمليكيّة كالعارية، إن كانت موقّتة، فالعود إليها قبيح قبل انقضاء الوقت، و في غير هذه الصورة لا يكون العود قبيحا، إلّا إذا كان قبل الانتفاع رأسا.

و ما ترى من التقبيح على العود و ترتيب الأثر عليه، فهو لا يضرّ، لما ترى في العقود اللازمة من الأمرين أيضا، فإنّ المشتري إذا راجع البائع لردّ المبيع، فهو مع قبوله منه في كثير من المعاملات يعدّ فعله قبيحا،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 79

فلا تخلط.

أقول: الإنصاف أنّ العقود عندهم في اللزوم و الجواز مختلفة، و لو لم يكن وجه الاختلاف معلوما لا يلزم إنكاره، و لعلّ ذلك لأنّ العقود المحتاج إليها الأقوام و الأمم في إدارة معاشهم و تشكيل الحياة الاجتماعيّة لازمة، بخلاف غيرها، فلاحظ جيّدا.

و أمّا قبول البائع، فهو على مبنى الإقالة التي هي- في الجملة- أمر عقلائيّ، و إلّا يلزم تصرّفه في مال الغير. مع أنّه لا يرى نفسه متصرّفا في ملك المشتري بعد قبول ردّه، و إن كان بغير طيب منه، و يعدّه قبيحا.

و

ممّا يشهد على التفصيل: أنّ في هذه العقود، يكون للبائع حقّ عدم القبول عرفا، و ربّما يكون ذلك في المحقّرات، فضلا عن غيرها، بخلاف مثل الهبة و العارية و الشركة و غيرها، فتأمّل.

و إنّي كنت في سالف الزمان على الأصل المذكور، إلّا أنّ المراجعة إليهم تؤدّي خلافه، فهل على هذا تكون المعاطاة من اللوازم، أم لا، أو يفصّل بين المحقّرات و غيرها، أو يقال: بأنّها إن كانت عقدا مستقلّا حيال سائر العقود، فهي محلّ البحث، و أمّا لو كانت صنفا من العقود فهي تابعة لأصلها، فالمعاطاة في البيع لازمة، و في الشركة جائزة؟

أقول: الذي هو التحقيق الحقيق بالتصديق من غير فرق، هو اللزوم في المحقّرات و غيرها حسب نظر العرف و العقلاء، فإنّهم بعد ما يجدون البيع مملوكا له، لا يرون حقّا للغير فيه.

و بالجملة: مقتضى السيرة و بناء العقلاء لزومها في الجملة، و في مواقف الشبهة- مثل المعاطاة نسيّة، خصوصا في المحقّرات- ترجع إلى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 80

العمومات و مقتضى الأصول العمليّة، و قد مرّ منّا: أنّ الأصل في المعاملات هي المعاطاة صحّة و لزوما، و العقود اللفظيّة تحتاج إلى دليل الإمضاء و اللزوم، لما مضى أنّ سببيّتها لأجل التوسعة في الاعتبار الأوّلي «1»، فلا تغفل.

الأمر الثاني: حول مقتضى عمومات الكتاب و السنّة الدالّة على أصالة اللزوم
اشارة

و قد مضى البحث حولها في المسألة السابقة «2»، و ربّما يشكل التمسّك بها هنا، لأجل أنّها ليست قابلة لردع ما عليه بناء العقلاء من الجواز، كالوكالة، و العارية، و نحوهما، و لذلك لم يرتدعوا بها فيها، و ذلك لأنّ المغروسات العرفيّة أقوى منها، فلا ينصرفون عنها إلّا بما هو الأقوى منها، و على هذا لا تكون مرجعا في مواضع الشبهة، لأنّها تكون

إرشادا إلى ما عليه العرف، و إذا شكّ في لزوم عقد و جوازه- بحسب الفهم العرفيّ- فهو لا يزول بها.

و بعبارة أخرى: لا بدّ من إحراز اللزوم العقلائيّ حتّى يثبت شرعا، فتلك العمومات قاصرة عن المرجعيّة في الشبهات الحكميّة.

بل يمكن دعوى استحالة كونها مشرّعة، للزوم الجمع بين التأسيس

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 16.

(2) تقدّم في الصفحة 26 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 81

و الإمضاء و لو فرضنا إمكانه، كما مضى تقريبه «1»، و لكنّه خلاف المتفاهم العرفيّ.

و دعوى استكشاف اللزوم العقلائيّ بالعموم، و استكشاف حال الموضوع بالحكم، و إن كانت ممكنة، إلّا أنّها خروج عن المتعارف في أبواب الاستعمالات و المحاورات القانونيّة.

إن قلت: ما ذكرتم يرجع إلى إنكار صحّة التمسّك بالعمومات المخصّصة، و هو بديهيّ البطلان.

قلت: كلّا، فإنّ عدم العمل بالعمومات بعد التخصيص، غير ترك العمل بها لأجل قصورها عمّا هو الظاهر منها، فإنّه في الفرض الثاني لا يجوز التمسّك، خصوصا بعد مساعدة العرف، لكونها إرشادا محضا. و لو كان الخروج عن مقتضاها مرهونا بورود المخصّص، لكان يلزم القول بلزوم عقد الشركة، لعدم الدليل على جوازه إلّا الشهرة القاصرة.

إن قلت: العمومات مختلفة في إفادة المقصود، و هو لزوم العقود إلّا ما خرج بدليل، فإنّ مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«المؤمنون عند شروطهم» «3» يورث ذلك على المطابقة أو الملازمة، بخلاف قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «4» و قوله عليه السلام:

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 36- 37.

(2) المائدة (5): 1.

(3) تهذيب الأحكام 7: 371- 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(4) النساء (4):

29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 82

«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفس منه» «1». فإنّه لا يدلّ على اللزوم.

نعم، يفيد نتيجة اللزوم، و لذلك قلنا: بأنّ اللزوم المحصول من بعض أدلّته، ليس محكوما بأحكامه المخصوصة، مثلا اللزوم العقلائيّ الممضى، ليس ممّا يكون الشرط المخالف له خلاف الكتاب و السنّة، بخلاف اللزوم المحصول من الشرع تعبّدا.

قلت: نعم، و عليه لا بدّ من صرف عنان الكلام حول هذه الآيات و الروايات حتّى يتبيّن الحقّ، و لا بأس باستطراد البحث عن غيرها، لما فيه من النفع الكثير كما ترى.

الآيات المستدلّ بها على أصالة اللزوم
الآية الأولى: آية التجارة
اشارة

أي قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2».

و قد مرّ شطر من الكلام حولها في المسألة السابقة «3»، و على ما

______________________________

(1) الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1 و 3، و 14: 572، كتاب الحجّ، أبواب المزار، الباب 90، ذيل الحديث 2.

(2) النساء (4): 29.

(3) تقدّم في الصفحة 46 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 83

تقرّر عندي إنّ الاستثناء منقطع، و على التقديرين يستفاد منها الحصر، لأنّ حكم المستثنى خلاف حكم المستثنى منه حتّى في المنقطع، إلّا إذا كان الاستثناء كناية عن تأكيد العموم في المستثنى منه، فيكون مجوّز أكل بعضهم من مال الآخر، منحصرا في تلك التجارة.

و خروج الإباحات و القرض و الهبة و تملّك مجهول المالك، لا يضرّ بصحّة الاستدلال فيما وراء مورد التخصيص، لأنّ مفهوم الحصر كالعموم اللفظيّ المخصّص الذي يستدلّ به فيما عدا مورد التخصيص، فكما لا يضرّ خروج التجارة الغرريّة بعموم الدليل في مورد الشكّ، كذلك فيما

نحن فيه.

و عدم صحّة الاستدلال بالمستثنى منه- لأنّ المراد من البَاطِلِ إمّا عرفيّ، أو شرعيّ، و على التقديرين يكون من التمسّك بالعموم في الشبهة الموضوعيّة- لا يورث قصورا في الاستدلال بمفهوم الحصر الظاهر من الآية الكريمة، فيكون الفسخ و التملّك محتمل البطلان بحسب النظر إلى المستثنى منه.

و أمّا إذا لاحظنا الجملة الثانية، فهو ليس من الأسباب المجوّزة للأكل و التصرّف، فيعلم حاله و هو بطلان التمليك من عموم الجملة الأولى أيضا.

و توهّم: أنّه بعد الفسخ يحتمل خروجه عن ملك المشتري، و لا يكون ماله، فلا يجوز التمسّك «1»، غير تامّ، لأنّ منشأ الشكّ احتمال

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 84

تأثير الفسخ، و هو مدفوع بعموم الحصر، فلا حاجة إلى الاستصحاب الموضوعيّ.

و به يندفع أيضا ما قد يقال: «من أنّ الموضوع لحلّية الأكل، المال الحاصل بالتجارة على نعت التقييد، بناء على إمكان تقييد المعلول بعلّته، أو يكون موضوعها المال الذي لا ينطبق إلّا على المال المذكور بنتيجة التقييد، و إذا وقع الفسخ يحتمل انتفاء التجارة، فالتمسّك غير جائز» «1».

هذا مضافا إلى اندفاعها بوجه آخر: و هو أنّ التجارة هي السبب، و لا وجود لها بعد تحقّقها في وعاء البقاء، بخلاف العهد و العقد، و لا تزول حقيقة التجارة بالفسخ، و هذا ما يجري في جميع ألفاظ المعاملات، فإنّها موضوعات للأسباب المتعقّبة بالمسبّبات عرفا، و لا يشترط بقاء المسبّب في الاسم، فلو زال بالفسخ فالزائل هو العقد، دون التجارة و البيع، فإنّهما لا يزولان بعد ترتّب الأثر عليهما، فتأمّل جيّدا.

توهّم عدم إمكان التمسّك بالآية عند الشكّ لصيرورة الشبهة موضوعيّة

و قد يشكل الاستدلال بها، لأجل أنّها ظاهرة في الجملة الاولى في إناطة الحرمة و المنع

بالباطل، سواء كان من الأباطيل في الأسباب، أو غيرها، فلا يكون الأكل بالإباحات و غيرها بالباطل، و على هذا تبطل الأسباب، و يحرم غيرها تكليفا بعموم النهي، و لاختلاف الأثر حسب

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 74- السطر 8- 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 85

اختلاف الموضوعات، و لأجل هذا الظهور تكون الجملة الثانية، ظاهرة في إناطة الحلّية و الأكل بالحقّ، و التجارة منه، فلا ينتقض بالقرض و الهبة و أمثالهما. و لا دخالة لعنوان «التجارة» فيشمل الآية بالتنويع جميع الأشياء، لأنّها إمّا حقّة، أو باطلة.

فعلى هذا لا يصحّ التمسّك، لأنّ الباطل عرفيّ، و الباطل العرفيّ معلّق على عدم تصرّف من الشارع الأقدس فيه، و إذا شكّ في نفوذ الفسخ فالشبهة موضوعيّة «1».

و يندفع: بأنّا لو سلّمنا جميع مقدّمات الشبهة فلا نصدّقها، لأنّ التعليق في الخطاب مضرّ، دون اللّب، فإنّ جميع الخطابات الإلهيّة مع تنجّزها، معلّقات بما لا يلزم منها الهرج و المرج و الظلم و القبح العقليّ، و هذا لا يورث قصور التمسّك بها بعد الفحص، و لا يقبل عند العرف عذر المعتذر الذي بالفسخ تصرّف في مال الغير، و اعتذر بذلك قطعا، فإذن لا يجوز التملّك بعد التجارة إلّا بالدليل المقدّم عليها.

و دعوى الفرق بين التعلّق في الأحكام و التعلّق في الموضوعات «2»، ممنوعة، ضرورة أنّ العرف يجد من الأشياء ما هي باطلة في نظره، و لو اطلع على حكم الشرع ينتقل إلى أنّ توهّمه غير تامّ، فإذا كان الرجوع و التملّك باطلا عرفا- لما أنّهم يقولون باللزوم على ما عرفت- فهو مشمول الآية، إلّا إذا وصل الدليل على خلافه.

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4- السطر 16-

17.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 116.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 86

إن قيل: ليس البَاطِل في الآية عرفيّا، بل هو الباطل الواقعيّ، لأنّ الألفاظ موضوعة للمفاهيم الواقعيّة، فلا يتمّ الاستدلال، لأنّا نحتمل احتمالا عقلائيّا أن يكون الفسخ من الأسباب الصحيحة للأكل، لا من الأباطيل الواقعيّة، فالتمسّك بها في المقام من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة «1».

قلنا: لا واقعيّة للمعاني الاعتباريّة، و لو فرضناها فهل المدار على تشخيص العرف حال التزاحم، أو الشرع؟ لا شبهة في تعيّن الثاني، فليس هذا إلّا التعليق في الموضوع، أو ما أشرنا إليه.

و بالجملة: ليس المقام إلّا من التمسّك بالعامّ في الشكّ في التخصيص، لأنّ الخارج ليس عنوانا واحدا قابلا للانطباق على الفسخ، كما لا يخفى.

التمسّك بإطلاق المستثنى منه لإثبات العلّة التامّة المنحصرة

أقول: الظاهر أو من المحتمل قويّا أن تكون الآية، ناظرة إلى بيان الحكم في المستثنى منه، و لا إطلاق للجملة الثانية، و لذلك لا تجد من نفسك التهافت البدويّ بين قوله: «نهى النبيّ عن بيع الغرر» «2» و تلك الآية. و الإتيان ببعض القيود المعتبرة دون بعض، يفيد أنّه ليس في مقام

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 2: 141.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 45- 168، عوالي اللآلي 2: 248- 17، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 87

ذكر جميع القيود، فهو كالقرينة على عدم الإطلاق، فالتمسّك به لتجويز الأكل بعد الفسخ- و هو الكاشف عن عدم نفوذه- ساقط.

هذا، و قد تقرّر منّا: أنّ مفهوم الحصر لا يقبل التخصيص، فضلا عن التخصيصات المتعدّدة، لأنّه عرفا يضادّها، و لا يمكن الجمع العقلائيّ بينه و بينها، كما هو المتعارف بين

العمومات اللفظيّة و المخصّصات، ضرورة أنّه لو ورد: «ما جاءني أحد إلّا خمسة من العلماء» ثمّ ورد مجي ء العلماء كلّهم، فإنّه لا يجمع بينهما، فتكون النتيجة عدم مجي ء أحد إلّا العلماء. بل العرف لا يجد إلى الجمع بينهما سبيلا «1».

و إن شئت قلت: في خصوص المقام يستفاد المفهوم من استكشاف العلّة التامّة المنحصرة لجواز الأكل، و هي التجارة عن التراضي، فإنّ الباطل علّة المنع، و التجارة علّة الجواز، ضرورة أنّ الجملة المستثناة في حكم الوصف المعتمد، و عليه لا يمكن عندي تخصيصه، لأنّ المفهوم ناشئ من تلك العلّية، و لو ورد دليل على خلافه يعلم عدم الانحصار، فيسقط المفهوم، لأنّه من الآثار القهريّة، و يكون حجّيته- كحجيّة القطع- غير قابلة للتقييد و التخصيص. بل هو أسوأ حالا، و التفصيل في محالّه «2».

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 5: 186.

(2) لاحظ فوائد الأصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 505، تحريرات في الأصول 5: 186.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 88

توهّم عدم خروج الإباحات و القرض و نحوهما من مفهوم الحصر و جوابه

إن قلت: لم يخرج من عموم الحصر شي ء حتّى ينافيه، ضرورة أنّ المراد حصر مجوّز أكل المال في التجارة على أن يكون ملكا للآكل، لا لغيره، فلا ينتقض بالإباحات، و أنّ موردها المعاملات المعاوضيّة، بقرينة قوله تعالى أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ فغير المعاوضات- كالقرض و الهبة- غير داخلة، و من الأوّل تملّك مجهول المالك، و التملّك بالالتقاط.

قلت: أوّلا: جميع التجارات الفاسدة شرعا- لقيود اعتبرت فيها- خارجة عنها، لأنّ مفاد الحصر نفي التوسعة و التضييق، و لا معنى لدعوى الحصر مع إنكار الإطلاق، لأنّ حصر مجوّز الأكل بالتجارة، يلازم عرفا كونها تمام الموضوع من غير دخالة قيد آخر، و إذا كانت المعاملات الغرريّة و الغبنيّة خارجة، فهو ينافي الحصر

كما لا يخفى، فتأمّل.

و ثانيا: التقييد المذكور يورث أن يكون الموضوع لجواز التصرّف، الملك الحاصل من التجارة، مع أنّه ليس كذلك، بل الملك تمام الموضوع لجواز الأكل.

مع أنّ التقييد ممّا لا يقتضيه الكلام، كما لا يقتضي التقيد بالمعاوضات، فإنّ القرض و الهبة من الأسباب المملّكة الصحيحة الحقّة، و لا نظر في قوله تعالى أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ إلى التبادل بالضرورة. مع أنّ الهبة المعوّضة ليست من التجارة، فتدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 89

الآية الثانية: آية حلّ البيع.

أي قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1».

و غاية ما يمكن دعواه حولها: هو أنّها في مقام تحليل البيع بتحليل الحاصل منه، و هو الربح المقابل للزيادة الملحوظة في المعاملة الربويّة، فلا تدلّ على حلّية الطبيعة، و لا التصرّفات، لأنّ حلّية الطبيعة كانت معلومة، و ما كانت مورد ادعاء التسوية، و حلّية التصرّفات غير محتاج إليها، لأنّ الطبيعة المحلّلة تلازم جواز التصرّف عرفا.

فهي ناظرة إلى نفي التسوية المتخيّلة، و هي بين البيع الربويّ و غيره، فإنّ البيع غير الربويّ يورث النفع كالربويّ، فإذا حلّت الأرباح فإطلاقها يفيد اللزوم، لأنّه بعد الفسخ محلّل أيضا.

و لا وجه لتوهّم الشبهة الموضوعيّة هنا، فيقال: بعدم جواز التمسّك، ضرورة أنّ الحلّية متعلّقة بأمر خارج عن الطبيعة، و هي الزيادة و الربح، و بإلغاء الخصوصيّة يعلم لزوم سائر العقود.

و لو قيل: ليس مورد الحلّية الربح، بل المورد الربح الحاصل من البيع، فإذا تحقّق الفسخ يحتمل انتفاء البيع الذي هو قيد الموضوع «2».

قلنا: قد مضى آنفا أنّ اعتبار الفسخ حلّ العقد و العهد، دون عناوين المعاملات، فإنّها موضوعات للأسباب المتعقّبة بالمسبّبات في

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 50- السطر 5.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 90

الجملة «1»، و سيأتي زيادة توضيح في ذيل الآية الآتية إن شاء اللّه تعالى.

أقول: كما يمكن صرف الآية الأولى بذيلها و صدرها، يمكن صرف ذيلها بها، فإنّ قوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبٰا ربّما يفسّر بأنّه يفيد حرمة البيع الربويّ، لا مطلق الرّبا، و لذلك اختلفت كلمات القوم في حرمتها في غيره، إلّا القرض فإنّها فيه محرّمة قطعا، فعلى هذا تكون الآية جملة إخباريّة عن الحلّية المتعلّقة بالطبيعة المخصوصة، و الحرمة المتعلّقة بها كذلك، و بذلك يرتفع غائلة التسوية.

و لعمري، إنّه أظهر المحتملات حولها، لأنّ مدّعي التسوية لا يسأل إلّا عن الفرق بين البيع الربويّ و غير الربويّ، و هي تنادي بذلك، و تكون ناظرة إلى دفع وهمهم، فلا إطلاق لها حتّى يتمّ الاستدلال بها حينئذ، و قد مضى بعض البحث فيها «2».

الآية الثالثة: آية الميثاق الغليظ

أي قوله تعالى وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً «3».

فإنّها لا تدلّ على الصحّة إلّا بلازمها، و هو لزوم الميثاق الغليظ، و النهي عن أخذ المهر بعده إرشاد إلى فساد الفسخ و الرجوع.

و ربّما تدلّ هذه الآية على الحرمة التكليفيّة زائدة على الإرشاد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 84.

(2) تقدّم في الصفحة 38 و ما بعدها.

(3) النساء (4): 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 91

إلى الفساد، و لا منع من الجمع بينهما، فإنّ المحرّم الشرعي- و هو الأخذ- لا يتلائم عرفا مع الصحّة و التنفيذ، فيكون المال المأخوذ منها محرّما عليه وضعا، لأنّه تصرّف في مال الغير، و نفس المراجعة إليها و الأخذ منها ممنوعا تكليفا، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

الآية الرابعة: آية الوفاء بالعقود

أي قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1».

و الذي تقرّر منّا عدم ارتباط هذه الكريمة بالمقام «2»، و عدم شمولها لجميع العهود و العقود و التكاليف الإلهيّة، فإنّ الوجوب فيها ليس تكليفا ثانويّا، حتّى يلزم تعدّد العقاب في التكاليف الشرعيّة، و تعدّد الوجوب، و لا إلزاماً عقليّا، أو إرشادا إلى لزوم عقلائيّ أو عقليّ، حتّى يلزم التخصيصات الكثيرة من خروج المستحبّات، بل و المكروهات، و العهود البدويّة غير المعاوضيّة، و العقود الجائزة و الفاسدة، و يلزم ما مرّ في ابتداء المسألة.

فهي تنبيه و توجيه للمؤمنين إلى المعاهدات بنحو الموعظة و التذكار، و إيقاظهم من نوم الغفلة و النسيان، و إلى حسن الوفاء بالعقود كلّها، و قبح تركه عقلا، من دون إفادتها الإلزام. و ليست هذه الآية تشمل نفسها، لتلك الجهة التي سمعت منّا.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) تقدّم في الصفحة 36.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 92

و العجب من أصحابنا المحقّقين، حيث جعلوا كلمة «الوجوب» موضوع

بحثهم، و استظهروا منها الحكم «1»!! مع أنّ الآية ليست إلّا باعثة نحو الوفاء بالعقود، و لا تكون مشتملة عليها.

و إذا كان حملها على الأصل الأوّلي في الهيئات ساقطا، لما سمعت، فحملها على الأصل الثانويّ فيها غير تامّ، لأنّ ظاهرها التكليف الشرعيّ المورث للعقاب على تركه، فما هي الظاهرة فيه غير قابل للعمل به، و ما هي القابلة للعمل به فيه خلاف ظاهرها، فتكون النتيجة ما أفاده البهبهانيّ «2» و «الرياض» «3» و غيرهما على ما نسب إليهم «4»، و ناظرة إلى عدّة من المعاهدات المعلومة عندهم.

و ممّا يورث مرامنا، هو أنّها تفيد الوجوب الشرعيّ حسب الأصل الأوّلي و مقتضى قول المفسّرين، و ذلك مشروط بالقدرة، و هي ثابتة بالنسبة إلى التكاليف الإلهيّة، و منتفية بالنسبة إلى العقود، و الالتزام بها فيها يوجب دلالتها على جواز العقود، و هو عكس المطلوب، و إخراج التكاليف الإلهيّة غير ممكن، لأنّها القدر المتيقّن منها، و القول بالتفكيك خروج عن العقل و العرف، و يكفي الثاني.

و دعوى: أنّ الوفاء بالعقود هو العمل على طبق مقتضاها، ففي

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 7، منية الطالب 1: 64- السطر 3، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 126.

(2) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 13.

(3) رياض المسائل 1: 511- السطر 11.

(4) الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 93

التكاليف هو الإتيان بها، و هكذا في مثل النذر و العهد في العقود ترتيب آثار العقد، من التسليم و غيره «1»، مسموعة، إلّا أنّ من الوفاء عدم نقضه أيضا، و ترك نكثه، فلو فسخ العقد قبل أن يأتي وقت التسليم، و أعلن أنّه نقض عهده، و لا

يكون بانيا على التسليم، فإنّه أيضا يعدّ من التخلّف عن الوفاء بالعقد، فلو كان هذا مشمول الآية الكريمة، يلزم إمّا جوازه، و هو ممنوع، أو كون الهيئة إرشادا إلى اللزوم، و هو مثله، فلا بدّ من اختصاصها بغيرها.

إن قلت: يدور الأمر بين حمل الهيئة على الإرشاد إلى ما يحكم به العقل و العقلاء في الموارد المختلفة و حفظ عموم الآية، و بين حملها على الوجوب، و إخراج ما نحن فيه منها، و الأوّل متعيّن، لمعهوديّته مع القرينة، فإنّ الوجوب التكليفيّ يستلزم تعدّد العقاب على ترك الواجبات الشرعيّة و لا قرينة على الثاني.

قلت: نفي كونها تكليفا مورثا للعقاب الثانويّ، لا يستلزم حملها على الإرشاد، فإنّ هنا شقّا آخر، و هو كونها تكليفا ناشئا من الإرادة المولويّة غير متعقّب بعقاب خاصّ، كالأوامر التأكيديّة، فإنّها أوامر مولويّة، إلّا أنّها ليست ذات إرادة مستقلّة، و ما هو الأصل الأوّلي هي المولويّة المستقلّة في الإرادة، و هي ساقطة، ثمّ المولويّة الناشئة من تلك الإرادة الأوّلية، و هي غير ساقطة، و ليس خلاف ظاهرها، كما لا يخفى.

و ربّما يشهد على عدم كونها إرشادا تصدّرها بقوله تعالى:

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 215- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 94

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «1» فإنّه المناسب لمسائل راجعة إليهم، دون قاطبة الناس، و تذيّلها بقوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ الظاهر في أنّها من آثاره الوفاء بتلك العقود، فتأمّل جيّدا.

صيرورة الشبهة في بقاء العقد موضوعيّة و لزوم التمسّك بالأصل العملي

ثمّ إنّ المقصود من التمسّك بالأدلّة اللفظيّة، بيان دلالتها على اللزوم من غير التوسّل بالأصول العمليّة، و هو غير ممكن، لأنّ بقاء العقد بعد الفسخ مشكوك.

و توهّم: أنّ الآية الكريمة تدلّ بالمطابقة على وجوب الوفاء بالعقود، و بالالتزام عرفا على حرمة

النقض، و الشكّ المذكور يرتفع بدلالتها الالتزاميّة، لأنّه مسبّب من تأثير الفسخ المنفيّ بها، لأنّ الحرمة إمّا تكليفيّة، فهي لا تجامع الصحّة عرفا، و إمّا إرشاديّة، فهي تورث فساد الفسخ «2»، فاسد، ضرورة أنّها ممنوعة على ما تقرّر في الأصول «3».

و دعوى اقتضاء إطلاق وجوب العمل بالعقد إبقاءه، و لو عمل عملا يوجب انتفاءه، فهو قد تخلّف و لم يف بعقده، لا تنفع شيئا في المسألة، بل تفيد جواز العقود وضعا، كما لا يخفى.

إن قلت: الابتلاء بالشبهة الموضوعيّة، من توابع حمل الهيئة على

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 215- السطر 14- 17.

(3) تحريرات في الأصول 4: 296.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 95

التكليف المولويّ، و لو كانت إرشادا إلى اللزوم، فهي تدفع تأثير الفسخ قهرا، و اختيار أنّ الآية تورث وجوب الوفاء تكليفا، يوجب جواز نقضها بعد الزمان الأوّل، لسقوط الأمر بأوّل مصداقه، و هو خلاف مقصود المتكلّم، فعليه يتعيّن حمل الهيئة على الإرشاد، خلافا لمقتضى الأصل الأوّلي، بل و الثانويّ كما عرفت.

قلت أوّلا: لا نلتزم بشمول الآية لتلك العقود، حتّى يلزم ما لزم، و يقال ما قيل.

و ثانيا: كما أنّ فهم العقلاء في جانب النواهي بقاء النهي بالتخلّف الأوّل، كذلك فهمهم في بعض الأوامر بقاؤه و إن أثم بأوّل مصداقه، أو أتى به.

مثلا: إذا قال المولى: «وقّروا كباركم» «1» ليس معناه سقوط الأمر بأوّل التوقير، بل يجب ذلك في جميع الأزمان، و مثله قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» فإنّه يلزم الوفاء ما دام العقد باقيا، و أمّا لزوم إبقاء الموضوع فلا يتكفّل له الأمر بالوفاء به.

و هذا من الشواهد العرفيّة على عدم شمول الآية هذه الموارد، و تكون إشارة إلى

العقود التي أمرها بيد الشرع الأقدس، ضرورة أنّ إيجاب الوفاء و تجويز الفسخ غير متلائمين عرفا، فيعلم منه خروجها رأسا، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) فضائل الأشهر الثلاثة: 77- 61، وسائل الشيعة 10: 313، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث 20.

(2) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 96

ثمّ إنّه من المحتمل إجمال الآية، لأنّ «العقد» لغة غير مستعمل في التكاليف، و اختصاص الآية بغيرها ممّا يجمع على بطلانه.

مع أنّ تعرّض الكتاب- خصوصا في سورة المائدة، و لا سيّما بهذا الخطاب- لمثل ما هو المعلوم عند الشيخ و الشابّ، في نهاية البعد عند ذوي الألباب، ضرورة أنّ العهد لا يتقوّم بالقول، بخلاف العقد، و لا قبول منّا عرفا لها كما لا يخفى.

و ممّا حصّلناه يظهر النظر في التقاريب الأخر حول الآية الكريمة، و لو تعرّضنا لها و لنقدها لخرجنا عمّا عليه وضع الكتاب من الاختصار.

الروايات المستدلّ بها على أصالة اللزوم
الرواية الأولى: رواية عدم حلّ المال بلا طيب

و هي موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» «1».

فإنّها ظاهرة في ممنوعيّة الناس عن مطلق التقلّبات في مال الغير المسلم إلّا مع رضاه، و من تلك التحوّلات تملّكها.

______________________________

(1) الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 97

و توهّم: أنّ الحلّية ليست قابلة لأن يراد منها الوضع و التكليف «1»، كتوهّم أنّها هنا أريد منها التكليف، لإضافتها إلى العين «2»، فإنّهما غير تامّين، لما مرّ في

ذيل قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «3» و في كتاب التقيّة «4»، و لأنّ القضيّة الموجبة و السالبة مختلفتان في الظهور، فقوله تعالى وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ «5» ظاهر في التكليف، و قوله:

«لا يحلّ الكلب و الخنزير» ظاهر فيها، فلا تصحّ الصلاة في جلدهما، فلا تغفل.

هذا مع أنّ مطلق التصرّفات الحسّية إذا كان مشروطة بالرضا، فالتقلّبات الاعتباريّة تكون باطلة، لأنّ المقصود الأصليّ فيها التصرّفات و الانتفاع منها، فلا حاجة في تقريب الاستدلال بها لفساد الفسخ إلى ما أفاده الوالد النحرير المحقّق- مدّ ظلّه- و التزامه بشمولها للتصرّفات المعامليّة، بدعوى أنّ نفي الحلّية عن الأعيان الخارجيّة، يحتاج إلى الادعاء المصحّح له، و لو حلّ المال ببعض شؤونه البارزة الشائعة، لم تصحّ الدعوى المزبورة، أي عدم حلّية

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 80- السطر 39، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 110.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 34- السطر 17.

(3) تقدّم في الصفحة 38.

(4) رسالة التقيّة، للمؤلّف قدّس سرّه (مفقودة).

(5) الأعراف (7): 157.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 98

المال، و حيث تكون التصرّفات الاعتباريّة من أوضح الشؤون، فهي تشملها، و إلّا يلزم استهجان الدعوى «1».

فتحصّل: أنّ الرواية لا تكون ظاهرة إلّا في الحرمة و الحلّية التكليفيّتين، و لكنّ إطلاق الحرمة التكليفيّة، يورث فساد جميع التقلّبات الاعتباريّة، لأنّها تؤدّي إلى التصرّفات الحسّية الممنوعة بها المقصودة فيها، كما لا يخفى.

و بذلك يظهر الجواب عن شبهة أوردناها عليها: و هي أنّ الفسخ ليس تملّكا، فإنّه حلّ العقد و إعدامه «2»، و أثره دخول العوضين في ملك المتعاقدين، فهو خارج عن مفاد الحديث، بناء على شموله لمثل التملّك، فإذن تكون الشبهة موضوعيّة، و وجه الظهور معلوم.

و العجب من

أصحابنا، حيث فرضوا أنّ المحذوف هو «التصرّف» و استظهروا منه عدم إطلاقه على التملّك أو التقلّبات الاعتباريّة «3»، ظنّا أنّ التوقيع الشريف «4» قرينة عليه، و أنّ «التصرّف» معناه التحوّلات الخارجيّة!! و قد علمت: أنّه يتمّ الاستدلال بها حتّى على الفرض المذكور، من غير الحاجة إلى ما أفاده الوالد- مدّ ظلّه- في دفع الشبهة تمسّكا

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 111.

(2) تقدّم في الصفحة 89.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 80- السطر 38.

(4) تقدّم في الصفحة 69.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 99

بصدر الرواية الشريفة «1».

و توهّم: أنّه من التمسّك بالأصل، في غير محلّه، بل هو التمسّك بالدليل ببركة الأصل، فافهم.

إن قلت: لا يعتبر طيب نفس المالك عند العلم بطيب مالك الملوك، كما في مواقف الاضطرار و نحوه، فالحكم معلّق على عدم الإذن من قبل المالك الحقيقيّ، و في صورة الشكّ يشكل التمسّك.

قلت: قد مرّ نظير هذه الشبهة بجوابها.

نعم، تخصيص الحديث ينافي مفهوم الحصر، لما عرفت، بل الحديث آب عن التخصيص، فعليه يقال: بعدم شموله للتصرّفات الاعتباريّة، حتّى لا يخرج التملّكات بالخيارات المشروعة. و خروج التصرّف الحسّي حال الاضطرار، من باب الإخراج موضوعا، لأنّه بإذنه يخرج من ملكه، و لا يكون حينئذ المتصرّف ضامنا، فتأمّل.

و قد يشكل الحديث، لأجل أنّ الطيب ليس شرطا، فإنّ المدار على الإذن و إن كان ناشئا عن الكراهة القلبيّة، كما في مواضع كثيرة يتّفق للإنسان أن يأذن للتصرّف في أمواله، أو يقدم على المعاملة، لمصالح عالية مخالفة لميله النفسانيّ، فما ورد في التوقيع المبارك، قال:

«فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2» يوافق القواعد.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 111- 112.

(2) تقدّم

في الصفحة 69.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 100

الرواية الثانية: حديث السلطنة

أي المرسلة المعروفة بالاشتهار: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1».

وجدتها في «البحار» «2» و لعلّها في الصحف الاولى.

و تقريبها: أنّ السلطنة هي التي تكون قاطعة لأيادي الآخرين، فيما كانت حقيقيّة، و إذا كانت اعتباريّة فهي كذلك، فإذا انتقل المال بالعقد المملّك، فليس لأحد التصرّف فيه بدون رعاية سلطانه، و لا تملّكه و نقله اعتبارا كذلك، لأنّه أيضا يعدّ منافيا لها، و حيث ثبت أنّه سلطان على الإطلاق عليها، لا تأثير لمثل الفسخ، كما لا أثر للبيع و نحوه.

و لو سلّمنا أنّه لا إطلاق لها بالنسبة إلى قطع يد الأجانب، أو أنّه لا ينافي إطلاقها نفوذ التصرّفات الاعتباريّة من الآخرين، فيكون الكلّ نافذة تقلّباتهم مثلا، فلنا أن نقول: بأنّ ذلك أيضا يؤدّي إلى بطلانها، لما عرفت، فإنّ السلطنة المطلقة على التصرّفات الخارجيّة، تؤدّي إلى ممنوعيّة الغير حتّى بعد الفسخ، و هو يلازم فساده و عدم تأثيره.

إن قلت: الاستدلال يتمّ ببركة الأصل، و الكلام حول الأدلّة الاجتهاديّة و دلالتها على اللزوم.

قلت: هذا هو الأصل الموضوعيّ، و هو لا يدلّ على اللزوم، بل دليله

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 489- السطر الأخير، عوالي اللآلي 1: 222- 99.

(2) بحار الأنوار 2: 272- 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 101

تلك الأدلّة.

و العجب أنّ الأصحاب توهّموا لزوم تماميّة الاستدلال بالوجه الذي لا تصل النوبة إلى مثله، و ابتلوا بخلاف الظواهر كثيرا كما ترى!! مع أنّ المطلوب- و هو لزوم العقود- يثبت بها ببركته.

فما قد يتوجّه إلى التقريب الأوّل: من دعوى انصراف «المال» إلى الأموال المتعارفة الثابتة المستقرّة المحتاجة في انتقالها إلى سبب جديد «1»، غير متوجّه إلى الثاني.

و لعمري، إنّها

غير بعيدة جدّا، و إلّا يلزم التخصيص كثيرا. مع أنّا نرى أنّ إعمال الخيار لا ينافيه، بل و لا يشمل المرسلة الفسخ الذي يتعلّق بالعقد، فإنّ القدرة على فسخ العقد لا ينافي إطلاق السلطنة. و الانتقال القهريّ الحاصل بالفسخ، ليس مزاحما لسلطانه، لأنّه من تبعات ما ليس داخلا في إطلاق سلطنته.

و من العجيب تفسيرهم «الفسخ» بالتملّك «2»!! مع أنّه خلاف ما بنوا عليه، و خلاف ما عليه ارتكاز العقلاء، لأنّه حلّ العقد و فتح العقدة.

لا يقال: لا يمكن استفادة فساد الفسخ من التقريب الثاني و لو ببركة الاستصحاب، لأنّه على فرض إثبات سلطنته على ماله بعد الفسخ، لا ينافي ثبوت السلطنة الأخرى في عرضها، لعدم المانع من اجتماع السلطنتين على أمر واحد، و يكون كلّ واحد منهما نافذا، كما في سلطنة

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 15- السطر 21.

(2) رياض المسائل 1: 522- السطر 30، جواهر الكلام 23: 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 102

الجدّ و الأب على مال الابن، فالمدلول المطابقيّ منه غير كاف، خلافا لما توهّمه القوم.

لأنّا نقول: لا شبهة في أنّ المستفاد من المرسلة، السلطنة على الأموال بأنحاء التصرّفات الحسّية، و قطع يد الآخرين خارجا، و هذا هو الموجب لفساد الفسخ و عدم تأثيره، لأنّه لا معنى لأن يمنع عن التصرّف الخارجيّ فيما عاد إليه بعد الفسخ مع كونه مؤثّرا.

و أمّا كونها دالّة على المعنى الالتزاميّ، و قطع يد الأجنبيّ عن التملكات الاعتباريّة، فهو محلّ منع و إشكال، و ممّا لا حاجة إليه كما عرفت، فتدبّر.

ثمّ إنّه يمكن دعوى قصورها عن إثبات لزوم عقد الإجارة و نحوها، إمّا لانصرافها عن ماليّة المنافع، أو لأنّها ليست مالا، و لكنّها غير مسموعة، لشهادة

العرف على خلافها.

الثالثة: عمومات الشروط

و هي على صنفين:

أحدهما: ما يمكن الخدشة فيه بدوا، مثل قولهم: «المسلمون عند شروطهم» «1» أو «المؤمنون.» «2» كذلك من غير التعقّب بالاستثناء، فإنّه

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 1، تهذيب الأحكام 7: 22- 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 7: 371- 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 103

من المحتمل كونه إرشاداً إلى مسألة أخلاقيّة، و إرشادا إلى المستحسنات العرفيّة و العقلائيّة، كقولهم: «المؤمن عند عدته» أو: «إذا وعد وفى» و أمثالهما.

ثانيهما: الجملة المذكورة المتعقّبة بقوله عليه السلام: «إلّا شرطا حرّم حلالا، أو أحلّ حراما» «1»، أو «شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ» «2».

فإنّه حينئذ يكون ظاهرا في القاعدة الشرعيّة الكلّية، و حيث إنّ ظاهر المستثنى بطلان الشرط المذكور، فهو دليل على أنّ المقصود في المستثنى منه إفادة صحّة الشروط بالمطابقة أو الالتزام.

و أمّا كونه مفيدا للوجوب التكليفيّ، حتّى يكون دليلا على جواز الشروط و عدم لزومها، فهو خلاف المتبادر منه قطعا.

نعم، لا بأس بالالتزام بإفادته الحكم التكليفيّ، زائدا على أنّ مخالفته لشرطه لا تؤثّر في شي ء وضعا، و لكنّه حينئذ بعيد جدّا، و لقد تقرّر منّا حولها في مباحث الشروط مسائل «3»، من شاء فليراجع. هذا كلّه حول دلالته.

و أمّا إطلاق كلمة «الشرط» على المعاملات، فقد مضى تفصيله في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 467- 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

(2) الفقيه 3: 127- 553، تهذيب الأحكام 7: 22- 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

(3)

تحريرات في الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث في الشروط.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 104

المبحث الأوّل «1».

و لعمري، إنّ أصحابنا قد خلطوا بين الجملتين، و غفلوا عن ظهور المستثنى، و أنّه هو الاستثناء من الصحّة لا الوجوب، من غير لزوم كون المستثنى منه ظاهرا في إفادتها الصحّة بالمطابقة، بل هي تفيدها في لازمها، كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك، فهذه المآثير تدلّ على لزوم كلّ شرط الملازم لصحّته، إلّا الشرط المذكور، و ذلك لأنّها ظاهرة في الوجوب الطريقيّ، أو إمضاء لطريقة العقلاء، و هي على اللزوم في المعاملات و توابعها المرتبطة بها، و على التقديرين يثبت المطلوب.

إن قلت: التمسّك بها بعد الفسخ غير جائز، لأنّ الشبهة موضوعيّة.

قلت:- مضافا إلى ما عرفت سابقا- إنّها لا ترد على القول بإرشادها إلى اللزوم. بل لا ترد مطلقا، لأنّ عدم حفظ الموضوع مناف لإطلاقها، كما لا يخفى.

الرابعة: إطلاقات خيار المجلس

و هي تدلّ على عموم المدّعى، لما فيها ما رواه المشايخ الثلاثة، بأسانيدهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا و خانا لم يبارك لهما، و هما بالخيار ما لم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 65- 66.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 105

يفترقا.» «1».

فإنّ «التجارة» أعمّ من البيع، و لذلك احتملنا جريان خيار المجلس في غير البيع قويّا.

و بالجملة: هذه الرواية و مشابهاتها، ظاهرة في أنّها في مقام جعل الخيار في البيع، من غير النظر إلى اللزوم، إلّا أنّ العرف لا يساعد إلّا على جعله في العقود اللازمة بطبعها و ما هو الواجب عند العقلاء و الشرع مثلا، و إذا كان المتعاطي بائعا-

بل هو البيّع بالحمل الشائع- يعلم: أنّ المعاطاة لازمة بطبعها في الشريعة، و ما هو كذلك لا ينافي جعل الخيارات المختلفة فيه، لأغراض متشتّتة، و موجبات متفرّقة مساعد عليها العرف، أو غير مساعد.

فلا يستكشف اللزوم من إطلاق ذيل المآثير حتّى يقال: بلزوم التخصيص كثيرا، الكاشف عن أنّها تفيد الحكم الحيثيّ، و لا من بعض الجهات الأخر المذكورة في المفصّلات، حتّى نخرج عن الطريق المستقيم.

بل المطلوب يعلم من أنّ البيع و نحوه عند العقلاء لازم، و الروايات تكون بصدد جعل الخيار فيها الملازم لإمضاء اللزوم، فإنّ ما كان محكوما عندهم و عند الشرع بالجواز، لا معنى لأن تلحقه هذه الأحكام.

و لعمري، إنّ دلالتها على اللزوم أوضح من النار على المنار، بشرط

______________________________

(1) الكافي 5: 174- 2، الخصال: 45- 43، تهذيب الأحكام 7: 26- 110، وسائل الشيعة 18: 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 106

سلامة الأفكار.

إن قلت: الشبهة تارة: تكون في جواز عقد و لزومه، فهي ترتفع بهذه الرواية إذا كان داخلا في موضوعها.

و اخرى: في موجبيّة أمر للخيار و عدمها، فهي لا ترتفع إلّا بإطلاق الذيل، فلا بدّ من إثباته.

قلت: نعم، إلّا أنّ الكلام فيما نحن فيه حول الشبهة الاولى، و إثبات الإطلاق في غاية الإشكال، لما عرفت، و أنّ العرف يشهد على وجوب البيع من حيث حصول الفراق، دون العيب و الغبن، من غير الالتزام بالتخصيص، فافهم و تدبّر جيّدا.

هذا تمام الكلام حول الأدلّة اللفظيّة، و هي في الإفادة مختلفة، فمنها ما يفيد اللزوم من باب الملازمة العرفيّة، و بعضها يفيده بالمطابقة.

و بعبارة أخرى: يتمّ الاستدلال ببعض منها مع فرض اللزوم عند العقلاء، فيكون دليل

الإمضاء منسلكا في الأمر الأوّل، و ببعض منها من غير التوقّف على الفرض المذكور، كحديث حرمة مال المسلم «1» و نحوه [2]، و هكذا يتمّ المرام ببعضها من غير الحاجة إلى الأصل الموضوعيّ، و ببعضها الآخر معه كما لا يخفى.

______________________________

[2] الحسن بن عليّ بن شعبة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، أنّه قال في خطبة الوداع: أيّها الناس، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه.

تحف العقول: 34، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 3.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 96.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 107

الأمر الثالث: حول الأصول العمليّة الموضوعيّة و الحكميّة الوجوديّة و العدميّة
اشارة

من الاستصحاب و غيره،

و الكلام في المقام يتمّ في مراحل:
المرحلة الاولى: في جريان استصحاب الملكيّة الثابتة بالعقد
اشارة

لأنّ الكلام بعد الفراغ عن إفادتها الملكيّة، فالفسخ لا يؤثّر في شي ء.

و قد يشكل جريانه مطلقا و لو كان كلّيا، لأنّ الملكيّة ليست موضوعا لحكم شرعيّ، و كونها من الاعتبارات العقلائيّة و المعتبرات الشرعيّة إجمالا، غير واف بالمقصود «1»، و هو ممنوعيّة الفاسخ عن التصرّف شرعا بعد فسخه، و لأنّ التعبّد ببقائه مالكا أو بقائه على ملكه، لا يورث الحكم الشرعيّ، لما نجد التفكيك شرعا بين المالكيّة و جواز التصرّف، كما في المحجور، و ليس في العمومات كبرى كليّة على «أنّ من هو المالك له التصرّف في ملكه بما يشاء، و كيف يشاء» حتّى ينسلك ما نحن فيه فيها.

فدعوى: أنّ الضرورة قائمة على أنّ الأصل المذكور- كلّيا كان، أو

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 95.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 108

شخصيّا- مفيد، لأنّ البديهة حاكمة بأنّ المالك غير ممنوع عن التصرّف شرعا، فكأنّه وصلت كبرى كلّية عليه، ساقطة جدّا.

إن قلت: لا يجري الاستصحاب المذكور ذاتا، لأنّ المتيقّن هو الكلّي، ضرورة أنّ الملكيّة الحاصلة من السبب الجائز، غير الملكيّة الحاصلة من السبب اللازم، لأنّ خصوصيّة العلّة تورث في المعلول مثلها، و لأنّ الملكيّة من الاعتبارات، و تشتدّ و تضعف حسب اختلاف أحكامها في الشرع، و القسم الثاني من الكلّي غير جار، لأنّ متعلّق اليقين لا بدّ و أن يكون من القضايا التي ظرف صدقها الخارج، و هو هنا منتف بالضرورة.

قلت أوّلا: عدم جريان الكلّي منه ممنوع عرفا، و المناط في المسألة فهمه.

و ثانيا: لزوم السنخيّة بين المعلول و علّته ممنوع في القضايا الاعتباريّة، فالعقد اللّازم يورث الملك الجائز و بالعكس.

و السرّ كلّه: هو أنّ اعتبار الملكيّة متقوّم

بالقدرة إجمالا، و إذا حصلت علّة الاعتبار فتعتبر الملكيّة، و هي موضوع لأحكام شرعيّة و عقلائيّة، و انتفاء الأحكام يوجب انتفاء الملكيّة، و لكن انتفاء عدّة منها لا يورث قصورا فيها حتّى تشتدّ و تضعف، فإنّه واضح المنع لمن تدبّر المسألة.

و من العجب أنّ الأصحاب ظنّوا، أنّ المدار في جريان الأصل الشخصيّ، على أن يكون الجواز و اللزوم من أوصاف العقد!! و قد عرفت خلافه.

فاتضح أنّ الأصل الجاري فيما نحن فيه هو الشخصيّ، و القسم

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 109

الأوّل من الكلّي، إلّا أنّ فائدته منفية، لما سمعت منّا.

إشارة إلى بعض الاستصحابات الأخرى

ثمّ إنّ هنا استصحابات أخر:

منها: استصحاب بقاء عنوان «العقد، فتشمله الآية الكريمة.

و منها: استصحاب السلطنة للمالك الثاني، و في كفايته إشكال، لأنّ السلطنة و إن كانت من الأحكام العقلائيّة النافذة في الشريعة، إلّا أنّ التعبّد ببقائها، لا يكون ملازما شرعا لجواز التصرّفات الكلّية.

و منها: الاستصحابات التعليقيّة، فإنّ المالك قبل الفسخ كان إذا يتّجر تصحّ تجارته، و في جريانها إشكال في مباحثه «1».

و منها: الاستصحاب الحكميّ، فإنّه كان يجوز له التصرّف قبل الفسخ، و هكذا المالك الأصليّ كان محرّما عليه التصرّف، فتكون النتيجة لزوم العقد.

المرحلة الثانية: في تعارضه مع الاستصحاب الحاكم على جميع هذه الاستصحابات

لأنّه به يزول الشكّ في الرتبة السابقة تعبّدا و نتيجته نفوذ الفسخ، و ذلك لأنّ الأسباب الناقلة ليست حدود تأثيرها معلومة، حتّى

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأصول 8: 542 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 110

يعلم بانقطاع العلقة بين المملوك و مالكه مطلقا، أو انقطاع الملكيّة رأسا، فإذن يجوز الاستصحاب إذا شكّ في جواز رجوعه إلى ملكه بعد العقد المملّك. و التعبّد ببقاء العلقة بينه و بين ماله، لا يرجع إلّا إلى جواز استرجاعه العين، و نتيجته نفوذ فسخه.

و من المحتمل قويّا جريان القسم الأوّل من ثالث أقسام الكلّي، لأنّ الزائل بالعقد هي الملكيّة الشديدة و العلقة الثابتة، لا أصل الملكيّة.

و لك أن تقول باستصحاب بقاء علقة الاسترجاع بنحو الكلّي، فإنّه كان إذا يخرجه عن ملكه بغير العقود اللازمة، يستحقّ استرجاعه، و أن تستصحب جواز استرجاعه الثابت بخيار المجلس و غير ذلك.

هذا، و أنت خبير بما فيه من الأغلاط، و أنّه من التوهّمات التي لا أساس لها، و لا خير في تعرّضنا لمثلها، فلاحظ و تدبّر.

فتحصّل: أنّ الأصل الجاري ينحصر بالاستصحاب الحكميّ، و هو استصحاب جواز التصرّف

للمالك الثاني.

و يمكن دعوى التفصيل حينئذ بين التصرّفات، فإنّ التصرّفات الخارجيّة كانت جائزة و محلّلة شرعا، و لها الحكم المنجّز، و هو أنّه كان في حلّ منها، بخلاف التصرّفات الناقلة و الاعتباريّة، فإنّها غير جائزة، لعدم الدليل عليها إلّا الاستصحاب، و هو تعليقيّ عقليّ، لا شرعيّ، فعليه لا يجوز للمالك الثاني بعد الفسخ البيع و نحوه، و يجوز له أكله و إطعامه.

و هي قابلة للدفع بدعوى: أنّ المستصحب ليس معلّقا، فإنّ تجارته

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 111

كانت صحيحة، أو كانت نافذة و مشروعة و ممضاة، و لا داعي إلى إرجاعه إلى التعليق، حتّى يشكل جريان الأصل فيه.

المرحلة الثالثة: حول عدم استصحاب أصل الملكيّة لتغاير الجائزة مع اللازمة بالنوع

إذا شكّ في أنّ الملكيّة ذات نوعين، و ذات مراتب، و أنّ اللزوم و الجواز من منوّعاتها أو مفرّداتها، حتّى تكون الملكيّة من الجائز غيرها من العقد اللازم، أو شك في أنّ الجواز و اللزوم في العقد، هل يورثان اختلافا فيها، فيتردّد الأمر بين بقاء الشخص و عدمه، و أنّ الاستصحاب الجاري كلّي أو شخصيّ، فهل يسقط التمسّك؟

قيل: نعم، لدوران المستصحب بين كونه كلّيا غير جار فيه الأصل، و بين كونه فردا «1».

و قيل: لا «2».

و قد يقال بالتفصيل بين الشبهات الحكميّة فيجري، و هو الاستصحاب الشخصيّ- و سرّه: أنّه مع احتمال عدم اختلاف الملكيّة إلّا بحسب الشخص، يحتمل بقاء ذاك الشخص الذي كان فيستصحب- و الشبهات الموضوعيّة، كدوران الواقع في الخارج بين الهبة و البيع،

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 13- السطر 21، منية الطالب 1: 60- السطر 20.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 112

فإنّه لا تعيّن لشخص الملك «1».

و يفصّل ثانيا: بين الملتفت إلى اختلاف حقيقة

الملكيّة، و غير الملتفت، فإنّ الثاني تيقّن و شكّ، و لا واقع لهما إلّا أنفسهما، بخلاف الأوّل، فإنّه لا يقين له بالفرد بما هو، لاحتماله الخصوصيّة الدخيلة في فردية الفرد للطبيعة «2».

و ثالثا: بأنّ وجه عدم جريان الأصل الكلّي إن كان وجود الأصل الحاكم عليه، ففيما نحن فيه يجري الأصل، للشكّ في وجود الأصل الحاكم.

و إن كان لعدم شمول عمومات الاستصحاب له، لأجل لزوم اتحاد القضيّتين: المتيقّنة، و المشكوكة، و هو منتف كما ترى، فلا يجري، لاحتمال كون المسألة من قبيل ذلك، فالتمسّك غير جائز، لأنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة الموضوعيّة «3».

أقول: أمارات الشخصيّة في الملكيّة هي السبب، و المضاف إليه، و المالك، فإن كانت هي بعد ذلك غير متشخّصة، فذلك لأجل اللزوم و الجواز اللّذين هما من الخصوصيّات، و فيما لو شكّ في أنّهما من أماراتها فلا يعقل تعلّق اليقين بالشخص، فلا يجري الاستصحاب.

إن قلت: نعلم إجمالا بأنّ الملكيّة الحاصلة بالعقد المجهول

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 79- السطر الأخير.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 33- السطر 24- 27.

(3) مصباح الفقاهة 2: 131.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 113

لزومه و جوازه، أنّها إمّا هي الملكيّة الشخصيّة غير المتقيّدة بالجواز و اللزوم، لأنّهما من طوارئ العقد، و إمّا هي الملكيّة المخصوصة بالجواز أو باللّزوم، فكأنّه يعلم: بأنّ في الدار إمّا زيدا، أو عمرا، أو بكرا، فلو كان الأثر مترتّبا على كلّ من الشخصيّات، فالأصل يجري.

نعم، يتردّد الأمر و لا يترتّب الأثر، إذا قلنا بعدم جريان الاستصحاب مع الشكّ في المقتضي، و لكنّه ممنوع.

قلت: هذا ليس من الاستصحاب الشخصيّ، لأنّه لا يعلم بوجود زيد حتّى يشكّ في بقائه، و توهّم استصحاب الفرد

الواقعيّ فاسد، لأنّه ليس في عموم أدلّته، لما أنّ موضوعه اليقين و الشكّ، أو الواقع المتّصف بهما، فلا تغفل.

و ممّا ذكرناه يظهر مواقف الخلط في كلمات القائلين بالجريان «1».

و من العجب التفصيل الثاني! ضرورة أنّ اليقين و الشكّ و إن كانا موضوعا في الاستصحاب، إلّا أنّ اليقين طريق إلى الواقع المجعول في الشرع الأقدس.

و أعجب منه التفصيل الأخير!! فإنّه مضافا إلى خلطه في الجاري بين الكلّي و الشخصيّ، أنّ الأصل الحاكم لا يورث عدم جريان الأصل المحكوم ذاتا، و لذلك لو لم يترتّب الأثر الشرعيّ على الأصل السببيّ، تصل النوبة إليه، فعليه يلزم الخلف، لأنّ المفروض عدم جريان الأصل الكلّي رأسا.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 111.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 114

خاتمة: في حكم الشكّ في اشتراط الأسباب العرفيّة بشي ء

إذا شكّ في الأسباب العرفيّة في شرطيّة شي ء لها، كالعربيّة و الماضويّة، فمقتضى أصالة البراءة الشرعيّة عدم الشرطيّة، و حيث إنّ السببيّة معلومة عرفا مع قطع النظر عنهما، لا يكون الأصل مثبتا.

و قد اختار أستاذي الوالد المحقّق جريانها في الشرائط الشرعيّة، دون العرفيّة «1»، معلّلا بما أشير إليه، فعليه يصحّ التمسّك بها لصحّة المعاطاة لما يشكّ في شرطيّة اللفظ، و هو لو كان شرطا يكون شرعيّا.

إن قيل: في جريان البراءة في أمثال المقام يشترط بقاء المشروط، كما في نفي العربيّة و الماضويّة، و أمّا نفي اعتبار اللفظ فهو غير ممكن، لأنّه سبب حيال سببيّة الفعل، فلا يثبت بها صحّة المعاطاة.

نعم، إذا شكّ في شرطيّة التعاطي من الطرفين- بعد كون الطرف الواحد محقّقا لعنوان المعاملة عرفا- فالمرجع هي البراءة.

قلنا: لا يلزم في رفع الشرط عنوان المشروط، بل يكفي عنوان المقارنة، مثلا إذا شكّ عند إيجاد البيع بالفعل في شرطيّة اللفظ مقارنا معه، فإنّه

يصحّ التمسّك بها، و يلزم صحّة السبب.

و توهّم ممنوعيّة المعاملة بالسببين فاسد، بل الأحوط عند ما يتعاطى العقد باللفظ، و إذا عقد باللفظ فالأحوط أن يكون التسليم و التسلّم بعنوان المعاملة و التسليم و التسلّم، و هذا ممّا لا بأس به.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 62- 63.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 115

و هكذا توهّم: أنّه من الأصل المثبت، ضرورة أنّ المقصود ليس إثبات عنوان «الصحّة» و عنوان «المؤثّر الشرعيّ» بل التأثير معلوم عرفا، و ما هو المشكوك شرطيّة شي ء في التأثير زائدا على ما عندهم، و إذا كانت هي منتفية فالمطلوب ثابت.

هذا، و لكنّ التحقيق عدم جريانه في هذه المواضع مطلقا، لأنّه مع الشكّ في شرطيّة شي ء يشكّ في كون السبب العرفيّ ممضى أم لا، و إثبات الإمضاء بالأدلّة اللفظيّة و السيرة المنضمّة بعدم الردع، خروج عن الفرض كما لا يخفى.

ثمّ إنّه كما يتمسّك بالبراءة لصحّة المعاطاة، يتمسّك بأصل العدم الأزليّ للزومها، لأنّ الشكّ في بقاء الملك مسبّب من الشكّ في تأثير الفسخ، و إذا صحّ أنّه لم يكن مؤثّرا بنحو السلب المحصّل المجامع مع عدم الموضوع، يجوز التمسّك بالاستصحاب.

و هذا هو الجاري في مباحث العدم الأزليّ، لأنّ المقصود ليس إثبات شي ء آخر حتّى يكون مثبتا، بل المطلوب يحصل بنفس التعبّد بالعدم المذكور، لأنّ المتعبّد به كلّي ينطبق على المورد. و هذا نظير ما لو ورد «إذا لم يكن الجاهل موجودا أكرم علماءكم» فإنّه لو شكّ في وجود الجاهل يستصحب العدم المحموليّ، و ينقّح موضوع القضيّة الشرطيّة، و لقد أوضحنا المسألة في مباحث الشروط «1»، و في كتب الأصول «2»، فراجع.

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث في الشروط، التنبيه الرابع.

(2) تحريرات

في الأصول 8: 487- 488.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 117

المبحث الثالث في فساد القول بالإباحة على القول ببطلان المعاطاة

الظاهر أنّ المعاطاة المتعارفة بين الناس إذا كانت باطلة، تكون لغوا، و لا أثر لها، و ما يتوهّم من الإباحة فهو لا أساس له «1»، لأنّها ليست مالكيّة، لما أنّ بناء العرف و العقلاء في تعاطيهم على التبديل المقصود في العقد اللفظيّ، و كونها شرعيّة و مترتّبة عليها قهرا على المتعاقدين و رغما لأنفهما، يحتاج إلى دليل صريح، و هو غير واصل.

نعم، يمكن دعوى الإباحة المالكيّة التقديريّة، و هي كافية لجواز التصرّف في العوضين، و لكنّها خارجة عن عنوان المعاطاة العرفيّة التي هي بيع عرفا، و سيأتي الكلام حول كفايتها في مسألة

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 216.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 118

المقبوض بالعقد الفاسد «1».

هذا ما هو الحقّ في المسألة، و إطالة الكلام حولها على المباني المختلفة، من اللغو المنهيّ جدّا.

و أمّا ما اشتهر من الإباحة المعوّضة، و أنّها و إن لم تكن بيعا و لكنّها عنوان آخر وراءها، و هي المعروفة بين العقلاء، و المعمولة في مثل الحمّام و نحوه، فهو عندي ممّا لا أصل له، فإنّ الإباحة بالعوض من العناوين الخارجة عن أفق المعاملات العرفيّة، و هي من تأسيسات أرباب الفضل، و لا أثر منها في الأسواق و البلاد، و لا تشملها العمومات و الإطلاقات على نحو تدرج في أبواب المعاملة، فتكون محكومة بأحكامها.

و ما ترى في بعض الأمور شبيها بها، فهو من الإجارة، إلّا أن الشرائط المعروفة في المتون غير معتبرة في مطلق الإجارات، على ما تقرّر منّا في محلّه «2»، فإنّ منها ما هو المبنيّ على التساهلات، و هي القائمة عليها السيرة القطعيّة، فافهم و

لا تغفل.

هذا مع أنّ الإباحة المطلقة بالعوض، إذا كانت مستلزمة لسلب اختيار المبيح عن الرجوع إلى ملكه، لا تتمّ، لأنّه لا يعتبر بقاء الملكيّة له حينئذ، بل هو ملك المبيح له عرفا، و تكون الإباحة كناية عن التمليك، فتأمّل.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 182.

(2) كتاب الإجارة من «تحريرات في الفقه» مفقود.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 119

و الاستدلال لصحّتها بقاعدة التسليط، و حديث حرمة التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه، أو بطيب نفسه، غير تامّ، لما مضى البحث حولها «1». مع أنّ إطلاق الحصر و المستثنى محلّ منع، و لو فرضناه فهو لا يفيد صحّة الإباحة بالعوض على أن تكون معاملة.

نعم، بناء على عموم قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم» «2» يثبت المطلوب، و قد عرفت ما فيه.

و العجب من المتأخّرين، حيث توهّموا أنّ المعاطاة تقع على أقسام، و جعلوا تلك الأقسام محلّ البحث و الكلام «3»!! و هذا غير تامّ، ضرورة أنّ مفهوم «المعاطاة» ليس موضوعا في دليل، و حقيقتها ليست إلّا حقيقة العقد الذي تأتي فيه، فهي بيع، و إجارة، و هكذا، و ما يتوهّم من إفادة المعاطاة الإباحة «4»، فهو فرض محض، و ليس اسمه «المعاطاة» و لو قصداها.

نعم، هو إباحة بالعوض، و لها أنحاء شتّى، و حيث هي في أصلها باطلة فلا وجه للغور في فروعها، فلاحظ و تدبّر فيها.

ثمّ إنّه لو فرضنا صحّتها، فلا تجري فيها القيود الثابتة بالأدلّة الخاصّة، إلّا بدعوى إلغاء الخصوصيّة عرفا، و أمّا ما ثبت بالعمومات

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 53 و 68- 71.

(2) تقدّم في الصفحة 65.

(3) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 30- السطر 20 و ما بعده.

(4) جواهر الكلام 22: 216، جامع المقاصد 4:

58.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 120

التي موضوعها الأعمّ عرفا، و القابل للصدق عليها، فهو يجري فيها، و هكذا في جانب الأحكام، و لا تنقلب الإباحة ملكا، و لا يجوز التصرّفات الناقلة المتوقّفة على الملكيّة إلّا في وجه.

و لو تصرّف المبيح في العوض، و لم يمض مدّة الإباحة في الإباحة المقيّدة، فله الرجوع إلى ماله مع ضمان العوض، و يجوز إباحة المبيح له ثانيا و لو مع العوض، مع إطلاق الإباحة أوّلا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 121

تنبيهات
التنبيه الأوّل: حول اعتبار شرائط العقد اللّفظي في المعاطاة المفيدة للملكيّة

هل يعتبر في المعاطاة المفيدة للملكيّة، ما يعتبر في العقود اللفظيّة، من الشروط الوجوديّة و العدميّة، و الأحكام السلبيّة و الإيجابيّة، أو لا يعتبر شي ء؟

أو يفصّل بين الثابتات بالأدلّة اللفظيّة، و اللبّيات.

أو يفصّل بين ما إذا كانت لازمة أو جائزة؟

لا سبيل إلى الثاني إلّا على القول: بأنّها معاملة مستقلّة، كما اختاره الشهيد «1»، فإنّها ليست مشمولة لتلك الأدلّة.

نعم، تشملها الأدلّة العامّة، لأنّها تجارة، و الأدلّة الخاصّة التي ليست الخصوصيّة لها الموضوعيّة، كقولهم: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع الغرر» «2».

و حيث إنّ عنوان «البيع» و الإجارة» و غيرهما، أصدق على

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 87- السطر 34.

(2) وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3، سنن البيهقي 5: 342.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 122

المعاطاة من العقد اللفظيّ، و هي عندنا لازمة عرفا و شرعا، فهي القدر المتيقّن، فلو كانت الأدلّة اللفظيّة مهملة، فثبوت حكمها للعقد اللفظيّ في غاية الإشكال، لما عرفت منّا تحقيقه «1»، فتجري فيها الأحكام و القيود كلّها إلّا ما يثبت بالإجماع و نحوه، فإنّ «البيع» المأخوذ

في كلامهم هو اللّفظيّ منه، لدعوى الإجماع منهم على أنّها ليست بيعا «2»، أو لانصراف معقد إجماعهم عنها بعد اختيارهم أنّها تفيد الإباحة، فإنّ ما كان مفادها الإباحة ليست عندهم بيعا بالحمل الشائع، حتّى تشمله كلماتهم و استعمالاتهم، فلا تغفل.

و دعوى عدم الحاجة إلى جعل الخيار في العقود الجائزة، لعدم الأثر له «3»، لا تورث الامتناع، لأنّ المجعول ليس مخصوصا بحال الجواز، بل ليس مختصّا بالعقود الجائزة، فالدليل المتكفّل يشمل العقود، و لغوية إطلاق الدليل ممّا لا بأس بها.

مع أنّ العقد الجائز على قسمين: منه ما لا ينقلب إلى اللازم، كالشركة، و منه ما ينقلب إلى اللازم، كالهبة و المعاطاة، و عليه لا منع من جريان الخيار في الثاني كما هو الواضح.

و دعوى: أنّها تورث انصراف أدلّته عنها، غير بعيدة، فتأمّل. و في المسألة تفاصيل أخر كلّها غير تامّة، إمّا لعدم تماميّة البناء أو المبنى،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 20.

(2) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26.

(3) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 88- السطر الأوّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 123

فلا وجه لتعرّضنا لها بعد ما عرفت منّا.

التنبيه الثاني: في صور المعاطاة
اشارة

المعاطاة تتصوّر فيها الوجوه الكثيرة حسب العمل الخارجيّ و قصد المتعاطيين، و هي كثيرة، ربّما تزداد على الأكثر من خمسين صورة، ضرورة أنّها تارة: تكون بالإعطاءين و الآخذين.

و اخرى: بالإعطاءين فقط من غير الأخذ، و تكون النتيجة أخذهما، من غير دخالته في تحقّق المعاملة.

و ثالثة: بالإعطاء و الأخذ، و يكون الإعطاء الآخر وفاء بالمعاملة و العقد.

و رابعة: بالاستيفاء المقرون بالرضا و الإعطاء الحكميّ، كما في الحمّامات و نحوها.

و خامسة: بالأخذ و الإعطاء الحكميّين، كما في البلاد الراقية بالنسبة إلى الجرائد و أمثالها.

و سادسة: بالمقاولة التي تنشأ

بها المعاملة، بناء على أنّها داخلة في بحث المعاطاة إشكالا و جوابا، و إن لم تكن منها موضوعا.

و سابعة: بالإبقاءين، كما إذا كان مال كلّ منهما عند الآخر، فيتعاطيان من غير الاسترداد و الردّ.

و ثامنة: بالإبقاء و الإعطاء، كما إذا كان المالان عند أحدهما.

و على جميع التقادير تارة: يقصد المتعاطيين تبديل المالين، أو

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 124

تبديل الفعلين، أو تبديل المال و الفعل.

و على كلّ فرض تارة: يقصد تبديلهما في الملكيّة.

و اخرى: في الإباحة.

و ثالثة: بالاختلاف.

و هكذا في تبديل الفعلين.

و في صورة الاختلاف.

إذا عرفت ذلك

فالبحث يتمّ في مقامين:
المقام الأوّل: في المعاطاة التي يقصد بها التمليك

و الحقّ: أنّ جميع الصور صحيحة، لتحقّق الموضوع، و عموم الأدلّة اللفظيّة، و إلغاء الخصوصيّة عن مورد السيرة.

نعم، في الإعطاءين فقط تتحقّق المعاطاة المعاوضيّة، دون البيع، فإنّ مبادلة العين بالعين ليست عندنا بيعا، كما عرفت تفصيله «1».

و لو أعطى أحدهما، فإمّا تتحقّق المعاملة، فلا يكون الإعطاء الثاني إلّا جوابا، أو لا تتحقّق، فلا يفيد الثاني شيئا، لأنّه مثل الأوّل، فلا بدّ من وقوعه قبولا للإنشاء الأوّل حتّى توجد المعاملة و المبادلة، فالإعطاءان و القبولان بيعان، و يكون التبادل بين الفعلين، و في صحّته إشكال يأتي ذكره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11- 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 125

و ما عن «الدروس» و الكركيّ: من كفاية القبض من أحدهما «1»، في غير محلّه، لأنّ التعاطي من الطرفين على أن تكون المبادلة بين المالين، ليس بيعا، بل هي معاطاة معاوضيّة، و ما هي المعاطاة البيعيّة هي ما يكون البيع تامّا بالإعطاء الواحد، و يكون الإعطاء الآخر وفاء بالعقد، و لذلك ذكرنا: أنّ الثمن قيد في ماهيّة البيع بعنوانه، لا بوجوده «2».

و توهّم: أنّها صحيحة مع

مطلق المقاولة كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه «3» في غير محلّه، و ما أوردناه على الإنشاء اللّفظيّ «4» يتوجّه إليها مع دفعه.

و دعوى: أنّ القدر المتيقّن من السببيّة في الألفاظ، هي الألفاظ الخاصّة، لعدم الدليل عليها، مدفوعة كما ترى.

و قد يشكل في الفرضين الأخيرين تصوير المعاطاة بالمعنى الأخصّ، لعدم الفعل المتسبّب به إلى العقود. و لا ينحلّ بدعوى: أنّ إبقاءه تحت يد الآخر و إمساكه تحت يده، فعلان اختياريّان «5»، ضرورة أنّهما غير كافيين لإبراز الرضا ما لم يحصل منهما ما يبرز رضاهما، من الكتابة و الإشارة، و عندئذ تحصل المعاطاة بالمعنى الأعمّ، كما لا يخفى.

و إن شئت قلت: تتحقّق المعاطاة بذلك، إلّا أنّه لا دليل منهما عليها إثباتا.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 238.

(2) تقدّم في الصفحة 11- 12.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 88- السطر 14- 15.

(4) تقدّم في الصفحة 11- 12.

(5) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 38- السطر 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 126

و يمكن دعوى وقوعها فضولا، و يستجيز بعد ما بدّل بينهما. و هذا ليس من الإنشاء حتّى يندرج تحت المعاطاة بالمعنى الأعمّ.

و لك أن تبدل ما عندك بما عنده، لما تعلم برضاه، و لو قصدت ذلك و أجريت أحكام مالك عليه فهو صحيح، و لا يكون من التصرّف في مال الغير، فليتأمّل جيّدا.

المقام الثاني: في المعاطاة المقصود بها الإباحة

و الحقّ في هذه الوجوه بطلان المعاملة إلّا ما هو المتعارف، و ذلك لأنّ المعاملات الواجدة للشرائط الشرعيّة، إذا لم تكن على النهج العقلائيّ، ليست صحيحة، لقصور الأدلّة عن إمضائها. و مجرّد إمكان التوصّل إلى البيع في مواضع الإجارة، لا يورث جواز بيع الدار من جهة خاصّة إلى مدّة معيّنة، كما ذهب إليه جماعة من

العامّة «1»، و بعض أصحابنا الإماميّة «2».

فيعلم منه: أنّ الخروج عن المتعارفات يضرّ بالصحّة، فجعل تمليك حذاء تمليك، أو عين، و هكذا جعل الإباحة مبيعا، و الإباحة عوضا، و أمثالهما ممّا يخرج عن تلك الطريقة المألوفة، ليس صحيحا. و ما ترى في مواقف الضرورة للتخلّص عن الإشكال، فهو ربّما يكون عقلائيّا و متعارفا حال الضرورة.

______________________________

(1) المجموع 15: 9- السطر 16.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 10: 10، مفتاح الكرامة 7: 74- السطر الأخير.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 127

و أمّا إذا كان عقلائيّا، لغرض في موقف من أحد من العقلاء فهو غير كاف، للزوم التبعيّة للبناءات الكليّة التي هي الممضاة، و لو صحّ ما سلكه الأصحاب هنا، لصحّ ما ذهب إليه أبناء العامّة في أنّ الإجارة نوع من البيع، أو البيع قسم من الإجارة، و قد تقرّر منّا في مواقف كثيرة- خصوصا في مسألة أخذ الأجرة على الواجبات «1»، و في كتاب الصلاة- تفصيل هذه المسألة «2» و النتائج الكثيرة المترتّبة عليها، فلاحظ و تدبّر فيها.

فتحصّل: بطلان الصور التي يجعل فيها التمليك و الإباحة مورد المعاملة، و أنّ بعضا منها من الإباحة بالعوض، و قد مرّ فسادها، و الصور الصحيحة مختلفة.

فمنها: ما هو المعاوضة المعاطاتيّة، كتبديل المالين.

و منها: ما هو البيع المعاطاتيّ، كالرائج بين الناس في زماننا.

ثمّ إنّ في كلماتهم شبهات كثيرة لا وجه للغور فيها، لما لا ثمرة عمليّة لها. مع أنّ الشيخ «3» و أصحابه «4» خرجوا عمّا هو محلّ البحث، و هو صور المعاطاة، و تعرّضوا لمسألة الإباحة بالعوض التي هي قسيم المعاطاة،

______________________________

(1) لاحظ مستند تحرير الوسيلة 1: 436 و ما بعدها.

(2) هذه المباحث من كتاب الصلاة من «تحريرات في الفقه»

مفقودة.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 88- السطر 5 و ما بعده.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 77- السطر 13 و ما بعده، منية الطالب 1: 68- السطر 18 و ما بعده، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 38- السطر 18 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 128

مع أنّ كون الإباحة غير الإباحة بالعوض، و ما هو المقصود في المقام هو الأوّل دون الثاني، كما لا يخفى.

التنبيه الثالث: في تميّز البائع من المشتري، و المؤجر من المستأجر

أي إذا كانت الأجرة منفعة الدار، فلا اختصاص للبحث بالبيع، و لا بالمعاطاة منه.

و التحقيق: أنّ المعاوضة خارجة عن البيع، فلا مشتري فيها و لا بائع.

و في المعاملات الرائجة فما كان قابلا للإنشاء المتقدّم فهو المشتري، إلّا إذا كان على خلاف المتعارف، كما لو باع الدرهم بالحنطة في البلدة التي يكون الدرهم نقدها، و كما لو اشترى المبيع، و أنشأ ذلك المشتري، و قبله البائع، فإنّه في هاتين الصورتين- لكون عنوان «البائع» محفوظا، لأنّه من العناوين الواقعيّة مثلا- لو اشترى داره بعمله القيميّ فإنّه لا يعدّ بائعا بالضرورة، و القابل هو البائع عند العرف قطعا.

و فيما إذا كان الثمن من الأعيان، أو الأجرة من المنافع، فالمدار في تميّز البائع و المؤجر من المشتري و المستأجر على العاقد، و على الذي يفي بالعقد، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لو أوقعا التمليك معا، فقد مرّ تفصيل البحث فيه و اختلاف

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 129

المباني حوله «1»، و المختار هنا هو أنّ التمليك الثاني إمّا يقع جوابا، فيتميز البائع من المشتري و إن كان يفيد الملك مع كونه جوابا، بناء على إمكانه كما لا يبعد، لأنّه بوجوده يقع الجواب، و بمفهومه يتحقّق التمليك.

و إمّا يقع مثل

ما وقع الأوّل، فإن كانت المعاملة تامّة به فلا حاجة إليه إلّا بعنوان الجواب، فيحصل الميز بينهما أيضا، و إن كانت المعاملة محتاجة في تحقّقها إليه فهي باطلة، و لا معاملة حتّى يكون فيه البائع و المشتري، فما وقع الأصحاب فيه في الحيض و البيص منشأه الغفلة عن حقيقة المسألة.

و ما ورد في الرواية في قول أحد الشريكين لصاحبه: «لك ما عندك، و لي ما عندي» [2] فهو إحدى صور المعاطاة التي مرّت، فراجع، و حملها على الصلح- في الفساد- كحملها على الهبة المعوّضة و المعاملة المستقلة، و التفصيل يطلب من مذهبنا في كتاب الصلح و الهبة «3».

______________________________

[2] محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك، و لي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما.

الكافي 5: 258- 2، الفقيه 3: 21- 53، تهذيب الأحكام 6: 206- 470، وسائل الشيعة 18: 445، كتاب الصلح، الباب 5، الحديث 1.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 123.

(3) لم تصل إلينا هذه المباحث من «تحريرات في الفقه».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 130

التنبيه الرابع: حول صحّة التعاطي على الإباحة المطلقة
اشارة

كما تتحقّق المعاطاة بالفعل المراد به إنشاء التبديل البيعيّ- و هي المسمّاة ب- «المعاطاة» بالمعنى الأخصّ- فهل تقع بالفعل المراد به إنشاؤه بلازمه العرفيّ؟

مثلا: لو تعاطيا على الإباحة المطلقة، بحيث يكون المنشأ إباحة المالين، فهل هي صحيحة معاطاة، لأنّ إطلاقها يقتضي اعتبار الملكيّة للطرف المقابل، و انسلابها عن الطرف، لأنّ الملكيّة متقوّمة بالأثر، و إذا انتفى الأثر لا تبقى، كما في الأملاك الواقعة

في الشوارع، و هكذا المساجد و غيرها، فإنّه قد يقال بزوال عنوانها عند وقوعها في الجوادّ و الميادين، و لا يعتبرها العقلاء بعد ذلك، و يروها معدومة؟

و دعوى بقاء الأثر لإمكان سلب الإباحة، مدفوعة:

أولا: بأنّ القائل بصحّتها يقول باللّزوم.

و ثانيا: بناء على عدم العود كاف، لعدم اعتبار بقاء العين في ملكه.

و ثالثا: بقاء أثر ما مع انسلاب الآثار الظاهرة و الكثيرة، غير كاف للاعتبار، فتأمّل.

أم هي باطلة، لأنّ المقصود غير واقع، و كونها كناية عن المعاطاة يحتاج إلى القرينة، و القرائن العقليّة- و منها تصحيح إنشاء العاقد- لا تكفي، لاختصاص دلالة الاقتضاء بكلام الحكيم.

نعم، إذا كانت الأفعال و المقاولات المعانقة معها، مشتملة على ما

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 131

يورث تكنيتها عنها عرفا، فهو ممّا لا بأس به؟

ثمّ إنّه هل تجوز الإباحة المطلقة، فيكون للمباح له البيع و الهبة و غيرهما، أو لا؟ فيه وجهان، بل قولان:

من أنّ البيع متقوّم بالملكيّة السابقة، و هكذا سائر إخوانه، و منها نكاح الأمة، و المفروض عدمها، فلا يجوز بتلك الإباحة إلّا التصرّفات غير المتقوّمة بالملكيّة.

و ربما يشكل ذلك، لأنّ إباحة الكلّ يحتمل أن تكون على وجه التقييد، كما لا يخفى.

و من أنّ الملكيّة قابلة للتقدير، كما في شراء العمودين، و حيث إنّ الملكيّة الآنية تقتضي الجمع بين الأدلّة- دليل السلطنة «1» و دليل الاشتراط «2»- يتعيّن الوجه الثاني.

الجواب عن الملكيّة الآنية و التقديرية

أقول: التحقيق أنّ الملكيّة الفرضيّة و الآنيّة الوجود، ممّا لا أساس لها ثبوتا و إثباتا، و ذلك لأنّ المعتبرات العقلائية تابعة لمحيطهم، و لكيفيّة اعتبارهم، فلو كان من الاعتبارات سببيّة شي ء لشي ء، أو كون شي ء حاصلا من شي ء، أو معتبرا على شي ء- على اختلاف المباني في مسائل

الأسباب و المسبّبات غير الحقيقيّة- فإنّه لا يعقل اعتبار المسبّب بدون

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 65.

(2) تقدّم في الصفحة 53.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 132

السبب من عند أنفسنا، لأنّ المعتبر العقلائيّ و العرفيّ متقوّم بالاعتبار الصحيح، و هو من الأمور الحقيقيّة، لأنّه من الوجودات النفسانيّة، فلا ينبغي الخلط بين المعتبر و الاعتبار.

نعم، يتحقّق الاعتبار في المجتمع البشريّ عند حصول الغرض و الغاية به، و لا موجب عندهم لاعتبارهم هذه الملكيّة التخيّلية، أو الواقعيّة الدفعيّة.

و لو فرضنا ذلك فلا يحمل عليها إلّا النصّ الصريح، دون الإطلاق و العموم، فإنّه لا يعمل به إذا لزم منه خلاف الدليل المقدّم عليه، مثلا إطلاق الأدلّة العامّة يقتضي جواز شراء العمودين، و إطلاق دليل الشرط يورث شرطيّة العتق بالملك، و دليل «أنّ الإنسان لا يملك عموديه» [1] يوجب زوال الملكيّة، فإنّه في هذه الصورة يتصرّف في أحد الأدلّة، و الوجه المتعيّن- لو لا خصوصيّة في المورد- عدم جواز شرائهما.

نعم، يصحّ له بنحو الجعالة التوصل إلى عتق الأبوين.

هذا، و لزوم الملكيّة السابقة في البيع ممّا لا دليل معتمد عليها، و لا يقتضيها العقل، و العجب من الشيخ الأنصاري رحمه اللّه «2» حيث إنّه تبع

______________________________

[1] عن أبي جميلة، عن أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا ملك الرجل أبويه فهما حرّان».

تهذيب الأحكام 8: 244- 881، وسائل الشيعة 18: 249، كتاب التجارة، أبواب بيع الحيوان، الباب 4، الحديث 4.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 89- السطر 5، و 130- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 133

العلّامة «1» في المسألة، و ظنّ أنّ العقل يقتضي ذلك، بحيث لا يمكن تخصيصه!! و لو قال: هو قضيّة حكم العقلاء

بدوا، فهو ممّا لا بأس به، مع أنّه غير موافق للتحقيق، فلا يعتبر في المعاوضة إلّا أصل الملكيّة أحيانا، كما مرّ.

و دخول العوض مكان المعوّض ممّا يكذّبه سوق الناس.

و لنعم ما أفاد في المسألة الفقيه اليزديّ رحمه اللّه «2»، فراجع.

و لو ورد في الدليل «لا بيع إلّا عن ملك» «3» و هكذا في الهبة و العتق [4]، ففيه وجوه:

منها: كونه الملك بالضمّ.

و منها: أنّه في مقام نفي صحّة بيع غير المالك ملك المالك، و لا يورث شرطيّة عنوان «الملك» حتّى لا يجوز بيع الشي ء قبل حيازته، مع أنّه كثيرا ما يتفق ذلك.

و الحاصل: جواز الإباحة المطلقة، و عدم جواز المعاوضة عليها،

______________________________

[4] منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك».

الكافي 6: 179- 1، وسائل الشيعة 23: 15، كتاب العتق، الباب 5، الحديث 1.

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 151- السطر 5، و 166- السطر 10.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 78- السطر 25.

(3) قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا بيع إلّا فيما تملك.

عوالي اللآلي 2: 247- 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 134

حتّى تكون من المعاوضة الخاصّة المتعارفة بين الأعيان، أو تكون من البيع.

و الظاهر أنّ الإباحة المطلقة مع عدم البناء على الرجوع، لا تورث انسلاب الملكيّة، و مقتضى الأصل بقاؤها، فتأمّل.

هذه كلّه إذا كان يريد من الإباحة المطلقة مدلولها المطابقيّ.

و أمّا إذا أنشأ التمليك بها، و أقرّ به، فهو المتّبع، و لو أنكر بعدها عدم إرادته لازمها

العرفيّ فالقول قوله، و التفصيل في محلّه.

التنبيه الخامس: في جريان المعاطاة في جميع العقود و الإيقاعات إلّا في صنفين

قضيّة القاعدة جريان المعاطاة في جميع العقود و الإيقاعات إلّا صنفين منها، فها هنا ثلاث دعاو:

الاولى: عموم المستثنى منه، و ذلك لأنّ الألفاظ و الأفعال بأنحائهما من الأمور الممكنة الإنشاء بها، لما مضى من أنّ المدار على الطريقة العقلائيّة، و هي أعمّ، بل قد عرفت أصلحيّة الفعل من القول «1». و ما يتوهّم من قصور الأفعال عن إيجادها عناوين المعاملات «2»، في غير محلّه، لأنّ الوجدان على خلافه.

الثانية: من العقود و الإيقاعات بل و من أفراد البيع و الإجارة، ممّا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15- 16.

(2) جامع المقاصد 4: 58، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 82- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 135

لا يمكن التوصّل إليها بالفعل المحض، فتجري فيها المعاطاة بالمعنى الأعم، فهذه خارجة عن الأصل و القاعدة موضوعا، ضرورة أنّ البحث في صحّة المعاطاة و لزومها فرع إمكانها، ففي غير المنقولات- كالأراضي إذا كانت الثمن منها- فإنّه لا يمكن التوصّل بالفعل إلى الإجارة و البيع.

و من هذه الطائفة ما يتوصّل إليه بالفعل الخارج عن المتعارف، بمعنى أنّ البناءات العقلائيّة تكون على الأقوال و المعاطاة بالمعنى الأعمّ، دون الفعل المحض، لصعوبة التوصّل به إليها، فلو أراد وقف داره بعنوان المسجد مثلا، فإنّه و إن أمكن فتح بابها، و تخليتها من أثاثه بعنوان جعلها مسجدا، إلّا أنّه خلاف المتعارف في الفعل، بخلاف بناء المسجد بعنوانه، فإنّه فعل متعارف في التوصّل به إلى المقصود.

الثالثة: من العقود و الإيقاعات ما هي الجارية فيها المعاطاة حسب القواعد، كالنكاح و الطلاق و العتق، إلّا أنّ الشرع الأقدس تصرّف في السبب، و جعل الألفاظ الخاصّة موضوعة لاعتبارها، و إيقاع هذه العناوين لا

يمكن إلّا بها، و قد يتوهّم عدم إمكان المعاطاة فيها، و هو غير تامّ.

نعم دعوى: أنّ الفعل المتوصّل به إليها خارج عن المتعارف «1»، غير بعيدة، إلّا أنّ الحقّ خلافها، ضرورة أنّ مفاهيم الأمور الاعتباريّة، كلّها كانت من المفاهيم الأصليّة، و مصاديقها الحقائق الخارجيّة، ثمّ بعد مساس الحاجة إليها في المجتمع البشري، اتسعت تلك العناوين، و اعتبرت لها المصاديق الادعائيّة و الاعتباريّة، و ذلك في النكاح،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 181.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 136

و الطلاق، و العتق، و الملكيّة، و البيع، و غيرها، فإنّ الأمر في الابتداء كان على الأفعال المحقّقة لها، ثمّ انتقل إلى غيرها. و لا يقع عقدة النكاح بالمحرّم من الفعل، بل نفس تهيّؤ المرأة مع إعطاء المهر، موضوع لاعتباره، فتدبّر.

هذا مع أنّ الزوجيّة تحصل بالدخول على نعت حصول المعلول عقيب العلّة، فلا يكون الدخول- و هو الأمر الخارجيّ الواقع في الزمان- محرّما، لأنّ معه الزوجيّة حاصلة، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك في الحلّية. و توهّم بقاء عنوان «الأجنبيّة» حين النكاح، غير نافع، لأنّها تزول بحصول العنوان المقابل في خارج الزمان، كما لا يخفى.

هذا، و تفصيل البحث يطلب من سائر الكتب، فإنّه فيها بعض مطالب أخر و فروع كثيرة، و لا ينبغي التعرّض لها هنا.

التنبيه السادس: حول ملزمات المعاطاة بناء على جوازها
اشارة

قد تقرّر منّا لزوم المعاطاة «1»، فلا وجه للبحث عن ملزماتها.

ثمّ إنّه لو فرضنا جوازها، فهو ليس إلّا للإجماع المدّعى في المسألة «2»، و الشهرة القديمة من السابقين «3»، و القدر المتيّقن منهما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78.

(2) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524- السطر 26، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

85- السطر 29.

(3) لاحظ مسالك الأفهام 1: 132- السطر 36،

رياض المسائل 1: 510- السطر 29، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 85- السطر 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 137

ما لم يحدث موجب الشكّ في الجواز، من تلف العوضين، أو تلف أحدهما، أو صفة فيهما، أو تصرّف، أو غير ذلك، فإنّه في غيره يرجع إلى الأصل المحرّر سابقا «1».

و دعوى: أنّها ليست بلازمة، و لا تقبل اللزوم، لإطلاق معقد الإجماع، لأنّ عنوانه «هذه المعاملة».

و توهّم انقلاب الجائز إلى اللازم بتلف العين أو العينين، فاسد، لأنّ الجواز و اللزوم من طوارئ العقد، و هو باق ببقاء المتعاملين، و لا يحتاج فيه إلى بقاء الأموال.

غير مسموعة، بداهة أنّ الإجماع المذكور غير معلوم المعقد، فضلا عن إطلاقه، و بقاء العقد مع فرض تلف العينين- لو سلّم إمكانه- مخدوش في محيط العقلاء، و ما اشتهر: «من أنّه باق، و قابل للفسخ» محمول على الوجه الآتي.

إن قلت: بناء عليه لا يمكن التمسّك بالوجوه السابقة التي استدلّ بها على اللزوم في صورة تلف العين، ضرورة أنّ:

منها: ما يكون «الأموال» موضوعا لها، و هي معدومة.

و منها: ما هو موضوعها «المال» في الجملة، كقاعدة التسليط، و هو كذلك.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 137

و منها: ما موضوعها «العقد» و «الشرط» و غير ذلك، و هي منتفية بانتفاء مقوّمها، فإنّ العقد و العهد واقع على التمليك بالعوض مثلا من قبل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 75 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 138

المتعاقدين، فهو فرع الملكيّة الزائلة بزوال العين، فكيف يبقى؟! بل

بقاؤه مع موت المتعاقدين جائز، لأنّهما السببان في وجوده، لا بقائه، و هما- أي العينان- مقوّمان له حدوثا و بقاء.

قلت: نعم، و السرّ فيه أنّ اعتبار اللزوم في قبال الجواز و نفوذ الفسخ، و هذا متقوّم بالأثر، و هو ردّ العين، و إذا كانت العين تالفة فلا أثر للجواز، و لا معنى لتوصيف العقد باللزوم، و لا نتيجة لبقاء اعتبار العقد.

نعم، إذا كانت للأعيان نماءات منفصلة، و أريد استردادها، فلاعتبار بقائه وجه، إلّا أنّه عند العقلاء غير مرضيّ، و يكون نظير اعتبار بقائه لأجل الأخذ بالمثل و القيمة، فإنّه إذا صحّ فسخ العقد بعد التلف، فعلى كلّ واحد منهما المثل و القيمة، لأنّه أتلف مال الغير، بناء على أن يكون أثر الفسخ حلّ العقد من الأوّل، فتأمّل.

و لقاعدة «على اليد.» على بعض تقاريبها، كما لا يخفى.

محصّل الكلام في صورة تلف العين

فتحصّل: أنّ مع تلف العين لا معنى للتمسّك بأصالة اللزوم، و لا باستصحاب حكم المخصّص، لأنّهما فرع بقاء الموضوع. هذا كلّه ما لو تلفت العينان.

و منه حكما ما لو كان الثمن كلّيا، فإنّه بتلف المثمن لا يعتبر بقاء العقد، لأنّه موضوعه عرفا، بل المقرّر عندي: أنّ الثمن دخيل في ماهيّة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 139

المعاملة بمفهومه، لا بوجوده، كما مرّت الإشارة إليه «1».

و ليس منه ما لو كان أحد العوضين، دينا في ذمّة أحد المتعاطيين، فإنّ المبيع إذا كان عينا خارجيّة، يبقى معه اعتبار العقد، فيجوز اتصافه بالجواز و اللزوم، و إن كان الثمن في الذمّة فقد سقطت، و لا حاجة إلى عودها، لأنّ ذلك كلّي قابل للصدق على الساقط و غيره، فما أفاده الشيخ قدّس سرّه في هذه المواقف «2» و تبعه أصحابه «3»،

غير راجع إلى محصّل.

و ربّما لا يعتبر بقاء العقد عرفا، إذا مضت عليه الدهور و الأعوام، و إن كانت الأعيان باقية، فيكون الفسخ في الحقيقة هنا عقدا جديدا.

و لعلّ اشتهار اللزوم بعد تلف العين، لأجل امتناع الجواز، لا الدليل الشرعيّ، و قد ادعي عليه الإجماع «4»، فراجع.

حكم تلف إحدى العينين بنحو يبقى اعتبار العقد

و أمّا لو تلفت إحدى العينين، بحيث يبقى اعتبار العقد و موضوع اللزوم و الجواز، فهل المرجع عموم أصالة اللزوم؟

أو استصحاب حكم المخصّص، و هو جواز عقد المعاطاة الثابت قبل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 125.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 91- السطر 14.

(3) منية الطالب 1: 88- السطر 10، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1:

87- السطر 25.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 91- السطر الأوّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 140

تلفها؟، أو قبل تغيّر فيها؟

أو إطلاق أدلّة اللزوم، دون عمومها؟

فيه وجوه.

و المعروف بينهم التمسّك بالاستصحاب، إلّا إذا كان للعموم إطلاق زمانيّ، بحيث أخذ الزمان مفرّدا.

و اختار الأستاذ الوالد أنّ المرجع إطلاق الدليل مطلقا، سواء أخذ الزمان ظرفا، أو قيدا مفرّدا «1»، و ذلك لأنّ العلم الإجماليّ بالتخصيص أو التقييد ينحلّ بالثاني، ضرورة أنّ التخصيص إخراج الفرد من أفراد العامّ في جميع الأزمنة، و لو كان ذلك في زمان فهو تقييد للإطلاق الأزمانيّ، و إذا دار الأمر بين التخصيص و التقييد، فالثاني متيقّن، و أصالة العموم محكّمة.

و إن شئت قلت: يدور الأمر بين التخصيص الملازم لنتيجة التقييد- لأنّه بخروج الفرد لا يبقى موضوع للإطلاق الأزمانيّ- و بين التقييد، و هو المتعيّن، و تحقيق المسألة في محلّها.

و الذي يظهر لي: أنّ المرجع هنا العمومات على جميع المباني، لأنّ الوفاء بالعقد و الإتيان بالشرط و غيرهما، ذوات إطلاق أزمانيّ، و يكون الحكم عرفا

منحلّا حسب قطعات الأزمنة، و لا معنى لما ذكره الشيخ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 183- 186، الاستصحاب، الإمام الخميني قدّس سرّه:

190- 194.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 141

الأعظم: من كون الزمان مفرّدا «1»، لأنّه مجرّد فرض، و لا يكون في الأدلّة مورد يورث في مرحلة الإثبات ذلك، و لا نحتاج في التمسّك بالعمومات إلى فرضه.

بيان حال استصحاب الملكية مع استصحاب الجواز

ثمّ إنّه قد يشكل التمسّك في المقام باستصحاب الملكيّة المفيدة للزوم المعاطاة، لأنّه محكوم باستصحاب الجواز الثابت بالإجماع، فلو تقدّمت عليه العمومات اللفظيّة، فلا يتقدّم عليه الأصل العمليّ «2».

و قال أستاذي الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- بتعارض الاستصحابين «3»، لأنّ الشكّ في زوال الملكيّة مسبّب عن الشكّ في نفوذ الفسخ، و هو مسبّب عن جواز العقد، و لو ثبت في الشرع جواز عقد المعاطاة، فلازمه العقلائيّ نفوذ الفسخ، فلا يرفع الشكّ المسبّبي بهذا الشكّ السببيّ.

و اختار الشيخ الأعظم عدم جريان الاستصحاب السببيّ، لأنّ الجواز الثابت بالإجماع موضوعه العين، و هي تالفة «4».

و الحقّ جريان استصحاب الملكيّة من غير معارض و إن جرى الأصل السببيّ ذاتا، و ذلك لأنّ الجواز من تبعات العقد، و هو باق، و إلّا فلو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 242- السطر ما قبل الأخير.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 49- السطر 5.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 185.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 91- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 142

كان ما ذكره الشيخ حقّا، لما كان الجواز هنا مخالفا لأصالة اللزوم و تخصيصا لها. مع أنّه لا معنى لما ذكره مطلقا.

فالاستصحاب جار، إلّا أنّه ليس معارضا، لأنّ جريانه لغو، و لا أثر له، ضرورة أنّ التعبّد بالجواز مع عدم تأثير

الفسخ و إعدام الملكيّة به، ممّا لا يعقل، و جعل زوال الملكيّة من آثاره، أو جعل نفوذ الفسخ من آثاره- لئلّا تلزم اللغويّة- غير لازم، لأنّ ذلك فيما كان دليل بنحو كلّي لغوا، فإنّه حينئذ لا بدّ من وجود الأثر، بخلاف ما لو كان إطلاق دليل لغوا.

فهذا الاستصحاب مثل الاستصحاب المسبّبي، فإنّه كما يكون جاريا بذاته، إلّا أنّه لمّا لا يكون له الأثر لا يجري، و كما لا معنى لدعوى: أنّه لا يجري بذاته، لأنّه لغو، كذلك لا معنى له هنا كما لا يخفى.

و ما أفاده الأستاذ- مدّ ظلّه-: من مثبتيّة الأصل السببيّ بالنسبة إلى زوال الملكيّة، لتوسط اللازم العقلائيّ، غير تامّ، لأنّ جواز المعاطاة تعبّدي، و هذا ليس من لوازمه العقلائيّة ذلك، بل لازمه العقلائيّ في محيط الشرع نفوذ الفسخ، فهو من لوازمه الشرعيّة.

نعم، استصحاب جواز العقد لا ينقّح دليلا شرعيّا حتّى يرفع به الشكّ في المسبّب، لأنّه لم يسمع كبرى كلّية شرعيّة على أنّ العقد إذا كان جائزا فالفسخ نافذ، نعم هي كبرى كلّية عقلائيّة ممضاة في الشرع، فتأمّل.

فبالجملة: جريان استصحاب الجواز، متقوّم بفرض عدم جريان استصحاب الملكيّة، و هذا ممّا لا يمكن لأن يكون جاريا، لأنّه بدون الفرض المذكور لغو. و هذا هو الذي يؤدّي إلى عدم جريان الاستصحابات الموضوعيّة طرّا، و التفصيل يطلب من «تحريراتنا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 143

الأصوليّة» «1» فتدبّر جدّا.

و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما قد يقال من حكومة الأصل الجاري في العقد على الأصل الجاري في الملكيّة «2»، فإنّ التعبّد بالجواز و إن استلزم نفوذ الفسخ، إلّا أنّ هذا في التعبّد في الأدلّة الاجتهاديّة، دون الفقاهتيّة، فإنّ استصحاب الجواز لا يلزم أن لا

يكون لغوا، حتّى نلتزم بنفوذ الفسخ الملازم لزوال الملكيّة، بل إطلاق أدلّة الاستصحاب كثيرا ما يكون محكوما بالأدلّة، و لو كان من شرائط الجريان عدم اللغويّة، لما كان وجه للحكومة، لأنّها فرعه.

فالأصل في العقد جار غير معارض و لا حاكم، و الأصل في الملكيّة جار، فتأمّل جيّدا.

و إن شئت قلت: هو في العقد غير جار، لا لما ذكره الشيخ رحمه اللّه بل لما أتينا به.

فتحصّل: أنّ قضيّة دليل لزوم العقود لزوم عقد المعاطاة، إلّا فيما قام الإجماع أو الدليل الآخر عليه، فلو كان مهملا فيرجع إلى الأصل المقرّر، و لا تصل النوبة إلى استصحاب الجواز، أو أصالة البراءة عن لزوم العقد، و لا إلى استصحاب سلطنة المالك على الاسترجاع، لما مضى سبيل فساده.

و من ذلك يعلم حكم الصور المذكورة في الكتب المفصّلة و لا

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 8: 436- 439.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 49- السطر 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 144

وجه لتعرّضنا لها بعد فساد المبنى. هذا كلّه على القول بتماميّة الأدلّة اللفظيّة في المسألة السابقة، و هي لزوم المعاطاة.

الإشكال في لزوم المعاطاة بناء على انحصار دليلها بالسيرة

و أمّا على القول بانحصار دليلها في السيرة العقلائيّة و البناء العرفيّ، ففي صورة الشكّ يشكل الرجوع إليها، لاستلزامه الشبهة في بنائهم في هذه الصورة، لأنّه بناء تقديريّ، و استكشاف الحكم القطعيّ من هذا التقدير لا يخلو من إشكال فتأمّل جدّا.

بل دعوى إلغاء الخصوصيّة عن مورد الإجماع التعبّدي فرضا، غير بعيدة إنصافا، فإنّ العرف إذا صدّق الشرع في جواز المعاطاة، فلا يحتمل لزومها بمجرّد التصرّف إلّا إذا رجع إلى إعدام الموضوع الخارج عن موضوع المسألة.

بل لنا أن نقول: بأنّه على فرض تماميّة الإجماع، يكشف منه عرفا اشتراط لزوم العقد

باللفظ، فلا فرق بين الصور.

و يمكن دعوى تخطئة فهم القائلين بلزومها متمسّكين بالبناء العرفيّ بمثل هذا الإجماع، و أنّ هي جائزة في جميع الفروض، فتأمّل جيّدا.

هذا تمام الكلام على القول بإفادتها الملك.

سقوط البحث عن لزوم المعاطاة و جوازها بناء على إفادتها الإباحة

و أمّا على القول بإفادتها الإباحة، فالبحث عن اللزوم و الجواز غير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 145

تامّ، لانتفاء موضوعهما و هو العقد و المعاملة الصحيحة، فإنّها سواء كانت مالكيّة، أو شرعيّة، أو مالكيّة و شرعيّة، ليست من آثار المعاوضة، بداهة أنّ المعاطاة إذا كانت باطلة، فلا معنى لصحّة المعاوضة على الإباحة، لما يرجع وجه البطلان إلى اشتراط العقد اللفظيّ، فمع تلف العين و تغيّرها و انتقالها، تبقى العين الأخرى في ملك مالكها الأوّل.

بل لو نقل المباح له العين بالمعاطاة، فهي أيضا باقية في ملك المبيح، و لا معنى لضمان أحدهما بالنسبة إلى الآخر، للملازمة العرفيّة بين إباحة جميع المنافع و نفي الضمان.

و ما قيل من نفي الملازمة بين الحكمين: التكليفيّ، و الوضعيّ، في مسألة المضطرّ لو تمّ، فهو لأجل الإباحة المعيّنة و هي الأكل و رفع الضرورة. مع أنّ الحكم بالضمان هناك، أيضا محلّ إشكال جدّا، ضرورة أنّ ترخيص الشرع المقدّس، ليس من قبيل ترخيص الأجنبيّ التصرّف في مال الغير، بل هو من قبيل ترخيص المالك في ملكه، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال: بضمان الإتلاف، فإنّ تضييع المال ممّا لا يجوز له شرعا، و لا من قبل المالك، و عندئذ يرجع إليه بالبدل الحقيقيّ، و لا يكفي البدل الجعليّ التوهّمي إلّا بالتراضي.

التنبيه السابع: حول انقلاب العقد اللفظيّ إلى المعاطاة مع فقده لبعض شرائطه

قد تلونا عليك أنّ مطلق الفعل، غير كاف في تحقّق عنوان «العقد» بل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 146

المدار على ما يتسبّب به إليه عرفا و تداولا «1»، و مع الشكّ في ذلك يرجع إلى أصالة عدم النقل و الانتقال. و هكذا لا يتوسّل إليه بمطلق القول، كما سيأتي بعض الكلام فيه «2».

فلو أخلّ بشرائط

العقد اللفظيّ، شرعيّها، أو عرفيّها، أو أخلّ بشرائط لزومها هكذا فعقد، فهل هو من المعاطاة إذا تعقّبه القبض؟

أو هو منها مطلقا، لعدم اشتراط القبض الخارجيّ على ما مرّ فيها، لما مضى من أنّ المعاطاة بالمعنى الأعمّ ما تشمل ذلك؟

أو يكون فاسدا و لو مع القبض من الطرفين؟

وجوه.

استظهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه من كلام غير واحد الثاني «3»، فعن الثانيين: «لو أوقع العقد بغير ما قلناه فهي المعاطاة» «4».

و قال الشهيد في «الروضة» بعد منع كفاية الإشارة مع القدرة على النطق «إنّها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح» «5» انتهى.

و ذهب المتأخّرون و من عاصرنا و عاصرناه إلى أنّه المقبوض بالعقد الفاسد «6». و ما يقال: «من أنّه مع العقد الإنشائيّ يحصل القبض»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 19- 20 و 73.

(2) يأتي في الصفحة 155 و ما بعدها.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 92- السطر 19.

(4) رسائل المحقّق الكركي 1: 178.

(5) الروضة البهيّة 1: 313- السطر 17.

(6) مصباح الفقاهة 2: 223- 224.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 147

فهو خروج عن مصبّ البحث.

و الحقّ هو التفصيل بين القول بالملك، و القول بالإباحة، فيتمّ كلام الشهيد الثاني فقط، و ذلك لأنّه في مفروض الكلام و إن أنشأ التمليك، إلّا أنّه ليس ناقلا، و التبادل بعنوان العمل بالوظيفة، لا يتحقّق به الإنشاء المعامليّ، و اقتران الرضا الباطنيّ بالتعاطي الخارجيّ، لا يورث الملكيّة المقصودة، فهو المقبوض فاسدا، أو عليه يجري أحكامه. هذا على ما هو الحقّ في المسألة.

و أمّا على الإباحة فقد عرفت: أنّ الإباحة ليست شرعيّة، بل هي من أقبح القبائح في المعاملات العرفيّة، بل هي إباحة تقديريّة و رضا باطنيّ ارتكازيّ من المتعاملين بالنسبة إلى جميع التصرّفات من الطرفين،

لأنّ مقصود العقلاء بالذات ليس إلّا النتائج، و لا يعتنون بالعناوين، فلو كان غرض أحدهما في مال الآخر و بالعكس، فهما يتبعان غرضهما، سواء كان ذلك في البيع و عنوان «الملكيّة» أو فيما يقوم مقامه و ينتج نتاجه، فعندئذ تحصل الإباحة المالكيّة بالحمل الشائع، لا بعنوانها. و لا يشترط في حصولها الرضا التفصيليّ الفعليّ بل التقديريّ الارتكازيّ يكفي، إلّا مع القرينة على خلافه.

و من ذلك مثلا ما لو كان فساد المعاملة نافعا لأحدهما، كما في أجور الفواحش، فإنّه لا يكشف الرضا الباطنيّ لهنّ حتّى يصحّ لهنّ التصرّف فيها، لما أنّ في ذلك تمام النفع للمالك.

ففيما إذا كان فساد المعاملة موجبا لنفع أحد الطرفين، فاستكشاف الرضا مشكل، و أمّا إذا كان فيه خلاف غرضهم فهو بديهيّ، و حيث إنّ الأكثر

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 148

في المعاملات القسم الأخير يقال: «بأنّ المعاطاة تفيد الإباحة».

و ما قد يقال: «من أنّه على الإباحة أيضا لا يجوز التصرّف» فهو من قصور الباع، أو قلّة الاطلاع، فليراجع، و تدبّر جدّا.

هذا، و لو أخلّ بشرائط اللزوم، فإن كان خللا قابلا للتدارك حتّى يلزم فهو، و إلّا فلا معنى للتمسّك بأصالة اللزوم، إلّا مع إهمال دليل الاشتراط.

أو يقال: بأنّ دليل لزوم العقود ينحصر بالبناءات العرفيّة، و هي في مثل المقام- كما مرّ نظيره- قاصرة، كما لا يخفى.

التنبيه الثامن: في حكم منافع العين عند الرجوع في المعاطاة
اشارة

لا شبهة في أنّ المنافع للمباح له، و ليست هي مضمونة و لو كانت العين مضمونة. و في كونها له ملكا، أو إباحة أيضا- فلا تصحّ إجارتها دون إعارتها- كلام.

فإن قلنا: إنّ مدركها السيرة الكاشفة عن الإباحة الشرعيّة، فهي ملكه.

و إن قلنا: إنّها الإباحة المالكيّة فهي تستلزم الملكيّة، لما أنّ الإباحة المطلقة

تستلزم اعتبار الملكيّة. مع أنّ ما يكشف به الإباحة كما مرّ، يكشف به الملك، فتأمّل.

و من القويّ صحّة البيع و الإجارة و سائر المعاوضات و إن كانت الأعيان غير مملوكة، لعدم الدليل على اشتراط ما شرطوه.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 149

حكم النماءات المتصلة و المنفصلة

بقي الكلام في النماءات المنفصلة و المتصلة، فالمتصلة تابعة للعين، فإن كانت حين الرجوع إليها موجودة، فهي راجعة قهرا، سواء قيل بالملك، أو الإباحة، و سواء قلنا: بأنّ الجواز صفة العقد، أو العين، أو قلنا بالإباحة الشرعيّة، أو المالكيّة.

نعم، لو قلنا: بأنّ الإباحة المطلقة تورث انتفاء الملك، و توجب ثبوته للمباح له عرفا، فهي تمليك غير عقديّ خارج عن بحث اللزوم و الجواز، و مقتضاه عدم نفوذ رجوعه، لاستصحاب الملكيّة، و لاستصحاب العدم المحموليّ الأزليّ، بناء على جريانه.

و أمّا المنفصلة، فمقتضى ما ذكره الشيخ الكبير- استبعادا للقول بالإباحة «1»- أنّها ليست للمباح له، و لا يجوز له التصرّف فيها، لأنّ المقصود في المعاطاة- و هو التمليك- غير حاصل، و ما هو المأذون فيه هي العين، دون هذه المنافع المنفصلة، و لا أقلّ من الشكّ، فعليه إذا رجع إلى العين تكون هي مضمونة، و عليه ردّها، أو ردّ مثلها و قيمتها.

«و قد يقال:» إنّ الحديث النبويّ المشهور: «الخراج بالضمان» «2» يورث أنّ النماءات للمباح له أو المالك الثاني فلو رجع فهو مثل

______________________________

(1) شرح قواعد الأحكام، كاشف الغطاء: 50- السطر الأخير (مخطوط)، و لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 84- السطر 11.

(2) عوالي اللآلي 1: 219- 89، سنن النسائي 7: 245، مسند أحمد 6: 49.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 150

الرجوع في باب الخيار في أنّ النماء المتّصل يتبع العين، دون المنفصل

و المنافع المستوفاة قبل الرجوع، فإنّهما ممّن كانت العين بيده.

و توهّم ضعف الحديث «1»، ممنوع بعد ما يستفاد من كلام شيخ الطائفة «2» و جماعة «3»: من أنّه من النبويّات المتلقّاة بالقبول عند الفريقين، فهو نظير «على اليد.» بل مضمونه يؤيّد بالارتكاز العرفيّ.

و في استشهاد أبي حنيفة به، و ورود الرواية ردّا عليه، و سكوتها عن سند الحديث، و تعرّضها لفتواه، و ردّه بقوله: «في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها، و تمنع الأرض بركتها» «4» نوع شهادة على اعتبار الحديث [5].

و دعوى: أنّها في مقام نفي تضمين المنافع و النماءات في مثل الأعيان المضمونة قهرا، غير مسموعة، لأنّها هي التي أفتى بها أبو حنيفة، فمعناه أنّ التضمين المالكيّ- سواء كان بالتمليك، أو الإباحة، أو المعاوضات-

______________________________

[5] حيث إنّ أبا حنيفة استند بهذه الرواية في فتواه و كان مشهورا عنه ذلك.

لاحظ المبسوط، السرخسي 11: 77- 78، و بداية المجتهد 2: 231.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 26، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 34.

(2) الخلاف 3: 107، المسألة 174، المبسوط 2: 126.

(3) الوسيلة: 249 و 255، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 531- السطر 4- 5.

(4) الكافي 5: 290- 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 151

يورث كون الخراج و النماءات للمباح له و المالك الثاني «1».

و لكنّه غير تامّ، ضرورة أنّ قضيّة القواعد، هو أنّ النماءات المنفصلة جائز التصرّف فيها على نعت جواز التصرّف في العين، لأنّ معنى إباحة العين إباحة المنافع، و لكنّ المنافع الباقية حين الرجوع إلى العين، ترجع إلى المالك الأوّل، كما لو آجر المباح له داره في مدّة، ثمّ رجع المبيح في

أثناء تلك المدّة، فإنّ منفعة الإجارة للمالك، فيعود إليه مقدار من الأجرة لو أجاز، و إلّا يستكشف بطلان إجارته إلى حين الرجوع، أو من رأس، و لا يجوز تصرّفه فيها على حذو تصرّف الملّاك، للزوم الخلف، فلا تغفل.

و إنّ الحديث يحتمل معاني أخر، سيأتي بعض الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى في محلّه «2»، و إنّ مفاده على جميع معانيه، لا يشمل فرض سببيّة المعاطاة للملك، لأنّ المقصود نفي الضمان عن ضامن العين، و أنّ منافع المضمون للضامن، كما لا يخفى.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 101- 102.

(2) يأتي في الصفحة 216- 217.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 153

الجهة الثالثة حول ما قيل أو يمكن أن يقال في صيغ العقود و الإيقاعات

اشارة

و قبل الخوض فيه لا بدّ من الإشارة إلى مقتضى الأصول عند الشكّ.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 155

مقتضى الأصل عند الشكّ في اشتراط شي ء بشي ء

المعروف بينهم أنّ قضيّة الأصل هو فساد المعاملة، للشكّ في النقل و الانتقال المحكوم بالعدم، حسب اقتضاء الاستصحاب «1».

و قد يقال بالتفصيل بين الشرائط العرفيّة و الشرعيّة، فما كان من الاولى، فمقتضى الأصل ما مرّ، و ما كان من الثانية فلا، لأنّ سببيّة العقد معلومة، و تصرّف الشرع مشكوك و محكوم بالعدم، فلا منع من جريان حديث الرفع [2]، لأنّه لا نحتاج إلى إثبات السببيّة.

و يتوجّه إليه: أنّ مطلق السبب ليس كافيا، بل لا بدّ من العيب الممضى في الشريعة المقدّسة، و استكشاف الإمضاء بالحديث غير

______________________________

[2] حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «رفع عن أمّتي تسعة: الخطأ و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه و الحسد و الطيرة و التفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة».

الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 104- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 156

ممكن، و بالعمومات و غيرها خروج عن مفروض الكلام.

ثمّ إنّ الشبهة في المسألة تارة: تكون من قبيل الأقلّ و الأكثر، كما لو شكّ في اعتبار لزوم ذكر الثمن و المثمن بعد كلمة «بعت» و أنّه لا يجوز الاكتفاء بالمقاولة السابقة.

و اخرى: تكون من قبيل المتباينين، فيدور الأمر بين التعيين و التخيير، كما لو شكّ في أنّ كلمة: «شريت» تكفي لإنشاء البيع،

أو لا بدّ من لفظة: «بعت».

ففي الفرض الثاني يتعيّن الاحتياط.

و في الفرض الأوّل يمكن دعوى: أنّ المسألة تدور مدار أنّ «العقد» عنوان منتزع من الأمور الخارجيّة، أو هو نفس هذه الأجزاء:

فعلى الأوّل: يتعيّن القول بالفساد.

و على الثاني: فإن قلنا بالسببيّة لهذه الأجزاء الخارجيّة، فهي لا تثبت بالبراءة الشرعيّة.

و إن قلنا: بأنّ ترتّب النقل و الانتقال حكم على موضوع، كما هو مختار جماعة، و لا سببيّة و لا مسبّبية حتّى الاعتباريّة، فهما مثل الصلاة المترتّب عليها حكم سقوط الأمر، فإذا شكّ في النقل فهو مسبّب عن الشكّ في جزء دخيل مرفوع بالأصل، كما لو شكّ في سقوط الأمر، فافهم و تدبّر.

الكلام حول اعتبار الصراحة

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الأقوال في المسألة كثيرة، فعن «إيضاح»

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 157

الفخر «1»، و «مصابيح» بحر العلوم: أنّ العقود لا تنعقد إلّا بالصراحة، و لا تكفي الكنايات و المجازات بأنحائهما «2».

بل في كلام «المسالك» ما يورث أنّ دائرتها أضيق من ذلك، لما قال:

«و لمّا كانت الإجارة من العقود اللازمة، وجب انحصار إيقاعها في الألفاظ المنقولة شرعا، المعهودة لغة» «3» انتهى.

فبناء هؤلاء على الأخذ بالقدر المتيقّن، كما صرّح به السيّد رحمه اللّه «4».

و في قبالهم من جوّز بجميع الكنايات و المجازات، حتّى البعيدة، و حتّى المقرونة بالقرائن الحاليّة، معلّلا بأنّ كلّ ذلك سبب عرفا، و لا دليل من الشرع في كيفيّة السبب.

و إليه ذهب السيّد الفقيه اليزدي رحمه اللّه إلّا أنّه قال باعتبار الظهور العرفيّ «5»، و كأنّه يمنع عن الظهور عند المتبايعين، و يعتبر الظهور النوعيّ، لا الشخصيّ، فلا سعة في فتواه من تلك الجهة.

و لعلّه لو كان يتذكّره لأفتى به، لأنّ المدار على حصول العقد، و

تشخيص ذلك بيد المتعاملين الملتزمين، فلو استعملا لفظي «النكاح» و «الطلاق» في البيع و الشراء معتقدين جواز الوضع بالاستعمال، بعد

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 94- السطر 32، و لاحظ إيضاح الفوائد 3: 12- 13.

(2) جواهر الكلام 22: 249، مفتاح الكرامة 4: 149 و 160.

(3) مسالك الأفهام 1: 254- السطر 15.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 86- السطر 21- 34.

(5) نفس المصدر- السطر 26- 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 158

وجود القرينة عندهما، يتحقّق العقد، و هما يعدّان متعاقدين بالضرورة، فلا يعتبر الظهور النوعيّ، بل يكفي تجويز النوع بعد ما يتذكّر حدود ما فرضناه، و ربّما يرتكب عند إمساس الحاجة، فلا تغفل.

و ظاهر الشيخ الأعظم أيضا ذلك، إلّا أنّ قوله: «بكلّ لفظ له ظهور عرفيّ معتدّ به في المعنى المقصود» «1» ربّما يوهم أنّ مجرّد الظهور غير كاف، و هو في مكان المنع، فإنّ العقد يحصل به، و لزوم المرافعة في مقام الإثبات و الدعوى، لا يورث إشكالا في مسألتنا، كما لا يخفى.

و ذهب جماعة إلى إخراج المجازات، أو هي مع الكنايات «2».

و اخرى: إلى التفصيل بين القرائن الحاليّة و المقاليّة «3».

و ثالثة: إلى التفصيل بين المشهورات منهما و غيرها «4».

و قال المحقّق الرشتيّ قدّس سرّه: «الأقرب هو القول الأوّل، إذ لا مانع منه سوى العمومات و الإطلاقات، و فيها ضعف واضح بعد قيام الإجماع المحقّق على اعتبار بعض الخصوصيّات في العقد و لو في الهيئة، من الماضويّة، و الموالاة، و نحوهما ممّا هو ثابت عند الكلّ أو الجلّ.

و دعوى: أنّها خرجت بالإجماع، فما بال المختلف فيه من الخصوصيّات الراجعة إلى الموادّ؟! شطط من الكلام، و جمود على

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 94- السطر

3.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 149، جواهر الكلام 22: 249.

(3) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 35- السطر 14.

(4) منية الطالب 1: 106- السطر 14.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 159

الظاهر الذي لا أصل له.».

إلى أن قال: «فلا مناص من الأخذ بالقدر المتيقّن في مواضع الخلاف» «1» انتهى.

و في سند منعه مواضع من الإشكال، و قد مرّ البحث حول مقتضى الأصل الشرعيّ «2».

و أمّا استشكاله في العمومات، فهو لو تمّ لا يستلزم عدم صحّة دعوى إلغاء الخصوصيّة عن مورد السيرة العقلائيّة غير المردوعة، فإنّ الثابت عندهم أنّ ما هو العقد يجب الوفاء به، و تصرّف الشرع المقدّس في حدود السبب، ليس مردّدا بين أمور مجهولة حتّى يلزم الاحتياط، ضرورة أنّ الإجماع لو قام في المسألة، فهو من المركّب القائم على عدم صحّة العقد بالمجاز البعيد، و لا معقد له في شرطيّة الصراحة و الدلالة اللفظيّة، و إلّا يلزم عليه أيضا الالتزام بعدم نفوذ العقد، إذا كانت ألفاظه فارسيّة أو عربيّة غير معروفة، بل لا بدّ عليه من الاحتياط في مثل لفظة «ملّكت» بل و «شريت» و قد اتضح فساده في محلّه، و هو غير ملتزم به قطعا.

هذا مع أنّ الإجماع في المسألة منقول، بل الظاهر أنّ المسألة لم تكن معنونة في كتب القدماء بعنوان المسائل الشرعيّة.

فالأقوى أنّ العقد إذا تحقّق تشمله أدلّة نفوذه، و سائر أحكامه،

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 36- السطر 3.

(2) تقدّم في الصفحة 155.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 160

و لأسبابه العرض العريض.

نعم، تختلف المقامات و الظروف في سببيّة شي ء دون آخر، فمع التوسعة و عدم وجود الغرض في الألفاظ الغلط، يشكل كونه عقدا، و مع الضرورة و الاحتياج إلى كتمان

المقصود، يصحّ التوسّل و التسبّب بها، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ في بعض العقود- للإجماعات المحقّقة، و الشهرات المعلومة، و دلالة بعض النصوص- تعتبر الموادّ المخصوصة و الهيئة الخاصّة، كباب النكاح و الطلاق، و تفصيل المسألة يطلب من محالّه.

هذا تمام الكلام حول مادّة العقود.

الكلام حول اعتبار الماضويّة و العربيّة و نحوهما

و أمّا الهيئة الناقصة منها، فهي أيضا ممّا لا شاهد ثابت عليها من اعتبار الماضويّة و العربيّة.

و العجب أنّ مثل الثانيين من الشهيد و المحقّق، ذهبا إلى اعتبار العربيّة «1»، و عن العلّامة في «التذكرة» دعوى الإجماع على اعتبار الماضويّة «2»!! و لعلّ كلّ ذلك في مواضع خاصّة هي مخفيّة علينا، و إلّا فالأمر يصير مشكلا في سائر الإجماعات المدّعاة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الروضة البهيّة 1: 313- السطر 14، جامع المقاصد 4: 59.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 96- السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 161

الكلام حول اعتبار الموالاة و التنجيز و تقديم الإيجاب و نحوها

و أمّا الهيئة التامّة و هي هيئة الإيجاب و القبول، فهل يعتبر هنا أمر شرعا أو عرفا، من تقديم الإيجاب على القبول، أو لا يعتبر شي ء حتّى الموالاة و التنجيز؟

فيه وجوه و أقوال في طيّ مسائل.

و قبل الخوض فيها لا بدّ من بحث آخر: و هو أنّ العقود متقوّمة بالقبول ماهيّة، أو مشروط تأثيرها بالرضا و القبول؟

المشهور بل المتّفق عليه هو الأوّل.

و قد ذهب الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه- إلى الثاني، معلّلا «بأنّ تعريف البيع خال من ركنيّة القبول، و تمام حقيقته تحصل بعمل الموجب. و هذا ما يساعد عليه العرف فيما إذا كان الأجنبيّ مثلا وكيلا منهما، فإنّه لو قال:

«بادلت بينهما» أي المالين، تتحقّق تمام حقيقة البيع من غير لزوم أمر آخر «1».

و قد وقع ذلك في النكاح، فإنّ اللّه تعالى بعد ما عقد بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تلك المرأة، فقد تمّ الأمر، و لم يعهد قبول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعده» [2].

______________________________

[2] روى أبو الصلت الهروي عن الرضا عليه

السلام: «. و إنّ اللّه عزّ و جلّ ما تولّى تزويج أحد

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 219.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 162

و عليه لا تعتبر الموالاة أيضا عنده- مدّ ظلّه- «1».

كما لا منع من تقدّم القبول على الإيجاب، لأنّه ليس إلّا إظهار الموافقة، و الطيب بالمبادلة.

أقول: لو كان البيع مبادلة المالين، أو التمليك بالعوض، فالقبول ركن، لعدم تحقّقه إلّا به، و لو كان هو إيقاعهما و إنشاؤهما فهو حاصل بعمل الموجب، و يلزم منه كون جميع العقود إيقاعات، إلّا أنّ من الإيقاع ما لا يعتبر في تأثيره شي ء، و منه ما يعتبر، و لو كان الأمر كما ذكر، يلزم كون هذه المعاملة فضوليّة من طرف، و القبول بمنزلة الإجازة.

و الذي يظهر لي: هو أنّ البيع و لو كان إنشاء المبادلة، يحتاج إلى القبول، و هو متقوّم به، لأنّ البائع لا ينشئ إلّا معنى مفاده خروج ماله عن ملكه بعوض، و لا ينشئ دخول مال الغير المسمّى بالعوض في ملكه، حتّى يكون كلّ المبادلات فضوليّة.

و توهّم: أنّ إنشاء التمليك بالعوض يستلزم الإنشاء الآخر، فاسد بالضرورة.

و لشهادة العرف، و لأنّ القائلين بلزوم الصراحة في العقود و المعاملات، و عدم كفاية الكناية، لا يرون هنا الإنشاءين في مغروس

______________________________

من خلقه إلّا تزويج حوّا من آدم عليه السلام و زينب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بقوله فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا.».

عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 195، الباب 14، الحديث 1.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 227.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 163

أذهانهم، حتى يرد عليهم ذلك، أو يستثنون من عموم فتواهم مثله.

و إن شئت

قلت: البيع غير عقد البيع، فإنّه عنوان آخر حاصل من المعاقدة المتقوّمة بالطرفين.

فبالجملة: لا بدّ من الإنشاء الآخر المتضمّن للتمليك بالعوض، و إن لم يكن ذلك صريح القبول.

و ممّا يشهد على ذلك: جواز تحقّق البيع و عقده بالإنشاءين الصريحين المرتبطين، على إشكال آخر مضى سبيله.

هذا،

و تمام البحث في سائر الشرائط في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: حول اعتبار تقدّم الإيجاب على القبول

المشهور لزوم تأخّر القبول عن الإيجاب، و حكي الإجماع عن «الخلاف» عليه «1»، و لا خير فيه.

و ذهب جماعة إلى التفصيل بين القبول الواقع بكلمات: «رضيت» و «قبلت» و الواقع ب- «اشتريت» و «ابتعت» و «ملكت» بالتخفيف، و هذا التفصيل ممّا يتراءى من صريح جماعة «2» و ظاهر آخرين «3»، و عن

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 96- السطر 15، الخلاف 3: 40.

(2) مسالك الأفهام 1: 133- السطر 41 و ما بعده.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 145- 146، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

97- السطر 22 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 164

«التذكرة» الإجماع عليه «1».

و اختار جمع جواز التقديم مطلقا، و منهم الفقيه اليزديّ «2»، و الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه- «3».

و الذي يظهر لي: هو أنّ البحث حول سائر الكلمات غير صحيح، لأنّه من إيجاب المشتري، لا من تقديم القبول عليه كما لا يخفى، و كما ينشئ البائع التمليك بالعوض بالحمل الشائع لا بمفهومه، كذلك ينشئ المشتري، و يكون ناقلا العوض إلى ملك البائع بواقعة لا بمفهومه، فيما كان العنوانان معلومين بغير الإيجاب و القبول.

و أمّا البحث حول الكلمة الصريحة في القبول، فالحقّ فيه المنع، لعدم مساعدة العرف.

و كونها تحقّق الوقوع لا يفيد شيئا. كما لا يفيد حملها على الواجب المعلّق أو المشروط، لعدم مساعدة الاعتبار معه، مع أنّه من تأخير القبول.

و بالجملة: المنشأ في القبول بالمطابقة

هو الرضا بالمنشإ السابق، و بالالتزام إنشاء تمليك العوض بالعوض، و هذه الدلالة الالتزاميّة أو هذا اللازم العرفيّ، لا يحصل إلّا في صورة التأخير، فتحقّق

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 96- السطر 25، تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر 10.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 88- السطر 32.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 223- 226.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 165

العقد في المسألة مشكل، و إلّا فلا منع من التمسّك بأصالة الصحّة و اللزوم في العقود.

و ما قيل في بعض المقامات: «من أنّ موضوع الأدلّة العقود المتعارفة، بالطرق المتعارفة، على الأموال المتعارفة» يورث أيضا هنا الإشكال، كما يعطيه في البحث السابق.

هذا و الإنصاف: أنّ المراجعة إلى الوجدان فيما تقاولا على معاملة، ثمّ بعد تلك المقاولة إذا قال المشتري: «قبلت» فقال البائع:

«بعت» يتمّ العقد، و لا يرى فيه الخلل.

نعم، نفس مفهوم القبول بدونها لا يفيد شيئا، فتأمّل جيّدا.

المسألة الثانية: حول اعتبار الموالاة

المشهور اعتبار الموالاة بين الإيجاب و القبول عرفا، و لا يضرّ الفصل اليسير، و هكذا اعتباره في كلمات الإيجاب و القبول و حروفهما، و يضرّ الفصل المغتفر هناك، هنا و لا يضرّ اليسير بالكثير، و لعلّ الحكم قطعيّ في الفرضين الأخيرين.

و ظاهرهم أنّه حكم شرطيّ، لما يستلزم الإخلال به أنّ عنوان العقد مشكوك الانعقاد، و وجه الشكّ في ذلك، هو أنّه يجب أن يكون القبول مرتبطا بالإيجاب، و متوجّها إلى مفاده، و مع الفصل يشكل ذلك، فيشكّ في حصول موضوع الأدلّة و عمومات المسألة، فكونها واجبة تعبّدا بعيد جدّا. و عدم حصول العقد بتركها بعد حصول الرّبط المعتبر في العقد، ممنوع للوجدان.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 166

فمنشأ اعتبارها عندي اعتبار الشرط الآخر الآتي

في العقود: و هو التطابق بين الإيجاب و القبول في القيود و في أصل الإنشاء «1»، أي لا بدّ و أن يكون القبول قبول ذلك المنشأ، و هذا ربّما لا يحصل بعد الفصل الطويل، فتأمّل.

و يظهر من الشيخ أنّ عنوان «العقد» متقوّم بالموالاة، و استحسن رأي الشهيد في «القواعد» «2» إلّا أنّه قال: «هذا لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة، منوطا بصدق العقد عرفا، كما هو مقتضى التمسّك بآية الوفاء بالعقود، و أمّا لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض، فلا يضرّه عدم صدق العقد» «3» انتهى.

و قد عرفت ما فيه من صدقه و لو أخلّ بها، إذا كان في الكلام قرينة على حصول الربط، و كونه قبولا لمفاد الإيجاب.

بل قضيّة البحث و التفتيش، أنّ مقصوده لا يرجع إلى محصّل، ضرورة أنّ «العقد» و سائر ألفاظ المعاملات إن كانت موضوعة للمعنى المسبّبي، فهو لا يحصل بترك الموالاة، لاقتضاء الدليل الذي تمسّك به ذلك.

و إن كانت موضوعة للأسباب، فالعقد و البيع سيّان. و كون العقد موضوعا للمسبّب دون البيع ممنوع، لما مرّ أنّ تلك الألفاظ موضوعة للمسبّبات، أو الأسباب الملحقة بها آثارها.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 173.

(2) القواعد و الفوائد 1: 234، القاعدة 73.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 98- السطر 23- 33.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 167

و ممّا يشهد على صحّة ما ذكرناه: اتفاق الأصحاب على عدم اعتبار الموالاة في العقود الجائزة.

ثمّ إنّ الظاهر من الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه- هو أنّه يرى نفسه في مخلص من هذا الشرط، لأنّه لا يقول بركنيّة القبول «1»، و قد مضى شطر من مرامه «2»، فعليه تكون ماهيّة المعاملة حاصلة بتمامها بنفس الإيجاب، و القبول

شرط تأثيرها، كما في الفضوليّ.

و الإنصاف: أنّه للقول باعتبار الموالاة على مبناه- مدّ ظلّه- أيضا وجه، لما عرفت منّا في تحرير المسألة، فلاحظ و تدبّر.

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم: أنّ قضيّة الاستصحاب جواز الاتكال على القبول اللّاحق مع الشكّ في حصول العنوان العقديّ به، لأنّ منشأ الشكّ في ذلك احتمال خروج الإيجاب عن قابليّة الالتحاق و عن الصحّة التأهّليّة، و هي محكومة بمقتضاه بالعدم.

و يؤيّد ذلك تسلّم الأصحاب في الطهارات الثلاث البناء على عدم الاعتناء بالشكّ في الحدث، مع أنّه يورث الشكّ المذكور. و دعوى كفاية استصحاب عدم الحدث محلّ إشكال. مع أنّ بناءهم ظاهرا على عدم الاعتناء بالشكّ في الإخلال بالموالاة المعتبرة فيها، و هكذا في الصلاة.

و الذي تحرّر منّا في محلّه: عدم جريان استصحاب الصحّة الفعليّة، فضلا عن التأهّلية، و التفصيل في مقامه.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 219.

(2) تقدّم في الصفحة 161- 162.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 168

المسألة الثالثة: حول اعتبار التنجيز
اشارة

المعروف بين جماعة اعتبار التنجيز في العقود و الإيقاعات «1»، و قد ادعي الإجماع عليه في بعض العقود- كالوكالة- العلّامة «2» و ابنه «3»، و منه يعلم أنّ المسألة إجماعيّة في غيرها، للأولويّة. و هذا هو المتسالم عليه في بعض الإيقاعات كالطلاق، بل و العتق.

و في تماميّة الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام أو الرواية الصريحة و الدالّة على المقصود إشكال، بل منع، لأنّ المسألة ذات وجوه اعتباريّة، و قد استدلّوا بها في جملة من كلماتهم. بل كونها معنونة في كتب القدماء- إلّا بعضا- منهم ممنوع، فلاحظ.

فعليه لا بدّ من المراجعة إلى عمومات المسألة و إطلاقاتها.

و مقتضى السيرة العمليّة و تعارفها بينهم جوازها، على إشكال يأتي.

أدلّة امتناع التعليق و ردّها

و قد يتوهّم: أنّ تعليق الإنشاء غير معقول، و ليس هو مورد البحث و النزاع، لأنّ الإنشاء كالإيجاد، فلا يعقل أن يتحقّق الوجود الاعتباريّ أو

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 99- السطر 8.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 114- السطر 25.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 7: 526، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 99- السطر 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 169

التكوينيّ، و مع ذلك يكون معلّقا، للزوم التناقض «1».

أو لأنّ التعليق يستلزم النظر الاسميّ إلى الهيئة المستعملة في المعنى الحرفيّ، فيلزم الجمع بين لحاظين: آليّ، و استقلاليّ.

أو لأنّ التعليق بمنزلة التقييد، و هو يستلزم التقسيم، و مفاد الهيئة ليس قابلا له، لأنّه جزئيّ، و الجزئيّ غير قابل للقسمة قطعا.

و يندفع: بأنّ الإنشاء الاعتباريّ غير الإيجاد التكوينيّ، و لا ينبغي الخلط بينهما، ضرورة أنّ مفاد الهيئة هو إنشاء الملكيّة المعلّقة على مجي ء زيد، و هذا الإنشاء التعليقيّ موجود بالفعل، إلّا أنّ الإنشاء الفعليّ يحصل بعد حصول المعلّق عليه. و ليس هذا من

تخلّف المعلول عن العلّة، لعدم العلّية في هذه المسائل، و لا من تعليق الإرادة التي هي تكوينيّة، لأنّها تعلّقت على نعت ما يتعلّق في الواجب المعلّق، فلا يكون في نفسها تعليق.

و دعوى رجوع التعليق في الهيئة إلى التعليق في المادّة، لأنّها تابع الإرادة «2»، غير مسموعة، لأنّ المناط هو الإنشاء الحاصل من المولى دون الإرادة، و التفصيل في الأصول «3».

و بأنّ المعنى الحرفيّ قابل لأن يلحظ بعد تحقّقه، فيكون مورد النظر ثانيا، فيقيّد أو يعلّق عليه أمر، فإذا علّق عليه الأمر يراعى أثره على

______________________________

(1) منية الطالب 1: 112- السطر 20.

(2) مطارح الأنظار: 45- 46.

(3) تحريرات في الأصول 3: 50.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 170

حصول المعلّق عليه الهيئة، بالنسبة إلى حصول الأثر من العلّة التامّة، كما في التكوين. بل هو عند الإطلاق يؤثّر، و عند التقييد و التعليق يبقى بلا أثر.

بل لو كان عند قوله: «بعت» مريدا للبيع المطلق المنجّز، فبدا له خلافه بعده فورا، فألحق بكلامه التعليق، فإنّه ممّا لا بأس به، لعدم جواز الخلط بين المسائل الاعتباريّة- و منها مسألة الوضع- و المسائل الخارجيّة و التكوينيّة.

و بأنّ الذي ظهر لي: هو أنّ تقييد المعنى الحرفيّ- بناء على كونه من المعاني الجزئيّة الخارجيّة- ممتنع. و ما ترى من تقييد الأعلام الشخصيّة فهو توصيف، و بينهما فرق بيّن.

و لو أريد منه التقييد فيرجع المقيّد إلى المسمّى ب- «زيد» قطعا، فيصير كلّيا كما لا يخفى. و أمّا التعليق فهو ليس من التقييد، لأنّه يورث كون الهيئة مراعى في تأثيرها شي ء، و هذا لا يستلزم التقسيم المشار إليه في الكلام.

فتحصّل: أنّ التعليق في الإنشاء، يورث سقوط الهيئة عن تأثيرها الفعليّ، و لا يوجب عدم

تحقّق الإنشاء التعليقيّ، فإنّه محال. و لعلّ الناظر إلى امتناع التعليق في الإنشاء، كان يجد أنّه مع التعليق يتحقّق هذا النحو منه، فتأمّل.

و قد يشكل ذلك، لأجل أنّ البيع الحاصل بعد تحقّق الشرط، هل هو يوجد بإيجاد فعليّ مقارن له، أو هو يوجد بالإيجاد السابق؟ فإن وجد بالإنشاء السابق فهو معناه التعليق في المنشأ، و إن تحقّق بالإنشاء الفعليّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 171

المقارن، فهو في الحقيقة يرجع إلى الوجود بلا إيجاد، و يكون موجودا بحصول الشرط قهرا، لعدم استناده إلى العاقد و الموجب في وجوده التنجيزيّ.

نعم، هو في وجوده الإنشائيّ المعلّق مستند إليه.

و إن شئت قلت: في العقد المنجّز يستند المنشأ المحقّق إلى الموجب، و يكون هو تمام علّة وجوده، بخلاف العقد المعلّق، فإنّه بإنشائه التعليقيّ اعتبر دخالة المعلّق عليه في وجود المعلّق، و هو جزء أخير لعلّته التامّة، فيستند إليه، فهو لا يوجد بإيجاده عند حصول الشرط، بل يوجد بوجود الشرط قهرا.

نعم، إذا كان الشرط في الإنشاء من أفعال الموجب الاختياريّة، فهو موجده و علّته كما لا يخفى.

و لك دفعه: بأنّ الحقّ كما ذكر، إلّا أنّ هذا لا يرجع إلى المعلول بدون العلّة قطعا، و أمّا رجوعه إلى وجود العقد بلا استناد إلى العاقد، بحيث يقال بعدم وجوب الوفاء عليه، فهو ممنوع عند العرف و الوجدان، و لا حاجة إلى أزيد منه في المسألة.

اعتراض الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- على صحّة تعليق المنشأ و دفعه

ثمّ إنّه قد استشكل الأستاذ الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- في صحّة التعليق في المنشأ «1»:

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 234.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 172

تارة: من جهة أنّ الجمل التصوّرية، ليست قابلة للتعليق، و لو كان التعليق مرتبطا بالمنشإ يلزم

منه ذلك، لأنّ الهيئة الإنشائيّة لا تتعلّق إلّا بالجمل التصوّرية بالضرورة.

و فيه: أنّ مفاد الهيئة مع قطع النظر عن المادّة تصوّري، و هكذا في عكسه، فالتعليق يرتبط بالمنشإ الذي هو في الجملة التصديقيّة، و لا يجوز فرض خلوّ المادّة من الهيئة التصديقيّة، و مقايستها إلى الجملة التعليقيّة.

و اخرى: من جهة أنّ الفرق بين رجوع الشرط إلى الإنشاء أو إلى المنشإ، كالفرق بين الواجب المشروط و الواجب المعلّق، فيكون الملك المنتقل في البيع مقيّدا مثلا بيوم الجمعة، أو من يوم الجمعة و ليس هذا مملوكا، لأنّ مالك العين ليس مالك الأعيان بحسب قطعات الزمان، و ليست تتكثّر ملكيّتها لها، كما تتكثّر في الإجارة بالضرورة.

فبالجملة: التعليق في المنشأ غير جائز، للزوم كون العين ملك نفرين، أحدهما: البائع إلى يوم الجمعة، و ثانيهما: المشتري من يوم الجمعة.

و فيه: أنّ المناط في صحّة هذه الأمور و بطلانها، ترتّب الثمرة العقلائيّة عليها و عدمه، فلا بأس بالالتزام بمثله، كما في الوقف الخاصّ على المشهور، و في الوقف المنقطع الآخر، فتدبّر.

و ليس مفاد البيع في جميع الأفراد التمليك، كما مرّ منه- دام ظلّه- فلو باع أحد الحاكمين مال الفقير بالآخر على هذه الكيفيّة، يلزم منه تقسيم السلطنة بحسب قطعات الزمان، و هي ممّا لا إشكال فيها، لما أشير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 173

إليه آنفا.

بل لا يكون التمليك بالحمل الأوّلي في مفاده، حتّى يلزم التقييد في الملكيّة، فإنّ البائع ينشئ البيع المنجّز الفعليّ، و المملوك متأخّر، فالتعليق في المنشأ ليس من التعليق حقيقة.

فالحقّ إمكان الفرضين، إلّا أنّ المتعارف هو المنجّز، و لا يعهد من بنائهم التعليق في شي ء، إلّا في بعض العقود و الإيقاعات، كالوصيّة و النذر، و

ما يتوهّم كثيرا من أنّه تعليق في الإنشاء أو المنشأ، غير تامّ، بل هو من قبيل شرط التأخير في التسليم، أو إجارة الدار في السنوات الآتية، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه تختلف الآثار باختلاف القيود الراجعة إلى الإنشاء و المنشأ، فلو كان الإنشاء معلّقا فله ردّه قبل حصول المعلّق عليه، و لو كان المنشأ معلّقا فيحسب مدّة خيار الحيوان من حين العقد، لا من ظرف التنجيز و هكذا.

المسألة الرابعة: حول اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول
اشارة

من الشرائط المعتبرة التطابق بين الإيجاب و القبول، و هذا الشرط ممّا لا خلاف فيه، بل ليس في كثير من المتون منه أثر، لأنّه يرجع إلى القيد المقوّم لماهيّة العقود و المعاملات، و قد عرفت: أنّ معناه يرجع إلى كون القبول قبولا للإيجاب، لا قبولا مطلقا، و لا قبولا لبعض الإيجاب، لأنّه ليس قبول ما أوجبه و أنشأه، كما لا يخفى، فعليه لا معنى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 174

لجعله شرطا آخر غير الشرط المذكور، ضرورة أنّ المعاملة المتقوّمة بالإيجاب و القبول، ليس معناه مطلق القبول حتّى يحتاج إلى بيان هذا الشرط، و الأمر سهل.

هل يعتبر التطابق في مجرّد الذات، أو من جميع الجهات؟

بقي الكلام في أنّ صحّة العقد، متوقّفة على التطابق من جميع الجهات بينهما، أو يكفي التطابق في ذات المعقود عليه، دون قيوده و أوصافه و شرائطه، بل يكفي أحيانا التطابق في الذات في الجملة، لا في جملة الأجزاء المعقود عليها.

ظاهر الشيخ الأعظم رحمه اللّه هو الأوّل «1»، و صريح السيّد خلافه في بعض ما ذكر «2»، و هو خيار الوالد الأستاذ- مدّ ظلّه- قائلا: «إنّ المناط هو الانحلال عرفا، فإنّ كان البيع منحلّا حسب نظر العرف إلى البيوع المستقلّة- كما في العامّ الاستغراقيّ- فيكون الاختلاف في القبول و الإيجاب غير مضرّ بالتطابق، و إلّا فيبطل البيع. و ما أشير إليه هو بعينه جار في الشروط و القيود.

بل يمكن دعوى حصول التطابق مع الاختلاف بينهما، إذا كان المبيع الموصوف جزئيّا، لا كلّيّا، فإنّه لو باع الفرس العربيّ، و قبل الفرس غير العربيّ، يبطل البيع، بخلاف ما لو قال: «بعت هذا الفرس العربيّ» و قال

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر الأوّل.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 92- السطر

21 و 24- 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 175

«قبلت هذا الفرس غير العربيّ» فإنّه لا يبطل، و له الخيار، نظير ما لو وقع التطابق بينهما حتّى في القيد و الوصف «1».

أقول: لا يحصل التطابق إلّا في مورد إذا قبل المشتري جميع ما أنشأه البائع، و لم يسلّم البائع إلّا بعضا لا يثبت خيار تبعّض الصفقة، و أمّا إذا قبل الكلّ، و سلّم البعض، و كان يثبت في نظر العرف ذلك الخيار، فهو ليس من التطابق.

و السرّ فيه: هو أنّه قد يكون بنظر العرف البيوع المجتمعة في اللفظ- المعبّر عنها بالجمع في التعبير و الاختصار في اللفظ- متعدّدة، و قد لا يكون البيع إلّا منحلّا بنظر العرف، لأعمّية الغرض، و لكنّه في مقام الإنشاء و الإرادة لا يرى إلّا أمرا واحدا، فإنّه في الفرض الأوّل لو قبل المشتري جميع ما باعه المالك صحّ البيع، و لزم و إن لم يسلّم المجموع، كما في بيع أثاث البيت في (سوق الحراج) و أمّا في مثل بيع العبيد، فليس الأمر كذلك و إن كان الغرض أعمّ، و لذلك نجد له خيار تبعّض الصفقة إذا لم يسلّم إلّا عبدا أو عبدين، فلاحظ و تدبّر جدّا.

و أمّا في مسألة بيع الكلّي و الشخصيّ، فالإنصاف أنّه يكون التحقيق على خلافه، ضرورة أنّ المشتري القابل لبيع الفرس المتّصف بضدّ الوصف المذكور في كلام البائع، ليس راضيا بما أنشأه البائع.

نعم، قد يكون الوصف المذكور في كلام المشتري، موجبا لنزول قيمة المبيع، فإنّه حينئذ يصحّ البيع، لأنّه يرجع إلى أنّه تعلّق غرضه

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 236- 237.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 176

بذات الفرس و

إن كان عجميّا.

هذا و ما ذكره الأصحاب في عدم ثبوت خيار تخلّف الوصف إذا كان المبيع كلّيا «1»، محلّ إشكال، بل قد منعناه في بعض «تحريراتنا» «2» لأنّ القيود و إن أوجبت التباين بين العناوين، و لكنّه أمر عقليّ، و ليس بعرفيّ، و لذلك لو رضي بما سلّمه البائع يصحّ البيع و يلزم، و لو كان الأمر كما ذكره المحقّقون- من أنّه في هذه الصورة لم يسلّم المبيع رأسا- كان ذلك باطلا إلّا برجوعه إلى البيع الجديد، و هو كما ترى.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 249- السطر 12.

(2) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب المؤلّف قدّس سرّه.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 177

فروع
الفرع الأوّل: حول كفاية إشارة الأخرس

لا شبهة في أنّ عناوين العقود و الإيقاعات، قابلة لأن تتحقّق بإشارة الأخرس، و فيها بعض النصوص [1]، و لا وجه للاقتصار عليها بعد اقتضاء القواعد ذلك.

و يظهر من متونهم أنّها قائمة مقام اللفظ «2»، و هذا يوجب اتصاف عقده باللزوم و الجواز، و سائر الأحكام المخصوصة بالعقد اللفظيّ، و يورث عدم كفاية إشارة غير الأخرس، و عليه يشكل الحكم في كتابته، و في إشارة الأخرس في برهة من الزمان، لإشكال في أعصاب عضلته و لسانه، و في إشارة ناذر السكوت مثلا.

______________________________

[1] أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، أنّه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة، يصمت و لا يتكلّم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، و يعلم منه بغض لامرأته و كراهة لها، أ يجوز أن يطلّق عنه وليّه؟ قال: لا، و لكن يكتب و يشهد على ذلك، قلت: أصلحك اللّه، فإنّه لا يكتب، و لا يسمع، كيف يطلّقها؟ قال: بالذي يعرف به من أفعاله

مثل ما ذكرت من كراهته و بغضه لها.

الكافي 6: 128- 1، الفقيه 3: 333- 1613، وسائل الشيعة 22: 47، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 19، الحديث 1.

______________________________

(2) شرائع الإسلام 2: 7، جواهر الكلام 22: 251، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

93- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 178

و الذي هو الظاهر، صحّة الاتكاء على جميع هذه المبرزات عند إمساس الحاجة إليها.

نعم، مع فقد الغرض الباعث إليها، يعدّ عرفا من الهزل و المزاح، و يشكل انعقاد العقدة و المعاوضة بها.

و في كونها لازمة إشكال مضى سبيله، لما عرفت: من أنّ بناء العقلاء قاصر بل قائم على خلافه في هذه الأمور، فتدبّر جيّدا.

الفرع الثاني: حول اعتبار وقوع العقد و الإيقاع بلغة المتعاملين

هل يجب على كلّ قوم العقد و الإيقاع بلسانهم، أو يجوز الاكتفاء بلسان آخر؟ فيه وجهان:

من أنّه أعلم بخصوصيّات لسانه، فيشعر بما يقوله.

و من أنّ الأعرفيّة ليست شرطا. نعم لا بدّ من أن يعلم ما يقوله.

و الإنصاف: أنّ الاحتياط في الأوّل، بل دعوى انصراف الأدلّة إلى المعاملات المتعارفة بين الأقوام و الملل، غير بعيدة، فتأمّل، فاعتبار العربيّة «1» خلاف الاحتياط قطعا.

الفرع الثالث: حول كفاية الاستيجاب و الإيجاب

في كفاية الاستيجاب و الإيجاب و عدمها وجهان، بل قولان: ظاهر

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 95- السطر 32- 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 179

جماعة هو الثاني «1»، و مقتضى بعض النصوص [2] و طائفة هو الأوّل «3»، و حمل تلك النصوص على تعقّب القبول بالإيجاب بلا دليل، و لزوم الفوريّة بين الاستيجاب و الإيجاب ممنوع، فلا طعن في النصوص من تلك الجهة أيضا.

و توهّم الشهرة في المسألة «4»، بل دعوى أنّها كإرسال المسلّمات «5»، لا ينفع شيئا، لفساد الصغرى أوّلا، و الكبرى ثانيا، ضرورة أنّ هذه المسائل ليست ممّا ورد فيها النصّ، و لا من المسائل المتلقّاة عن

______________________________

[2] محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقالت:

زوّجني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه، زوّجنيها، فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما لي شي ء، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعادت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المرّة الثالثة: أ تحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم، قال: قد

زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه.

الكافي 5: 380- 5، تهذيب الأحكام 7: 354- 1444، وسائل الشيعة 21:

242، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 2، الحديث 1.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 7، جواهر الكلام 22: 252، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

97- السطر 1 و 6.

(3) المبسوط 4: 194، المهذّب 1: 350.

(4) مسالك الأفهام 1: 133- السطر 41، لاحظ مفتاح الكرامة 4: 161- السطر 11، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 97- السطر 9.

(5) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 161- السطر 11- 12، المكاسب، الشيخ الأنصاري:

97- السطر 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 180

الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

الفرع الرابع: في حكم تقارن الإيجاب و القبول زمانا

لو أوقعا الإيجاب و القبول في زمان واحد، فظاهر الأصحاب القائلين بلزوم الموالاة فساد التجارة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ كلماتهم ناظرة إلى نفي الفصل الطويل، و هو غير بعيد.

و لكن قضيّة بعض أدلّة المسألة عدم صحّة المقارنة أيضا، لأنّ القبول في الماهيّة متقوّم بالإنشاء السابق، فكما لا يجوز تقدّمه لا يجوز تقارنه. و يأتي التفصيل المعروف بين كلمات القبول «1» هنا أيضا، كما لا يخفى.

و التحقيق: أنّ المقارنة جائزة و لو كان التقديم غير جائز، ضرورة أنّ الحاصل من الإيجاب ليس إلّا مورد القبول، فكما أنّ زمان الكسر و الانكسار واحد، و التأخّر رتبيّ، كذلك زمانهما واحد، و لكن فعل المشتري مرتبط بعمل البائع و في حكم قبوله، فتأمّل.

هذا، و على القول بكفاية مطلق الرضا تكون المسألة واضحة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 163- 165.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 181

الفرع الخامس: حول الفرق بين أمر الوكيل بالبيع يوم الجمعة و بين نهيه عن البيع إلّا يوم الجمعة

المحكيّ عن العلّامة دعوى الإجماع على صحّة أن يقول الموكّل:

«أنت وكيلي في أن تبيع عبدي يوم الجمعة» و على عدم صحّة قوله: «أنت وكيلي، و لا تبع عبدي إلّا في يوم الجمعة» [1].

و الوجه في ذلك توهّم رجوع الثاني إلى التعليق، فيعلم منه بطلان العقود المعلّقة و سائر الإيقاعات بطريق أولى. بل الإجماعات على بطلان الوكالة المعلّقة كثيرة، مع أنّها ليست من العقود الأصليّة المحتاجة إلى القبول زائدا على الرضا المظهر.

و أنت خبير بما في تلك الإجماعات، و بطلان الوكالة في الفرض الثاني، مستند إلى أنّ النهي عن مورد الوكالة المطلقة، في حكم رجوع الموكّل عن توكيله، و إلّا فلا موجب لقبول الوكيل و إطاعته بالنسبة إلى نواهي الموكّل.

مثلا: إذا قال الموكّل: «أنت وكيلي في كذا» و قبله الوكيل، ثمّ قال:

«لا تفعل الأمر الكذائيّ

يوم الجمعة» فإنّه لا يؤثّر في شي ء إلّا برجوعه

______________________________

[1] تذكرة الفقهاء 2: 114- السطر 25- 28، و العبارة منقولة بالمعنى، كما صرّح بذلك المحقّق المامقاني في غاية الآمال: 225.

و لاحظ كتاب المكاسب 3: 163- 164 (المطبوع ضمن تراث الشيخ الأعظم)، الهامش 5- 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 182

إلى رفض وكالته عند تخلّفه، و مع عدم التخلّف ليس هو من حدود توكيله، حتّى يلزم تقييده و تعليقه، فتأمّل جدّا.

الفرع السادس: في حكم المقبوض بالعقد الفاسد مع كشف رضا أحدهما أو كليهما

إذا تبيّن بعد العقد اللفظيّ أو الفعليّ فساده، فإن كان قبل القبض من الطرفين في الفرض الأوّل، أو من طرف واحد فيهما، فلا يجب القبض وفاء، لفساد المعاهدة، و أمّا بعد القبض فلا يجوز التصرّف فيه، و يجب الردّ، لأنّه ليس ماله، لعدم انتقاله إليه.

نعم، قد تقرّر منّا: أنّ بناء العرف و العقلاء في التجارات على وصولهم إلى الأغراض و المقاصد التي عليها رحى الاعتبارات، و لا يلتزمون بخصوصيّة العناوين ك- «البيع» و «الصلح» و غيرهما «1»، فلو باع أحدهما ما يحتاج إليه الآخر، و المشتري منه ما يحتاج إليه في معاشه و معاده، ثمّ تبيّن فساد المعاملة، فهما- بالقطع- راضيان بتصرّف كلّ منهما في مال الآخر على التقييد و الاشتراط.

فما اشتهر من حرمة التصرّف في المقبوض بالعقد الفاسد، يختصّ ببعض الصور، مثل أجور الفواحش و أمثالها، ممّا يمكن أن لا يكون للزاني رضا بتصرّف الزانية فيها، لأنّه أخذ منها ما احتاج إليه، و لا داعي إلى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 147.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 183

رضاه به بعد عدم وجوب شي ء عليه مطلقا.

و منها ما إذا كان الاختلاف بين قيمة المثل و المسمّى فاحشا، فإنّه لو تصرّف المشتري فيما

ابتاعه، ثمّ تبيّن فساد العقد، و كان المسمّى أكثر من قيمة المثل، فإنّه لا يرضى به، و يكون حينئذ البائع ضامنا، على تفصيل يأتي «1».

فالمقصود من هذه الصور، بيان أنّ الرضا المعامليّ المتعلّق بعناوين العقود، و إن لم يمكن أن يورث جواز التصرّف في العوضين، و لكنّ الرضا التقديريّ اللفظيّ كاف قطعا، و لا دليل على لزوم الأزيد من ذلك، و قد مضى بعض الكلام فيه «2»، فراجع.

و الإجماعات المحكيّة على حرمة التصرّف «3»، منصرفة إلى غير تلك الصور، و هكذا الروايات و المآثير الخاصّة الدالّة على ضمان المتعاملين [4]، و قد مضى في مباحث المعاطاة: أنّ مبنى المشهور- و هو

______________________________

[4] كالنبويّ المشهور: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه».

عوالي اللآلي 1: 224- 106، مستدرك الوسائل 17: 88، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.

و كرواية جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية، قال: يأخذ الجارية المستحقّ و يدفع إليه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 211.

(2) تقدّم في الصفحة 147.

(3) مفتاح الكرامة 4: 167- السطر 26- 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 184

القول بإفادتها الإباحة- على هذا الرضا التقديريّ المعلوم من حال المتعاملين «1»، فلا حرمة تكليفيّة و لا ضمان إلّا في بعض الصور المشكوك رضاهما، أو المعلوم عدمه.

الفرع السابع: في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد مع عدم كشف الرضا
اشارة

لو تبيّن فساد العقد بعد القبض، و لم يمكن كشف رضاهما أو رضا أحدهما، فالعين مضمونة، و عليه دعوى الإجماع «2»، و في «الجواهر»:

«بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه» «3» و لا يجوز التصرّف فيه، لعدم الموجب له.

و المراد من «الضمان» عند المشهور، هو أنّ تلفه عليه كما في الغصب، ففي «السرائر»:

«إنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان» «4» و حكي عنه نسبته إلى أصحابنا «5».

______________________________

المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه.

وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 5.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 147.

(2) الخلاف 3: 228.

(3) جواهر الكلام 22: 257.

(4) السرائر 2: 285.

(5) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 185

و يشهد له ذهابهم إجماعا إلى وجوب الردّ فورا «1»، كما يأتي «2»، و التزامهم بأنّ خسارة الردّ عليه «3» أيضا دليل على أنّه كالمغصوب.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 11.

(2) يأتي في الصفحة 211.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 495- السطر 31، جامع المقاصد 4: 435، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 186

أدلّة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد
اشارة

و استدلّ لهم بأمور:

الأمر الأوّل: حديث «على اليد.»
اشارة

النبويّ المشهور: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» «1».

و الكلام فيه هنا يتمّ في مقامين:

المقام الأوّل: في سنده

فقد رواه سمرة بن جندب الذي هو أكذب البريّة و أشقاهم. و انجبار السند باستناد أرباب الكتب و الفتوى، غير ثابت، لأنّهم يذكرونه تأييدا لرأيهم، و لا يعرف من قدماء الأصحاب استنادهم إليه. و لا يكفي استناد ابن إدريس «2» و من تأخّر عنه للانجبار، مع أنّه ذكر الحديث في موضع من «السرائر» على وجه يورث فيه الوهن، فكأنّه استناده إلى ما وراءه

______________________________

(1) عوالي اللآلي 1: 224- 106، مستدرك الوسائل 17: 88، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.

(2) السرائر 2: 481.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 187

ثبوتا، و إليه إثباتا. بل في مواضع من كتب السيّد «1» و الشيخ «2» ذكره لإلزام الخصم.

و الاشتهار بين أبناء العامّة «3»، مع أنّ مثله في سنده، ربّما يوجب الوثوق، إلّا أنّ تلك الشهرة أيضا غير واضحة، فكونه أكذب البريّة يستلزم الوثوق بحديثه- لمكان شهرته و شهرة راويه- غير راجع إلى محصّل. و هكذا توهّم نيل المتأخّرين القرائن الخاصّة.

فالحديث بعد اضطراب المتن- لما روى السيّد في «الانتصار»: «على اليد ما جنت حتّى تؤدّيه» أو «تؤدّي» «4» و روى ابن زهرة في «الغنية»: «على اليد ما قبضت» «5»- في نهاية الإشكال، فلا وجه للاعتماد عليه بعد هذا، فتدبّر.

المقام الثاني: في دلالته على أنّ تلفه عليه

و ذلك لأنّ هذه الجملة ظاهرة في الحكم الوضعيّ، و هو الضمان، و معنى «الضمان» عرفا هو أنّ الخسارة على الضامن عند التلف، فعليه

______________________________

(1) الانتصار: 226.

(2) الخلاف 3: 408.

(3) مسند أحمد 5: 8، سنن ابن ماجة 2: 802، المجموع 14: 178، المغني، ابن قدامة 5: 355.

(4) لم نعثر عليه في الطبعة الحديثة من الانتصار، لاحظ الانتصار، ضمن الجوامع الفقهيّة: 192- السطر 15.

(5) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 537- السطر

23.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 188

بعد التلف أداء المثل و القيمة، لأنّه أداؤه، فرجوع الضمير إلى الموصول التالف، لأجل أنّ المؤدّى هو التالف في الادّعاء، أو في الحكم. و لو كان الضمير محذوفا فلا دليل على أنّ المحذوف هو الضمير وحده، بل ربّما كان عنوان «البدل» أو «الخسارة» و غيرهما ممّا أضيف إلى الضمير العائد، و لعلّه جي ء به محذوفا لإفادة ذلك، فلا تغفل.

فالضمان و إن كانت حقيقته التعليق، إلّا أنّه بعد الاستيلاء ثابت منجّزا، و تكون النتيجة أنّ المستولي على المأخوذ ضامن حتّى يجبر الخسارة بالمثل أو القيمة.

أقول: لو سلّمنا جميع هذه الأمور المشار إليها لإثبات مبنى المشهور، لا يثبت ذلك، ضرورة أنّ مفهوم «الضمان» ليس من مداليل الحديث حتّى يؤخذ بالخصوصيّات الملحوظة فيه، من التعليق و غيره، و بداهة أنّ ظهوره البدويّ هو ردّ شخص المأخوذ خصوصا، بعد إتيانه بالضمير في كثير من النسخ القديمة، فصاحب اليد عليه تدارك خسارات المأخوذ مع بقائه، فلو تلفت صفة فيه، أو جزء منه، بحيث لا يضرّ بالاسم، أو نزلت قيمته السوقيّة- بحيث لا يعدّ بعد النزول هو الذي أخذت، كما قد يتّفق، فتأمّل- فعليه تلك الخسارات و جبرانها.

فبالجملة: لا ملازمة بين نفي الحكم التكليفيّ و إثبات الضمان على المشهور، بل لنا نفي ذاك و إثبات الأمر الآخر، فتدبّر.

و قد يقال: بأنّ مفاد الحديث جعل المأخوذ على عهدة الآخذ «1»، فما

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 99- السطر 25- 28، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 252.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 189

دام هو باق فيردّه، و إذا تلف فعليه المثل أو القيمة بحكم العقل، لأنّ ما هو في عهدته

أيضا هو المأخوذ.

و إن شئت قلت: للشي ء وجود خارجيّ و اعتباريّ، فإذا كان موجودا خارجا فهو متّحد مع وجوده الاعتباريّ، و إذا تلف فوجوده الاعتباريّ باق.

و لك أن تقول: ما هو في العهدة هو الشخص الخارجيّ، و لنا اعتبار بقائه لترتيب الآثار المرغوبة فيه، من ردّ المثل و القيمة. بل لو تمكّن من خلقه بقدرة نفسانيّة، فلا بأس به.

و بذلك البيان يجمع بين رأي المشهور و ظاهر الحديث، من غير حاجة إلى تقدير «الضمان» و من غير شبهة في رجوع الضمير إلى غير المأخوذ. و نتيجته لزوم قيمة يوم الأداء، كما يأتي تفصيله «1».

أقول: لو سلّمنا جميع هذه المقدّمات، فلا نسلّم الدليل على هذا الاعتبار، فإنّ مجرّد إمكان اعتبار البقاء للشخص التالف لا يكفي، و كون ظهور «على اليد.» شاهدا عليه أوّل الكلام، بل ظاهره لزوم تدارك الخسارات الواردة على المأخوذ مع بقائه، و لو تلف فهو خارج عن مفاده.

و توهّم: أنّه من أوّل الأمر تعلّقت اليد بالأمر الاعتباريّ، أو بالماهيّة مع قطع النظر عن وجوداتها الخارجيّة و الاعتباريّة و الذهنيّة، أو مع

______________________________

(1) لاحظ ما يأتي في الصفحة 246.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 190

لحاظ إحداها مجملا، فاسد جدّا، لعدم تماميّة بعضها عقلا، و بعضها عرفا، و بعضها استظهارا، فتأمّل جيّدا.

و لا أظنّ أحدا يتوهّم خلاف ما ذكرناه، و لكنّهم لمكان كونهم في موقف ذكر السند للمشهور، وقعوا في حيص و بيص.

الأمر الثاني: النصوص الواردة في الأمة المسروقة المستولدة

فإنّها ربّما تكون ظاهرة في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، لأنّ قضيّتها ضمان المشتري للولد، و لزوم دفع قيمته، مع أنّه لم يتلفه، فيعلم ضمان الأصل لو تلفت في يده.

و توهّم: أنّ موردها من صغريات استيفاء المنفعة، لأنّ الولد في الحيوانات

يتبع الأمّهات، و يعدّ من ثمراتها «1»، لا يفيد شيئا، ضرورة أنّ ذلك فيما انعقدت النطفة غير حرّ، و هنا ليس كذلك، فيخرج عن التبعيّة، فليس عمله استيفاء منفعتها، بل هو مانع تحقّقها، فلا تغفل.

و قد يقال: إنّ موردها من قبيل الإتلاف، لأنّ النطفة و إن كانت من الرجل، إلّا أنّها تكمّل بدم الامّ، و يكون تكوّنها بالقوى المودعة في الرحم، بل من المحتمل قويّا كونه من نطفة الأمّ، و كان اللقاح من الأب «2».

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر 29، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 93- السطر 14، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 257.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 75- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 191

و فيه:- مضافا إلى أنّ ذلك غير موافق للتحقيق، و للمسألة مقام آخر- أنّ إتلاف العلل المعدّة، لا يورث ضمان الصور المترقّبة منها، فلو أتلف الحنطة المزروعة فهو ضامنها، لا الحاصل منها، فعليه أداء قيمتها، لا قيمة الولد كما لا يخفى.

ثمّ إنّ في المسألة روايات خاصّة [1] تحتاج إلى التدبّر، لما فيها من الاختلاف. و لو سلّمنا دلالتها على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، فهي أخصّ، و لا يمكن إلغاء الخصوصيّة حتّى يعلم حكم المسألة على نعت كلّي، مع أنّ من المحتمل كون ضمان قيمة الولد، لأجل ضمان الخدمة و الحمل و اللبن و الدم و غيرها، و قد قدّره الشرع بها فرارا من وقوعهما في التشاحّ، فتدبّر.

______________________________

[1] محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثمّ قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير

إذني، فقال: خذ وليدتك و ابنها، فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة- حتّى ينفذ لك ما باعك، فلمّا أخذ البيّع الابن قال أبوه: أرسل ابني فقال: لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه.

جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية، قال: يأخذ الجارية المستحقّ و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه.

وسائل الشيعة 21: 203 و 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 1 و 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 192

و قال الأستاذ الوالد- مدّ ظلّه-: «نعم، إطلاق حسنة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية. قال: «يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع إلى من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «1» يقتضي الرجوع إلى الثمن و لو بعد تلفه بالتلف السماويّ، لأنّ الرجوع إليه ليس عرفا مختصّا بوجوده كما لا يخفى، فدلّت هي على المطلوب في الجملة» «2» انتهى.

و أنت خبير: بأنّ الثمن إذا كان من النقود، لا يعدّ نقله إلى الغير من التلف، لأنّ تمام النظر إلى الماليّة، فما أفاده من التعليل دليل على أنّ الدليل عليل.

هذا، و من الممكن دعوى: أنّ هذه المسألة من صغريات «على اليد.» و تكون دليلا على اعتبار هذه القاعدة، فتأمّل.

و لك دعوى: أنّ مورد هذه المآثير من صغريات قاعدة نفي الضرر، لأنّ المنع من الاستيفاء- بعد كون

العلّة المعدّة قريبة من الثمرة- يعدّ ضررا عرفا.

و فيها بعد تسلّم الكبرى: كون صغراها ممنوعة، لأنّها ليست من العلل القريبة، بل هي كالحنطة المزروعة، فلا ينبغي الخلط.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 82- 353، وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 5.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 259.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 193

الأمر الثالث: قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»
اشارة

و هي قاعدة معروفة بين المتأخّرين غير نقيّة السند، و لا خير في إطالة البحث حولها، لعدم صحّة المراجعة إليها عند الشكّ. و تماميّة مدركها في الجملة، لا توجب تماميّتها على نحو القانون الكلّي، و وجود بعض التعابير في كتب الشيخ «1» و بعض مقاربي عصره «2»، لا ينفع شيئا.

و لكنّه مع ذلك كلّه تشحيذا للأذهان، نشير إلى مفادها مع رعاية الاختصار، و إلى ما يمكن أن يكون مدركا لها، و هي قولهم: «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و بالعكس» «3»، و قولهم: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و بالعكس» «4» و قولهم: «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و بالعكس» «5».

______________________________

(1) المبسوط 2: 150 و 204.

(2) السرائر 2: 285 و 326.

(3) رسائل المحقّق الكركي 1: 189، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 101- السطر 30.

(4) إيضاح الفوائد 4: 347.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 9: 62 و 169، القواعد الفقهيّة، المحقّق البجنوردي 2: 84.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 194

بحث عن دلالة القاعدة و مفادها
اشارة

أمّا مفادها، فهو أنّ كلّ فرد من أفراد العقود الماليّة و ما يشبهها من الإيقاعات الماليّة- لعدم الخصوصيّة لعنوان «العقد» حتّى يخرج مثل الخلع و المبارأة و الجعالة، بناء على عدم كونها عقدا- إذا وقع صحيحا، و كان فيه ضمان المتعاملين للمعقود عليه بردّه إلى طرفه بنفسه، أو بمثله و قيمته، بحكم العرف، أو الشرع، لو وقع باطلا، و كان المعقود عليه في قبضة مالكه التوهّمي، فهو ضامنه بردّه، أو ردّ مثله و قيمته، فالمال قبل القبض في الصحيح، مثله بعد القبض في الفاسد، و عليه لا يلزم التفكيك، و لا توهّم كونه عموما أنواعيّا أو أصنافيّا «1».

و دعوى: أنّ مفهوم «الضمان» ليس في الشرع

أمرا تعليقيّا، غير مسموعة، و سيأتي حوله تفصيل البحث في ضمن الفروع الآتية.

و توهّم: أنّ المتعاقدين غير ضامنين بالنسبة إلى المعقود عليه في العقد الصحيح، خصوصا في البيع، فإنّ المبيع إذا تلف فهو من مال بائعه، فيلزم التفكيك في معنى «الضمان» في الجملتين، و تكون الجملة الأولى توطئة لبيان الضمان في الثانية، غير تامّ، لأنّ مقتضى سببيّة العقد، انتقال المعقود عليه إلى الطرف، و تسليم البائع و المشتري ليس إلّا من باب الوفاء بالعقد، و ردّ ملك الغير إلى صاحبه، فهو بعد العقد في يد غير

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 93- السطر 20، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 266.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 195

المالك، و بحكم العقلاء يكون ضامنا بردّه، و عليه خسارته عند تلفه.

و لا حاجة إلى التوسّل بقاعدة اليد، فيقال بانقلاب اليد المالكيّة إلى اليد غير الأمانيّة، بعد ما صحّ العقد الناقل.

و يتوجّه إليه: أنّ الضمان هنا حينئذ يستند حقيقة إلى اليد، دون العقد، و ظاهر القاعدة سببيّة العقد الصحيح للضمان، و كون المبيع من مال البائع بعد التلف، لا يضرّ بها، لأنّه حكم تخصيصيّ، أو القاعدة تفيد الحكم الذاتيّ غير المنافي لما هو المشهور في البيع، من انحلال العقد بالتلف. مع أنّه يمكن دعوى انحلال العقد قبل التلف، فيخرج عنها تخصّصا.

فبالجملة: الجملة الأولى موكول حكمها إلى نظر العرف و العقلاء، و الجملة الثانية مترتّبة عليها شرعا أو عرفا أيضا.

إن قلت: و إن لم يلزم التفكيك من جهة الضمان، و لكنّه يلزم من جهة ظهور «الباء» في السببيّة فيهما، و الالتزام بها في الجملة الثانية غير ممكن، فلا بدّ من حملها على السببيّة الناقصة، فيكون العقد- بضميمة

قاعدة اليد في الصدر و الذيل- موجبا للضمان «1».

قلت: سببيّة العقد الصحيح للضمان عقلائيّة، و سببية العقد الفاسد تعبّدية، حسبما يظهر من القاعدة، ضرورة أنّها أسّست لبيان الحكم في الذيل، من غير النظر تشريعا إلى الصدر. و لو كان سبب الضمان قاعدة اليد هنا أيضا، فهي سبب تامّ، لأنّ نسبته إلى العقد في

______________________________

(1) منية الطالب 1: 120- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 196

غاية الضعف، خصوصا إلى العقد الفاسد، بل العقد الصحيح موجب لتحقّق موضوع القاعدة التي هي المورثة للضمان، كما لا يخفى.

فما هو التحقيق: أنّ العقد يوجب الضمان، لأنّ اليد النقليّة ليست موجبة للضمان، لأنّها ليست كاليد الغاصبة، ضرورة أنّ العرف يحكم بأنّه يجوز له الامتناع عند الامتناع، و بأنّه يجب عليه الوفاء بالعقد بالتسليم و هكذا، فصرف كونه مال الغير بالعقد الصحيح، يورث الضمان و إن لم يكن تحت استيلاء البائع مثلا، و في الفاسد كذلك بتعبّد من الشرع، فلاحظ و تدبّر جدّا.

توهّم إرادة العموم الأنواعيّ أو الإضافيّ دون الأفراديّ و دفعه

إن قلت: لا بدّ من أن يكون العموم فيها أنواعيّا، أو إضافيّا، أو يكون عنوان المدخول قابلا للصدق على أكثر من واحد، لأنّ المفروض في الخارج صحيحا لا يعقل فساده، فلا بدّ من الفردين، و عليه لا بأس بالالتزام بالأنواعيّة و الإضافيّة و هكذا، دون الإفراديّة «1».

قلت: كما لا يعقل ذلك لا يعقل أن يكون غير أفراديّ، لأنّ الصحّة و الفساد من لوازم الوجود الخارجيّ، دون العناوين، و قد تقرّر ذلك في محلّه، فعليه لا بدّ من حلّ المعضلة: بأنّ هذه القضيّة شرطيّة متّصلة، و ليس الحكم فيها إلّا فرضيّا، و نتيجة ذلك هو أنّ كلّ ما فرض أنّه عقد موجب للضمان لأجل صحّته، ففي فاسده

الضمان.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 93- السطر 20- 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 197

و بعبارة أخرى: هي قاعدة إخباريّة، أو إنشائيّة، و على التقديرين ناظرة إلى جهة الملازمة، من غير النظر إلى ذات المقدّم و التالي، حسب الوجود و نقيضه، فالمقدّم في هذه القضايا فرضي، و القضيّة الفرضيّة قابلة للانعقاد من كلّ شي ء، فلا تغفل.

فعلى هذا، يثبت الضمان في البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا أجرة، لأنّه لو كانا واقعين صحيحين، و كان فيهما الضمان، كان في فاسدهما الضمان، و لكنّهما فاسدان، ففيهما الضمان، لأنّهما صحيحين كان فيهما الضمان أيضا.

ثمّ إنّه مع ذلك كلّه، لا يكون الحكم في المقدّم ثابتا عند العرف على نعت الكلّية، ضرورة أنّهم لا يلتزمون بضمان البائع و المشتري فيما لو تلف المبيع و الثمن بآفة سماويّة، فكون العقد الصحيح علّة الضمان ممنوع.

اللهمّ إلّا أن يقال بالتهاتر القهريّ، كما لا يبعد، فتدبّر.

بحث في أدلّة قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»
اشارة

ما يمكن أن يكون سندا لها بتمامها، أو مدركا لبعض مفادها، و مجموعا يصحّ الاستناد إليه، حتّى تكون القاعدة معتبرة، و لأجل الاختصار و تسهيل الأمر جي ء بها وجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة الإقدام

و مدركها بناء العقلاء، و عدم ردع الشرع المقدّس، و مفادها هو أنّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 198

كلّ واحد من المتعاملين، دخل و أقدم على العقد المعامليّ على أن يكون مالهما مضمونا، من غير النظر إلى ما بعد القبض، أو ما قبله، بل نظرهم فيها إلى عدم وقوع الأمر المجّاني، فلو تمكّن من تسليم المسمّى أو المثل و القيمة لو تلف فهو، و لو لم يتمكّن من ذلك، فعليه ردّ العين و لو كان في يد الآخرين، أو عليه ردّها لو كان في يده، إذا لا يكون متمكّنا من ردّ المسمّى، أو مثله و قيمته، أو عليه صرف النظر عنها لو كان قبل القبض، إذا لم يتمكّن من تسليم المسمّى و العوض الواقعيّ، و هكذا.

و كونها أعمّ من المطلوب لا يضرّ بالمقصود، فما يظهر من الشيخ «1» لا يخلو من غرابة.

و ما يظهر من السيّد إشكالا على سندها «2»، مدفوع بأنّ هذه المسائل العقلائيّة- بعد عدم الردع عنها، و كانت بمرأى و مسمع من الشريعة المقدّسة- تكون معتبرة.

و ما يظهر من القوم في بيان مفادها من المحتملات و الوجوه، منشاه القصور، و قد فصّلناها في تعاليقنا على «حاشية السيّد رحمه اللّه» «3» فراجع.

فما أفاده شيخ الطائفة في «المبسوط» «4» و تبعه بعض آخر «5»، في محلّه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 102- السطر 34.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 94- السطر 10.

(3) ممّا يؤسف له أنّ هذه التعليقات مفقودة.

(4) المبسوط 3: 58 و 65

و 68.

(5) لاحظ مسالك الأفهام 1: 185- السطر 39.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 199

نعم، في المسألة شبهتان:

أولاهما: قصور القاعدة عن شمول تلف العينين، و توهّم قصورها عن شمول تلف العين الواحدة، ممنوع، لأنّ بناء المعاوضات على أن لا تكون مجّانية مطلقا.

و تندفع الشبهة بما سمعت منّا في أصل القاعدة.

ثانيتهما: قصور دليل حجّيتها لأنّ من شرائطها كون الأمر الممضى بمرأى و منظر ظاهر من الشرع، مثل العمل بالظواهر، و الخبر الواحد، فلو كان أمرا فرضيّا أو غير رائج، فلا يكفي لكشف الرضا و الإمضاء، فليتدبّر جيّدا.

الوجه الثاني: قاعدة «على اليد.»

و قد عرفت قصورها عن شمول حال التلف و الإتلاف «1»، بل و قصور سندها «2».

و أمّا الخدشة في دلالتها تارة: بامتناع شمولها الأعمال و المنافع «3».

و اخرى: بانصرافها.

و ثالثة: بعدم صحّة إطلاق «الأخذ» لغة و عرفا عليها.

فهي غير مسموعة، لأنّه لو سلّمنا ذلك كلّه فلك إلغاء الخصوصيّة،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 186- 187.

(2) تقدّم في الصفحة 187- 190.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 103- السطر 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 200

و دعوى أنّ الموضوع أعمّ، فافهم.

الوجه الثالث: قاعدة الاحترام

و سندها بعض الروايات المذكورة في كتاب القصاص و الحجّ، و قد مضت الإشارة إليها. و قصور سند بعضها- مثل ما في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لأبي ذر: «يا أبا ذر، سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه من معاصي اللّه، و حرمة ماله كحرمة دمه.» «1»- لا ينافي اعتبارها، لما ورد في صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم وقف بمنى حتّى قضى مناسكها في حجّة الوداع.».

إلى أن قال: «أيّ يوم أعظم حرمة؟

فقالوا: هذا اليوم.

فقال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 200

فقالوا: هذا الشهر.

قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أيّ بلد أعظم حرمة؟

فقالوا: هذا البلد.

قال: فإنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟

______________________________

(1) الأمالي، الطوسي: 537، وسائل الشيعة

29: 20، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 3، الحديث 3، و 12: 280 و 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 9، و الباب 158، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 201

قالوا: نعم.

قال: اللهمّ اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه، و لا تظلموا أنفسكم.» «1».

فإنّ ظاهر الفقرات الاولى حرمة الأموال وضعا و تكليفا، و لا يجوز هتكها، و ليس ما أتلفه هدرا، لأنّ المقصود من «الحرام» هي الحرمة.

نعم، ظاهر قوله: «لا يحلّ» في الذيل تكليف محض. و دعوى أنّ الصدر قرينة على أعمّية الذيل، غير بعيدة، بخلاف عكسه، فإنّه بعيد جدّا.

نعم، ربّما يشكل استفادة الوضع، لأجل أنّ الحرمة في الشهر و البلد و اليوم، ناظرة إلى التكليف.

و إن شئت قلت: إجمال المشبّه به، و عدم إمكان الالتزام بإطلاقه، يورث اختصاص الحكم في المشبّه في القدر الثابت فيه، فعليه يتّضح ضعف سند القاعدة.

مع أنّه لو فرضنا ذلك، و التزمنا بحرمة أموالهم وضعا، لا يكون نفي ضمان القابض فيما تلف المقبوض في يده من غير إفراط و تعدّ، خلاف الاحترام. بل قضيّة الاحترام عدم الضمان، لأنّ أخذ المثل و القيمة في الصورة المذكورة خلاف الاحترام، كما لا يخفى.

بل مقتضى ذيلها حرمة الظلم، و هذا يعدّ منه عرفا، بخلاف ما لو

______________________________

(1) الكافي 7: 273- 12، الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 202

أتلف و أضرّ و تعدّى و فرّط، فلو فرضنا صحّة ما أفاده المشهور

في معنى قاعدة «على اليد.» فهي تعارض هذه القاعدة، و لكنّها مقدّمة عليها كما هو الواضح، و ليست مقدّمة على قاعدة حرمة الظلم، فتأمّل.

و لك دعوى ورود قاعدة «على اليد.» عليهما، لأنّ المالك الحقيقيّ إذا اعتبر ضمان القابض، ينتفي موضوعهما واقعا و حقيقة، فتدبّر.

الوجه الرابع: قاعدة نفي الضرر و الضرار

و المختار فيها أنّ المنفيّ هو الضرر، و المنهيّ هو الضرار، و نتيجته عموم الحكم و لزوم التدارك فيما لو أوقع الضرر. بل مقتضى الإطلاق لزوم تدارك الضرر في حومة الإسلام من بيت المال، و أمّا وجوب تدارك المقبوض التالف من مال القابض، فهو ممنوع بهذه القاعدة. و هي مقدّمة على قاعدة «على اليد.» لنفي الجعل الضرريّ بها.

و دعوى: أنّ جعل الضمان ليس ضرريّا، و بعده لا ضرر، لأنّه يأخذ مال نفسه من القابض، غير مسموعة، بداهة أنّ الحكم التكليفيّ تبع الحكم الوضعيّ رتبة. و كون قاعدة نفي الضرر في رتبة الموضوع، لا يستلزم كونها مقدّمة على الحكم، لأنّ ما مع المتقدّم ليس بمتقدّم بالضرورة. هذا مع عدم مساعدة العرف على مثل هذا التحكيم.

و توهّم: أنّ النسبة بين القاعدتين عموم مطلق، فلا حكومة لقاعدة نفي الضرر، و إلّا تلزم لغويّة قاعدة «على اليد.» «1» في غير محلّه، كما

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 285.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 203

يظهر بأدنى تأمّل.

و لنا في مسألة تقدّم قاعدة نفي الضرر على القواعد العقلائيّة الممضاة، مطلب آخر يطلب من رسالتنا الموضوعة فيها [1].

بحث: حول اختصاص بحث المقبوض بالعقد الفاسد بصورة جهل المتعاملين حال العقد

لا يبعد أن يكون المقصود من عنوان البحث، المقبوض بالعقد الفاسد الذي تبيّن فساده بعد العقد، و لو كانا عالمين أو كان أحدهما عالما بالفساد، فلا يعقل ترشّح الجدّ حتّى يوجد العقد الفاسد، و لا تعدّ نفس الصورة المتكلّم بها من العقد عقدا.

نعم، غير المبالين بالديانة ينشئون عناوين العقود، و لا يرون تصرّفهم في المأخوذ بها من التصرّف في مال الغير، و لكنّه لغفلتهم عن ذلك، و عدم ارتباطهم بالمسائل الدينيّة، و لذلك عند السؤال عنهم لا يجيبون إلّا بأنّ

المأخوذ ملك الآخر، فعليه ربّما تكون هذه الصور خارجة من الجهة المبحوث عنها.

نعم، لا فرق بين الجاهل و العالم غير المعتني المؤدّي ذلك إلى تغافله عن القيود و الشرائط، فإنّه في هذه الصور يثبت الضمان أيضا.

و حكم الصور الخارجة من عنوان البحث، يأتي من ذي قبل إن شاء اللّه

______________________________

[1] رسالة في قاعدة نفي الضرر التي كتبها قدّس سرّه في بورسا مفقودة، لاحظ تحريرات في الأصول 8: 286 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 204

تعالى.

و التمسّك بقاعدة الغرور لإثبات ضمان العالم للجاهل «1»، في غير محلّه، لأنّ مقتضاها رجوع المغرور إلى الغارّ، و صدق «الغرور» ممنوع إلّا في بعض الفروض، و إذا تحقّق الغرور فلك دعوى سقوط حرمة ماله الذي أخذه المغرور، فإنّه سلّطه عليه لأن يغرّه، فلا يكون الجاهل ضامنا، فتأمّل.

و من الممكن دعوى: أنّ عنوان البحث أعمّ، ضرورة أنّ العقد كما يستند بطلانه إلى فقد الشرط و الجزء، كذلك يستند إلى فقد الجدّ، فإنّ الإرادة من شرائطه المقوّمة في محيط العقلاء، و لو كان فقدها موجبا لعدم اتصافه بالفساد، يلزم اشتراك سائر الشرائط العقلائيّة معها، لأنّها عندهم من المقوّمات، و ليس عندهم شرط يسمّى ب- «شرط الصحّة» و عندئذ لا فرق في هذه الشروط بين حالتي العلم و الجهل، فينحصر البحث بالعقد الفاقد لشرط الصحّة، و هو الشرط الشرعيّ، فيعلم من ذلك: أنّ المقصود هو المقبوض بعد العقد الفاسد بعنوانه، و إن كانا يعلمان بلغويّته، فليتدبّر.

و إن شئت قلت: إنّ دليل قاعدة «ما يضمن بصحيحه.» هو الإقدام على أن لا يكون المال مجّانيا، و هو ملازم للتضمين عند العقلاء، و قضيّة ضمان المتعاملين كون المال المقبوض غير المجّاني مضمونا،

سواء كان منشاه

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 179- 180، مسالك الأفهام 2: 213- السطر 20، الروضة البهيّة 1: 316- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 205

العقد الفاسد، أو أمرا آخر، إلّا إذا كان بعنوان الأمانة، و تفصيل البحث حول المستثنى يطلب من محال أخر.

التحقيق في قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»
اشارة

ثمّ إنّه يعلم ممّا ذكرناه في أصل القاعدة، ما هو الحقّ في عكسها، فما لا يضمن بصحيحه، و يكون التلف من صاحب المال، و لا غرامة على من تلف عنده، لا يضمن بفاسده.

و لكنّ المهمّ البحث في سنده، و الذي يظهر من شيخ الطائفة هي الأولويّة «1»، فإنّ الصحيح إذا لم يكن مؤثّرا في الضمان، و لم تكن يدهما مضمونة، فكيف بفاسده؟! و فيه ما لا يخفى.

و توهّم: أنّ قاعدة الإقدام دليل الأصل، و إذا لم يكن إقدام على التضمين، فلا وجه للضمان بعد كون التسليط عن الرضا، في غير محلّه، لأنّ مقتضى هذه القاعدة، الضمان في صحيح الإجارة و الرهن و ما شابههما، لأنّ مناط نفي الضمان ليس مجرّد التسليط المقرون بالرضا، بل لا بدّ من قيد المجّانية، كالهبة و نحوها، و القول بعدم الضمان في الصحيح- للدليل الخاصّ- لا يستلزم نفيه في الفاسد، فعليه يشكل سند هذه السالبة الكلّية.

بل قضيّة «على اليد.» الضمان في هذه العقود، و ما يمكن أن يكون

______________________________

(1) المبسوط 2: 204.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 206

دليلا على خروجها من عمومه، عموم ما دلّ على أنّ من لم يضمّنه المالك فهو غير ضامن، و أنت خبير بأنّ بناء العقلاء على أنّ ملاك نفي الضمان، ليس نفي التضمين، لضرورة أنّه في كثير من المواضع، يثبت الضمان من غير تضمين.

نعم، يمكن دعوى:

أنّ الروايات الواردة في الإجارة [1] و العارية [2] و المضاربة [3]، تدلّ على العموم المذكور، لأنّ قوله عليه السلام في رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اتي بصاحب حمّام

______________________________

[1] أبو البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام أنّه كان لا يضمن صاحب الحمّام، و قال: إنّما يأخذ الأجر على الدخول إلى الحمّام.

إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليا عليه السلام كان يقول: لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام، و لم يأخذ على الثياب.

وسائل الشيعة 19: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث 2 و 3.

[2] جميل، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: العارية مضمونة؟

فقال: جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه إلّا الذهب و الفضّة، فإنّهما يلزمان، إلّا أن تشترط عليه أنّه متى توى لم يلزمك تواه.

إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه أو أبي إبراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس على مستعيرها ضمان إلّا ما كان من ذهب و فضّة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا.

وسائل الشيعة 19: 96- 97، كتاب العارية، الباب 4، الحديث 2 و 4.

[3] محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا.

وسائل الشيعة 19: 21، كتاب المضاربة، الباب 3، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 207

وضعت عنده الثياب فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين» «1» و غيره في غيرها [2]، في حكم التعليل المعمّم.

و تقريب الاستدلال به، حتّى

يعلم منه عدم الضمان في جميع مفاد هذه السالبة الكلّية: هو أنّ المقصود هو أنّه إنّما هو أمينك، و أنت استأمنته، لا أنّه أمين في الواقع و نفس الأمر، فمن كان عندك أمينا فهو غير ضامن، و هذا أمر يحصل في صحيحه و فاسده، لأنّ كونه أمينك ليس من آثار العقد، بل إيقاع العقد كاشف عن اتخاذك إيّاه مأمونا.

و توهّم: أنّ العين المرهونة و المستأجرة لا تعدّ أمانة «3»، في محلّه، إلّا أنّ نفي الضمان من آثار الإقدام على العقد، المستلزم لتسليم العين، و هذا لا يكون إلّا بعد الاستئمان و اتخاذه أمينا.

و دعوى: أنّ هذه الروايات ناظرة إلى مفاد الروايات المتضمّنة لنفي الضمان في صورة كون من تلف عنده عدلا و ثقة «4»، حتّى تندرج في باب المرافعات، و تكون أجنبيّة عن هذه المسألة «5»، غير بعيدة، إلّا أنّ إمكان الالتزام بالأمرين- بعد اقتضاء الظهور ذلك- يمنع عن الحمل

______________________________

[2] قال الكليني في حديث آخر: إذا كان مسلما عدلا فليس عليه ضمان.

الكافي 5: 238- 1، وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4، الحديث 3.

______________________________

(1) الكافي 5: 242- 8، وسائل الشيعة 19: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث 1.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 292.

(4) مثل ما ورد في وسائل الشيعة 19: 91، كتاب العارية، الباب 1، الحديث 2.

(5) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 294.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 208

المزبور، فلا منع من الالتزام بأنّ الطائفة الثانية ناظرة إلى مقام الإثبات، بخلاف الطائفة الأولى، فإنّها نافية للضمان في صورة الإقدام على تلك المعاملات الكاشفة عرفا عن استئمان طرفه.

منع دلالة الروايات السابقة على صحّة العكس

هذا، و لكنّ الإنصاف قصور هذه المآثير عن ذلك، لأنّها- مضافا

إلى ظهورها في أنّه أمين واقعا. و لا ينافيه قوله عليه السلام في رواية بكر بن حبيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أعطيت جبّة إلى القصّار، فذهبت بزعمه.

قال: «إن اتهمته فاستحلفه، و إن لم تتّهمه فليس عليه شي ء» «1» فإنّه اتهام بعد ما كان أمينا.

و بعبارة أخرى: الأمين من تثبت أمانته بالأمارات العقلائيّة، و بعد ذلك فتارة: يحدث بعض القرائن على خلافها، و اخرى لا، و هذه الرواية ناظرة إلى الجهة الثانية، كما لا يخفى- إنّ رواية أبي بصير الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام إ في أنّه أمين واقعيّ، أي الثابت عند العقلاء، لا الذي استأمنه صاحب المال و إن كان خائنا عند العقلاء، أو غير ثابتة أمانته:

قال: في رجل استأجر حمّالا، فيكسر الذي يحمل، أو يهريقه.

فقال: «على نحو من العامل إن كان مأمونا فليس عليه شي ء، و إن كان

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 221- 966، وسائل الشيعة 19: 146، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 16.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 209

غير مأمون فهو ضامن» «1».

فلو كان المراد من «الأمين» أمينك لما كان وجه للتفصيل بالضرورة، فافهم و تدبّر جيّدا.

هذا تمام الكلام حول سند العكس، و حيث إنّه غير تامّ فالأولى العدول عن التعرّض لما أوردوا نقضا عليه «2»، و عن بيان حاله و حدوده، و حكم المسألة يعلم في المواضع الأخر، فراجع.

تنبيه: حول اختصاص عكس القاعدة بالعقود المعاوضيّة أو ما لا يقتضي الضمان بذاته

يحتمل أن يكون مصبّ القاعدة العقود المعاوضيّة في العكس أيضا، كي لا يلزم التفكيك، فلا تشمل مثل العارية، و الهبة غير المعوّضة، و هكذا، بخلاف الإجارة و الرهن، فإنّ المقصود من «المعاوضة» في الأصل و العكس أعمّ.

و يحتمل أن يختصّ موردها بما إذا كان عدم الضمان

من مقتضيات العقد، و لو لم يكن في صحيح عقد ضمان- لعدم المقتضي- فهو خارج منها، و عليه لا يلزم النقوض الموردة عليها، لأنّ الضمان فيها من تبعات المقتضيات في الفاسد، فتأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 218- 951، وسائل الشيعة 19: 144، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 11.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 103- السطر 25 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 210

ثمّ إنّ بناء الأصحاب على دفع النقوض في غير محلّه، نظير تعبيرهم عن المخصّصات ب- «النقض» «1» ضرورة أنّ هذه القاعدة الكلّية أصلا و عكسا- لو تمّت- فسندها القواعد المشار إليها، فلا بأس بالالتزام بالتخصيص فيها.

نعم، إذا كان المستند الإجماع فقد يشكل ذلك، للزوم الخلف. مع أنّه لا منع من كشف العموم القانونيّ بالإجماع و الشهرة، القابل لذهاب المجمعين في مواضع معيّنة إلى خلافه، كما لا يخفى.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 103- السطر 31، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 94 و 95.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 211

تنبيهات
الأوّل: حول وجوب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد
اشارة

[1] يجب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد فيما إذا كان مضمونا إلى صاحبه، لما سمعت: «أنّه يجري مجرى الغصب عند المحصّلين» «1» و عليه دعوى الاتفاق «2».

و يستدلّ له بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» «3».

و قوله عليه السلام: «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلّا بإذنه» «4».

و توهّم: أنّ الإمساك ليس من التصرّف «5» لو تمّ، فإلغاء الخصوصيّة و شهادة المناسبة بين الحكم و الموضوع على الأعمّية يكفي. مع أنّ نفي الحلّية الملازم عرفا للممنوعيّة الأعمّ من التكليف، يشمل مسألتنا.

______________________________

[1] لم يتعرّض المصنّف قدّس سرّه لسائر التنبيهات

بعنوان التنبيه، بل سردها تحت الفروع الآتية، فتنبّه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 184.

(2) السرائر 2: 285، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 11.

(3) الكافي 7: 273- 12، وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

(4) كمال الدين: 520- 49، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

(5) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 212

و لو قيل: بأنّ حرمة الإمساك لا تستلزم وجوب الردّ، لما تقرّر في بحث الضدّ، بل الردّ ضدّ ثالث، لأنّ التخلية من أضداد الإمساك «1».

قلنا: نعم، إلّا أنّ هذه المسألة ليست مرتبطة بذاك، لأنّ المطلوب يتمّ بفهم العرف و العقلاء من وجوب الردّ و عليه حرمة الإمساك، و لأجله استدلّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ذيل صحيحة زيد الشحّام- بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

«ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها»- بقوله: «فإنّه لا يحلّ.» و لو كان مبنى المسألة ما أشير إليه تعود الشبهة إلى الرواية، كما لا يخفى.

أقول: لا شبهة في حكم المسألة إذا كانت ماهيّة الردّ أعمّ من التخلية و الإيصال، و لو كانت أخصّ فوجوبه ممنوع، لأنّ اقتضاء المناسبة بين الحكم و الموضوع ذلك، غير تامّ عرفا، لأجنبيّة التصرّف عن ذلك، خصوصا بعد عدم مساعدة فهم العقلاء على إلزام الشرع القابض بالردّ، و لا سيّما في صورة الجهل، و خصوصا مع علم الدافع.

و صحيحة زيد الشحّام لا تدلّ على وجوب الردّ، لأنّ الأمر بالتأدية فيها ليس على إطلاقه، لأنّه يجب التأدية إذا طلبه المؤتمن، و أمّا قبله فلا، فعليه يعلم: أنّ الرواية في

مقام الزجر عن الخيانة بالأمانة، و أمّا أنّه إذا طلبه فيجب عليه ردّه، فلا ينافي عدم وجوب الردّ قبله المقصود في المقام، فتأمّل تأمّلا تامّا.

و إن شئت قلت: إنّ ها هنا مسألتين:

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 33.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 213

إحداهما: مسألة وجوب الردّ فورا إلى المالك.

ثانيتهما: مسألة وجوبه إذا طلبه.

و الحكم في المسألة الاولى عدم الوجوب، لأنّ نفي الحلّية لا يورث هذا الوجوب عرفا، و لا عقلا. و كون المال ممنوعا، يستلزم ممنوعيّة جميع ما يضاف إليه، دون ما هو أجنبيّ عنه. و لو كان الإمساك محرّما بهذه الرواية، يلزم ما لا يلتزم به أحد، و هو وجوب ردّ المال المطروح في الدار إذا عرف صاحبه، و هكذا.

نعم، يجب الاطلاع لئلّا يلزم ضياع المقبوض، و كي لا يقع في الخسارة، بناء على حرمة الإضرار في المقام، و ضمان القابض للمنافع غير المستوفاة.

و أمّا حكم المسألة الثانية فيطلب من محالّه، إلّا أنّ هذه الرواية قاصرة عن إثبات الوجوب فيما عدا الوديعة، كما هو الظاهر.

حول التفصيل في الوجوب بين العقود المعاوضيّة و الإذنيّة

ثمّ إنّه قد يتوهّم التفصيل بين العقود المعاوضيّة- و منها الهبة- و الإذنيّة، فإنّ الرضا و الإذن في الاولى لا يتعلّق إلّا بعناوين المعاملة، و لا يسري إلى موردها، بل لا يعقل ذلك، و في الثانية يكون الإذن في التصرّف من لوازم تلك العناوين، و إذا كانت هي باطلة فهو باق، لأنّه أمر تكوينيّ حاصل، و لا يطرؤه البطلان، و لا يتّصف به «1».

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 312.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 214

و أنت قد عرفت منّا تفصيل المسألة في العقود المعاوضيّة، و أنّ كثيرا منها لا ضمان فيه و

لا حرمة «1».

نعم، في مواقف الضمان و الحرمة لا يفرّق بين الطائفتين، لأنّه لا يتعلّق الإذن إلّا بعنوان «الوكالة» و لا تنشأ إلّا ماهيّة العارية و لو بالكناية، و من الكنايات الأمر بالتصرّف فيه بيعا، و الإذن في إجارة الأموال، فإنّه عند العقلاء كناية عن الوكالة، فإذا كانت باطلة فلا إذن منه.

فما أوضحناه هناك يجري في العقود الإذنيّة، لأنّ بناء العقلاء و أغراضهم على إدارة معاشهم و الوصول إلى غايات أفعالهم، فإذا أذن في البيع فهو لا يريد إلّا مصلحة، فلو كان نفس الإذن الضمنيّ التقديريّ كافيا فلا بأس.

و ممّا يشهد على كفايته: الاستثناء الوارد في كلام المبدأ و المنتهى من المعصومين- صلوات اللّه تعالى عليهم أجمعين- فإنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إلّا بطيبة نفسه» «2» و قوله- عجّل اللّه تعالى فرجه-: «إلّا بإذنه» «3» شاهد على أنّ المدار على الإذن، من غير لزوم اتصافه بأحد العناوين المتعارفة، صحيحة كانت، أو فاسدة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78- 79.

(2) تقدّم في الصفحة 68.

(3) تقدّم في الصفحة 69.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 215

و بناء على ما قوّيناه من قصور الأدلّة عن إيجاب الردّ «1»- و هو الظاهر من بناء العقلاء- يسقط البحث عن مسألة المئونة، فإنّها على الدافع قطعا.

نعم، ربّما يجب الردّ في بعض الصور، كما إذا أراد العالم بالفساد تغرير الطرف، فإنّه في نظر العرف غاصب، و عليه حينئذ المئونة و لو كانت السلعة في البلد الآخر، فافهم و تدبّر.

الفرع الثامن: في ضمان المنافع المستوفاة بالعقد الفاسد

إذا استوفى المتعاملان منافع المقبوض فاسدا قبل التخلية و الردّ، فظاهر ما تقدّم من «السرائر» «2» ضمانها، لكونها مغصوبة، و لا خلاف فيه إلّا عن ابن حمزة في «الوسيلة» «3».

و

يدلّ عليه- مضافا إلى حكم العقلاء، و قاعدة الإتلاف، بل و «على اليد.» على بعض التقاريب، و مثله قوله: «لا يحلّ.»-

بعض النصوص الخاصّة الواردة فيمن اشترى جارية ببيع فاسد فوطأها، فإنّه مضافا إلى أنّه يجب عليه الردّ، يجب عليه عشر قيمتها إذا كانت بكرا، و نصف عشر قيمتها إن كانت ثيبا [4]، و الواردة فيمن طلّق قبل

______________________________

[4] قال الكليني في رواية اخرى: «إن كانت بكرا فعشر ثمنها، و إن لم تكن بكرا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 212.

(2) تقدّم في الصفحة 184.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 19، الوسيلة: 249 و 255.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 216

الدخول «1»، بناء على شمول عنوان المسألة لمثل ذلك، و الواردة في الأمة المسروقة التي مضى البحث حولها «2».

و توهّم: أنّ هذه الروايات لا تدلّ على فتوى المشهور، غير تامّ، لأنّ الجهة المبحوث عنها أعمّ من كون الفساد من قبل فقد مالكيّة المتعاملين، أو غيرها.

كما أنّ كلام ابن حمزة ناظر إلى نفي الضمان مطلقا، سواء كان جعل خراج المقبوض للطرف بإزاء ضمانه بالثمن للجاعل، أو لغيره كما لا يخفى، و لذلك قال رحمه اللّه: بنفي الضمان على الإطلاق، محتجّا بأنّ «الخراج بالضمان» «3» أي غلّة المبيع مثلا للمشتري، لأجل أنّه في ضمانه، و منافع المقبوض و المضمون للضامن، فإنّ «من عليه الغرم فله الغنم» من غير

______________________________

فنصف عشر ثمنها».

الكافي 5: 214- 3، وسائل الشيعة 18: 106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 4.

______________________________

(1) عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها، قال عليه السلام:

«عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها

شيئا فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء».

الكافي 6: 106- 3، وسائل الشيعة 21: 307، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 48، الحديث 7 و 8 و: 313- 314، الباب 51، الحديث 1 و 2 و 3.

(2) تقدّم في الصفحة 191- 192.

(3) عوالي اللآلي 1: 219- 89، سنن النسائي 7: 256، مسند أحمد 6: 49، سنن ابن ماجة 2: 754- 2243.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 217

فرق بين العقود الصحيحة الجائزة أو ذات الخيار، أو الفاسدة المضمونة، و قضيّة الجمع بين الأدلّة ضمان غلّة المقبوض فاسدا، لأخصيّة النصوص من المرسلة المعروفة قديما و حديثا.

هذا مع أنّ انجبار المرسلة غير معلوم، و مفادها غير واضح، و لعلّها ظاهرة في أنّ الخراج ليس مضمونا إلّا بالتضمين، فتكون الغلّات غير مضمونة طبعا، لعدم مساعدة العرف على ضمان العين و أثرها، نعم لا منع من شرط الضمان.

و بالجملة: فقضيّة دليل الإتلاف ضمان تلك المنافع، أو لزوم تدارك ما استوفى من العين و انتفع بها، من غير اعتبار للمنافع ذاتا، و لا ضمانا، فلا يمكن الخروج من بناء العقلاء بإطلاق رواية، و لا سيّما إذا كانت مثلها، كما لا يخفى.

بل قضيّة ما أفدناه في معنى المرسلة «1»- من عدم اختصاصها بالمقبوض فاسدا، بل هي في مقام جعل الخراج لضامن العين في كلّ مقام ثبت ضمانه بدليل عامّ أو خاصّ- كون قاعدة نفي الضرر حاكمة عليها. إلّا أن يقال: بأنّها مبنيّة على الضرر، فتأمّل.

الفرع التاسع: في ضمان المنافع غير المستوفاة

المشهور في المنافع غير المستوفاة الضمان «2»، و قيل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 153.

(2) السرائر 2: 285، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 31.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 218

بعدمه «1»، و اختار

جماعة التفصيل بين علم الدافع و جهله «2».

و الأستاذ الوالد قال بعدم ضمان العالم، إذا كان طرفه الجاهل المبالي بالديانة الذي لو يتوجّه لا يقدم على العقد الفاسد «3»، و قد استفاد العالم من جهله، فالتفصيل الأوّل بلا وجه، لاستواء حاله في صورتي العلم و الجهل بالنسبة إلى الإقدام على العقد.

و قيل بالضمان إلّا في عمل الحرّ، فلو استأجره و استوفى منافعه، فهو ضامنها إذا تبيّن فساد العقد، بخلاف ما لم يستوف «4»، لأنّه لا يعدّ ما فوّته عليه مالا، و لا نفسه مأخوذة.

و دعوى: أنّ الفرض الأخير خارج من عنوان البحث، مسموعة لأنّ ملاكه أعمّ، ضرورة شمول الجهة المبحوث عنها لما لو امتنع المشتري من القبض، ثمّ بعد مضيّ مدّة تبيّن فساد العقد، فإنّ قاعدة الإتلاف- بملاك واحد- تجري قبل القبض و بعده.

و الذي يظهر ما هو الأشهر، لما تقرّر عندي من أنّ قاعدة اليد لا تفيد إلّا ضمان الخسارة المتوجّهة إلى العين، دون نفسها، فإنّ موضوع الأخذ هي العين، و اعتبار الضمان بلحاظ ما يتوجّه إليها من الإخلال بوصفها، أو كونها دارّة على ذي اليد بالاستيفاء، أو كانت ممنوعة عن الدرّ على

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 2: 167، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 105- السطر 9.

(2) لاحظ مسالك الأفهام 1: 134- السطر 6، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 104- السطر 9.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 323.

(4) الغصب، المحقّق الرشتي: 19- السطر 23 و: 112- السطر 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 219

صاحبها، فإنّه في جميع الصور هو ضامن، و عليه التدارك، فتأمّل.

و هذا هو حكم العقلاء، و لا رادع عنه، و توهّم أنّ مرسلة «العوالي» المشهورة في كتب العامّة و صحاحهم: «الخراج بالضمان» «1»

تكفي للردع، للأولويّة القطعيّة فيما نحن فيه، فاسد، بل اشتهاره عندهم، و عدم نقلها في مجامعنا، يشهد على فسادها، فافهم.

و قضيّة حكم العقلاء أعمّ من العين، و الحرّ قبل القبض و بعده، و لعلّ منشأ حكمهم أنّهم يرون فوات ماله، و عمله، و تضرّره، و عدم البلوغ إلى مقصوده، و غير ذلك من ذي اليد و المستأجر، من غير النظر إلى صحّة العقد و فساده.

و أمّا قاعدة الإتلاف، و الاحترام، و نفي الضرر، و بعض الروايات، فهي لا تفي- على فرض تماميّتها- بتمام المقصود، كما لا يخفى.

بل قاعدة اليد أيضا غير وافية بما قبل القبض، بل و بعمل الحرّ إلّا في بعض الأحيان. مع ضعف سندها على ما عرفت تفصيله «2».

فبالجملة: قصور هذه القواعد عن التضمين في هذه الصورة، لا ينافي الضمان، لأنّه حكم العقلاء غير المردوع.

بل يمكن دعوى: أنّ نفس التسليط غير المجّاني، من موجبات الضمان، و هذا هو مفاد قاعدة الإقدام التي عرفت تماميّتها عندنا للضمان

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 149.

(2) تقدّم في الصفحة 186- 187.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 220

في المقبوض فاسدا مطلقا «1».

ثمّ إنّ المقصود من «منافع العين و ما يمكن استيفاؤه» ما كانت العين معدّة له و متعارفا فيها و لا يجوز أن يرجع صاحب العين إلى ذي اليد بتقدير المنافع، أو اتفاق استئجارها بأجرة غير متعارفة، و لذلك لا يبعد القول بعدم ضمان منافع الدابّة المغصوبة المقدّرة فيما لم تكن إلّا للاستعمال في الحرب و الدفاع، فتأمّل جيّدا.

الفرع العاشر: في ضمان المثليّ و القيميّ
اشارة

إذا استقرّ الضمان، فهل يجب على الضامن إفراغ ذمّته بوجه مخصوص، فيلزم المماثلة بين الفائت و المدفوع، أو دفع القيمة فيما كان من القيميّات؟

أو يتعيّن عليه المثل مطلقا،

إلّا إذا قام الدليل على خلافه من إجماع أو غيره من القواعد، أو العكس؟

أو لا يجب عليه خصوصيّة زائدة على أصل الإفراغ؟

أو يكون المالك بالخيار فيتّبع رأيه؟

أو المسألة تختلف حسب الأمصار و الأعصار، و باختلاف المتعارف، أو حسب الأفراد و الأشخاص، و باختلاف الأغراض، فلو تلف المثليّ من التاجر يتعيّن القيمة، و القيميّ من الراغب إلى العين يتعيّن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 204.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 221

المثل، أو غير ذلك؟

وجوه و أقوال.

و الذي هو التحقيق بعد ما كان المراد من «القيمة» هي النقد الرائج، لا الماليّة السارية: تخيير الضامن، و لا أساس لما اشتهر من تعيين المثل في أجناس، و القيمة في أخرى، و لا لما قيل من اعتبار المثل أو العكس، و هكذا سائر المحتملات، لأنّ مبنى الضمانات على المرتكزات العرفيّة بعد إمضاء الشرع إيّاها، من غير بيان طريق خاصّ فيها، و مقتضاها ما اخترناه بلا ريب، ضرورة أنّ الأنظار الشخصيّة و الأغراض الخاصّة، ليست معتبرة.

نعم، لو اتفق تلف العين المرغوب فيها في قرية و هي ليست فيها، فإنّه ربّما يتعيّن عند العقلاء ردّ المثل حتّى في القيميّات، و لكنّه غير تامّ.

نعم، لا بدّ من تدارك الخسارة من جهة الحمل إليها أيضا، لأنّها تزداد قيمتها السوقيّة، أو تحتاج إلى مئونة زائدة على أصل القيمة، و هي على الضامن، و سيأتي بعض الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّ المآثير المتشتّتة في الأبواب المتفرّقة [1]، تشهد على أنّ

______________________________

[1] محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها

عن ملكه؟ فوقّع عليه السلام: هو ضامن لها إن شاء اللّه.

وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 1.

عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 222

المتلف و المتعدّي و ذا اليد، ضامن من غير زيادة، و في طائفة منها ما يتضمّن القيمة زائدا على أصل الضمان «1»، و لكنّها لا تدلّ على حصر الإفراغ بها، و مقتضى الجمع بين النقل و العقل خيار الضامن، و ما ذهب إليه المشهور ضعيف جدّا، لعدم مساعدة العقلاء عليه، و لعدم العثور على نصّ في المسألة. و توهّم وجود النصّ غير الواصل في خصوص المسألة، بعيد غايته.

نعم، ربّما يخطر بالبال دعوى أصالة المثليّة، لأنّ مدار الوحدة

______________________________

اشترط فيها ضمان، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضمانا.

وسائل الشيعة 19: 96، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 1.

إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه أو أبي إبراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس على مستعيرها ضمان، إلّا ما كان من ذهب أو فضّة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا.

وسائل الشيعة 19: 97، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 4.

علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت، ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسمّ فليس عليه شي ء.

وسائل الشيعة 19: 118، كتاب الإجارة، الباب 16، الحديث 1، عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام أنّه اتي بحمّال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمنّها إياه، و كان يقول: كل

عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن، فسألته ما المشترك؟

فقال: الذي يعمل لي و لك و لذا.

وسائل الشيعة 19: 152، كتاب الإجارة، الباب 30، الحديث 13.

______________________________

(1) كصحيحة أبي ولّاد، الآتية في الصفحة 249.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 223

و التعدّد في الأشياء في هذه المراحل على العرف، و هو تابع الرغبات و الخواصّ و الآثار المطلوبة فيها، فلو اتفق مماثلة شي ء لشي ء في تلك الأمور التي هي منشأ ماليّتها، فهو عين التالف، لأنّ الغيريّة جاءت من قبل ما لا نظر لهم فيه.

و نظير ذلك الماليّة في الأعراض و النقود، فإنّ مبنى الوحدة و التعدّد فيها على ما أشرنا إليه، دون التعدّد الشخصيّ كما لا يخفى، فعليه يتعيّن المثل، إلّا إذا قام الدليل على التخيير أو تعيّن القيمة.

فرع: في حكم الشكّ في أنّ التالف قيميّ أو مثليّ

إذا شكّ في أنّ التالف قيميّ أو مثليّ، فعلى المختار فالمسألة واضحة، و على الاحتمال الأخير و غيره فالمرجع عندي هي البراءة، لأنّه يعلم إجمالا إمّا بكون العين في ذمّته، فيكون وجوب المثل و القيمة عقليّا، أو المثل أو القيمة فيكون وجوبهما شرعيّا.

و كلّ واحد منهما، كما يحتمل كونه واجبا تخييريّا، يحتمل كونه واجبا تعيينيّا، و حيث إنّ المقرّر عندنا جريان الأصول في جميع الأطراف و سقوطها، إلّا إذا لم يلزم منه المخالفة العمليّة مع العلم، فلو أدّى المثل مثلا إلى المالك بالتمليك، فأثر العلم و إن كان باقيا، إلّا أنّه بالاقتضاء، لا العليّة، فتجري أصالة البراءة في الطرف الآخر، لعدم استلزامها المخالفة مع العلم.

و لعلّ وجه مختار المشهور في الأموال- من عدم لزوم الاحتياط،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 224

و عدم تنجيز العلم الإجماليّ- ذلك «1». و في المسألة (إن قلت قلتات) تطلب من

محالّها «2».

لا يقال: هذه المسألة من صغريات دوران الأمر بين التعيين و التخيير من جانبين «3»، فيمكن إجراء البراءة من تلك الجهة أيضا، بناء على ما هو مختار جمع فيها «4».

لأنّا نقول: إدراجها في تلك المسألة، مبنيّ على القول بوجوب المحصّلات العقليّة شرعا، و إلّا فلا علم بوجوب أحدهما على تقدير تعلّق العين في الذمّة إلّا عقلا، و حيث إنّ المبنى باطل فلا يتمّ البناء، فتدبّر.

إن قلت: يمكن الاحتياط في مقام الأداء حتّى على القول بعليّة العلم الإجماليّ للتنجيز من غير لزوم المحذور «5»، لأنّه إذا سلّم المثل و القيمة من غير تمليك إلّا لما هو حقّ المالك، فيلزم تزاحم الحقوق، لما عنده ملك الضامن، و لكنّه مجهول، فيرجع إلى القرعة، و هي في هذه المواقف معمول بها، و لا نحتاج إلى عمل الأصحاب.

قلت: يلزم المحذور فيما كان التالف مردّدا بين المثليّ و القيميّ، و كان المالك مردّدا بين جماعة، فإنّه في هذه الصورة يلزم الضرر، فلا يمكن الاحتياط من الجانبين.

______________________________

(1) لاحظ العروة الوثقى 2: 381، كتاب الخمس، المسألة 30، الهامش.

(2) ثلاث رسائل، دروس الأعلام و نقدها: 67- 71 و 83- 85.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 89- السطر 7.

(4) لاحظ تحريرات في الأصول 8: 245 و ما بعدها.

(5) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 97- السطر 19- 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 225

تنبيه: في حكم ما لو استلزم أداء المثل ضررا

بناء على كون الضامن مخيّرا، يسقط كثير من المباحث الآتية، إلّا إذا فرضنا تعذّر المثل و القيمة، و لكنّه مجرّد فرض في عصرنا. و بعد قوّة احتمال أصالة المثليّة، فلا بأس بالإشارة إلى بعض المسائل:

فممّا وقع فيه كلام الأعلام- قدّست أسرارهم-: أنّه في صورة استلزام الأداء بالمثل

ضررا، هل يجب ذلك، أو لا يجب، أو يفصّل؟

و الذي هو الظاهر من الشيخ الأعظم هو الأوّل «1»، و اختار جماعة التفصيل بين ما كان الضرر لأجل الزيادة السوقيّة فيجب، و ما كان لأجل ابتلائه بالممتنع عن البيع فلا يجب، لقاعدة نفي الضرر «2».

و من المحتمل قويّا عدم الوجوب مطلقا، لأنّ الأداء ليس من طبعه الضرر حتّى لا يشمله عموم القاعدة، و لو كان من طبعه ذلك فهي في الاختلافات اليسيرة غير جارية، و لكنّها تنفي الضرر إذا يوجد المثل بالأضعاف الكثيرة و لو كانت متعارفة في عصر الأداء.

فبالجملة: يجب تحصيل المثل فيما يتعيّن أداؤه، إذا لم يستلزم الضرر و لا الحرج، من غير فرق بين الفرضين.

إن قلت: إذا كان إمكان حصول المثل للضامن عقلائيّا في الزمن

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 12.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 139- السطر 23- 24.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 226

القريب، فهو في حكم المعسر، فيمهل مثلا، و إلّا فمن نفي الضرر يلزم ضرر المالك، إلّا إذا قيل بتعيّن قيمة يوم التلف و الضمان.

قلت: تنفى الزيادة السوقيّة بالقاعدة، و يتعيّن عليه أداء قيمة يوم الأداء، فلا يلزم الضرر، و لا يتعيّن اختيار القول المزبور، فلو وجد المثل مع اختلاف يسير- يتحمّل عادة، و لا يعدّ ضررا- يجب تحصيله.

نعم، لو استلزم تحصيله وقوعه في الحرج، بأن يتنازل لمن عنده و إن لم يكن فيه الضرر الماليّ أصلا، ففي وجوبه بل جوازه إشكال، بل منع، و تفصيله يطلب من محالّه «1».

و ربّما يمكن التفصيل بين العالم المحلق بالغاصب و الجاهل، بدعوى انصراف دليل نفي الحرج عنه «2»، كما قيل في قاعدة نفي الضرر.

هذا بناء على ما هو المعروف

في القاعدتين.

و أمّا على ما قوّيناه من عدم حكومتهما على الأحكام العقلائيّة الإمضائيّة، فيتعيّن الردّ مطلقا، كما اختاره الشيخ الأعظم «3».

بحث: حول ضمان شخص التالف

ظاهر المشهور ضمان المثل أو القيمة.

و قيل: «مقتضى الأدلّة في الضمانات عهدة العين و ضمان شخص

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأصول 8: 298- 302.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 98- السطر 28- 29.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 227

التالف، و الانتقال إلى المثل و القيمة في المثليّ و القيميّ، أو تخيير الضامن مطلقا، بحكم العقل، و هذا هو الظاهر من قواعد الضمان و النصوص الخاصّة» «1».

أقول: و توهّم تنافيه مع ما ورد في الأدلّة في كتاب الديات [2] و الإجارة «3» و العارية «4» و اللقطة [5]- من ظهوره في تضمين القيمة-

______________________________

[2] الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن بختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلا فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف؟ فقال: «صاحب البختي ضامن للدية و يقتصّ ثمن بختيه».

الكافي 7: 351- 3، وسائل الشيعة 29: 250، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 1.

علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن بختي مغتلم قتل رجلا فقام أخو المقتول فعقر البختي و قتله، ما حاله؟ قال: على صاحب البختي دية المقتول و لصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه.

وسائل الشيعة 29: 251، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 4.

[5] محمّد بن علي بن الحسين، قال: و قال الصادق عليه السلام: أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها، و لا يتعرّض لها، فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء

صاحبه فأخذه، و إن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها، فإن وجدت

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 96- السطر 25.

(3) وسائل الشيعة 19: 118، كتاب الإجارة، الباب 16، الحديث 1، و: 119، الباب 17، الحديث 1، و 152، الباب 30، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 19: 96- 97، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 1 و 2 و 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 228

غير تامّ، لأنّها ناظرة إلى مقام الأداء، دون الجعل و الضمان، و قد عرفت إمكان تصوير ذلك في مباحث قاعدة اليد «1»، و لكنّ الأدلّة غير ظاهرة في هذا الاعتبار، و غير وافية به.

نعم، دعوى: أنّه مساعد ببناء العقلاء على كفاية ردّ العين بإيجادها و إعادتها، على تقدير إمكانها بعد ما تلفت، قريبة، فإنّ المالك لا يرى إلّا ماله الشخصيّ التالف، و لا يقول و لا يدّعي إلّا إيّاه، و ينادي بأعلى صوته: «إنّي أريد فرسي، لا غير» و عندئذ يلزم أصالة المثليّة، إلّا فيما قام الإجماع أو النصّ الخاصّ على كفاية القيمة.

و بعبارة أخرى: مقتضى هذا المبنى المؤيّد ببناء العقلاء، هو الذي أشرنا إليه تحريرا لأصالة المثليّة: بأنّ المثل المساوي من جميع

______________________________

في الحرم دينارا مطلّسا فهو لك، لا تعرّفه، و إن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة، فإن وجدت لقطة في دار، و كانت عامرة فهي لأهلها، و إن كانت خرابا فهي لمن وجدها.

السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريقة مطروحة، كثير لحمها، و خبزها، و جبنها، و بيضها، و فيها سكّين، فقال أمير المؤمنين عليه

السلام: يقوّم ما فيها، ثمّ يؤكل، لأنّه يفسد، و ليس له بقائه، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، فقيل: يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم، أو سفرة مجوسيّ، فقال:

هم في سعة حتّى يعلموا.

وسائل الشيعة 25: 443، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 9، و: 468، الباب 23، الحديث 1.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 188- 189.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 229

الجهات المرغوب فيها، هي العين التالفة المعادة، لانطباق جميع الأغراض و الخواصّ و الآثار عليها، و القائل لا يلتزم بهذا.

و لي شبهة في تماميّة بناء العقلاء على اعتبار ضمان شخص التالف، و لو تمّت هذه فلا منع من الالتزام بذاك، و عندئذ يكون الأقوى أصالة المثليّة، ثمّ أصالة التخيير بين ما هو الأقرب و القيمة.

الفرع الحادي عشر: في حكم تعذّر المثل في الجملة

لو تعذّر المثل في الجملة، يجب ردّ القيمة على المختار عند المطالبة، و لا يجوز الامتناع من قبولها إذا أدّاها الضامن، و الوجه واضح.

و على القول بأصالة المثليّة فهل يجب ردّها، أم لا عند المطالبة؟ فيه وجهان بل قولان:

لا يبعد الثاني، لأنّ الحقّ و الضمان لا يتجاوز من موضوعه- و هو المثل- إلى الأمر الآخر إلّا بدليل، و هو في حال التعذّر غير ناهض، خصوصا إذا علم بوجدان المثل بعد برهة من الزمان.

و توهّم: أنّ التعذّر حال المطالبة في حكم التعسّر فاسد.

و ما قد يقال: من أنّ المالك يتمكّن من إسقاط خصوصيّة المثليّة، دون الماليّة «1»، لا يرجع إلى محصّل، لأنّه في حكم الهبة فيحتاج إلى

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 141- السطر 8- 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 230

القبول، و لو كان إبراء فهو غير معتبر، لعدم مساعدة العرف على إبراء ما لا ماليّة له.

بل لا يعتبر ضمان الخصوصيّة إلّا مع الماليّة، فسقوطها يستلزم سقوطها. مع أنّه حينئذ يستلزم جواز الإبراء حال التيسّر أيضا.

بل مقتضى القول بكون العين في الذمّة حال وجودها، تمكّن المالك من الانتقال إلى القيمة، و هو كما ترى.

نعم، يمكن دعوى بناء العقلاء على التوسّع في باب الضمانات، خصوصا مع قدرة الضامن على أداء القيمة، و لا سيّما و أنّ الصبر إلى الظفر بالمثل و اشترائه، أو البدار بردّ القيمة إلى المالك، مستويان في نظر الضامن، فتأمّل.

ثمّ إنّه لو بادر إلى ردّها، فهل للمالك الامتناع؟

نعم، لأنّ القيمة في مفروض البحث أجنبيّة عن المضمون. و هذا لا شبهة فيه إذا لم يستلزم الضرر، بأن تزداد قيمة المثل.

و أمّا لو كان أداء المثل حال التيسّر، مستلزما لاشترائه بأضعاف القيمة حال التعذّر، فهل يمنع من الامتناع، لأنّ تجويزه ضرريّ في هذه الصورة، أو لا، لأنّه لا ضرر فعلا، و لا حكومة للقاعدة على رفع الضرر في مثل المقام؟ وجهان.

و الذي تقرّر عندنا قويّا عدم حكومة قاعدة الحرج على الأحكام العقلائيّة الممضاة، و التفصيل يطلب من رسالتنا الموضوعة فيها «1».

______________________________

(1) رسالة المؤلّف قدّس سرّه في قاعدتي نفي الضرر و الحرج التي كتبها في بورسا مفقودة.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 231

الفرع الثاني عشر: حول تعيّن القيمة عند تعذّر المثل في المثليّ

لو تعذّر المثل بحيث لا يرجى عوده، فظاهر جماعة تعيّن القيمة «1»، لما نعلم من الشريعة أنّها لا ترضى بسقوط دينه، لاستلزامه الظلم و الضرر. و البحث عن بقاء الدين في ذمّته، و عدم سقوطه عند التعذّر عن أدائه، لا يرفع هذه الغائلة في مفروض المسألة، كما لا يخفى.

و فيه: أنّ مجرّد الاستبعاد لا يفي، بعد كون الذمّة مشغولة بالمثل القابل للأداء، و التعذّر و التعسّر لا

يورثان الانقلاب، و لا يوجبان الأداء بوجه آخر. و هذا نظير المستثنيات في باب الدّين، فمجرّد إمكان الأداء و لو بالأجنبيّ غير كاف. و لو تمّ الانقلاب لكان يجب ردّ القيمة و لو اتفق المثل.

و توهّم: أنّه من صور انكشاف عدم التعذّر، فاسد، ضرورة أنّ الدائن بعد أخذ القيمة يسقط دينه، و لا يجوز له ردّها بدعوى المثل الموجود، فيعلم أنّه أمر واقعيّ.

و دعوى بناء العقلاء على أداء القيمة، مسموعة إن راجعت إلى ما اخترناه من أصالة التخيير بدوا «2»، و إلّا فلو كان بناؤهم في المثليّات على المثل، فهو معناه أنّه مع فقد المثل يكون الضامن كخالي الكفّ، فينظر إلى ميسرة. و حديث إبراء المديون الدائن عن المثليّة دون الماليّة،

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 16.

(2) تقدّم في الصفحة 221- 222.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 232

قد مضى فساده «1».

هذا كلّه على مذهب المشهور.

و أمّا على القول بأصالة تخيير الضامن، فعليه القيمة، لأنّها إحدى فردي الواجب التخييريّ.

و على القول بأصالة المثليّة فيشكل، من أنّ المضمون هو المثل، فلا وجه لإيجاب القيمة، و من أنّ أداء المثل هو أداء العين، لما تقرّر أنّ الوحدة في باب الضمانات، تدور مدار الاختلاف فيما يعتبر مضمونا، لا الأمور الواقعيّة التي لا ماليّة لها «2»، فإذا وجد المثل فكأنّه هو عين المال، و لا سيّما فيما كانت متّحدة في جميع الجهات، كالمصنوعات بالمكائن العصريّة.

و ممّا يشهد عليه: أنّه لا يبالي العقلاء بعينهم الشخصيّة مع وجودها، و من ادّعاها لا يعدّونه منهم، لعدم الأثر لها، فعليه يقال بأصالة القيمة، لأنّها هي التي بحذائها، فيتعيّن عليه ردّها، لأنّه هو معنى الضمان عند التلف، فكأنّه مع بقاء الأمثال ليست

العين تالفة.

نعم، إذا لم يكن المثل مماثلا في جميع الجهات المرغوب فيها، يلزم تعذّره عن ردّ العين بردّ مثلها، فحينئذ يجب ردّ المماثل القاصر عن القيمة المتدارك بها قصوره، أو تجب القيمة، أو لا يجب شي ء، أو يجب من غير لزوم التدارك؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 229- 230.

(2) تقدّم في الصفحة 222- 223.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 233

قضيّة ما سلكناه هو الوجه الثالث، و حكم العقلاء بلزوم التفريغ ليس إلّا لما اخترناه من أصالة التخيير «1»، و إذا لم يوجد المماثل المتّحد مع العين فيما يرغب فيه، تتعيّن القيمة، كما أشير إليه آنفا.

الفرع الثالث عشر: في تحديد قيمة المثليّ المتعذّر و أنّها قيمة يوم الغصب أم لا؟
اشارة

إذا لم يتمكّن من ردّ المثل، و قلنا بلزوم القيمة، فهل تجب قيمة يوم القبض و الغصب، أو قيمة يوم التلف، أم قيمة يوم التعذّر، أو يوم المطالبة، أم يوم الدفع، أو أعلى القيم من اليوم الأوّل إلى الآخر، أو الثاني إليه، أو إلى ما قبله، أو غير ذلك؟

وجوه و أقوال:

فمقتضى أنّ المثل في العهدة من غير انقلاب، لزوم قيمة يوم الدفع.

هذا فيما هو المفروض في هذه المسألة، و هو عدم طروّ موجبات اختلاف القيمة على العين قبل تلفها، فإنّه يأتي البحث عنه في محلّه من ذي قبل إن شاء اللّه تعالى «2»، فما يرى من لحاظ حال العين في كلماتهم، لا يخلو من إشكال.

كما أنّ لحاظ اختلاف القيم في المثل الذي هو الكلّي «3»، ممّا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 221- 222.

(2) يأتي في الصفحة 246- 247.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 100- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 234

لا محصّل له عندي، فإنّ ما يستفاد من الأدلّة في باب الضمانات، أنّ اختلاف القيم و الأخذ بأعلاها

مع وجود العين، ممّا هو متعيّن، و لكن فرض العين خارجا أو المثل كذا لا يوجب الضمان، فالإعواز و عدمه لا يورثان شيئا في الضمان هنا، فليتدبّر.

و ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «من أنّ مقتضى الآية [1] و المتبادر من إطلاقات الضمانات، هو وجوب الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف بعد تعذّر المثل، و عليه يتوجّه القول بصيرورة التالف قيميّا بمجرّد تعذّر المثل، إذ لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداء، كما في القيميّات، و بين طروّه بعد التمكّن، كما فيما نحن فيه» «2» انتهى، غير قابل للتصديق، لأنّ قيمة الشي ء ليست إلّا مباينة له، و لا يعدّ ردّها وفاء به عند أحد من العقلاء، و مجرّد الاستيفاء و الاتحاد في الأثر البعيد، لا يكفي لكون الشي ء المباين قريبا.

هذا مع أنّ الآية على ما تقرّر، أجنبيّة عن هذه المسائل «3»، و إطلاقات الضمانات عقلائيّة، و قد فرغنا عن مقتضاها، و هو تخيير الضامن من أوّل الأمر، و لا يمكن الالتزام بعدم الفرق بين التعذّرين، فإنّه لو وجد مثل الفرس، فإنّه لا يتعيّن، و لو وجد فرضا مثل الحنطة التالفة يتعيّن، فكيف يسلب الفرق بينهما؟! فلاحظ و تدبّر.

______________________________

[1] فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ البقرة (2): 194.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 107- السطر 28.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 325- 327.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 235

بقي أمور:
أحدها: في أنّ المراد هو التعذّر العقلي أو العرفي أو ما لا يوجب الضرر و الحرج

هل المدار في التعذّر الموجب لتعيّن القيمة على التعذّر العقليّ، أو العرفيّ، أو لا هذا و لا ذاك، بل المدار على ما لا يورث الضرر و الحرج و إن كان غير متعذّر عقلا، و متعذّرا عرفا؟

و حيث لم يرد نصّ في

المسألة في خصوص مفهوم «التعذّر» و لا ما يقرب منه ك- «عدم القدرة» و نحوه، فلا بدّ من المراجعة إلى الإطلاقات و العمومات، و قد تقرّر منّا: أنّ ثبوت السلطنة للمالك إلى حدّ الإفراط ممنوع، و لا دليل عليه شرعا، و لا عرفا، و لا سند لقاعدة السلطنة الدارجة في ألسن المتأخّرين، فلو كان المثل في البلاد النائية، و يتمكّن الضامن من استيراده بصرف المال الكثير فيه، لا يجب عليه و إن لم يكن ضرر شخصيّ في حقّه، و ذلك لاعتبار الأمر النوعيّ في الضرر. بل لقصور الدليل عن إثبات السلطنة المطلقة، و هكذا في ناحية الحرج.

ثمّ إنّه لو فرضنا لزوم الردّ شرعا و عقلا، فإن كان في الاستيراد حرج، فكونه منفيّا محلّ إشكال عندي، لأنّ الأحكام العقلائيّة الممضاة، ليست من المجعولات الإلهيّة حتّى تكون القاعدة حاكمة عليها.

و إن كان فيه ضرر، فمقتضى ما تحرّر منّا تقدّم قاعدته على مطلق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 236

الأحكام، و كما هي قاعدة نافية تكون ناهية «1»، فتبصّر.

ثانيها: حول ضمان الصفات غير المتمولّة أو الانتزاعيّة

قد عرفت وجوب ردّ المقبوض إلى مالكه، و أنّه ضامن الخسارة المتوجّهة إليه من نقصان صفة تكون من الأمور المتموّلة، و أمّا ما لا تتموّل، أو لا تكون من صفات المقبوض إلّا بالانتزاع أو الاعتبار، فهل هي أيضا مضمونة، بمعنى أنّ المالك يجوز له الامتناع عن قبول عين ماله بدعوى المماثل له من جميع الجهات، أم لا؟

الظاهر أنّ الأوصاف المغفول عنها التي لا تختلف الأعيان بها في الرغبات، ليست مضمونة، و لا سلطنة للمالك عليها حتّى تصحّ دعواها.

و أمّا الأوصاف الانتزاعيّة، مثل كونها في الشتاء، أو الصيف، أو في بلد كذا و كذا، فهي- بعد ما تكون

معتبرة في الأملاك، و موجبة لاختلاف القيميّات- مضمونة، فله دعوى الصفة، و ليس الضامن بالخيار بين ردّ الموصوف، و ردّ العين و قيمة الصفة، لأنّه عين ماله موجود عنده، فإذا طلبها فعليه التخلية، و تدارك الخسارة. و هكذا يجوز له إجبار القابض على تحويل العين إلى البلد المذكور. هذا إذا أدّى العين ناقصة.

و أمّا لو أدّاها متّصفة بالأوصاف حين أخذها، فهل الأوصاف الموجبة لرقاء القيمة تكون مضمونة، أم لا؟ وجهان:

من أنّه ردّ عين ماله بجميع أوصافها المقبوضة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 202.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 237

و من أنّ كلّ ما يرد عليها مضمون بتبع العين، فعليه تداركه. مع قصور بناء العقلاء عن تعيين الضمان في هذه الصورة، و هكذا الأدلّة الاجتهاديّة.

و يمكن التفصيل بين الأوصاف القهريّة الحاصلة للعين، و ما اتّصفت به بتدبير القابض، ثمّ زالتا حين ردّ العين، فيقال بالضمان في الأوّل، و عليه تفاوت القيمة، دون الثاني، لأنّه من عمله، فيرجع إليه.

و الذي يظهر لي بعد ما عرفت من قصور دليل ضمان اليد سندا «1»، عدم الضمان، و إلّا يتعيّن الضمان، إلّا أن يدّعى انصرافه عن التضمين في بعض الفروض المشار إليها.

و أمّا الأوصاف الاعتباريّة، مثل عزّة الوجود و قلّته، و كثرة الوجود و شياعه، الموجب لاختلاف القيمة لتفاوت الرغبات، فإنّ المعروض في الأسواق إذا كان أكثر ممّا يحتاج إليه الناس، و يقتضيه طلبهم، تتنازل القيم، و في عكسه تتراقى، فالظاهر عدم الضمان في التفاوت اليسير.

نعم، إذا بلغت قيمته إلى حدّ صدق «التلف» فإن كان ساقطا من القيمة فلا يعتبر الملكيّة و المال، فلا يحقّ إلّا المثل أو القيمة، و الكلام فيه ما مضى و يأتي. و بقاء حقّ الاختصاص

أو حدوثه على المشربين في محلّه، لا يورث وجها في مسألتنا هذه.

و توهّم: أنّ مفاد قاعدة «على اليد.» ردّ المقبوض و المأخوذ «2»،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 186- 187.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 99- السطر 25، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 97- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 238

فاسد، لأنّها في مقام اعتبار ضمان ما يوجبه، و هو المقبوض المعدود من الأموال، أو ما تعلّق به الحقوق، لا الذات العارية عن هذه الجهة.

و إن لم يكن ساقطا إلّا في الجملة، ففي كفاية ردّ العين، أو لزوم ردّ ما به التفاوت، وجهان:

من إطلاق القاعدة.

و من أنّها في مقام تضمين الأوصاف إلى أن تردّ العين، و تلك الأوصاف أعمّ من الحقيقيّة و الاعتباريّة، بعد ما كانت معتبرة في الأسواق، و ملحوظة في المبادلات.

ثالثها: في تعيين زمان المماثلة بين المدفوع و المقبوض

فيما يجب المثل تعيينا أو تخييرا، فهل يجب المماثلة بين المدفوع و المقبوض حال التلف، أو حال القبض، أو الحال التي اتصفت بها العين، و صارت أغلى و أقوم، أم لا، بل الضامن بالخيار؟

و على الثاني، فهل يجب تدارك ما به الاختلاف في القيمة بالنقد، أم يجوز له الاكتفاء بردّ مطلق المثل؟

مثلا: إذا قبض بالفاسد صغير الشاة، و قلنا: بأنّها مثليّة، لأصالتها، أو للتخيير، كما مضى «1»، ثمّ بعد ما كبرت تلفت، فهل عليه ردّ شاة شابّة، أو يجوز له الاقتصار على ردّ الصغيرة أو الكبيرة؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 221- 223.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 239

أمّا الكلام على الفرض الثاني، فقد مضى تفصيله آنفا.

و أمّا في الفرض الأوّل، فمقتضى إطلاق الآية «1» كفاية مطلق المماثلة.

و مقتضى انصراف المماثلة في باب الغرامات إلى المشاركة في جميع ما تختلف

به العين في القيمة، و أنّ ما ينمو في العين يكون للمالك، و يصير مضمونا، لزوم التماثل بين المدفوع و المضمون بجميع شؤونه.

لا شبهة في الثاني بحسب نظر العرف المتّبع في المقام.

نعم، إذا رجعت العين إلى الحالة الاولى، و هي حال القبض، ثمّ تلفت، فكونه مماثلا للحال المتوسّطة التي تصاعدت القيمة، محلّ إشكال، لقصور بنائهم، و لعدم الدليل على الضمان إلّا قاعدة اليد التي قد عرفت حالها «2».

رابعها: في مقتضى الأصول العمليّة بالنسبة للمسائل السابقة

أي قضيّة الأصول العمليّة إذا كانت الأدلّة في المسائل السابقة قاصرة عن إفادة الحكم و إبانة الوظيفة:

فلو شكّ في المضمون بعد القبض، هل هو نفس العين، أو المثل، أو القيمة، أو المثل في المثليّ، و القيمة في القيميّ، أو الماليّة

______________________________

(1) البقرة (2): 194.

(2) تقدّم في الصفحة 186- 188.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 240

السارية؟ فالقدر المتيقّن هي الأخيرة، لأنّها المتّحدة مع الكلّ، و الخصوصيّة الزائدة منفيّة بالبراءة.

و إذا علمنا: بأنّ الماليّة السارية ليست مضمونة قطعا، و الأمر يدور مدار غيرها من المحتملات، فقد يقال بالاحتياط «1»، و قد عرفت البحث حوله سابقا و حول المختار «2»، فلا نعيده.

و إذا شكّ في أنّ في حال التعذّر ينقلب الذمّة، أو يجب إفراغها بما هو الأقرب إليه، و هي القيمة، و عند عدمها الماليّة السارية، فمقتضى الاستصحاب اشتغال الذمّة و عدم الانقلاب.

و إذا شكّ في سقوطه بالقيمة حال التعذّر، فلا يجب إذا وجد المثل مثلا، أم لا فيجب، فالثاني متعيّن، عملا بالأصل.

و دعوى: أنّ المثل ليس موضوعا في الأدلّة حتّى يفيد الاستصحاب، بل هو العنوان المشير إلى المضمون «3»، في محلّها، إلّا أنّ النتيجة واحدة، ضرورة أنّ ما في الذمّة باق تعبّدا حتّى يقوم المديون بجميع ما

يحتمل كونه دخيلا في إسقاطه.

و لو شكّ في بقاء اشتغال ذمّته بالعين أو المثل، لأنّه حين التلف كان صغيرا، و يحتمل سقوط ذمّته عند عدم التكليف، فقيل بوجوب المثل أو القيمة، لأنّ قضيّة الاستصحاب لزوم الإفراغ، و العقل حاكم بوجوب كلّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 97- السطر 17.

(2) تقدّم في الصفحة 220- 223.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 393.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 241

ما هو دخيل في براءة ذمّته.

و قد يشكل: بأنّ التعبّد ببقاء العين و المثل، لا يورث الاشتغال بالمؤدّى الأجنبيّ إلّا بالأصل المثبت «1»، و حكم العقلاء بوجوب المثل عند تلف العين، و القيمة عند تعذّر المثل، ليس من الآثار المترتّبة على الموضوع المتعبّد به، لأنّه مردّد بين كونه بنحو القضيّة الشرطيّة، أو بنحو جعل السببيّة، فعلى الأوّل يتمّ المطلوب، دون الثاني، ضرورة أنّه لو وصل من الشرع «إذا تلفت العين يجب المثل، أو تعذّر المثل تجب القيمة» فالأصل الجاري يورث وجوب ردّ العين لو رجعت فرضا خرقا للعادة، و هكذا وجوب ردّ المثل.

و إذا كان الواصل و لو بنحو الإمضاء «أنّ تلف العين سبب لعهدة المثل» و هكذا، فإنّ التعبّد المذكور لا يورث ترتّب المسبّب شرعا، بل هو من الآثار العقليّة، لأنّه إذا وجدت العلّة يوجد المعلول قطعا، فليتدبّر.

و توهّم: أنّه مثل وجوب الإطاعة من الآثار العقليّة و اللوازم المترتّبة، و إلّا يلزم لغويّة جعل الحكم الظاهريّ طبق الأصول العمليّة، فاسد، بداهة أنّ وجوب الإطاعة ليس مباينا للمتعبّد به، بخلاف وجوب المثل، فإنّه غير ما تعبّد به بمقتضى الاستصحاب.

نعم، إذا اقتضى الأصل وجوب ردّ العين، فعليه ردّها عقلا، و أمّا ردّ مثلها و قيمتها فهو

يحتاج إلى الدليل الاجتهاديّ.

و بالجملة: فاستصحاب بقاء العين و المثل، لا ينتج شيئا إلّا وجوب ردّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 97- السطر 30- 31.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 242

العين و المثل، فإذا تمكّن فهو، و إلّا فلا شي ء عليه.

و لو شكّ في أنّ المدار على أيّ يوم من الأيّام في الضمان إذا تعذّر؟

فعلى القول بانقلاب التالف إلى القيمة و هكذا المتعذّر، فالأقلّ متعيّن، لأنّه القدر المتيقّن.

و أمّا على القول ببقاء العين في الصورة الاولى، و المثل في الثانية في الذمّة، فعليه ردّهما. و إذا لم يكن متمكّنا، فإن كان ردّ القيمة أداء قهريّا، فبالأكثر تفرغ الذمّة، و عليه يتعيّن الاحتياط.

و أمّا لو كان ردّها ليس من الأداء عرفا، فلا بدّ من المراضاة، و عليه يمكن للمالك بيع ما في ذمّة المديون بأكثر من القيم المحتملة، حسب الأيّام المختلفة المذكورة سابقا، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

فرع: في حكم عود العين التالفة بعد أداء المثل

إذا أدّى المثل، ثمّ عادت العين خرقا للعادة، فالمعروف رجوعها في ملك صاحبها، و له دعواها، و للضامن استرداد المثل بردّها.

و قد يشكل: بأنّ المفروض أداء جميع ما هو المشترك مع العين في الرغبات.

و بعبارة أخرى: هو قد أدّى العين، لما مضى أنّ وحدة العين في باب الضمانات، ليست وحدة شخصيّة، بل هي سنخيّة، مع أنّ مالكيّة الهويّة الشخصيّة غير معتبرة عند العقلاء «1»، نعم هي بضميمة الموجبات

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 222- 223.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 243

للرغبات تعتبر تبعا، و عندئذ لا وجه لما اختاره الأكثر، فأداء المثل أداء العين في هذه المواقف، بحكم الوجدان.

نعم، إذا بقي اعتبار إضافة، كحقّ الاختصاص، أو الملكيّة، كما في الشاة المذكّاة، فإنّه حينئذ يعتبر عودها

في ملكه، و يترتّب عليه آثاره المزبورة.

و إذا أدّى القيمة عند تعذّر المثل، ثمّ وجد المثل، بناء على أن يراد من التعذّر ما لا يكشف خلافه بوجدان المثل، فهل يعود الساقط، أو لا يسقط و يكون مراعى، أو لا يعود؟

فيه وجوه:

فإن قلنا بالانقلاب، أو قلنا: بأنّ أداء القيمة وفاء بالمثل بكماله و تمامه فلا وجه للعود، لعدم المقتضي، و لا لعدم السقوط، لتماميّة الاقتضاء من ناحية الأداء.

و إن قلنا: بأنّه وفاء ناقص، و حكم إرفاقيّ، أو قلنا: بأنّه ليس من الوفاء رأسا، فإن كان أداؤها مع رضا المديون الموجب لإبراء ذمّته بها قهرا، فلا يعود، و يسقط قطعا.

و إذا لم يكن منه أثر الإسقاط بارزا و ظاهرا، فأداء القيمة غير موجب لسقوط المباين، و الناقص لا يورث البراءة من الكامل عند أحد من العقلاء، و عند ذلك ربّما يشكل في وجوب أدائها، إلّا على القول ببدل الحيلولة في أداء القيمة أيضا كما لا يخفى، فلا يعتبر المراضاة إلّا في بعض الفروض و المباني.

و الذي هو الحقّ: أنّ أداء القيمة أجنبيّ عن المضمون، فإن حصل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 244

التراضي، فهو و إلّا فقد مرّ: من أنّ الظاهر عدم وجوب ردّها عند التعذّر «1»، و لا يأتي هنا حديث بدل الحيلولة «2»، لما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى «3».

هذا، و ما هو الأحقّ: إنّ الطريقة العقلائيّة على التخيير بين ردّ المثل و القيمة، لما مرّ «4» و سيأتي زيادة توضيح حوله «5»، و نتيجته سقوط هذه المباحث رأسا، كما أشرنا إليه سابقا.

الفرع الرابع عشر: في بيان ما يضمن به في المثليات و القيميات و أنّه قيمة يوم الخطاب
اشارة

قضيّة ما مرّ منّا في باب ضمان المثليّ و القيميّ أمران:

الأوّل: كان دأب الأقوام السابقة و ديدنهم على

ردّ المثل، و إذا تعذّر فيردّ الأقرب إلى التالف في الجهات المرغوب فيها، بل قضيّة ما سلف هو أنّ مع وجود المماثل في جميع الجهات، لا تعدّ العين تالفة في باب الضمانات، لأنّ الوحدة الشخصيّة محفوظة بحفظ جميع تلك الجهات، و هذا هو المقصود من «أصالة المثليّة».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 231.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 109- السطر 12- 13.

(3) يأتي في الصفحة 264.

(4) تقدّم في الصفحة 221- 222.

(5) يأتي في الصفحة 246.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 245

الثاني: بعد ما تعارفت النقود و الأثمان و بلغت منتهاها، صار بناء العقلاء على تدارك الخسارات بها، و يكون الثمن كالمثل، و هذا هو المقصود من «أصالة تخيير الضامن».

نعم، إذا وجد المثل الوافي بجميع ما في العين التالفة- بحيث يعدّ أنّه هي- فيتعيّن ذلك، و أمّا في غير هذه الصورة فلا دليل على تعيّن المثل أو القيمة، كما مضى.

ثمّ إنّ مقتضى المآثير في المقام أيضا ذلك، فإنّ الروايات مختلفة، فمن طائفة منها يظهر التضمين بالقيمة في المثليّات، كما في مآثير تضمين الدار و ما أحرق فيها من متاعها بالقيمة [1]، مع أنّ فيها من المثليّات قطعا، و من طائفة أخرى يظهر عكسها [2]، و قضيّة الجمع هو أنّ المقصود ليس إلّا تدارك المضمون و الخسارة، و لا يحتمل زائدا عليه، فتدبّر.

______________________________

[1] السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام، أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم، فاحترقت، و احترق متاعهم، قال: «يغرم قيمة الدار و ما فيها، ثمّ يقتل».

تهذيب الأحكام 10: 231- 912، وسائل الشيعة 29: 279، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 41، الحديث 1.

[2] صفوان الجمّال، أنّه سمع أبا عبد اللّه

عليه السلام يقول: «من وجد ضالّة فلم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها، أو مثلها من مال الذي كتمها».

الكافي 5: 141- 17، وسائل الشيعة 25: 460، كتاب اللقطة، الباب 14، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 246

و ما قد يقال: من أنّ قضيّة الإطلاقات ضمان القيمة و لو كان التالف مثليّا، و إذا قام الإجماع على المثل في المثليّ، يتعيّن ما ذهب إليه المشهور.

نعم، إذا وجد المثل اتفاقا في القيميّ، فبناء العقلاء على تعيّنه، إذا طلبه المالك، أو أدّاه الضامن، و لا دليل على خلافه، لأنّ القدر المتيقّن من الإجماعات المنقولة غير هذه الصورة.

غير قابل للتصديق، ضرورة أنّ المطلقات منصرفة إلى فرض القيميّات في مورد السؤال و الجواب، بعد دعوى بناء العقلاء على القيمة فيها، و الإجماعات المحكية مستندة إلى ظواهر غير تامّة، أو إلى البناءات العقلائية في عصور كانت الأثمان و النقود غير رائجة، بل كانت في غاية عزّة الوجود و ندرته، و لكنّها بعد ما صارت الآمال دائرة عليها، و لم يكن للشرع الأقدس طريق خاصّ في إفراغ الذمم بعد الضمان، فهي أقوى ما يتدارك به الخسارة مع كونها مباينة للتالف، فلاحظ و تدبّر جدّا.

تعيّن قيمة يوم الخطاب

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- اختلفوا في تعيين القيمة، فنسب إلى الأكثر أنّ المدار على يوم القبض «1».

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 6: 244- السطر 4، تحرير الأحكام 2: 139- السطر 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 247

و إلى الأشهر أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف «1».

و إلى الأكثر يوم التلف «2».

و نسب إلى جماعة من القدماء كالمفيد «3» و القاضي «4» و الحلبي «5» يوم البيع

«6».

و إلى جمع من المتأخّرين يوم الدفع «7».

و من المحتمل أعلى القيم إلى يوم الدفع، و منه أيضا يوم فعليّة التكليف بالتفريغ و الأداء.

و الذي هو التحقيق هو الأخير، ضرورة أنّ قيمة الشي ء ليست من الأوصاف الثابتة له، بل هي بحسب الأزمنة و الأمكنة مختلفة، فلا بدّ من إحدى الموجبات لتعيّنها، و هي هنا الأمر المتعلّق بردّ القيمة من غير تقييد، فإنّه ظاهر في قيمته يوم الخطاب.

و بعبارة أخرى: المدار على يوم تنجّز الأمر و تحتّم الخطاب، فلو كان

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 455- السطر 20.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 113، الروضة البهيّة 2: 229- السطر 22.

(3) المقنعة: 593.

(4) لم نعثر عليه في «جواهر الفقه» و «المهذّب»، لاحظ مختلف الشيعة: 283- السطر 27.

(5) لم نعثر عليه في «الكافي»، لاحظ مختلف الشيعة: 283- السطر 27.

(6) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 111- السطر 24.

(7) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 41، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

104- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 248

العذر حال التلف موجبا لعدم تعلّقه، ثمّ بعد ما ارتفع تنجّز الحكم، فإنّه تجب قيمة ذلك الزمان و اليوم بالضرورة، لأنّها قيمة الشي ء على الإطلاق، و ما أفاده القوم في توجيه مرامهم، غير تامّ لا ينبغي الخوض فيه.

و يمكن أن يقال: إنّ قضيّة عهدة العين حال التلف، ضمان أعلى القيم إلى يوم الأداء، لبقاء شخص العين في الذمة.

و لو قيل: لا معنى لعروض الأوصاف عليها، بخلافها إذا كانت في الخارج.

قلنا: نعم، إلّا أنّ من الأوصاف المضمونة عزّة الوجود المورثة لتزايد القيمة السوقيّة، و هي متصوّرة في العين المعتبرة في الذمّة.

إن قلت: هي في الذمّة مستولية، و قاعدة «على اليد.» توجب ضمان المستولي عليه.

قلت: لا حاجة إلى الاستيلاء بقاء

في ضمان الأوصاف، فلو استولى عليها، ثمّ غصبها الغاصب، و صارت في يده ذات أوصاف قيميّة، فإنّها تكون بها مضمونة، فلو ردّها الغاصب فاقدة لها فعليه ما به التفاوت، للاستيلاء السابق، فما ذهب إليه العلمان من قيمة يوم الأداء «1»، غير تامّ.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 41، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

104- السطر 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 249

استعراض لرواية أبي ولّاد الحنّاط

هذا هو قضيّة القواعد، و يقتضيه بعض المآثير، و يساعده الاعتبار و العرف، و لمّا كان في المسألة معتبر أبي ولّاد الحنّاط المشتملة على فقرات ربّما تومئ إلى خلافها، فلا بدّ من ذكرها مع طولها حتّى يتبيّن مفادها:

ففي «الكافي» عنه قال: اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا، و خرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة، خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فاتبعته و ظفرت به، و فرغت ممّا بيني و بينه، و رجعنا إلى الكوفة، و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب البغل بعذري، و أردت أن أتحلّل منه لما صنعت و أرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصّة و أخبره الرجل.

فقال لي: ما صنعت بالبغل؟

فقلت: قد دفعته إليه سليما.

قال: نعم، بعد خمسة عشر يوما.

قال: فما تريد من الرجل؟

فقال: أريد كراء بغلي، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوما.

فقال: ما أرى لك حقّا، لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة، فخالف و ركبه إلى النيل، و إلى بغداد، فضمن قيمة البغل، و سقط الكراء، فلمّا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 250

ردّ

البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء.

قال: فخرجنا من عنده، و جعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئا و تحلّلت منه، و حججت تلك السنة، فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة.

فقال عليه السلام: «في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها، و تمنع الأرض بركتها».

قال: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فما ترى أنت؟

فقال: «أرى له عليك مثل كراء بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل، و مثل كراء بغل راكبا من النيل إلى بغداد، و مثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إيّاه».

قال فقلت: جعلت فداك، قد علفته بدراهم، فلي عليه علفه؟

فقال: «لا، لأنّك غاصب».

قال فقلت له: أ رأيت لو عطب البغل أو نفق، أ ليس كان يلزمني؟

قال: «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز؟

فقال: «عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه».

فقلت: من يعرف ذلك؟

قال: «أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك».

فقلت: إنّي كنت أعطيته دراهم، و رضي بها و حلّلني.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 251

فقال: «إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته، فلا شي ء عليك بعد ذلك».

قال أبو ولّاد: فلمّا انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتى به أبو عبد اللّه عليه السلام و قلت له: قل ما شئت حتّى أعطيكه.

فقال:

قد حبّبت إليّ جعفر بن محمّد عليه السلام و وقع له في قلبي التفضيل، و أنت في حلّ، و إن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذت منك فعلت «1». انتهى [1].

الفقرات التي يمكن الاستدلال بها و محتملاتها
اشارة

أقول: قد يشكل سندها، لاشتمالها على سوء حال أبي ولّاد، و لكنّه

______________________________

[1] في كتاب الحدود في حدّ الزنا باب 22 ما يفيدك للمسألة فراجع حديث 4 (أ).

أ- عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا بعضهم و جعلوا الجارية عنده فوطئها، قال: يجلد الحدّ، و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها، و تقوّم الجارية و يغرم ثمنها للشركاء، فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أقلّ ممّا اشتريت به فإنّه يلزمه أكثر الثمن، لأنّه أفسدها على شركائه، و إن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أكثر ممّا اشتريت به يلزمه الأكثر لاستفسادها.

وسائل الشيعة 28: 119، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 22، الحديث 4.

______________________________

(1) الكافي 5: 290- 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 252

لا ينافي وثاقته المصرّح بها» [1].

و يتمّ البحث فيها حول بعض فقراتها:

الفقرة الأولى: قوله: «أ ليس كان يلزمني.» إلى آخره.

فتارة: يحتمل أن يراد منه أنّ البغل كان في عهدته إذا تلف، فأجيب بذكر قيمته، لأنّها هي التي يمكن أن تؤدّى، و يكون الظرف وقت الضمان.

و اخرى: أن يراد منه أنّ صاحب البغل يلزمه قيمته بحذف المفعول الثاني، فأجيب بما مرّ.

و ثالثة: أن يراد منه الحكم التكليفيّ، أي «أ ليس كان يجب عليّ أداء قيمته أو بغله» فأجيب بما مرّ، و يكون الظرف زمان تعلّق التكليف المنتزع منه الضمان قهرا.

و رابعة: أن يراد من قوله عليه السلام: «نعم» تصديق اللزوم.

و حينئذ تارة: يكون الظرف متعلّقا بالجملة التصديقيّة.

و اخرى: يتعلّق بالجملة التصوّرية، و هي كلمة «بغل» أو «البغل» على أن يكون مضافا إليه، أو صفة

و حالا.

فعلى الأوّل: لا يلزم قيمة يوم الضمان و المخالفة، و لا اليوم

______________________________

[1] قال شيخ الطائفة في حقّه: حفص بن سالم يكنّى أبا ولّاد الحنّاط ثقة، كوفي مولى جعفي.

الفهرست، الشيخ الطوسي: 62- 235.

قال النجاشي: أبو ولّاد الحنّاط (و قال ابن فضّال: حفص بن يونس) مخزوميّ روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ثقة، لا بأس به.

رجال النجاشي: 135- 347.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 253

الآخر من التلف و الدفع.

و على الثاني: يلزم قيمة يوم الضمان.

و قيل: «على جميع التقادير المفروضة يلزم قيمة يوم المخالفة» «1»:

أمّا على الثاني فواضح.

و أمّا على الأوّل، فلفهم العرف ذلك، فإنّه إذا قال: «يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل» فهو و إن كان ظاهره بحسب الصناعة كون الظرف متعلّقا باللزوم، إلّا أنّه بعد تماميّة الظهور يستفاد منه عرفا قيمته في ذلك اليوم، لأنّ إطلاقها ينصرف إليه.

و خامسة: أن يراد منه تصديق جميع ما في السؤال، أي: «نعم، يلزمك إذا تلف قيمة بغل يوم خالفته» فلو كان «اليوم» من قيود الفعل يلزم التهافت بين ما يفيده مفهوم «التلف» و ما تفيده الجملة بعد التقيّد ب- «اليوم» فإنّه على الأوّل يكون ظاهرا في يوم التلف، لفهم العرف ذلك و على الثاني ينعكس، و يكون ظاهرا في يوم الضمان.

و إذا كان من قيود «البغل» و يكون من قبيل إضافة «الثلج» إلى «الصيف» و «الشتاء» يرتفع التهافت، و يلزم قيمة يوم التلف.

و هكذا إذا قلنا: بأنّه من قيود الفعل، و لكنّه ظرف جعل الضمان، و يوم التلف ظرف إيجاب الأداء، و لكنّه مستبعد جدّا.

و لعلّ أقرب المحتملات هو الأخير، و ذلك لأنّ كلمة «نعم» تصديق

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 153- 16.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 254

لجميع ما في السؤال، بعد معلوميّة أصل الضمان للسائل، على ما يستفاد من تعبيره، و لا معنى لإيجاب القيمة مع وجود العين، فلا بدّ من فرض تلفها بعد ذلك، فيكون هكذا: «يلزمك قيمة بغل يوم خالفته إذا تلف» و عندئذ يتعيّن كونه من قيود البغل و حالاته.

و سادسة: أن يراد من كلمة «نعم» تصديق الضمان، و من الكلمة الثانية دفع توهّم: أنّ المضمون هي العين، و أنّ المدار على يوم التلف، بل المضمون هي القيمة، و المدار على يوم المخالفة، و هذا الاحتمال أيضا غير بعيد.

ثمّ إنّ استقرار الظهور في غاية الإشكال، لاختلاف النسخ في المقام، مع تفاوت الظهورات، ضرورة أنّه على الاحتمال الأوّل يلزم قيمة يوم الأداء، و هكذا على الاحتمال الثالث، و على الاحتمال الثاني تكون الصحيحة ساكتة عن قيمة أيّ يوم، و على سائر الاحتمالات قد مرّ لوازمها، فلا نعيدها.

و حيث قد عرفت: أنّ قضيّة القواعد لزوم قيمة يوم تعلّق التكليف بالقيمة، لا يوم الضمان، و لا سائر الأيّام، و هذه الفقرة مجملة من حيث الحكم، فلا ظهور مصادم لها، فليتدبّر.

الفقرة الثانية: قوله «فإن أصاب البغل كسر.» إلى آخره.

و فيه من الاحتمالات ما يبلغ أكثر من عشرة و عشرين، و الذي هو الأظهر كونها في مقام جعل الحكم التكليفيّ، لا إفراغ الذمّة المشغولة، و لا جعل الحكم الوضعيّ، و لا الأعمّ بإيجاب ردّ القيمة الثابتة بين المعيب و الصحيح، من غير التعرّض ليوم من الأيّام.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 255

إلّا أنّ قضيّة ما سلف منّا «1»، أنّ تعيّن القيمة المبهمة تنجّز التكليف، فإنّه يورث تعيّن قيمة يوم فعليّة الحكم و تنجّزه، فعليه تكون جملة «يوم تردّه» متعلّقة بقوله: «عليك» من

غير لزوم الإشكال العقلي، ضرورة أنّ الضمير يرجع إلى «البغل» و كان المفروض تحقّق يوم ردّ البغل، فليس يوم ردّه قيدا للتكليف المذكور، حتّى يلزم عدم وجوبه إذا عصى و لم يردّ البغل.

و الذي يوجب استقرار ظهورها فيما مرّ، كون الجملة الأخيرة فعليّة، فإنّها تقتضي كون الجملة الابتدائيّة أيضا فعليّة بلا شبهة، فافهم و تدبّر جيّدا.

و لو قيل: على هذا تكون الجملة ظاهرة في يوم التلف، لقوله: «فإن أصاب البغل.» فإنّه إذا أجيب بما مرّ يتعيّن يوم التلف عند الإطلاق.

قلنا: نعم، و لكنّه لا لأجل كونه يوم التلف، بل لأجل فعليّة الخطاب، فلو أتلفه الصغير فإنّه ضامن، و لكنّ القيمة ليست منصرفة إلى القيمة المعيّنة ما دام لم يلتحق به التكليف، لأنّ حال جعل الضمان و اعتبار كون القيمة في العهدة، حال إهمال القيمة من جهة الأيّام الممكنة، بخلاف حال الخطاب و تنجّز الحكم، فإنّه لا بدّ من لحاظ يوم، و هو عند الإطلاق يكون يوم فعليّة الحكم التكليفيّ و تنجّزه، فليتدبّر.

ثمّ إنّ رجوع «اليوم» إلى كلّ واحد من القيود السابقة عليه، يستلزم تضيّق الحكمين: الوضعيّ، و التكليفيّ، و اشتراطه بيوم الردّ، و هو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 247- 248.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 256

ممنوع قطعا. بل يستلزم كون الردّ الموجب لإفراغ الذمّة مورثا لاشتغالها، و هو محال.

و توهّم: أنّه يوم كشف استقرار الضمان، غير تامّ، لأنّه مجرّد فرض لا يساعده الدليل، فعليه يتعيّن كونه ظرف القضيّة السابقة على نعت الحينيّة، لا الشرطيّة و التقييديّة. و يساعده ما عن «الجواهر» من انحذاف كلمة «يوم» في بعض النسخ الموجودة عنده «1».

الفقرة الثالثة: قوله «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا، فيلزمك».

و هو ظاهر في أنّ أخذ العين يورث الضمان، إذا انقلبت اليد

الأمانيّة إلى الخيانيّة، فالتعقّب المذكور شرط كونها موجبة للضمان من الأوّل، و تكون العين يوم الاكتراء بقيمتها في العهدة. فما أفاده القوم:

«من ظهوره في يوم الضمان و المخالفة» غير قابل للتصديق، فيلزم التهافت بين مفاد الجمل.

هذا، و لكنّ الإنصاف شاهد على أنّ ذكر يوم الاكتراء، ليس إلّا لأجل إمكان الاطلاع فيه على القيمة، و لا يختلف قيمة البغل في العصور السابقة في هذه المدّة القليلة، و هي خمسة عشر يوما، فهذه الجملة لا تدلّ على شي ء في المسألة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 102.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 257

سكوت الروايات الأخرى عن تعيين قيمة أيّ يوم من الأيّام

ثمّ إنّ في المقام روايات أخر متفرّقة في الأبواب المختلفة [1]، و لا دلالة لها على خلاف ما أردناه، و قضيّة القواعد ليست إلّا ضمان المثل و القيمة، مع إهمالها من جهة قيمة أيّ يوم من الأيّام، ضرورة أنّ جعل الضمان لا يستلزم لحاظ الحكم التكليفيّ، و لا كون المتكلّم في مقام البيان من تلك الجهة، فقوله مثلا: «من أتلف مال الغير فهو ضامن» لا يدلّ إلّا على أصل الاشتغال و هكذا الغاية في قاعدة «على اليد.» ليست في مقام إفادة وجوب التأدية، فالأدلّة اللفظيّة ساكتة عن قيمة اليوم الخاصّ، أو مجملة، فافهم و تأمّل جيّدا.

______________________________

[1] أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقّه على الراهن فأخذه، و إن استهلكه ترادّا الفضل بينهما.

محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدّى الفضل إلى صاحب الرهن، و إن كان الرهن أقلّ من ماله فهلك الرهن

أدّى إلى صاحبه فضل ماله، و إن كان الرهن يسوّى ما رهنه فليس عليه شي ء.

سدير، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يأتي البهيمة، قال: يجلد دون الحدّ و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه، و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحدّ.

وسائل الشيعة 18: 386، كتاب الرهن، الباب 5، الحديث 2، و 392، الباب 7، الحديث 4، و 28: 358، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 258

تنبيهات
الأوّل: حول جعل معتبرة أبي ولّاد اليمين على المدّعي

ظاهر معتبرة أبي ولّاد، أنّ اليمين على المدّعي، ضرورة أنّ قضيّة اختلاف المالك و الغاصب في القيمة، اتفاقهما في بعضها، و اختلافهما في الزيادة، فيكون المالك مدّعيا إيّاها، و عليه البيّنة، لا الحلف، حسب النصّ و الفتوى.

و يمكن قلب الدعوى، بأن كانا متّفقين في القيمة إلى يوم التلف، و مختلفين في تنزّلها يوم التلف، فيصير المالك منكرا للنزول، و عندئذ يشكل الأمر الآخر: و هو كون البيّنة عليه، كما هو ظاهرها أيضا، و هو خلاف القواعد أيضا، فيلزم ارتكاب أحد الخلافين.

و حمل القضيّة الثانية على الصورة الأخرى، خلاف الظاهر جدّا، و هي ما لو اتفقا على عدم تفاوت قيمته السابقة إلى يوم التلف، و اختلفا فيها من حيث الزيادة و النقصان، فيكون المالك مدّعيا إيّاها، و الغاصب منكرا.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 258

أقول: الظاهر أنّ قوله: «قلت: فإن أصاب البغل.» إلى

آخره، أجنبيّ عن المسائل السابقة، و لا ربط له بها جدّا، و إرجاع بعض الضمائر في ذيلها إلى تلك الواقعة ممنوع، لأنّ البحث هناك حول التلف، و خسارة المنافع المستوفاة، و هنا حول النقصان و العيب الوارد، من غير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 259

النظر إلى مسألة قيمة يوم المخالفة و التلف، حتّى يقال: بأنّ ذيلها يورث ظهور الصدر في أنّ المدار على يوم التلف، كما أشير إليه و عرفت.

فما اشتهر من إرجاع قوله: «فمن يعرف ذلك؟» إلى قيمة البغل، أو إرجاعها إلى قيمة ما بين الصحيح و الفاسد، كما عن المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- «1» غير تامّ، لأنّ المشار إليه بتلك اللفظة بعيد و مذكّر، لا قريب و مؤنّث، و لا بعيد و مؤنث، و هو الكراء الذي هو مورد النظر في الواقعة، دون تلف العين و عيبها، من الكسر و غيره. و المساهلة في مرجع الضمائر صحيحة، إلّا أنّ القرينة المشار إليها ناهضة على ما ذكرناه.

و المراد من «القيمة» في ذيلها قيمة المنفعة.

و ما اختاره الوالد- مدّ ظلّه- و إن استلزم كون المالك منكرا، إلّا أنّ ظهور الذيل في اتحاد القضيّتين غير محفوظ، و هو الكراء.

و أمّا بناء على ما احتملناه فعلى المالك الحلف، لاتفاقهما و اطلاعهما على القيمة و الكراء إلى قصر أبي هبيرة، و إذا كانت هي معلومة إلى هناك، فيعلم ادعاء الغاصب خلاف ما هو المعلوم بالنسبة، و في هذا الوجه يحفظ الظهورات، و يطرح ظهور القضيّة في الوحدة، أو يؤخذ به، و يحمل على التخصيص في عمومات ما ورد: من أنّ «البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر» [1].

______________________________

[2] عن أبي عبد اللّه عليه السلام-

في حديث فدك- إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: أ تحكم

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 417.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 260

و من الممكن دعوى: أنّ هذه القضيّة ليست في مقام المراجعة إلى الحاكم، و لذلك وقعت هكذا. و يشهد له قوله عليه السلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود.» مع أنّه لا معنى له، لكفاية الشاهدين فالمقصود هو الأمور المتعارفة بين الناس، من الحلف، و المراجعة إلى الموثوقين في هذه الأمور، فتأمّل.

الثاني: في نقصان إحدى صفات المضمون الحقيقيّة أو الانتزاعيّة أو الاعتباريّة

لو نقص المقبوض فاسدا في إحدى صفاته الوجوديّة الحقيقيّة، أو الانتزاعيّة، أو الاعتباريّة، فهل يجب تداركها مطلقا «1»؟

______________________________

فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شي ء يملكونه، ادّعيت أنا فيه، من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شي ء فادّعى فيه المسلمون، تسألني البيّنة على ما في يدي؟ و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بعده، و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم- إلى أن قال-:

و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: البيّنة على من ادّعى، و اليمين على من أنكر.

تفسير القمّي 2: 156، وسائل الشيعة 27: 293، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 25، الحديث 3.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 110- السطر 25، تذكرة الفقهاء 2: 387- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 261

أو لا يجب، إذا عادت تلك الصفة حين ردّ العين «1»؟

أو يقال بالتفصيل بين الوصف القابل للزيادة، كالسمن، و ما

لم يكن كذلك، كوصف الصحّة، فلو زال السمن و رجع ضمن، بخلاف ما إذا عادت الصحّة «2»؟

و قيل بالتفصيل بين ما يعدّ عند العرف من إعادة المعدوم، و بين ما هو الوصف الحادث «3».

فيه وجوه و أقوال:

فعن «التذكرة» ضمانه مطلقا، و هو الأوفق بالقواعد، لأنّه إذا تلف الوصف و ما يبذل بإزائه المال عند العقلاء، يكون مضمونا. و هذا هو مقتضى «على اليد.» الدالّة على ضمان الأوصاف مع بقاء العين إلى الردّ، كما هو المختار في مفادها. و لو كان التلف غير سماويّ يشمله دليل الإتلاف و القواعد العرفيّة أيضا بلا شبهة. هذا بحسب الكبرى الشرعيّة.

نعم، ربّما تقع الشبهة في بعض الصغريات في المسألة، كعود وصف الصحّة، فإنّه عند العرف يعدّ من عود التالف، لا حدوث الوصف الآخر حتّى يكون مضمونا.

و من هذا القبيل عود كلّ وصف مشابه للزائل في الماهيّة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 102- السطر 27.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 103- السطر 18.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 416.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 262

و القيمة، لأنّها هي في الاعتبار عند العرف و العقلاء، و قد عرفت تفصيل ذلك مرارا في الكتاب حتّى في العين التالفة، فإنّه ما دام يوجد لها الماثل الكلّي ليست تالفة عند العرف.

و إن شئت قلت: لا مالكيّة للمالك بالنسبة إلى الأوصاف المماثلة في الرغبات، و المتّحدة في الماهيّات، حتّى يكون بياض العين مضمونا بالتلف فإذا صارت بيضاء فردّها إليه، يكون عليه ضمانه زائدا على ما وقع تحت يده.

و بالجملة: فضمانه قبل عوده بلا شبهة، و بعد العود أيضا كذلك، إلّا في بعض المواقف المشار إليها.

و لكنّه مع ذلك كلّه يتقوّى الضمان، ضرورة

أنّه لو عاد الوصف بعد الردّ إلى المالك، يكون ضمانه باقيا و لو كانت الصفة من الأوصاف المذكورة، و قصور مالكيّة المالك لو كان تامّا، يلزم ذلك في الأوصاف المتضادّة أيضا غير المجتمعة في الوجود، فإنّه لا يصحّ أن يقال بعدم ضمان وصف البياض، إذا زال و طرأ وصف السواد المتّفقين في القيمة، مع أنّ المالك لا يعقل مالكيّته لهما معا، فعليه يتعيّن- على حسب ما يتراءى- ضمان جميع ما حدث في العين، سواء عاد، أم لم يعد.

ثمّ إنّ هذا مقتضى قواعد الشكّ، لأنّ الشكّ في سقوط الضمان بعد ثبوته.

نعم، إذا حدث العيب، فزاد ثمّ عاد، فلا يجب إلّا قيمة يوم الحدوث، لا يوم الزيادة، لأصالة البراءة عن الزائد.

و توهّم: أنّ المضمون عنوان «القيمة» و هو لا يسقط إلّا بالأكثر،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 263

مدفوع لما بينهما من السببيّة، كما لا يخفى.

الثالث: في ضمان القيمة السوقيّة

الأوصاف كلّها مضمونة إذا كانت مقوّمة عند العرف، سواء كانت حقيقيّة، أو انتزاعيّة، أو اعتباريّة، كعزّة الوجود و كثرته. و الاختلافات السوقيّة إن رجعت إلى الصفة الاعتباريّة في العين، تكون مضمونة، و إذا كانت لتفاوت نفس السوق- بأن يكون بناء أهل سوق على الإجحاف في القيمة، و بناء الآخرين على الإنصاف فيها، مع اتّحاد الأعيان من جميع الجهات- فإنّه حينئذ ليس الزائد مضمونا.

بل قد يتّفق في بلد واحد ذلك الاختلاف المذكور، فكما أنّ الأزمنة دخيلة في اختلاف القيم، كذلك الأمكنة.

و لكنّ المدار على مكان تعيّن القيمة، فلو تلفت العين في مكان، و كانت القيمة مضمونة، فإن أوجب الشرع ردّها بعد الضمان، تعيّن قيمة محلّ التلف، و إلّا فيتعيّن قيمة محلّ تعيّن التكليف و قد عرفت وجهه في الزمان.

و لو اتّفق

مكان التكليف و التلف، و اختلفت أسواقه في تعيين القيمة- مثلا اشترى المالك ماله من السوق الذي فيه قيمته خمسون، لأنّ الاشتراء منه له العنوان الخاصّ الراغبة فيه ضعاف العقول، و هو في السوق الآخر عشرون- فإنّه لا يبعد ضمان ذلك الوصف أيضا، و للضامن إعطاء المثل مع رعاية الوصف المذكور.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 264

هذا، و لكنّ المسألة بعد لا تخلو من نوع غموض.

الرابع: في بدل الحيلولة
اشارة

إذا لم يتيسّر ردّ العين إلى مالكها، إمّا لوجودها في يد قاهرة، أو لأمر آخر، فمقتضى الاتفاق عدم وجوب المثل و القيمة، لظهور أدلّتهما في التلف، و يلحق به التلف العرفيّ.

و أمّا إذا كانت العين موجودة مرجوّة العود إلى الضامن، فهي- حسب تلك الأدلّة- ليست مضمونة بالمثل و القيمة، فيصبر صاحبها إلى أن يتيسّر له ردّها، و ذلك لفهم العرف من المآثير الآمرة به في الدين [1]، فإنّ النظرة إلى ميسرة لا تختصّ بموردها.

فما قد يقال: من لزوم بدل الحيلولة، ظنّا أنّ الأدلّة العامّة، و إطلاق الفتاوى في مسألة اللوح المغصوب في السفينة، و مناسبات الحكم و الموضوع، تقضي بذلك «2»، غير قابل للتصديق، ضرورة أنّ قاعدة السلطنة

______________________________

[1] كما في رواية حنان بن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يبعث يوم القيامة قوم تحت ظلّ العرش وجوههم من نور و رياشهم من نور جلوس على كراسي من نور- إلى أن قال-:

فينادي مناد هؤلاء قوم كانوا ييسّرون على المؤمنين، و ينظرون المعسر حتّى ييسر.

و رواية معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من أراد أن يظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا

ظلّ إلّا ظلّه فلينظر معسرا أو ليدع له من حقّه.

راجع وسائل الشيعة 18: 366- 368، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 25، الحديث 1- 9.

______________________________

(2) المبسوط 3: 86، الخلاف 3: 409، ذيل المسألة 22، تذكرة الفقهاء 2: 396- السطر 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 265

أجنبيّة عن إيجاب التدارك و إثبات الضمان، و للضامن التمسّك بها لمنع تسليط المالك على البدل.

و أمّا قاعدة اليد، فهي- على ما تقرّر عندنا «1»- ظاهرة في لزوم تدارك الخسارة المتوجّهة إلى المأخوذ، و لزوم رفع الموانع عن وصولها إلى صاحبها، و لزوم إرجاعها إليه لو انتقلت إلى البلاد النائية، و تكون الخسارة على المستولي، و أمّا إعطاء شي ء عوضا و بدلا جبرانا للخسارة، فهو غير مستفاد منها، كما لا يخفى.

و إن شئت قلت: يجب تدارك الخسارة المتوجّهة إلى المالك من قبل العين بحصول نقصان فيها وصفا، لا الخسارة المتوجّهة إليه بعدم كونها في يده، و عدم تسلّطه عليها، و بالحيلولة بينه و بينها.

و أمّا قاعدة الإتلاف، فهي لا تدلّ إلّا بالوجه الآتي في بيان اقتضاء المناسبات ضمان البدل.

و أمّا قاعدة «لا ضرر.» فهي عندنا عامّة نافية و ناهية مشرّعة، توجب جبران الخسارة، و تثبت الضمان «2»، فهي لا تنفع في المقام، لأنّه لا ضرر من قبل الضامن.

نعم، يثبت بها وجوب الخسارة في الغاصب.

و تقريب الاستدلال: بأنّ الصبر إلى حين الوصول ضرر على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 186 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 202 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 266

المالك «1»، مزاحم بأنّ إلزام البدل ضرر على القابض، فما هو المنفيّ ليس الضرر غير المستند إلى أحد، حتّى يجب تداركه من

أموال الآخرين، أو من بيت المال، فما أفاده السيّد رحمه اللّه غير وجيه جدّا.

و أمّا اقتضاء المناسبات ضمان البدل، بدعوى أنّ ضمان اليد و التلف، لا خصوصيّة لهما إلّا لأجل حصول الحيلولة بين المال و ربّه، و في الحقيقة ما هو السبب الوحيد للضمان هي الحيلولة، و هذا بلا فرق بين المطلقة و الموقّتة، و بين المعلومة و المشكوكة و المظنونة، فنفسها توجب الضمان، فلا بدّ من التدارك، إلّا إذا كانت مدّتها قصيرة جدّا «2».

فهو أيضا غير كاف، ضرورة أنّ ضمان اليد ليس عقلائيّا في مورده، فضلا عن الفروض الآخر، فالتعدّي غير جائز، و لا تكون الحيلولة المطلقة سببا للضمان، للزوم خروج الكثير من تحتها، كما لا يخفى.

و تماميّة المدّعى في الغصب، بفهم بناء العقلاء على إعطاء البدل في الجملة، لا تفي بما هو المقصود بالأصالة في المقام، فلا تغفل، و تدبّر تدبّرا تامّا.

بل التزام العرف بتسليم البدل ممنوع، و غاية ما يلتزمون به تدارك الخسارة بردّ الأرش، أي قيمة ما بين العين الموجودة في يد المالك، و ما ليست كذلك، أو بردّ الأجرة، أو بردّ ما كان ينتفع المالك به في أيّام

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 106- السطر 31.

(2) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 1: 437.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 267

الحيلولة بانجبار خسارته الشخصيّة. و لو سلّمنا تسليم البدل، فهو أحد أفراد الواجب التخييريّ، و لا وجه لتعيّنه.

و توهّم: أنّ قضيّة الجمع بين الحقّين تعيّن البدل «1»، غير تامّ، لاستلزامه أوّلا: وقوع الغاصب أحيانا في الخسارة الزائدة، و لا دليل على جوازها، و ما اشتهر: «أنّه يؤخذ بأشقّ الحال» «2» لا دليل عليه [1]، كما صرّح به الشيخ

قدّس سرّه «3».

و ثانيا: إذا كان ملتزما بتدارك جميع ما يدّعيه المالك، فلا حقّ له حتّى يلزم جمعه.

ثمّ إنّ تفصيل هذه المسألة- لاختصاصها بالغصب- في كتابه. فما اشتهر من التزام جماعة ببدل الحيلولة في المقبوض بالعقد الفاسد، غير تامّ.

لزوم بدل الحيلولة بناء على ضمان العين

نعم، بناء على كون العين مضمونة في العقد الفاسد، و لزوم تدارك

______________________________

[1] و يحتمل كونه مصطادا من معتبرة أبي ولّاد، فإنّه عليه السلام قال في مقام التشديد: «لأنّك غاصب» (أ) فتدبّر [منه قدّس سرّه].

أ- تقدّم في الصفحة 249- 251.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 207- السطر 41، جواهر الكلام 37: 77، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 111- السطر الأخير، و 112- السطر 1.

(2) انظر جامع المقاصد 6: 256، جواهر الكلام 37: 104.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 268

خسارتها بالمثل و القيمة، فهو واجب أيضا فيما كان الضامن عاجزا عن ردّها عقلا و عرفا، بل و شرعا، بأن كان ردّه ضررا عليه، أو حرجا، أو مستلزما لارتكاب المحرّم الأهمّ، و ذلك لعدم تقوّم لزوم التدارك بالتلف بعنوانه، لعدم أخذه بمفهومه في مفاد قاعدة اليد التي هي الدليل الوحيد في المقام، فمن أخذ و استولى على مال الغير، عليه ذلك بشخصه، أو بمثله و قيمته عند ما لا يتمكّن من أدائه و لو شرعا. و حكم العقلاء في هذه المواقف، جبران الخسارة بردّ المثل أو القيمة بالوجه الذي مضى تفصيله «1».

و لو أشكل في مفاد القاعدة بوجه تقرّر، فقضيّة قاعدة الإقدام- على ما عرفت تقريبها «2»- لزوم ردّ القيمة أو المثل إذا لم يتمكّن من أداء المضمون، فلا خصوصيّة للتلف، بل المدار على أمر آخر أوسع منه قطعا.

حول خروج العين التالفة عرفا عن ملك صاحبها و تملّكه الغرامة

ثمّ إنّه لا إشكال في خروج العين المقبوضة عن ملكه بالتلف الحقيقيّ، فهل هي خارجة عنه في التلف العرفيّ؟ بعد عدم الإشكال في عدم خروجها في الصورة الثالثة: و هي ما لم يتمكّن الضامن من الردّ لعذر شرعيّ.

فيه وجهان: من أنّها كالتالفة، و من

أنّه لا دليل على أنّها مثلها في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 220 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 197- 198.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 269

جميع الجهات، فلا وجه لخروجها عنه. و قضيّة الاستصحاب بقاؤها.

و توهّم: أنّ ثبوت حقّ مطالبته المثل و القيمة، موقوف على خروجه و إعراضه، غير مبرهن، بل العرف مساعد على الأمرين. و لو سلّمنا عدم مساعدته على الأوّل فمقتضى الأصل بقاؤها.

فعلى هذا، فهل يتملّك الغرامة مع مالكيّته للعين؟

أو يستباح له التصرّف في الغرامة بجميع التصرّفات، حتّى الموقوفة على الملك؟

أو تكون ملكيّتها موقّتة منجّزة؟

أو معلّقة أو متزلزلة، و يكفي في صحّة التصرّفات الناقلة الملكيّة المعلّقة و المتزلزلة، كما تكفي الإباحة المطلقة، على ما مضى منّا تحقيقه «1»، بل هو المشهور كما في المعاطاة؟

أو هو بالخيار بين الإعراض عن ماله، و تملّكه الغرامة المثل و القيمة؟

أو نفس تملّكها يستلزم خروج العين عن ماله قهرا، قضاء لحقّ امتناع الجمع بين العوض و المعوّض؟

أو يفصّل بين ما إذا أدّى المثل، و بين ما أدّى القيمة، فإنّه في الثاني ما يؤدّيه قيمته، فلا بدّ أن تخرج العين عن ملكه، و تدخل في ملك الضامن، بخلافه في الأوّل، فإنّ أداء المثل لا يستلزم ذلك؟

و بعبارة أخرى: يمكن استيفاء المنافع من المثل، فأداؤه لا يستلزم

______________________________

(1) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 117 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 270

زوال الملكيّة من الطرفين، بخلاف القيمة، فإنّها غير قابلة للاستيفاء إلّا بالتصرّف الناقل نوعا، فهي ملازمة للزوال من الجانبين؟

أو يقال بالتفصيل بين الصورة الثانية و الثالثة، ففي التلف الحقيقيّ فهي خارجة، و يتملّك المالك الغرامة، دون الثالثة، فإنّ العين في ملك صاحبها قطعا، و

على الضامن أداء القيمة و المثل على نعت التمليك، أو ما يقوم مقامه، حتّى يتمكن المالك من أيّ تصرّف شاء في ذلك؟

فيه وجوه.

و الذي يظهر لنا: أنّه إذا أدّى المثل و القيمة حسب نظر العرف، أو قاعدة اليد و الإقدام على ما عرفت، فهي خارجة عن ملكه، لأنّ لازمه العرفيّ ذلك بلا إشكال و شبهة.

و من هنا يظهر الفرق بين قول الأعلام ببدل الحيلولة، و بين قولنا بالقيمة و المثل إذا كانت العين موجودة ممنوعة الردّ بالشرع أو العرف و العقل. مع أنّه لا دليل لهم على ما يدّعون، و قضيّة العمومات ثبوت المثل و القيمة في الصور الثلاث.

و دعوى: أنّ بدل الحيلولة ليس إلّا المثل و القيمة، ممنوعة، لأنّ من الممكن إيجاب المثليّ في القيميّات بعنوان البدل، و القيميّ في المثليّات، فإنّه لو غصب مثلا حمارا، و كان المغصوب عند الأسد، و لا يتمكّن الغاصب من ردّه، أو يتمكّن، و لكنّه ممنوع شرعا، لاحتمال الخطر، فإنّه يجب بعنوان بدل الحيلولة تسليم الحمار أو البغل في أيّام العذر، و هذا غير المثل و القيمة المقصودين في الصورة الاولى و الثانية

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 271

بالضرورة.

فبالجملة: جواز تعدّي المضمون له بقبول المثل و القيمة، موقوف على انصرافه عن حقّه المتعلّق بالعين المضمونة.

حكم صبر صاحب العين إلى أن يرتفع العذر

نعم، إذا كان يصبر إلى أن يرتفع العذر، فهل له على الضامن شي ء، أم لا؟ فيه وجهان، و قد قرّرنا في مسألة المنافع غير المستوفاة تقريب قاعدة اليد «1»، إلّا أنّ الأقوى عدم ثبوت شي ء له عليه، و الخسارة مستندة إلى اختياره، كما في خيار العيب، و لا دليل في هذا المقام على جبران مثلها، كما هو الظاهر.

ثمّ إنّ قضيّة

ما سلكناه في هذا المضمار، سقوط الفروع المتفرّعة على مذهب القوم من القول ببدل الحيلولة، مع أنّها كلّها في كتاب الغصب، و ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من اشتراك المسألتين في الضمان «2»، و أنّ الجهة المبحوث عنها هناك العين بما هي مضمونة، لا مغصوبة، و هي مشتركة، غير واف، لاختلاف نظر الشرع- فضلا عن العرف- بين الغاصب و الضامن. و يشهد له قوله عليه السلام في الصحيحة السابقة: «لأنّك غاصب» «3» فلا تغفل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 218.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 4.

(3) تقدّم في الصفحة 249- 251.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 273

المقصد الثاني في شروط المتعاقدين

اشارة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 275

الشرط الأوّل: البلوغ

اشارة

على المشهور، بل المحكيّ عليه الإجماعات الكثيرة «1»، و في «الجواهر»: «بل ربّما كان كالضروريّ» «2» انتهى.

و الخلاف في حدّ البلوغ، لا يعدّ من المخالفة في هذه المسألة، و تفصيله في كتاب الحجر، فلا يكون ابن الجنيد رحمه اللّه من المنكرين لاشتراط البلوغ «3».

نعم، من عباراتهم يظهر وجود المخالف في المقام، و ربّما نسب إلى الأردبيليّ قدّس سرّه «4» و حيث تكون المسألة ذات رواية، فلا تنفع هذه الاتفاقات، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 523- السطر 33، تذكرة الفقهاء 2: 73- السطر 25.

(2) جواهر الكلام 22: 261.

(3) لاحظ مختلف الشيعة: 423- السطر 14، جواهر الكلام 26: 16.

(4) جواهر الكلام 22: 261، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 28، مجمع الفائدة و البرهان 8: 151- 153.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 276

حول دلالة آية ابتلاء اليتامى على شرطيّة البلوغ

ثمّ إنّ قضية العمومات، عدم شرطيّة شي ء غير ما هو الدخيل في وجود الموضوع، و البلوغ ليس منه قطعا.

و ما هو الدليل على التقييد و التخصيص- مضافا إلى ما مضى- الآية الشريفة في سورة النساء وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1».

فإنّها ظاهرة في شرطيّة البلوغ و زيادة، و هو الرشد، سواء قلنا: بأنّ كلمة حَتَّى ابتدائيّة، أو للغاية.

و التحقيق: أنّها أجنبيّة عن المسألة، لأنّ البحث هنا حول عقد الصبيّ، سواء كان يتيما، أو لم يكن، و الآية ناظرة إلى حفظ أموال اليتامى عن الضياع، و حفظ اليتامى عن الوقوع في المهالك، لأنّهم إذا كانوا غير رشيدين، و لا بالغين حدّ الرجال، تكون أموالهم مطمع أنظار السارقين و الخائنين، فلا بدّ من بلوغهم إلى حدّ يمكنهم الدفاع عن أنفسهم و أموالهم، كسائر الناس،

فلا يجوز تسليم مالهم إليهم و تسليطهم عليه، و ليست ناظرة إلى تصرّفاته و عقوده و إيقاعاته.

و لعلّ المقصود من «بلوغ النكاح» ليس ما فهمه الجمهور، بل المقصود هو بلوغ الزواج، و هو في السنّ الأكثر من البلوغ الشرعيّ.

و يشهد له قوله تعالى في ذيلها:

______________________________

(1) النساء (4): 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 277

وَ لٰا تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً أَنْ يَكْبَرُوا «1».

فإنّه لا يطلق «الكبير» على البالغ تسعا و خمسة عشر. و يؤيّده أنّه إذا تزوّجت أو تزوّج، فكأنّه يخرج من اليتم، و يتقوّى بالمصاهرة، فلا تخونه يد الخونة.

هذا مع أنّ من المحتمل قويّا، كون الغاية داخلة في المغيّا، و بذلك يدفع توهّم جواز دفع المال إلى البالغ غير الرشيد «2»، و توهّم كون البلوغ قيدا و جزء «3»، فإنّ العقلاء لا يرون الدخيل إلّا الرشد، فهذا سبب لظهور الآية فيما ذكرناه، فلا ينبغي الغفلة عن مناسبات الحكم و الموضوع في المقام جدّا.

و الذي يؤيّد ذلك: أنّ جواب الأمر قوله تعالى فَإِنْ آنَسْتُمْ فتكون جملة حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا من تتمّة الجملة الاولى.

و لو سلّمنا ظهور الغاية في خروجها عن المغيّا كما لا يبعد، فلا نسلّم كونه دليلا على أنّه جزء الموضوع، بل الظاهر- لأجل ما ذكرناه- كونه أحد الموضوعين، أو كونه ملازما للرشد نوعا، فيكون الرشد تمام الموضوع أيضا، إلّا أنّه قبل البلوغ لا بدّ من الاختبار، و بعده لا حاجة إليه، لقيام الأمارة النوعيّة عليه، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

و ممّا يشهد على أنّ الآية أجنبيّة عن بحث معاملة الصبيّ و اليتيم،

______________________________

(1) النساء (4): 6.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 5.

(3) لاحظ منية الطالب 1: 169- السطر 23- 24، البيع، الإمام الخميني

قدّس سرّه 2: 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 278

أنّ الظاهر منها كون إيناس الرشد تمام الموضوع لجواز الدفع، مع أنّ ما هو الشرط في صحّة المعاملة نفس الرشد، و الالتزام بأنّه جزء الموضوع، يستلزم ضمان من عنده مال اليتيم، مع أنّه محسن، و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1».

و لعمري، إنّ الأمر بالابتلاء ليس إلّا لاستئناس الرشد، لا البلوغ، و لا هما معا، و المقصود من «الإيناس» ليس إلّا أن يكون اليتيم غير مضيّع أمواله مع أصدقائه في مصارف غير صحيحة، فهي أجنبيّة عن المسألة، خصوصا بعد ملاحظة أنّ أموال اليتامى، ليست موضوعة للتجارة إلّا ندرة، و دعوى أن المفروض في الآية ذلك، غير مسموعة.

التمسّك ببعض الروايات الدالّة على إرادة الرشد من الآية السابقة

ثمّ إنّ في الروايات ما يورث تعيّن احتمال السابق، و هي صحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها.

قال: «إذا علمت أنّها لا تفسد و لا تضيع».

فسألته: إن كانت قد زوّجت؟

فقال: «إذا زوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها» «2».

______________________________

(1) التوبة (9): 91.

(2) الفقيه 4: 164- 572، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 279

فإنّها ظاهرة في أنّ «بلوغ النكاح» هو الزواج، لا الاحتلام.

و فيها ما يشهد على أنّ المقصود، تسليم أمواله إليه بعد استئناس الرشد، و التحفّظ على ماله من الضياع، و هي الرواية المشار إليها أيضا، و ما رواه هشام عنه عليه السلام قال: «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، و هو أشده، و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده، و كان سفيها أو ضعيفا، فليمسك عنه وليّه ماله» «1».

فإنّها إ فيما سلكناه حول الآية الكريمة.

فبالجملة: لو

كانت الآية مرتبطة بهذه المسألة، فهي تدلّ على أنّ الرشد تمام الموضوع، و لو كانت دلالتها خفيّة على بعض، فهي صارت جليّة بعد مراعاة ما ورد حولها، فتكون موافقة للعمومات و الأصول.

إن قلت: قضيّة الرواية الأخيرة أنّ الاحتلام جزء الموضوع «2».

قلت: و قضيّة الجمع بينها و بين قوله عليه السلام: «إذا علمت أنّها لا تفسد و لا تضيع» حمله على المفروض فيها عدم رشده قبل الاحتلام، كما هو كذلك نوعا.

هذا، و الذي هو المقصود من الإطالة، نفي دلالتها على مذهب المشهور، أو إثبات إجمالها و أجنبيّتها عن أصل المسألة، و أمّا رأيهم فلعلّه يدلّ عليه المآثير الأخر الآتية إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) الكافي 7: 68- 2، وسائل الشيعة 18: 409، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 1.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 280

المآثير التي يمكن الاستدلال بها على اشتراط البلوغ

و ممّا يمكن أن يستدلّ به على التقييد و التخصيص، روايات متفرّقة في الكتب المختلفة، و هي على طوائف:

بعضها ظاهر في أنّ الرشد تمام الموضوع.

و بعضها ظاهر في أنّه أحد الموضوعين.

و بعضها ظاهر و هو الأكثر، في أنّه جزء الموضوع، و البلوغ جزؤه الآخر.

و استفادة كون البلوغ مجوّز دفع المال عند الشكّ، أيضا ممكنة من بعضها، و لكنّ المنصف المتدبّر فيها لا يجد منها إلّا أنّ كفاية الرشد ممنوعة، بل لا بدّ من حصول قوّتين: قوّة في بدنه، فيصير من الرجال، و قوّة في نفسه، بأن يكون رشيدا، فلا بدّ من بلوغه أشدّه، و بلوغه رشده.

و ممّا يشهد على أنّ الجمع بين هذه الطوائف متعيّن، بحمل المطلق منها على المقيّد، و لا يمكن حمل المقيّد على صورة عدم الرشد قبل البلوغ، فيكون الرشد قبل

البلوغ مجوّز الدفع و مصحّح المعاوضات: ما رواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير، عن مثنّى بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن يتيم قد قرأ القرآن، و ليس بعقله بأس، و له مال على يد رجل فأراد الذي عنده المال أن يعمل به مضاربة، فأذن له الغلام.

فقال: «لا يصلح له أن يعمل به حتّى يحتلم، و يدفع إليه ماله».

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 281

قال: «و إن احتلم و لم يكن له عقل، لم يدفع إليه شي ء أبدا» «1».

نعم، التجاوز عن هذه المآثير إلى مطلق الصبيّ ممنوع، لخصوصيّة في اليتامى، كما لا يخفى، فهي تقصر عمّا هو المقصود.

و أمّا المآثير الواردة في الجارية و الغلام، فهي تمنع عن جواز بيعهم و شرائهم و صدقتهم و غيرها [2]، بإلغاء الخصوصيّة، إلّا أنّها منصرفة

______________________________

[2] منها ما رواه الصدوق قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها و جاز أمرها في مالها و أقيمت الحدود التامّة لها و عليها».

الفقيه 4: 164- 574، وسائل الشيعة 19: 367، كتاب الوصايا، الباب 45، الحديث 4.

و منها رواية حمران، عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و أقيمت عليها الحدود التامّة و أخذت لها و بها»، قال: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل

ذلك».

الكافي 7: 197- 1، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 1.

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا يدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين».

الكافي 7: 68- 5، وسائل الشيعة 18: 411، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 2.

و رواية أصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قضى أن يحجر على الغلام

______________________________

(1) الفقيه 4: 164- 570، وسائل الشيعة 19: 367، كتاب الوصايا، الباب 45، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 282

عن الرشيد، لأنّ المتعارف عدم رشدهم قبل ذلك، بل ظاهر اللغة أنّ الانس بالرشد يورث انقطاع اليتم، فيكون الصبيّ و الجارية خارجين موضوعا عن الأدلّة إذا كانوا رشيدين، فكأنّ هذه الصورة ليست في المآثير و الأخبار، و قضيّة الكتاب و السنّة نفوذ تجارتهم فيها.

هذا كلّه لو لا الضرورة المدّعاة في المسألة «1»، و الإجماعات المحكيّة عليها «2».

إذا عرفت ذلك، فالبحث يتمّ هنا في ضمن فروع:

فروع
الفرع الأوّل: حول معاملات الصبيّ بإذن وليّه

بناء على ممنوعيّة الصغير عن الاستقلال في أموره الماليّة، فهل هو ممنوع في ماله و لو بإذن الوليّ، أم لا؟

أو فيه تفصيل بين من كان مستقلّا فيها بإذنه، و من كان آلة فيها، و هو المتصدّي لأمر التجارة و حدودها؟

الظاهر هو هذا، لأنّه إذا كان آلة فهو كالحيوان المعلّم في القبض

______________________________

المفسد حتّى يعقل.

الفقيه 3: 19- 43، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 4.

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 261.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 8: 151، جواهر الكلام 22: 260.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 283

و الإعطاء، و لا يعدّ ذلك بيعه و شراءه حتّى يكون ممنوعا بالضرورة، فالأدلّة قاصرة عن شمول هذه المواضيع قطعا.

و

إذا كان مستقلّا في جميع تصرّفاته، إلّا أنّ ذلك بإذن الوليّ، فهو كالمستقلّ، لأنّ الذي يفهم من الكتاب و السنّة في هذه التحديدات العقلائيّة و الشرعيّة، هو حفظ أموال الصغار و اليتامى، و بذلك لا يختلف الأمر.

اللهمّ إلّا أن يقال: هذا هو الأمر المحتوم في مال اليتيم، لأنّ «الرشد» فسّر في الرواية بحفظ المال [1]، و لكنّه ممنوع في الصغير، لأنّه من المحتمل شرطيّة إذن الأب احتراما، كما في الباكر، بل قولهم:

«أنت و مالك لأبيك» [2] شاهد على أنّه ممنوع لأجل ذلك، فمع إذنه يتمّ شرائط نفوذها.

فعليه يلزم التفصيل في المسألة تارة: بين اليتامى و الصغار، بممنوعيّة الأوّلين مطلقا، بخلاف الآخرين، لانصراف أدلّتها عمّن كان رشيدا

______________________________

[1] قد روي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ، قال: «إيناس الرشد حفظ المال».

الفقيه 4: 164- 575، وسائل الشيعة 18: 411، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 4.

[2] محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لرجل: أنت و مالك لأبيك.

عوالي اللآلي 3: 665- 156، مستدرك الوسائل 13: 196، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 62، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 284

عاقلا.

و اخرى: بين من كان مستقلّا بإذنه، و بين من كان آلة للإنشاء، بحيث لا يكون له حكم من أحكام المعاملة حتّى خيار المجلس، فإنّه في هذه الصورة لا يبعد نفوذ أمره.

الفرع الثاني: حول كفاية إجازة الوليّ بعد تصرّف الصبي مستقلّا
اشارة

فيما لو تصرّف الصبيّ مستقلّا في أمواله، فهل يكفي إجازة الوليّ بعد المعاملات من غير مراعاة المصلحة، أم لا يكفي، أو يفصّل؟

و الظاهر أنّ حكم هذه المسألة كما سبق،

ضرورة أنّه مع كونه مستقلّا يكون مشمولا لقوله: «لا يجوز أمره» [1] و مع توقف الصحّة على مراعاة الوليّ المصالح، فهو إمّا يخرج عن موضوع المسألة، لأنّه لا يعدّ حينئذ مستقلّا، أو تكون الأدلّة منصرفة عنه في هذه المواقف.

و يمكن دعوى نفوذ هذه المعاملات، لأنّها بالإجازة تستند إلى

______________________________

[1] حمران، عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوجّت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و أقيمت عليها الحدود التامّة و أخذت لها و بها، قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك.

الكافي 7: 197- 1، وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 285

الأولياء، كما في الفضوليّ.

و لكنّها فاسدة بالضرورة، و لذلك لا معنى لوكالته عنهم في تصرّفاته في أمواله، لعدم مساعدة الاعتبار كما لا يخفى، فما ترى في كلماتهم من التوكيل «1»، فهو محمول على الفروع الآتية.

و ممّا يشهد على فسادها: أنّ المقصود من الولاية المجعولة حفظ أموال الصغار، و هو لا يمكن إلّا بدخالة الوليّ في الصلاح و الفساد.

و لكنّه على ما عرفت منّا، مخصوص باليتامى، و لا معنى له في هذه الصورة، خصوصا إذا أعطاه الوليّ من ماله إليه تمليكا، ثمّ أمره بالبيع و الشراء، ناظرا إلى المصالح الأخر غير مصلحة البيع و الشراء، فلا تخلط.

و توهّم دلالة الآية الشريفة على صحّة هذه المعاملة، لأنّ الابتلاء متوقّف عليها «2»،

فاسد، بداهة أنّ التوقّف عليها أعمّ من الصحيح و الفاسد.

حكم معاملات الصبي فيما إذا أنس منه الرشد بالاختبار

نعم، إذا أنس منه الرشد فيما أتى به اختبارا، فهل هو صحيح لازم، لاجتماع الشرائط، أم لا؟

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 116- السطر 6.

(2) لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 8: 151- 152، منية الطالب 1: 170- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 286

قضيّة الصناعة هو الأوّل، إلّا أنّ الإشكال في جواز الاختبار بماله.

و إذا كان بمال غيره فهو متوقّف على إجازته.

و لو خالف الوليّ و عصى، و أعطاه ماله للاختبار، فتبيّن رشده بها، بحيث علم أنّه كان رشيدا قبل ذلك، فهل تبطل أم تصحّ؟.

فيه وجهان، لا يبعد الثاني، لعدم الوجه للسراية.

حول تصحيح معاملة الصبي بالوكالة

إن قلت: الوكالة لا تعتبر في تصرّفات الصبيّ في أمواله، مع أنّه لو صحّت الوكالة يصحّ غيرها، فلا حاجة إلى إثبات استناد أفعاله إلى وليّه. و لو لم تصحّ وكالته- لأنّه من الأمر غير الجائز- لا تصحّ غيرها، لاستناده إليه قهرا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بصحّة الوكالة فقط، دون مثل البيع و الشراء، و لكنّ النيابة معتبرة، فيكون نائبا عنه في هذه الأمور، و لا تستند حينئذ أفعاله إلّا إلى المنوب عنه.

قلت أوّلا: نفوذ هذه النيابة ممنوع.

و ثانيا: جريان هذه الماهيّة الاعتباريّة هنا- كالوكالة- ممنوع.

و ثالثا: الوليّ نائب عن المولّى عليه، و لو عكس الأمر يلزم القول:

بأنّ النيابة شرعيّة و غير شرعيّة، فالوليّ نائب شرعا، و الصغير نائب بحكم الوليّ، فلو كانت نيابة الصغير مستلزمة لانتساب أفعاله إلى المنوب عنه، يلزم ذلك في عكسه، و التفريق بين لوازم الماهيّات

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 287

الاعتباريّة يحتاج إلى دليل، فتكون معاملة الوليّ غير نافذة، و معاملة الصبيّ نافذة. بل يلزم عدم نفوذها في الفرضين، كما لا يخفى.

نفي الإجماع على بطلان معاملة الصبي

فبالجملة: دعوى الاتفاق على عدم صحّة عقد الصبيّ مع الإذن و الإجازة «1»، غير مسموعة، لذهاب مثل الأردبيلي رحمه اللّه إليها، بل ظاهر «المسالك» دعواه على بطلان عقد غير الرشيد «2»، و هذا هو المقطوع به دليلا و عرفا.

بل ربّما يستظهر من العبارة المحكيّة عن الأردبيليّ قدّس سرّه رفع المنع عن صحّته مستقلّا، لما قال: «و بالجملة إذا جوّز عتقه و صدقته و وصيّته المعروف و غيره من القربات- كما هو ظاهر الروايات الكثيرة- لا يبعد جواز بيعه و شرائه و سائر معاملاته، إذا كان بصيرا مميّزا رشيدا، يعرف نفعه و ضرّه في المال، و طريق الحفظ

و التصرّف، كما نجده في كثير من الصبيان، فإنّه قد يوجد فيهم من هو أعظم في هذه الأمور من آبائهم، فلا مانع من إيقاع العقد، خصوصا مع إذن الوليّ و حضوره بعد تعيينه الثمن» «3» انتهى.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 260- 261.

(2) مسالك الأفهام 1: 134- السطر 11.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 152.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 288

و توهّم المنافاة بين نفوذ عقده، و ولاية الأب و الجدّ عليه «1»، مندفع بأنّ ذلك لا ينافيها، إذا أمكن لهم فسخ العقد فيما يجدون خلاف مصلحته في العقد، فلا يشترط الصحّة بالإذن في هذه الصورة، و لا تكون ولايتهم منقطعة قبل البلوغ.

و من عجيب ما توهّم: أنّ سقوط التكاليف الإلزاميّة- من وجوب الوفاء و التسليم و أداء الأرش- ينافي صحّته «2»!! و أنت خبير: بأنّ العقد مع البالغ الباني على عدم الوفاء باطل، و مع الرشيد غير البالغ الباني على ترتيب الآثار صحيح، فلا تغفل.

و لو تخلّف فللآخر إعمال الخيار، سواء كان رشيدا بالغا، أو غير بالغ، بل نسب إلى الشيخ جواز بيع من بلغ عشرا «3». و التدبّر في المسألة يعطي أنّ ذلك ليس لأجل اختيار البلوغ كذلك، بل الظاهر من عبارته «4» و عبارة العلّامة في «التحرير» «5» و الصيمريّ اختصاص الحكم بالبيع «6»، فتدبّر.

فدعوى: أنّ المسألة إجماعيّة «7»، ممنوعة، بل صريح «جامع

______________________________

(1) منية الطالب 1: 171- السطر 2.

(2) لاحظ هداية الطالب: 247- السطر 26.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 170- السطر 14، جواهر الكلام 22: 260.

(4) لاحظ المبسوط 2: 163.

(5) تحرير الأحكام 1: 164- السطر 10- 11.

(6) لاحظ مقابس الأنوار: 109- السطر 27.

(7) جواهر الكلام 22: 260- 261.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 289

المقاصد» نفي البعد عن كون بناء المسألة على أنّ أفعال الصبيّ و أقواله شرعيّة، أم لا «1»، بل الأردبيليّ رحمه اللّه قد منع في طيّ كلامه الإجماع أيضا «2». مع أنّها ذات رواية و آية، فلا تذهل.

و ما قيل: «من أنّ البطلان متّفق عليه بين المسلمين» «3» مردود، هذا أبو حنيفة فإنّ من تقاسيمه يظهر صحّة العقد الذي فيه النفع البيّن، كقبول الهديّة، و الدخول في الإسلام «4».

نعم، سائر الطوائف قالوا بالصحّة مع الإذن و الإجازة إلّا الشافعيّ «5»، فإنّه جعله مسلوب العبارة، كما هو المعروف بيننا.

ذنابة: في المآثير التي قد يستدلّ بها على سلب عبارة الصبيّ
قد يستدلّ على أنّه مسلوب العبارة بطوائف من المآثير و الأخبار:
الطائفة الأولى: ما تدلّ على أنّه مرفوع عنه القلم،
اشارة

ففي «الخصال» بإسناده عن ابن ظبيان الوضّاع الجعّال الكذّاب [6] قال: اتي عمر بامرأة

______________________________

[6] قال ابن الغضائري في حقّه: غال، وضّاع للحديث، روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام، لا يلتفت إلى حديثه.

______________________________

(1) جامع المقاصد 5: 185- السطر 16.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 8: 153.

(3) لم نعثر عليه، لاحظ جواهر الكلام 22: 260- 261.

(4) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 363.

(5) الفقه على المذاهب الأربعة 2: 365.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 290

مجنونة قد زنت، فأمر برجمها.

فقال عليه السلام: «أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم، و عن المجنون حتّى يفيق، و عن النائم حتّى يستيقظ؟!» «1».

و في حدود «الوسائل» عن «إرشاد» المفيد قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل، و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها الحدّ.

فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين عليه السلام فقال: «ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟».

فقيل له: إنّ رجلا فجر بها فهرب، و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها.

فقال لهم: «ردّوها اليه، و قولوا له: أما علمت أنّ هذه

مجنونة آل فلان، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق.؟!» «2».

______________________________

و قال النجاشي: ضعيف جدا، لا يلتفت إلى ما رواه.

و روى الكشي عن الفضل أنّه قال: الكذّابون المشهورون، أبو الخطّاب و يونس بن ظبيان و.

لاحظ اختيار معرفة الرجال: 546- 1033، رجال النجاشي: 448- 1210، مجمع الرجال 6: 284.

______________________________

(1) الخصال: 93- 94- 40، وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 28: 23، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها العامّة، الباب 8، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 291

و قال الشيخ في سرقة «المبسوط»: روى عليّ عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «رفع القلم عن ثلاثة.» إلى آخره «1».

و لا يبعد اشتهار الحديث بين أرباب التصانيف من القدماء، مستدلّين به في مواقف كثيرة، و بعد اتّحاد واقعة عمر يعلم: أنّ ما في ذيل «الخصال» يكون في ذيل «الإرشاد» «2» و بعد شهادة المفيد يشكل صرف النظر عنه، فدعوى الوثوق بصدوره غير بعيدة.

و قد ورد في ذيل رواية أبي البختريّ في قصاص «الوسائل» بعد ذكر المجنون و الصبيّ: «و قد رفع عنهما القلم» «3».

و غاية ما يقال أو يمكن قوله: أنّ هذه المآثير تدلّ على أنّ الإرادة الاستعماليّة في القوانين التأسيسيّة و الإمضائيّة الشاملة لكلّ أحد- و منه الصبيّ- غير مطابقة للإرادة الجدّية، و تكون الثلاثة خارجة منها. و الاختصاص بالعقوبات الأخرويّة، ينافيه موردها من رفع العقوبة الدنيويّة بها من الحدود و غيرها. و إثبات بعضها لدليل لا يضادّ إطلاقه، لعدم إباء لسانه عن التقييد، كما ثبتت العقوبة

الأخرويّة لأطفال الكفّار حسب النصّ و الفتوى.

و وحدة السياق تدرج الأوّل في الثاني و الثالث في مسلوبيّة

______________________________

(1) المبسوط 8: 21.

(2) الإرشاد، الشيخ المفيد: 203.

(3) قرب الإسناد: 155- 569، وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 292

العبارة، كما لا يخفى. و إسناد الرفع إلى القلم حقيقيّ، و إخبار عن ترفّعه عن الكتابة لهم، فلا مكتوب في حقّهم أصلا. و لا معنى لاختصاصه بموارد المنّة، لأنّه ليس علّة، بل الظاهر قصور المقتضيات فيه كما في أخويه.

وجه منع دلالة الطائفة السابقة

أقول: الالتزام بالإطلاق، ثمّ التقييد في كثير من المواقف- بعد اقتضاء المناسبة بين الحكم و الموضوع عدمه، لفهم العرف ذلك منه- مشكل، بل ممنوع، فإنّ الظاهر أنّ القلم مرفوع عنهم، لصباه، و لجنونه، و لنومه، و جامعه عدم الشعور، و من عليه القلم هو الكبير العاقل المنتبه، لما فيه الشعور و الإدراك، فكلّ تكليف ثابت للكبير بما هو مدرك عاقل، مرفوع عن الصغير، و ما يثبت له بما هو إنسان، فهو لا يرفع عنهم، فالأحكام الوضعيّة و الضمانات و صحّة العقود و الإيقاعات و أمثالها، ليست مورد الرفع، و ما ترى في موردها فهو لأجل أنّها زنت لا عن عصيان لا ترجم، لعدم السبب المورث لاستحقاقها الرجم، فعلى هذا تنحصر العقوبات بالارتفاع، دنيويّة كانت، أو أخرويّة، لارتفاع السبب الوحيد و هو التكليف و ثقل الكلفة.

إن قلت: لو سلّمنا دلالته على مسلوبيّة العبارة، فلا يدلّ على نفي الصحّة التأهّلية، فإنّها ليست مجعولة حتّى ترفع به، فلو أذن الوليّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 293

و أجاز صحّت عقوده.

قلت: ليست الصحّة مطلقا مجعولة، و ما هو

المجعول أمر آخر، و هو ممكن، كما في الفضوليّ.

لا يقال: الدية ثابتة، و هي العقوبة الدنيويّة.

لأنّا نقول أوّلا: إنّ المتبادر هي العقوبة النفسانيّة، لا الماليّة.

و ثانيا: لا تعدّ الدية من المؤاخذة و العقوبة، ضرورة بشاعة قوله: «من أتلف مال الغير فهو يعاقب و يؤاخذ في ماله».

و ثالثا: نلتزم بالتخصيص من غير لزوم إشكال.

إن قيل: لا معنى لرفع غير الثابت، و المجنون و النائم و أكثر الصبيان، خارجون عن الأدلّة الإلزاميّة، لقبح الخطاب بالنسبة إليهم، بل و امتناعه، فما هو الثابت و يساعد عليه الاعتبار هي الوضعيّات، و في رفعها امتنان عليهم، لبراءتهم من تدارك الخسارات بعد الكبر و العقل و الانتباه، و هذه منّة قطعا، و إرفاق في حقّهم.

قلنا: الأوصاف المأخوذة في الدليل شرائط التنجيز، لا توجيه الخطاب، فالرفع إخبار- كما أشير إليه- عن حدود الإرادة الجدّية بعد شمول الأدلّة لهم.

و توهّم: أنّ الخطاب غير معقول، في غير محلّه، لأنّ ما هو الممنوع عقلا هو الخطاب الشخصيّ الخاصّ، بهم دون الخطابات الكلّية

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 294

القانونيّة، و بيان الفرق بينهما في محلّ آخر «1».

ثمّ إنّ هنا وجها آخر لعدم دلالة الحديث على بطلان عبارة الصبيّ:

و هو أنّ الشريعة الإسلاميّة مركّبة من القوانين التأسيسيّة و الإمضائيّة فعليه يختصّ المرفوع بالأولى، و تكون الرواية مقابل ما ورد في المآثير: من أنّه «إذا بلغ كتبت عليه السيّئات، و جرى عليه القلم» «2».

الطائفة الثانية: الروايات المشتملة على التسوية بين عمد الصبيّ و خطئه،

و هي كثيرة:

فمنها: معتبرة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «عمد الصبيّ و خطأه واحد» «3».

و قد يشكل الاتكال على إطلاقها، لما ورد في روايات هذه العبارة بألفاظها مذيّلة بقولهم: «تحمله العاقلة» أو «يحمل على العاقلة» المخصوص ذلك

بالجناية في الجملة، فعليه يصحّ للمتكلّم الاتكال على القرينة المعروفة عنه في سائر عباراته، مع وجود القرائن الأخر.

و الالتزام بإطلاق الذيل يورث الفقه الجديد، أو خروج الكثير جدّا.

هذا مع أنّه فرق بين أن يقال: «عمد الصبي خطأ» و بين أن يقال: «هو

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأصول 3: 437 و ما بعدها.

(2) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 12، و 19: 363، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 10: 223- 920، وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 295

و خطأه واحد» فإنّه في الأوّل يثبت جميع أحكام الخطأ لعمده، سواء كانت ثبوتيّة، كما في الجنايات، أو سلبيّة، كما في غيرها، و في الثانية لا يثبت أحكام خطأ الناس لعمده، لأنّ ما هو المنزّل عليه هو خطؤه، فما يثبت لخطئه بالخصوص يسري إلى المنزّل، و هو عهده.

و بالجملة: فلا معنى للإطلاق في المنزّل عليه، حتّى يصحّ الاستناد إليه في المقام.

و لعمري، إنّ الغفلة عن هذه النكتة ألجأتهم إلى إطالة البحث حول ثبوت الإطلاق و عدمه بما لا يرجع إلى محصّل، فتأمّل.

إن قلت: قضيّة ضعيفة وهب بن وهب أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام: «أنّه كان يقول في المجنون، و المعتوه الذي لا يفيق، و الصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» «1» هو انسلاب عبارته، و أنّ قصده كلا قصد، و ذلك لظهور الجملة الأخيرة في كونها علّة للتسوية بين العمد و الخطأ، فعليه يعلم دلالة حديث الرفع «2» على المقصود. و لو كان رفع القلم

معلوم التسوية، فهو أيضا دليل على المطلوب.

قلت: مقتضى ما عرفت أنّ المنزّل عليه مطلق الخطأ، فيترتّب على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.

(2) الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 296

العمد آثاره الثبوتيّة، و هي حمل العاقلة، و آثاره السلبيّة، و هي رفع القلم، فتكون الجملة الثانية معطوفة. و لو فرضنا ظهورها في الحاليّة- كما لا يبعد لكلمة «قد»- فهو دليل تحمّل العاقلة، أي لا يجب عليه التحمّل، للرفع، و لا يكون دليلا على التنزيل كما قيل «1».

فبالجملة: أثر التنزيل رفع القصاص، و إثبات تحمّل العاقلة بعد لزوم حفظ الدماء بحديث الرفع، فافهم و لا تغفل.

الطائفة الثالثة: بعض الأخبار المرويّة في الكتب المختلفة،

مثل رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة، و دخل في الأربع عشرة، وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، و كتب عليه السيّئات، و كتبت له الحسنات، و جاز له كلّ شي ء، إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها» «2».

و ظاهرها لأجل قوله: «كتبت له الحسنات» عدم كتابة شي ء له قبل البلوغ، حتّى الحسنة، فلا يقبل عباداته و لا غيرها، و لأجل قوله: «جاز له كلّ شي ء» عدم جواز كلّ شي ء قبله حتّى العبادة، و الآليّة في إيجاد العقد بالصيغة أو الفعل، و غيره من كلّ شي ء. و لو لا ضعف السند، و إعراض المشهور عن الصدر، لكان العمل بذيلها متعيّنا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 27- 28.

(2) الفقيه 4: 164- 571، وسائل الشيعة 19: 364،

كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 297

اللهمّ إلّا أن يدّعى: أنّ المفهوم لا يدلّ إلّا على المهملة، و «الحسنات» لا تطلق على العقود و الإيقاعات إلّا بعض منها، فلا يتمّ الاستدلال كما لا يخفى.

فما في معتبرة عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة.» «1» إلى آخره، و يفيد المفهوم السلب الكلّي، لوقوع النكرة في سياق النفي، لا يفيد شيئا، فليتدبّر.

و منها: ما في رواية العيّاشي، عن عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السلام قال:

«إذا بلغ ثلاث عشر سنة جاز أمره، إلّا أن يكون.» [2].

فإنّ المفهوم يورث عدم جواز أمره سواء كان وكالة أو غيرها، فكونه آلة لأمر الغير لا يخرج من انطباق عنوان عليه، و لذلك يصحّ له أخذ الأجر حذاءه.

بل المستفاد من بعض الروايات معهوديّة عدم نفوذ أمره، ففي

______________________________

[2] عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام متى يدفع إلى الغلام ماله؟ قال: إذا بلغ و أونس منه رشد و لم يكن سفيها و لا ضعيفا، قال: قلت: فإنّ منهم من يبلغ خمس عشرة سنة و ست عشرة سنة و لم يبلغ، قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا، قال: قلت: و ما السفيه و الضعيف؟ قال: السفيه الشارب الخمر و الضعيف الذي يأخذ واحدا باثنين.

تفسير العيّاشي 1: 155- 521، وسائل الشيعة 19: 370، كتاب الوصايا، الباب 46، الحديث 2.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 184- 741، وسائل الشيعة 19: 365، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 298

رواية ابن سنان، عنه

عليه السلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم، متى يجوز أمره.

قال: «حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.» [1].

و قضيّة الإطلاق عدم الفرق بين صور المسألة. و لو قلنا باختصاص الثانية باليتيم، و تكون منصرفة إلى تصرّفاته في أمواله، لما كان وجه للإشكال في الأولى.

وجه الخدشة في المآثير المتقدمة

أقول: الروايات المعتبرة في هذه المسألة- لذاتها، أو لانجبار ضعفها- ما هو المشتمل على نفوذ أمر الصبيّ في البيع و الشراء، و نفوذه في غيرهما بإلغاء الخصوصيّة، أو الإجماع، و أمّا فيمن كان آلة، أو كان الوليّ مشرفا على أفعاله و أقواله فلا وجه لهما، و لا إطلاق في معاقد الإجماعات حتّى يستلزم انجبار تلك المطلقات، على إشكال فيه.

______________________________

[1] عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سأله أبي- و أنا حاضر- عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: حتى يبلغ أشدّه، قال: و ما أشدّه؟ قال: احتلامه. قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر و لم يحتلم، قال: إذا بلغ و كتب عليه الشي ء جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

الخصال: 495- 3، وسائل الشيعة 18: 412، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 299

إن قلت: عن «الغنية» دعوى الإجماع «1»، و عن «كنز العرفان» نسبة عدم صحّة عقد الصبيّ إلى أصحابنا «2»، و عن «التذكرة»: «أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ و الإجماع، سواء كان مميّزا، أو لا، في جميع التصرّفات إلّا ما استثني، كعباداته، و إسلامه، و إحرامه، و تدبيره، و وصيّته، و إيصال الهديّة، و إذنه في الدخول، على خلاف في ذلك» «3» انتهى.

و استظهر الشيخ من استثناء

الأخيرين إطلاق معقده «4».

و لو قيل: بأنّهما من التصرّف، و أيّ تصرّف أعظم من إذنه في الدخول مع عدم وجود صاحب الدار فيها؟! قلنا: قضيّة إطلاق المستثنى إطلاق المستثنى منه، فإيصال الهديّة- سواء كان فيما يستلزم اعتبار قوله و صحّة إقباضه، أو كان كالحيوان آلة- يكون مستثنيا، فلا تغفل.

قلت: لو صحّت دعوى الإجماع، لكان على الشيخ في «الخلاف» دعواه، مع أنّه تشبّث بالآية و الرواية «5».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 170- السطر 13، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 523- السطر 34، و: 532- السطر 5.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 9، كنز العرفان 2: 102.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 9، تذكرة الفقهاء 2: 73- السطر 25.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 11.

(5) الخلاف 3: 287- 289، المسألة 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 300

و أمّا إجماعات «الغنية» فهي- على ما أفاده في أوّل كتابه «1»- ليست من الإجماع المصطلح عليه عند الآخرين. مع أنّ في عبارته إشكالا آخر، فراجع.

و أمّا استكشاف الإجماع من «التذكرة» فهو ممنوع، لعدم اتكائه عليه في أصل المسألة، و قد أعرض عنه و استدلّ بغيره، فراجع و تدبّر.

إن قيل: رواية ابن سنان معتبرة، لأنّ «الخصال» رواها بسند صحيح عن البزنطيّ، و هو عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ، عن عبد اللّه بن سنان، و أبو الحسين هذا هو عندي- على ما تحرّر في محلّه «2»- آدم بن المتوكّل الثقة، و لو كان غيره ففي رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، عن البزنطيّ، عنه، شهادة على وثاقته و اعتباره.

و مقتضاها عدم جواز أمره سواء كان بيعا، أو وكالة، و على الثاني سواء كانت وكالة في أموال الغير، أو عن وليّه في

إجراء العقد، فإنّه أيضا وكالة قهرا، كما لا يخفى.

قلنا: نعم، إلّا أنّ دعوى انصرافها عن هذه الصورة قريبة جدّا. مع أنّ أمر اليتيم في ماله غير أمر الصبيّ، كما مضى سبيله «3».

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 477- السطر 35.

(2) لعلّه في فوائده الرجالية و هي مفقودة.

(3) تقدّم في الصفحة 276.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 301

بحث و تفصيل: في نفوذ أمر الصبيّ مطلقا إلّا ما خرج بدليل

قضيّة ما مرّ قصور الأدلّة عن إبطال قول الصبيّ إلّا في الجملة، و لو كان الأمر كما أفاده القوم، فهو لأجل قصور المقتضي، كما في المجنون و النائم، لا للمانع، و عليه لا وجه للتخصيص مع ورود المآثير الكثيرة في صحّة طلاقه [1] و وصيّته [2]، بل و تدبيره [3]

______________________________

[1] جميل بن درّاج عن أحدهما عليهما السّلام قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم.

تهذيب الأحكام 9: 182- 733، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 2.

[2] عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته.

الكافي 7: 28- 3، وسائل الشيعة 19: 362، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 3.

عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار أكلت ذبيحته و إذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته.

تهذيب الأحكام 9: 181- 726، وسائل الشيعة 19: 362، كتاب الوصايا، الباب 44، الحديث 5.

[3] لم نعثر على خبر في صحة تدبيره، لكن الشيخ رحمه اللّه قال بصحّة تدبير الصبيّ إذا كان مميزا عاقلا مراهقا و قال قيّده أصحابنا بما إذا بلغ عشر سنين فصاعدا إذا كان عاقلا، و قال:

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم على أنّ الصبيّ إذا بلغ عشر سنين صحّت وصيّته و تدبيره و وصيّته.

الخلاف 2: 672، المسألة 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 302

و عتقه [1] و وقفه [2] و صدقته [3] و إعارته «4»، بل و شهادته [5]، و قد عقد في «الوسائل» بابا لذلك. و الإشكال في بعض منها- مع ذهاب جمع إلى صحّتها منه- لا يورث انتفاء الوهن.

فعلى هذا، يمكن دعوى صحّة جميع عقوده و إيقاعاته، إلّا ما خرج بالنصّ، و هو البيع و الشراء و ما شابههما، ممّا يرتبط بالمال، على إشكال فيه.

نعم، اليتيم مخصوص بالحكم، لاقتضاء الاعتبار، و اختصاصه بالذكر في النصوص و الأخبار.

______________________________

[1] زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له من ماله ما أعتق و تصدّق على وجه المعروف فهو جائز.

وسائل الشيعة 23: 91، كتاب العتق، الباب 56، الحديث 1.

[2] زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز.

الكافي 7: 28- 1، وسائل الشيعة 19: 211، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 1.

[3] محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن صدقة الغلام ما لم يحتلم، قال:

نعم إذا وضعها في موضع الصدقة.

تهذيب الأحكام 9: 182- 734، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 3.

[5] ابن أبي عمير، عن جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تجوز شهادة الصبيان؟ قال:

نعم، في القتل يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني منه.

تهذيب الأحكام 6: 251- 645،

وسائل الشيعة 27: 343، كتاب الشهادات، الباب 22، الحديث 1.

______________________________

(4) لم نعثر عليه، لاحظ جواهر الكلام 27: 161.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 303

المآثير الدالّة على النفوذ مطلقا

و في المآثير ما يدلّ على نفوذ أمر الصبيّ، ففي «الوسائل»:

النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنّه إن لم يجد سرق» «1».

تقريب الاستدلال: أنّ المراد من «كسب الغلام» إمّا الكسب مع الغلام، و إمّا اكتساب الغلام نفسه مع غيره من المكلّفين، أو مكسوب الغلام، أي الحاصل في يده من الكسب، أو مكسوبه، أي الحاصل في يده بالمعنى الأعمّ و لو كان بطريق الالتقاط و الحيازة، أو الاكتساب الأعمّ من الصحيح و الفاسد شرعا، و إن كان كسبا بالمعنى العرفيّ الأعم.

و النهي إمّا تحريم، أو تنزيه، أو إرشاد إلى الفساد.

و كلمة «الفاء» إمّا تفيد العلّة، أو الحكمة.

و على جميع التقادير: لمّا كان القيد المذكور مفيدا للمفهوم عرفا في المقام، يعلم منه: أنّ عمل الصبيّ في الجملة نافذ، و قضيّة التقييد بحسن الصنعة، أنّ المورد المتيقّن من الرواية، ما كان الصبيّ مستقلّا في أمره واقعا، أو بإعطاء وليّه. و كون المراد من «الكسب» المكسوب بعيد، و خلاف الظاهر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 367- 1057، وسائل الشيعة 17: 163، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 33، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 304

بل الظاهر كما فهمه «الوسائل» أنّ المقصود الكسب مع الصبيان و مع من لا يجتنب المحارم «1»، فإنّ

ذلك ربّما يستلزم خسارتهما، فيقعان فيما أشير إليه فيها.

و الظاهر أنّ الجملة الأخيرة حكمة الجعل، لا علّة المجعول، فتكون الرواية ظاهرة في التنزيه، و تصير النتيجة صحّة اكتساب الغلام مطلقا و كراهة الاكتساب معه في صورة خاصّة.

و ضعف السند بالنوفليّ و السكونيّ، مردود بما تقرّر في محلّه «2»:

من وثاقة الثاني، و اعتبار الأوّل على الأقوى.

و دعوى إعراض المشهور عنها، مسموعة، إلّا أنّ مطلق الإعراض لا يورث الوهن، لأنّها ربّما كانت مغفولا عنها، أو كانت عندهم قاصرة الدلالة.

و ممّا يؤيّد نفوذ أمر الصبيّ رواية الحسن بن راشد، عن العسكريّ عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك» «3» فتأمّل.

و هذا هو المستظهر من موثّقة الحلبي و محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: سئل عن صدقة الغلام ما لم يحتلم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 163، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 33، و هو باب كراهة كسب الصبيان الذين لا يحسنون صناعة و من لا يجتنب المحارم.

(2) الظاهر أنّه محرّر في الفوائد الرجالية و هي مفقودة.

(3) تهذيب الأحكام 9: 183- 736، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 305

قال «نعم، إذا وضعها في موضع الصدقة» «1».

فإنّه ظاهر في أنّ المناط المحافظة على الواقع، فلو كان بيعه و شراؤه تحت نظارة وليّه واقعا في محلّه، فهو مثل صدقته.

و ربّما يدلّ على خصوص نفوذ وكالته في إجراء العقد، قصّة أمّ سلمة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فإنّها ذكرت تزويجها منه صلّى اللّه

عليه و آله و سلم موانع ثلاثة:

ثالثها: أنّه ليس لها وليّ يزوّجها منه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

فأجاب صلّى اللّه عليه و آله و سلم- على ما قيل- بجعل ولده وليّا، و أمره بتزويجها منه «2».

إلّا أنّ كون ولده صغيرا غير معلوم، فافهم.

التمسّك بسيرة المتشرّعة لإثبات نفوذ أمر الصبيّ في الأمور اليسيرة

و مقتضى السيرة العمليّة بين أبناء الشريعة التي كانت من أوّل يوم على ما هو الآن، نفوذ عقود الصبيّ فيما يختصّ بهم من الأمور اليسيرة، كما لا يعهد تدخّلهم في التجارات الكلّية، و لو كانت هي غير مرضيّة، لكانت مردوعة بردوع واضحة معلومة صريحة بالغة إلى جميع الناس، كسائر المحرّمات، بل هذا هو أعظم، و الاكتفاء بالإطلاق و العموم في خصوص رواية، يكشف عن أنّ ما عليه بناؤهم مرضيّ لهم عليهم السلام.

و العجب أنّ الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- لا ينهون عن هذا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 182- 734، وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 3.

(2) بحار الأنوار 22: 203، سنن النسائي 3: 286، اسد الغابة 7: 342.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 306

المنكر المتعارف، و لم يعهد في عصر الأئمّة عليهم السلام النهي عنه، مع الابتلاء به في كلّ يوم مرّات!! فكون الصبيّ مسلوب القول و الفعل من الأباطيل القطعيّة، و صحّة أموره و نفوذ إيقاعاته و عقوده في الجملة- خصوصا في الأمور الحقيرة و الصغيرة- من الواضح كالنار على المنار، و ما هو المقطوع به نصّا و فتوى ممنوعيّة دخوله في مشاغل الرجال بالاستقلال في البيع و الشراء، فافهم و تدبّر.

الفرع الثالث: في تصدّي أمر الصبي لمعاملات البالغين

هل يجوز تصدّيه لأمور الآخرين في أموالهم، فيكون وكيلا عنهم في البيع و الشراء، أو نائبا في العبادات، أو أجيرا من قبلهم، فإنّ الإجارة فيما استؤجر له كالوكالة و النيابة، أو يتصدّى لردّ العبد في الجعالة، فيستحقّ الجعل، أم لا، أو يفصّل؟ و التفصيل في المسألة موكول إلى محالّها، و يطلب رأينا في سائر الكتب [1].

تنبيه: في إبطال اشتراط قصد مدلول اللفظ

قيل: «من جملة شرائط المتعاقدين، قصدهما لمدلول اللفظ الذي يتلفّظان به. و اشتراطه بهذا المعنى في صحّة العقد، بل في تحقّقه، ممّا لا خلاف فيه» «2» انتهى.

______________________________

[1] لم نعثر على تفصيل المسألة فيما بأيدينا من كتب المؤلّف قدّس سرّه.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 117- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 307

أقول: ماهيّة العقد عبارة عن الإيجاب و القبول في اللفظ، و التعاطي في الفعل، على ما هو المعروف بينهم، و ما هو من شرائطها هي العربيّة و الماضويّة، و ماهيّة المتعاقدين عبارة عن المتكفّلين لطرفي العقد، و ما هو من شرائطهما هو البلوغ و نحوه ممّا لا يدخل في العقد وجودا و ماهيّة، و أمّا القصد فهو من علل وجود العقد، لا ماهيّته، و لا من شرائط المتعاقدين.

و الذي هو الدخيل في وجوده ليس مطلق العقد، كالقصد إلى الألفاظ حذاء النائم فافهم، و كالقصد إلى المعنى الموضوع له على نعت التصوّر، و كالقصد إلى المعنى المجازيّ و لو كان بنحو التصديق، بل هو إرادة إيجاد موضوع الاعتبار للنقل و الانتقال، المستلزم لهما قهرا بحكم العرف على كيفيّة أوجدها، من التنجيز، أو التعليق.

و ما قيل: «إنّ القصد من مقوّمات العقد» «1» فاسد بالضرورة، لأنّ الوجود ليس داخلا في الماهيّة حقيقيّة كانت، أو اعتباريّة.

نعم، هو من مقوّماته بالعرض و

المجاز، لأنّ وجود العقد معلول القصد لا نفسه، و ليس القصد نحو وجوده، بل هو في حكم علّة وجوده، فلا تغفل، و لا تخلط.

و دعوى: أنّه من شرائط المتعاقدين «2»، واضحة المنع، لأنّ الشرط ليس دخيلا في إمكان وقوع الشي ء، كما لا يخفى.

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 176- 177، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 37.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 117- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 309

الشرط الثاني: تعيين المتعاقدين

حكم تعيين المتعاقدين في العقود الشخصية

ففي العقود الشخصيّة يكون الشرط حاصلا قهرا، و لا وجه لتوهّم اشتراط التلفّظ بهما في العقد، أو إخطارهما بالبال فيه «1»، بل يكفي التعيّن الواقعيّ، و إن كان العاقد الوكيل من قبلهما مشتبها في أمره، بأن أضاف الثمن إلى البائع، و المبيع إلى المشتري، و هكذا لو اشتبه و جعل البائع مشتريا و بالعكس، من غير فرق بينما إذا أنشأ المبادلة بين الشخصين على نحو التقييد، أو الخطأ في التطبيق، و ذلك لأنّ حقيقة المبادلة ليست إلّا الناقل بين المالين في السلطنة أو الملكيّة.

و إن شئت قلت: كلّ كلمة في الجمل الإنشائيّة كانت لازما ذكرها، و اشتبه على العاقد، فأتى بغيرها، فهو يضرّ بصحّة العقد، و كلّ كلمة لا يلزم ذكرها في العقد فالإتيان بما يضادّها لا يضرّ بها.

و من ذلك ذكر وكيل المتعاقدين في عقد البيع مثلا، فإنّه لا يجب

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 115- 116.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 310

ذلك قطعا، فلو أضاف بالإضافة الغلط فرس زيد إلى عمرو، و فلوس عمرو إلى زيد، فإنّها لا توجب إشكالا في المقصود و العقد بالضرورة.

و من ذاك ذكرهما في عقد النكاح، فإنّه لو أخطأ حتّى في التطبيق، لا يصحّ عقد النكاح قطعا، و

باطل حسب الشرع المقدّس، و أمّا حسب القواعد العرفيّة فهو ممنوع، لجواز إيجاد علقة النكاح بين المبهمين مع التعيين اللاحق بحكم الوليّ، أو القرعة، فله عقد ابنتي زيد لأبنية، كما له عقد أحدا هما للآخر، لأنّ الزوج و الزوجة معلومين عنوانا، و يصيران معلومين بعد التعيين معنونين أيضا، و سيجي ء تفصيله من ذي قبل إن شاء اللّه تعالى.

إن قلت: لا يعتبر تعيين المالكين، فلو علم إجمالا: بأنّ هذه العين الشخصيّة لزيد، أو عمرو، فأوقع العقد بعنوان كلّي منطبق عليها على البدل، صحّ العقد، لحصول التبادل بين الشخصين، و يتعيّن بعد ذلك بالقرعة، أو بانحلال العلم و كشف الخلاف «1».

و هذا ليس من العقد الواقع بين المالكين الواقعيّين المشار إليهما بالإشارة الإجماليّة، بل هو مبادلة بين المالين، و يكون المالكان كلّيين. و هذا صحيح حسب القواعد العرفيّة و العمومات الشرعيّة.

و من هذا القبيل إذا باع الفضوليّ العين الشخصيّة فضولا من قبل عنوان كلّي لا ينطبق إلّا على واحد من الجماعة المعتبرين على البدل،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 116- السطر 15.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 311

و فيهم مالكها، مريدا بذلك وقوع البيع بعد إجازة المالك له، و لو لم يجزه، و اشترى الآخر منه تلك العين، يكون البيع له إذا أجاز، فطرف الإضافة الملكيّة عنوان كلّي.

قلت: المراد من «اشتراط تعيين المالك» إن كان معناه كونه واحدا بالشخص في قبال الكلّي، فهو باطل عندنا حتّى في الكلّي، كما سيجي ء.

و إن كان معناه أنّ الرضا بالمعاملة تارة: يكون مطلقا حسب الإضافة إلى المالك المعيّن.

و اخرى: يكون مقيّدا بالنسبة إليها، فعليه فلا يقع التبادل بين المالين المضافين إلى صاحبهما، مع دخالتها في الرضا به بإيقاع المعاملة

بين المالين على الإطلاق، و هذا يورث لزوم تعيين المالك أو تعيّنه.

نعم، لو غلط وكيلهما في الإنشاء حسب الاستعمال، و كان الواقع مطابقا لرضا المتعاملين، فقال: «بعت فرس زيد بحمار عمرو» مع أنّ زيدا لا فرس له، و المالك كان وكّله في اشتراء فرس بكر، فالظاهر صحّة هذه المعاملة، لأنّ الإضافة المذكورة لا تضرّ بالمبادلة الواقعة بينهما بعد ترشّح الإرادة الجدّية منه، لغفلته و جهله.

و من هنا ينقدح حكم ما إذا كان المخاطب في البيع، غير المشتري واقعا، فإنّه إن كان المقصود نفس التبادل بين المملوكين الشخصيّين فهو حاصل، و إن كانت الإضافة دخيلة، فالإنشاء لا يؤثّر في شي ء، لأنّه خارج عن حدّ وكالته.

نعم، إلحاق الإجازة به- بناء على صحّة الفضوليّ- ممّا لا بأس به.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 312

و إن كانت الإضافة غلطا، فحكمه ما عرفت آنفا، و قد مضى شطر من الكلام في مسائل لزوم التطابق بين الإيجاب و القبول «1». هذا كلّه في العقود الشخصيّة.

حكم تعيين المتعاقدين في العقود الكلّية

و أمّا في العقود الكلّية، فالمعروف بينهم لزوم التعيين، لأنّ الكلّي بدون الإضافة إلى ذمّة شخصيّة، ليس متموّلا و لا مملوكا، فالتعيين المعتبر معناه ذلك، لا أنّه يعتبر في حدّ نفسه، كما يظهر من بعض الأفاضل «2».

كما أنّه ليس معتبرا كذلك في العقود الشخصيّة، بل الوجه هناك أيضا هو استلزام ماهيّة المعاوضة دخول كلّ من العوض و المعوّض في مخرج الآخر، و قد عرفت منّا سابقا عدم صحّة هذا، و أنّ المعاوضة هي المبادلة بين المالين في الملكيّة مثلا، و أمّا كون طرف الإضافة المالك الأوّل فهو ممنوع، و التكافؤ بين المتضايفين لا يستلزم ذلك، بل قضيّة هذه المعاوضة التبادل بينهما فيها، و سقوط

الإضافة من المالكين، و حدوث الإضافة الجديدة بين المملوكين و مالكهما المقصودين في الإنشاء، فإنّ «الناس مسلّطون على أموالهم» «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 173- 176.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 178- السطر 23.

(3) بحار الأنوار 2: 272- 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 313

و توهّم: أنّه يستلزم ملكيّة الأجنبيّ للعين بلا سبب معروف، فاسد، لعدم التزامنا بذلك في أبواب المعاملات، و المسائل الاعتباريّة أوسع من التحديدات العقليّة، بل هي دائرة مدار الأغراض و النتائج العقلائيّة.

فإذا قال: «اشتريت لزيد» فتارة: يكون «اللام» للاختصاص، و اخرى:

يكون للملك، و في الثاني تمليك زيد ذلك.

و إن شئت قلت: هذا هو المسبّب من البيع، لأنّ اختلاف الآثار في العلل الاعتباريّة على حسب كيفيّة الاعتبار و الإنشاء.

و ممّا يدل على ذلك: أنّ الوكيل المطلق العنان على أموال زيد الذي هو البائع واقعا، و له خيار المجلس، يقع المعاملة له، و لا يقع الأثر في كيسه، فلا منع ممّا ظنه المشهور، من لزوم كون الأثر ملك المؤثّر.

و توهّم لزوم كون المملّك غير مالك، في محلّه، إلّا أنّه لا يضرّ، لعدم اشتراطه به، كما التزم به الأصحاب في بيع الكلّي. بل هو هنا غير لازم، ضرورة أنّ المملّك للأجنبيّ عن العقد هو المالك، و يملّك المبيع مثلا البائع له، و يملّك الثمن المشتري إلى الأجنبيّ الآخر، و لا يدخل العوضان أوّلا في ملك الطرفين، فإنّه خلف كما لا يخفى.

فبالجملة: بحكم العرف و العقل، يجوز أن يشترط المالكان بدوا بأن يملّك أحدهما ماله من الأجنبيّ حذاء تمليك الآخر بالآخر، و لا يكون ذلك من مقابلة التمليكين، بل هو عند العرف مبادلة المملوكين و قولنا:

«حذاء التمليك» توسّع جائز.

ثمّ إنّ الكلام في شرطيّة قبول الأجنبيّ،

يطلب من مقام آخر.

أقول: ما أفاده القوم في وجه شرطيّة التعيين في العقود الكلّية،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 314

ربّما يضرّ، فإنّ الكلّي المضاف إلى الذمّة، غير قابل للتسليم و التطبيق، فإنّه كلّي عقليّ، فلا يكون متموّلا و لا مملوكا بتلك الإضافة، فهذه الإضافة من قبيل إضافة المظروف إلى ظرفه، كما في القضايا الحينيّة، فلا يكون الكلّي مقيّدا، فلا يكون مالا، لأنّه ما دام الإطلاق لا يتموّل و لا يملك.

مع أنّ القضايا الحينيّة في المسائل الاعتباريّة، ترجع عرفا إلى القضايا التقييديّة، لأنّ الظرف دخيل في المظروف، و عندئذ قد يقال:

بأنّ الطبيعيّ القابل لأن يكون في الخارج، و يقع عليه المعاملة و المبادلة، يأتي جوابه عند قوله قدّس سرّه: «فعلى هذا لا يلزم.» إذا كان الطرف قادرا على التسليم و التحويل في الظرف المقرّر، و لا يشترط في المعاملة أزيد منه، و عليه البناءات العرفيّة و أسواق المسلمين.

و ما اشتهر من تعريف البيع ب- «التمليك» قد مرّ ما فيه «1»، بل هو مبادلة مال بمال، و ما يبذل الناس حذاءه الثمن يعدّ مالا، و هو الكلّي الذي يتمكّن البائع من تسليمه، لا الكلّي المضاف إلى الذمّة، و لا الذي لا يتمكّن بائعه من تسليمه، كما في الشخصيّ أيضا.

و إن شئت قلت: لا يعتبر المملوكيّة و لا الماليّة حال الإيجاب، و لا متقدّمة زمانا على القبول، بل الشرط كون المبيع و الثمن موصوفين بالوصفين حال الانتقال، و هو هنا كذلك، فإنّه بالضرورة لا ينتقل شي ء بالإيجاب وحده، بل لا بدّ من القبول و الإجازة، فإذا لحقه ذلك يقع الأمور الثلاثة: النقل، و الاتصاف بالوصفين في عرض واحد، فيملك المشتري

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 315

مثلا الحنطة على عهدة البائع، و يكون المبيع مملوكا.

فعلى هذا، لا يلزم تعيين المالك عقلا، و لا عرفا، بل و لا شرعا، لأنّ ما يدلّ على التعيين عقلا- من لزوم كون المملوك بلا مالك- مدفوع بأنّ الإيجاب لا يؤثّر في شي ء، و ما يدلّ عليه عرفا- من لزوم كون المملّك مالكا- ممنوع بما عرفت، و ما يدلّ على التعيين شرعا- من الانصراف- غير مقبول، لأنّ المتعارف لا يورث القصور في الأدلّة، و إلّا يلزم الفقه الجديد.

فله أن يبيع من أحدهما بالواحد منهما، بعد كونهما معتبرين في السوق، و يكون طرف الإضافة عنوان «الأحد» أو «الواحد» و هذا العنوان معتبر كمعتبريّة الكلّيات في المبيع، و ليس أمرا موهوما و متردّدا، فإنّه ليس موجودا، بخلافهما فإنّهما موجودان كلّيان، على حسب سائر الكلّيات الموجودة في الذهن المعرّاة من الوجود تغافلا، فتدبّر.

و إن شئت تقول: حكم المبيع الكلّي غير حكم البائع الكلّي، ضرورة أنّ البيع هو تبادل المالين في الملكيّة المستتبع لتبادل المالكين، بحدوث الإضافة الجديدة، و انعدام الإضافة الأوّلية، و هذا في الكلّي الذمّي الذي هو المبيع معلوم، و لكنّه في المالك الكلّي- و هو عنوان «أحدهما»- غير متصوّر، لأنّه لا يكون صاحب الإضافة و طرفها، بل هو أمر مخترع اخترعه الوكيل عنهما، أو الفضوليّ من قبلهما.

فأنا أقول: أمّا فيما كان الإهمال منحصرا في طرف القابل، فالصحّة واضحة جدّا، لأنّه بالقبول يتعيّن، و لا أثر لنفس الإيجاب، فإذا قال: «بعت هذا» أو «كلّيا من أحدكما» و قال واحد منهما: «قبلت» يقع البيع له، و في هذه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 316

الرتبة يتمّ شرائط الصحّة.

و فيما كان الإهمال في

الطرفين، و قال الوكيل عنهما أو الفضوليّ:

«قبلت البيع لواحد منهما» أيضا يصحّ البيع، إلّا أنّه لا أثر له فعلا، بل الأثر يتحقّق بالإجازة في الفضوليّ، و بالتعيين في الإهمال، و ما هو الممنوع عند القوم هي الإضافة الواقعيّة بين المهمل و العوضين، لا الإنشائيّة المحضة التي يترتّب عليها الإضافة الواقعيّة بالتعيين و الإجازة، فلاحظ و لا تخلط.

فإذا كان الوكيل منصوبا من قبلهما في الإضافتين: الإنشائيّة، و الواقعيّة، فعليه التعيين بعد إحداث الإضافة الأولى.

مسألة: في حكم تعيين غير المالك
حكم العالم المعيّن لغير المالك

إذا لم يكن التعيين معتبرا، بمعنى لزوم كون المالك واحدا شخصيّا، فهل تعيين غير المالك يضرّ بالصحّة، أم لا، أو يفصّل بين صورتي العلم و الجهل؟

مثلا: لو قال «بعت فرس زيد» أو «هذا الفرس عن زيد» و كان الفرس له، فهل يبطل، أو يصحّ بيعا و هبة، أو يكون مراعى بالإجازة اللاحقة؟

لا يقال: يمكن اختيار البطلان هنا و إن قلنا بعدم اعتبار التعيين، كما يمكن اختيار الصحّة و إن قلنا بعدم اعتباره، و ذلك لأنّ الإنشاء المتعلّق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 317

بإخراج المال عن ملك زيد لا يؤثّر، لعدم الموضوع له، سواء قلنا باعتبار تعيين المالك، أم لم نقل «1».

لأنّا نقول: نعم، إلّا أنّه للقائل بعدم اعتبار التعيين، إرجاع الإنشاء المذكور إلى الكلّي المنطبق على المالك، فيقول: معنى «بعت فرس زيد» أنّه باع الفرس عن مالكه الأعمّ من كونه مالكه الفعليّ، أو الذي يتملّك بعد ذلك، و هو زيد مثلا، و ليس هذا نافعا لمن لا يقول به، و إن كان التزام القائل بعدم اعتبار التعيين بالبطلان من وجه آخر، لا يضرّ بالبحث.

فبالجملة: تصحيح هذه المعاملة على أن تكون مؤثّرة في النقل فعلا، ينحصر بدعوى: أنّه في عرض

واحد هبة و بيع، من غير اشتراط صحّة الهبة و تأثيرها بالقبول و القبض «2».

أو يقال: بأنّه ليس من الهبة الشرعيّة، بل هو من قبيل تمليك الموصى في الوصيّة التمليكيّة، بناء على عدم اعتبار القبول فيها، و هذا ممّا لا يتحاشى منه العقل و العرف، فإنّ تمليك الأثاث للمسجد و للبيت أمر عقلائيّ، من غير اشتراطه بقبول المتولّي أو الناس، بل تصرّفهم فيها بعد ذلك ملزم لهذا التمليك، و ليس من القبول له كما لا يخفى.

و ما قد يقال: من أنّ إنشاء البيع جدّا من العالم بالواقعة غير ممكن، لتوقّف ذلك على الهبة المتقدّمة رتبة عليه، و المتأخّرة في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 44- 45.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 109- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 318

الإنشاء «1»، لا يفيد شيئا، لأنّه إذا كان يعلم بتحقّقها بذلك الإنشاء، يترشّح منه الجدّ إليه، كما في الإيجاب و القبول.

و إن شئت قلت: هذا دور معيّ، لأنّ توقّف البيع على الهبة و هي عليه، معلول إرادته، و لا يشترط التقدّم الزمانيّ في النقل البيعيّ، بل هو في آن واحد يتملّك بالهبة، و يخرج الموهوب من ملكه.

و لك دعوى التفصيل بين ما لو قال: «هذا الفرس الذي لزيد بعته» و ما لو قال: «بعت فرسه» ففي الأوّل يحصل التمليك بالجملة الاولى، و يخرج المملوك بالجملة الثانية، فلا يلزم الإشكال.

أو التفصيل بين ما لو قال: «بعت هذا الفرس الذي لزيد» و لو قال:

«بعت هذا الفرس عن زيد» فإنّ في الأوّل يصحّ، و للمشتري خيار تخلّف الوصف، كما في نظائره، دون الثاني، لأنّه بلا موضوع و من قبيل بيع الكلّي المقيّد.

أقول: لو سلّمنا جميع

ذلك، لا تكون المعاملة فعليّة إلّا بتوكيل زيد مالك الفرس في بيعه عنه بعد هبته إيّاه، و أمّا صحّتها مراعاة إلى التعيين و الإجازة، فهي مشكلة، لأنّ الانحلال المذكور ليس عرفيّا، و ميزان الانحلال و عدمه يطلب من مقام آخر.

ثمّ إنّه حتّى و لو فرغنا عن الاستحالة العقليّة، لكنّه غير كاف، لاشتراط مساعدة العرف في الأسباب المتوسّل بها إلى النقل و الانتقال، و قد مرّ في محلّه: أنّ مطلق السبب و لو كان مخترعا شخصيّا غير كاف، بل

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 46.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 319

لا بدّ من كونه نوعيّا فعلا أو تقديرا، و المراد من «التقدير» ليس مطلقه، فلا تغفل و تدبّر.

هذا كلّه فيما كان عالما بالواقعة، و قلنا بعدم إمكان ترشّح الجدّ منه إلى الإنشاء.

حكم الجاهل المعيّن لغير المالك

و فيما كان جاهلا فيمكن القول بوقوعه فضولا، فيصير من قبيل من باع ثمّ ملك «1»، و لو صحّ الفضوليّ فللقول بصحّته هنا وجه أيضا، كما هو الظاهر.

و لك دعوى صحّته فضولا مع العلم بالواقعة، لإمكان ترشّح الجدّ منه إذا كان بانيا على هبته إيّاه، و كان يعلم بقبوله لها.

و أيضا يمكن تصوير صحّته الفعليّة فيما إذا كان الفرس عنده و إن لم يكن له، و قد أظهر قبل البيع رضاه بقبول هبته، فإنّه إذا قال: «بعته عنه» يقع الهبة بشرائطها و البيع كذلك.

تتميم: حول تعيين المتعاقدين

قد مضى عدم اعتبار التعيين حذاء الإبهام المعتبر في العناوين الكلّية، دون ما يرجع إلى فقدان الوجود «2».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 50- 51.

(2) تقدّم في الصفحة 315.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 320

و هكذا لا يعتبر أن لا تكون المعاملة مجهولة من قبل مجهوليّة المتعاقدين، و ما يقتضيه الأدلّة مخصوص بالعوضين، فإنّ النهي عن الغرر [1] فيما يؤدّي إليها، و هذا بلا فرق بين أنحاء التجارات.

نعم، إذا كانت التجارة قائمة بحسب العوضين بالمتعاقدين- كالمنافع في باب الإجارة و أمثالها- فاعتبار المعروفيّة لأجل هذه الجهة.

و لو قلنا: بأنّ اعتبار الزواج خصوصا المنقطع منه، داخل في الإجارة، فتلك المعروفيّة لازمة، و إلّا فلا. و أمّا اعتبار التعيين بالمعنى الأوّلي في النكاح و أمثاله، فهو لدليل شرعيّ، أو اغتراس ذهنيّ، و إلّا فلا يقتضيه الصناعة بعد إمكان التعيين للمولى بإرادته أو بالقرعة، و قد مضى بعض البحث حوله «2».

مسألة: في صحّة البيع و إن لم يعلم حال المتعاقد و أنّه المالك أم لا؟

لو كان كلّ واحد من المتعاملين غير عارف بحال الآخر، من كونه وكيلا، أو وليّا، أو أصيلا، أو فضوليّا، فهل يجوز البيع مع الإهمال في

______________________________

[1] عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام: «. و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع المضطر و عن بيع الغرر».

عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 45- 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 310.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 321

الخطاب، أو لا يجوز، أو تجوز المخاطبة، لعدم تقوّم الصحّة بها، فلا يضرّ بطلانها بصحّة المعاملة، أو لا تجوز؟

وجوه:

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 321

الظاهر هو الأوّل في الفرعين، و ذلك إمّا لأنّ اليد ظاهرة في الملكيّة، و لا يتقوّم نفوذ المعاملة بالخطاب بعد ذلك، فله إنشاء المعاملة بلا خطاب و معه.

و إمّا لأنّ الملكيّة ليست شرطا إلّا في الجملة، فكون المتصدّي لأمر التجارة مالكا غير لازم، بل اليد كاشفة عن نفوذ تصرّفاته و صحّة تصدّيه، فهو المتعامل حقيقة و إن كان الأثر في كيس الآخر، كما في الوكيل الذي هو مطلق العنان، فإنّ خيار المجلس يثبت له، لأنّه البيّع و إن كانت فائدة البيع للموكّل.

مسألة: في صحّة مخاطبة الوليّ و الوكيل عند إنشاء البيع

إذا علم أنّ المشتري ليس ربّ السلعة، فإن كان وليّا أو وكيلا مطلقا، فيجوز إنشاء البيع له، لجواز التفكيك بين من له البيع، و من ترجع إليه فائدة البيع، فإنّ الثاني أجنبيّ عن حدود العقد و الإنشاء، و جميع أحكامه و الملتزمات العرفيّة ثابتة لهما، دون المولّى عليه و الموكّل.

و إن كان وكيلا في إجراء العقد فقط، فالظاهر جواز المخاطبة أيضا، للقاعدة التي أشرنا إليها: و هي أنّ كلّ كلمة تذكر في العقد، فإن كان في تركها إضرار بالمقصود، فلا بدّ من الإتيان بها على الوجه الصحيح، و إلّا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 322

فلا، و لا شبهة في تماميّة العقد بدون الخطاب إلى الموكّل أو الوكيل، فكما يصحّ في الوكيل مطلق العنان إنشاء البيع بعنوان الموكّل، لعدم الاحتياج إليه، كذلك هنا، لعدم الإضرار به.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 323

الشرط الثالث: الاختيار

البحث عمّا شرط في المتعاقدين

من الشرائط عند المشهور الاختيار، و قد يقال بشرطيّة الرضا و الطيب «1».

و قد يعبّر ب- «مانعيّة الكراهة، أو إكراه الغير، أو شرطيّة عدم إكراه المكره» «2».

و قد يقال بشرطيّة اختياريّة الاختيار «3».

و في الكلّ نظر، ضرورة أنّ معنى كون هذه الأمور شرطا في الجملة، أنّ العقد المستجمع لجميع الشرائط إذا كان فاقدا لذلك يقع باطلا، و نحن بعد الفحص عن جميع جوانب المسألة، نجد أنّ المكره القاصد إلى حقيقة البيع بالإرادة و الاختيار و القدرة، يكون البيع الصادر منه

______________________________

(1) البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري): 233.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 57.

(3) منية الطالب 1: 184- السطر الأوّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 324

كالبيع الصادر من غيره، ضرورة أنّ الإنسان في أفعاله الصادرة منه، يلاحظ الجهات

المختلفة من المصالح، و دفع المضارّ و المفاسد، و لا معنى لكون البيع مورد الطيب، ضرورة أنّه كثيرا ما يقدم الإنسان على المكروهات و يصبر عليها، لدفع الآلام الأخر، و جلب المصالح العالية، و ليست الطيبة المترشّحة من الطيب لذي المقدّمة طيبا عرفا، و إلّا فالمكره أيضا ذو طيب بالنسبة إلى تلك المعاملة التي بها ينجو من شرّ السيف الشاهر.

فبالجملة: لا تعدّد في معنى الاختيار، و لو كان غير مختار فهو فاقد للقدرة التي هي الشرط في تحقّق قصد حقيقة البيع، فيكون البيع فاسدا، لأجل الإخلال بهذا الشرط أو المقوّم الذي مرّ ذكره.

و لو أريد من «الاختيار» معناه العرفيّ مقابل المكره، فهو قبال المضطرّ أيضا، فإنّه أيضا يشتهي أن يصل إلى مرامه من غير التوصّل إلى بيع داره.

و لو قيل: إنّه يتأثّر من عدم تحقّق البيع.

قلنا: المكره أيضا يتأثّر، لأنّه يستلزم وقوعه في المهالك الكثيرة المتوعّد عليها لو أخلّ بالشرط.

نعم، بطلانه التعبّدي لا يستلزم ذلك، لخروجه من اختياره.

و بذلك يندفع كون اختياريّة الاختيار شرطا، لأنّ ذاك الاختيار غير حاصل للمضطرّ، مع صحّة بيعه بالضرورة.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 325

و أمّا جعل إكراه الغير مانعا «1»، فقد فرغنا في الأصول عن عدم إمكان اعتباره في المسائل الاعتباريّة، فيرجع إلى شرطيّة عدمه «2»، و عندئذ لنا أن نسأل الوالد المحقّق- مدّ ظلّه-: بأنّ هذا الشرط يرجع إلى المشروط، فما هو المشروط؟ أي هل إرادة المبيع مشروطة، أو الطيب و الرضا مشروط، أو اللفظ الذي ينشأ به مشروط؟

و بعبارة أخرى: أيّ شي ء مشروط هذا الشرط؟

و لا جواب إلّا بأن يقال: بأنّه يستلزم الإخلال بشرط من شروطها الموجودة في أفق النفس و صقع الذهن.

و بعبارة أخرى:

يشترط في صحّة البيع أن لا يكون تحقّقه عن إكراه، فيرجع ذلك إلى أنّ العلّة- و هي الإرادة المتعقّبة بتحرّك العضلات- غير حاصلة من إيعاد المكره، و هذا يرجع إلى اشتراط كون الإرادة معلولة النفس و المبادئ الخاصّة، دون مطلق المبادئ التي منها إيعاد المكره، و دون الداعي من الفرار عنه.

و معنى هذا بطلان عقد المضطرّ، لأنّه أيضا معلول الإرادة المشتملة على المبادئ الخاصّة، و منها الداعي إلى الفرار من الضرر الذي يخاف عليه.

و من هنا يعلم: أنّ الكراهة ليست مانعة، و لا عدمها شرطا، لوجودها في بيع المضطرّ أيضا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 57.

(2) تحريرات في الأصول 8: 56 و 82 و 91.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 326

صحّة بيع المكره

و الذي هو التحقيق: صحّة بيع المكره، إلّا إذا كانت إرادته معلولة إرادة المكره، فتكون إرادته بإلقاء نفس الآخر عليه، و لا تكون حاصلة في أفق ذهنه بالمبادئ الموجودة عنده، فعند ذلك يبطل البيع، لاستناد البيع إلى المكره بالمجاز، و إلى المكره بالحقيقة، و يرجع وجه البطلان إلى فقد مالكيّة العوضين، كما لا يخفى.

إن قلت: بناء عليه يلزم صحّة بيع المكره إلّا في الصورة الواحدة الشاذّة.

قلت: كلّا، فإنّه كثيرا ما و إن لم تكن إرادة المباشر معلولة إرادة المكره حقيقة، و لكنّها معلولتها عند العرف، و لا يجد العرف المباشر مستقلّا في إرادته، بخلاف المضطرّ، فإنّه لا تستند إرادته إلى غيره.

و إن شئت قلت: تارة، تكون الإرادة معلولة الدواعي النفسانيّة و المصالح و المفاسد المعلومة للمريد.

و اخرى: تكون معلولة الأجنبيّ عرفا، و يستند البيع إليه أحيانا.

و ثالثة: يكون المكره مع إكراه الأجنبيّ، غير خارج من الاستقلال العرفيّ، و غير فانية إرادته

في إرادة المكره.

ففي الصورتين الاولى و الأخيرة تصحّ المعاملة، دون الصورة الوسطى.

هذا كلّه حسب القواعد العقلائيّة، فإنّ العقلاء يحكمون ببطلان بيع

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 327

المكره، و لكنّ القدر المتيقّن من بنائهم ما ذكرناه.

و أمّا قضيّة الأدلّة الشرعيّة، فالآية الشريفة إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إلّا بطيبة نفس منه» «2».

و قوله- عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف-: «إلّا بإذنه» «3».

كلّه أجنبيّ عن مسألتنا، لأنّ الرضا بمعنى الطيب ليس شرطا، و بمعنى الجدّ إلى المعاملة حاصل في مطلق البيع، و بمعنى أنّ في تركه التأذّي موجود في بيع المكره أيضا، لأنّه يؤدّي إلى الفساد الأهمّ في نظره. و المستثنى في الروايتين غير دخيل في المعاملة، بل الظاهر منه هو الإذن و الطيب بالنسبة إلى التصرّفات الإباحيّة، فلا تغفل.

فبالجملة: إكراه المكره تارة، يوجب وجود الداعي المؤدّي إلى تحقّق الإرادة.

و اخرى: يوجب تحقّقها من غير الداعي إلى المراد.

ففي الأولى تصحّ المعاملة، دون الثانية، لأنّ الإرادة الفانية في إرادة الغير، سبب لاستناد المراد إلى الإرادة الأولى الأصيلة، دون الإرادة المباشرة.

______________________________

(1) النساء (4): 29.

(2) الفقيه 4: 66- 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1 و 3.

(3) كمال الدين: 520- 49، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 328

التمسّك بحديث الرفع لبطلان عقد المكره مطلقا و جوابه

إن قلت: قضيّة حديث الرفع «1» بطلان جميع الصور، لصدق «الإكراه» عرفا، و إذا كان أثر المعاملة- و هي الصحّة- مرفوعا، فسائر الآثار الطوليّة- من اللزوم و غيره- مرفوع أيضا قهرا.

قلت: الذي أكره عليه إن كان إرادته، فارتفاعها يؤدّي

إلى ارتفاع المراد، و هو المعتبر الخارجيّ.

و إن كان الإنشاء اللفظيّ دون الإرادة، كما في كثير من موارد الإكراه، فلا معنى لنفي جميع الآثار، فإنّ النقل و الانتقال- و هو البيع المسبّبي- من الآثار القهريّة المترتبة على البيع السببيّ، كالنجاسة المترتبة قهرا على شرب المسكر عن إكراه، فكما لا ترتفع النجاسة هناك، لا يرتفع البيع المسبّبي هنا.

نعم، ما هو أثر نفس التلفّظ بذاته- من الأمر الوضعيّ فرضا، أو التكليفيّ- مرفوع بالحديث الشريف.

و بعبارة أخرى: البيع السببيّ و المسبّبي متقوّمان بالإرادة، و إذا كانت هي مرفوعة فلا يعقل بقاء الأثر، للزوم التهافت بين الرفع و الوضع، و لكنّ البيع المسببيّ غير متقوّم باللفظ، و هو البيع السببيّ، بل هو اعتبار عقيب الاعتبار، على ما تقرّر في محلّه.

______________________________

(1) الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 329

و إن شئت قلت: مورد الإكراه فيما كانت إرادة البائع هو السبب بما هو سبب، و فيما كان التلفّظ بالبيع إنشاء، هو ذات السبب، سواء أثّر في معلوله، أو لم يؤثّر.

و على هذا لا بدّ من صدق فناء إرادة المكره في إرادة المكره، حتّى لا يرى الوسط بينهما من الدواعي الأخر، و إلّا فلا دليل على بطلانه.

بل قضيّة الاستثناء في آية التجارة «1» صحّة بيع المكره، لأنّ الرضا بمعنى الطيب العقليّ موجود، و بمعنى الطيب النفسانيّ غير موجود في بيع المضطرّ، و بمعنى العقد و الإرادة موجود في جميع الفروض.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظاهر كلمة الاستثناء إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ هو كون الإرادة مستندة إلى ربّ التجارة، و أمّا

إذا كانت معلولة الإرادة الأخرى من المكره و غيره، فلا تكون التجارة صحيحة و حقّة، بل هي باطل، فلفظة مِنْكُمْ ربّما تفيد هذا المعنى الذي أسّسناه في المقام. و قد خرجنا من الاختصار، فنرجو قبول الاعتذار.

عودة إلى حكم العقل و العقلاء ببطلان عقد المكره

ثمّ إنّ في المقام (إن قلت قلتات) حول حديث الرفع، و لكنّها ممّا لا حاجة إليها، لأنّ ما هو الدليل الوحيد حكم العقل و العقلاء بعدم نفوذ هذه التجارة، كما أنّ عدم رفع بعض الآثار الوضعيّة أيضا لحكمهم، ضرورة

______________________________

(1) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 330

أنّ النجاسة الآتية من قبل الفعل المكره عليه، ليست من الآثار المربوطة بالشرائع حتّى ترفعها الشريعة الإسلاميّة، و لا من الآثار المعتبرة عند العقلاء، حتّى يحكموا بعدم اعتبارها عند الإكراه، و الخباثة الحدثيّة عندهم كالنجاسة، و لتفصيل المسألة مقام آخر، فتدبّر.

إن قلت: استناد فعل المكره إلى المكره في الأفعال التسبيبيّة- كالبيع و الشراء- غير واضح، بل الظاهر خلافه، فلا بدّ من أن يقال باشتراط كون الإرادة غير مسبوقة بإكراه المكره، بمعنى أنّه لا يكون من مبادئ وجودها، الإكراه و الإجبار و قهر القاهر و الجائر.

قلت: الأمر بحسب حكم العقل كما مرّ «1» و أشير إليه، لأنّ الإرادة معلولة نفس المكره، إلّا أنّ العرف هنا يرى إرادة السبب كإرادة الموكّل، في كونها أقوى في صدور الفعل من إرادة المباشر، فالوكيل و إن هو المبدأ الواقعيّ لصدور الفعل و البيع، و لكنّ إرادته معلولة الإرادة الأخرى.

و يشهد لعرفيّة هذا، ذهاب المحقّقين في إرادة المقدّمة إلى ترشّحها من إرادة ذي المقدّمة، غافلين عن امتناع هذا الترشّح، إلّا أنّ الأمر عرفيّ، لأنّ المبادئ المتخلّلة- لكثرة سرعة النفس، و شدّة قدرتها على إحضارها- مغفول

عنها.

هذا مع أنّ قضيّة اشتراط عدم كون الإكراه من مبادئ الإرادة، بطلان بيع من اكره على تسليم شي ء لا يتمكّن منه إلّا ببيع داره، مع أنّه لا يمكن الالتزام به، و لا يلتزم قائله بذلك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326- 327.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 331

بيان المناط في بطلان عقد المكره

ثمّ إنّ قضيّة ما شرحناه، عدم توقّف بطلان بيع المكره بالإيعاد على الضرر الماليّ، أو العرضيّ، أو غيرهما، بل المناط في بطلانه ترشّح إرادة البائع من إرادة القاهر، فلو أمره الجائر بالبيع فباع من غير التوجّه إلى إمكان التخلّف عن أمره يقع باطلا. بل لا يلزم الإكراه بالمعنى الظاهر منه، فلو كان لأحد إمكان تسخير إرادة البائع، فباع يقع باطلا.

فالمناط خروج البائع من الاستقلال في إرادته عقلا، كما في المثال الأخير، أو عرفا، كما في سائر المواقف، و لذلك لو أكرهه على الضرر اليسير حذاء بيع ما يملكه، فإنّه يصحّ بيعه عندنا، لعدم مقهوريّة الإرادة، و عدم خروجه عرفا من الاستقلال، و عدم مساعدة العرف على ذلك، بل يتّهمه بأنّه كان يشتهي بيعه.

فما يتوجّه إلى مقالة الأصحاب المتأخّرين رضوان اللّه تعالى عليهم غير خفيّ، حتّى نحتاج إلى التفصيل، فجميع القيود المأخوذة في كلمات القوم- من الكراهة بالنسبة إلى الفعل، و الإيعاد، و ظنّ الترتّب، و غير ذلك- غير تامّة، و قد عرفت: أنّه قد يتّفق عدم توجّه المكره- في قبال إرادة القاهر- إلى الجهات الأخر، و يصنع البيع كالمستبيع، فلا يتمكّن من رجوعه إلى نفسه من لحاظ الظنّ بالترتّب أو

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 332

الاحتمال، مع أنّه كاف فيما كان المحتمل قويّا، و الاحتمال موجودا «1»، فلا تغفل.

بل لو أكرهه القاهر على بيع

لو تركه يفسد في الأرض، و يريق دماء المسلمين، أو يكتب الرسالة في ردّ الإسلام و القرآن و أمثال ذلك، فإنّه يجب البيع و إن كان باطلا، لأنّ الوجوب عقليّ لا شرعيّ، كبيع المحتكر.

إن قلت: مادّة «الإكراه» دليل على أنّ الفعل مكروه للفاعل، و إلّا فليس إكراها، بل هو الإجبار و القهر.

و دعوى لزوم بطلان بيع المضطرّ، ممنوعة، لأنّ المقدّمة المتوقّف عليها المحبوب و المشتاق إليه، مورد الحبّ و الاشتياق قهرا و حتما، فإذا رأى أنّ الفرار من الموت متوقّف على قطع اليد، يرضى به، و يشتاق إليه، لذلك التوقّف.

قلت: أوّلا: لا نبالي بصدق «الإكراه» في هذه المسألة، لأنّ دليله حكم العقلاء، و وجه البطلان لا ينحصر بالعموم و الخصوص الوارد في مسألة الطلاق.

و ثانيا: ليس معنى «الإكراه» كون الفعل مكروها، لأنّ من معانيه القهر.

و ثالثا: لا ينبغي الخلط بين الطيب، و الرضا العقليّ و النفسيّ كما مضى «2»، ضرورة أنّ التوقّف لا يورث الحبّ، كما إذا توقّف أداء الدين

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 324.

(2) تقدّم في الصفحة 329.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 333

على بيع ما يملكه، فإنّه مع نهاية اشمئزازه و تنفّره من بيع داره و بستانه، يقدم عليه، و يكون صحيحا، مع أنّه لا يطيب به بالطيب العقليّ، لعدم التزامه بالشريعة حتّى يعتقد بأنّ ذلك يؤدّي إلى الإتيان بالواجب الذي في تركه العقاب، فلو تمّ الطيب العقليّ المتوهّم في كلمات القوم، ففي المثال المذكور لا طيب عقلا، و لا عرفا، مع صحّة المعاملة.

قطعا، فتأمّل.

لا يقال: بناء عليه يلزم بطلان البيع المشتمل على الشرائط، و منها الطيب و الرضا، مع أنّ إطلاق المستثنى في آية التجارة دليل صحّته.

لأنّه يقال أوّلا: قد

عرفت معنى «الرضا» في الآية «1».

و ثانيا: إطلاق حديث الرفع يعارضه بالعموم من وجه، و قضيّة الصناعة بعد المعارضة هو البطلان.

و لو فرضنا أنّ معنى «ما اكرهوا عليه» أو «ما استكرهوا عليه» هو الإجبار على المكروه النفسانيّ، أو قلنا: بأنّ حديث الرفع لا يجوز التمسّك به في المقام، لأنّ من شرائط الصحّة عدم الكراهة و الإكراه، و هو الرضا المستفاد من الآية، و قد تقرّر في محلّه انحصار مجراه بمواضع تكون الأدلّة فيها مطلقة من حيث العناوين المرفوعة في الحديث الشريف، و لكنّه يكفي في البطلان حكم العقلاء و بناء الأصحاب، و هذا ليس من الأحكام المردوعة، بل يستكشف به تنفيذ الشرع إيّاه.

فالمستثنى إمّا مجمل، أو أريد منه أنّ المعتبر في صحّة المعاملة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 329.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 334

و نفوذها، كونها تجارة، و كونها عن تراض، و كون الرضا أو التجارة المتقيّدة بالرضا ناشئا منكم، لا من غيركم و هو المكره، و في صورة الاضطرار يكون الرضا أيضا ناشئا منه، لا من غيره، و عندئذ يمكن الجمع بين الأدلّة، و بين دعوى لزوم اشتراط الطيب النفسانيّ بمعناه العرفيّ، كما لا يخفى، فافهم و تأمّل جيّدا.

بحث: حول اعتبار المندوحة في بيع المكره

لا شبهة في أنّه مع إمكان التوصّل عادة إلى منع المكره عن الإكراه، لا يصدق «بيع المكره» و لا يصدّقه العقلاء في دعواه أنّه أوجد البيع عن إكراه، فعليه تصحّ المعاملة في هذه الصورة.

و لا شبهة في صدقه مع عدم الإمكان، و هكذا مع الشكّ في القدرة إذا كان الجابر يعمل بإيعاده بمجرّد الاطلاع على تخلّفه، أو احتمل ذلك بالاحتمال العقلائيّ، فيما كان المورد ممّا لا يهتمّ به العرف، أو الاحتمال غير العقلائيّ

فيما كان المورد ممّا يهتمّ به العرف و العقل، كالأعراض.

و قضيّة الأصول العمليّة في صورة الشكّ في مورد أنّه من أيّ الفروض المذكورة؟ هو البطلان، لأنّ الشكّ في الصحّة هنا يرجع إلى الشكّ في الشرط العرفيّ، و هو صدق الاستقلال في الإرادة.

بل التمسّك بالأدلّة الاجتهاديّة محلّ إشكال، لاحتمال عدم صدق «البيع» حال عدم الاستقلال عرفا، و مجرّد الإطلاق غير كاف، كما لا يخفى.

و توهّم: أنّ النزاع في هذه المسألة فرع الصدق، غير صحيح، بل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 335

المقصود استجماع جميع الشرائط غير شرط واحد، و هو حصول الإرادة بالوجه المختار عندنا.

هذا، و لو أمكن التفصّي عن المكره بالتخلّف عن إرادته، بإيجاد الأمر الآخر في وعاء الاعتبار، أو أمكن ذلك بإرادة اللفظ فقط، أو أمكن بالتورية، بأن يريد الإخبار في صيغ الإنشاء، فإنّه- بناء على ما عرفت من التحقيق في المسألة في وجه بطلان بيع المكره «1»- تصحّ المعاملة في هذه الصور، لعدم فناء إرادته في إرادة المكره، ضرورة أنّ ذلك مع التوجّه إلى الاقتدار على التخلّص، غير قابل للجمع.

نعم، قد يخطر بباله ذلك، إلّا أنّ الإرادة القاهرة سخّرت إرادة المباشر عرفا، و تكون إرادته ناشئة منها عند العقلاء، لا العقل كما هو الظاهر.

و عليه لا فرق بين الوضع و التكليف، في كونه معذورا في الارتكاب، و أنّ التكليف مرفوع بالحديث الشريف.

و قد يقال: إنّ قضيّة ما ورد في أخبار الطلاق [2]، و قصّة

______________________________

[2] زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن طلاق المكره و عتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق، و لا عتقه بعتق، فقلت: إنّي رجل تاجر، أمرّ بالعشّار، و معي مال، فقال:

غيّبه ما استطعت، و ضعه مواضعه،

فقلت: فإن حلّفني بالطلاق و العتاق، فقال:

احلف له، ثمّ أخذ تمرة، فحفر بها من زبد كان قدّامه، فقال: ما أبالي حلفت لهم بالطلاق و العتاق، أو أكلتها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 173- 174.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 336

عمّار [1]، و روايات اليمين عند العشّار [2]، و أمثال ذلك، لحوق ما ليس بإكراه

______________________________

عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: لو أنّ رجلا مسلما مرّ بقوم ليسوا بسلطان، فقهروه حتّى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلق، ففعل، لم يكن عليه شي ء.

وسائل الشيعة 22: 86، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 37، الحديث 1 و 2.

[1] مسعدة بن صدقة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ الناس يروون أنّ عليا عليه السلام قال على منبر الكوفة: أيّها الناس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تتبرّؤوا منّي، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي و إنّي لعلى دين محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لم يقل: و لا تبرّؤوا منّي، فقال له السائل: أ رأيت أن اختار القتل دون البراءة، فقال: و اللّه ما ذلك عليه، و ما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ (أ) فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عندها: يا عمّار إن عادوا فعد، فقد أنزل اللّه عذرك، و أمرك أن تعود

إن عادوا.

أ- النحل (16): 106.

وسائل الشيعة 16: 225، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 2.

[2] إسماعيل الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أمرّ بالعشّار و معي المال، فيستحلفوني، فإن حلفت تركوني، و إن لم أحلف فتّشوني و ظلموني، فقال: احلف لهم، قلت: إن حلّفوني بالطلاق؟ قال: فاحلف لهم، قلت: فإنّ المال لا يكون لي، قال:

تتّقي مال أخيك.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 337

بالإكراه حكما، أو هي تشهد على الصدق العرفيّ مع القدرة على التورية «1».

و فيه: أمّا الصدق اللغويّ، فهو ممنوع في بعض الموارد بالضرورة، و أمّا اللحوق الحكميّ فهو باطل بالمذهب، لأنّ التجاوز من تلك المواقف إلى المسائل الوضعيّة- أي كون الإكراه موجبا لرفع الحكم التكليفيّ العظيم هناك، دليل على بطلان البيع هنا- غير جائز.

نعم، قد عرفت انحصار دليل المسألة بحكم العقلاء «2»، و هم ربّما يرون التفاوت في مراتب الصدق.

إلّا أن يقال: بأنّ المستثنى في آية التجارة، دليل على أنّ وجه البطلان عدم حصول الطيب في المكره من المبادئ الموجودة في نفسه، لأنّه حاصل من المبادئ الموجودة في نفس المكره، فلا يشترط صدق «بيع المكره» في البطلان، بل المناط ذلك، و لا شبهة في أنّ هذا يورث بطلان البيع، و لا يورث أنّ جواز الارتكاب متوقّف على صدق «الإكراه و الاضطرار» فما يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه «3» كغيره، ممّا لا يمكن المساعدة عليه.

______________________________

سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اكره و اضطرّ إليه، و قال: ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه.

وسائل الشيعة 23: 227، كتاب

الأيمان، الباب 12، الحديث 17 و 18.

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 119- السطر 20.

(2) تقدّم في الصفحة 326 و 330.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 119- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 338

و أمّا تقريب الاستدلال بالإطلاق السكوتيّ، و هو ترك الاستفصال مع لزوم التذكّر إلى التورية، خصوصا في قصّة عمّار «1»، فهو غير تامّ، لما يمكن دعوى: أنّ التذكّر المذكور ربّما يوقع الناس في المفاسد العظيمة، و لأجل سدّها من جميع الجهات جوّزت الشريعة المقدّسة ذلك. و ربّما يكون ممنوعا مع الشكّ في القدرة على التخلّص بها.

فبالجملة: مع القدرة على الفرار من البيع بالحيل الشرعيّة أو العرفيّة قدرة فعليّة، أو مع إمكان كسب القدرة عليه، لو أوقع البيع فهو داخل في المسائل الآتية: و هي ما لو أكرهه على أحد الأمرين، لأنّه يرجع إلى أنّه أكرهه إمّا على التلفّظ الخالي من الأثر، أو على البيع، فسيأتي تفصيلها من ذي قبل- إن شاء اللّه تعالى- «2».

الاستدلال على المختار بمثال عرفيّ

ثمّ إنّ من الممكن دعوى: أنّ لحاظ المكره العوارض المتأخّرة عن البيع الحاصل عن الإكراه- كابتلائه في بيعه داره بالثمن، و هو مغصوب بحكم الشرع إذا كان البيع فاسدا، و لا يتمكّن بعد ذلك من إرضاء صاحبه غير المطّلع على الإكراه- يقتضي أنّه إذا أراد البيع يصحّ، و لكنّه على مبنى القوم غير صحيح، لأنّه أوقع البيع عن إكراه.

و على الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- و السيّد الفقيه اليزديّ رحمه اللّه

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 119- السطر 33- 34.

(2) يأتي في الصفحة 345.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 339

- القائلين: بأنّ عدم الإكراه قيد مستقلّ آخر تعبّدي وراء الرضا و الطيب، بدليل حديث الرفع و أمثاله «1»-

الالتزام بفساده، مع أنّ الضرورة قاضية بصحّته، و لو أمكن تصحيحه على مبنى القوم، لا يمكن على مبناهم، فيعلم أنّ المدار على ما أسّسناه في المقام، و تأمّل فيه التأمّل التامّ- لأنّه من مزالّ الأقدام- بعون الملك العلّام.

بحث و تفصيل في الإشارة الإجمالية لفروع المسألة
عدم الحاجة إلى تفصيل الفروع بعد انحصار دليل المسألة ببناء العقلاء

جرت عادة المتأخّرين على ذكر الفروع الكثيرة هنا، و قبل الخوض فيها لا بدّ من الإشارة إلى أمر: و هو أنّ قضيّة ما ذكرناه أنّ دليل بطلان بيع المكره، بناء العقلاء و حكمهم في جميع الأمم و الأقوام «2»، و لسنا- بناء عليه- ذاهبين إلى مفهوم «الإكراه» و قيوده، و إن ذكرنا إجمالا بعض المباحث المتعلّقة به.

مع أنّك أحطت خبرا: بأنّ جريان الحديث في المقام ممنوع، لأنّ المستثنى في آية التجارة «3» دليل على شرطيّة الرضا، و هو يمنع عن

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 56- 57، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1:

120- السطر 18.

(2) تقدّم في الصفحة 326 و 330.

(3) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 340

ذلك، لما تقرّر في محلّه من أنّ مصبّه الأدلّة المطلقة، لا المقيّدة بعدم الإكراه، و لا المقيّدة بالإكراه، و لا المصرّحة بثبوت الحكم حال الإكراه، و لذلك بنوا على حكومة الحديث على الأدلّة، و لو كان فيما نحن فيه جاريا، يلزم كونه دليلا مؤيّدا لسائر الأدلّة.

و توهّم دلالة المآثير في روايات الطلاق على حكم في هذه المسألة «1»، غير تامّ، بل الظاهر اختصاصها به، و إلّا كان الأولى ذكر البيع في جملة ما يذكر في تلك الروايات، لابتلاء الناس به، فيعلم أنّ في تلك المسألة نكتة لا بدّ من الغور فيها حتّى يعلم ذكر تلك الأمور بخصوصها.

و لعلّ المقصود في تلك المآثير من «الإكراه» عدم

الإرادة و القصد، فتكون أجنبيّة عمّا نحن فيه و يشهد لذلك بعض النصوص في المسألة [2]، فليراجع.

هذا مع أنّ ذكر «الاضطرار» يغني عن ذكر «الإكراه» في الحديث الشريف، لأنّ الاضطرار أعمّ من الاضطرار الحاصل من الإكراه، فالنسبة بين العنوانين عموم مطلق، فيكون المدار على ذكر الاضطرار. و لا داعي إلى دعوى جريان رفع الإكراه قبل جريان رفع الاضطرار لتقدّمه الرتبيّ،

______________________________

[2] عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: لا يجوز طلاق في استكراه، و لا تجوز يمين في قطيعة رحم- إلى أن قال-: و إنّما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه، و لا إضرار.

الكافي 6: 127- 4، وسائل الشيعة 22: 87، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 37، الحديث 4 و الباب 38، الحديث 1.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 118- السطر 34- 35.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 341

لأنّه لا يفيد في حلّ الشبهة و هي ذكر «الإكراه» قبال «الاضطرار».

نعم، فيما كانت النسبة عموما من وجه، فالتمسّك المذكور لتقديم رفع الإكراه على رفع الاضطرار، له وجه، و لكنّه غير وجيه. و هكذا لو فرضنا أنّ الإكراه الذي هو العلّة، مقدّم زمانا عند العرف، فلا تغفل و تدبّر.

فبالجملة: التمسّك بالروايات لا يخلو من غرابة، و هكذا التمسّك بما ورد في خصوص البيع: «من اشترى طعام قوم و هم له كارهون، قصّ لهم من لحمه يوم القيامة» «1».

و مثله التمسّك ب- «لا بيع إلّا في ملك» «2» بناء على كون المراد من «الملك» القدرة و ملك التصرّف، و المكره لا يكون مالكا، لعدم إمكان التخلّف عرفا في بعض الصور عن البيع.

إذا عرفت ذلك فيظهر: أنّ المناط في البطلان و الصحّة حكم العقلاء،

سواء صدق العناوين الأخر، أو لم تصدق، فما جعله الأصحاب في الفروع الآتية مورد النظر، أو ما أفاده السيّد المحقّق المؤسّس الوالد- مدّ ظلّه- من جعل أمر المكره مصبّ التقاسيم المذكورة في باب الأوامر من اختلاف المتعلّقات و القيود الواردة عليه «3»، كلّها تطويل بلا حاجة.

______________________________

(1) الكافي 5: 229- 1، وسائل الشيعة 17: 338، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شرائطه، الباب 1، الحديث 11.

(2) الرواية هكذا: لا بيع إلّا فيما تملك.

عوالي اللآلي 2: 247- 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 3.

(3) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 69- 70.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 342

و بذلك فقد فرغنا عن ذكر الفروع بتفصيلها إلّا أنّ الإشارة الإجماليّة إليها ممّا لا بأس بها:

حكم ما إذا أكرهه على البيع فباع من الكافر

فإذا ألزمه على البيع، فتارة: يلزمه على بيع جميع متملّكاته، فعندئذ لا يصحّ كلّ بيع يصدر منه. و إذا أجبره على بيعها من الكافر فلا يصحّ أيضا.

و إذا أجبره على البيع فباع من الكافر، مع ممنوعيّة بيع المصحف منه، و حرمة تسليطه عليه، فإنّه يقع باطلا، و لا يبعد استناد بطلانه إلى الإلزام، لا إلى خصوص الأدلّة في بيع المصحف، و يعاقب لعدم إلزامه على الخصوصيّة.

و لو قيل: كيف يعقل ترشّح الإرادة بنحو الجبر العرفيّ بالنسبة إلى أصل البيع، و اختياريّتها بالنسبة إلى الخصوصية؟! قلنا: هذا ممّا يصدّقه الوجدان أوّلا، و لا ينافيه البرهان، لأنّ إرادة القاهر سبب لوجود الإرادة في المقهور، و تعليق تلك الإرادة إلى المراد الخاصّ الذي تشخّص الإرادة به باختيار، و هذا يكفي لعدم ارتفاع العقاب، كما إذا لاحظ المحبوبيّة و مطلوب المولى في ذلك يصحّ ثوابه، و

يستحقّ أجره، فتدبّر.

و هذا يتمّ من غير التوقّف على القول: بأنّ في العمومات الإفراديّة الخصوصيّات الفرديّة مورد النظر، أو ليست مورد اللحاظ و الجعل،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 343

ضرورة أنّ قياس المقام بالأوامر الواردة الشرعيّة مع الفارق، فإنّ هناك لا قاهريّة و لا مقهوريّة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ إرادة المكره بالنسبة إلى إرادة المكره فانية، و تكون موجودة بوجودها، و تحت ذلك سرّ البطلان و الصحّة.

فالتقاسيم المذكورة في الواجبات الشرعيّة و إن جرت في الواجبات العرفيّة و كلّ الأوامر، إلّا أنّ ذلك ممّا لا حاجة إليه، و لا يتوقّف المسائل عليه، كما هو الواضح.

و من هنا يعلم: أنّه إذا أجبره على بيع الدار، و لم يعيّن الدار، و كان مقصوده بيع جميع دوره، فإنّه لا يصحّ.

حكم الإجبار على بيع شي ء بنحو صرف الوجود

و إذا أجبر على بيع شي ء بنحو صرف الوجود، فقد يقال: بأنّ أوّل المصداق مكره عليه، فيكون باطلا «1».

و فيه: أنّه إذا كان من قصده قبل الإكراه بيع داره، و أكرهه المكره على البيع، على وجه يصدق على ما يوقعه، يلزم على ذلك بطلانه، مع أنّه ممنوع قطعا، فيعلم من ذلك لزوم كون إرادته من مترشّحات إرادة الغير و الجابر، و مع اقتضاء الدواعي التي في وجودها لتحقّق تلك الإرادة، لا يستند البيع إلى إرادة القاهر.

فالالتزام بصحّة جميع بيوعه كما لعلّه مذهب الأكثر، بدعوى أنّ ذلك

______________________________

(1) انظر مقابس الأنوار: 117- 26، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 344

لا يؤدّي إلى الإكراه على الخصوصيّات المرجّحة للإرادة، غير صحيح، فما يكون من بيوعه إرادة الجابر محرّكة إليه، يقع باطلا.

نعم، لا بأس بالالتزام المذكور على الوجه الذي يأتي تفصيله.

و العجب

من الوالد- مدّ ظلّه- حيث اختار في مجلس بحثه بطلان أوّل المصداق، قضاء لحقّ الصناعة، مع اختياره في «تحرير الوسيلة» أمرا آخر، فنفى الاستبعاد عن بطلان المصداق الذي يأتيه امتثالا لأمر المكره!! فليراجع «1»، إنّه خروج من مفروض المسألة كما لا يخفى.

حكم ما إذا أوجد بيوعا متعددة دفعة

ثمّ إنّه إذا أوجد البيوع المتعدّدة بأوّل المصداق، فهل يكون المجموع صحيحا.

أو باطلا.

أو يفصّل بين الواحد غير المعيّن و غيره، فيقال بالقرعة.

أو أنّها تختصّ بالمواقف التي لها الواقعيّة، فيكون أحد البيوع صحيحا ثبوتا، و لا يمكن استكشافه من بينها إثباتا؟

وجوه:

و الذي هو التحقيق: أنّ مجرّد إلزام الملزم و إكراهه لا يكفي للبطلان، كما إذا أكرهه و ألزمه على بيع داره، و هو موافق لحكم عقله أيضا، و لكنه يماطل في البيع لأجل طلبه الراحة، و ربّما يدعو له دعاء الخير، فكما

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 467، القول في شرائط المتعاقدين، المسألة 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 345

أنّ ذلك الإكراه يرجع إلى الإكراه على المقدّمات، كذلك الأمر فيما أوقع البيوع المتعدّدة دفعة، لأنّه لا لون لما اكره عليه، فيكون الإكراه على المقدّمات، فعلى هذا يصحّ بيعه بلا شبهة، لعدم الامتنان في رفعه، و لعدم حكم العقلاء ببطلانه، مع أنّه لو لا الإلزام المذكور لما تصدّى للبيع.

فالمدار على عدم وجود الدواعي المقتضية للإرادة، و إن لم تكن بالغة إلى حدّ البعث و التحريك، فإنّه عندئذ يبطل البيع و يفسد، و في المثال المذكور أيضا كذلك، فإنّه مع إلزام المكره متوجّه إلى خصوصيّات صنعه من البيوع المختلفة التي يريد إيقاعها بإنشاء واحد، فما كان منها بتلك الإرادة القاهرة- أي إذا جعل واحدا من أمتعته في ضمن الأمتعة الكثيرة لإرادة القاهر- فالبيع بالنسبة إليه

باطل، و لكن لمّا كان إرادة القاهر غير متعلّقة بالمتاع الخاصّ و الجزئيّ الخارجيّ في مفروض المسألة، فقهرا يصحّ جميع البيوع، لتوافق الدواعي مع إرادة القاهر. و هذا هو الوجه الذي وعدنا بيانه لتصحيح ما اختاره الأكثر «1»، فتدبّر.

إن قيل: هذا أمر عجيب، فإنّ الإكراه واقع بلا شبهة، و المكره واصل إلى مقصوده بلا ريب، فكيف يكون البيع صحيحا؟! قلنا: نعم، الأمر كما توهّمت، إلّا أنّه لا منع من الفرار عن إكراهه المورث للبطلان، فلو كان هو غير شائق إلى البيع، فكان عليه أن يقتصر على ما يرتفع به الغائلة، فيعلم من ذلك حصول الدواعي على وفق إرادة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 338.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 346

المكره.

و هذا ليس معناه أنّ البطلان لبيع المكره، مستند إلى عدم تماميّة القرينة على إرادة البائع و قصده، كما عن النراقيّ رحمه اللّه في «المستند» «1» فإنّه واضح المنع، ضرورة أنّ مجرّد القصد و الإرادة غير كاف في الصحّة، و قد مضت دلالة الآية عليه حسبما ما يؤدّي إليه النظر.

فتحصّل أنّ لتحقّق الإرادة عللا مختلفة حسب المعدّات الداخليّة و الخارجيّة، و ليست تلك عللا تامّة، إلّا أنّ مع اجتماع المعدّات تحصل الإرادة، فتارة تسبق علّة على اخرى، فيكون المعلول- و هي الإرادة هنا- مستندا إليه، إلّا أنّ العلل الأخرى أيضا إذا كانت لو لا السبق المزبور كافية في التأثير، يصحّ أن لا يكون المراد- و هو البيع- باطلا، لأنّه و إن كانت الإرادة مقهورة بوجودها الفعليّ، و لكنّها لمّا كانت المبادئ الأخرى في النفس موجودة، لا يعدّ البيع عند العقلاء من بيع المكره الذي هو الباطل عندهم.

نعم، إذا استلزم إلزام المكره انقلاب الدواعي، فلا يصحّ.

و

بالجملة: فالإكراه على الطبيعة المطلقة، و الإتيان بمصاديقها العرضيّة دفعة واحدة، كالإكراه على الطبيعة المخيّرة و الجمع بين طرفي التخيير، في كون المجموع صحيحا، ضرورة أنّه إذا أتى بمصداق منها، يكون هو المكره عليه قهرا، و إذا أتى بمصداقين فلا لون لما اكره عليه، و حيث يكون الدواعي النفسانيّة على البيع موجودة يقع الكلّ

______________________________

(1) مستند الشيعة 2: 364- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 347

صحيحا، لامتناع تعيين ما لا داعي له في بيعه، فمثل هذا الإلزام من قبيل إلزام المماطل عن القيام بمصالحه، فيكون الإكراه غير متحقّق قهرا و إن يصل المكره إلى مرامه و مقصده.

و ممّا يشهد على ما اخترناه، امتناع كون أحدهما المعيّن باطلا، أو أحدهما غير المعيّن، أو المجموع، لقيام الضرورة على خلافه.

مختار الوالد المحقق فيما إذا أوجد المكره بيوعا متعدّدة دفعة و نقده

و ما أفاده المحقّق الوالد- مدّ ظلّه-: «من أنّ الصحيح هو الكلّي في المعيّن، و الباطل هو كذلك، كما في بيع الصبرة إذا كان بالنسبة إلى بعض منها باطلا، فإنّه كما هناك تحتاج الصحّة الفعليّة إلى الإجازة مثلا، كذلك هنا تقع المعاملة بالنسبة إلى الكلّ صحيحة بالقوّة، مثل صحّة باب الفضوليّ، و صحّة بيع الصرف، فيكون القرعة هنا متمّم السبب الناقل، جمعا بين دليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و دليل القرعة [2].

و بالجملة: فعنوان أحدهما صحيح، و عنوان أحدهما باطل، و هذان

______________________________

[2] الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: إذا وقع الحرّ و العبد و المشترك على امرأة في طهر واحد و ادّعوا الولد، أقرع بينهم، و كان الولد للّذي يقرع.

عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في رجل قال: أوّل مملوك أملكه فهو حرّ، فورث سبعة جميعا، قال يقرع

بينهم، و يعتق الذي خرج سهمه.

وسائل الشيعة 27: 257 و 261، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة و أحكام الدعوى، الباب 13، الحديث 1 و 15.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 348

العنوانان كلّيان قابلان للصدق على كلّ واحد منهما.

و لو لم تكن تلك المعاملة صحيحة شأنيّة، لما كان يفيد الإجازة اللاحقة بالنسبة إلى الكلّ، مع أنّ الأمر ليس كذلك بالضرورة، فعليه يعلم صحّتها الشأنيّة، و يترتّب النقل بعد القرعة، و هي ليست لما هو المتعيّن في الواقع، بل حصرها بهذه الصورة أولى من العكس» «1».

لو تمّ في نفسه، لا يكون محتاجا إليه في المسألة، لعدم بطلان الواحد لا بعينه، كما عرفت.

مع أنّ البيع المتعلّق بعشرة أشياء في المسألة الاولى، و باثنين في المسألة الثانية، لا يتعلّق إلّا بما هو العنوان الذاتي لها، لا العنوان الاختراعيّ الآخر، ضرورة أنّ البائع مثلا قال: «بعت هذا و هذا و ذاك بكذا» و قال المشتري: «قبلت الكلّ» أو قال البائع المكره مع وكلائه في زمن واحد: «بعت» بالنسبة إلى الأشياء الكثيرة، فإنّه لا معنى لأن يكون عنوان «أحدها» باطلا، و عنوان «العشرة إلّا الواحد» صحيحا، لأنّهما ليسا مورد البيع، فهما عنوانان مشيران، و لا يعقل الإشارة إلى ما لا تعيّن له في الخارج.

نعم، إذا جمع المكره في التعبير و قال: «بعت العشرة» و كان مكرها على نفس الطبيعة، كان لما أفاده وجها لحلّ المعضلة وجه، فليتدبّر.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 72 و 76- 78.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 349

حكم الإكراه على بيع شخصيّ مع ضمّ المكره إليه أمرا آخر

ثمّ لو أكرهه على الواحد الشخصيّ، فضمّ إليه الآخر فباع، فإن كان من قبيل ما يفيد الضمّ رقاء القيمة، أو كان من

قبيل أحد الفعلين و واحد من البابين، فلا يبعد البطلان، لبناء العرف و العقلاء و دليل الاضطرار، لو لم نقل بكفاية دليل الإكراه، أو قلنا بعدم جريان حديث رفع الإكراه في بيع المكره، كما عرفت تحقيقه «1». مع أنّك عرفت أيضا وجها لممنوعيّة جريان الحديث مطلقا إكراها و اضطرارا.

و إن لم يكن الأمر كذلك فيصحّ البيع بالنسبة إلى المنضمّ، إلّا إذا استلزم الخلل في الجهات الآخر المورثة لبطلان التجارة، كما لا يخفى.

حكم الإكراه على بيع متوقف على مقدمات وجودية أو علميّة

و لو أكرهه على شي ء كان متوقّفا على المقدّمات الوجوديّة، كما إذا أكرهه على أداء الدين غير الواجب أداؤه فعلا، أو أكرهه على الضيافة المتوقّفة على بيع داره و أثاثه و هكذا، فالبيع باطل، لأنّ الإرادة المتعلّقة به ناشئة من إرادة الغير القاهر، و لإطلاق دليل رفع الاضطرار، بناء على شموله لمثل هذه الاضطرارات المعلولة من الإكراه، و قد مضى وجه منعه «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 340- 341.

(2) نفس المصدر.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 350

و إذا كان متوقّفا على المقدّمات العلميّة، كما في موارد العلم الإجماليّ، فالأمر بالنسبة إلى الأطراف مثل ما مرّ.

حكم ما إذا أكرهه على أداء الدين الواجب فباع داره

و إذا أكرهه على أداء الدين الواجب شرعا، فباع داره، ففيه وجهان:

من أنّ الإكراه المذكور غير مشمول لحديث الرفع، لأنّه ليس فيه امتنان فتأمّل، و لأنّ الدليل الخاصّ يقضي بجواز إكراهه عليه.

و من أنّه لا يستلزم صحّة البيع، بعد ظهور كلمات القوم في أنّ المناط هو الامتنان الشخصيّ، لا النوعيّ، فيشمله الدليل.

و الأقوى هو الأوّل، خصوصا إذا كان متمكنا من أدائه بغير البيع و الكسب، فإنّه و إن صدق «الإكراه» إذا كان إقدامه على اختيار البيع للأغراض العقلائيّة، إلّا أنّ الحديث ربّما كان منصرفا عنه.

و يمكن دعوى: أنّ صحّة البيع هنا كصحّته في بيع المحتكر، فإنّه مع الإخلال ببعض الشرائط يصحّ، و الأمر هنا مثله، فلو فرضنا أنّ إرادته لبيع داره مقهورة لإرادة القاهر بعد رعاية الأغراض العقلائيّة، فإنّه عندئذ تبطل تجارته، و لكنّ ذلك صحيح عند الشرع. اللهمّ إلّا أن يقال: بوجوب الأداء بطريق صحيح، فلو تخلّف عنه يكون البيع باطلا.

و بالجملة: فإذا كان الطريق منحصرا به فهو صحيح، و إلّا فالصحّة محلّ إشكال بل منع.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 351

حكم إكراه المحتكر على بيع الحنطة أو داره

و لو اكره المحتكر على بيع الحنطة أو بيع داره، فإن باع الحنطة فهو صحيح قطعا، و إذا أقدم على الثاني فالظاهر هو البطلان.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ إبطال بيعه يجرّئه على المحرّم، و هو الاحتكار، فالمنّة تقضي بالصحّة، فليتدبّر.

حكم إكراه جماعة على أمر واحد

لو أكره جماعة على أمر واحد، نظير الواجب الكفائيّ، فإن سبق الكلّ فباعوا دورهم يبطل، إلّا إذا كان السبق لدواعيهم.

و إذا تمكن أحدهم من إكراه واحد منهم على ما أكرهه عليه المكره، فهل يجوز ذلك، أم لا، و إذا لم يجز ذلك، فهل يصحّ بيعه أم لا؟

فيه وجهان:

من إمكان التفصّي بطريق عقلائيّ.

و من لزوم كونه شرعيّا.

حكم الإكراه على فعل موسّع مع بدار المكره

و لو اكره على بيع داره من الزوال إلى الغروب، أو شرب الخمر، فهل يجوز البدار مطلقا، أو لا مطلقا، أو يفصّل بين الوضع و التكليف؟

فيه وجوه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 352

اختار الوالد المحقّق الأوّل، بدعوى أنّ إمكان التفصّي ممنوع بالضرورة، فيصدق «الإكراه» عرفا «1».

و الذي يقتضيه التحقيق الحقيق بالتصديق: أنّ عناوين حديث الرفع «2» ليست من قبيل التخصيص، بل الظاهر أنّها عناوين على الملاكات الأوّلية اللازم حفظها بدوا، و الجائز الاقتحام فيها عند الصدق شرعا، إلّا أنّ حكم العقل محفوظ حينئذ، و على هذا فلا يجوز البدار بالنسبة إلى التكليف، لأنّ تأخير مبغوض المولى نوع ترك له بالضرورة.

بل لو قلنا بمراتب الامتثال و الاعتذار، فالعذر في آخر الوقت أقوى، لانطباق عنوانين: «الإكراه» و «الاضطرار».

هذا مع أنّ المكره قاطع بعدم رفع الإلزام في الأثناء، و مع قطعه- كما هو مفروض المسألة- لا يمكن حدوث احتمال الخلاف.

و لكن لي عدم تجويز البدار، لأنّ المفتي يحتمل ذلك، و إذا أمكن التخلّص من مبغوض المولى و لو احتمالا، يجب عقلا.

و من هنا يعلم الوجه في التكليفات، و الإكراه عليها بالأنحاء المتصوّرة في الواجبات و أقسامها، كما أشير إليه، ضرورة أنّ الأمر هنا يدور مدار الإطلاق بضميمة حكم العقل. و أمّا صحّة تجارته في الأثناء و بطلانها، فهي دائرة

مدار الأمر الآخر الذي عرفته منّا، و سمعته مرارا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 75.

(2) الخصال: 417- 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 353

حكم بيع الوكيل مع إكراه المالك في أصل الوكالة

و لو أكرهه على التوكيل فأنشأ الوكالة، فهي باطلة، فهل العقد الصادر من الوكيل أو الإيقاع الصادر منه، يقعان فضوليّين؟ الظاهر ذلك، بناء على جريانه فيهما.

فإذا رضي بالوكالة، فهل يكفي عن الإجازة لهما، أم لا، أو يختلف ذلك باختلاف المباني في الإجازة؟ الظاهر هو الأخير.

و ما هو الظاهر في تلك المسألة: أنّ المالك بالخيار في أصل الإجازة و حدودها، فله إجازة العقد على النقل، أي من الحين، و له إجازته من الأثناء، و له الإجازة من أوّل الأمر، فيكون باعتبار الآثار المقصودة، و له التفكيك في الآثار، فإن أجاز الوكالة باعتبار ترتيب جميع الآثار فلا يحتاج عقد الوكيل إلى إيقاعه إليها، و إن أجازها بالنظر إلى الأثر الخاصّ فيترتّب هو، دون غيره، و له إجازة الوكالة من الحين، فيكون العقد و إيقاع الوكيل فضوليّين محتاجين إلى الإجازة الأخرى.

حكم إكراه المالك على قبول الوكالة في إجراء عقد أو إيقاع

و لو أكرهه المالك على قبول الوكالة في إجراء العقد أو الإيقاع، فهل يقعان صحيحين، أم لا، أو يقع الأوّل دون الثاني؟

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 354

قيل بالأوّل «1»، و قيل بالثالث [2].

و المسألة مبنيّة على أنّ إنشاء الوكالة ينحلّ إلى الإنشاءين، أم لا، فإن انحلّ عرفا إلى إنشاءين- إنشاء عنوان الخاصّ، و إنشاء الإذن بإجراء العقد و الإيقاع- فلا حاجة إلى الإجازة، و إلّا فتحتاج الصحّة إليها.

و لكنّ الظاهر أنّ انحلال الوكالة إلى الإنشاءين، غير كاف، ضرورة أنّ الإذن بإجراء العقد، موضوع لاعتبار الوكالة أيضا، لأنّ فعل من يأذن لا يخرج من أحد العناوين المتعارفة العرفيّة، و لذلك تعدّ هذه العقود- بتسامح- من العقود الإذنيّة.

و بالجملة: فهو وكيل عن إكراه، فتكون الوكالة باطلة.

نعم، دعوى كفاية المظهر و لو كان بالغلط و الباطل للرضا

و الإرادة، غير بعيدة، فعليه لا فرق بين العقد و الإيقاع، لأنّهما واقعان بجميع شرائطهما.

و لنا دعوى: أنّ العقد الصادر من المكره يستند إلى المكره فيصحّ من غير حاجة إلى الإجازة، و ذلك لما عرفت منّا في وجه بطلان بيع المكره. و عن الشهيد الثاني احتمال الثاني، للزوم وقوع ألفاظ العقد و الإيقاع باطلة، قضاء لحقّ حديث رفع الإكراه، فلا يكفي الإجازة اللاحقة «3»، فتدبّر.

______________________________

[2] لم نعثر على قائله في هذه العجالة.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 120- السطر 34، البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 74.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 120- السطر 35، مسالك الأفهام 2: 3- السطر 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 355

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الإكراه على إجراء الصيغة و بيع الدار و الطلاق، إكراه على الوكالة بالحمل الشائع، و يظهر أنّ العقود الإذنيّة من الأكاذيب، ضرورة أنّ الإذن يعتبر عند العقلاء من العنوان البسيط الاعتباريّ، كالوكالة، و العارية، و ليس المنشأ هو الإذن، فلا معنى لانحلال الوكالة إلى الإذن الجنسيّ و المعنى الفصليّ، حتّى يكون الباطل هو الثاني، دون أصل الطبيعة.

مع أنّه عقلا ممتنع، لا عرفا، و لذلك يصحّ الالتزام بالتفكيك في الإنشاء في حديث رفع القلم بالنسبة إلى الإلزامات، دون أصل الإنشاءات، و لذلك اشتهر بين المتأخّرين صحّة عبادات الصبيّ، لكونه مأمورا بها بالأوامر الكلّية الإلهيّة، إلّا أنّ الإلزام مرفوع عنه «1»، فلا تخلط.

و لو اكره الوكيل غير المالك على البيع، و كان وكيلا فيه، فالظاهر تماميّة النسبة، و صحّة العقد، و لا وجه للسراية كما هو الظاهر.

بحث و فحص حول ما إذا أكره على الطلاق فطلّق ناويا أو على البيع فباع ناويا

عن «تحرير» العلّامة رحمه اللّه: «لو اكره على الطلاق فطلّق ناويا، فالأقرب وقوع الطلاق» «2».

و قد ذكر المتأخّرون حول ذلك ما

لا ينبغي منهم، ضرورة أنّ

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 21 و 25.

(2) تحرير الأحكام 2: 51- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 356

الْحَقّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ «1» سواء قال به أحد، أم لم يقل.

و بالجملة: فما أفاده غير وجيه، إلّا إذا كان المقصود ما أشرنا إليه في صحّة بيع المكره، الذي يريد بعد الإكراه الفراد من الغصب، و هو المأخوذ بالعقد الفاسد، فإذا نوى الطلاق لئلّا تقع الزوجة في الحرام، أو لغرض آخر في طول الداعي، فإنّه لا منّة في رفعه، و عليه حكم العقلاء.

ثمّ إنّ الأصحاب تخيّلوا صورا في المسألة، ضرورة أنّ الإرادة المتعلّقة بالعقد أو الإيقاع، كما يمكن أن تكون معلولة الدواعي النفسانيّة، يمكن أن تستند إلى الإرادة القاهرة، و يمكن أن تكون معلولة الداعي و تلك الإرادة، و يمكن أن تكون إحداهما علّة تامّة لو لا لحوق الأخرى، دون الأخرى، فبنوا على التفصيل و ذكر أحكامه.

استشكال الوالد المحقّق على الصور التي ذكرها الأصحاب و جوابه

و استشكل المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- عليهم: «بأنّ هذه الصور كلّها فيما نحن فيه ممتنعة، بداهة أنّ الإكراه على المعنى المشهور بين هؤلاء هو الإلزام على ما يكرهه المكره، و لا يعقل اجتماع طيب النفس المعتبر عندهم في الصحّة مع الكراهة إذا كانا متعلّقين بأمر واحد عنوانا، لا عنوانين منطبقين على واحد في الخارج، فإنّه جائز كما تقرّر في

______________________________

(1) يونس (10): 35.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 357

الأصول «1»، فالبيع و الطلاق إمّا مكروه، أو مورد الطيب و الرضا النفسانيّ، فعليه يسقط جميع الفروض، لامتناع كونهما جزءين، و لا مستقلّين، و لا داعيين طوليّين، لأنّ المعتبر في العلل الطوليّة بقاؤها معا، و هنا ينعدم الداعي الأوّل بحصول

الداعي الثاني.

و أمّا الإكراه بالمعنى المختار، فهو أيضا لا يجتمع، لأنّ الإرادة التكوينيّة المتعلّقة بالبيع، إمّا معلولة إرادة القاهر، أو معلولة الدواعي، و إذا كانت الدواعي غير محرّكة فهي معلولة تلك الإرادة، و لا معنى للجمع، و إذا كانت معلولة الدواعي فلا أثر لتلك الإرادة القاهرة.

و توهّم اجتماعهما في التأثير، فاسد، فإنّها معلولة النفس، و أمّا الدواعي و تلك الإرادة فهي معدّات لخلّاقيتها، لا علل حقيقة.

و بالجملة: فإنّا إذا راجعنا وجداننا، نجد أنّ إرادة البيع إمّا حصلت من إرادة قاهرة عرفا، أو حصلت من الدواعي، و لا شركة بعد الدقّة» «2».

أقول: المسألة الفقهيّة التي يمكن عنوانها ليست هذه الأمور، و لا تلك الصور، بل الجهة المبحوث عنها هنا: هو أنّ مع وجود الميول النفسانيّة إلى البيع و الأغراض العقلائيّة إلى الإيقاع، هل يصدق «الإكراه» الموضوع لرفع الأثر، و هل يحكم العقلاء ببطلان تلك العقود و الإيقاعات؟

______________________________

(1) انظر تهذيب الأصول 1: 391- 398، تحريرات في الأصول 4: 201 و ما بعدها.

(2) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 80- 81.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 358

قضيّة ما شرحناه سابقا و أسّسناه حول المسألة «1»، عدم مساعدة الأدلّة على بطلانها، ضرورة أنّ مجرّد الإلزام المؤثّر في الإرادة لو كان موضوعا، يلزم فساد البيع في المثال المذكور، مع شهادة الوجدان بصحّته، و عدم شمول دليل الرفع لها و لا منّة في ذلك.

مع أنّ الأمر هناك من قبيل الداعي إلى الداعي، بمعنى أنّ إلزامه أورث إرادته، و لكنّه بعد ملاحظة وقوعه في المشكلات المترتّبة على فساد البيع، يرجو صحّته، و يريد إيقاعه، إلّا أنّ الإرادة معلولة الدواعي التي هي معلولة الإلزام، و هما مجتمعان في الوجود، و لا

يكون المتأخّر مفنيا للمتقدّم، للزوم كون المعلول معدما لعلّته، و هو مستحيل بالقطع و اليقين، فالبحث عن الطيب غير صحيح، لما عرفت من فساد المبنى.

و أمّا بعد كون الوجه في بطلان بيع المكره، كون الإرادة مقهورة لإرادة اخرى، بحيث يمكن استناد الفعل إلى القاهر، دون المقهور، كما يستند فيما كان نسبة المباشر إلى السبب أضعف بمراتب كالوكيل، فيأتي الكلام حول أنّ نفس تلك الدواعي غير المحرّكة القابلة للتحريك، و لكنّها لا تكون محرّكة أصلا، تضرّ بصدق «الإكراه» أو تمنع عن فساد البيع و أنّ صدق الإكراه بمعنى الإلزام، أم لا، و قد مضى أيضا: أنّ الفساد لا يدور مدار صدق «الإكراه» لأجنبيّة حديث الرفع عن المسألة «2»، فلا تغفل.

و بمقتضى ما تقرّر سابقا من المثال بالمماطل، يظهر لك إمكان كون

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326.

(2) تقدّم في الصفحة 329 و 339- 340.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 359

الداعي النفسانيّ و الداعي إلى الفرار من وعيد الملزم، مجتمعا علّة الإرادة، فلا تكون الإرادة- كما عرفت- معلولة الإرادة حتّى لا يعقل توارد الإلزام و الدواعي، بل إرادة القاهر تورث داعيا، و سائر الدواعي الأخر أيضا موجودة، فتقدّم على البيع، فإنّه عندئذ يشكل الأمر صحّة و فسادا، لقصور الأدلّة من الجانبين، و كأنّه جمع بين مقتضي الصحّة و مانعها، كما لا يخفى.

إن قيل: قضيّة ما مرّ هو استناد الإرادة إلى القاهر عرفا، فعليه لا يمكن الالتزام بإمكان التصوير المذكور.

قلنا: نعم، إلّا أنّ مع عدم وجود الدواعي يكون الأمر كذلك، بخلاف ما إذا كانت الدواعي الأخر معلومة و موجودة، فإنّه عندئذ لا يستند عرفا إلى تلك الإرادة، بل العرف حينئذ ينتقل إلى أنّ تلك الإرادة و سائر

الدواعي اتفقت في خلّاقية النفس للجزء الأخير، فتدبّر جيّدا.

و إن شئت قلت: ما هو محرّك المكره إلى الفعل ليست إرادة القاهر، بل هي موضوع الإطاعة و مصبّ الفرار من الوعيد الذي هو العلّة التامّة أو الناقصة، و عليه فيجتمع الدواعي الكثيرة في الإتيان بالفعل الواحد.

و هذا و إن كان مطابقا للتحقيق، إلّا أنّه فيما اقترنت الدواعي به، و أمّا إذا توحّدت فعند العقلاء تكون الإرادة مستندة إلى تلك الإرادة، و يكفي في عرفيّة المسألة خفاؤها على مثله المحقّق في العلوم العقليّة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 360

و النقليّة، فما أفاده- مدّ ظلّه- حول المسألة «1» و هكذا سائر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم «2»- ممّا لا يمكن الركون إليه.

منع جريان حديث الرفع لإثبات بطلان عقد المكره عند الشكّ

ثمّ إنّ قضيّة ما ذكرناه في هذا المضمار بطوله- من انحصار الدليل في المسألة ببناء العقلاء، و عدم جريان حديث رفع الإكراه «3»- هو البطلان في مواقف الشكّ، كما لا يخفى.

إن قلت: لا منع من التمسّك بالحديث، فيكون في عرض المخصّصات اللفظيّة بالنسبة إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «4» و لا نصّ على كونه في طول الأدلّة الواقعيّة الأوّلية، بل السرّ هو اقتضاء الرفع ذلك، و هو حاصل فيما فرضناه، و بهذا المعنى تكون المخصّصات بلفظ هنا طبق العمومات.

قلت: حتّى لو سلّمنا ذلك، و لكن شمول العمومات الشرعيّة و القوانين الكلّية لبيع المكره، ممنوع حسب الأفهام العرفيّة، و لا أظنّ إمكان الالتزام بذلك، و هذا إمّا يرجع في الحقيقة إلى اشتراط العقد في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدّس سرّه 2: 80- 81.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 23، منية الطالب 1: 196- السطر 11.

(3) تقدّم في الصفحة 329.

(4) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 361

التحقّق إلى عدم وجود الإرادة القاهرة، أو في التأثير، و الأوّل هو الأقوى، على إشكال يأتي، فيكون بيع المكره خارجا تخصّصا، لتلك الجهة، فلا تخلط.

و يمكن دعوى: أنّ جلّ عناوين حديث الرفع من الأعذار العقليّة و العقلائيّة، فالتكاليف الإلهيّة و الوظائف الشرعيّة مختلفة:

فمنها: ما لا يرفعها الحديث، و لا يقبل فيها تلك الأعذار، كالمهمّات منها.

و منها: ما يقبل فيها العذر، و يشملها الحديث، فلا حاجة إليه.

و منها: ما لا تعدّ عذرا، إلّا أنّ إطلاق الدليل يرفعها.

فدعوى انصراف الحديث الشريف عمّا يعتذر به العقلاء، غير بعيدة.

اللهمّ إلّا أن يقال: باختلاف الآثار من جهات أخر في الشمول و عدمه، فتدبّر جيّدا.

بقي الكلام في أمور:
الأمر الأوّل: حول عدم قابلية عقد المكره للتصحيح بالإجازة
اشارة

في أنّ بيع المكره هل هو باطل غير قابل للتصحيح بالإجازة اللاحقة أو الرضا اللاحق، أم هو قابل، أو يصحّ بالإجازة، و لا يكفي الرضا، و ليس هو مثل الفضوليّ؟

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 362

وجوه، بل أقوال:

المشهور بين المتعرّضين هو الثاني «1»، لما يستظهر منهم الاكتفاء بالرضا، و تكون الإجازة أولى بها، معتقدين أنّ ما هو الدخيل في ماهيّة العقد قد حصل، و ما هو الشرط في نفوذه يحصل بها، فيصير العقد صحيحا.

شبهات تصحيح عقد المكره بالإجازة
اشارة

و قد يشكل ذلك تارة: بأنّ ما هو الحاصل بماهيّته هو عنوان «البيع» لأنّ المفروض تقوّمه وجودا بالإرادة، و هي في المكره حاصلة، و بالتمليك و المبادلة ماهيّة، و هي مورد تلك الإرادة المقهورة الناشئة من إلزام المكره، و لكن ذلك غير كاف، لاشتراط كونه عقدا حتّى يكون مشمول أدلّة التنفيذ، و هو غير صادق عليها بالضرورة، لأنّ المعاقدة و العقدة لا تحصل إلّا مع المالك المريد بالإرادة الاستقلالية، لا المقهورة التبعيّة، و هذا ممّا يشهد به الوجدان، و يساعد عليه البرهان.

و اخرى: بأنّ هذه المسألة من متفرّعات ما هو القادح في صحّة بيع المكره، فإن قلنا: بأنّ وجه البطلان اختلال الشرط، و هو الرضا و الطيب، كما يظهر من الشيخ رحمه اللّه «2» و كثير من أتباعه «3»، فهو يحصل بعد

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 14، قواعد الأحكام 1: 124- السطر 3، الدروس الشرعيّة 3:

192، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 34، و: 122.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 122- السطر 21- 22.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 119- السطر 31، و 121- السطر 13، منية الطالب 1: 197- السطر 24، و: 198.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 363

الإجازة.

و

إن قلنا: بأنّ الوجه هو ضعف الاستناد، و يكون من قبيل عقد غير المالك، فهو كالفضوليّ كما مرّ منّا تقريبه «1»، فهو أيضا ممكن تحصيله بالإجازة.

و أمّا بناء على كون الإكراه مانعا، فهو قد حصل و لا يمكن رفعه، و ما يمكن رفعه هو الحاصل من الإكراه و هو كراهة المكره، إلّا أنّ الكراهة ليست مانعة، و لا الطيب شرطا، على ما تقرّر، فيكون نفس إلزام القاهر مانعا غير قابل للارتفاع.

و هكذا لو قلنا: بأنّ ما هو الشرط عدم كون الإلزام من مبادئ تحقّق الإرادة في المكره، و أمّا اعتبار المانع فهو محلّ الكلام في مثل المقام، فعليه لا يمكن- بناء على ما يظهر ممّا مرّ- تصحيح بيع المكره بالرضا و الإجازة مطلقا.

و ثالثة: بأنّ ظاهر المستثنى في آية التجارة كون التراضي الناشئ من المتعاملين، دخيلا في خروجها من الباطل في المستثنى منه، و ذلك لقوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2» فإنّ كلمة مِنْكُمْ كما مرّ تفيد كون التراضي من المتعاملين، لا من القاهر «3»، فما كانت من التجارة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326.

(2) النساء (4): 29.

(3) تقدّم في الصفحة 328- 329.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 364

فاقدة لتلك الجهة باطلة.

و لا دليل على خروجها من المستثنى منه، و دخولها في المستثنى، بل لا يعقل ذلك، لأنّه بالإجازة و الرضا لا تخرج التجارة المزبورة من العنوان المنطبق عليها، كما عرفت في الإشكال الثاني.

ثمّ إنّ من المحتمل في الإتيان بكلمة «التراضي» هو إفادة كون المتعاملين متراضيين من المبادئ و الدواعي الموجودة في أنفسهم، لا من إرادة القاهر، و أمّا إذا كان أحدهما قاهرا و متعاملا، فهو أيضا ليس من التراضي الحاصل

منهما، بل هو من التراضي الحاصل من أحدهما، فافهم و اغتنم جدّا.

و توهّم دلالة الآية الكريمة على أنّ التجارة لا بدّ من كونها عن التراضي، و ناشئة عن الرضا المقارن، فتدلّ على بطلان بيع المكره «1»، في غير محلّه، لأنّها لا تتمّ إلّا بالنسبة إلى منع التأثير قبل اللحوق، و أمّا إذا لحقته الإجازة فيحصل الشرط، فتكون مؤثّرة.

فبالجملة: يتوقّف إبطال بيع المكره بنحو كلّي- بحيث لا تفيد الإجازة اللّاحقة- على اعتبار ما لا يمكن تحصيله، و إلّا فالأدلّة اللفظيّة لا تدلّ على أنّ بيع المكره غير قابل للتصحيح، كما هو الواضح الظاهر في الفضوليّ و نحوه.

و رابعة: بأنّ بناء العقلاء على بطلان بيع المكره، و هذا يرجع إلى اعتبارهم القيد و الشرط فيه للصحّة و الأثر، و لا يكون عندهم نحوان من

______________________________

(1) لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 8: 156.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 365

الشروط: شروط الصحّة، و شروط التأثير. و ما اشتهر من شرط الصحّة و الاسم و شرط التأثير، فهو لأجل اختلاط الشروط الشرعيّة بالعرفيّة و امتزاجها، فما عندهم إلّا ما هو الدخيل في عنوان المعاملة.

و إن شئت قلت: كون العقد صحيحا تأهّليّا و قابلا، و في قوّة الصحّة الفعليّة، ممّا لا معنى له في الأمور الاعتباريّة، بل الأمر فيها حول القيود و الشرائط الدخيلة في كونها موضوعا للأثر، و محلّا لاعتبار الغرض و المقصود العقلائيّ، أو عدمها، و لا ينبغي الخلط بين الشرعيّات و الاعتباريّات، و بين الطبيعيّات و التكوينيّات، فالإجازة اللّاحقة من شروط عقديّة العقد و بيعيّة البيع عند العرف، و ما ترى من إطلاق «البيع» على بيع المكره، فهو من التسامح، و إلّا فهو عندهم لا يعدّ

بيعا.

و توهّم صدق تعريف البيع عليه، فهو لأجل تخيّل أنّ المقصود من «التمليك بالعوض» أعمّ ممّا يصدر من المالك و غيره، و من المكره و غيره، مع أنّه ظاهر في أنّه تمليك صادر من المالك، لأنّ غير المالك لا يكون مملّكا، و تمليك صادر عن إرادة مستقلّة منه، لا من القاهر. و هكذا في قولهم: «هو مبادلة مال بمال».

فالعقد الفضوليّ و بيع المكره، مشتركان في هذه الجهة فسادا، خصوصا إذا قلنا: بأنّ منشأ فساد الثاني رجوعه إلى الأوّل، كما عرفت منّا تقريبه «1»، فافهم و تدبّر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 326.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 366

و خامسة: لو فرضنا خروج عقد المكره من عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» للأدلّة الشرعيّة، و هكذا من سائر الأدلّة التنفيذيّة، لما بقي وجه للتمسّك بها بعد ذلك، إلّا على الوجه غير الصحيح عند المحقّقين، و هو كون الزمان مفرّدا.

الوجه الحقّ لعدم قابليّة عقد المكره للتصحيح بالإجازة

و سادسة: بأنّ الظاهر من حديث الرفع، تنزيل الموجود منزلة المعدوم على نعت الادعاء، و إطلاقه يقتضي عدم إمكان لحوق الإجازة به، للزوم التهافت بينه و بين دعواه.

و إن شئت قلت: الموضوعات في الأدلّة الأوّلية على أنحاء ثلاثة:

ما لا تندرج في عناوين حديث الرفع.

و ما تندرج فيها، و تكون بتمام ذاتها تكليفا.

و ما تندرج و تكون الكلفة في لزومها، كما نحن فيه، فإنّ عقد المكره مرفوع، و لا كلفة في بقاء الصحّة التأهّلية، لاقتضاء الامتنان المبنيّ عليه الحديث الشريف ذلك.

فما كان من القسم الأوّل و الثاني، فعدم الشمول و الشمول واضح فيهما.

و أمّا في القسم الثالث، فقد وقعت كلمات القوم في اضطراب شديد، و كلّها مخدوشة، لعدم تناولها ما هو الحقّ في معنى الحديث، و كيفيّة

______________________________

(1) المائدة (5):

1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 367

الادعاء المشاهد فيه، و إذا تأمّلت في أنّ دعوى ارتفاع الموضوعات، لا تصحّ إلّا بالمصحّحات العقلائيّة، و هي هنا متوقّفة على كون تلك الموضوعات مدّعاة على المكلّفين، دون الأحكام، لأنّ ما ادّعى رفعه هو المدّعى وضعه، فكما في جانب ادعاء الوضع، تكون الآثار غير التكليفيّة في جنب الأوزار التكليفيّة، غير مرعيّة، و لا منظورا إليها، فكذلك الأمر هنا، فيلزم عندئذ صحّة ادّعاء لا شيئيّة المكره عليه و المضطرّ إليه و هكذا، فعليه لا معنى لترتيب أثر الصحّة التأهّلية، لأنّها فرع الوجود، و هو معدوم في نظر الشرع و الادعاء.

إن قلت: فما الحيلة للفرار عمّا عليه العقلاء في الفضوليّ و المكره، من بنائهم و حكمهم بكفاية الإجازة، و لا يمكن- على ما تقرّر- ردع البناءات الاغتراسيّة العقلائيّة بإطلاق دليل، خصوصا إذا كان محتاجا إلى التقريب و الإثبات؟

قلت: منكر صحّة الفضوليّ يتشبّث بأنّ الإجازة هي القبول، و ليست إلّا من قبيل القبض في الصرف و السلم.

و بالجملة: ليس عقد المكره عقدا عرفا، و لا بيعا حقيقة، و يصير بالإجازة عقدا و بيعا بحكم العرف، فما صنعه المكره هو القابل لانطباق العناوين العقلائيّة عليه بعد الإجازة، و إلى هذا يرجع قول من يقول: بأنّها ناقلة، فتأمّل جيّدا.

فتبيّن الفرق بين كون عمل الفضوليّ و المكره، مصداقا للعقد

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 368

و البيع حقيقة، كما هو خيرة المشهور توهّما «1»، و بين عدم إمكان انطباق تلك العناوين عليه، كما هو الظاهر من «جامع المقاصد» «2» و «صاحب الذخيرة» «3» و «مجمع الفائدة» «4» و بين ما أسّسناه، و هو الحدّ الوسط، فيكون قابلا لصيرورته معنونا بتلك العناوين.

و الانطباق السابق على الإجازة، من الإطلاقات الوهميّة في الاستعمالات الموسّعة غير المبتنية على الدقّة و النظر، فتدبّر.

وفاء الاعتراض السابق بمقالة المشهور

ثمّ إنّه لا يبعد عدم تماميّة بعض الشبهات المشار إليها بناء أو مبنى، إلّا أنّ الحقّ في بينها ما ذكرناه أخيرا.

فلو فرضنا أنّه عقد، و قلنا كما هو الحقّ: بأنّ عنوان «العقد» ممّا لا حاجة إليه في المعاملات، بل المدار على العناوين الأصليّة، لأجنبيّة الآية الكريمة عمّا نحن فيه، كما تقرّر في محلّه «5».

و فرضنا كما هو الحقّ، أنّ وجه بطلان بيع المكره، كون الإرادة

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 18: 373، رياض المسائل 1: 511- السطر 30- 31، و: 512- السطر 9، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 121- السطر 33- 34.

(2) جامع المقاصد 4: 62.

(3) كفاية الأحكام: 89- السطر 3.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 8: 156.

(5) تقدّم في الصفحة 327.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 369

المتعلّقة به مقهورة للإرادة الأخرى، فيكون الفعل مستندا إلى تلك الإرادة، لأقوائيّة السبب من المباشر.

و سلّمنا أنّ المستثنى في الآية الكريمة لا يفيد إلّا البطلان الفعليّ، و هو لا ينافي الصحّة التأهليّة.

و فرغنا عن أنّ العقلاء كما تكون عندهم شروط للصحّة، تكون عندهم شروط للتأثير، و يكفي لاعتبار الصحّة التأهليّة ترتّب الغرض عليها، و هو الصحّة الفعليّة بالإجازة.

و قلنا: بأنّ التخصيصات في القوانين الكليّة، ليست تخصيصات فرديّة بإخراج الأفراد بعناوينها الشخصيّة، حتّى لا يندرج في العمومات ما خرج منها، بل هي التخصيصات الراجعة إلى التقييدات الأحواليّة، و إن كانت في القانون بصورة العموم و الخصوص، فعليه ما كان خارجا من عموم أَوْفُوا «1» و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» عنوان كلّي، و لو كان ما يصدق عليه عنوان المخصّص في زمن غير صادق

عليه في الآخر، فلا ريب في شمول العمومات قطعا.

و هذا ليس معناه كون الزمان، و الأحوال الشخصيّة مفرّدات، بل التفريد في العامّ تابع العنوان الخارج منه، فإذا كان الخارج عنوان «بيع المكره» فما هو الداخل بيع غير المكره، فإذا زالت الكراهة تشمله العمومات قهرا.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 370

و ذكرنا: أنّ حديث الرفع أجنبيّ عن هذه المواقف «1»، أو فرضنا عدم دلالته على نفي القابليّة، لأنّ ما هو المدّعى وضعه ليس عنوان الموضوعات الخاصّة، بل المدّعى أنّ ما هو الموضوع عليهم وزرا بالقوانين الكلّية، مرفوع عنهم منّة، و لا شبهة أنّ الصحّة التأهّلية ليست موضوعة وزرا، فملاحظة قانون الرفع بعد التطبيق على عناوين سائر القوانين غير صحيحة، للزوم انتفاء الموضوع المذكور عرفا و تعبّدا، فلا تغفل.

يلزم من مجموع ذلك صحّة ما أفاده القوم في المقام.

فتحصّل: أنّ تلك الشبهات لا تخلو من المناقشات، إلّا أنّ الذي عرفت هو الأمر الثالث غير ما هو المشهور، و لا ما هو المنسوب إلى بعض الفحول، كما مرّ «2»، بل بالإجازة يصير ما أوجده المكره معنونا بعناوين المعاملات، و سيتّضح زيادة عليه في الفضوليّ إن شاء اللّه تعالى.

الشبهة السابعة: ثمّ إنّ ها هنا شبهة اخرى غير ما مرّ: و هي أنّ الكراهة الباطنيّة المعلومة للمكره الباقية بعد العقد، في حكم ردّ البيع، فلا تفيد الإجازة اللّاحقة، لأنّها التحقت بعد الردّ.

و تندفع بما يأتي: من أنّ الردّ الظاهريّ لا يمنع، فضلا عنه، و الإجماع المدّعى مخصوص بصورة أخرى، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 329- 330.

(2) تقدّم في الصفحة 367- 368.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 371

فذلكة الكلام في وجه بطلان بيع المكره

هو أنّ وجه

بطلان بيع المكره، إمّا فقدانه الشرط الوجوديّ، أو العدميّ، أو وجدانه المانع، فإن كان فاقدا للشرط الوجوديّ، فيلزم الانتقاض ببيع المضطرّ، و يمكن تصحيحه بلحوق الرضا و الإجازة، لتماميّة السبب بذلك قهرا.

و إن كان فاقدا للشرط العدميّ المشار إليه سابقا، أو واجدا للمانع كما عرفت «1»، فهما يورثان عدم الانتقاض، و لكن يلزم عدم إمكان إفادة الإجازة و الرضا اللاحق صحّته، كما لا يخفى.

و الذي هو الأقرب من أفق التحقيق: أنّ الوجه فقدانه الشرط الوجوديّ، إلّا أنّه ليس مطلق الرضا و التراضي، بل الشرط هو التراضي المعلول للدواعي الموجودة في نفس البائع، دون ما إذا حصلت من إلزام المكره، و بذلك يجمع بين ما هو طريقة العقلاء من كفاية الإجازة أو الرضا، و من قولهم بصحّة بيع المضطرّ دون المكره، و بين ما هو المستفاد من المستثنى في آية التجارة، و هو التراضي الناشئ من المتعاملين و من دواعيهم النفسانيّة، فافهم و اغتنم.

نعم، قضيّة ذلك صدق «التجارة» على الفاقد للقيد، و مقتضى ما مرّ منّا عدم صدق العناوين إلّا بعد لحوق الرضا الصادر من الدواعي النفسانيّة، و لكن التأمّل حقّه يعطي عدم ظهور المستثنى في ذلك، و لا يعدّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 325.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 372

بيع المكره من التجارة العقلائيّة قطعا.

الأمر الثاني: في النقل و الكشف

هل الإجازة اللّاحقة به تكون ناقلة، أم كاشفة حقيقة، أو حكما؟

وجوه و أقوال تفصيلها في الفضوليّ «1».

و يحتمل النقل على نعت آخر، بأن يكون الناقل متأخّرا زمانا، و المنقول متقدّما زمانا، و متأخّرا رتبة، و هذا غير الكشف الحقيقيّ، كما لا يخفى.

و الذي هو التحقيق: أنّ ما يتراءى من كلمات القوم- من أنّ الأمر غير اختياريّ، و تكون

الإجازة إمّا ناقلة، أو كاشفة- فاسد جدّا، بل قضيّة حكم العقل و العرف، أنّ الأمر بيد المالك، فإن شاء أجاز من أوّل الأمر، و إن شاء أجاز من الوسط، أو من الحين، و له اشتراط انسلاب المنافع، و له اشتراط لحوقها بالعين، لعدم الدليل على أنّ الأمر قهريّ، و لا شاهد على أنّ أمر العقد خارج عن اختياره، بعد احتياجه على جميع التقادير إلى الإجازة حتّى على الكشف الحقيقيّ، فإنّه تابع مقدار الكاشف و حدود الكشف.

فهذا هو قضيّة الأصل العقلائيّ، إلّا إذا نهض من الشرع ما يقتضي خلافه، كما في النكاح، فراجع.

______________________________

(1) يأتي في الجزء الثاني: 122 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 373

و أمّا مقتضى الأصول العمليّة فعدم تماميّة السبب بلحوقها، و لو فرضنا ذلك فالقدر المتيقّن منه هو النقل من الحين.

إن قلت: بناء على ما هو المختار من عدم صدق العناوين إلّا بعد الإجازة و إظهار الموافقة، فلا معنى لهذا النزاع، لتقوّمه بصدق العناوين، و احتياجه في الأثر إلى الإجازة، كما هو ظاهر الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم.

قلت: لا نسلّم ذلك، فإنّه إذا أمكن اتّصافه بعدها بها، فلا منع من كونه مدار كيفيّة لحوق الإجازة، كما هو الواضح.

و بعبارة أخرى: فرق بين ما هو من تتمّة الأجزاء، كالقبول و القبض المعتبرين في جثمان العقد، و بين ما هو من الشرائط القلبيّة، كالرضا و رفع الكراهة:

فما كان من قبيل الأوّل، فلا يأتي فيه النزاع المزبور، كما لا معنى للنزاع المذكور في القبول اللاحق بالإيجاب إذا كان متأخّرا زمانا، و قلنا بعدم شرطيّة الموالاة كما عرفت «1».

و ما كان من قبيل الثاني فيأتي فيه البحث، لأنّه به يصير معنونا و مؤثّرا،

فيكون تابعا لزمن تعنونه بالعناوين اللازمة، و هو في اختيار المالك.

اللهمّ إلّا أن يقال: كلّ الأمور الدخيلة في التأثير و الاسم على نسق واحد عرفا، و تمام البحث في الفضوليّ، فتأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 165.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 374

الأمر الثالث: حول كفاية الرضا اللاحق و عدمه

هل يكفي الرضا اللاحق، أم لا بدّ من إنشاء الإجازة، أم المسألة من قبيل بيع الفضوليّ، فإن كان هناك كافيا فالأمر هنا مثله؟

و قد يقال بالفرق بين المقامين: «و هو أنّ المنقصة في بيع المكره هي ضعف الاستناد إليه، لأجل كونه فاقدا للرضا و الطيب، و هما أمران قلبيّان يتمّ العقد بحصولهما في القلب، و لا يفتقران إلى الإنشاء، بخلاف بيع الفضوليّ، فإنّ المنقصة فيه عدم الاستناد إلى المالك، فيحتاج إلى الإنشاء» «1» انتهى، و فيه ما لا يخفى.

و الذي هو التحقيق: أنّ الرضا و ما هو الشرط القلبيّ الذي هو من الصفات الموجودة في النفس حين الإنشاء، ليس قابلا للإنشاء، لعدم كونه من الاعتباريّات، فهو بوجوده الواقعيّ دخيل في الاسم أو في التأثير، فكما يصحّ أن ينشئ المالك بيع داره مخبرا بعدم رضاه بذلك حين الإنشاء، و لكنّه يخبر به بعد مدّة، كذلك له الإخبار بحصول الرضا به، فلو اطّلع على هذا الأمر القلبيّ من غير إخباره، فهو أيضا كاف، ففرق بين ما لو كانت صحّة أمر موقوفة على الإنشاء، كما في طلاق زوجته، فإنّه ما دام لم ينشئ لا يقع الطلاق، لتقوّم صحّة طلاق الغير بإنشاء الوكالة له، أو ما يحذو حذوه، و لكنّه إذا طلّق فضولا ثمّ رضي به، فلا يبعد الكفاية، لتماميّة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 122- السطر 3، منية الطالب 1: 198- السطر 4.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 375

العلّة التامّة، فإنّه لو كان يطلّق بنفسه فلا يكون إلّا إنشاء الطلاق مع الرضا و الإرادة، و هما حاصلان.

و لكنّ المسألة بعد تحتاج إلى التعمّق، و التفصيل في الفضوليّ إن شاء اللّه تعالى.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

الجزء الثاني

اشارة

القول في الفضولي

[تتمة المقصد الثاني في شروط المتعاقدين]

الشرط الرابع أن يكونا نافذي التصرّف في العوضين

اشارة

و لا يشترط المالكيّة، و لا المملوكيّة، كما عرفت «1»، فما قيل من اشتراط كونهما مالكين أو مأذونين من قبلهما، أو من قبل الشارع «2»، أو قيل: «يشترط كونهما مالكي التصرّف» «3» غير تامّ، لأنّ ذلك فرع شرطيّة الملكيّة في العوضين.

فلو باع الفضوليّ فلا ينفذ بيعه بالاتفاق «4»، و عليه الإجماع من جميع الملل. بل لو صحّ ذلك يلزم فساد البيع، لتقوّمه في الاعتبار باختلاف

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 313- 315.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 11- 12، البيع، المحقّق الكوهكمري: 266.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 116- السطر 24، وسيلة النجاة 2: 25، كتاب البيع، المسألة 5.

(4) الحدائق الناضرة 18: 376- 377، مفتاح الكرامة 4: 184- 185، رياض المسائل 1: 512- السطر 20، البيع، المحقّق الكوهكمري: 267.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 2

نسب الأفراد إلى الأموال، و لو كانت النسبة واحدة لما كان وجه لاعتبار البيع الذي به تتبادل النسب، كما في المتعارف من البيوع، أو تحدث به النسبة المالكيّة، و يكون الاختلاف المصحّح للبيع قبله القدرة على التسليم و الاحتياز.

ففي بيع الكلّي لا يكون المبيع مملوكا بضرورة العقل، و عليه الأصحاب- رضوان الله تعالى عليهم «1»- و لكنّه يصحّ البيع، و يصير بعد ذلك ما في ذمّته مملوك المشتري، فنسبة الملكيّة تحدث بالبيع، و لا تكون قبله، و لكن اختلاف قدرة البائع و المشتري، أو اختلاف بنائهم و اعتبارهم الماليّ، يورث صحّة البيع المزبور عرفا.

و مثله ما لو باع الطير في الهواء القادر على تسليمه طيرا شخصيّا، فإنّه بالبيع يصير المشتري مالكا، و على البائع تسليمه، فلا تخلط.

و بالجملة: هل بيعه- بعد الاتفاق على عدم نفوذه-

يكون قابلا للتنفيذ من قبل أهله، أو لا، أو يفصّل؟

و لمّا كانت المسألة طويلة الذيل،

فالبحث حولها يتمّ في ضمن أمور:
اشارة

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 103، مفتاح الكرامة 4: 271- 272، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 196- السطر 13 و ما بعده، البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 16- 18، و 3: 291- 292، منية الطالب 1: 39- السطر 21- 24، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 3

الأمر الأوّل فيما هو محلّ النزاع في بيع الفضوليّ
اشارة

لا شبهة في عدم ورود نصّ في مفهوم «الفضوليّ» حتّى تكون المسألة دائرة مداره، فعليه نقول: البحث الصحيح حول أنّ الأسباب المورثة للنقل و الانتقال، و العلل التي هي الموضوعات لاعتبار النقل و الانتقال على طريق البتّ و القطع، هل تكون قابلة لأن توجد قاصرة في التأثير و ناقصة في الموضوعيّة و العلّية- على اختلاف التعابير- أم لا؟

و الذي هو التحقيق: أن القيود و الأجزاء و الشرائط الوجوديّة و العدميّة، لا تخلو بالنسبة إلى ماهيّات العقود و الإيقاعات من أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ:

إمّا تكون من شرائط الماهيّة و نفس الطبيعة.

و إمّا تكون من شرائط التأثير و الموضوعيّة.

فما كان من قبيل الأوّل، فالبحث عنه ليس من البحث في المقام، لعدم لحوق مباحث الكشف و النقل به، ضرورة أنّ القبض من الشرائط

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 4

الشرعيّة في عقد الصرف و السلم و الهبة، و لا يكون لحوقه به بعد مدّة موضوعا لمسألة الكشف و النقل، فيكون خارجا عمّا هو مصبّ النفي و الإثبات في المقام.

و ما هو من قبيل الثاني، يندرج في الجهة المبحوث عنها هنا، فالبلوغ و الرشد و الفلس و الجنون و أمثالها من هذا القبيل، لأنّه بعد حصول الشرائط و رفع الموانع لا بدّ من الإجازة، و لا دليل شرعا على اعتبار هذه الأمور في

الصحّة و الماهيّة بعد إباء العرف عنه، كما هو الظاهر.

و توهّم: أنّ الشرائط الشرعيّة في الماهيّة و الصحّة الشأنيّة، ترجع إلى شرائط التأثير و موضوعيّة الموضوع، في غير محلّه، ضرورة أنّها حسب العرف لا تكون من الاولى، و لا من الثانية، و بحسب الشرع و القانون المتّبع، يتبع الاعتبار، و ما هو ظاهر الأصحاب- رضي الله عنهم- هو الأوّل «1»، و لكنّ المساعد عليه الاعتبار هو الثاني.

فإذن لو كانت الأدلّة ناظرة إليه، فتندرج المسألة فيما نحن فيه، و هو أنّ القبض اللاحق المورث لتأثير العقد السابق، هل يكون موجبا للتأثير من الحين، أو للتأثير في الحين من القبل، أو يكون كاشفا حقيقيّا أو حكميّا.

إن قلت: لا بأس بالالتزام باختلاف الشرائط حسب الأدلّة الشرعيّة، فيكون منها: ما هو شرط الماهيّة، و منها: ما هو شرط التأثير،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر 28 و ما بعده، منية الطالب 1: 277- السطر 13- 14، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 141- السطر 2- 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 5

كما يمكن اختلافها في دخالة بعضها في الاسم، و بعضها في الصحّة، و لكنّه لا يتم حسب نظر العرف فكما لا تكون المعاملات بنظرهم صحيحة و فاسدة، إلّا بمعنى أنّها دائر أمرها بين الوجود و العدم، كذلك الأمر هنا، فإنّها لا تكون منقسمة إلى المؤثّر الصحيح، و غير المؤثّر لصحيح، فلا وجه للنزاع في الفضوليّ.

قلت: لو سلّمنا جميع ذلك، فلنا دعوى: أنّ عمل الفضوليّ ليس عندهم لا عمل بالضرورة نعم، العناوين المعروفة في المعاملات تارة:

تطلق على نعت المجاز و التسامح، كقولهم: «بيع المكره و الفضوليّ».

و اخرى: تطلق على نعت الحقيقة و الواقع.

فما صنعه الفضوليّ و إن لم يكن

بيعا حقيقيّا، إلّا أنّه قابل للاتصاف به بالإجازة، فالإجازة تفيد الاتصاف بتلك العناوين، و تصير بعد ذلك موضوعا لما اعتبره العقلاء، و هو النقل و الانتقال، و هذا هو الذي اخترناه في بيع المكره، و أمر اتصافه بتلك العناوين بيد المجيز، فإن أجاز من حين فيترتّب عليه الأثر من حين، لاتّصافه بها من حين، و إن أجاز من قبل فهكذا، لأنّه يتّصف بتلك العناوين المعامليّة من قبل، فلا يقع التفكيك بين الصحيح و المؤثّر، و يصحّ النزاع في صحّة هذا الانقلاب و عدمها.

هذا مع أنّ اختلاف القوم في صحّة الفضوليّ، يرجع إلى اختلافهم في أنّ الشرائط مختلفة من حيث دخالتها في الصحّة و التأثير، فمن أبطله أنكره، و من صحّحه قال به.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الأمر ليس كذلك، ضرورة أنّ البحث هنا في تأخّر شرط التأثير، و أنّه بعد ما تأخّر هل يمكن أن يؤثّر، أم لا؟ و هذا نزاع

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 6

متفرّع على القول بتعدّد الشرائط سنخا، فما يظهر من القوم كلّهم لا يخلو من الخلل الواضح.

نعم، يمكن دعوى: أنّ هذه المسألة كانت عند المتخاصمين في الفضوليّ واضحة، و لذلك لا يتشبّث المخالف بعدم اختلاف الشرائط جوهرا و اعتبارا، بل أدلّته أمور أخر تأتي إن شاء الله تعالى، فتأمّل.

الشبهة في مصداقين من بيع الفضولي

ثمّ إنّه لا شبهة في بعض مصاديق الفضوليّ، كما لو باع لنفسه، فإنّه من الفضوليّ في البيع و هكذا. و لكن شبهة في بعضها، كما لو باع عن المالك أو آجر، فهل هو من الفضوليّ في البيع، أم هو من الفضوليّ في الوكالة؟ وجهان:

من أنّ له أن يجيز البيع، فيكون فضوليّا فيه.

و من أنّ فعل الغير لا يستند

إلى المالك إلّا بعنوان الوكيل عنه و صفة الوكالة، و سيظهر ما هو التحقيق في المسألة من التفصيل في المقام.

و أيضا: شبهة فيما إذا كان المالك راضيا حين المعاوضة و المعاملة، فظاهر جمع أنّه من الفضوليّ «1»، و قال الشيخ بعدمه «2»،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 117- السطر 11، منية الطالب 1: 209- 210، مصباح الفقاهة 4: 6.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 7

و المسألة مبنائية، و مبتنية على أنّ الرضا كاف في تماميّة أركان المعاملة المؤثّرة، أم لا، و تحقيق ذلك يأتي في المسائل الآتية، فمن قال بالكفاية أخرجه عن مبحث الفضوليّ، و من قال بعدمها أدرجه فيها.

فبالجملة: المناط ما ذكرناه، و الذي هو محلّ النزاع إمكان تحقّق ذوات الأسباب الفاقدة لعناوين المعاملات، أو الفاقدة للأثر، ثمّ بعد إثبات إمكان تحقّق ذلك- و هو السبب الناقص- يقع البحث حول إمكان تتميم ذلك السبب بالتحاق نقيصته به، و ما هو الدخيل في الاسم أو في الأثر به أم لا، فلا ينبغي الخلط بين الجهات المختلفة في البحث و النزاع بعد اختلافها في الأدلّة و الأحكام.

و إن شئت قلت: هنا ثلاث مسائل: مسألة اختلاف الشرائط في الصحّة و التأثير، ثمّ بعد إثباته و جواز التفكيك بين أجزاء العلّة، تصل النوبة إلى المسألتين المشار إليهما آنفا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 9

الأمر الثاني في أنّ صحّة الفضوليّ على القاعدة
اشارة

هل صحّة الفضوليّ على طبق القواعد، أم على خلافها، فلا بدّ من الاقتصار على موارد النصّ و الرواية؟

فقيل بالأوّل «1».

و قيل بالثاني «2».

و قيل بالتفصيل بين العقود و الإيقاعات، و لعلّه المشهور، فتكون على وفقها في العقود، دون الإيقاعات «3».

و ربّما يمكن التفصيل في

الإيقاعات أيضا بين مثل الجعالة، بناء

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 130- السطر 17 و ما بعده، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 104، منية الطالب 1: 211- 212.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 133- السطر 27، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 117- السطر 2.

(3) غاية المراد: 177، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 14.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 10

على كونها إيقاعا، و مثل الطلاق و العتق، بناء على كونهما فكّ عقدة النكاح و الرقّية.

و الذي هو التحقيق: أنّ المسائل الاعتباريّة و الأمور التي عليها تدور رحى الاجتماعات في أنواع المعاملات، غير مرتبطة بالمسائل العقليّة، و التوالي الفاسدة التي تذكر في العلوم الطبيعيّة- كالدور و التسلسل و أمثالهما- لا تأتي فيها، و قد تكرّر منّا أنّ المناط في إمكان شي ء و عدمه في هذه المواقف، هو وجود الأغراض و المقاصد العقلائيّة النوعيّة و عدمها «1»، فلا ينبغي الخلط بين المسائل العقليّة و الاعتباريّة من تلك الجهة، حتّى يلزم الإشكالات، و يصعب حلّها.

بيان الناحية الاولى لامتناع تصحيح الفضوليّ على القواعد و دفعها

فعليه كون صحّة الفضوليّ مطابقة للقاعدة، ممّا لا شبهة تعتريها في جميع العقود و الإيقاعات، ضرورة أنّ تلك الألفاظ ليست أسبابا واقعيّة لأمور تكوينيّة، بل أمرها في السببيّة بيد العرف و العقلاء، فإذا تمكّن الفضوليّ من إرادة البيع، فيتوسّل بالأسباب المؤدّية إليه، كالأصيل، فكما أنّه إذا أراده ينشئ البيع بألفاظ الإيجاب، و يرى أنّه لا يترتّب الأثر إلّا على الإيجاب الذي وقع مورد القبول، أو انضمّ إليه القبول، و مع ذلك يتمكّن من تلك الإرادة الجدّية اللازمة في تحقّق ما هو البيع فعلا، أو ما هو قابل لأن يتّصف بعنوانه لاحقا، كذلك الفضوليّ يترشّح منه الإرادة

______________________________

(1) تحريرات في

الأصول 1: 82، 276، و 2: 42.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 11

المزبورة.

فدعوى عدم إمكان صدور الإرادة مع العلم بعدم ترتّب الأثر عليه «1»، غير مسموعة إلّا في بعض الصور الآتية، و الكلام هنا في الفضوليّ بنحو الإجمال من غير فرق بين عقد من العقود.

نعم، في الإيقاعات لا يتمّ هذا التنظير، لأنّ إيقاع الملك في الوقف مثلا، تمام الموضوع للأثر، بخلاف إيقاع الفضوليّ. و لكنّه فرق لا يورث القصور في المسألة بعد ما إذا كان يرى تمكّنه من إرضاء المالك، كما لا يخفى.

فعلى هذا لا يمكن سدّ باب صحّة الفضوليّ من تلك الناحية.

و أمّا الناحية الأخرى لبطلان تصحيح الفضوليّ على القواعد:

و هي أنّه لا بدّ من استناد فعل الفضوليّ إلى المجيز حتّى تشمله الأدلّة الشرعيّة، لأنّ آية وجوب الوفاء بالعقد «2» و سائر الآيات [3] و المآثير في المعاملات و الشروط، منصرفة إلى العقد الخاصّ، لا مطلق العقد حتّى يشمل الأجنبيّ عن العقد و البيع و التجارة، فيصير

______________________________

[3] كقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ، النساء (4): 29.

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128- السطر 5، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 122- السطر 3، البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 5، و 2: 141- 143.

(2) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 12

مفادها «أنّه أوفوا بعقودكم و بيوعكم و تجارتكم» و تلك الإضافة لا تحصل إلّا لمن أوجدها.

و ما اشتهر: من كفاية الإجازة في ذلك، لاستناد البيع السببيّ إليه بعده، أو لاستناد المنشأ الاعتباري، أو لاستناد الأثر- و هو النقل و الانتقال- إليه بتلك الإجازة اللّاحقة «1»، غير صحيح، ضرورة أنّ مجرّد الاستناد الأعمّ من الحقيقة غير كاف، و لا

سبيل إلى الاستناد الحقيقيّ بالضرورة.

بل في صحّة الاستناد المجازيّ إشكال، كما لا يخفى.

أقول أوّلا: بناء العقلاء على لزوم القيام بالوفاء بعد الإجازة، و أنّها كسائر العناوين في ذلك، فلو فرضنا ذلك فلا مفهوم لها حتّى يلزم مردوعيّة بناء العقلاء في غير مورد الآيات و الروايات.

و توهم: أنّه لا دليل على عدم مردوعيّته، لأنّه ليس مثل الخبر الواحد و اليد و أمثالهما بمثابة يمكن كشف الرضا بالسكوت، لو كان تامّا فبإلغاء الخصوصيّة قطعا يعلم ذلك، فتأمّل.

و ثانيا: تلك العناوين المأخوذة في الأدلّة الشرعيّة، هي المعاملات العرفيّة الحاصلة من فعل الطرفين، فليس المقصود من «العقد» في «عقودكم» الإيجاب المضاف إلى البائع، و القبول المضاف إلى المشتري، بل المقصود هو الأمر الحاصل من العملين، فكيف يصحّ

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 104- 106، منية الطالب 1: 212- 213، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 130- 131، البيع، المحقّق الكوهكمري:

268- 270 و 285- 287، جامع المدارك 3: 82، مصباح الفقاهة 4: 19- 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 13

استناد ما يحصل من فعل الطرفين، إلى كلّ واحد بالاستقلال على نحو الحقيقة، فيما كان الطرفان أصيلين؟! فعلى هذا كبرى ما أفاده القوم ممنوعة، فلا حاجة إلى التشبّث بذيل إثبات النسبة المزبورة.

نعم، تكون الأدلّة منصرفة عن الأجنبيّ قطعا.

و أمّا المجيز فكالمؤذن، فكما أنّ فعل الوكيل لا يستند إلى الموكّل، بل الوكالة هي إيكال الفعل إلى الغير، و ربّما يكون الموكّل ميّتا و تصحّ الوكالة، فيعلم منه عدم تماميّة الاستناد، و عدم لزومه، كذلك فعل الفضوليّ، و كما أنّ الصورة الأولى داخلة في الأدلّة الشرعيّة، كذلك الثانية، فلا تخلط.

و ثالثا: قضيّة ما ذكرناه هو أنّ فعل الفضوليّ ليس

معنونا بأحد العناوين قبل الإجازة إلّا مجازا و تسامحا، و بالإجازة يصير هو البيع، فيكون نسبة البيع بعنوانه إلى الإجازة أقوى من الفضوليّ بالضرورة، لأنّه بعمله صار هو، البيع و التجارة و العقد، و هذا كاف في شمول الأدلّة، كما هو الواضح البارز.

و رابعا: هذه الشبهة من الشواهد على أجنبيّة آية وجوب الوفاء «1» عن هذه العقود، بل- كما عرفت منّا «2»- هي مرتبطة بعقد البيعة و أمثالها،

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 27- 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 14

كما عليه جماعة من المفسّرين «1».

و أمّا آية حلّية البيع «2»، فهي مهملة على ما عرفت منّا تفصيله.

و أمّا دليل الشرط [1]، ففي شموله لغير ما عليه المشهور إشكال معروف.

و أمّا آية التجارة «3»، فهي تفيد أنّ ما هو الممضى و يكون مقابل الباطل هي التجارة عن تراض منكم، و يكون القيد الأخير للتراضي، لا التجارة، أي التجارة التي برضاكم، و الفضوليّ من ذلك.

و أمّا ظهور المستثنى في لزوم كون التجارة ناشئة من التراضي، فهو دليل على أنّ ما هو التجارة حقيقة هي المقرونة بالرضا، فتكون الآية من الشواهد على ما أسّسناه من سلب اتصاف عمل الفضوليّ بعناوين المعاملات، فتأمّل.

و أمّا الناحية الثالثة لبطلان تصحيح الفضولي على القواعد:

فهي أنّ الالتزام بصحّة الفضوليّ على القاعدة، يستلزم ما لا يمكن التزام الفقيه به، مثلا يلزم صحّة عقد نكاح ذات البعل و ذات العدّة،

______________________________

[1] كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «المؤمنون عند شروطهم»، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

______________________________

(1) الكشّاف 1: 600، لاحظ الميزان 5: 158.

(2) البقرة (2): 275.

(3) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 15

و صحّة طلاق الحائض

و الدخول بها، بدعوى أنّ ما ورد في الأدلّة هنا مثل ما ورد فيها في البيع، فكما يقال هنا: بأنّ قولهم: «لا بيع إلّا في ملك» «1» و «لا تبع ما ليس عندك» «2» لا ينافي صحّته، كذلك الأمر هناك، فتكون الأدلّة ناظرة إلى إبطال العقد الفعليّ و الإيقاع الفعليّ، لا الشأنيّ، و يلزم صحّة ظهار الفضوليّ و إيلائه و لعانه إذا لحقتها إجازة الزوج، مع أنّ ذلك من أفحش الأمور عند العرف و الشرع جدّا.

و الالتزام بالتفكيك بين العقود و الإيقاعات كما عليه المشهور «3»، في غير محلّه، لجريان الصناعة في الموضعين على حد سواء.

و يلزم صحّة الفضوليّ في جميع العقود، إذا أخلّ فيها بكلّ شرط، كالعقل، و البلوغ، و الرشد. و لا وجه لتوهّم الفرق بين هذه المواقف، بعد اشتراك الكلّ في الشرطيّة.

و يلزم لزوم الوفاء من طرف الأصيل، ما دام لم يوجد من له العقد، فلا تجوز معاملاته بعد ذلك على ما تعامل به مع الفضوليّ. بل ربّما يلزم ذلك إلى الأبد إذا علم: بأنّه موجود، كما لو عقد على ابنته بعض رجال الغيب، كما هو المعروف في بعض القصص «4»، فإنّه يكون مأخوذا بعقده.

بل لو وجد من له العقد، و لكنّه لا يرضى و لا يردّ، فإنّه عندئذ أيضا

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 1، الحديث 3 و 4.

(2) سنن الترمذي 2: 350- 1250.

(3) غاية المراد: 177، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 14 و ما بعده.

(4) لاحظ مصباح الفقاهة 4: 227.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 16

لا بدّ من عدم التصرّف في العين المبتاعة، أو المستأجرة، أو غير ذلك لأنّ العقد من جانبه

واجب الوفاء.

أقول: لا نسلّم عدم إمكان الالتزام في مجموع ما ذكر. مع أنّ تخصيص القواعد الأوّلية بهذا المقدار، ممّا لا بأس به.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 17

الأمر الثالث في جريان الفضوليّ في جميع العقود و الإيقاعات

هل الفضوليّ يجري في جميع العقود و الإيقاعات، كالوكالة و العارية و الوديعة المعبّر عنها ب «العقود الإذنيّة» و كالفسخ و الإجازة و الردّ و الإبراء و الجعالة: بناء على كونها منها، أم لا؟

قيل بالثاني، معلّلا بأنّ وقوع هذه العقود و الإيقاعات من الفضوليّ و عدمه على حد سواء فإنّ إجازة هذه بنفسها تكون وكالة، و عارية، و وديعة، و فسخا، و إجازة، و ردّا، و إبراء، و جعلا «1».

و الظاهر خلافه في العقود، ضرورة أنّ هذه الأمور كلّها عناوين بسيطة عقلائيّة، و من آثارها العقلائيّة جواز التصرّف و المأذونيّة في التقلّب، و توهّم أنّها إذن بالحمل الأوّلي، أفحش من كلّ فاسد. و اشتمال الكلّ على الإذن الضمنيّ ليس إلّا كاشتمال جميع العقود عليه، و لا ينبغي

______________________________

(1) منية الطالب 1: 212- 213.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 18

الخلط بين الرضا المعامليّ، و الرضا بالتصرّف على فرض فساد المعاملة، فإنّ الأوّل فعليّ، و الثاني تقديريّ، فما اشتهر من توصيف بعض العقود ب «الإذنيّة» «1» ليس على ما ينبغي، كما لا يخفى.

و يشهد لذلك: أنّ ردّه الوكالة يستلزم عدم صحّة التصرّف بعد الرّد، بخلاف ردّ الإذن و الرخصة، كما هو الظاهر.

و أمّا في الإيقاعات فإن قلنا: بأنّ هذه الأمور خفيفة المئونة، فلا حاجة في تحصّلها إلى الإنشاء المطابقيّ، فالإجازة المتعلّقة بعنوان «الإبراء» و «الإجازة» و غيرهما الفضوليّة، كاشفة عن الرضا و مظهرة، فيكون هذا مورثا لسقوط الدين و إن تخيّل المجيز إبراء الفضوليّ، و

مورثا لنفوذ العقد و إن تخيّل إجازة الفضوليّ و هكذا.

و إن قلنا بلزوم الإنشاء المطابقيّ، فلا يكفي، فيجري فيه الفضوليّ، و لا يكون على حدّ سواء، و المسألة بعد تحتاج إلى التأمّل.

ثمّ إنّ من العقود عقد النيابة، و قد فصّلنا الكلام حوله في المواضع الكثيرة «2»، و جريان الفضوليّ في مثله ممنوع، لأنّه لا يترتّب الأثر على الإجازة و اللاإجازة، لأنّه أمر قد تحقّق.

و قد يقال: بأنّ مثله القبض و الإقباض، و أداء الدين، و إعطاء

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 20، ملحقات العروة الوثقى 3: 170، منية الطالب 1: 33، البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 312.

(2) لاحظ مستند تحرير الوسيلة 1: 438، التعليقة على العروة الوثقى: 33.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 19

الخمس و الزكاة، بناء على جريان التبرّع فيهما «1».

و يمكن دعوى: أنّ الأثر إن كان منحصرا بالآثار العقلائيّة، فالأمر كما أشير إليه، و أمّا إذا كان أعمّ منها و من الثواب الأخرويّ و التقرّب إلى سلطان فيما إذا استناب عنه فضولا، فهو متوقّف على الإجازة و الرضا بالفعل الصادر من الفضوليّ، و في كفاية ذلك لجريان الفضوليّ نظر، و الأمر سهل.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 212- السطر 22.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 21

الأمر الرابع في صحّة بيع الفضوليّ مع عدم سبق المنع
اشارة

المشهور و المعروف ممّن حفظ عنه العلم، صحّة بيع الفضوليّ فيما إذا باع للمالك، مع عدم سبق المنع من قبله قبله «1»، و عن «التذكرة» دعوى الإجماع عليه «2».

و صريح «الخلاف» خلافه حيث قال: «إذا باع الإنسان ملك غيره بغير إذنه، كان البيع باطلا، و به قال الشافعيّ «3».

و قال أبو حنيفة: ينعقد البيع، و يقف على إجازة المالك «4»، و به قال قوم

من أصحابنا «5».

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 31.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 486- السطر 1.

(3) المجموع 9: 261- السطر 18، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 166.

(4) المجموع 9: 261، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 240.

(5) المقنعة: 606، الوسيلة: 249.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 22

دليلنا إجماع الفرقة، و من خالف منهم لا يعتدّ بقوله» «1» انتهى.

و إليه ذهب فخر الدين «2» و بعض متأخّر المحدّثين «3»، ظنّا أنّ العمل الصادر منه ليس قابلا للتنفيذ، و لا قابلا للانقلاب و الاتصاف:

أمّا الثاني: فلأنّ السبب الناقص إذا لم يكن بيعا، و لا عقدا، و لا موضوعا لاعتبار النقل و الانتقال عقيبه، فلا يعقل اتصافه بها بالإجازة، لأنّها تتعلّق بهذه العناوين، فيلزم الدور إذا كانت مسبّبة عن هذه الإجازة.

و أمّا الأوّل: فلحكم العقلاء بذلك، و مجرّد الإطلاق المشحون بالتسامح غير كاف، فالأدلّة الإمضائيّة قاصرة بذاتها عن تنفيذه. مع أنّ العمومات في محلّ المنع، لما قد عرفت. و بناء العقلاء على ترتيب الأثر على الإجازة اللاحقة، لا لأجل أنّها إجازة البيع السابق، بل هي عندهم نفس البيع، لأنّه ليس إلّا التبادل المظهر بأيّ مظهر كان.

الروايات الخاصّة المستدلّ بها على صحّة الفضولي
اشارة

نعم، في المسألة روايات خاصّة لو كانت هي تامّة الإسناد و الدلالة، كان للقول بالصحّة وجه.

______________________________

(1) الخلاف 3: 168.

(2) إيضاح الفوائد 1: 416- 417.

(3) وسائل الشيعة 17: 333- 339، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحدائق الناضرة 18: 377- 378.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 23

أقول: قد مضى وجه صحّة الفضوليّ، و أنّها على القواعد «1»، و قد مضى أنّ الظاهر عدم كونه بيعا حقيقة، بل تلك الحقيقة بيد المالك «2»، و الاتصاف التسامحيّ كاف في

رفع الدور المتوهّم، فإنّ المالك يجيز ما صنعه الفضوليّ المتوهم أنّه بيع، و يصير بها بيعا واقعا، فعليه لا نحتاج إلى الأخبار الخاصّة، إلّا أنّ الإشارة إليها ممّا لا بأس بها:

الاستدلال بخبر عروة البارقيّ
اشارة

فمنها: حديث عروة البارقيّ المشهور في كتب العامّة «3» و الخاصّة «4»، و الاختلاف في أنّه هو عروة بن جعد البارقيّ، أو هو عرفة الأزديّ، أو غرفة الأزديّ بالغين، أو أنّ صاحب القصّة هو عروة البارقيّ، و لكنّ الذي تشرّف بدعائه صلى الله عليه و آله و سلم: «بارك الله في صفقة يمينك» هو الثاني في قصّة أخرى، أو غير ذلك من الاختلافات الظاهر من كتب العامّة على المحكيّ عنها «5»، كلّها لا تفيد شيئا للحديث، لأنّ من هو الراوي هو نفس عروة، و هو غير موثّق عند الخاصّة، و لذلك فهو غير

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) تقدّم في الصفحة 5.

(3) مسند أحمد بن حنبل 4: 376، سنن البيهقي 6: 112.

(4) عوالي اللآلي 3: 205- 36، مستدرك الوسائل 13: 245، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 18، الحديث 1.

(5) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 132- السطر 20.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 24

مذكور في الكتب الرجاليّة لهم.

و أمّا جبرها بذهاب المشهور إلى نقلها، فيحصل الوثوق بصدورها، فهو في حدّ نفسه- بعد وجودها في مجامع العامّة- غير بعيد، و لكنّ مناط الانجبار هو الشهرة العمليّة، و لا يكفي مجرّد انطباق فتوى المشهور عليها كما لا يخفى، و حيث إنّ المسألة ذات روايات و عمومات، و ذات حكم من العقلاء، فلا يمكن إثبات الانجبار أصلا، فما في الجواهر: «من أنّه أغنت شهرته بين الفريقين عن النظر في سنده» «1» انتهى، غير

موافق للتحصيل.

حول ظاهر الجملة الاولى من حديث عروة

فبالجملة: روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه أمره بشراء شاة بدينار، فاشترى به شاتين، ثمّ باع أحدهما بدينار، فأتى به و الشاة، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم:

«بارك الله لك في صفقة يمينك».

و هذا الحديث بظاهره دالّ على نفوذ الإجازة اللاحقة، و صحّة الفضوليّ السابق، لأنّ ظاهر الجملة الأولى كون المأمور به، تطابق الشاة الواحدة مع تمام الدينار، و إلّا كان ينبغي أن يقول: «أعطاني دينارا حتّى اشتري له الشاة» أو «شاة».

و يؤيّد ذلك قوله: «للأضحيّة» في بعض نسخ الحديث «2»، فإنّه يورث قوّة الظهور المذكور، لاعتبار شرائط في الشاة البالغة إلى

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 277.

(2) مسند أحمد بن حنبل 4: 375.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 25

الدينار الواحد، فعلى هذا تخلّف عروة عن الأمر، و اشترى شاتين. و لكنّه ليس من التخلّف المحرّم، لظهور الأمر في الإرشاد. مع أنّه لم يتخلّف عن الخصوصيّات في الأضحيّة فرضا.

نعم، تخلّف في شرائه الشاة الثانية، لحصول غرض الآمر بالأولى، فكان الأولى رد ما بقي من الدينار إليه بشاة واحدة، فهذا الشراء فضوليّ.

حول ظاهر الجملة الثانية من الحديث

و ظاهر الجملة الثانية شراء الشاتين دفعة، لا دفعتين، حتّى تكون الأولى بالإذن، و الثانية فضوليّة. أو يقال: بأنّه إن نوى الامتثال بالأولى فهي بالإذن، و إن نواه بالثانية فالأولى فضوليّة.

و ظاهره أيضا عدم التقييد من قبل البائع، حتّى يكون البيع الثانويّ من اللوازم العرفيّة للأوّلى. مع أنّه لا يستلزم ذلك بعد إمكان المراجعة إلى ربّ الدينار و حلّ المشكل بالسؤال، فيعلم أنّه جمع بينهما في الشراء الواحد.

فحينئذ يشكل الأمر، لأنّه إن قلنا: بأنّ العلم بالرضا يخرج مفاد الحديث عن الفضوليّة، فيسقط الاستدلال، مع

أنّه خلاف ما بنينا عليه و قوّيناه.

و إن قلنا باشتراط الرضا الظاهر، فلا يقع الشراء مطلقا صحيحا، لعدم إمكان الالتزام بالواحد اللابعينه، و لا لون للشراء المأذون فيه حتّى يتميّز عن غير المأذون.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 26

اللّهمّ إلّا أن يقال: الأمر كذلك، إلّا أنّ الإجازة المتأخّرة تورث صحّة الشراءين اللّذين وقعا دفعة جمعا في التعبير، لأنّها إمّا إجازة بالنسبة إلى الكلّ، أو إجازة بالنسبة إلى الواحد منهما، بناء على صحّة تصويره كما مضى، لعدم احتياج الواحد الآخر إليها لوقوعها عن الإذن.

بل الظاهر أنّ الرضا الفعليّ من المالك شرط، لو كان إظهاره غير لازم، و ظاهر هذه الواقعة عدم الرضا الفعليّ من ربّ الدينار و صاحب الشراء. و القول بكفاية الرضا التقديريّ للتصرّف في مال الغير «1»، مرضيّ عندنا إلّا في بعض الصور.

و ما قيل: «من أنّه يستلزم الهرج و المرج» كما في الحاشية «2»، أو يقال: بأنّه خلاف الظاهر من قوله تعالى أَوْ بُيُوتِ. أَوْ صَدِيقِكُمْ «3» لأنّه محمول على صورة الشكّ و التقدير، فلا يجوز من بيوت غيرهم و لو مع العلم بالتقدير «4»، غير راجع إلى محصّل.

مع أنّ ما نحن فيه يحتاج إلى أمر آخر: و هو خروج الشراء من الفضوليّ بالرضا التقديريّ، و هو ممنوع جدّا. و لو صحّ الرضا التقديريّ فهو بالنسبة إلى التصرّفات الخاصّة، لا مطلق التصرّف كما لا يخفى.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 135- السطر 24 و 136- 137.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 134- السطر 35.

(3) النور (24): 61.

(4) لاحظ البيع، المحقّق الكوهكمري: 292.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 27

حول ظاهر الجملة الثالثة

و ظاهر الجملة الثالثة، أنّه ما كان يلاحظ في الاشتراء، الشراء المأذون و

غير المأذون، و إلّا كان عليه أن يعيّن حال البيع المأذون و غير المأذون، فيعلم منه أنّه اشتراهما و باع إحداهما، من غير النظر إلى هذه الخصوصيّة.

نعم، لو اشترى تدريجا، و باع ما اشتراه بدوا، فقد باع ما كان داخلا في ملك صاحب الشراء و الدينار، فيكون ما عنده من الشاة للبائع الأوّل، و ما عنده من الدينار للمشتري الثاني، فأجازهما معا بجملة واحدة فرضا.

و في غير هذه الصورة يلزم بيعه ما للبائع الأوّل، فيكون إجازة ربّ الدينار أجنبيّة عنه، و تحتاج المسألة حينئذ إلى إجازة أخرى سابقه على تلك الإجازة، ضرورة أنّ بإجازته يمكن دخول الشاة في ملك المشتري الثاني، فعليه يشكل أمر الحديث فقها.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ البائع الأوّل هو الأصيل، و لا معنى لإجازته البيع الثاني، لأنّه خلاف وجوب الوفاء بالعقد الأوّل، فأمر البيع الثاني بيد صاحب الدينار، فإن أجاز الشراء فتدخل الشاة في ملكه، و لا تخرج عنه، و إن أجاز البيع فلازمه العرفيّ إجازة الشراء، لتوقّف تلك الإجازة في النفوذ عليها، فيدخل في الرتبة السابقة في ملكه، و يخرج عنه، و إن لم يجز الشراء فلربّ الشاة إجازة البيع الثاني، لوقوعه في ملكه.

و لو قيل: كيف يعقل خروجه عن ملكه في زمان الدخول،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 28

و الاختلاف الرتبيّ إمّا غير متصوّر، أو غير كاف عرفا؟! قلنا: نعم، إلّا أنّ هنا أمرا آخر ذكرناه سابقا: و هو عدم لزوم كون المدخل و المخرج في أنحاء التجارات واحدا «1»، و عليه في الزمن الواحد يخرج من ملك البائع الأوّل إلى المشتري الثاني، لأنّ ربّ الشراء الأوّل و البيع الثاني واحد، و أمرهما باختياره، و لذلك لم

يجز إلّا إجازة واحد، و ثمرتها رجوع الدينار إليه، و خروج الدينار من ملكه إلى ملك البائع الأوّل. هذا مع أنّ فيما أفاده نظرا واضحا، فعليه يصير الشراء و البيع صحيحين بالإجازة مع كونهما فضوليّين، و لا أقلّ من كون البيع فضوليّا، فتأمّل.

حول ظاهر الجملة الرابعة من حديث عروة البارقي

و ظاهر الجملة الرابعة هو الدعاء المستلزم للرضا، و ليس هو الدعاء الخالص. و توهّم أنّه ظاهر فيه، فيعلم منه أنّ المسألة ليست فضوليّة، في غير محلّه، لعدم وجه للاستظهار المذكور، فلو كان ظاهر الصدر فضوليّا، فهذا يستلزم كون الذيل كافيا في الإجازة التي هي الرضا المظهر بأيّ مظهر كان.

و ما قيل من الإشكال في كفاية الإجازة الواحدة لتنفيذ الفضوليّين المترتّبين «2»، مندفع بما مرّ، و بأنّ الدعاء إجازة بدلالة التزاميّة بالنسبة

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 312- 314.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 109.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 29

إلى الشراء، و قبول الدينار إجازة بالنسبة إلى البيع. و خفاء ذلك على أرباب الحديث و منهم عروة، لا يورث إشكالا، لأنّه كان أمرا عمليّا، و ما كان يلزم إظهار ذلك كما هو الواضح.

و قد يشكل: بأنّ هذا الدعاء تقرير للخلاف الصادر من عروة «1»، و هو قبض الشاة من البائع الأوّل، مع احتمال عدم رضاه بالشراء الفضوليّ غير المعلومة قصّته، و ظاهر حال المشتري هو الشراء النافذ، فما صنعه عروة خلاف المتفاهم العرفيّ، فيكون تصرّفه غير جائز في الشاة التي هي بعد في ملك البائع الأوّل.

و هكذا إقباضها المشتري الثاني، و قبض الدينار منه، فعليه يعلم خروج المسألة من الفضوليّة، فيكون كلّ ذلك جائزا عليه، و مشروعا له.

و يمكن حلّه تارة: بدعوى عدم القبض و الإقباض. و هي

فاسدة ظاهرة.

و اخرى: بدعوى أنّه جاهل، و لا منع من الالتزام بذلك في حقّ عروة.

و هي بعيدة، مع لزوم تقرير الجاهل المقصّر غير المعذور على احتمال.

و ثالثة: بدعوى اعتقاده بالرضا، فيكون من الجهل بالموضوع، كي لا يلزم التقرير المشكل أمره. و مجرّد الاعتقاد بالرضا، لا يخرج القصّة من الفضوليّة، بل المدار على فعليّة رضا المالك، كما مضى تقريره.

و حمل القصّة على اعتقاد عروة بلحوق الإجازة، و هي كاشفة،

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 123- السطر 1 و ما بعده، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري:

125- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 30

فيكون التصرّف جائزا واقعا، غير تامّ استظهارا، فما ذكره الشيخ الأعظم قدس سرّه «1» لعلّه لم يكن يعتقده.

أقول: هذا و لكنّ المنصف الخبير و المتضلّع البصير في فقه الأحاديث و المآثير، بعد التدبر التامّ، و التأمّل الكامل، يجد أنّ عروة كان وكيلا مفوّضا، و كان الدينار له حال الشراء، ضرورة أنّه لو كان الدينار من الآمر كان ينبغي أن يذكره، فيسقط الحديث من الاستدلال، و من البعيد جدّا كون النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم صاحب الدنانير و الدراهم، و من صنع عروة يستفاد خبرويّته في أمر الشاة و بيعها و شرائها.

و قوله: «فأتى به و الشاة» لا يدلّ على أزيد من إرجاعه بالشاة مجّانا من غير صرف الدينار. و المراد من الضمير في كلمة «به» هو الدينار الكلّي، لا الدينار الأوّل، مع أنّ مقتضى الأخذ بالظاهر هو الثاني، كما لا يخفى.

الاستدلال بمعتبرة محمّد بن قيس على صحّة الفضوليّ

و منها: صحيحة أو موثّقة محمّد بن قيس، عن الباقر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه، فجاء

سيّدها فخاصم سيّدها الآخر، فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 125- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 31

فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها، فناشده الذي اشتراها.

فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتّى ينفذ البيع لك.

فلمّا رآه أبوه قال له: أرسل ابني.

قال: لا و الله، لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني.

فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» «1».

وجه الاستدلال واضح، و لكنّ إمكان الدفع عقلا للموهنات المتوجّهة إليها، لا يكفي في محيط العقلاء للوثوق و الاطمئنان و قد ذكرها الأصحاب في المفصّلات.

و يمكن الجواب عنها حتّى عمّا اختار الشيخ رحمه الله من ظهورها في الإجازة بعد الردّ «2» مع قيام الإجماع على عدم نفوذها حينئذ «3»، بدعوى أنّ جميع أحكام الملك مترتّبة حال عدم الردّ و الإجازة، و جميع آثار الردّ ممكنة الترتّب على الحالة الوسطى، فعليه لا يلزم مخالفة الإجماع، فالاستظهار من القرائن لو تمّ، فهو غير ناهض على خلاف ما قيل. مع أنّ الإجماع المزبور غير مقبول عندنا في محلّه.

و لكنّ الذي هو الإشكال و ما خطر بالبال: هو أنّ الظاهر منها وقوع الإجازة عن إكراه، و أيّ إكراه أعظم من أن يقال للإنسان: «سألقي ولدك في

______________________________

(1) الكافي 5: 211- 12، الإستبصار 3: 205- 739، وسائل الشيعة 21: 203، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 1.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 125- السطر 19 و 136- السطر 12.

(3) جواهر الكلام 22: 278، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 125- السطر 23 و 136- السطر 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 32

النار إلّا أن تجيز البيع»؟! و هذا مخالف لأصول المذهب،

و لطريقة العقلاء قطعا، و عليه فيسقط الرواية عن الاعتبار، فلا معنى لاستفادة الكبرى الكلّية منها، على إشكال فيه أيضا.

و لعمري، إنّ حكمه عليه السلام- بناء على تماميّة سندها- كان لما يعلم من مأذونيّة الولد، فكان البيع صحيحا و نافذا، و أراد عليه السلام بذلك إيصال الحقّ إلى أهله، فتأمّل.

أو كان الوالد راضيا به و إن لم يأذن، و كان الرضا كافيا في صحّته. و يشهد لذلك إطلاق «السيّد» على المشتري، مع أنّه لو كان فضوليّا لا يصحّ إلّا مجازا، فليتأمّل.

هذا مع أنّ دلالتها على صحّة الفضوليّ في المسألة الأولى محلّ منع، لعدم معلوميّة ذلك، و لا إطلاق لها، بل الظاهر منها كون البيع لنفسه، كما لا يخفى.

الطوائف الأخرى المستدلّ بها على صحّة الفضوليّ
اشارة

ثمّ إنّ هاهنا طوائف أخر من المآثير استدلّوا بها على صحّة الفضوليّ مطلقا أو في الجملة، و أهمّها و أمتنها:

الطائفة الاولى: و هي المآثير الواردة في تزويج المملوك بغير الإذن
اشارة

ففي معتبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 33

فقال: «ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما».

قلت: أصلحك الله، إنّ الحكم بن عتيبة و إبراهيم النخعيّ و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيّد له.

فقال أبو جعفر عليه السلام: «إنّه لم يعص الله، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز» «1».

وجه الاستدلال للمورد واضح، و توهّم أنّه قد وقع النكاح، لظهور قوله عليه السلام: «فرّق» في ذلك، فالسيّد بالخيار، كما في بعض الأخبار أيضا ذلك، فلا يستدلّ بها على صحّة الفضوليّ حتّى في النكاح، في غير محلّه، لما ورد في الباب الخامس و العشرين من هذه الأبواب من الأمر بالتفريق و إرادة الردّ منه، لا الطلاق و الفسخ [2].

و أمّا وجه الاستدلال بها لغير موردها، فلما أفاده السيّد الأستاذ الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «3»-: «من أنّ وجهة السؤال إلى خصوصيّة التزويج بغير الإذن، أي النظر إلى التصرّف بدون الإذن، مع أنّ اللازم

______________________________

[2] عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، في عبد بين رجلين زوجه أحدهما و الآخر لا يعلم، ثمّ إنّه علم بعد ذلك، إله أن يفرّق بينهما؟ قال: للّذي لم يعلم و لم يأذن أن يفرّق بينهما و إن شاء تركه على نكاحه.

وسائل الشيعة 21: 116، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 25، الحديث 1.

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 3، تهذيب الأحكام 7: 351- 1432، وسائل الشيعة

21:

114، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 24، الحديث 1.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 114- 115.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 34

مراعاة الإذن على العبد المملوك غير القادر على شي ء، فلا نحتاج إلى إثبات الأولويّة المذكورة في كلام جمع «1» حتّى يقال: بأنّها غير تامّة و الأولويّة على العكس، للزوم التوسعة في الأسباب حتّى لا يقع الناس في المحرّم «2».

و توهّم: أنّه لو كان الأمر كذلك، كان اللّازم جواز المعاطاة فيه، في غير محلّه، لأنّ عدم التزام الأصحاب أعمّ من عدم تجويز الشرع. مع أنّه ربّما يلزم بعض المفاسد في تجويز المعاطاة، و هو تكثّر الزنا، لتوهّم عموم الناس من ذلك جوازه، كما توهّمه الفضلاء «3»، فلا تخلط.

أقول: ما أفاده و إن كان غير بعيد عن الأفهام العرفيّة، و لكنّ الذي لا بدّ من ذكره هو أنّ صحّة الفضوليّ إن كانت عندنا مطابقة للقاعدة، فهو يورث قوّة ظهور عدم خصوصيّة النكاح في المسألة، و لا نحتاج إليها، و إن كانت غير مطابقة للقواعد، فالتجاوز في غاية الإشكال، لعدم مساعدة فهم العرف و العقلاء في النكاح على هذه الرواية، فضلا عن غير النكاح، و عندئذ يشكل صرف النظر عن قيد التزويج فيها، فعليه

______________________________

(1) غاية المراد: 178، رياض المسائل 1: 512- السطر 31، مقابس الأنوار: 126- السطر 27، جواهر الكلام 22: 276- 277، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 125- السطر 31- 33.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 53، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 134- السطر 19، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 116- 117، مصباح الفقاهة 4:

36.

(3) لاحظ منية الطالب 1: 81- السطر 4 و ما بعده.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص:

35

يختلف الاستظهار منها حسب الاعتقادات، و هذا يورث سوء الظنّ بمثله.

و لو كان من يعتقد بأنّ الفضوليّ مطلقا باطل، للإجماع و الأخبار تعبّدا، فلا معنى للاستظهار منها صحّته مطلقا، و لا يجد تهافتا و تعارضا بين هذه المآثير، و ما ورد في البيع من بطلان الفضوليّ فيه، فهذا شاهد على أنّ أمثال هذه الاستظهارات، لا تفيد شيئا.

وجه آخر لإثبات دلالة الطائفة الأولى على صحّة الفضولي مطلقا و دفعة

و قد يقرّر وجه الاستدلال بها: بأنّ الظاهر من هذه الرواية، مفروغيّة صحّة الفضوليّ بين الناس في ذلك الوقت، و الحكم و النخعيّ لأجل خصوصيّة في المسألة- و هي حرمة أصل النكاح- قالا بالفساد، و الإمام عليه السلام- كأنّه يصدّقهم في الكبرى، و لا يصدّقهم في الصغرى، و هي حرمة أصل النكاح هنا، و ذلك لأنّه في ذاته حلال، و ليس من قبيل النكاح في العدّة، و لأجل انطباق عنوان مخالفة السيّد محرّم بالعرض، فيكون أمر النكاح بيد السيّد، لأنّه خالفه.

و مخالفته للسيّد و ان كانت محرّمة، لأجل تخلّفه عن أمر الله تعالى، و لكنّها أيضا لا تورث حرمة النكاح في أصل الشرع، و لا يسري الحكم المتعلّق بعنوان «إطاعة السيّد» أو «مخالفة المولى» إلى متعلّق آخر، و هو «النكاح» المحكوم بالجواز و الاستحباب، فهو قد أتى بالسحت و المحرّم، و هما غير متداخلين بشهادة هذه المآثير، و تكون دالّة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 36

على جواز اجتماع الأمر و النهي، كما لا يخفى «1».

و قد ورد عن أبي جعفر عليهما السلام في الباب المزبور: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّه كان في أصل النكاح عاصيا.

فقال أبو جعفر عليه السلام: «إنّما أتى شيئا حلالا، و ليس بعاص لله، إنّما عصى سيّده، و لم يعص

الله، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة و أشباهه» «2» فلاحظ و تدبّر جدّا.

أقول: لا فرق في ذلك بين كون العبد المزبور عاصيا لسيّده، لأجل نهيه عن النكاح و التزويج، أو كان لأجل تصرّفه في ملك سيّده، و هو نفسه، فإنّه أيضا لا يورث حرمة ذات النكاح، فإنّه عنوان غير عنوان «التصرّف في ملك الغير».

قلت: مفروغيّة صحّة الفضوليّ في الجملة بين العامّة فرضا، لا تستلزم صحّتها عندنا، و لا يستفاد من هذه الجهة أزيد من صحّتها في النكاح، و التجاوز عنه إلى غيره فرع الأمر الذي أسمعناكم الآن، فلاحظ.

هذا مع أنّ إلغاء الخصوصيّة عن موارد المآثير المختلفة الوارد بعضها فيما عرفت، و بعضها الآخر في تزويج الصغيرين بإجازتهما بعد

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 115- 116.

(2) وسائل الشيعة 21: 115، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 24، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 37

البلوغ، مع اشتمالها على حلف الآخر إذا مات أحدهما قبل البلوغ [1]، و هذا خلاف القاعدة، لعدم إمكان اعتبار الزواج بين الحيّ و الميّت حدوثا، فتدلّ على الكشف الحقيقيّ على تأمّل، و بعضها الآخر في صحّة تزويج الباكر لنفسها إذا أجاز وليّهما، بناء على الاشتراط المزبور في محلّه، مشكل لجهة أخرى:

و هي أنّها كلّها فيما كان المقتضي موجودا، و تعلّق حقّ الغير مانعا عن الصحّة، كما في بيع العين المرهونة إذا باعها مالكها، فعليه تسقط هذه المآثير عن الدلالة على هذه المسألة الفاقدة للمقتضي.

و هذا الإشكال غير تامّ بالنسبة إلى الطائفة الأولى، لما أشير إليه: من أنّ العبد إذا تزوّج بغير إذن سيّده، كان من التصرّف في ملك

______________________________

[1]

علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما، و هما غير مدركين، قال: فقال: النكاح جائز، أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا، قلت:

فإن أدرك أحدهما قبل الآخر، قال: يجوز ذلك عليه إن هو رضي، قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية، و رضي النكاح، ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه، حتّى تدرك، و تحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث، إلّا رضاها بالتزويج، ثمّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر، قلت: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت، أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: لا لأنّ لها الخيار إذا أدركت، قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك، قال: يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية.

وسائل الشيعة 26: 219، كتاب الإرث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 38

الغير، و إن كان الزواج منشأ به فتكون المسألة من الفضوليّ بالمعنى الأوّل.

هذا مع أنّ إثبات الفرق بين الفضوليّ بالمعنى الأوّل، و المعنى الثاني- بأنّه في الأوّل لا يثبت الاستناد إلّا بالإجازة، بخلاف الثاني، فإنّه مستند، و لكنّه يحتاج في الصّحة إلى الإذن اللاحق لرفع المانع- غير واف، لما عرفت منّا: أنّ الاستناد إلى من يجب عليه الوفاء غير لازم، و مناط صحّة الفضوليّ أمر آخر، كما مضى.

الطائفة الثانية: المآثير الواردة في صحّة عقد النكاح إذا صدر عن غير الزوجين

ففي «الكافي» بإسناده عن ابن محبوب، عن نعيم بن إبراهيم، عن عبّاد بن كثير، عن أبي عبد الله عليه

السلام قال: سألته عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في حجره.

قال: «ترثه إن مات، و لا يرثها، لأنّ لها الخيار، و لا خيار عليها» «1».

و مثلها بعض المآثير الأخر [2].

______________________________

[2] الحلبي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الغلام له عشر سنين، فيزوّجه أبوه في صغره، أ يجوز طلاقه، و هو ابن عشر سنين؟ قال: فقال: أمّا تزويجه فهو صحيح،. قلت: فإن

______________________________

(1) الكافي 7: 132- 2، تهذيب الأحكام 9: 383- 1367، وسائل الشيعة 26: 219، كتاب الإرث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 39

و المقصود بعد الجمع بينها، أنّه زوّجه في صغره، فأدرك فمات، فإنّه لا يرث، لعدم تماميّة الزواج، و هي ترثه بعد الاستحلاف و الحلف على أنّها لا تجيز العقد لأجل الإرث.

و دلالة هذه على عموم المدّعى بإلغاء الخصوصيّة، ممنوعة جدّا.

مع أنّ الجمع المذكور مشكل حسب نظر العرف، و المسألة تحتاج إلى التأمّل في أخبار المسألة في كتاب الميراث «1».

الطائفة الثالثة: المآثير الواردة في المضاربة

الظاهرة في صحّة المضاربة مع تخلّف العامل عمّا قرّر له المالك، و هي كثيرة:

فمنها: ما هو الظاهر في تخلّفه عمّا قرّره له شرطا خارجا، كصحيحة الحلبي رحمه الله عن أبي عبد الله عليه السلام: في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة، فيخالف ما شرط عليه.

قال: «هو ضامن، و الربح بينهما» «2».

______________________________

ماتت أو مات؟ قال: يوقف الميراث حتّى يدرك أيّهما بقي، ثمّ يحلف بالله ما دعاه إلى أخذ الميراث، إلّا الرضا بالنكاح، و يدفع إليه الميراث.

وسائل الشيعة 26: 220، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 4.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 219، كتاب المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11.

(2) تهذيب الأحكام 7: 190-

838، وسائل الشيعة 19: 16، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 40

و منها: ما هو الظاهر بإطلاقه في تخلّفه عن مورد المضاربة، كرواية الحلبي، عنه عليه السلام قال: «المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح، و ليس عليه من الوضيعة شي ء، إلّا أن يخالف عن شي ء ممّا أمر صاحب المال» «1».

و منها: ما هو النصّ في تخلّفه عن مورد المضاربة، كمعتبر جميل رحمه الله عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل دفع إلى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره.

قال: «هو ضامن، و الربح بينهما على ما شرط» «2».

و لعلّ كلمة «الشرط» فيها تورث قوّة شمول الرواية الأولى للتخلف عن مورد المضاربة، و تكون شاهدة على إطلاق «الشرط» على العقود البدويّة، كما لا يخفى.

و الاستدلال بها لعموم المدّعى، منوط بدلالتها أوّلا على كون المورد من الفضوليّ المجاز، و هذا في غاية الإشكال، و توهّم أنّ العرف الآبي من حمل هذه المآثير في أبواب المعاملات على التعبّد المحض و المولويّة الصرفة، يفهم أنّ المفروض لحوق إجازة المالك، و لا خصوصيّة لها في نظره، فكأنّه عليه السلام كان معتقده في الحكم المزبور أنّه راض بذلك و يجيز.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 187- 827، الإستبصار 3: 126- 451، وسائل الشيعة 19:

16، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 4، مع تفاوت يسير.

(2) تهذيب الأحكام 7: 193- 853، وسائل الشيعة 19: 18، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 41

و إن شئت قلت: هذا حكم حيثيّ، أي مجرّد التخلّف لا يستلزم عدم إمكان اتصاف ما صنعه العامل بالمضاربة، حتّى لا

يمكن إجراء حكمها، و ترتيب خصوصيّاتها، فهذه الروايات في هذا الموقف احتمالا.

و أمّا عمل المشهور بها، و حملها على التعبّد «1»، فأبعد من كلّ بعيد، و إذا كان العقد المذكور صحيحا بالإجازة فالتجاوز عنه قريب، لمساعدة العرف جدّا.

و يمكن دعوى: أنّها دالّة على أنّ العامل كان معتقدا برضا المالك، و كان هو أيضا راضيا بذلك، فعليه تكون هي مطابقة للقاعدة، بناء على كفاية الرضا غير المظهر في خروج المفروض فيها عن الفضوليّ.

و يؤيّد ذلك عدم تعرّضها مع كثرتها، للنهي عن تخلّف العامل، و التصرّف في مال الغير بدون الإذن الذي هو محرّم قطعا، فعليه تسقط الطائفة عن الدلالة على ما هو المقصود.

و دعوى اعتقاد العامل بكفاية الرضا التقديريّ، غير بعيدة، إلّا أنّه محلّ الإشكال كفايته، و محلّ المنع في خصوص التصرّفات المعامليّة.

و ممّا يشهد لعدم الكفاية: أنّه لو اعتقد بذلك، و كان المالك أيضا راضيا، و لكنّه لجهة طارئة ردّ معاملته، يكون الردّ في محلّه عند العرف و العقلاء، و هذا أحسن شاهد على عدم كفاية الرضا الفعليّ ما دام لم يظهره.

و لك الاستدلال بها على المقصود، بأنّ الأئمّة عليهم السلام من المالكين

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 136- السطر 29، مصباح الفقاهة 4: 56- 57.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 42

في طول الملّاك، فلهم الإجازة، لأنّ الأمور مفوّضة إليهم، فإذا أجازوا فلا حقّ للمالك المتأخّر ردّه، و هم بنحو الكلّي أجازوا هذه الصورة، فتدبّر.

و يمكن الجمع بين المآثير بدعوى: أنّها بكثرتها ناظرة إلى تضمين العامل، للتخلّف عن الشرط الخارج عن المضاربة، و ليست نتيجة هذا الشرط تقييد موردها، لعدم الدليل عليه، بل الصريح من كثير منها أنّ المضاربة فيها تقع على

الإطلاق، و المالك ألزم العامل بالشرط الخارج اللازم مراعاته عليه، و إطلاق الرواية الثانية غير مصدّق، أو منصرف إليها لكثرتها، و أمّا صريح رواية جميل «1» فهو غير معلوم، لظهور كلمة «الشرط» في خلافه فتصير مجملة، فتأمّل.

فبالجملة: دلالتها على أصل الفضوليّ، ثمّ على عموم المدّعى، محلّ إشكال أو منع.

و الذي يظهر لي: أنّ هذه المآثير ظاهرة فيما اختاره المشهور، و أنّها على خلاف القواعد المقرّرة عندهم، و لكنّها مطابقة للقواعد الأخر التي يعبّر عنها ب «روح القانون» و ذلك أنّ العامل المتكفّل للتجارة، و المتقبّل لأنحاء المشاكل، الذي به تدور رحى المجتمعات، و لصنيعه يحتاج الناس في المعاش، و أساس الأسواق تقوم بالأعمال و الأشغال، و أرباب الدنانير نائمون في بيوتهم، و أنّ المضاربة في الإسلام ترجع إلى الربا في جوهرها، و أيّ ربا أعظم من إعطائه النقود، و يكون له منها النصف أو الثلثان، ثمّ ترجع إليه جميع النقد و تمامه، و لا سيّما بعد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 18، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 43

ترخيصهم اشتراط كون الخسارة مشتركة، أو تكون الخسارة على العامل؟! فعندئذ كما لا بدّ من كون الحكم الأوّلي، توجّه الخسارة إلى المالك، و يكون العمل محترما، كذلك لا بدّ من كون الربح بينهما، لئلّا يستريح المالك من هذه البليّة، و هو استيفاء الشاغل الضعيف ربحا من ماله لإدارة معاشه بقليل ما يمكن، فهذا الحكم في الإسلام أحسن شاهد على أنّ الدين الحنيف، لاحظ جانب العامل، و اعتبر حقّه محترما و عظيما، فما توهّمه القوم من كون هذا الحكم مخالفا للقاعدة «1»، في محلّه، و لا في محلّه.

و إن شئت قلت: لحوق

الإجازة باتجار العامل لا يستلزم صحّتها مضاربة، لأنّها تحتاج إلى الإنشاء، و مجرّد عمل العامل بعنوان كون الربح بينهما، لا يكفي لوقوع المضاربة معاطاة فضوليّة، و لكنّه يدلّ على نفوذ اتجاره بمال الغير إذا لحقته الإجازة، و التعدّي حينئذ إلى غير عقد البيع أولى و أحسن، فتأمّل.

الطائفة الرابعة: المآثير الواردة في الاتجار بمال اليتيم

و لعمري إنّ ما قاله الشيخ الأعظم في المقام «2»، ممّا لا ينبغي من جانبه، لخلوّ المآثير من اتجار غير الوليّ بمال اليتيم رأسا، فإنّها بكثرتها

______________________________

(1) جواهر الكلام 26: 354، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 123، مصباح الفقاهة 4:

56- 57.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 126- السطر 17.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 44

إمّا منصوصة في اتجار الوصيّ [1] أو الوليّ [2]، أو مهملة و غير ناظرة إلى اتجار شخص خاصّ «3».

و أحسن ما يمكن أن يكون مطلقا رواية سعيد السمّان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتّجر به» «4».

و رواية محمّد بن مسلم رحمه الله عن أبي عبد الله عليه السلام في مال اليتيم قال: «العامل

______________________________

[1] أبو الربيع قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم و هو وصيّة، أ يصلح له أن يعمل به؟ قال: نعم، كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما، قال:

قلت: فهل عليه ضمان؟ قال: لا إذا كان ناظرا له.

وسائل الشيعة 9: 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 6، و لاحظ 17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75، الحديث 1.

[2] محمّد بن الفضيل

قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن صبيّة صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال: لا يجب في مالهم زكاة حتّى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأمّا إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه.

وسائل الشيعة 9: 88- 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 4.

______________________________

(3) وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 1 و 7 و 8، و 17: 257- 258، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75، الحديث 3 و 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 45

به ضامن، و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال» و قال: «إن عطب ادّاه» «1».

و أنت خبير: بقصورهما عن كونهما في مقام بيان أنّ العامل أي شخص كان.

هذا، و قد تعرّض بعض السادة من الأساتيذ رحمه الله هنا للجمع بين أخبار المسألة المضطربة «2» و تبعه السيّد الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «3»- و لكن الأولى إحالتها إلى المحلّ الآخر، حذرا من الإطالة الخارجة عن الجهة المبحوث عنها هنا.

الطوائف الأخرى قد يستدلّ بها على صحّة الفضوليّ

ثمّ إنّ منها طوائف أخر من المآثير ربّما يستدلّ بها على صحّة الفضوليّ:

فمنها: ما ورد في الوصيّة بما زاد عن الثلث، و نفوذها إذا أجاز الوارث [4].

______________________________

[4] أحمد بن محمّد قال: كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام: أنّ درّة بنت مقاتل توفيت و تركت ضيعة أشقاصا في مواضع، و أوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، و نحن أوصياؤها و أحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا، فإن أمرنا

بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها، و إن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب، 75، الحديث 2.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 137- السطر 13.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 126.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 46

و منها: ما ورد في التصدّق بمجهول المالك و اللقطة: من أنّه إذا رضي المالك بعد المعلوميّة كان له، و إلّا ضمن المتصدّق [1].

و منها: ما ورد في الخمس المشتمل بعضها على التصرّف من بعضهم، و طلب الإجازة من الإمام عليه السلام فأجاز [2]. بل و غيرها من النصوص التي وردت في المناكح و المساكن [3].

______________________________

شاء الله، قال: فكتب عليه السلام بخطّه: ليس يجب لها في تركتها إلّا الثلث، و إن تفضّلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله.

وسائل الشيعة 19: 275، كتاب الوصايا، الباب 11، الحديث 1.

[1] علي بن جعفر، عن أخيه، قال: و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة، ثمّ يتصدّق بها، فيأتي صاحبها، ما حال الذي تصدّق بها؟ و لمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها، أو قيمتها؟ قال: هو ضامن لها، و الأجر له، إلّا أن يرضى صاحبها فيدعها، و الأجر له.

وسائل الشيعة 25: 445، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 14.

[2] علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطّه، من أعوزه شي ء من حقّي فهو في حلّ.

وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 2.

[3] أبو سلمة سالم بن مكرم و

هو أبو خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رجل و أنا حاضر، حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنّما يسألك خادما يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثا يصيبه، أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما و الله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له، و لا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 47

و منها: الروايات الواردة في نكاح الأمة المشتراة من الغنائم [1]، و غير ذلك ممّا يطّلع عليه المتتبّع.

و في دلالة كثير منها على المسألة بما لها من الخصوصيّات إشكال، خصوصا الطائفة المتعرّضة لتحليل الخمس على الشيعة «2»، فإنّها أجنبيّة عن إجازة الفضوليّ.

______________________________

و الله ما أعطينا أحدا ذمّة (و ما عندنا لأحد عهد)، و لا لأحد عندنا ميثاق.

وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 4، سئل الصادق عليه السلام، فقيل له: يا ابن رسول الله، ما حال شيعتكم فيما خصّكم الله به، إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال عليه السلام: ما أنصفناهم إن و اخذناهم، و لا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصحّ عبادتهم، و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، و نبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم.

مستدرك الوسائل 7: 303، كتاب الخمس، أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام، الباب 4، الحديث 3.

[1] الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام في تفسيره عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: قد علمت، يا رسول

الله، أنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر، فيستولي على خمسي (من السبي) و الغنائم، و يبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعت رسول الله في فعلك، أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة ربيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا أحلّها أنا و لا أنت لغيرهم.

وسائل الشيعة 9: 552- 553، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 20.

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 48

نعم، في ضمنها رواية الأسديّ [1]، توهم دلالتها على صحّته، و لكنّه بمعزل عن التحقيق، لأنّ ظهورها في التحليل و الإباحة الجزئيّة الفعليّة بعد التصرّف في الخمس، لا ينافي كونها من باب أحد المصاديق لكليّ الإباحة الصادرة عنهم بالنسبة إلى عنوان الخمس على نعت القضيّة الحقيقيّة، فتدبّر.

______________________________

[1] الحكم بن علباء الأسدي- في حديث- قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له:

إنّي وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا، و اشتريت متاعا، و اشتريت رقيقا، و اشتريت أمّهات أولاد و ولد لي و أنفقت، و هذا خمس ذلك المال، و هؤلاء أمّهات أولادي و نسائي قد أتيتك به فقال: أما إنّه كلّه لنا و قد قبلت ما جئت به، و قد حللتك من أمّهات أولادك و نسائك و ما أنفقت، و ضمنت لك- عليّ و على أبي- الجنّة.

تهذيب الأحكام 4:

137- 385، وسائل الشيعة 9: 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 49

ما يمكن أن يردع عن سيرة المتشرّعة على تصحيح الفضوليّ
اشارة

هذا كلّه هو الوجوه المستدلّ بها على صحّة الفضوليّ، و الذي قد عرفت منّا: أنّ الوجه الوحيد بناء العقلاء و السيرة الإجماليّة من المتشرّعة، و هي قائمة على صحّته بالمعنى الذي ذكرناه، و هو صيرورة صنيع الفضوليّ عقدا و بيعا بالإجازة حقيقة.

و على هذا، لا بدّ من التفتيش عمّا يمكن أن يكون رادعا لها، و مانعا عن ذلك البناء المدّعى، و هو أمران:

الأمر الأوّل: حول شمول الأدلّة العامّة للفضولي و عدمه

دعوى قصور الأدلّة العامّة عن شمول الفضوليّ «1» و ذلك لأنّ ظاهرها كون الموضوع المأخوذ فيها مقيّدا و مضافا إلى المكلّفين بالوفاء، فيكون الواجب، الوفاء بعقودكم، و ما أحلّ الله تعالى من البيوع هو بيوعكم، و مفاد المستثنى في آية التجارة هي تجارتكم، بل هنا صريح، لقوله

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 52- 53. حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 117- السطر 11، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 50

تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1».

و هكذا قولهم عليهم السلام: «المؤمنون عند شروطهم» «2» و غير ذلك، مع ظهورها في كون الإضافة على نعت الحقيقة، لا المجاز و الادعاء.

و لا شبهة في أنّ الصادر من الفضوليّ هي الأسباب بمالها من المعاني الإنشائيّة حقيقة، فلا معنى الاستناد السبب إلى غير الفضوليّ بالإجازة، لأنّها لا تورث سلب النسبة، و إثباتها لغير من صدرت عنه. مع أنّها بماهيّتها منادية بأنّ ما صنعه الفضوليّ جائز و نافذ، من غير النظر إلى أمر وراءه، و قد مرّ شطر من الكلام حول ذلك سابقا «3».

نعم، بناء على عدم الاستظهار المذكور، كما اعتقده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- «4» يلزم شمولها له، كما هو الواضح، و لا غبار عليه.

أقول: قد عرفت

«5» أجنبيّة آية الوفاء «6» عن هذه المرحلة، و مرّ عدم الإطلاق لقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «7» و العموم الباقي صريح في لزوم تلك الإضافة. مع أنّه لو فرضنا دلالة الآيتين الأوليين، لكان المتفاهم العرفيّ منهما ما فهمه المشهور الذين هم من أرباب الحلّ و العقد.

______________________________

(1) النساء (4): 29.

(2) وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(3) تقدّم في الصفحة 13.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 101.

(5) تقدّم في الصفحة 13- 14.

(6) المائدة (5): 1.

(7) البقرة (2): 275.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 51

و أيضا: ما أفاده دام ظلّه: «من أنّ الإجازة لا تورث الانقلاب» «1» في محلّه و إن نافى ذلك ما أفاده المشهور: من ثبوت خيار المجلس للموكّل في بعض الصور، مع الحاجة إلى صدق «البيع» عليه «2».

و توهّم: أنّ من الممكن صدق النسبة على المجيز و على الفضوليّ حقيقة، كما في الأسباب و المسبّبات، فإنّها كما تستند حقيقة إلى المباشر، تستند إلى الآمر. بل أقوائيّة السبب من المباشر أحيانا، تشهد على أنّ النسبة إليهما حقيقيّة، و لا يلزم الانقلاب المفروض، في محلّه و لكنّه بالنسبة إلى المالك الآمر بالبيع، و إن لم يصدّقه دام ظلّه هنا أيضا، و كان يصرّ على أنّ النسبة هنا أيضا مجاز «3»، و أمّا بالنسبة إلى المجيز فلا.

هذا، و لكنّه مع ذلك كلّه- أي مع الالتزام بالمقالتين: مقالة المشهور، و هي ظهور الأدلّة في الإضافة المزبورة و مقالة السيّد- مدّ ظلّه- و هو عدم الانقلاب بالإجازة- لا يلزم قصور الأدلّة، لما عرفت منا: و هو أنّ ما فعله الفضوليّ ليس تجارة و لا بيعا حقيقة، و إلّا يلزم عليه-

حسب الأدلّة- شراء المبيع من المالك، و تسليمه إلى المشتري، لأنّه هو البائع حقيقة، من غير فرق بين المبيع الشخصيّ و الكلّي، و من غير فرق

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 100- 101 و 188- 189.

(2) جواهر الكلام 23: 8، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 217- السطر 5- 9، منية الطالب 2: 14- السطر 8.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 101، 105.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 52

بين ما إذا باع عين زيد و ماله، و ما إذا باع نيابة عن المالك، فإنّ الأثر لا يترتّب على مجرّد قصد النيابة. و لو سلّمنا الفرق هنا، فلا شبهة في لزوم الوفاء عليه إذا لم يجز المالك.

و بالجملة: فتوهّم أنّ قصد الفضوليّ في البيع و الشراء هو كونهما للمالك، أو كونهما عن المالك، لا يستلزم قصور الأدلّة العامّة في شمولها لهذا البيع، لأنّه عقد وقع بينه و بين الطرف على مال، و هو للغير، أو على مال الغير للغير غاية لفعله، أو نيابة عن المالك، و على جميع التقادير لا بدّ له من الوفاء إمّا بإرضاء الطرف، أو بقيامه بالوفاء به.

فعلى هذا يعلم: أنّ فعل الفضوليّ يتّصف ب «البيع و الشراء و التجارة» حقيقة بعد الإجازة، فبها يتحقّق البيع واقعا، أي بالإجازة يحصل الإنشاء بالحمل الشائع، و هو الإنشاء المتعقّب بالأثر. و معنى هذا هو أنّ البيع معناه هو الإنشاء، إلّا أنّه ليس مطلق الإنشاء، بل هو الإنشاء المتعقّب بالثمرة.

فما اشتهر: «من أنّه بالإجازة يحصل النقل» «1» باطل قطعا، للزوم الخلف، و هو كون الأثر معلول الإنشاء، فبها يؤثّر الإنشاء أثره، و عندئذ يصير بيعا و تجارة و إجارة و غير ذلك، و لذلك

يقال: «هذه الأمور أسباب النقل» و ظاهره هي السببيّة الفعليّة، و أمّا السببيّة الإعداديّة فهي قابلة

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 74- 75، مسالك الأفهام 1: 134- السطر 36، الروضة البهيّة 1: 314- السطر 15، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 132- السطر 4، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 75.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 53

للتحقّق، إلّا أنّها غير موصوفة بتلك العناوين، فتدبّر.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما قد يقال: من أنّ الفضوليّ في هذه المسألة يقصد أن يكون البيع للمالك، و هذا يرجع إلى خلوّ ذمّته عمّا يأتي به عند العقلاء، غير بعيد في ذاته، إلّا أنّ العقد المزبور لا يستلزم كون العقد واقعا حقيقة بين المالك و المشتري، فإنّه ضروري البطلان، فإمّا يقال:

بأنّه مراعى، فلا يكون له الطرف حقيقة، أو يكون الطرف هو الفضوليّ:

فعلى الأوّل يلزم ما ذكرناه: من أنّ الاتصاف منوط بالطرف.

و على الثاني فلا بدّ على الفضوليّ من الوفاء، إمّا بإرضاء المالك، فتكون النتيجة له، و لا يصير هو الطرف بالإجازة، أو بالوفاء به بنفسه.

فعلى ما تقرّر يعلم: أنّ الفضوليّ ليس طرفا، بل هو العلّة التكوينيّة لحصول العلّة الإعداديّة للنقل، و إذا حصل السبب، و صارت العلّة الإعداديّة علّة فعليّة، فعندئذ يجب الوفاء على من بيده تحقّقت، كما لا يخفى.

الأمر الثاني: دعوى ظهور بعض الأدلّة اللفظيّة في فساد الفضولي
فمنها: المستثنى في آية التجارة

و غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال: هو أنّ المستفاد منها حصر السبب و الوجه الناقل في التجارة الناشئة عن التراضي، لظهور الاستثناء في ذلك مع القيود المأخوذة فيه، من غير فرق بين كون

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 54

الاستثناء متّصلا، أو منقطعا، لأنّ ظاهر السياق يقتضي ذلك، أو لأنّ الأصل في الاستثناء هو الاتصال، و الانقطاع

غير جائز في كلام البلغاء إلّا بضرب من التأويل. و الاستثناء المتصل يورث الحصر، فيكون الفضوليّ واردا في المستثنى منه.

أو لأنّ القيد ظاهر في التحديد، فيستلزم- مفهوما- بطلان الفضوليّ، لأنّه تجارة ليست ناشئة عن الرضا، بل ملتحقة بها الإجازة.

أو لأنّ الظاهر هو الانقطاع، و لكنّ ما هو المستثنى عرفا- حسب المقابلة- هو عنوان «الحقّ» و لكنّ الفضوليّ ليس منه، لأنّ ما عدّ من مصاديق الحقّ هي التجارة المقارنة مع الإجازة، فيعلم من ذلك عرفا: أنّ ما ليس كذلك باطل في نظر الكتاب.

أو لأنّ ظاهر المقابلة كون تمام الحقّ هي التجارة الكذائيّة، و لا حقّ وراءها، فالفضوليّ حيث إنّه ليس من تلك التجارة يكون باطلا ادعاء، أو ليس بحقّ تعبّدا، أو في محيط التشريع و التقنين، فلا تذهل.

أقول: هذه الوجوه كلّها تنفع بناء على كون القيد المذكور ظاهرا في الاحتراز، و ما تخيّله الأكثر من أنّ الاستثناء المتّصل يفيد في المقام شيئا «1»، غير مرضيّ، ضرورة أنّه لو كان الفضوليّ من المستثنى موضوعا، فلا يلزم منه فساده.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 127- السطر 1، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 120.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 55

و أمّا كون كلمة «عن» مفيدة النشوّ «1»، فغير منقولة عن أهل الأدب، و ما هو المعروف منهم في الإفادة المذكورة هي كلمة «من» و المتدبّر في المستثنى يجد أنّ الآية في مقام تقييد التجارة بالتراضي منكم، لا تقييد التجارة بكونها ناشئة عن التراضي «2»، فكلمة عَنْ تَرٰاضٍ توطئة لإفادة ما يستفاد من قوله تعالى مِنْكُمْ حذاء التراضي الحاصل من إجبار الغير و إكراهه، فلا نظر فيها إلى هذه المسألة، كما مرّ تفصيله في بيع المكره.

مع أنّ ما تحقّق منّا

سابقا سقوط هذه الآية عن صحّة الاستدلال بها، لاشتمالها على كلمة الباطل و أمثال هذه اللفظة مختلفة المفاهيم باختلاف الأمم و الآفاق، و لذلك فكثيرا ما يعدّ الحقوق العقلائيّة أباطيل في الشرع، و الأباطيل العقلائيّة من الحقّ عند الشرع، كما في الحيل، و ما هذا إلّا لاختلاف الأذواق و السلائق، و كيفيّة الإدراكات، و أنحاء الملاحظات، كلحاظ الآثار الأخرويّة و الأخلاقيّة و الاجتماعيّة و غيرها في درك مفهوم «الحقّ» و «الباطل».

فبالجملة: مثل القمار و الرّبا و غير ذلك، حقّ عند العرف واقعا، و في نظر الشرع باطل حقيقة، لا أنّه حقّ موضوعا، و باطل تعبّدا، لأنّ الشرع يلاحظ وراء ما يدركه العرف أمورا أخر ربّما ترجع إلى النشآت الأخرى، فعليه لا يمكن التمسّك لصحّة الفضوليّ و لا بطلانه بهذه الآية،

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 128- السطر 22، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 130.

(2) نفس المصدرين.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 56

فليتدبّر جيّدا.

و منها: نبويّ ابن حزام المعروف عند الفريقين

فعن حكيم بن حزام العامّي: «لا تبع ما ليس عندك» «1».

و عن الخاصّة ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام في مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «و نهى عن بيع ما ليس عندك، و نهى عن بيع و سلف» «2».

و في رواية سليمان بن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك، و عن ربح ما لم يضمن» «3».

و كون هذه النواهي صادرة عنه صلى الله عليه

و آله و سلم معا بعيد، بل الظاهر اجتماعها في الرواية، لصدورها في مواقف المناسبات الحادثة في عصره صلى الله عليه و آله و سلم.

و دعوى الوثوق بصدوره مع عدم وجود الموهن له في الكتب الفقهيّة لأصحابنا ظاهرا، غير بعيدة. و لكنّه مع ذلك لا تخلو من مناقشة.

______________________________

(1) سنن الترمذي 2: 351، سنن البيهقي 5: 339.

(2) الفقيه 4: 4- 1، وسائل الشيعة 18: 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 7: 230- 1005، وسائل الشيعة 18: 47، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 57

و احتمال كونه نهيا تكليفيّا عن أكل مال الغير بالتصرّف فيه ناقلا بالبيع، و بإلغاء الخصوصيّة غير البيع، بعيد.

و مثله كونه نهيا إرشاديا إلى جعل المانعيّة عن صحّة البيع، على تقدير إمكانه، خصوصا في الأمور العدميّة.

و مثلهما كونه نهيا إرشاديّا إلى جعل شرطيّة حضور المبيع في صحّة البيع شرعا. مع أنّ كلمة «عند»- حسبما قيل في الكتب الأدبيّة- للأعمّ من الحضور و الغائب، و كلمة «لدى» للحضور الفعليّ «1».

و قريب من هذه الثلاثة احتمال إرادة اشتراط المملوكيّة، لعدم الوجه لإرادته من كلمة «عندك» فكأنّه نهي عمّا هو لك و ليس عندك، فيكون ظاهرا في اعتبار القدرة على التسليم، فيصير أجنبيّا عمّا نحن فيه.

و احتمال إرادة الأعمّ، لكونه منتسبا إلى قائد الأمم صلى الله عليه و آله و سلم أيضا غير بعيد، فما ليس عندك- سواء كان ذلك لعدم القدرة التشريعيّة على التسليم، بأن يكون لغيرك، أو لعدم القدرة التكوينيّة و إن كان لك- فهو المنهيّ بالحديث، و ذلك أيضا بلا فرق بين ما كان لك فهرب أو

سرق، أو ما كان عندك من أوّل الأمر.

و من المحتمل كونه نهيا عن صورة العجز، لأنّ الملك لا يبقى اعتبارا حال العجز، و إضافة الملكيّة مع انسلاب القدرة تزول، كما قيل في بعض المواقف، فيصير مفاده «لا تبع ما لا تقدر عليه، لأنّه ليس ملكك، و لا بيع إلّا عن ملك».

______________________________

(1) مغني اللّبيب: 81- السطر 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 58

و يحتمل كونه نهيا تنزيهيّا، للزوم الغرر أحيانا، أو لعدم إمكان رفع الجهالة بالتوصيف كما هو حقّه، أو لاحتمال عدم تمكّنه من التسليط و التسليم، فيكون ناظرا إلى بيع أموال التجارة التي هي في الطريق مع وجود قطّاعة. و يؤيّد ذلك كون ابن حزام دلّالا، فإنّه ربّما كان يبيع ما لم يكن حاضر البلد، فنهي عنه.

و ممّا يؤيّد ذلك أيضا، ما حكي «1» عن العلّامة «2» من نقل صدر لهذه الرواية: و هو أنّ ابن حزام سأل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عن أن يبيع الشي ء، و يمضي و يشتريه و يسلّمه، فأجيب بذلك. فهذه كلّها الوجوه المحتملة.

و الظاهر قصور هذه الرواية عن الدلالة على بطلان الفضوليّ، لأنّ النهي عن الماهيّة الاعتباريّة ناظر إلى عدم تحقّقها في الخارج، و هذا غير عدم قابليّة ما يتحقّق لأن يصير بيعا بالإجازة أو مؤثّرا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ المعنى العرفيّ من هذه الأساليب، هو النهي الإرشاديّ إلى أن لا تفعل ذلك، فإنّه لا يتحقّق، و هو ظاهر في نفي عنوان «البيع» فقوله عليه السلام: «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه» «3» يرشد إلى أنّه لا تفعل ذلك، فإنّ ما تفعله ليس بصلاة، فيصير من قبيل قولهم: «لا بيع إلّا

______________________________

(1)

مقابس الأنوار: 130- السطر 3.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر الأخير.

(3) علل الشرائع: 342- 1، الهداية 1: 33- 51، وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7، مستدرك الوسائل 3: 196، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 59

في.» «1»، أو «لا صلاة إلّا بطهور» «2» و لكنّه لا يضرّ بما هو مختارنا في المسألة. و الالتزام بأنّ مفاده ذلك مشكل جدّا.

إن قلت: هذه بصدرها مورد الإعراض و الطعن، لظهورها في النهي عن بيع الكلّي، و إطلاقه يشمل السلف، و حملها على الشخصيّ غير جائز بعد الظهور في ذلك، و أنّه هو دأب الدلّالين «3».

و العجب أنّ جماعة من الأصحاب- جمعا بين الأدلّة- بنوا على ذلك «4»!! مع أنّه جمع غير مقبول، بل الظاهر من الجواب بعد هذا الصدر هو القانون الكلّي.

و لعلّ المستفاد من صحيحة ابن الحجّاج [5]، أنّ العامّة كانوا

______________________________

[5] عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالّا، قال: ليس به بأس، قلت: إنّهم يفسدونه عندنا، قال: و أيّ شي ء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود ثمّ قال: لا بأس بأن يشتري الطعام و ليس هو عند صاحبه (و إلى أجل، فقال): لا

______________________________

(1) كما في قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا بيع إلّا فيما تملك».

مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 1، الحديث

3.

(2) وسائل الشيعة 1: 365- 366، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 132- 133.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 127- السطر 13، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 35، مصباح الفقاهة 4: 87.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 60

يفسدون بيع الكلّي، تمسّكا بها، و الإمام عليه السلام أورد عليهم نقضا ببيع السلف، فيعلم منها ظهورها عندهم في الكلّي. و ربّما يستظهر منها المناقشة فيما تمسّكوا به من النبويّ، فأشكل أمره سندا و دلالة، بمعنى عدم إمكان الالتزام بمفاده.

قلت: نعم، إلّا أنّ الجمع بالتقييد أو التخصيص ممكن، و توهّم الاستهجان للزوم ترخيص أكثر الأفراد- كبيع الكلّي و السلف- في غير محلّه، لأنّ بيع الكلّي المطلق جائز و نافذ. و أمّا بيعه المقيّد بحيث لا ينطبق إلّا على الفرد المعيّن المخصوص، فلعلّه داخل في النهي، كما في الشخصيّ. و الذي يظهر أنّ المتعارف في تلك الأزمنة كان ذلك، لعدم توفّر الأمتعة، و لقوله: «يشتريه و يسلّمه» فإنّ ظاهر الضمير ذلك، كما لا يخفى.

و قد يخطر بالبال أنّ النهي المذكور ناظر إلى حيثيّة مفروغ عن وجودها، أي كان المفروض فيه وجود الموصول مع قطع النظر عن البيع، و هذا لا يعقل إلّا في الشخصيّ، فإنّ المبيع في الكلّي يوجد في الذمّة بالبيع كما تقرّر، فتدبّر.

______________________________

يسمّى له أجلا، إلّا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب و البطيخ و شبهه في غير زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالّا.

الفقيه 3: 179- 811، تهذيب الأحكام 7: 49- 211، وسائل الشيعة 18: 46، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 61

و منها: النبويّ «لا بيع إلّا فيما تملك»

كما

في «عوالي اللآلي» «1». و في موضع آخر أرسله عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا طلاق إلّا فيما تملكه.، و لا بيع إلّا فيما تملكه» «2».

و في ثالث ما رواه بقوله: و عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا طلاق فيما لا تملك، و لا عتق فيما لا تملك، و لا بيع فيما لا تملك» «3».

و الاستدلال به مبنيّ على دعوى الظهور في نفي الماهيّة عند فقد الملكيّة، أو عامّا، لعدم ترتّب الأثر عليه فعلا، فالمأذون من قبل المالك و إن لم يكن مالكا، و لكن لم يدّع بيعه لا بيع، لأنّه ذو أثر فعليّ.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ قضيّة إطلاق نفي الجنس، أنّه لا بيع إلّا في المبيع الذي هو ملكك، و لكنّه لا يستلزم بطلان الفضوليّ، لأنّه إن أريد من قولك: «ملكك» أي ملك البائع، فيلزم عدم نفوذ بيع الوكيل و المأذون، و هو ضروريّ البطلان، و إن أريد منه الأعمّ فيلزم كفاية الإجازة.

______________________________

(1) عوالي اللآلي 2: 247- 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 3.

(2) عوالي اللآلي 3: 205- 37، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 4.

(3) عوالي اللآلي 1: 233- 136، مستدرك الوسائل 15: 293، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات الطلاق، الباب 12، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 62

هذا، و نفي العنوان لا يفيد بطلان الفضوليّ الذي اخترناه، و هو أنّ ما يصنعه يصير بيعا بعد الإجازة، فلا تغفل.

هذا، و من المحتمل قويّا كون هذه

المآثير ناظرة إلى نفي بيع المكره، فإنّه لا يملك البيع، و يشهد لذلك قوله: «لا طلاق فيما لا تملكه» أي لا يتحقّق الطلاق في وقت لست مالك الطلاق و مختارا، قبال طلاق المختار الذي هو مالكه، بداهة أنّ المراد من الموصول لا يمكن أن يكون المرأة، و لا من الضمير إيّاها، و قضيّة وحدة السياق سريان الحكم إلى سائر الفقرات المقارنة.

و توهّم اختصاص ذلك بهذه الفقرة، لعدم ثبوت المقارنة، بل الظاهر اجتماع الفقرات في كلمات الرواة، غير تامّ، لأنّ سنخ هذه العبارة، لا يناسب أن يراد منها اشتراط مالكيّة البائع بالنسبة إلى المبيع، أو مملوكيّة المبيع في البيع، بل المتفاهم منه بدوا، هو أنّه لا بيع في وقت لا تملك البيع، فليتأمّل.

و يؤيّد ذلك ورودها في الطلاق و العتق و البيع التي كثيرا ما تقع مكرها عليها، و يجبر الزوج و المالك عليها، و الله العالم.

و توهّم ظهور «الملك» في الملكيّة الاعتباريّة، في غير محلّه، لأنّه ظهور متأخّر عن المعنى الثابت له حسب اللغة، فليراجع.

ثمّ إنّ ما هو المعروف من قولهم: «لا بيع إلّا في ملك» لا أثر منه في الآثار، و أمّا ما اشتهر في ألسنة المتأخرين «لا بيع فيما لا يملك» و هكذا الطلاق و العتاق، فهو- على ما يظنّ- أيضا اشتباه في النقل، و ما في

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 63

«المقابيس» «1» نقلا عن «الخلاف» «2» بهذا الأسلوب، غير معتمد عليه بعد ما عرفت، من ذكر النبويّ بأسلوب آخر في «العوالي» في ثلاثة مواضع «3».

هذا مع أنّ في هذه الجملة «لا بيع فيما لا يملك» احتمالات، و لو كان بصيغة المعلوم فلا يدلّ على بطلان الفضوليّ، للزوم دلالته

على بطلان المأذون و الوكيل و الوصيّ و الوليّ، و الالتزام بالإطلاق ثمّ التقييد، غير قابل لنسبته إلى عاقل، فضلا عن هؤلاء الأعلام.

و منها: معتبر محمّد بن القاسم بن الفضيل

قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم، و كتب عليها كتابا بأنّها قد قبضت المال، و لم تقبضه، فيعطيها المال، أم يمنعها.

قال: «قل له ليمنعها أشدّ المنع، فإنّها باعته ما لم تملكه» «4».

أي فإنّها باعت الرجل شيئا لم تملكه، أو أنّها باعت شيئا حين ما لم تملكه.

و على أيّ حال: يدلّ على أنّ وجه المنع عدم استحقاقه للبيع، و عدم

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 129- السطر 25.

(2) الخلاف 3: 169.

(3) عوالي اللآلي 1: 233- 136، و 2: 247- 16، و 3: 205- 37.

(4) الكافي 5: 133- 8، تهذيب الأحكام 6: 339- 945، وسائل الشيعة 17:

333- 334، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 64

جواز إقدامه عليه إذا لم يكن مالكا، و في دلالته على بطلان الفضوليّ حينئذ منع ظاهر.

و دعوى استفادة النهي عن بيع ما لا يملكه البائع، بحيث يفيد لهذه المسألة، ممنوعة، مع لزوم التقييد المذكور آنفا، ضرورة أنّ صحّة الاستدلال متقوّمة بإثبات الإطلاق، و إثباته ثمّ الجمع بينه و بين ما يدلّ على صحّة بيع الوكيل بالتقييد، ممّا لا يرضى به أحد، لما تقرّر من لزوم المعارضة البدويّة بين الدليلين العامّ و الخاصّ و المطلق و المقيّد في محيط العرف، و هو ممنوع جدّا.

و منها: معتبر ابن مسلم

عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل، و أهل الأرض يقولون: هي أرضهم، و أهل الأستان يقولون: هي من أرضنا.

فقال: «لا تشترها إلّا برضا أهلها» «1».

فإنّ النهي عن الاشتراء هنا ليس عن تقبّل الأرض، حتّى يقال: بأنّه تصرّف

ممنوع، ضرورة أنّ الأرض ليست قابلة له، فهو هنا إنشاء الاشتراء، و يكون منهيّا عنه، فيكون فاسدا بدون رضا الأهل.

و توهّم: أنّ هذه ناظرة إلى هذه الواقعة، أي في هذه الواقعة لا تشتر

______________________________

(1) الكافي 5: 283- 4، تهذيب الأحكام 7: 149- 662، وسائل الشيعة 17: 334 كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 65

إلّا برضا أهلها «1»، غير مساعد عليه ما يستفاد منها عرفا، فهي قاعدة كلّية، و ظاهرها النهي عن الاشتراء بعنوانه، من غير النظر إلى كون المنهيّ عنه هي الحيثيّة الخارجيّة، و هو الاشتراء المتعقّب بترتيب الآثار من غير رضا المالك، فلا يشمل الفضوليّ.

نعم، بناء على ما قوّيناه «2» فلا منع، لأنّ ما يصنعه الفضوليّ ليس بيعا حتّى يكون من طرف الأصيل اشتراء.

و توهّم: أنّ النهي هنا كاشف عن كون عمل الفضوليّ بيعا، و إلّا فلا وجه للنهي عن الاشتراء، في غير محلّه، لأنّ البيع و الشراء العرفيّين يتحقّقان عند العرف فيما إذا لم يكن يعتنون بأصل المالكيّة، فالاشتراء المنهيّ عنه هو الاشتراء العرفيّ الحاصل عندهم و إن لم يكن المالك راضيا، فليتأمّل.

و منها: ما في ذيل رواية «الاحتجاج»

عن الحميريّ- بعد السؤال عن ابتياع ضيعة كان محلّ إشكال بيعها- من أنّه عليه السلام- أجابه: «الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها، أو بأمره، أو رضا منه» «3».

______________________________

(1) منية الطالب 1: 221- السطر 19.

(2) تقدّم في الصفحة 5.

(3) الاحتجاج: 487، وسائل الشيعة 17: 337، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 66

و في المحكيّ عن نسخة: «و رضا منه» «1».

و تقريب الاستدلال تارة: للنهي، فيكون مثل

ما سلف، و اخرى:

للحصر المستفاد منه، بعد وضوح أنّ هذه التوقيعات كلّيات قانونيّة في مقام الأسئلة الخاصّة، فيعلم على الأوّل أنّ الفضوليّ منهيّ عنه، و على الثاني أنّه غير ممضى، فيكون باطلا. نعم هي لا تنافي ما قوّيناه «2»، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه على النسخة الأولى يعلم منها كفاية الرضا، فيلزم خروج البيع الواقع عن رضا المالك من الفضوليّ و إن لم يظهره، و على الثانية يعلم أنّ مجرّد الأمر غير كاف، لإمكان كونه عن إكراه، فلا بدّ من الرضا و الإظهار.

و منها: مكاتبة الصفّار إلى العسكريّ عليه السلام

و سؤاله عن الأراضي التي له في حوالي القرية، و بيعها مع القرية، ثمّ أقرّ المشتري بأنّ ما اشتراه مخلوط من مملوك البائع و غيره.

فوقّع عليه السلام: «لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» «3».

______________________________

(1) انظر مقابس الأنوار: 129- السطر 5.

(2) تقدّم في الصفحة 5.

(3) الفقيه 3: 153- 674، تهذيب الأحكام 7: 150- 667، وسائل الشيعة 17: 339 كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 2، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 67

فإنّ إطلاقه يقتضي فساد الفضوليّ، لأنّ ما يصنعه هو البيع عند الأصحاب.

و أمّا دعوى: أنّها ظاهرة في نفي النفوذ الفعليّ «1»، فهي فاسدة، لوضوح ذلك عند المسلمين، بل و غيرهم، لاعتقادهم بأصل المالكيّة، و عدم جواز الهرج و المرج.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النظر هنا إلى احتمال فساد المجموع، فأجيب بأنّه بالنسبة إلى ما يملكه نافذ، فيعلم منه أنّ المنهيّ عنه هو النفوذ، لا أصل الطبيعة. و لكنّه يشكل، لأجل عدوله عليه السلام عن استعمال كلمة «يجوز» بعد قوله: «لا يجوز» و لعلّه لإسقاط هذه القرينة، فيصير دليلا على

فساد الفضوليّ، إلّا على ما أسّسناه في المسألة «2».

هذا، و قد أفاد بعض السادة من أساتيذنا فيما نسب إليه: «أنّ الإجازة اللّاحقة إذا كانت سببا لانقلاب النسبة، فيصير بيع الفضوليّ بيع المالك، فلا معنى لدلالة هذه المآثير على بطلانه، للزوم كون بيع المالك باطلا، ضرورة أنّ البحث في الفضوليّ بعد الإجازة، لا قبلها» «3».

و فيه ما لا يخفى، فمضافا إلى بطلان الانقلاب، أنّ المستدلّ بالأخبار يريد التمسّك بإطلاقاتها النافية للصحّة التأهّلية، فإذا انتفت الصحّة الاقتضائيّة، فلا يبقى موقع للانقلاب بالإجازة، بداهة أنّها تورث القلب

______________________________

(1) بلغة الفقيه 2: 224.

(2) تقدّم في الصفحة 5.

(3) البيع، المحقّق الكوهكمري: 330.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 68

فيما كانت متعلّقة بالبيع العرفي غير المؤثّر، فليتدبّر.

إن قلت: يكفي لردع بناء العقلاء على ترتيب الأثر على الفضوليّ الملحقة به الإجازة، الإجماع المدّعى في «الخلاف» «1» و قد أشرنا إليه في صدر المسألة «2».

قلت: قد تقرّر أنّ الإجماعات المدّعاة في «الخلاف» بل و في «الغنية» ليست من الإجماع المصطلح عليه «3»، و ممّا يدلّ عليه نفس هذه المسألة، فإنّ الشيخ مع دعواه الإجماع، ذهب في سائر كتبه- على ما حكي «4»- إلى صحّة الفضوليّ «5»، مع أنّ المحكي عن المشهور في عصره هو الصحّة، و لم يحك الخلاف إلّا من ثلاثة، على ما قيل «6».

و بالجملة: فليست المسألة إجماعيّة، و لا قابلة للردع بالإجماع المنقول.

و في كفاية الإجماع المحصّل لرادعيّة البناء العقلائيّ، إشكال، بل منع مضى في بيع الصبيّ.

______________________________

(1) الخلاف 3: 168، المسألة 275.

(2) تقدّم في الصفحة 21- 22.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران -

ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 68

(3) تحريرات في الأصول 6: 364- 365.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 127- السطر 32.

(5) النهاية: 385.

(6) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 127- السطر 30- 31، البيع، المحقّق الكوهكمري: 332.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 69

تذييل: حول الوجوه العقليّة أو العقلائيّة المستدلّ بها على بطلان الفضوليّ
اشارة

قد استدلّ على بطلان الفضوليّ بوجوه عقليّة، أو عقلائيّة مؤيّدة بالنقل:

الوجه الأوّل من الوجوه العقليّة

فمن الاولى: أنّ ترشّح الإرادة الجدّيّة لتحقّق السبب الناقل، مع العلم بعدم ترتّب الأثر، غير ممكن إمّا مطلقا، أو من الغاصب، أو من الذي يريد ترتيب الأثر، من غير تقييده بتحصيل رضا المالك، كما سيأتي زيادة توضيح له في المسائل الآتية.

نعم، إذا لم يكن قائلا بأصل المالكيّة، أو غفل عن ذلك، فيتمكّن منه.

أقول: إن كانت ألفاظ المعاملات أسامي للمؤثر الفعليّ، فلا يعقل وجود البيع إلّا من المالك، أو المأذون من قبله، و عند ذلك يبطل الفضوليّ، و يصحّ بيع المكره بحقّ لإجازة المالك الحقيقيّ، كما مرّ تفصيله.

و إن كانت هي أسامي لذات المؤثّر و هو الوجود الإنشائيّ الحاصل من ألفاظ الإيجاب و القبول- فالبيع يتحقّق من الأجنبيّ، كما هو الظاهر.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 70

و هكذا لو كانت أسامي لألفاظها بما لها من المعاني الإنشائيّة.

و حيث قد تقرّر منّا في محلّه: أنّ المتبادر منها هي السبب المؤثّر «1»، فلا يتمكّن الفضوليّ من إيجاد البيع.

و ممّا يشهد لذلك: أنّه على المبنى الثاني، يلزم تمكّن الغاصب- الملتفت إلى عدم تحقّق الأثر من إيجاده، و عندئذ لا بدّ من الالتزام بتحقّق البيع، و حرمة ترتيب آثاره من الوفاء و التسليم، و هذا ممّا يكذبه وجدان كلّ ذي مسكة، بل الفطرة قاضية بأنّ البيع كلّما تحقّق، يجب الوفاء به، و لا حدّ متوسّط، و أنّ المعتبرات العقلائيّة ناهضة على أنّ البيع إذا تحقّق، يكون البائع مالكا للثمن، و المشتري مالكا للمثمن، من غير الحالة الانتظاريّة كما لا يخفى.

و ما قد يتوهّم من البناءات العقلائيّة في بيع الدلّالين و شرائهم على الفضوليّ «2»، في غير محلّه،

فإنّ ذلك لعدم الاطلاع على ما تعارف بينهم، و هو دائر بين الاشتراء من التاجر كلّيا في ذمّته، و تكون ذمّته- لجهة فحصه عن المشتري و بيعه منه- معتبرة، و بين الاشتراء بإذن التجّار بنحو الكلّي، مع ثبوت الخيار له بين المقاولة بعنوان «التجارة» من غير كونها تجارة بالحمل الشائع، و بين كونه وكيلا من قبل جماعة من التجّار في هذه الأمور بيعا و شراء، و لذلك لا يتجاوز عن الموضوعات الخاصّة المعلومة للطرفين.

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 1: 273.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 101.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 71

فتحصّل: أنّ بيع الفضوليّ بالمعنى الذي عليه المتأخّرون و القدماء، باطل عندنا، و لكن لا منع من الالتزام بصحّته بالمعنى الذي اخترناه، و هذا هو الذي يصدّقه العرف، و لو كان ما تعارف بين الدلّالين بيعا، فهو بهذا المعنى.

و أمّا ما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- هنا: «من امتناع ترشّح الإرادة الجدّية، بالنسبة إلى عناوين المعاملات، من الملتفت الواقف على أطراف المسألة، و المتقيّد بحدود الشرع» «1» فغير تامّ، لما أشير إليه من أنّها لو كانت أسامي للمعنى الأعمّ، فإمكانه واضح، و لذلك لو باع في الفرض المزبور، ثمّ تبدّل رأيه، و بنى على إلحاق إجازة المالك، صحّ عندهم، لتماميّة البيع بتلك الإجازة.

و توهّم: أنّه مع التوجّه إلى عدم ترتّب الأثر عليه، يتوجّه إلى لغويّته و عدم نفوذه، في غير مقامه، لأنّ النفوذ من الأحكام الوضعيّة التي بيد الشرع، و لا مانع من اللغويّة في الأفراد الجزئيّة، و ما هو الممنوع هي اللغويّة بالنسبة إلى جميع الأفراد و أساس القانون و الخطاب، فهو يوجد البيع الأعمّ، لاعتقاده بأنّه موضوع للأعمّ، و القانون

الكلّي يشمل ذلك، و لكنّ العرف- بناء على ما حرّرناه- لا يصدّق «كون هذا بيعا و مع ذلك يحرّم ترتيب الآثار». بل حكم العقلاء هو التلازم بين البيعيّة و ترتيب الآثار، بنحو العليّة، أو الحكم و الموضوع، كما عرفت تفصيله آنفا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 142.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 72

و ربّما تندفع هذه الشبهة بما في كلام الشيخ الأعظم قدس سره: «من أنّ البيع العرفيّ حاصل، كما في بيع الربا و أمثاله، و ما هو النافذ الشرعيّ منفيّ» «1» و لكنّه غير صحيح، لما عرفت: من أنّ أصل المالكيّة معتبر عند العقلاء في صحّة المعاملات، بخلاف الربا و غير ذلك من سائر البيوع الممنوعة، و قد مرّ في ذيل بعض المآثير ما يتعلّق بهذه المسألة، و قد أمرنا هناك بالتأمّل، فلاحظ و تدبّر.

الوجه الثاني من الوجوه العقليّة على بطلان الفضوليّ

و منها أيضا: أنّ ظاهر الأكثر دوران معاني ألفاظ المعاملات بين الوجود و العدم، و رتّبوا على ذلك عدم جريان نزاع الصحيح و الأعمّ فيها، لعدم وجود الجامع قهرا «2»، و عليه فكيف يعقل ذهابهم إلى صحّة الفضوليّ؟! فإنّه يستلزم الخلف.

و أيضا: ظاهرهم من التعليل المزبور، أنّ مرادهم من «المسبّبات» هي الآثار المترتّبة على الإيجاب و القبول، و إلّا فالمسبّب- بالمعنى الذي أشرنا إليه: و هو الأمر الإنشائيّ الحاصل بتلك الألفاظ، أي ألفاظ الإيجاب و القبول- أمره دائر بين الصحّة و الفساد، فباعتبار ترتّب الأثر عليه يكون صحيحا، و باعتبار عدم ترتّب الأثر يكون باطلا و غير نافذ، أو باعتبار تماميّة الأجزاء و الشرائط يوصف ب «التماميّة و الصحّة»

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 80- السطر 33.

(2) لاحظ كفاية الأصول: 49، نهاية الدراية 1: 133، مناهج الوصول

1: 169.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 73

و باعتبار فقدان الشرط و هو رضا المالك، يوصف ب «النقصان و الفساد» «1».

أقول: و الذي هو الحقّ ما أشرنا إليه في صدر المسألة: و هو أنّ في محيط العرف و العقلاء، لا تنقسم الشرائط و الأجزاء إلى شرائط التأثير و الأجزاء غير المقوّمة للاسم، و إلى ما هي المقوّمة للاسم، فما كان لازما عندهم فهو الدخيل في الماهيّة، و ما ليس كذلك فهو غير دخيل رأسا، لا في الاسم، و لا في الأثر.

و أمّا لواحق المصاديق التي لا تكون داخلة، و إذا التحقت بالمصداق يصدق عليها العنوان، كقول المصلّي: «و رحمة الله و بركاته» فهي أمر آخر غير معتبر في تأسيس الماهيّة و لا تسمّى «جزء» بالمعنى الاصطلاحيّ، بل هي الخصوصيّة الفرديّة.

فعلى هذا لا معنى لتوهّم الجامع في ألفاظ المعاملات، حتّى يقال بصحّة الفضوليّ.

و أمّا توصيف البيع أحيانا ب «الفساد» فهو بالنظر إلى الشرائط الشرعيّة.

و ممّا يدلّ على ما ذكرناه: هو أنّ اعتبار كون الشرط على قسمين، ليس يمكن إلّا لأجل الغرض و المقصود العقلائيّ، و إذا لم يكن مقصودا، و يحصل الغرض من جهة أخرى معتبرة عندهم، فلا يمكن ذلك، للغويّته، و عليه فيعلم: أنّ الرضا دخيل في الماهيّة، و إذا التحق بما ليس ماهيّة،

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 137- 138.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 74

و يصير به ماهيّة كما شرحناه، فلا داعي إلى التقسيم المذكور، فليتدبّر جيّدا.

الوجه الثالث من الوجوه العقليّة

و منها أيضا: أنّ ظاهر الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم في بيان حقيقة البيع و تعريفه، أنّه هو الماهيّة المؤثّرة، دون الماهيّة المطلقة، فإنّ قولهم: «هو مبادلة مال بمال» «1»

أو «تمليك بعوض» «2» أو «تبادل بين الإضافتين» «3» أو غير ذلك «4»، ليس معناه إلّا ما هو ذلك بالحمل الشائع.

و لو كان المراد منه الأمور الإنشائيّة الأعمّ من التي تكون موضوعة لحكم العقل و سببا للانتقال، لكان اللازم عليهم عدم اعتبارهم القبول في الماهيّة، مع أنّهم جعلوه ركنا، ضرورة أنّ المعنى الإنشائيّ من البيع- كما صرّح به الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «5»- يحصل بالإيجاب وحده.

______________________________

(1) المصباح المنير 1: 87، البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 41.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 53- السطر 30.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 9 و 12.

(4) المبسوط 2: 76، المختصر النافع: 118، تذكرة الفقهاء 1: 462، الدروس الشرعيّة 3: 191، جامع المقاصد 4: 55.

(5) البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 219- 220، و 223- 224 و 2: 102- 103.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 75

فيعلم من ذلك: أنّ مرتكزهم و بناءهم على أنّ البيع، هي الماهيّة المترتّبة عليها الأثر، التامّة الأجزاء و الشرائط، فكيف ذهلوا و اختاروا صحّة الفضوليّ، قائلين: بأنّه بيع حقيقة محتاج في التأثير إلى إجازة المالك، لا في اتصافه ب «البيعيّة»؟! و قد يتوهّم: أنّ حقائق المعاملات هي المعتبرات النفسانيّة و التبادلات الذهنيّة، و هي تتّصف ب «الصحّة» فيما كانت من الذي يليق بها، و ب «الفساد» فيما كانت من الذي لا يليق بها، و الفضوليّ من الثاني «1».

و لعمري، إنّه أقرب إلى المزاح من الحقيقة، و لا حاجة إلى بيان ما فيه، و قد تعرّضنا لذلك في الأصول «2».

الوجه العقلائيّ لبطلان الفضوليّ و نقده

و من الثانية: تقبيح العقلاء التصرّف في مال الغير، و قد ورد عن الرسول الأعظم صلى الله

عليه و آله و سلم «3» و الوليّ المعظّم عجّل الله تعالى فرجه عدم حلّية التصرّف في مال الغير، إلّا بطيبة نفس منه و إذنه و ترخيصه «4»،

______________________________

(1) محاضرات في أصول الفقه 1: 195.

(2) تحريرات في الأصول 1: 233 و 273- 279.

(3) عوالي اللآلي 2: 113- 309، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلي، الباب 3، الحديث 3.

(4) عوالي اللآلي 3: 473- 3، وسائل الشيعة 25: 386، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 76

و أيّ تصرّف أعظم عند العرف من التصرّفات الناقلة؟! و توهّم أنّه ليس بتصرّف «1»، في غير محلّه، لأنّه يعدّ من مسقطات الخيار في محلّه، فيعلم منه أنّ ذلك نقل عرفيّ.

و إن شئت قلت: النقل على قسمين: نقل حقيقيّ، و اعتباريّ، و قضيّة القواعد العرفيّة اختصاص موضوع الدليل المزبور بالأوّل، لأنّ الثاني مجازيّ و ادعائيّ، و لا دليل على الإلحاق، و بدون الدليل لا يمكن اللحوق، إلّا أنّ المتعارف في الثاني في محيط التقنين و ترتيب الآثار الشرعيّة عليه من سقوط الخيار و نحوه عليه كاشف عن الإمضاء، و يشمله العنوان المذكور، و لو كان المناط في صدق «التصرّف» النقل الخارجيّ لما كان تصريف المالك تصرّفا عرفا، مع ضرورة الوجدان على خلافه، فيعلم منه أنّ الأمر الإنشائيّ يعدّ من التصرّف.

و حيث إنّ الفضوليّ مشترك معه في تلك الجهة، يكون متصرّفا، و هو حرام تكليفا، الملازم لحرمته الوضعيّة، أو وضعا و تكليفا معا، أو وضعا في بعض المواضع، و تكليفا في آخر، و هما معا في ثالث، و قد مضى تفصيله، و عندئذ لا بدّ من ترتيب الأثر على محرّمية التصرّف الإنشائيّ، و ليس

هو إلّا سقوط الاقتضاء و الصحّة التأهّلية.

نعم، بناء على ما ذكرناه و اخترناه لا يلزم هذا، لأنّه ليس مشتركا مع المالك، لا في الإنشاء، و لا في الأثر.

أقول: لا نريد ذكر الخلل و الزلل المشاهد في التقريب المزبور من

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 136.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 77

الجهات العديدة، و إنّا لو سلّمنا جميع ما أفيد بتحرير منّا، لا نسلّم النتيجة، لأنّ ما هو يعدّ من التصرّف هو البيع الناقل و المترتّب عليه الأثر، و هذا هو الذي يورث سقوط الخيار، و أمّا التصرّفات غير الناقلة عرفا فليست من المنهيّ عنها في المأثور قطعا، حتّى في الغاصب و الباني على ترتيب الأثر بالغصب بعد البيع، أو بالإكراه على التسليم بعد البيع، لأنّه لا ينتقل به شي ء.

نعم، بلحوق الإجازة يكون بيع الفضوليّ مؤثّرا و ناقلا، و لكنّه لا يستلزم المحرّم.

إن قيل: بيع الغاصب و ما يشبّه به من سائر الصور المذكورة، ناقل عرفيّ، و باطل شرعيّ.

قلنا: هذا ما قد تكرّر إشكالا و جوابا، و قد عرفت في أوّل البحث: أنّ اعتبار المالكيّة- بالمعنى الأعمّ من الملك الاعتباريّ و السلطنة الاعتباريّة- أصل مسلّم بين الأمم، و ماهيّة البيع متقوّمة به، و ليس هذا من قبيل سائر البيوع المنهيّ عنها، كبيع الخمر و الخنزير و آلات اللهو و القمار، فلا تخلط.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 79

الأمر الخامس فيما لو باع الفضوليّ مع سبق المنع
اشارة

لو باع الفضوليّ للمالك مع سبق المنع من المالك، أو لمن له ذلك كأوليائه، فالمشهور على صحّته «1»، بل المعروف من المخالفين في المسألة الأولى عدم تعرّضهم لهذه المسألة، فنسبة البطلان إليهم ممنوع إلّا للأولويّة.

و عن صاحب «الإيضاح»: أنّ بعض المجوّزين للفضوليّ

اشترط عدم سبق نهي المالك «2».

و على كلّ تقدير: يشكل توجيه الفرق بين الصورتين، بل لا معنى له، لأنّ منع المالك غير جائز عمّا ليس له، و لا يكون تحت سلطنته

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128- السطر 8، البيع، المحقّق الكوهكمري: 334، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 138.

(2) إيضاح الفوائد 1: 417، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 80

و ملكه، و قد عرفت أنّ نقل الفضوليّ ليس من التصرّف عرفا في مال الغير.

و لو قيل: هذا خلاف ما ارتكز في الأذهان العرفيّة و الشرعيّة، فيشهد هذا على أنّ «التصرّف» صادق عليه لغة.

قلنا: بل يعلم من ذلك أنّ وجه تقبيح العقلاء و نهي الملّاك، غفلتهم عن عدم لزوم قيامهم بترتيب آثار البيع، و أنّ تمام الأمر بيده، و ما يصنعه ليس إلّا إعانة في الحقيقة للمالك، و يسهّل الأمر عليه إذا أراد بيعه و إنفاذه، و إذا توجّه إلى تلك الجهة لا يرى بيعه ممنوعا، و لا يعدّ من المحرّمات و إن منعه.

نعم، هنا شبهة على القائلين: بأنّ الرضا الباطنيّ يخرج الفضوليّ من الفضوليّة، و منهم الشيخ «1» و السيّد الوالد «2» عفي عنهما: و هي أنّ النهي كاشف عقلائيّ عن كراهة البيع، و هو بالتخلّف و إن سقط، و لكنّ الكراهة المستكشفة به لا تضمحلّ، لأنّها لا تتعلّق بالمعنى المصدريّ، بل هي تعلّقت بالمعنى الباقي عرفا، و عند ذلك يمكن استكشاف بقاء النهي أيضا، فعليه يلزم وقوع الردّ بعد الإنشاء، فلا تفيد الإجازة اللّاحقة.

و بهذا التقريب يتوجّه الإشكال إلينا أيضا، لظهور الكراهة بالنهي الباقي من غير الحاجة إلى استصحابه، أو الكراهة المظهرة بالنهي السابق كافية في هدم

بيع الفضوليّ، لكفاية ظهور ما في ذلك.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 20- 22، و: 125- السطر 8- 14.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 101.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 81

و أنت خبير بما هو الحقّ الآتي تحقيقه: من أنّ المنع و الرّد لا يورث الهدم «1»، و الإجماع المدّعى «2» غير تامّ، و لو سلّم فالمفروض من مورده و معقده صورة واحدة، و هي الردّ بعد الوجود، لا مطلق الردّ و إن كان باقيا من قبل الوجود، فليتأمّل.

هذا، و قد يشكل: بأنّ الردّ و هو الوجود الإنشائيّ، إذا كان مورثا لهدم المنشأ الموجود، و هو بيع الفضوليّ، فالنهي أولى بذلك، لأنّ الدفع أهون من الرفع «3».

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ هذا هو قضيّة فهم العقلاء، و لو منع الشرع عن الصحّة بعد الرّد، فلا بدّ من الاقتصار على معقده. و لعمري إنّ التفكيك بين النهي و الردّ، غير ممكن حسب القواعد.

و توهّم: أنّه ليس له النهي عمّا ليس تصرّفا في ماله، بخلاف الردّ، ممنوع، لأنّه لا معنى لردّ ما ليس في حيطة سلطانه.

نعم، له الإجازة، و له عدمها، دون الردّ الهادم بالمعنى المصطلح عليه، فلا تغفل.

فالمحصول ممّا قدّمناه: عدم الفرق بين الصورتين في شمول الأدلّة و عدمه، و لا فرق بينهما عندنا في أنّ للمالك و المأذون من قبله- شرعا كان، أو عرفا- إجازة ما صنعه الفضوليّ، و إذا صار بها مؤثّرا و موضوعا

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 202- 207.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 9.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 140.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 82

لحكم العقلاء، يصير بيعا و تجارة، و يشمله الأدلّة و

البناءات العقلائيّة.

هذا في الأدلّة العامّة.

وجه الجمع بين المآثير الدالّة على صحّة الفضوليّ و الدالّة على بطلانه

و أمّا المآثير الخاصّة، فقد مضى قصور الآيات، عن دلالتها على صحّة الفضوليّ، بنحو كلّي في مطلق العقود، و مثلها في قصور الدلالة على بطلان الفضوليّ، الروايات الخاصّة المستدلّ بها عليه، فإنّها إمّا قاصرة الدلالة، أو تكون ناظرة إلى إبطال الفضوليّ قبل الإجازة.

و لو سلّمنا دلالتها في الجملة على النهي عن الاشتراء، الظاهر في نفي القابليّة و عدم تحقّقه مطلقا، كما قرّبناه لهم هناك، فهل قضيّة الصناعة العلميّة حول الجمع بين أدلّة الطرفين، هو العمل بالعمومات، لتهافت الأدلّة الخاصّة، و تكون العمومات مرجعا؟

أو هي مرجّحة لما في الكتاب، و موافقة الكتاب من المرجّحات؟

أم الكتاب مختلف، فمنه ما يدلّ على الصحّة، ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و منه ما يدلّ على الفساد، ك تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» و النسبة بينهما عموم من وجه، فالأخبار الدالّة على الفساد مؤيّدة بالكتاب، و هكذا ما دلّ على الصحّة، فإذن يسقط الترجيح بالموافقة؟

______________________________

(1) المائدة (5): 10.

(2) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 83

و أمّا الترجيح بمخالفة العامّة، فهو أيضا مشكل، لذهاب أبي حنيفة إلى الصحّة بعد الإجازة «1»، و الشافعي إلى البطلان «2».

و لو صحّ الترجيح فالمقدّم ما دلّ على البطلان، لأنّ ما دلّ على الصحّة في عصر أبي حنيفة، و فتواه كانت أعرف بين الأشقياء.

و أمّا الترجيح بالشهرة، فهو أيضا مشكل، لأنّ ما هو المرجّح هي الشهرة الروائيّة على مسلك، و هذه الروايات على نسق واحد، لو لم نقل: بأنّ بعض أخبار البطلان أشهر. و أمّا الشهرة الفتوائيّة فهي مميّزة بين الحجّة و اللاحجّة، و في كونها بالغة إلى هذا الحدّ إشكال، لدعوى الإجماع في «الخلاف» «3» و «الغنية» على البطلان

«4»، مع تصريح الأوّل:

«بأنّ المخالف منّا لا يعتدّ بقوله».

و قد يقال: بأنّ النوبة لا تصل إلى المرجّحات، لتصريح الشيخ الأعظم بأنّ ما دلّ على الصحّة، أعمّ ممّا دلّ على الفساد، و بالتخصيص يؤخذ بالطائفتين جمعا «5».

وجه الأعمّية: هو أنّ الأخبار المانعة تشمل الفضوليّ للمالك، و لنفسه، قبل الإجازة، و بعدها، و المجوّزة لا تشمل إلّا المسألة الأولى، أو هي و الثانية، فتبقى الصور الأخر تحت تلك الأدلّة.

______________________________

(1) الخلاف 3: 168، المجموع 9: 261، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 240.

(2) الخلاف 3: 168، المجموع 9: 261، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 166.

(3) الخلاف 3: 168.

(4) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 523- السطر 14.

(5) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 127- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 84

و قيل: «بأنّ النسبة هي التباين، لأنّه لم يكن البيع لنفسه أو للمالك قبل الإجازة، محلّا لتوهّم الصحّة، حتّى يرد المنع بنحو العموم» «1» و لا يخفى ما فيه.

و قد يستظهر التعارض بالعرض بين الأدلّة المجوّزة «2»، لوقوع التعارض بالذات بينها و بين المانعة، و ذلك لأنّ المجوّزة تشمل ما لو باع للمالك مع سبق المنع و عدمه، بمعنى أنّ بعضا منها يشمل صورة، و بعضا منها يشمل اخرى، فيلزم التخصيص المستهجن بينها و بين المانعة، بعد خروج صورة عدم لحوق الإجازة منها، لانصرافها عنها.

و حيث لا يمكن تعيين ما به يلزم الاستهجان- و لو أمكن ذلك لا يستلزم رفع الإشكال- يلزم التهافت بالذات بين الطائفتين: المجوّزة، و المانعة، و بالعرض بين المخصّصات، لأنّ التخصيص المستهجن يلزم منها، فيعلم بكذب بعض منها، لئلّا يلزم ذلك، كما لا يخفى.

و عند ذلك يمكن دعوى: أنّ بناء العقلاء على طرح العمومات باستكشاف القيود فيها،

كما في أخبار القرعة «3»، فإنّ بناء الأصحاب هنا ليس على المعارضة بين المخرجات، بل بناؤهم على طرح عمومات القرعة «4»، فلاحظ و تدبّر.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 221- السطر 23.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 135.

(3) وسائل الشيعة 27: 257، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 13.

(4) كفاية الأصول: 493، فوائد الأصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 679.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 85

أقول: ما أفاده القوم هنا لو تمّ، فهو بالنسبة إلى المآثير المتكفّلة للأحكام التكليفيّة، و أمّا في الوضعيّة فالعرف لا يستفيد من المجوّزة، إلّا عدم اشتراط رضا المالك، إلّا في تأثير المعاملة، دون ماهيّتها، و لا يستفيد من المانعة إلّا عدم الاشتراط، و لا يلاحظ في هذه المواقف خصوصيّات الصور و الفروض، لأنّ دعوى الشرطيّة في صورة دون صورة، بعيدة عن مذاقهم، و غريبة عن محيط إدراكهم، فتصير النتيجة تباين النسبة، كما في الروايات الواردة في الماء القليل، و في كثير من نظائرها، فإنّ الجمع بينها بالتفصيل بين النجاسات، أو الملاقيات لها، غير صحيح، و لذلك يدور الأمر هناك بين القولين: النجاسة، أو الطهارة، فلاحظ و اغتنم.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 87

الأمر السادس حول بيع الفضوليّ لنفسه
اشارة

لو باع الفضوليّ الغاصب سواء لنفسه، أو لغير المالك، و سواء كان عالما بالغصب، أو جاهلا كما في المقبوض بالعقد الفاسد، و كان ملتفتا إلى عدم ترتّب الأثر على بيعه، أو غير ملتفت، و كان معتقدا بأصل المالكيّة، أو غير معتقد، و كان عالما بالحكم، أو جاهلا، ففي جميع هذه الصور- إلّا صورة واحدة- يصحّ البيع على ما ذكرناه في أصل المسألة «1»، و لما تقرّر منّا في الصحيح و الأعمّ:

من أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب، لا لذواتها، و لا للمسبّبات بمعنى الأثر، و هي مالكيّة المشتري للمثمن، و البائع للثمن، و لا لألفاظ الإيجاب و القبول «2».

فما هو البيع حقيقة ما هو الناقل، و أمّا بيع المكره و الفضوليّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 و ما بعدها.

(2) تحريرات في الأصول 1: 277- 279.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 88

فليس إلّا إنشاء البيع، و إنشاء البيع ليس بيعا واقعا و بالحقيقة، كما أنّ إنشاء الحكم و الحكم الإنشائيّ، ليس حكما حقيقة و بالدقّة العرفية.

فما قد يتوهّم: من أنّ الأمور الاعتباريّة أمرها دائر بين الوجود و اللاوجود، في غير محلّه، فإنّ الحكم ليس إلّا اعتبارا، و لكنّه ينقسم إلى الإنشائيّ و الحقيقيّ، و البيع مثله.

نعم، ما هو الحكم حقيقة و ما هو البيع بمعناه الواقعيّ، أمره دائر بين الوجود و العدم، و لذلك لا يأتي فيه نزاع الأعمّ و الأخصّ، كما أفاده الأكثر «1»، بل نسب إلى المشهور «2».

و على هذا فما أتى به الفضوليّ في الصور المزبورة، ليس بيعا، و لكنّه أوقعه جدّا، فوجد البيع الإنشائيّ القابل لصيرورته بيعا حقيقة بالإجازة.

لست أقول: إنّ ماهيّة البيع أعمّ من البيع الحقيقيّ، حتّى يقال: بأنّ التقسيم دليل على أنّ البيع أعمّ، و ما ادعيتم يرجع إلى انصراف أدلّة الإمضاء إلى البيع الملحقة به الإجازة، كما هو خيار الأصحاب- رضي الله عنهم.

بل المقصود: أنّ البيع الإنشائيّ ليس بيعا واقعا و حقيقة، و التعبير عنه ب «البيع» من باب التوسّع و العناية، لما مرّ تفصيله، و ذكرنا

______________________________

(1) كفاية الأصول: 49، نهاية الدراية 1: 133، البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 4.

(2) مناهج الوصول 1: 169، تهذيب الأصول

1: 87.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 89

التوالي الفاسدة المترتّبة عليه «1».

و بالجملة: ففي جميع الصور يمكن تصحيح ما فعله الفضوليّ الغاصب بالإجازة.

الصورة التي لا يصحّ فيها بيع الفضوليّ الغاصب

نعم، هنا صورة واحدة: و هي ما لو باع الفضوليّ الغاصب المعتقد بالقانون، المتوجّه إلى أطراف المسألة، فإنّه كيف يتمكّن من الإرادة الجدّيّة لإنشاء ذلك؟! و الإرادة الهزليّة للاستعمال ليست كافية، و ما يصدر عنه هزلا غير قابل للحوق الإجازة، لأنّ الوجود الإنشائي المترتّب على قصد الألفاظ بما لها من المعاني، غير حاصل إلّا بالقصد الواقعيّ، لا الصوريّ. بل لا قصد منه أصلا.

و تلك الشبهة غير قابلة للدفع على مذهب المشهور، من أنّ البيع موضوع لما هو المؤثّر و الصحيح الفعليّ، كما هو الظاهر.

و من الغريب توهّم: أنّ ادعاء المالكيّة، أو ادعاء الملكيّة، أو ادعاء النيابة، أو غير ذلك- كالقول بأنّ الغاصب يسرق الإضافة الملكيّة «2»- يكفي لتحصيل الإرادة الجدّية التكوينيّة!! «3» و أنت خبير: بأنّ الجدّ لا يشتمل على المجازات و التسويلات

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 11- 12.

(2) منية الطالب 1: 225- السطر 5.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128- السطر 27- 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 90

الشعريّة، فلا ينبغي صدور مثله من أبناء الفضل و التحقيق.

هذا، و ذلك يستلزم وقوع البيع للمالك، مع أنّ مفروض المسألة ما لو باع لغير المالك، فكأنّهم يطلبون وقوع البيع لغير المالك بدعوى المالكيّة، و هل يعقل ذلك؟! فلا تخلط.

نعم، قضيّة ما أفاده المحقّق الوالد- مدّ ظلّه-: «من أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للمعاني الإنشائيّة الحاصلة من ألفاظ القبول و الإيجاب، و أمّا المؤثّرية فهي خارجة منها» «1» و لعلّه إليه يرجع ما أبانه صاحب «المقابيس قدس سره» في المقام «2»، عدم

تصوير الشبهة في هذه الصورة أيضا، لأنّ الغاصب المتوجّه إلى أنّ البيع ليس ما هو المؤثّر، بل البيع يكون ما هو قابلا لصيرورته مؤثّرا بالإجازة، يتمكّن من إرادة البيع، و يريده لجلب الثمن، كما أنّ المكره يريده لدفع ما توجّه إليه.

و لكنّ الشأن في المبنى، فإنّه عندنا غير مرضيّ، كما أشرت إليه مرارا، و التفصيل يطلب من محلّه «3».

ثمّ إنّه قد يتوهّم التفصيل في هذه الصورة، بين ما لو باع المغصوب من غير نظر إلى إخراجه من ملكه، و ما لو باع ناظرا إلى إخراجه من ملكه، فيقول: «بعت هذا من نفسي بذاك لنفسي» فإنّ في الصورة الأولى

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 143، تهذيب الأصول 1: 89.

(2) مقابس الأنوار: 114- السطر 34 و 115- السطر 9- 10، و لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 142- 143.

(3) تحريرات في الأصول 1: 273- 279.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 91

يصحّ البيع، لأنّه ليس إلّا نفس المبادلة بين المالين، و في الثانية لا يصحّ، لأنّ إنشاء المبادلة بإخراجه من ملكه، غير ممكن للملتفت، فلا يصحّ بلحوق الإجازة، لأنّه كالهازل.

أقول: إن كان البيع هو إنشاء التمليك و المبادلة، فهو حاصل في الفرضين، لأنّه بإخراجه من ملكه لا يريد الخروج، لأنّه خارج من حقيقة البيع، و إن كان هو المبادلة الإنشائيّة المترتّب عليها النقل الاعتباريّ، فهو باطل في الصورتين.

و أمّا دعوى: أنّ المبادلة الجدّية تحصل في صورة، و لا تحصل في أخرى، فهي بلا بيّنة و برهان، بل التحقيق أنّ الصورتين مختلفتان في الألفاظ الاستعماليّة، لا في الواقع و نفس الأمر، لأنّ الإهمال الثبوتيّ ممتنع، ففي الفرض الأوّل هو إمّا يريد إخراجه من ملكه،

أو من ملك البائع، و يكون البيع مبنيّا على ذلك و إن لم يصرّح بقوله: «من نفسي» أو «من غيري» فلا تغفل.

وجه عدم صحّة بيع الغاصب لنفسه و تزييفه

إن قلت: لا يمكن الالتزام بصحّة البيع في جميع هذه الصور، لأنّ الغاصب إمّا يريد إخراج المغصوب من ملكه، و إدخال الثمن في ملكه، أو يريد إخراج المملوك المغصوب من ملك مالكه، و إدخال الثمن في ملكه، فالبيع الصادر عنه لا يخلو من ذلك ثبوتا.

و هنا صورة ثالثة: و هي التغافل عن قيد الإخراج و الإدخال، بإنشاء

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 92

المبادلة بين المالين، و لكنّها في نفس الأمر مندرجة فيهما كما عرفت.

و عليه فلا يعقل صيرورتها صحيحة بالإجازة، لأنّها تلحق بالبيع الذي أوجده، و ما أوجده لا يمكن أن يصير بيعا، ضرورة أنّ من مقتضيات المعاوضات دخول المعوّض في محلّ العوض، فلا بدّ من دخول الثمن في ملك المالك، لأنّ المبيع خرج من ملكه. هذا إذا أراد المالك إجازة بيع الغاصب لنفسه، كما هو المفروض في المقام بين الأعلام رحمهم الله.

و بالجملة: فما أوقعه لا يصير بيعا، و ما يمكن أن يصير بيعا لم يوقعه.

قلت: قد تحرّر منّا تحقيق ما اشتهر بين الأعلام: من أنّ حقيقة المعاوضة كون المدخل و المخرج في العوضين واحدا، و أنكرنا ذلك جدّا، و ما كان هو الوجه لذهابهم إلى ذلك مذكور في السالف و مدفوع، فليراجع «1»، و عليه فلا إشكال عندنا إلّا من جهة تأتي.

و لكنّ القوم لا يتمكّنون من الفرار من تلك الشبهة، لأنّ ظاهرهم شرطيّة الملكيّة في صحّة البيع، فيكون حقيقة البيع عندهم الإخراج و الإدخال في الملكيّة، و قد عرفت بأنّها تبادل الإضافات، فلا بدّ من إضافة الملكيّة

بين البائع الحقيقيّ و العين، و هكذا في جانب الثمن، و هذا ممّا لا يوجد فيما نحن فيه، بعد ظهور إنشائه في أنّه أخرج من ملكه و بادل الإضافتين.

و توهّم: أنّ الصورة الثالثة هي الشائعة في بيع الغاصبين، في غير محلّه، لما عرفت.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 312- 314.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 93

و مثل ذلك و هما أن يقال: بأنّ البائع الغاصب عمل عملين: بادل بين المالين، و أخرجه من ملكه، و الثاني يقع باطلا، بخلاف الأوّل، و ما فيه من الوجوه العديدة غير خفيّ على الأصاغر، فضلا عن الأكابر.

مختار الوالد المحقّق في دفع الوجه السابق و نقده

ثمّ إنّ الوالد المحقّق بنى في دفع الشبهة على ما أسّسه في حقيقة البيع: «من أنّ تلك الماهيّة، ليست إلّا المبادلة بين المالين في نحو إضافة، و لا يشترط فيها الملكيّة، و لا الخروج و الدخول في الملك، كما في بيع الكلّي، و بيع الوقف، و بيع الزكاة و الخمس في مواقف الصلاح، و هذا ممّا يستكشف من تفريع الأصحاب رحمهم الله عدم صحّة بيع الطير في الهواء و السمك في الماء على شرطيّة القدرة على التسليم، لا شرطيّة الماليّة و الملكيّة «1».

فعليه يعلم: أنّ الغاصب لا ينشئ إلّا تلك المبادلة التي هي حقيقة البيع، و أمّا توصيف ذلك ب «الإخراج من ملكه» فهو من قبيل بيع الجزئيّ الموصوف بوصف، فإنّه مع التخلّف يصحّ البيع، و يثبت للمشتري الخيار، أو يكون التقييد المزبور من القيد الإضافيّ غير اللازم، و غير المضرّ أيضا، كما هو المتعارف» «2».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 466- السطر 22 و 30، جامع المقاصد 4: 92، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 185- السطر 1.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 13

و 2: 145- 146 و 152.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 94

أقول: ما أفاده هو الحقيق بالتصديق، و هو عدم شرطيّة الماليّة النوعيّة و لا الملكيّة في حقيقة البيع، و التفصيل في مقامه، و لكنّ الأمر هنا غير منحلّ، لأنّ البائع في بيع الجزئيّ الموصوف، لا يكون إنشاؤه مضيّقا، بخلافه فيما نحن فيه، ضرورة أنّ قوله: «بعت هذا الفرس العربيّ» ليس معناه إلّا أنّه بادل بينه و بين الثمن، و لكنّه إذا أراد الإخراج من ملكه، يرجع إلى أنّه أنشأ الإخراج من ملكه بالمبادلة بينهما، فكيف يعقل التجزئة؟! و بعبارة أخرى: يقول البائع الغاصب في الفرض المزبور، «بادلت بين المالين، بأن أخرجت هذا من ملكي» و هذا- أي الإتيان بالجملة البيانيّة- دليل على أنّ المبيع ليس مقيّدا، بل إنشاؤه يكون كذلك، و على الحقيق لا يمكن تقييد المبيع و توصيفه إلّا برجوعه إلى وصف الإنشاء و بيانه، فلا تغفل.

فتحصّل إلى هنا: أنّ الإجازة اللاحقة بيع الغاصب، لا تفيد على المشهور مطلقا، سواء أجاز المالك لنفسه، أو للغاصب، لأنّ إجازته لنفسه لا معنى لها عقلا، و إجازته للغاصب لا معنى لها عقلا. و على ما أسّسناه تفيد الغاصب، لعدم الإشكال العقلائيّ في خروج المثمن من ملكه، و دخول الثمن في ملك الغاصب.

و ما أفاده الشيخ رحمه الله: من كفاية المالكيّة الادعائيّة «1»، أشبه بالمزاح من الجدّ، مع أنّ الغاصب يدّعي المالكيّة حتّى يوقعه

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128- السطر 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 95

لنفسه، و لا معنى لادعاء المالكيّة و إيقاعه لعنوان المالك الكلّي، و مع غير ذلك من الموهنات الواردة عليه رحمه الله.

هذا كلّه فيما إذا باع الغاصب عن

نفسه.

حكم ما لو باع الفضوليّ الغاصب عن المالك

و أمّا لو باع عن المالك، فيأخذ الثمن غصبا، فيمكن تصحيح ذلك بإجازته، لأنّها إذا لحقت بما أنشأه يدخل الثمن في ملكه، و يصير الغاصب ضامنه.

و توهّم: أنّه أنشأ الإخراج من ملكه بإنشاء تملّك الثمن، فيكون الإنشاء مضيّقا، فلا يدخل الثمن في ملكه، لأنّ شأن المالك إجازة ما أنشأه الغاصب، فيخرج من ملكه المثمن، و يدخل الثمن في ملك الغاصب، فيخرج عن الغصب بتلك الإجازة، فلا يتمكّن من إدخال الثمن في ملكه.

ممكن الدفع: بأنّ تمام حقيقة البيع الإنشائيّ، و تمام ما يمكن أن يصير بيعا حقيقة، يحصل بعمل البائع الفضوليّ، و إنشاؤه تملّك الثمن لنفسه، لا يضرّ بصحّة المنشإ بعد لحوق الإجازة، فتصير النتيجة أنّ المالك بالخيار بين الإجازة المستلزمة لدخول العوض في ملكه، و بين الإجازة المورثة لدخوله في ملك الغاصب.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 96

تذنيب: في بيان إشكالين آخرين على صحّة بيع الغاصب لنفسه مع دفعهما

بناء على دلالة المآثير على صحّة الفضوليّ، فشمولها لهذه الصورة محلّ منع.

نعم شمول رواية ابن قيس «1»- لظهورها في بيع الوليدة لنفسه- غير بعيد، لأنّ المتعارف في هذه الأمور نيّة الولد جلب الثمن لنفسه، فيكون البيع لنفسه. و يحتمل أن يبيع عن والده بجلبه لنفسه، و لعلّه الأظهر.

و بناء على دلالة الأخبار المانعة على بطلانه، فالقدر المتيقّن من شمولها هذه الصورة، فإذن لا بدّ من العمل بها هنا، لعدم المعارضة بينها و بين المجوّزة.

ثمّ إنّ هنا إشكالا ثالثا: و هو أنّ هذه المسألة مشتركة في الردّ قبل الإجازة مع المسألة السابقة، لكراهة المالك بالبيع قطعا.

و ربّما يحكى- كما في كتاب الشيخ قدس سره- إشكال رابع على صحّة الفضوليّ في خصوص هذه المسألة، فيما إذا كان المشتري عالما بالواقعة «2»، و ذلك لأنّ الأصيل المتصدّي للاشتراء

من الفضوليّ بإقباض الثمن إليه، غير متمكّن من استرداده، سواء أجاز المالك، أو ردّ البيع، و عليه فلا تتحقّق حقيقة المعاوضة، لما عرفت من لزوم اتحاد المخرج

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 191.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 130- السطر 16.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 97

و المدخل في الملكيّة، و هو هنا غير واحد كما ترى.

و أنت خبير بما في هذه الإشكالات، ضرورة أنّ قضيّة ما تحرّر منّا هو تباين النسبة بين روايات المسألة، فلا وجه للاستدلال بها في صورة دون صورة.

و الإشكال الثالث مدفوع بما مرّ، مع أنّ الكراهة غير المظهرة ليست ردّا، كما أنّ الرضا غير المظهر ليس كافيا.

و أمّا الرابع، ففي المسألة تفصيل نشير إليه إجمالا:

اعلم: أنّ المشتري الواقف على المسألة، تارة: يريد المعاملة العقلائيّة، و اخرى: يريد جلب العوض بأيّ نحو أمكن.

فإن أراد الاولى، فلا شبهة في استحقاقه الاسترداد، لأنّ البطلان الشرعيّ لا يورث هتك المال عرفا.

ثمّ لو فرضنا عدم جواز الاسترداد، لإقدامه على التلف و هتك ماله، أو فرضنا عدم إمكانه لتلفه، فبالإجازة يصير البيع مؤثّرا عند المشهور، أو يصير ما عمله الفضوليّ بيعا، كما هو الحقّ عندنا، فإذا تحقّق البيع المؤثّر ينتقل المثمن إلى المشتري، و عليه ردّ الثمن إليه إذا كان كلّيا، لأنّه بالإقباض الباطل لا يتعيّن فيه، و ردّ مثله الواقعيّ إذا كان شخصيّا، فإنّ قضيّة صحّة البيع هو ذلك.

كما أنّ مقتضى فسخ البيع في البيع الخياريّ هو التراد قهرا، إذا كان العوضان موجودين، أو ترادّ مثلهما الواقعيّ إذا كانا تالفين. و لو استشكل في عدم اعتبار البقاء للعقد في صورة تلفهما، كما لا يبعد، و لكنّه يعتبر البقاء له إذا تلف أحدهما، و هذا من

غير فرق بين المحتملات في الإجازة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 98

كشفا و نقلا.

فما في كلمات الأعلام و الفقهاء في خصوص هذه المسألة، من التفصيل تارة: بين بقاء الثمن و عدمه «1»، و من القول: بأنّ صحّة البيع منوطة بجواز الاسترداد و عدمه اخرى «2»، و من إمكان الالتزام بصحّة البيع المفروض على الكشف، دون النقل ثالثة «3»، و من عدم جواز الاسترداد مطلقا رابعة «4»، و من غير ذلك، كلّها للغفلة و الذهول.

و إن أراد الثانية فلا بحث، لعدم تحقّق ما هو القابل لصيرورته بيعا مؤثّرا، و يكون مالا مهتوكا و ربّما يخطر بالبال أن يقال: بأنّ بطلان بيع الغاصب عقلائيّ و شرعيّ، و ليس من قبيل بطلان بيع الخمر و الخنزير، فإذا كان المشتري عالما بالغصب، و متوجّها إلى أنّ الغاصب يذهب بالثمن و يتلفه، و لا يرجع إلى المالك و لا يستجيزه، فكأنّه لا يريد البيع العقلائيّ، فيصير إقدامه مورثا لسقوط حرمة ماله.

و هذا نظير المال المطروح لجلب المال الآخر المحتمل وجوده،

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 418 و 421، مسالك الأفهام 1: 135- السطر 8، جامع المقاصد 4: 77.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 145- السطر 11، منية الطالب 1:

228- السطر الأخير.

(3) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 130- السطر 19- 24، منية الطالب 1:

229- السطر 6.

(4) لاحظ جواهر الكلام 22: 305.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 99

فإنّه لا يجوز له الاسترداد كما لا يخفى، فعليه يتعيّن القول الشاذّ في المسألة، و هو عدم جواز الاسترداد مطلقا.

و لكنّه لا يدلّ على بطلان بيع الغاصب لنفسه، لأنّ ما يصدر عنه هو تمام حقيقة الأمر الإنشائيّ القابل لصيرورته بيعا و مؤثّرا،

و لا حاجة إلى إنشاء المشتري في ذلك، فلو كان هو العالم فلا يضرّ ذلك بالمطلوب.

هذا مع أنّ التقريب المزبور، لا يورث نفي القابلية، و غاية ما يستدلّ به هو نفي المؤثّرية و التبعيّة.

نعم، فيما كان إنشاء المشتري مقوّما في المطلوب، كإنشاء البائع، و كان ملتفتا و متديّنا بالقوانين العرفيّة و الشرعيّة، فإنّه عند ذلك لا يصحّ بالإجازة، كما عرفت في أصل المسألة، فتدبّر جيّدا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 101

الأمر السابع في حكم ما لو كان المشتري غاصبا
اشارة

إذا كان المشتري غاصبا، فالذي يقتضيه ظاهرهم عدم الفرق في الصحّة و الفساد، فإن قلنا بصحّة الفضوليّ فهو صحيح، و إلّا فهو فاسد، و لا وجه للفرق بين الصورتين.

و قد يتوهّم: أنّ إنشاء المبادلة من طرف البائع الغاصب، بل و مطلق الفضوليّ، قابل للإجازة حتّى يكون البيع للمالك، و لكن هنا غير قابل للإجازة، لظهور قبول الغاصب في تملّكه، و إذا أجازه المالك يدخل المثمن في ملكه، و يخرج الثمن من ملك المجيز.

و أجيب عنه تارة: بأنّه تمليك للمالك، لأنّه يدّعي المالكيّة.

و فيه ما لا يخفى.

و اخرى: بأنّه لا يلزم أن يتملّكه بصيغة «التملّك» بل قوله: «قبلت» كاف، و ليس هذا ظاهرا في الإنشاء المزبور.

و فيه: مضافا إلى تسلّم الإشكال في صورة- أنّه لا يدفع في أخرى،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 102

لأنّ معنى «قبلت» ليس إلّا مطاوعة التمليك، فيكون إنشاء التملّك قهرا.

و ثالثة: كما أفاده السيّد الفقيه المحشي رحمه الله: «بأنّ تلك الإضافات المتعارفة، من قبيل البائع كانت، أو المشتري، و مثلها الإضافات الخطابيّة- كقوله: «بعتك بكذا»- كلّها خارجة من حقيقة البيع و الإعارة، لأنّها المبادلة بين المالين، و هي حاصلة في جميع الصور، و هذه الإضافات لا تورث

قصورا في تحقّق المقتضي و القابل، لصيرورته مؤثّرا بالإجازة» «1».

و فيه ما قد مرّ: من أنّ الأمر كذلك في بيع الأعيان الشخصيّة، دون الكلّيات كما يأتي «2». مع أنّ حقيقة البيع ليست إلّا ذلك، و لكن الإنشاء المضيّق غير قابل للانحلال.

و دعوى: أنّ المنشأ مقيّد دون الإنشاء، غير مسموعة، كما عرفت عن الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «3».

و ربّما يمكن حلّ الشبهة على طريقته الأخرى- مدّ ظلّه-: و هو أنّ حقيقة البيع هي إنشاء المبادلة، و هي تحصل بالإيجاب، و ليس القبول من الأركان، بل هو من قبيل إجازة الفضوليّ «4»، و عليه فلا تكون إجازة المالك مؤثّرة في إنشاء البائع، و عمل الغاصب الفضوليّ كالحجر جنب

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 142- السطر 28.

(2) يأتي في الصفحة 110.

(3) تقدّم في الصفحة 93- 94.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 219 و 221 و 2: 102- 103.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 103

الإنسان، و لا معنى لإجازته عمل الغاصب إلّا برجوعه إلى تنفيذ إنشاء المبادلة الذي قد تحقّق من البائع الأصيل.

و فيما أفاده رائحة التحقيق، و هو فيما كان الموجب متصدّيا من مالك العوضين للمبادلة، فإنّه بقوله: «بادلت بينهما» يتحقّق الأثر، فيكون هو بيعا، و لكن فيما لم يكن الأثر مترتّبا عليه، لا يكون هو البيع عندنا، إلّا أنّه قابل لصيرورته بيعا بالإجازة.

و على ما أفاده يلزم عدم إمكان تصوير المشتري الفضوليّ، و هذا مشكل تصديقه، ضرورة أنّ مالك الثمن يجيز شراءه غافلا عن إنشاء البائع، و هذا كاشف عن أنّ شراءه يعدّ فضوليّا، فتأمّل.

مختارنا في الجواب عن شبهة شراء الفضوليّ الغاصب لنفسه

ثمّ إنّ قضيّة ما تحرّر منّا: أنّ حقيقة البيع لا تقتضي إلّا التبادل بين المالين، و أمّا كون

أحدهما واردا مورد الآخر، فهو ممنوع جدّا «1» لأنّه قد لا يكون البائع و المشتري مالكين، حتّى يرد كلّ في مورد الآخر. و كفاية ورود أحدهما مورد الآخر في السلطنة، ممّا لا دليل عليه حتّى يلزم الالتزام به، فلا مانع عند ذلك من إجازة المالك البيع، مريدا به مالكيّة الغاصب، أو إجازته، و مريدا به دخول المثمن في ملكه.

فما أفاده شيخ المشايخ، كاشف الغطاء في شرحه على «القواعد» في غاية المتانة، قال فيه: «و لو أجازه المالك على نحو ما قصده

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 312- 314.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 104

الغاصب به، احتمل رجوعه إلى هبة و بيع معا، لقوله: «اشتر بمالي لنفسك كذا».

و أمّا مع قصد الغاصب تمليك نفسه ثمّ البيع، فلا بحث في رجوعه إلى ذلك.

و لو باع المالك عن غيره، صحّ البيع عن المجيز» «1» انتهى.

فإنّ قضيّة ذلك التزامه بمقالتنا التي أسّسنا بنيانها سابقا.

نعم، فيما أفاده الإشكالات الأخر، و قد مضى الكلام حولها، فيما إذا قيل للمالك: «أعتق عبدك عنّي» «2» فلا نطيل المقام بإعادتها.

إن قيل: كما هو أي المالك، بالخيار بين الإجازة لنفسه و للغاصب، هو أيضا بالخيار بين الهبة للغاصب، ثمّ إجازة البيع بالضرورة، و بين الجمع بين الهبة و البيع في الإنشاء الواحد، ضرورة جواز استعمال الهيئة الواحدة في المتعدّد، كما يجوز استعمال اللفظ الواحد في الكثير. و القبض الذي هو شرط في صحّة الهبة حاصل، كما لا يخفى.

قلنا: إمكان ذلك في المعنيين العرضيّين، بمكان من الظهور، و لكنّه في المعنيين الطوليّين- بأن يكون أحدهما موضوعا للآخر- هو غير ظاهر، و لا يمكن انحلال الإنشاء المتعلّق بما فعله الغاصب إلى

______________________________

(1) شرح قواعد الأحكام،

كاشف الغطاء، الورقة 60- السطر 16- 18 (مخطوط)، لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 144- السطر الأوّل، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 143- السطر 7.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 131- 134.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 105

إنشاءين، لأنّ من شرائط الانحلال، كون المنشأ متكثّرا بالعموم الاستغراقيّ، أو مقدّمات الإطلاق، كما قيل به في رفع الشبهة في الإخبار مع الواسطة، و في تتبّع العقود، و فيما نحن فيه ليس الإنشاء و المنشأ، إلّا أمرا واحدا شخصيّا جزئيّا.

نعم، يمكن دعوى، أنّ عمل الغاصب استيهاب، فإنشاء الهبة به حاصل، و هكذا القبض المعتبر في صحّته على إشكال، و إذا تصدّى المالك للإجازة، بالتكلّم ببعض الكلمات، فقد تحقّقت الهبة، لعدم احتياجها إلّا إلى مبرز ما، و إذا تمّ إنشاء الإجازة صحّ البيع.

و لكنّها غير مسموعة، لأنّه بحصول الهبة، لا يحتاج البيع إلى الإجازة، لأنّ الثمن قد خرج من ملكه، فهو أجنبيّ عنه، و تصير المسألة من صغريات مسألة من باع ثمّ ملك، فليتدبّر.

و بالجملة: فإمّا لا يمكن الجمع، أو يكون الجمع الممكن مضرّا بالمقصود، و على التقديرين لا يتمّ المطلوب.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 107

الأمر الثامن في بيع الفضوليّ بانيا على التسليم و لو بالغصب

لو باع الفضوليّ بانيا على التسليم و لو كان بالغصب و السرقة، فهل يصحّ بالإجازة، أم لا، أو فيه تفصيل؟

اعلم: أنّ هذه المسألة فارغة من الشبهات الثبوتيّة و الإثباتيّة المشار إليها في المسائل السابقة:

أمّا الإثباتية: فلأنّه بالإنشاء المتعلّق بمال الغير، لا يعدّ غاصبا و متصرّفا، حتّى يقال: بأنّ التصرّف المحرّم لا يصلح للإنشاء به. و كونها مندرجة في المآثير الدالّة على البطلان، مبنيّ على بعض تقريراتنا الماضية، و لكنّك أحطت خبرا بأنّها قاصرة عن إبطال الفضوليّ بالمعنى المقصود، لنا،

بل و للمشهور، على إشكال مضى.

نعم، اندراجها في النصوص الخاصّة، غير واضح كما ترى.

و أمّا الثبوتيّة: فلأنّه ليس بانيا على الغصب، بل هو بان على التسليم و لو كان بالغصب، و هذا لا يورث قصورا في تحصيل الإرادة الجدّية في

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 108

بيعه، فما مضى في الأمر الأسبق: من امتناع الالتزام بصحّة الفضوليّ فيما كان الفضوليّ عارفا و ملتفتا، و بانيا على عدم التخلّف عن القوانين، فهو غير لازم هنا.

نعم، إذا أنشأ لنفسه، أو لغير المالك، و لا يرضى المالك إلّا لنفسه، و التزم بذلك الغاصب، ففي كفاية الإجازة إشكال مضى تفصيله، و قد عرفت أنّ ما أفاده القوم غير مرضيّ عندنا، و لا يمكن تصحيحه بالإجازة إلّا على الوجه الذي اخترناه في محلّه، من عدم لزوم اتحاد المدخل و المخرج في العوضين «1»، فيصحّ للفضوليّ، و لا يمكن تصحيحه للمالك.

نعم، فيما كان البيع شخصيا فيلغي قيد «لنفسه» و لا يضرّ ذلك بأصل إنشاء المبادلة في الملكيّة إجمالا، فتصير بإجازته صحيحة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 312- 314.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 109

الأمر التاسع في أقسام بيع الفضوليّ
اشارة

فالمعروف منها: هو التجاوز إلى مال الغير، بإنشاء المبادلة بين الأموال من غير رضا المالك.

و منها: ما إذا تعدّى إلى سلطان الغير كالمتولّي للوقف، فإنّه إذا عرضت مسوّغات بيعه فإنّه يجوز ذلك، إلّا أنّه فضوليّ لا بالمعنى المعروف، و لو أجاز المتولّي صحّ، لعدم الفرق بين الفرضين حسب القواعد.

نعم، لو كان نفوذه منوطا بالأدلّة الخاصّة، فالتجاوز عنها إلى هذه الفروض مشكل جدّا.

و منها: إنشاء المبادلة بين أموال الصغار، فإنّ المنقصة المورثة لقصور البيع عن التأثير، ليست رضا المالك، فلو لحقته إجازة الأولياء كفى في صحّته.

فبالجملة:

في بيع الوقف فضولا، لا يتصوّر الفضوليّ إلّا بدخوله في

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 110

سلطان الغير، و بيعه من قبل المتولّي.

تصحيح الفضولية في بيع الكلي

يمكن تصوير الفضوليّ في بيع الكلّيات، ضرورة أنّ الكلّي الذي له الوجود خارجا المعبّر عنه ب «الطبيعيّ» يعدّ من الأموال عرفا، و لا يحتاج في تحقّق ماليّته إلى إضافته إلى ذمّة أحد، ضرورة أنّ العنقاء لمكان عدم تحقّقها في الخارج، لا تقوّم بشي ء، بخلاف السمك و الحنطة، فإنّهما يقوّمان من غير لحاظ الإضافة، و لو كانت الإضافة سبب الماليّة يلزم صيرورة العنقاء مالا بها، و لا بدّ من كون الكلّيات المضافة إلى الذمم بقيمة واحدة، لأنّها إضافة واحدة، فيعلم أنّها مع قطع النظر عنها ذات قيمة و ماليّة.

بل المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- أضاف إلى ذلك «بأنّ تلك الإضافة تورث سقوط الماليّة، لأنّ وعاءها إمّا الذهن، أو كالذهن، و ما هو كذلك لا يمكن تحقّقه في غير وعائه، ضرورة أنّ القيود الذهنيّة آبية عن الوجود الخارجيّ» «1» فتأمّل.

فما في كلمات القوم صريحا «2» و غير صريح «3»: «من أنّ ماليّة

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 152.

(2) منية الطالب 1: 179- السطر الأول، و: 229- السطر 17.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 117- السطر 27- 31، البيع، المحقّق الكوهكمري: 346.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 111

الكلّيّات بالإضافة» ساقطة جدّا، فعند ذلك يشكل تصوير الفضوليّ، لأنّ بيع ما في ذمّة زيد له صورتان:

إحداهما، ما إذا كان زيد مديونا لعمرو، فإنّه يصحّ البيع، و يجوز فيه الفضوليّ بالإجازة، لأنّه من قبيل بيع الأعيان الخارجيّة.

ثانيتهما: ما إذا لم يكن هو مديونا، و لكنّه متموّل ذو اعتبار عقلائيّ، فإنّه بإضافة الحنطة إلى ذمّته، لا

توجد هي فيها حتّى تباع، و لا تكون قابلة للتسليم، فلا بيع، و بعدم إضافتها إليها لا تصرّف في مال الغير بإنشاء المبادلة، و لا دخول في سلطان الغير، فلا فضوليّ.

و ينحل الإشكال: بأنّه إذا تصدّى لأن يبيع الحنطة من قبل زيد، فهو داخل في سلطانه، و يصير فضوليّا.

و لكنّه قد يشكل، بأنّه ليس من الفضوليّ في البيع، بل هو فضوليّ في الوكالة، ضرورة أنّ من يبيع من قبل زيد مع جهالة الطرف بالقصد، يجد أنّه هو وكيله في هذا الأمر، و كأنّه ادّعى الوكالة عنه.

و لك حلّه: بأنّ هذا لا يضرّ، لأنّ المالك بالخيار بين إجازة الوكالة المدعاة من قبله، فيصير البيع نافذا، أو إجازة البيع بنفسه، و قد مرّ بعض الكلام حول المقام في أوّل المسألة، فتدبّر.

و ممّا تبيّن إلى هنا اتّضح: أنّ في بيع الفضوليّ على الوجه المعروف فضوليّين: فضوليّ لأجل الدخول في سلطان المالك، و فضوليّ بإنشاء المبادلة بين أموال الغير.

و قد يتوهّم: أنّ الفضوليّ الثاني مع قطع النظر عن الأوّل، ليس فضوليّا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 112

و يندفع: بأنّ بيع أموال المفلّس الساقط سلطانه عليها عرفا و شرعا، إذا كان من قبل غير الديّان، فضوليّ بالمعنيين، لأنّه بإنشائه المبادلة على مال الغير- و هو المفلّس- تجاوز عن حدّه، و بدخوله في سلطان الديّان تعدّى عن وظيفته العرفيّة، فليتأمّل جدّا.

إن قلت: مقتضى المعاملات المعاوضيّة، التبادل بين العوضين في الملكيّة، فلو كان الكلّي مضافا إلى ذمّة الغير، و كان بتلك الإضافة ملكا له، فلا بأس، و إلّا فمجرّد التبادل غير كاف، فلا يصحّ بيع الكلّي غير المضاف.

قلت: قد أشير آنفا إلى صحّة بيع الوقف، فإنّ المبادلة فيه تكون في

السلطنة مثلا، أو في كون هذه العين الموقوفة دارّة على الآخرين، قبال كون العين الأخرى دارّة على الأوّلين.

و لو فرضنا الإشكال هناك، و لكن لا نسلّم الاقتضاء المزبور، بل غاية ما يقتضيه البيع كون المشتري بعد البيع، مالكا على البائع مقدار المبيع، كما في بعض أقسام الإجارة، و لا يعقل إنشاء الملكيّة في الذمّة قبل البيع بإنشاء البيع، و أمّا مستقلّا فلا حاجة إليه. مع أنّه لا يساعد عليه العقلاء، لما تقرّر في محلّه: من أنّ الاعتبارات الماليّة ليست إلّا ظلال ما في الأعيان، و لكنّها في نفسها ليست شيئا حذاء الخارج، و ما هو ظلّها يباينها من حيث، و مترشّح عنها من حيث، و التفصيل في محلّه «1».

إن قلت: بناء عليه يلزم جواز المبادلة بين كلّي الحنطة بدرهم

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 1: 279 و 8: 430.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 113

كلّي، و هذا ضروريّ الفساد، فلا بدّ من الإضافة، و هذا هو مراد القائلين:

«بأنّ الإضافة مقوّمة الماليّة».

قلت: لا ينبغي الخلط بين تقوّم بيع الكلّي بالبائع و المشتري، و بين تقوّم ماليّة الكلّي بالإضافة، فإنّ الثاني باطل قطعا، و الأوّل حقّ حتما، فإنّه بدونهما لا يقدم على المبادلة المزبورة.

و بعبارة أخرى: اعتبار الماليّة أمر، و إقدام العقلاء على البيع أمر آخر، و فيما نحن فيه لا بدّ من معلوميّة البائع و المشتري حتّى يقدم عليه، فلاحظ و تأمّل جدّا. هذا كلّه فيما لو أجاز من باع عنه.

حكم ما إذا باع فضولا عن الغير و لم يجز

و أمّا إذا ردّ و لم يجز، فهل يجب عليه الوفاء، أم لا؟

ظاهرهم الثاني معلّلين: بأنّه لم يلتزم بشي ء حتّى يجب عليه الوفاء، و هذا هو حكم العرف في أمثال المسألة «1».

و لكن الذي

يقتضيه الصناعة كما عرفت منّا هو الأوّل، و ذلك لأنّ من هو البائع حقيقة هو الفضوليّ عندهم، و إذا كان البيع لازما، فلا بدّ له من الالتزام بمقتضاه، و هو التسليم، و كون البيع من قبل الغير، من القيود غير الدخيلة في ماهيّة المعاملة عندهم، فهو كالقيد الواقع في كلام الغاصب من إخراج المبيع من ملكه، فهو على هذا بادل بين المالين، فإن ارتضى به أحد فهو، و إلّا فعليه الوفاء، و لذلك يجوز للفضوليّ أن يستجيز

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 130- السطر 33، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 153.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 114

من آخر لبيعه، و لا يتعيّن عليه مراجعته إلى من أوقع البيع له.

و توهّم: أنّ مجرّد كونه بيعا حقيقة، و الفضوليّ بائعا حقيقة، غير كاف للالتزام بمقتضاه، بل لا بدّ من اتصافه ب «العقد» و هو لا يحصل إلّا بعد الإجازة، في غير محلّه، ضرورة أنّ مفهوم «البيع» يلازم مفهوم «العقد» مع أنّ التحقيق أن صدق عنوان «العقد» غير لازم في ترتيب أحكام المعاملات عليها أصلا، و قد مضى تفصيله في المعاطاة «1».

فتحصّل: أنّ مقتضى ما أفاده القوم لزوم هذا البيع، و فساد هذا الرأي دليل على ما أسّسناه في المسألة، من أنّ عمل الفضوليّ ليس بيعا، بل هو أمر قابل لصيرورته بيعا بالإجازة، من غير فرق فيما نحن فيه بين أن يجيز الفضوليّ لنفسه، أو يجيزه من وقع الإنشاء له، أو يجيزه الأجنبيّ إذا استجازه الفضوليّ، لأنّ أمر العقد الفضوليّ بيده.

نعم، بناء على ما اخترناه، من أنّ الإنشاء المضيّق غير الإنشاء المحدود بحدّ، فإنّ الثاني قابل للتحقّق إذا كان الحدّ خارجا من قوامه، بخلاف الأوّل، ففيما

نحن فيه لا يخلو إنشاء الفضوليّ في المتعارف من البيوع عن أحد أمرين: إمّا إنشاء المبادلة في الملكيّة، فأخرج من ملك نفسه، أو ملك غيره، و على التقديرين لا سبيل للأجنبيّ إلى إجازته لنفسه، و لا سبيل لنفسه إلى إجازته على الفرض الأوّل.

و قضيّة ما سلكه الأصحاب جواز الاكتفاء بإجازة الأجنبيّ و الفضوليّ، من غير لزوم المراجعة إلى من وقع له العقد، لأنّه أمر

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 121- 123.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 115

خارج من حقيقة البيع: و هي المبادلة بين المالين، و لازم ذلك أنّ الأجنبيّ إذا أجاز بيع الفضوليّ يقع البيع له، لأنّ البيع كلّي، و الإضافة إلى الشخص لا تورث منع الغير عن إجازة البيع المزبور، لخروجها من تلك الهيئة.

و حيث إنّ كلّ عاقل يجد بطلان هذه المقالة يتوجّه إلى صحّة ما أسّسناه، من أنّ إنشاء الفضوليّ المبادلة بينهما من قبل زيد، كإنشائه إخراج المبيع من ملكه، في كونه مضيّقا غير قابل للانحلال، كما مضى تفصيله.

مسألة: فيما لو باع الفضوليّ ما في ذمّة شخص من آخر بثمن في ذمّة نفسه

إذا باع الفضوليّ ما في ذمّة زيد من عمرو بدرهم في ذمّة نفسه، أو اشترى لزيد كلّيا أو شخصيّا بدرهم في ذمّة عمرو مثلا، أو غير ذلك، فعلى ما تقرّر منّا لا يلزم التناقض و التهافت، لعدم لزوم كون المخرج و المدخل واحدا، فإنّ حقيقة البيع هي المبادلة بين المالين في الملكيّة، على المشهور «1»، أو هي تمليك العين بالعوض «2»، أو أمثالها «3»، و هي هنا حاصلة، و أمّا كون الإضافة المالكيّة منقلبة إلى

______________________________

(1) منية الطالب 1: 34- السطر 19، لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 9 و 41.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي

1: 53- السطر 30.

(3) المبسوط 2: 76، تذكرة الفقهاء 1: 462، جامع المقاصد 4: 54، مستند الشيعة 2:

360- السطر 22.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 116

إضافة مالكيّة اخرى قائمة مقامها، فهو أجنبيّ عنها، كما عرفت تفصيله.

نعم، بناء على ما هو المشهور، يشكل تصحيح هذه المعاملة، لأنّ المناقضة في الكلام الواحد، لا يمكن رفعها بالاستحسانات العقليّة، ضرورة أنّ جميع هذه الإفادات الظاهرة منها مرتبطة بعضها ببعض، و لا يمكن استقرار الظهور التصديقيّ بعد ذلك، فما في كلمات القوم من المحتملات و الأقوال، غير راجع إلى محصّل.

هذا، و أنت خبير: بأنّ هذه المسألة ليست من متفرّعات بيع الفضوليّ، و لا من الكلّي، لأنّ الأصليين إذا صنعا ذلك يلزم التهافت، فإذا قال المالك: «اشتريت هذه العين بدرهم في ذمّتي لزيد» يلزم المناقضة بين القيدين، فإنّ مقتضى قوله: «في ذمّتي» أنّ المبيع يدخل في ملكه عوضا عنه، و قضيّة قوله: «لزيد» خروج الدرهم من ذمّة زيد، لأنّ المعوّض دخل في ملكه. كما أنّ المسألة السابقة من فروع مباحث الإجازة و الردّ، فلا ينبغي الخلط.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 117

الأمر العاشر في جريان الفضوليّة في المعاطاة

هل الفضوليّ يجري في المعاطاة، أو لا؟

أو في المسألة تفصيل، بل و تفصيلات على اختلاف المباني في فائدة المعاطاة؟

أم هي تختصّ ببعض صور الفضوليّ الماضية، دون بعض، فمع سبق المنع و الغصب لا يجري، و في غير ذلك- حسب بعض النصوص- يجري؟

وجوه، بل أقوال.

و الذي يظهر لي: هو أنّ قضيّة ما سبق منّا في تقرير المعاطاة، و أنّ النزاع المعروف هناك منقلب عمّا عليه المشهور: هو أنّ الأصل جريان الفضوليّ في المعاطاة، دون العقديّ، لأنّها هي الأساس الأوّلي في بدو تأسيس المعاملات المعاوضيّة و غير

المعاوضيّة، ثمّ بعد إمساس الحاجة إلى المبادلة بالصيغة، لعدم إمكان التعاطي في الأموال الكثيرة التجاريّة، اعتبر العقد اللفظيّ، و عليه تكون الروايات الصادرة في الفضوليّ نازلة على المعاطاتيّة، لأنّها الفرد الشائع حتّى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 118

الآن، فلو كان في المسألة إشكال متوهّم، فلا بدّ من ضربه على الجدار و حلّه بوجه، لعدم إمكان مقاومة الوجدان و الضرورة و البرهان بما يختلج في بعض الأذهان «1».

فبالجملة: لو كان بناء من العرف و العقلاء على صحّة الفضوليّ بالإجازة، فالقدر المتيقّن منه هي المعاطاتيّة، و فيما زاد عليه يحتاج إلى الدليل.

و يعلم من ذلك البيان الذي أسّسناه في محلّه، و قرّبناه به أنّ صحّة المعاطاة مطابقة للقاعدة، دون العقديّ، أنّ الفضوليّ على وفقها، دون الفضوليّ العقديّ. كما أنّ من تلك الطريقة ينكشف أنّ الفضوليّ ليس بيعا، ضرورة أنّ المعتبرات العقلائيّة تابعة للحوائج، و مستتبعة للأغراض و المقاصد العمليّة المتسالم عليها عندهم، دون العلميّة، و دون العمليّة عند طائفة من الفقهاء رحمهم الله و لا ثمرة في اعتبار كون عمل الفضوليّ بيعا، بعد كون المعتبر الأوّلي الماهيّة المؤثّرة، و لقد تعرّضنا لحدود المسألة في بحث الصحيح و الأعمّ، و من شاء فليراجع «2».

فتحصّل: أنّ الإنشاء المعاطاتيّ قابل لصيرورته بيعا بالإجازة، لأنّ التعاطي التكوينيّ مثل الألفاظ التكوينيّة، و المعاني المنشئة بالثانية إذا كانت قابلة للإنشاء بالأولى، تكون قابلة لصيرورتها بيعا بها قطعا.

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 232- السطر الأخير، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 73- 74.

(2) تحريرات في الأصول 1: 275- 278.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 119

الأمر الحادي عشر حول تمكّن المالك من إيجاد المعاملة الإنشائيّة بانيا على إلحاق الرضا بعد ذلك
اشارة

إذا تمكّن الفضوليّ من إيجاد ماهيّة البيع، أو إيجاد ما يمكن أن يصير بيعا،

فهل يتمكّن المالك من ذلك، بأن يريد المبادلة الإنشائيّة، بانيا على إلحاق الرضا بها بعد المشاورة مع زيد مثلا، فإن وافقه فهو، و إلّا فيردّه؟

أو لا يتمكّن منه، لأنّ حصول الأثر قهريّ، و لا ينفكّ بالقصد و النيّة، و بناءه يرجع إلى اعتبار الخيار في المعاملة؟ وجهان:

من أنّ قضيّة الصناعة صحّة الفضوليّ، و هي موقوفة على إمكان التفكيك بين الماهيّة و أثرها، فإذا صحّ ذلك فهنا أولى بالصحّة.

و من عدم بناء من العقلاء على ذلك.

و الذي هو الحقّ: أنّ التفكيك إذا كان أمرا عقلائيّا- سواء كان ذلك بين الماهيّة و أثرها، أو بين ما يكون قابلا لصيرورته ماهيّة مؤثّرة و تلك

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 120

الماهيّة، كما هو المختار- فلا فرق بين الصورتين، و لا يلزم البناء الفعليّ من العقلاء على ذلك، بل المدار على موافقتهم معه في الصحّة، و لا شبهة في ذلك عندهم بالضرورة.

فما حكي عن «الجواهر» من تصحيحه «1» في محلّه، و ما أفاده السيّد المحشّي من الإشكال «2»، مندفع بما عرفت من إمكان ترشّح الإرادة لمقصود عقلائيّ، كما لا يخفى.

و من هنا يعلم: أنّ من باع فضولا مريدا إكراه المالك على الإجازة، يصحّ بيعه بها إذا كانت بغير إكراه.

الإشكال في صحّة الفضوليّة من كلّ شخص

بقي في المقام شي ء: قضيّة ما سلف جريان الفضوليّ في مطلق العقود و الإيقاعات، حتّى الإباحة و الإبراء، و لكن صحّة ذلك من كلّ فضوليّ محلّ إشكال، لأنّ مصبّ السيرة العقلائيّة في البيوع الفضوليّة، هو ما كان الفضوليّ كالدلّال و الصديق، و الأب و الجدّ بالنسبة إلى الأولاد و بالعكس، و رئيس العشيرة، و أمّا مطلق الأجنبيّ فلا، و كان ذلك من المترشّحات عن الحقوق العرفيّة الموجودة بينهم،

فافهم و تدبّر جيّدا.

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 295.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 161- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 121

الأمر الثاني عشر في الإجازة
اشارة

و قد مرّ ما يتعلّق بها ماهيّة، و أنّها هي الرضا المظهر بالمعاملة «1» و لو كان بفعل من أفعاله، و أمّا الرضا الباطنيّ و التقديريّ، فغير كاف إن لم يكن يخطر بالفعل بالبال.

و الأولى تقديم شرائطها، ثمّ أحكامها، إلّا أنّ متابعة الشيخ الأعظم لا تقصر عن ذلك، و البحث حولها يتمّ في ضمن مراحل:

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 122

المرحلة الاولى في نزاع الكشف و النقل
اشارة

فالمنسوب إلى المشهور أنّها كاشفة «1»، و ذهب جماعة إلى ناقليّتها «2»، و حيث إنّ المراد من «الكشف» و «النقل» مختلف، فلا بأس بالإشارة الإجماليّة إلى أنحاء النقل و الكشف، و إلى ما هو المعقول منها، حتّى إذا ساعد عليه الدليل يتعيّن الأخذ به.

حول معاني النقل
المعنى الأوّل:

اعلم: أنّ النقل عند القائلين به كون الإجازة جزء العلّة الأخير، و به يتمّ السبب و العقد، و من حينها تحصل الملكيّة، و يوجد موضوع حكم العقلاء بالنقل و الانتقال.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 132- السطر 4، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 75.

(2) إيضاح الفوائد 1: 420، مجمع الفائدة و البرهان 8: 159، كشف اللثام 2: 22- السطر 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 123

و هذا القول خال من جميع الشبهات العقليّة في المسألة، إلّا ما كان يرجع إلى صحّة العقد الفضوليّ، كما لا يخفى. فما أفاده صاحب «الإيضاح» لامتناع النقل: «من أنّ لازمه تأثير المعدوم في الموجود» «1» لا يخلو من غرابة، ضرورة أنّ ما هو المعدوم المتصرّم أسباب العقود، و ما هو الباقي نفسها، و لذلك تصحّ الإقالة و الفسخ، و لو امتنع تأثير المعدوم في الموجود فليكن الأمر كذلك في عكسه، فكيف تكون الإجازة اللاحقة دخيلة في المعدوم؟!

المعنى الثاني للنقل:

و للنقل معنى آخر: و هو كون الإجازة سبب النقل من حين العقد، بأن يكون البيع الفضوليّ باقيا في الزمن المتوسّط بينهما في ملك مالكه، و بعد الإجازة يدخل في ملك المشتري من حين العقد واقعا.

و هذا هو نظير الفسخ من رأس، فإنّ ذلك معناه رجوع الملك إلى مالكه الأوّل في الزمن المتوسّط بين العقد و الفسخ، بعد ما كان في ذلك الزمن ملكا للمشتري واقعا، و النقل بالمعنى الأوّل كالفسخ من الحين.

و المراد من سببيّة الإجازة للنقل من حين العقد، أنّها الجزء الأخير للعلّة التامّة، سواء كانت شرطا للتأثير، أو جزء الماهية المؤثّرة.

و قد يشكل ذلك، لأجل أنّ من لوازمه الانقلاب، فإنّ ما هو ملك

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 419.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 124

المالك في الزمن المتوسّط، لا ينقلب في نفس هذا الزمن في ملك الآخر فيكون لا ملكا، و استحالته بديهيّة «1».

و يجاب: بأنّ الانقلاب الحقيقيّ يمتنع في الأمور الحقيقيّة و الاعتباريّة، و أمّا الانقلاب الاعتباريّ فهو يصحّ في الاعتباريّات، لما تقرّر منّا: أنّ مناط الامتناع و اللاامتناع في المسائل الاعتباريّة، كونها ذات ثمرة و غرض عقلائيّ، و كونها لغوا و غير مفيدة.

و إن شئت قلت: هنا اعتباران، في الزمن قبل الإجازة، و في الزمن بعد الإجازة، و اتحاد عهود المعتبرين و زمن الأثرين، لا يضرّ بعد ما يترتّب الأثر عليه، كما هو الظاهر، و سيأتيك زيادة توضيح إن شاء الله تعالى.

و قد يشكل هذا المعنى من النقل ثانيا: بأنّ المتأخّر يؤثّر في المتقدّم، فإنّ العقد الواقع يوم السبت فاقد لصفة التأثير، و يصير بالإجازة واجدا لها، و هو مستحيل ذاتا «2».

و فيه نقض: بأنّ الحكم العامّي إذا لحقه تنفيذ الحاكم، يصير سببا لفصل الخصومة من حين الحكم، لا من حين التنفيذ، و يترتّب عليه آثاره.

و حلّه: أنّ مسألة التأثير و التأثّر في التكوين، غير ما هو المقصود منهما في التشريع، فإنّ هذا هو نقشة التكوين، و متّخذ عن صفحة العين و الخارج اعتبارا، و لا يلزم تطابق هذه الأمور الاعتباريّة مع ما في الأعيان،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 168- 169.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 125

و من الخلط بين التكوين و التشريع وقع الأعلام في كثير من المواقف في الخلط و الاشتباه، فصفة التأثير ليست إلّا اعتبار المؤثّريّة في النقل و الانتقال، كما في الأصيلين غير الفضوليّين.

و بعبارة واضحة: ما

هو الموضوع عند العقلاء للحكم بالنقل و الانتقال، هو العقد المشتمل على الرضا، و إذا رضي المالك في الجمعة بذلك العقد، يكون عقد يوم السبت تمام الموضوع للأثر و الحكم، فلا تخلط.

و يشكل ثالثا: بلزوم تقدّم المعلول على علّته، لأنّ العلّة هي الإجازة، و الملكيّة تحصل في الزمن قبل زمانها «1».

و فيه: أنّها متأخّرة عنها في الوجود و متقدّم على علّتها زمان وجودها، أي الإجازة في يوم الجمعة متقدّمة على حصول الملكيّة في يوم الخميس، لأنّها بها وجدت و اعتبرت، إلّا أنّ زمان اعتبار تلك الملكيّة متقدّم.

و ممّا أشير إليه يظهر وجه اندفاع ما قيل: «من أنّ هذا النحو من النقل ينافي قاعدة لحوق الشروط بالمقتضي و بالأسباب» «2» انتهى.

وجه الظهور: أنّ هذا ليس منافيا لها، لتأخّر الأثر في الرتبة عن المؤثّر، و لا دليل على لزوم كون زمان الأثر، متأخّرا عن زمان الشرط الدخيل في تأثير العقد المتقدّم.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 180- 181.

(2) نفس المصدر: 181- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 126

و ربّما يشكل رابعا: بلزوم الجمع بين المالكين العرضيّين المستقلّين على مملوك واحد بعد الإجازة في الزمن المتوسّط بين السبت و الجمعة، و على مملوك واحد في الزمن المتأخّر عن الإجازة «1»، و ذلك لأنّ ذات المبيع كانت في يوم الاثنين مثلا للمالك الأوّل، و في نفس ذلك اليوم ملكا للمشتري.

و هذا يندفع بما مرّ: من أنّ اختلاف زمان الاعتبار يرفع هذه الغائلة و إن اتّحد زمان المعتبر.

و أمّا ثمرة تلك الذات الباقية إلى ما بعد الإجازة، فهي ملك المالك الأوّل و المشتري فعلا، مع اتحاد زمان الاعتبار و المعتبر:

أمّا أنّها للمالك الأوّل، فلأنّها من منافع ملكه، و هي

ليست مورد المعاملة.

و أمّا أنّها للثاني، فلأنّها من منافع ملكه، و ثمرة اعتبار الملكيّة له بعد الإجازة من حين العقد، كونها له، و لا يندفع بما أشير إليه بالضرورة.

و يجاب عنه: بأنّ تجامع المالكين على ملك واحد بحكم العقل غير ممنوع «2»، لأنّ الملكيّة تعتبر من كون الشي ء في سلطانه، و لا منع من كون الشي ء الواحد في سلطان الاثنين.

و توهّم تقوّم انتزاعها عنه بالسلطنة المطلقة على جميع التصرّفات الناقلة و غير الناقلة، و على منع الغير عن التصرّف فيه، في

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 1: 240- السطر 20، البيع، المحقّق الكوهكمري: 367.

(2) البيع، المحقّق الكوهكمري: 370- 371.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 127

غير محلّه، ضرورة أنّ منع الغير ليس داخلا في ماهيّة الملكيّة، و لا في ماهيّة منشئها، بل هو من الأحكام العقليّة للملكيّة الاعتباريّة، و لا منع فيما إذا اجتمع المالكان على ملك واحد من الالتزام بانسلاب هذا الحكم العقلائيّ، فكلّ واحد منهما يتمكّن من التصرّف في العين الموجودة، و لا يصحّ له منع الغير، كما في الأخماس و الزكوات، فإنّ لكلّ فقير التصرّف في جميع الزكوات، و لا يجوز له منع الآخر عن التصرّف فيه، كما هو رأي جماعة في تلك المسألة «1».

و لذلك صرّح الفقيه اليزدي- على ما ببالي- في «ملحقات العروة» بتصوير المالكين المستقلّين على ملك واحد «2».

فبالجملة: لا وجه لدعوى امتناع ذلك عقلا. نعم دعوى أنّه أمر لا يساعده العرف، هي أمر آخر لا يبعد تماميّته.

و ممّا ذكرناه إلى هنا يظهر: أنّ ما سلكه الأستاذ العلّامة الحجّة الكوه كمري قدس سره من الإمكان العقليّ «3»، في محلّه، و لكن لا يخلو ما أفاده في طريق إثباته من المناقشات،

و لا حاجة إلى ذكرها، و لا إلى ذكر الوجوه الأخر المتوهّمة في ممنوعيّته، لأنّ المسألة بعد ذلك صارت كالنار على المنار، و كالشمس في رائعة النهار.

______________________________

(1) لاحظ ملحقات العروة الوثقى 3: 123.

(2) ملحقات العروة الوثقى 3: 123.

(3) البيع، المحقّق الكوهكمري: 370- 371.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 128

المعنى الثالث للنقل:

ثمّ إنّ للنقل معنى آخر:

و هو كون الإجازة تمام السبب للانتقال و الملكيّة، و تمام الموضوع لاعتبار حكم العقلاء بالنقل و الانتقال، و ليست هي شرط الاقتضاء، و لا جزء المقتضي، و ذلك لأنّ حقيقة المعاملة ليست إلّا اعتبار المبادلة في أفق النفس، و ليست ألفاظ العقود إلّا مظهرات لما في تلك المرحلة، و إذا كان اعتبار الفضوليّ تخيّل الاعتبار، و لا واقعيّة له عقلائيّة، فلا مظهريّة لعقدة، و إذا أجاز المالك فلا يكون إلّا عن اعتبار التبادل، فتحصل حقيقة المعاوضة قبل إظهار الإجازة، و تكون الإجازة مظهرة للمعاملة المعتبرة في نفسه و ذهنه، فتكون ناقلة.

و أنت خبير بما فيه، لما تقرّر في الأصول: من أنّ الاعتبارات ذات وعاء، و هو الخارج الاعتباريّ «1»، و ما في أفق النفس ليس إلّا تصوّر المبادلة و لحاظ المعاملة، فما دام لم ينشأ في الخارج بإنشاء اعتباريّ في الخارج الاعتباريّ- المتّحد مع الخارج الحقيقيّ عند العرف و العقلاء- لا يكون موضوعا للأثر بالضرورة.

مع أنّ هذا يرجع إلى إنكار صحّة عقد الفضوليّ بوجه آخر غير الوجوه السابقة، و قد عرفت ضعفه.

و لو سلّمنا أنّه لا يستلزم فساده، ضرورة أنّ الفضوليّ يعتبر التبادل،

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 1: 126- 128.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 129

إلّا أنّ الإجازة لا تتصوّر إلّا بعد اعتبار المبادلة مع إلغاء قيد صدوره

عن الفضوليّ، لعدم دخالته في الصحّة، فيلزم تكرّر المبادلة الاعتباريّة، إحداها، من الفضوليّ، و الأخرى: من المالك، و لا شبهة في أولويّة الثانية في التأثير من الاولى، فتكون الإجازة مظهر المبادلة الاعتباريّة الواقعة في أفق نفس المالك، و تمام السبب للنقل و الانتقال.

أقول: المشهور كون الإجازة ناقلة، بمعنى دوران أمرها بين أحد الأمرين أو الأمور، من غير دخالة اختيار المالك في ذلك، و الذي هو المختار حسب القواعد: أنّ أمر ذلك بيد المالك، فإن شاء أجاز من حين، و إن شاء أجاز من رأس، و قد ذكرنا ذلك في الفسخ أيضا، فليست ناقليّة الإجازة قهريّة، و سيظهر لك وجهه إثباتا «1»، و لا مانع من الالتزام به ثبوتا، لما عرفت فتدبّر.

المعنى الرابع للنقل:

ثمّ إنّ من المحتملات في المسألة- و لعلّه أقرب إلى كلام السيّد الأستاذ المزبور رحمه الله-: أن تكون الإجازة دخيلة في تأثير العقد، بحيث تحصل الملكيّة بعدها مستمرّة إلى حين العقد، أي تحصل الملكيّة قهقريّا في الزمان المتوسّط، فللعقد بعد الإجازة أثران: أثر يمتدّ بامتداد الزمان، و أثر قهقريّ كالاستصحاب القهقرى، فلا تغفل. هذا كلّه في النقل.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 154- 156.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 130

حول معاني الكشف
اشارة

و أمّا الكشف فله معان

المعنى الأوّل: الكشف المحض،

و هذا ممّا لا إشكال فيه عقلا، إلّا أنّ الالتزام به غير معهود من أحد، و ما في حواشي العلّامة الأصفهانيّ من نسبته إلى «جامع المقاصد» و «الجواهر» «1» في غير محلّه:

أمّا «الجواهر» فقد أصرّ على أنّ الإجازة المتأخّرة شرط «2»، فراجع.

و أمّا «جامع المقاصد» فلا يريد من قوله: «إنّ موضوع الوفاء هو العقد، لا مع شي ء زائد» «3» إلّا نفي توهّم في المقام، و هو دخالة الأمر الآخر وراء العقد المجاز، فظاهره أيضا دخالة الإجازة في تأثير العقد.

فبالجملة: هذا المعنى من الكشف يرجع إلى أنّ الإجازة واسطة في الإثبات، دون الثبوت، و إلى أنّ العقد بذاته من غير دخالة الرضا مؤثّر.

و ما في بعض التقارير من نسبة هذا الكشف إلى المحقّق العزيز الشيخ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، الأصفهاني 1: 144- السطر 31.

(2) جواهر الكلام 22: 287- 289.

(3) جامع المقاصد 4: 74- 75.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 131

المعظّم الرشتيّ قدس سره «1» في غير محلّه، فإنّه أعظم شأنا من ذلك، و سيظهر لك مفاد مقالته من ذي قبل إن شاء الله تعالى «2».

المعنى الثاني: بمعنى كونها كاشفة عن أمر مقارن للعقد هو شرط واقعا،

و هذه دليل على تحقّقه من حين العقد، و قد التزم بذلك جمع من الأعلام و الأفاضل قدس سرهم فعن «الفصول» أنّه اعتبر عنوان «التعقّب» «3»، و عن بعض آخر أنّه يعتبر كون العقد يتعقّبه الإجازة «4».

و ربّما يشكل ذلك عقلا: بأنّ هذه العناوين داخلة في العناوين المضافة، و لا يعقل انتزاع العناوين المتضايفة من ذات الشي ء، فلا بدّ من تحقّق طرف الإضافة المتكرّرة، حتّى يوصف كلّ واحد منهما بتلك الصفة عرضا «5»، و ذلك لما تقرّر من أنّ الإضافة من مقولة تكرّرت فيها النسبة، و هو لا يتصوّر إلّا

بين الشيئين، و المتضايفان متكافئان قوّة و فعلا.

نعم، يأتي وجه تصحيح الوجه الثاني المساوق مع قول بعض

______________________________

(1) البيع، المحقّق الكوهكمري: 354.

(2) يأتي في الصفحة 138 و ما بعدها.

(3) انظر الفصول الغرويّة: 80- السطر 36، و منية الطالب 1: 234- السطر 5.

(4) الفصول الغرويّة: 80- السطر 36، مستند الشيعة 2: 367- السطر 9.

(5) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 162.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 132

المحشّين: بأنّ المعتبر هو العقد الذي يتعقّبه الإجازة «1»، فانتظر.

فما أفاده «الكفاية»: من إرجاع الشرط المتأخّر إلى المقارن، بدعوى «أنّ الشرط أمر لحاظيّ، و لا مانع عند ذلك من كون الملحوظ متأخّرا» «2» غير قابل للمصير إليه، لأنّ ذلك يرجع إلى كون الإجازة الواقعيّة أجنبيّة، فيصير من قبيل الوجه الأوّل، و لو كانت الإجازة بالحمل الشائع مبدإ اعتبار التقدّم، فهو ممتنع، لعدم تحقّقها.

فبالجملة: الإجازة إمّا هي بمفهومها الذهنيّ دخيلة، أو بما هي كاشفة عن الإجازة الواقعيّة كشفا محضا، أو هي مع دخالة تلك الإجازة في الإجازة الملحوظة، لا سبيل إلّا إلى الثالث، و إذن يتعيّن كونها بوجودها دخيلة، لا في حال عدمها، و حيث لا وجود لها فلا صحّة لتلك الإجازة المقارنة.

المعنى الثالث: الكشف بنحو اللم،
اشارة

و هو كشف العلّة عن معلولها، بأن تكون الإجازة المتأخّرة بنفسها شرطا حقيقة لتأثير العقد، و هذا- كما قيل «3»- ظاهر كلّ من يقول بمعقوليّة الشرط المتأخّر، و نسبه بعض الأجلّاء إلى

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 126- السطر 7 و الأخير، و 127- السطر 1، هداية الطالب: 286.

(2) كفاية الأصول: 118- 119.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 144- السطر 35.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 133

المشهور «1».

و الذي يظهر من المتصورين

لهذا الشرط، أنّ الالتزام بالشرط الاصطلاحيّ مع كون العقد صحيحا بالفعل غير ممكن، و لا يشتهي أحد إثبات إمكان ذلك، لأنّ معنى الشرط الاصطلاحيّ، هو الدخالة في الصحّة الفعليّة التي يترتّب عليها سقوط الأمر في التكاليف، و الملكيّة فيما نحن فيه، و حيث إنّ المفروض عدم وجوده، فكيف يعقل كونه صحيحا بالفعل؟! و الصحّة التأهّلية غير مقصودة، لأنّها ممكنة بلا إشكال، كما لا يخفى.

مختار المحقّق العراقي في الشرط المتأخّر و نقده

نعم، لا مانع من الالتزام بالصحّة الفعليّة مع لزوم الإتيان بالأمر المتأخّر حتّى يكشف عنها، و مع تركه يكشف عن فساده، فيعلم من ذلك دخالة المتأخّر بوجه غير ممتنع، و من هؤلاء العلّامة الأراكي قدس سره.

و ملخّص ما أفاده في نظائر المقام: أنّ الأمور ثلاثة: مطلقة، و مقيّدة، و مضيّقة، فالأوّل و الثاني معلومان، و الثالث هو كونه في حدّ وسط، لا يكون مطلقا حتّى ينطبق على المقيّد و غيره، و لا يكون مقيّدا حتّى يحتاج في خروجه من الإطلاق إلى التقييد، بل هو أمر لا ينطبق من قبل ذاته إلّا على المقيّد «2»، و على هذا بنى بناءاته الكثيرة في النواحي المختلفة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 148- السطر 35.

(2) بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 320.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 134

مثلا: فيما نحن فيه ليس العقد مؤثّرا على إطلاقه، حتّى يكون له التأثير من غير لحوق الإجازة، و لا مقيّدا في تأثيره بالإجازة، حتّى لا يؤثّر قبل وجودها، بل المؤثّر هو العقد الذي لا ينطبق إلّا على ما يلحقه الإجازة، و هو المسمّى ب «الحصّة التوأمة» مع الإجازة، لا المقيّدة بها، و لا المطلقة عنها.

و قد التزم بذلك في التكوين أيضا، ضرورة أنّ العلّة ليست

مقيّدة بالمعلول، و لا بإطلاقها مؤثّرة، بل المؤثّر هي الحصّة، من النار، فليتدبّر.

و أنت خبير بما فيه، ضرورة أنّ الأمر في التكوين كما أفاده، لأنّ النار بشرط زائد على ذاتها ليست محرقة، و لكنّ حصول الأثر متقوّم بالمماسّة و الشرائط الأخر في القابل، و لكنّ الأمر في التشريع ليس كما توهّمه، لأنّ العناوين المطلقة لا تخرج عن الإطلاق إلّا بالتقييد، و ما دام لم يلحق بها التقيّد- الذي لا يتصوّر إلّا من قبل الأمر الخارج- لا يمكن أن تنطبق على المقيّد.

مثلا: الإنسان إمّا ينطبق على الروميّ و الزنجيّ، أو لا ينطبق إلّا على الروميّ، و هذا لا يمكن إلّا مع التقييد بقيد، و أمّا تضيّقه قهرا من غير لحاظ الإضافة الخاصّة، فغير ممكن.

فإذا احتاج العقد إلى لحاظ الإجازة، فيرجع إلى ما أفاده «الكفاية» «1» و يتوجّه إليه ما مرّ «2»، فليتدبّر. فكون الموضوع هو العقد

______________________________

(1) كفاية الأصول: 118- 119.

(2) تقدّم في الصفحة 132.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 135

الذي لا ينطبق إلّا على الملحق به الإجازة، غير معقول إلّا بالتقييد، فلا تخلط.

مختار الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- في الشرط المتأخّر و بيان ما فيه

و منهم الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1»- و خلاصة ما تصوّره في المقام:

أنّ الأمور المتدرّجة و المتصرّمة بالذات- كالحركة، و الزمان، بل و الزمانيّ- لا يوصف قطعة من تلك الحركة بالعناوين المتضايفة، لانعدام القطعة المتأخّرة، و إذا وجدت تلك القطعة لا تكون السابقة باقية، فلا يوصف الزمان ب «التقدّم» و «التأخّر» العنوانيّين، و ما يقال:

«من أنّ اليوم تقدّم على الغد، و تأخّر عن الأمس» بضرب من المسامحة العرفيّة.

و لكن تلك القطعات ليست لها المعيّة، و إلّا يلزم عدم كونها متدرّجة، فإذا لم تكن لها المعيّة فلا بدّ فيها من التقدّم

و التأخّر الواقعيّين، فتكون القطعة الموجودة مقدّمة على المعدومة بواقع التقدّم، لا بعنوانه.

فعلى ما تقرّر، يسري الحكم في الزمانيّات تبعا للزمان تبعيّة واقعيّة.

بل الأمر في الزمانيّات مثله، لأنّ الزمان يعتبر من تدرّج الجواهر في ذاتها، على ما اشتهر أخيرا في المسألة، فلكلّ قطعة من المتحرّك تقدّم على المتأخّر تقدّما ذاتيّا واقعيّا، فإذا أتى المكلّف بالصوم في النهار، فإمّا

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 341- 342، تهذيب الأصول 1: 213- 214.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 136

يأتي بحسب الواقع بالأغسال الليليّة، أو لا يأتي، فإن أتى بها فالصوم مقدّم عليها، و إلّا فلا، ضرورة أنّ مع ترك الأغسال لا تقدّم للصوم عليها، لا تقدّما إضافيّا، و لا واقعيّا، لعدم معقوليّة التقدّم الواقعيّ على المعدوم، و لا الإضافيّ.

و فيما نحن فيه إذا التحقت الإجازة، فيكون العقد متقدّما واقعا، و إلّا فلا تقدّم له عليها، فما هو الموضوع هو العقد المتقدّم على الإجازة بواقع التقدّم، و هو حاصل من أوّل وجوده، و ليس مراعى بأمر متأخّر، لأنّه إمّا بحسب الثبوت يوجد، فهو صحيح بالفعل من أوّل الأمر، لأنّ تقدّمه الواقعيّ ليس مرهونا بشي ء حتّى يكون مراعى به، أو لا يوجد، فهو باطل من رأسه.

نعم، بحسب الإثبات مجهول، و لا ضير فيه كما لا يخفى.

و الذي يقرّب هذه المقالة التدبر في العلّة و المعلول، فإنّهما معا في الوصف، و ليسا معا في الذات، فلا بدّ من الالتزام بأنّ العلّة متقدّمة بواقع التقدّم على معلولها، كما هو الظاهر.

أقول: ما أفاده- مدّ ظلّه- لا تنحلّ به المعضلة، و لا ترتفع به الغائلة، و ذلك لأنّ معنى واقع التقدّم هو التقدّم بالذات و التقدّم الذاتيّ، و معنى هذا التقدّم هو انتزاع

هذا العنوان من ذاته بذاته، و لا دخالة لأمر آخر في ذلك، و حيث إنّ التقدّم بذاته يقتضي عنوان «التأخّر» في انتزاعه من الشي ء المتقدّم، فيكون من المحمولات بالضميمة، لا خارج المحمول.

و على التقديرين- أي على تقدير انتزاعه من احتياجه إلى لحوق أمر، أو انتزاعه مع الاحتياج- لا يمكن حلّ الإشكال، للزوم أحد أمرين: إمّا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 137

عدم الاحتياج إلى لحوق الإجازة، و هو باطل قطعا، أو الاحتياج إليه في الانتزاع، فلا يكون صحيحا بالفعل إلّا على وجه مضى امتناعه في نقد كلام الآخرين «1».

و بعبارة أخرى: موضوع الحكم إمّا العقد المطلق، أو المقيّد بواقع التقدّم، و هذا القيد أمر زائد على ذاته، فيكون من المحاميل بالضميمة، و عند ذلك تعود الغائلة من رأس، كما هو الظاهر.

مختارنا في حقيقة الشرط المتأخّر

و الذي يمكن أن يقال في المقام: هو أنّ الحكم بفعليّة الصحّة و تأهّليتها، إن كان من الحاكم الواقع في أفق الزمان و في عمود المتدرّجات، فلا يمكن إلّا بالالتزام بالثاني، و أنّ العقد المتقدّم ليس مؤثّرا إلّا بعد لحوق الإجازة، كما أفتى به أرباب القول بالنقل «2».

و إن كان من الحاكم المجرّد عنها الحاكم عليها، و الخارج عن الزمان و الزمانيّات، فلا مانع من الالتزام بالأوّل و الالتزام بالشرط الاصطلاحيّ، لأنّ الشرط موجود حين وجود المشروط، و لا حالة انتظاريّة للعقد، ضرورة أنّ للأشياء كينونة سابقه على كينونة لاحقة، حتّى قيل: «إنّ المتفرّقات في الزمان مجتمعات في الدهر، و المتفرّقات

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 133- 134.

(2) إيضاح الفوائد 1: 420، مجمع الفائدة و البرهان 8: 159، كشف اللثام 2: 22- السطر 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 138

الدهريّة مجتمعات

في السرمد» «1» و مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهٰا «2».

و ما يتراءى في الأدلّة من أنّ الصوم صحيح بشرط الإتيان بالأغسال الليليّة «3»، لا ينافي كونه معلوما لمن صدرت عنه الرواية، و يعلم أنّه يأتي بها، لما يرى الكينونة السابقة على تلك الأغسال المستلزمة لتحقّقها في اللاحق. و تفصيل المسألة على وجه صحيح خال من الأوهام، يطلب من كتابنا «القواعد الحكميّة» «4».

فبالجملة: لا تأخّر و لا تقدّم في بعض الآفاق، و لا ينبغي الخلط بين الحكّام من حيث الوجود، و من حيث مرتبته.

المعنى الرابع: الكشف الذي أفاده المحقّق الرشتي «5»،

فإنّه و إن كان كالمعنى الأوّل، إلّا أنّ الاهتمام بشأنه يقتضي عدّة على حدة، مع فرق ما بين المعنيين، فما في حاشية العلّامة الأصفهانيّ رحمه الله من عدّه من الوجه

______________________________

(1) الحكمة المتعالية 3: 144، و 5: 230.

(2) الحديد (57): 22.

(3) لاحظ جواهر الكلام 16: 246- 247.

(4) القواعد الحكميّة للمؤلّف قدس سره مفقودة.

(5) الإجارة، المحقّق الرشتي: 184- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 139

الثاني «1»، في غير محلّه.

و ملخّص ما قال يرجع إلى أمرين بتقريب منّي:

أحدهما: مسألة فقهيّة، و هي أنّ الرضا المعتبر- حسب العقل و النقل- في التصرّفات في أموال الغير، ليس رضا فعليّا، بل يكفي الرضا التقديريّ.

و المراد من «الرضا التقديريّ» ليس الرضا الارتكازيّ بالنسبة إلى شخص المتصرّف، بل هو الرضا بالعنوان المنطبق عليه.

مثلا تارة: يرضى بتصرّف زيد في داره فعليّا تفصيلا، أو ارتكازا إجماليّا.

و اخرى: يرضى بتصرّف صديقه، أو يرضى بتصرّف تساعد عليه المصالح المقصودة له، و الراغب إليها، و الطالب لها، فإنّ هذا النحو من الرضا هو المراد من «التقديريّ» لا الرضا المعدوم

المطلق فعلا المعلّق على أمر، فإنّه لا يمكن أن يحكم عليه: بأنّه معتبر في العقد، لأنّ القضيّة الموجبة بحكم القضيّة الفرعيّة، تحتاج إلى الموضوع.

فما أورد عليه «2» و إن كان يقتضيه ظواهر بعض عباراته، إلّا أنّ قياسه المسألة بالإذن التقديريّ، و صراحة كلامه في الحكم على الرضا التقديريّ: بأنّه كاف، قرينة على إرادته من ذلك ما ارتضى به

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 144- السطر 31.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 149- السطر 5، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 131- السطر 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 140

الأصحاب في الإذن التقديريّ، و هو الارتكازيّ الموجود بالنسبة إلى العناوين الكلّية المنطبقة على المصاديق الخارجيّة، المختلف فيها تشخيصا و علما.

ثانيهما: هذا الشرط حاصل من أوّل الأمر إذا لحقته الإجازة، فليست الإجازة شرطا اصطلاحيّا، بل هي كاشفة عن وجود الشرط حين العقد، و ليست هي إلّا مكاشفة محضة.

و لكنّه ليس عين الوجه الأوّل، لأنّ الكشف المحض معناه عدم احتياج العقد في التأثير إلى الرضا مطلقا، فعليّا كان، أو تقديريّا، و هذا معناه الكشف عن الشرط غير المتقوّم بأمر متأخّر، فلا يكون مثل الوجه الثاني، فإنّه متقوّم بالمتأخّر واقعا أو لحاظا، و هذا يستلزم الإشكالات العقليّة كما عرفت، فهذا الوجه أمر متوسّط بين الكشف المحض، و الكشف بالمعنى الثاني.

و المراد من «كاشفيّة الإجازة» هو أنّ الرضا المظهر الفعليّ، دليل على أنّه كان يجيز العقد من أوّل وجوده، فرضاه التقديريّ كان موجودا، و لكن لا دليل على أنّه ينفذ العقد، لأنّ مجرّد كون العقد موافقا لمصالحه لا يستدعي نفوذه، لإمكان عدم قيام الإنسان بمصالحه، فلا بدّ من الأمارة العقليّة على ذلك، و ليست هي إلّا الإجازة المتأخّرة.

انتهى ما أوردنا من كلامه و إن لا يساعده بعض تعابيره، و إلّا فيتوجّه إليه بعض الإشكالات الواضحة.

و أنت خبير بما في مرامه فقها، و التفصيل في محلّ آخر، ضرورة لزوم جواز التصرّف فيما إذا نهى زيدا عن التصرّف، و كان زيد صديقه،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 141

فإنّ السخط الفعليّ منه موجود بالنسبة إلى زيد، و مجرّد انطباق الكلّي المورد للطيب و الرضا، لا يورث صحّة التصرّف، لأنّ مبادي السخط و الكراهة و إن كانت خطأ في التطبيق، تورث الكراهة الفعليّة.

و لو كان المناط العلم بالمصالح، فلا بدّ من درج المصالح الأخرويّة في الدنيويّة، فيلزم الهرج و المرج، لإمكان تصرّف كلّ أحد في مال الآخر قائلا: بأنّه عالم بأنّ في ذلك مصلحة أخرويّة له، كما لا يخفى.

و لو سلّمنا ما أفاده فلا نسلّم الأمر فيما نحن فيه، لإمكان انقلاب المصالح من أوّل وجود العقد إلى حين الإجازة، فيلزم على قوله التفصيل بين الفروض المتصوّرة، فما كان من العقود ذا مصلحة حين العقد فيصحّ من رأس، و ما كان ذا مصلحة بعد اليومين فيصحّ بعد اليومين، و ما كان ذا مصلحة حين الإجازة فيصحّ من حينها، و لا أظنّ التزامه قدس سره بذلك.

المعنى الخامس: الكشف الحكميّ،

و هذا هو المنسوب إلى شريف العلماء «1»، و المراد منه ترتيب آثار الملكيّة من حين العقد تعبّدا، فكأنّه رحمه الله بعد ما رأى أنّ الكشف الحقيقيّ غير ممكن، مع أنّ الأدلّة تقتضيه، التزم بذلك جمعا بين العقل و النقل.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر 17.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 142

و الإشكال عليه: «بأنّ هذا يستلزم طرح القواعد» «1» في غير محلّه، لعدم امتناع تخصيص تلك القواعد

بالمخصّص الشرعيّ.

و من الغريب الإشكال عليه: «بأن لا ضابطة للكشف الحكميّ، فإنّه مع ترتيب جميع الآثار، لم يكن فرق بينه و بين الكشف في مقام العمل» «2» انتهى!! و ما فيه غير خفيّ.

نعم، ليس مطلق العناوين قابلا للقسمة إلى الواقعيّ و الحكميّ، مثلا الحجّة ليست قابلة لأن توصف ب «الحجّة الحكميّة» قبال الحجّة الواقعيّة، ضرورة أنّ هذه الأمور لا ثبوت لها، و لا تكوين لماهيّتها، بل هي بتمام الهويّة أمر إثباتيّ، فما كان ذا آثار الحجّية فهو حجّة، و ليس حجّة حكميّة.

و من ذلك القبيل كثير من الأمور الاعتباريّة، كالملكيّة و السلطنة، فإنّ الملكيّة تعتبر من كون تصرّفات الإنسان في مال، نافذة و موردا لتنفيذ القانون الإلهيّ، و لو كانت آثار الملكيّة ساقطة من رأس لا يعتبر عنوانها.

بل المعروف سقوط الملكيّة بسقوط الآثار و الأحكام، فعليه لو كانت العين في يد المالك الثاني من أوّل الأمر، و كانت منافعها و نماءاتها تحت سلطانه بحكم الشرع، فقهرا ينتزع من ذلك مالكيّته للعين، لعدم احتياج اعتبار الملكيّة إلى إمكان استيفاء جميع الآثار، و إلى ترتّب جميع الأحكام العقلائيّة بالضرورة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 128- السطر 36.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 128- السطر 34.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 143

فالقول بالكشف الحكميّ يرجع في الحقيقة إلى اعتبار الملكيّة واقعا، مستندا إلى الأدلّة الخاصّة لا العقد، و هذا معناه أنّ العقد ملغى، و الإجازة المتعلّقة به تمام الموضوع لاعتبار الملكيّة العقلائيّة من حين وجود العقد، لأنّ القانون الإلهيّ النافذ بين هؤلاء العقلاء، أمر بترتيب آثار الملكيّة فالحكم الوضعيّ كما يمكن أن يجعل مستقلّا، أو يحصل بحصول علّته العرفيّة، يمكن أن ينتزع من الأحكام الإلهيّة النافذة

في طائفة من البشر، فافهم و تدبّر.

ثمّ إنّ الالتزام بهذا الرأي لو اقتضاه الدليل، فهو ممّا لا بأس به، إلّا أنّك ستقف على أنّ الحقّ حسب الأدلّة خلافه، و من المعلوم أنّ توصيف الكشف ب «الحكميّ» لأجل اتصاف المنكشف- و هي الملكيّة- بذلك، فلا تخلط.

المعنى السادس: الكشف الحيثيّ،

و إن شئت قلت: الكشف المتوسّط بين النقل و الكشف الحقيقيّ.

و تقريبه: أنّ ظاهر الإجازة المتعلّقة بمضمون العقد تنفيذ العقد، فيوجب تأثيره فيما سبق بالنسبة إلى ما يمكن أن يتعلّق به الإنفاذ، فإنّ العرف و العادة- بحسب ما ارتكز في أذهانهم- يرون الأمر الذي يصير موضوعا للحكم بتوسّط العنوان المتأخّر، أنّه هو الموضوع، فالآثار المترتّبة على هذا الموضوع تترتّب عليه من أوّل الأمر، و هذا التأخّر

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 144

بمنزلة الواسطة في الثبوت.

و بتقريب منّا: لا يكشف بالإجازة أنّ العين المبتاعة ملك المشتري، بل الإجازة ناقلة من حينها، و لكن يكشف بها أنّ ما هو تمام الموضوع بالنسبة إلى الآثار- كالمنافع و النماءات- هو العقد السابق، فبالإجازة ينكشف تحقّق حرّية الولد في مسألة الوليدة من قبل، و لا ينكشف بها أنّ وطء الزوجة التي عقدها الفضوليّ زناء بذات البعل، كما أنّه لا ينكشف بها تحقّق أصل الزوجيّة.

و إن شئت قلت: لا معنى لاعتبار ملكيّة العين من أوّل الأمر، لعدم الحاجة إليها، و إذا صارت العين من زمن الإجازة في ملك المشتري، فمنافعها و نماءاتها تابعة لها إلى زمان العقد، لاقتضاء مالكيّة العين ذلك عرفا و عقلا.

و سرّه: أنّ الإجازة أنفذت العقد من أوّل وجوده، فتكون كاشفة بالنسبة إلى الآثار التي لها اعتبار بقاء في زمان الإجازة، لا الآثار التي ليست كذلك، فلو وطأ الزوجة الفضوليّة

قبل الإجازة فقد زنى، و لكن ليس عرقه بعد الإجازة عرق الجنب من الحرام، الاعتبار البقاء فيه، فتدّبر.

أقول: هذا هو الذي يظهر من العلّامة النائينيّ رحمه الله «1» بإضافات منّا تقريبا لمرامه، و تحريرا لمقصده، و الظاهر أنّه أراد بما أفاده الكشف الحقيقيّ المتوسّط، لا الحكميّ المتوسّط، لأنّه يرجع إلى ما رامه

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 144

______________________________

(1) منية الطالب 1: 241- السطر 4، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 85- 88.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 145

شريف العلماء رحمه الله «1» لأنّه أيضا لا يقول بترتيب جميع الآثار، بل مقصوده ترتيب الآثار الممكنة، كما صرّح به الناقل عنه «2».

و أنت خبير: بأنّ الكشف الحقيقيّ إن كان ممكنا، فلا يفرّق بين العين و منافعها. مع أنّ الأظهر أنّ مقصوده النقل من أوّل الأمر بالنسبة إلى الآثار، و هذا هو الانقلاب الذي قد فرّ منه، و صرّح بامتناعه، ضرورة أنّ معناه كون النماءات في الزمن المتوسّط للمالك الأوّل، لاقتضاء ناقليّة الإجازة ذلك، و كونها في ذلك الزمان بعد الإجازة للمالك الثاني، قضاء لحقّ الكشف. و لعلّ ما ذكره أسخف ما قيل في المسألة، أو أراد أمرا آخر خفي علينا.

و لو رجع إلى ما صحّحناه عقلا من الناقليّة، فلا وجه للتفكيك بين العين و آثارها، و اعتبار مالكيّة العين و مملوكيّتها باعتبار آثارها، و إلّا فلا معنى للاعتبار المزبور كما لا يخفى.

هذا مع أنّ الإجازة متعلّقة بمضمون العقد، فإن أثّر فلازمه انتقال العين، و لازم

مالكيّتها ملكيّة توابعها تبعا، و إن لم يؤثّر فلا معنى لتأثيرها، و لا كاشفيّتها عمّا هو الأجنبيّ عنها، كما صرّح بذلك نفسه الشريفة رحمها اللّه تعالى «3».

أقول: هذه هي الأقوال و المحتملات في النقل و الكشف، و ما عن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 141.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر 16.

(3) منية الطالب 1: 241- 242.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 146

صاحب «الكفاية» «1» ربّما يرجع إلى ما ذكرناه في أقسام النقل، و ذكرنا هناك إمكانه العقليّ، فليس قسما على حدة، و لا يعدّ من الكشف لا موضوعا، و لا حكما.

فذلكة الكلام في المقام
اشارة

و هنا احتمالات أخر مذكورة في المفصّلات، و منها التفصيل بين أنحاء الكشف و النقل بحسب اختلاف العقود، فما كان من قبيل الإجازة و المتعة ففيه النقل من رأس، و ما كان من قبيل البيع و الصلح ففيه الكشف أو النقل من حين و هكذا، و حيث لا طائل تحتهما نعدل عنهما.

و الذي هو المختار في المسألة: أنّ الكشف غير راجع إلى محصّل، و ليس النقل من الأحكام الشرعيّة حتّى يخرج من اختيار المالك، فيكون أمره دائرا بين كونه ناقلا من حين الإجازة، أو من حين العقد، بل أمره بيد المالك، فله إجازة العقد الواقع من أوّل وجوده، فتدخل منافعها في زمن الإجازة في ملك المشتري، و له إجازته من الحين، فتكون تلك النماءات له، فانتظر تفصيله الآتي.

حول ما يرد على القول بالكشف إثباتا

فبالجملة: لو سلّمنا إمكان الكشف ثبوتا على الوجه الذي أشرنا

______________________________

(1) كفاية الأصول: 118- 119.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 147

إليه، فلا نسلّم صحّته إثباتا، لما يتوجّه إليه من الأمور:

أحدها: أنّ لازم القول بالكشف إنكار العقد الفضوليّ، لأنّ ما هو الصادر عن الفضوليّ بحسب الثبوت: إمّا باطل بالفعل، و إمّا صحيح بالفعل، و لا واسطة إلّا بحسب الإثبات، و هذا ممّا ينكره ارتكاز العرف، و فهم العقلاء، و حكمهم بأنّ ما هو الواقع من الفضوليّ ليس شيئا حقيقة، بل هو إمّا ليس بيعا، كما هو المختار، و عرفت بما لا مزيد عليه، أو هو بيع مرهون بالإجازة تأثيرا.

ثانيها: أنّ لازم القول المزبور عدم كون المجيز مالكا، فلا معنى لتوقّع الإجازة منه، لأنّه أجنبيّ.

نعم، بحسب مقام الكشف و الإثبات نحتاج إلى الإجازة، فهي من المالك الموهوم و المحتمل كاشفة، و إلّا يلزم التناقض، لأنّ قضيّة شرطيّة

مالكيّة المجيز، كونه حين الإجازة مالكا، و قضيّة كاشفيّة الإجازة أنّه ليس مالكا، و هل هذا إلّا الالتزام بما لا وجه له؟! و القول: بأنّه مالك ظاهرا و إن لم يكن مالكا واقعا، ينافي ما عليه أصحاب هذا القول من أنّه- أي الكشف- مطابق للقواعد العقلائيّة، من غير الحاجة إلى التمسّك بالاستصحاب في المسألة.

فبالجملة: إمّا لا حاجة إلى الإجازة من خصوص المالك، لأنّه كالأجنبيّ، أو تكون الإجازة ناقلة.

و دعوى الملك المتزلزل، بأن يكون العقد مؤثّرا و ناقلا من الحين، و لكن للمالك الردّ و الإجازة، غير مسموعة، و لا يلتزم به القائلون بالكشف.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 148

و القول بكفاية إجازة من كان مالكا، أو من هو المجهولة مالكيّته، واضح الضعف، و في غاية السقوط، لشهادة وجدانهم على أنّ من يجيز هو المالك المعلومة مالكيّته واقعا و ظاهرا.

ثالثها: بناء العقلاء و مرتكز العرف على أنّ العقد بدون الإجازة ليس بشي ء، و لا يكون موضوعا لحكمهم بالنقل و الانتقال، و هذا هو الظاهر الذي لا غبار عليه، و لا شبهة تعتريه، فعليه يلزم رجوع الكشف الحقيقيّ إلى الحكميّ، لأنّ حكم العقلاء خلاف ما استظهروه من النصوص الخاصّة في المسألة.

فتوهّم أنّ الكشف الحقيقيّ و إن لم تساعد عليه القواعد العامّة، إلّا أنّه منع من قيام الأدلّة الخاصّة عليه، فاسد، لأنّه يخرج عن كونه حقيقيّا، كما لا يخفى.

رابعها: يلزم على الكشف إشكالات يشكل الفرار منها، خصوصا على بعض أنحائه:

فمنها: أنّ المالك المريد للإجازة في الغد، لا يجوز له التصرّف قبل الإجازة، لأنّه من التصرّف في مال الغير.

و منها: أنّ المشتري العالم بالإجازة فيما بعد، يجوز له التصرّف فيما انتقل إليه، لأنّه ماله.

و منها: أنّ المردّد

في لحوق الإجازة- مشتريا كان، أو مالكا- ممنوع عن التصرّف، لأنّ احتمال كونه ملكا لأحدهما، مساوق لاحتمال كونه ملكا للآخر، فالمالك ممنوع للاحتمال المذكور، و هكذا المشتري.

و أمّا التمسّك بالاستصحاب فسيأتي ما فيه في المرحلة الثانية.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 149

و توهّم جواز ترتيب جميع آثار الملك للمالك و إن كان بناؤه على الإجازة، غير تامّ، لعدم الدليل عليه، و قضيّة القواعد ما عرفت، و يكفي لوهن القول بالكشف ما ذكرناه.

و منها: جواز الوطء قبل لحوق، الإجازة، بعد كونه بانيا على إجازته، أو عدم كونه زنا فيما إذا تردّد، ثمّ لحقت الإجازة. و التفريق بين الآثار من ضيق الخناق، و إلّا فقد عرفت عدم تماميّته.

و منها: أنّ المالك لو مات قبل الإجازة، فإن قلنا بانتقال حقّ الإجازة فهو، و لكنّه ممنوع، لعدم كونها حقّا شرعيّا، و لعدم الدليل على تورّثها، فعليه يلزم كون المال مردّدا بين الوارث و المشتري، و لا دليل على تورّثهم، للشكّ في أنّه ملك المشتري.

و منها: غير ذلك، و في ذلك غنى و كفاية.

و إمكان دفع ما ذكرنا غير كاف للمصير إلى القول بالكشف، لأنّ بناء العقلاء و مرتكزهم على خلافه، فما صنعه الأصحاب في البحث الآتي حول بيان ثمرة الخلاف، لا ينافي كون هذه الأمور من الموهنات للقول بالكشف، خصوصا الكشف الحقيقيّ، و ذلك لأنّ مبنى الكشف ليس إلّا دعوى: أنّه قضيّة الجمع بين القواعد، و إذا كان مستتبعا لما أفيد يعلم: أنّ الأمر ليس كما توهّم.

توهّم دلالة بعض المآثير على القول بالكشف
اشارة

إن قلت: نعم، و لكنّ النصوص الخاصّة تقتضيه، فإنّ الظاهر منها

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 150

هو الكشف، خصوصا صحيحة ابن قيس «1»، فإنّ الظاهر من ذيلها

أنّ الابن الذي باع الوليدة كان صغيرا، فكان على المشتري أن لا يستولدها، لظهور حاله في عدم كونه مأذونا، و لا أقلّ من الشكّ، و مع ذلك ترك عليه السلام نهيه عمّا صنع بالوليدة، و لا يصحّ ذلك إلّا على الكشف. و إلحاق الولد بالوليدة بعد الإجازة دليل الكشف، و هكذا عدم تغريم القيمة بالنسبة إلى المنفعة المستوفاة.

و كذا خبر عروة «2»، فإنّ إقرار صحّة البيع المترتّب على شرائه الأوّل بقوله: «بارك الله لك في صفقة يمينك» لا يصحّ على النقل، للزوم جواز التصرّف في المثمن، مع كونه باقيا على ملك المشتري الثاني قبل صدور الإجازة من البائع الأوّل، الذي باع الشاتين بدرهم، فتعيّن القول بالكشف.

بل مصحّحة أبي عبيدة «3» في إرث الزوجة- بعد البلوغ و الحلف- من الزوج الميّت صريحة في الكشف، إذ على تقدير النقل لم يكن ذلك من الإرث في شي ء، بل هو الحكم القهريّ على ورثة الميّت بأخذ المال من يدهم بعد الانتقال إليهم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 203، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 1، تهذيب الأحكام 7: 488- 1960.

(2) مسند أحمد بن حنبل 4: 376، مستدرك الوسائل 13: 245، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 18، الحديث 1.

(3) الكافي 7: 131- 1، وسائل الشيعة 26: 219، كتاب الميراث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 151

و أيضا: حكمة عليه السلام بعزل ميراثها من تركته حتّى تبلغ و تجيز، فلو لا أنّها كاشفة كان العزل منافيا لقاعدة السلطنة، إذ غاية ما يمكن تحقّق إجازة الزوجة بعد البلوغ، و حصول النقل إليها بعد الإجازة، فقبلها يكون العزل من قبيل

القصاص قبل الجناية.

و توهّم: أنّ العزل خلاف القاعدة على تقديري النقل و الكشف، لأنّ قضيّة الاستصحاب عدم تحقّق الإجازة، غير تامّ، لإمكان فرض العلم بتحقّق الإجازة، كما لا يخفى.

هذا، و يدلّ على الكشف أخبار تحليل الخمس «1»، بل قيل: «هي كالصريحة في ذلك» «2» نظرا إلى كون التحليل الصادر عنهم عليهم السلام لآحاد الرواة بعد التصرّفات، بل في بعضها تحليل الابن عمّا اكتسبه أبوه في عهد كونه من ولاة بني أميّة و عمّالهم، فإنّ ظاهر التحليل الحكم بصحّة التصرّفات، لا إنشاء عطيّة جديدة لما في أيديهم، أو إبراء جديد لما في ذمّتهم من الغرامات.

و كذا يدلّ عليه ما رواه «الوسائل» في الباب العاشر كتاب الوديعة، عن الشيخ بإسناده عن مسمع أبي سيّار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه، و حلف لي عليه، ثمّ جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه، فقال: هذا مالك فخذه، و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك، فهي لك مع مالك،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 186- السطر 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 152

و اجعلني في حلّ، فأخذت المال منه، و أبيت أن آخذ الربح، و أوقفت المال الذي كنت استودعته، و أتيت حتّى أستطلع رأيك، فما ترى؟

قال فقال: «خذ الربح، و أعطه النصف و أحلّه، إنّ هذا رجل تائب، و الله يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ» «1».

و الإشكال في سنده بعدم توثيق أوائل السند «2»، ممكن الدفع، لفتوى الأصحاب- كما يظهر من «الوسائل»- بها، و لوجودها في «الفقيه» «3» و لوجود ابن محبوب- و هو الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب

الإجماع- و محمّد بن عليّ بن محبوب القمّي الأشعريّ اللذين عرف من حالهم عدم بنائهم على نقل مطلق الأحاديث، و لما تقرّر منّا: من أنّ الذي لا يكون خبره حجّة هو المتّهم في قوله، و لا يشترط الوثاقة المصطلحة «4»، فتدبّر و تأمّل.

و الشبهة في دلالتها: بأنّها على خلاف القاعدة، لظهور حال الراوي في أنّه اتّجر على الذمّة، فلا يكون الربح لصاحب المال «5».

مدفوعة أوّلا: بأنّ من المحتمل كون الوديعة عروضا، و لا منع من إطلاق «المال» عليه، و لا ينافيه إرجاعه إليه بربحه، لأنّه بعد السنين رجع إليه كما هو المتعارف، فإذن تنبّه إلى خيانته، فأتاه و أدّى ربحه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 89، كتاب الوديعة، الباب 10، الحديث 1.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 184.

(3) الفقيه 3: 194- 5.

(4) تحريرات في الأصول 6: 539- 540.

(5) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 183- 184.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 153

إلى صاحبه.

و ثانيا: ما اشتهر «من أنّ المال المشتري بالثمن الكلّي، ينتقل إلى البائع انتقالا صحيحا و لو كان مريدا ردّ الثمن المسروق إليه» غير تامّ عندنا، فلعلّه كان في القصّة المزبورة من هذا القبيل.

و ثالثا: لا منع من الالتزام بخلاف القاعدة من هذه الجهة، بعد كونها موافقة لقاعدة الكشف، أي أنّ مفاد الرواية لزوم إرجاع الربح إلى صاحبه، و هذا لا يصحّ إلّا على الكشف، بناء على ظهور حال الراوي في اتّجاره كثيرا، فأوقع التجارات المترتّبة الفضوليّة على الوديعة أوّلا، و على عوضها المأخوذ ثانيا، و هكذا حتّى ربح أربعة آلاف درهم، و لا معنى لكون الربح له إلّا على الكشف.

و بعبارة أخرى: الربح كالنماء، فكما أنّ النماء على النقل للطرف،

و على الكشف للمجيز، فكذلك الربح، و قضيّة الرواية أنّ الربح للمجيز، فيعلم منه: أنّ بإجازته يكشف أنّ ما استربح الراوي، واقع على ملك المجيز.

و إن شئت قلت: في مراد السائل احتمالان:

أحدهما: كونه اتّجر بماله و استربح.

ثانيهما: أنّه اشترى بماله حيوانا أو بستانا ذا نماء و ثمرة، فاستربح ببيع الثمرات و النماءات و ببيع نفس العين.

فعلى الأوّل: يكون الربح لصاحب المال.

و على الثاني: يكون الربح على النقل لصاحب المتاع الذي اشتراه فضولا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 154

و حيث إنّ في الجواب ترك الاستفصال، يعلم أنّ الحكم مبنيّ على الكشف، لأنّ الربح على الكشف لصاحب المال على الاحتمالين.

فبالجملة: قضيّة هذه المآثير معتضدة بفهم الأكثر، هو الكشف، سواء قلنا: بأنّه موافق للقاعدة، أو مخالف.

الجواب عن التوهّم السابق

قلت: في جميع ما أفاده القوم حول المآثير «1» إشكال، و غير خفيّ أنّ مع التسليم لا يثبت بهذه الأخبار الكشف المصطلح، بل مفادها يناسب النقل من رأس الذي عرفت منّا: أنّه الأوفق بالصناعة، و الأقرب إلى القاعدة «2»، ضرورة أنّ آثار الكشف و النقل من الأوّل مشتركتان، فلو كان النقل المزبور موافقا للقواعد فيتعيّن حمل المآثير على فرض دلالتها عليه.

فبالجملة: الأمر يدور مدار وجهين: إمّا عدم دلالة الأخبار على شي ء من الكشف و النقل، كما أصرّ على ذلك السيّد الوالد- مدّ ظلّه «3»- أو دلالتها على النقل من الابتداء المسمّى ب «الكشف الانقلابيّ»، و أمّا دلالتها على الوجوه الأخر من الكشف فممنوعة، فما أفاده المحقّق الرشتيّ من

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر 25، الإجارة، المحقّق الرشتي: 186- السطر 2.

(2) تقدّم في الصفحة 123.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 176- 185.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 155

دلالة جملة من الأخبار، و صراحة طائفة في الكشف «1»، غير قابل للتصديق.

و توهّم: أنّ النقل المزبور خلاف الاتّفاق المحكيّ في كلام بعضهم، في غير محلّه، لظهور كلمات جماعة- و منهم المحقّق «2» و الشهيد الثانيين «3»- في ذهابهم إليه، لأنّ استدلالهم: بأنّ الإجازة تورث نفوذ مفاد العقد من الأوّل يقتضي ذلك.

و لعمري، إنّه أمر عرفيّ، و موافق للعقل، ضرورة أنّ لكلّ موجود زمانيّ- حقيقيّا كان، أو اعتباريّا- مبدأ، فالمنشأ بالإنشاء الفضوليّ وجد مثلا في يوم الجمعة، من غير كون يوم الجمعة داخلا في الإنشاء و المنشأ بمفهومه، بل هو من لوازمه الطبيعيّة القهريّة، فإذا أجاز المالك ما أوجده و أنشأه فيصير هو نافذا، و معنى ذلك أنّه بعد الإجازة و بالإجازة يصير موضوعا لحكم العقلاء، فما أورد عليهما الشيخ الأعظم «4» في غاية الوهن.

نعم، بناء على ما مرّ منّا فإنّ أمر ذلك بيد المالك، و ليس تأثير العقد من الأوّل أو من حين الإجازة أمرا قهريّا، و من الأحكام الشرعيّة الخارجة عن اختيار المالك بل اختياره بيده، إن شاء أجاز العقد مشيرا

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 186- السطر 2.

(2) لاحظ جامع المقاصد 4: 74- 75.

(3) مسالك الأفهام 1: 134- السطر 36.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 132- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 156

إلى مبدإ وجوده مجرّدا من الزمان، و إن شاء أجاز من الحين، أو من الحدّ المتوسّط بين الحدّين، من غير دخالة زمان الحال في حقيقة العقد، فإذا قال: «أجزت من الحين» فنظره إلى أمر آخر يرشد إليه بذلك.

و هذا نظيره في المشتقّات، فإنّ القائلين بالأخصّ يقولون: إنّ الموضوع له هو الذات المتّصفة بالفعل، أو في هذه الحال، من غير النظر

إلى أخذ هذه العناوين في الموضوع له، بل نظرهم إلى جعلها معرّفات إلى ما هو مقصودهم، فافهم و لا تخلط.

فبالجملة: ما توهّمه القوم كلّهم في هذه المسألة غير صحيح، فإذا كان المالك بالخيار، فهو يتوجّه إلى ثمرة النقل من الأوّل، و نتيجة النقل من الحين، فإن وافقه الأصيل على إجازته من الحين فهو، و إلّا فيمكن إثبات الخيار للأصيل، لظهور العقد في كونه مؤثّرا من ابتداء وجوده، حتّى يكون نماءات العين داخلة بتبعها في ملكه.

نعم، مع توجّهه إلى أنّ الطرف فضوليّ لا يثبت الخيار، فليتدبّر.

بقي شي ء: في أنّ جريان الكشف في الإقالة و الفسخ لا يستلزم جريانه في الإجازة

إذا حكم العقلاء بالكشف في مورد فيعلم منه: أنّ ذلك أمر ممكن و مطابق للقاعدة، و هذا فيما لو باع داره، ثمّ بعد مضيّ سنة استقالة المشتري فأقاله، و قد استوفى المنافع في تلك السنة، فإن أقاله من الحين فالمنفعة المستوفاة كانت من ملكه، فإن قلنا: بأنّ الإقالة تفيد

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 157

انفساخ العقد من الأوّل، لأنّ الإقالة من الحين تستلزم كون الزمان داخلا في مفاد الإنشاء الإقاليّ، الذي هو تابع للعقد الذي تقع فيه الإقالة، فإن كان من قبيل البيع فلا معنى لاعتبار الإقالة من الحين و الحال، و إن كان من قبيل الإجارة فله الإقالة من الحين، و هذا هو الإشكال الذي عرفته آنفا عن الشيخ «1»، و قد مرّ بجوابه.

أو قلنا: بأنّ أمر الإقالة كالإجازة بيد المالك للعقد، فهو بالخيار، فأقاله من الأوّل، فلا بدّ من ردّ قيمة المنفعة المستوفاة، لأنّها تكون من ملك المشتري، و ما هذا إلّا لأجل الكشف، و أنّ بالإقالة يكشف أنّ المنفعة المستوفاة كانت من البائع.

و ليس الفسخ عقدا، و لا جزء لاقتضاء العقد كالإجازة، حتّى يتمّ

السبب بها، بل الفسخ هو حلّ العقد، و مقتضى ذلك عرفا و عقلا رجوع كل من العوضين إلى المالك الأوّل.

فبالجملة: لا شبهة في المثال المعروف، من أنّ البائع لا يستقيل إلّا بأخذ أجرة السنة، و لا يعقل ذلك إلّا برجوع المنفعة إلى ملكها، أو اكتشاف أنّ المنفعة كانت في ملكه، و حيث لا وجه للأوّل، لعدم السبب للرجوع، فلا بدّ من الاكتشاف. و ما قيل على القول بالكشف في الإجازة، يأتي على هذه المقالة في الإقالة المفروضة.

أقول أوّلا: المعروف و المشهور بل و هو المتّفق عليه «أنّ الفسخ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 132- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 158

حلّ العقد من الحين» «1» لأنّ العقدة الباقية تنحلّ به، و لو كان حلّه من الأوّل فهو اعتبار إعدام العقد كما لا يخفى، و قد ادّعى الأصحاب أنّه من الأمر الواضح «2».

و ثانيا: الالتزام بالكشف هنا، لا يستلزم كونه مطابقا للقاعدة في الإجازة، ضرورة أنّ الفسخ لو كان عقدا جديدا- كما احتمله بعض، أو قوّاه- فلا منع من تقوية كونه سببا للنقل من الأوّل، فكونه كاشفا لأجل سقوط سببيّته، و إذا كانت الإجازة دخيلة في الناقليّة، و كانت متعلّقة بالعقد المقتضي للنقل من الأوّل، فلا بدّ من القول بالنقل إمّا من الحين، أو من رأس، و لا تصل النوبة إلى الكشف.

و بعبارة أخرى: من مقدّمات القول بالكشف في الفسخ المزبور، عدم كونه سببا، و لا جزء سبب، و هذا لا يتمّ في الإجازة بالضرورة.

فذلكة: مرامنا في الفضوليّ و الإجازة

إنّ عمل الفضوليّ ليس مصداقا حقيقيّا للعناوين المعامليّة، و لا للعقد، بل بالإجازة يصير مصداقها، و أنّ الإجازة أمرها بين كونها ناقلة من الأوّل، أو ناقلة من الوسط، أو

ناقلة من الحين، و لا يتعيّن أحدها إلّا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 151- السطر 26، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 127- السطر 19، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1:

147- السطر 7، هداية الطالب: 228- السطر 27.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 127- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 159

بتعيين المالك المجيز، فبالإجازة يصير عمله بيعا، و من خواصّه الظاهرة نقل العينين إلى المتعاقدين، فإن أجاز من رأس على نحو ما عرفت، يصير السبب، موجودا من أوّل وجوده الإنشائيّ، و إن أجاز من الحين فهكذا، كما عرفت في مطاوي البحث مرارا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 160

المرحلة الثانية في ثمرة الأقوال في المسألة
أمّا قضيّة الكشف الحقيقيّ
اشارة

فهي ممنوعيّة كل من المتعاملين عن التصرّفات النافلة و غيرها، حسب الثبوت و الواقع، من غير فرق بين كونهما فضوليّين، أو أحدهما فضوليّا، و ذلك لحصول النقل و الانتقال إذا لحقته الإجازة، و من غير فرق بين الأحكام العقليّة و العقلائيّة، و من غير فرق بين التصرّفات التي لها اعتبار البقاء، أو البقاء حقيقة، كالملكيّة و الولد، و بين ما لا بقاء له، كالاستيلاد و الأكل، و من غير فرق بين المباني في الكشف الحقيقيّ، لأنّ الكلّ مشترك في أنّ العقد عند وجوده أثّر و لو كانت الإجازة المتأخّرة شرطا للتأثير.

و من العجيب ما صدر عن جمع و منهم السيّد اليزدي قدس سره حيث ظنّ أنّ المالك يجوز له التصرّف، و يكون تصرّفه نافذا على الكشف الحقيقيّ، بمعنى الشرط المتأخّر «1»، و لعلّه هو الظاهر من الشيخ «2»!! و أنت خبير: بأنّ معنى الكشف الحقيقيّ، هو النقل من حين وقوع

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 153- السطر 15.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133-

السطر 31.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 161

العقد ثبوتا و واقعا، إذا تلحق به الإجازة بحسب الواقع، فلا معنى للتفصيل المزبور. هذا كلّه بحسب الحكم الواقعيّ، تكليفيّا كان، أو وضعيّا.

و أمّا بحسب الحكم الظاهريّ، فالمشهور المعروف هو التمسّك باستصحاب عدم لحوق الإجازة «1»، فيجوز جميع التصرّفات ظاهرا، و في جوازها للأصيل إشكال و بحث يأتي من ذي قبل- إن شاء الله تعالى- فإنّ من المحتمل ممنوعيّته عنها واقعا و ظاهرا.

و ربّما يشكل ذلك، لأنّ من التصرّفات ما ينافي لحوق الإجازة، و يكون بمنزلة الردّ، كالتصرّفات الناقلة، بل و التصرّفات المغيّرة.

و لكنّه مندفع أوّلا: بما سيأتي من أنّ الردّ لا ينافي ذلك على القاعدة «2»، و قضيّة الإجماع الآتي في محلّه هو الاكتفاء بالردّ الإنشائيّ أو الفعليّ المراد به إنشاؤه.

و ثانيا: يتقوّم بالردّ بكون المالك المتصرّف، عالما بوقوع المعاملة الفضوليّة على ماله فباع، و أمّا مع جهله بذلك فلا يبعد بقاء قابليّة العقد للإجازة

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر 32، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 62، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 153- السطر 11، منية الطالب 1: 241- 242.

(2) يأتي في الصفحة 371- 372.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 162

اعتراض الوالد المحقّق على استصحاب عدم لحوق الإجازة و جوابه

و استشكل الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- على الاستصحاب المذكور، معلّلا بأنّه من الأصل المثبت، حسبما حرّره في تلك المسألة «1».

و لكنّه على مبنى القوم ليس بمثبت، لأنّ مجرى الأصل و إن لم يكن بعنوانه مورد الدليل الشرعيّ، إلّا أنّ الأعدام المضافة إلى موضوعات الأحكام، قابلة للتعبّد بها لنفي الحكم الشرعيّ عن تلك الموضوعات، كما هو الظاهر.

و ربّما يمكن دعوى: أنّ المباني مختلفة في المسألة، و بذلك يختلف الأصل لأجل المثبتيّة و عدمها،

ضرورة أنّ قضيّة القول: بأنّ الشرط هو التعقّب و أمثاله- ممّا يرجع إلى قيد في العقد- جريان الأصل في جزء المركّب، و انتفاء حكم المركّب بنفس التعبّد بعدم جزئه. و الأمر كذلك أيضا لو قلنا: بأنّ الإجازة شرط، و الشرط يرجع إلى القيد في الموضوع.

و أمّا لو قلنا: بأنّ العقد تمام الموضوع للنقل، و الإجازة شرط الاقتضاء، بمعنى أنّه الواسطة في الثبوت، و لا ترجع إلى قيد في الموضوع عرفا، و إن كانت الحيثيّات التعليليّة ترجع إلى التقييديّة، إلّا أنّ ذلك في الأحكام العقليّة، فلا يكفي الأصل المزبور، لأنّه لا بدّ من إثبات أمر وراء التعبّد بعدم الإجازة، و هو أنّ العقد الموجود ليس مؤثّرا، فافهم و تدبّر.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 187.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 163

و الذي يخطر بالبال: أنّ النوبة لا تصل إلى الاستصحاب موضوعيّا كان، أم حكميّا، لأنّ المفروض أنّ المبيع و الثمن تحت استيلاء ملّاكهما، و قضيّة الشكّ في أنّهما ملك البائع أو المشتري أو بالعكس، هو الرجوع إلى قاعدة اليد، أو لإطلاق قوله عليه السلام: «من استولى على شي ء منه فهو له» «1» بناء على إفادته أمرا زائدا على بناء العقلاء، كما تقرّر منّا في محلّه «2»، فاغتنم.

فبالجملة: لو سلّمنا قصور بناء العقلاء عن كاشفيّة اليد في مثل المقام، فلا يمنع من المراجعة إلى الإطلاق المذكور. و توهّم لزوم الجمع بين التأسيس و الإمضاء في الدليل الواحد، في محلّه، إلّا أنّه غير ممنوع، لأنّ ذلك ينتزع من ملاحظة النسبة بين الدليل و مورده، كما لا يخفى.

و الذي يسهّل الخطب: أنّ أحدا من العقلاء لا يجد للقول بالكشف وجها حتّى يفحص عن دليل رخصة المالك

في التصرّف في ماله، بل يرى المال ماله، و بعد الإجازة يمنعون التصرّف بالضرورة القطعيّة.

و أمّا قضيّة الكشف الحكميّ و التعبّدي

فإن قلنا: بأنّ الأدلّة الشرعيّة تكفّلت لإيجاب ترتيب آثار النقل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 302- 1079، وسائل الشيعة 26: 216، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 8، الحديث 3.

(2) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه قدس سره.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 164

و الانتقال من حين وجود العقد إذا لحقته الإجازة، فهو في الأثر كالكشف الحقيقيّ، لأنّه بالإجازة يعلم: أنّ الأحكام الواقعيّة كانت مترتّبة على العقد السابق من الأوّل، إلّا أنّها كانت مجهولة، و في الحكم الظاهريّ أيضا مثله.

و إن قلنا: بأنّ قضيّة تلك الأدلّة هو ترتيب الآثار بعد الإجازة، فمعناه أنّ العقد ليس مؤثّرا إلى حال الإجازة، فلا يجوز التصرّف واقعا و ظاهرا.

نعم، لا بدّ من ترتيب الآثار الممكنة، قضاء لحقّ التعبّد، و من تلك الآثار وجوب التوبة من العصيان بالتصرّف في مال الغير، و سقوط الضمان، و انتقال المنافع و النماءات، و سقوط العقاب لو كان جعليّا، و جواز الصلاة خلفه بعد الإجازة، و طهارة عرقه الحاصل عن جنابة محرّمة.

و قد يشكل عقلا عليهم: بأنّ اعتبار حدوث هذه الأمور- كالعصيان، و الضمان، و نجاسته و هكذا- مع عدم ترتيب الآثار عليها واقعا لغو، فيكون ممتنعا.

و فيه: أنّ دليل الاعتبار ليس مخصوصا بحال الإجازة حتّى تلزم لغويّته، بل دليله يشمل حالتين: حال لحوق الإجازة، و حال عدمه، و عند ذلك لا منع من اللغويّة، كما تقرّر في محلّه «1».

مع أنّ الثمرة تظهر في نجاسة عرقه، على القول بها، و في مانعيّته عن الصلاة بناء على تماميّتها، فإنّه إذا تأخّرت الإجازة فلا بدّ له من

تطهير

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 3: 446- 448.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 165

ثوبه للصلاة، و يجب عليه القضاء و الإعادة إذا صلّى نسيانا و هو جنب على الحكميّ.

هذا، و الذي هو المهمّ في المقام: أنّ اختلاف الحكم الواقعيّ و الظاهريّ على الكشف الحقيقيّ و على الحكميّ في الفرض الأوّل و إن كان مرتفعا في محلّه، إلّا أنّ المباني في رفع الغائلة مختلفة، فلو قلنا هناك: بأنّ ذلك الجمع لا يمكن إلّا برفع اليد عن الواقع، و غلبة مصلحة الحكم الظاهريّ عليه، أو قلنا: بأنّ التنافي مرفوع بحمل الأحكام الواقعيّة على الإنشائيّة لا الفعليّة، فلا معنى للنقل و الانتقال الواقعيّ و الملكيّة الواقعيّة، لأنّها تابعة للأحكام المسانخة معها.

و بعبارة أخرى: كون المبيع في الفضوليّ للمشتري، و الثمن للبائع حقيقة، مع وجوب ترتيب آثار ملكيّة المبيع للبائع و الثمن للمشتري، غير معقول، لأنّها معتبرة من تلك الأحكام.

و لو قلنا: بأنّ الأحكام الواقعيّة فعليّة، إلّا أنّها غير منجّزة، فإذا لحقت الإجازة تتنجّز، كما هو التحقيق عندي، و رفع الغائلة ببيان تقرّر منّا في محلّه «1»، فلا مانع من النقل الواقعيّ، لأنّ الإجازة إذا لحقت ينعدم موضوع الحكم الظاهريّ، و يكفي ذلك لصحّة اعتبار الملكيّة من الأوّل، لأنّ مسلوبيّة الآثار و أحكام الملكيّة في حين، تجامعها على الإطلاق، كما هو الظاهر.

إن قلت: يتقوّم اعتبار الملكيّة بالتنجّز، و هو معدوم، و كفاية الآثار

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 2: 312- 313 و 6: 250- 257.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 166

المتأخّرة لاعتبار الملكيّة المتقدّمة صحيحة، و مشتركة أيضا بين المباني المختلفة في رفع الغائلة المزبورة.

قلت: قد تحرّر منّا أنّ القائل بتلك المباني في الجمع بين الحكمين،

لا بدّ و أن يلتزم بعدم الإرادة الواقعيّة «1»، و عندئذ كيف يجمع بين ذلك و بين الملكيّة و تأثير العقد؟! بخلاف الآخرين، فتدبّر جيّدا.

سقوط الأحكام الوضعيّة الشرعيّة الثابتة قبل الإجازة

ثمّ الدليل المتكفّل للكشف الحكميّ، لا يقتضي أزيد من لزوم ترتيب الآثار من حين الإجازة على العقد المجاز بمضمونه السابق، بالنسبة إلى الآثار الممكنة، و هكذا الآثار غير المنافية للملكيّة السابقة، فجميع الأحكام الوضعيّة الثابتة قبل الإجازة في الشرع للتصرّف في مال الغير من الحدود و الديات و في عرض أجنبيّ و هكذا من الضمانات تسقط.

فما يظهر من جماعة و هما: أنّ هذه الأمور لا تسقط، لأنّها ثبتت حال كونه غير مالك، و غير جائز له التصرّف واقعا و ظاهرا، فلا وجه للانقلاب «2»، في غير محلّه، لأنّ المراد من «الكشف الحكميّ» هو التعبّد، و لا شبهة في أوسعيّة نطاق التعبّد من ذلك.

نعم، تضمين المالك، بالنسبة إلى المنافع المستوفاة قبل

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 188، مصباح الفقاهة 4: 155.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 167

الإجازة مشكل، لأنّه لا يمكن إلّا باعتبار كون المنافع داخلة في ملك المشتري بعد الإجازة، و هو عند الأصحاب ممنوع عقلا.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ حكم الشرع بذلك لا يتقوّم بصحّة الاعتبار المذكور، و هو جيّد جدّا.

فرع: في حكم التصرّفات الناقلة الواقعة بين العقد و الإجازة

لو تصرّف نقلا قبل الإجازة، فعلى الكشف الحقيقيّ يعلم أنّه كان ممنوعا، فيصير غير نافذ.

و على الحكميّ فإن قلنا: بأنّ المراد من «الآثار الممكنة» هي الآثار و المنافع الموجودة، فلا منع من الالتزام بصحّة النقل المتوسّط بين العقد و الإجازة، إلّا أنّها صحّة فضوليّة حكما و تعبّدا، فإذا أجاز المالك فيصير أمر العقد المتوسّط بيد المالك بعد الإجازة، فله إجازته، و له ردّه.

و إن قلنا: بأنّ المراد ترتيب جميع الآثار الممكنة عقلا، فالعقد المتوسّط صحيح بالفعل، لأنّه صدر من أهله و في محلّه، و لكنّ جميع آثاره

و أحكامه ثابتة للمالك تعبّدا، لأنّه ممكن عقلا بالضرورة، فله إعمال الخيار، و له الاستقالة، و الثمن ينتقل إليه، و يندرج في ملكه.

و هكذا، نعوذ بالله تعالى من هذه التسويلات الباطلة.

و ربّما يقال: بأنّ التصرّفات الناقلة- خصوصا مع التوجّه إلى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 168

وقوع المعاملة الفضوليّة على أمواله- بمنزلة الردّ «1»، بل هي ردّ في الصورة الثانية، لأنّه يرجع إلى الإنشاء بالفعل قهرا، فلا تصل النوبة إلى الإجازة، و لا يبقى موضوعها، من غير فرق بين الكشفين.

و بعبارة أخرى: حتّى و لو سلّمنا أنّ الردّ قبل الإجازة ليس هادما للعقد، و لكنّه إذا كان الردّ مصحوبا بالنقل فإنّه يهدم به العقد عرفا، و لا يكون قابلا للإمضاء.

و لك دعوى: أنّ الهادميّة المشار إليها غير واضحة، خصوصا في الصورة الاولى، و لا أقلّ من الشكّ، و مقتضى الاستصحاب وجوب الوفاء.

نعم، إذا قلنا: بأنّ الأصل الحكميّ تعليقيّ غير شرعيّ، و الأصل الموضوعيّ مثبت، فيشكل التمسّك كما هو الظاهر.

ثمّ إنّه قد يتوهّم: أنّ نقل المالك قبل الإجازة إن وقع صحيحا فعليّا، فلا معنى لإجازته «2»، لأنّه أجنبيّ، و المعتبر في نفوذ الإجازة كونها صادرة عن أهلها، و واقعة في محلّها. و هكذا إذا شكّ في انهدام العقد السابق الفضوليّ بالنقل المتوسّط، فإنّ العقد الثاني و النقل المتوسّط واجب الوفاء، بخلاف الأوّل، لعدم جريان الأصل كما أشير إليه.

و أنت خبير، بأنّ الإشكال المزبور متوجّه- كما مرّ منّا سابقا «3»- إلى

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 201- السطر 3 و 23، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 153- السطر 15 و 27.

(2) منية الطالب 1: 242- السطر 11 و 285- 286، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2:

244- 245.

(3) تقدّم في الصفحة 160 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 169

القائلين بالكشف الحقيقيّ مع قطع النظر عن العقد الثاني، و قد مرّ إمكان دفعه بوجه عقليّ، و غير صحيح عقلائيّ: بأنّ من الممكن اعتبار الحقّ للمالك، و كما أنّ العين التالفة تخرج عن الملك، و يتعلّق بها حقّ الاختصاص، كذلك العين المنقولة، نظير حقّ الخيار المتعلّق بها لاسترجاعها.

و من هنا يعلم: أنّ الإشكال على القول بالكشف في الفرع المذكور:

بأنّه إذا صحّ العقد الثاني ظاهرا، و كان نافذا حسب الأدلّة الاجتهاديّة أو العمليّة، فلا دليل على نفوذ الإجازة المتأخّرة، لتنافيه مع وجوب الوفاء بالعقد المتوسّط الواقع على مورد الفضوليّ، أيضا ليس في محلّه، و ذلك لما عرفت من اعتبار الحقّ للمجيز، و بذلك يهدم موضوع وجوب الوفاء في العقد الثاني، فلا يبقى التنافي.

و في المقام بحث آخر: و هو أنّ الانتقال في الأثناء إذا كان صحيحا فعليّا- واقعيّا كان، أو ظاهريّا- يهدم موضوع العقد الأوّل لا قابليّته للإجازة، فإنّه أمر آخر مرّ بيانه.

و خلاصة الكلام: أنّ العقود الأصيلة ليست باقية بين المتعاقدين بعد نقل العوضين منهما إلى الآخرين، و يسقط جميع الخيارات، و هكذا العقد الفضوليّ، فهو بنفسه قابل للإجازة، إلّا أنّه يصحّ فيما إذا كان ذا أثر، فإذا ردّ المالك ثمّ أجاز، فيمكن دعوى بقاء قابليّته، و أمّا إذا باع مورد العقد الفضوليّ و إن لم يكن بانيا على الردّ، فإنّه لا يعتبر البقاء للعقد الأوّل حتّى يمكن إجازته.

و الذي هو الظاهر في المقام: أنّ انتقال العين و الثمن معا، يورث

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 170

سقوط اعتبار البقاء للعقد، و أمّا لو كان الطرف أصيلا،

و كان الثمن موجودا، فلا شاهد على سقوط الاعتبار المزبور، و إذا أجازه فله الثمن، و قد مرّ حكم المثمن تفصيلا.

و توهّم رجوع القيمة إلى الأصيل، دون المبيع و إن كان موجودا، كما عن الشيخ رحمه الله «1» في غير محلّه، ضرورة أنّ قضيّة الجمع بين القواعد ما ذكرناه، لا ما أفاده.

و أمّا قضيّة النقل من حين العقد بالإجازة

و هو المعبّر عنه ب «الكشف الانقلابيّ» المنسوب إلى الشيخ في حاشية العلّامة الأصفهاني رحمه الله بل نسبه إلى المشهور «2»- و أمّا الانقلاب بالمعنى الآخر فهو ممّا لا يصدّقه أحد من الفضلاء، و لا حاجة إلى ذكر آثاره- فهو جواز التصرّف واقعا و ظاهرا قبلها، لعدم الانتقال. و أمّا ممنوعيّة الأصيل على جميع التقادير فسيأتي البحث حولها.

و بالجملة: جميع منافع العين و نماءاتها للمالك قبل الإجازة، و ليس هو ضامنا للمنافع المستوفاة و للتالفات، و جميع ذلك يرجع بعد الإجازة إلى المالك الثاني، لأنّ مع بقاء المنافع و الآثار فهي تابعة للعين في الملكيّة، متّصلة كانت، أو منفصلة، لاقتضاء العقد إيّاه، و مع انعدامها قبل الإجازة فهي ليست مضمونة، لأنّها تلفت في يد مالكها الواقعيّ.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر الأخير، و 134- السطر 1.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 144- السطر 35.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 171

نعم، في خصوص ولد المستولدة لا يكون الأمر كما ذكر، لأنّه ليس تابع العين كما في الحيوانات، بل هو يستتبع الاستيلاد، و حيث إنّها استولدها مالكها الحقيقيّ فالولد له.

و لو كان المراد من «الكشف الانقلابيّ» هو الانقلاب واقعا في الاعتباريّات، يلزم الالتزام بالانقلاب في الواقعيّات الخارجيّة، مثل الالتزام بعدم العصيان، و عدم استحقاق العقاب، و سقوط الحدود و الدّيات، لأنّه بعد الإجازة

ينقلب ما هو المتحقّق خارجا.

و إمكان دفع ذلك: بأنّ الانقلاب في الاعتبار بيد المعتبر، و موضوع هذه الأمور ينقلب، لأنّه من الاعتباريّات، فلا منع عقلا من ذلك، غير كاف، لعدم مساعدة العقلاء عليه، كما هو الظاهر. مع أنّ المسألة عقلا لا تخلو من غموض.

حول التفصيل بين النماءات المتصلة و المنفصلة و الأحكام الشرعيّة و العقلائية

و ربّما يخطر بالبال أن يقال بالتفصيل بين النماءات المتصلة و المنفصلة، ضرورة أنّ ما هو تابع مملوكيّة العين هي الاولى، و أمّا الثانية فهي بعد الانفصال تصير مستقلّة في الملكيّة، فتكون تابعة للنظر، فإن أجاز العقد بجميع ما يتعلّق بالمعقود عليه فتدخل، و إلّا فلا.

أو يقال بخروجها عن التبعيّة مطلقا، لأنّ اختلاف نظر المجيز لا يورث الفرق، فإنّ المدار على الإنشاء، فإن شملت تلك المنافع فيدخل، و إلّا فلا. ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين المنفصل غير المتغيّرة صورته

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 172

النوعيّة، و المتغيّر وصفه و شكله.

أو يقال بالتفصيل بين الأحكام الشرعيّة و الوضعيّات المجعولة من قبل الشرع على عنوان «التصرّف في مال الغير» كالحدّ في السرقة، و الدية في الإفضاء و هكذا، و بين الأحكام العقلائيّة، كباب الضمانات، فلو أجاز المالك فعليه ردّ عوض المنافع المستوفاة، و بدل التالفات و لو كان الإتلاف عن غير إفراط و تفريط، و لا يسقط الحدود و الديات، لأنّ موضوعها التصرّف في مال الغير، و هو حاصل.

و لا دليل على اعتبار الملكيّة من الأوّل بالنسبة إلى غير الأحكام و الآثار العقلائيّة، فإنّ المسألة دائرة مدار بنائهم، و لا شبهة في أنّ النقل من الأوّل عند العقلاء، ليس له معنى إلّا بلحاظ الآثار، و لا وجه للتفكيك بينها حتى يقال بعدم الضمان بالنسبة إلى المنافع المستوفاة، فليتأمّل جيّدا.

و

بالجملة: بين الكشف الحقيقيّ و النقل من الأوّل فرق، فإنّه على الأوّل يجوز التصرّف ظاهرا، و لا يجوز واقعا، بخلاف الثاني، فإنّه يجوز واقعا و ظاهرا.

و أيضا: على الأوّل لا يحدّ و لا تثبت الدية، بخلاف الثاني.

أقول: أمّا دعوى خروج النماءات المنفصلة من التبعيّة، فهي غريبة جدّا، لأنّ كونها مستقلّة في الملكيّة لا ينافي كونها من منافع العين المنقولة بعد الإجازة، فكلّما كانت من النماءات موجودة فهي للمالك بعد الإجازة، كنفس العين، و من تلك الجهة يشترك النقل من الأوّل مع الكشف الحقيقيّ.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 173

و أمّا دعوى ضمان المالك قبل الإجازة، فهي أغرب، لعدم الوجه له بعد كون تصرّفاته في ملكه.

و اعتبار العين ملكا ثانيا في الزمان المتوسّط بين العقد و الإجازة للمالك الثاني، لا يقتضي أزيد من كون العين و توابعها له، و في ذلك يحصل الفرق بين الكشف الحقيقيّ و النقل من الأوّل. كما أنّ إثبات الضمان، من ثمرات الكشف الانقلابي بالمعنى الذي أشير إليه.

و لا ينبغي الخلط بينهما، فإنّ معنى الكشف الانقلابي، تبديل الاعتبارات السابقة إلى الاعتبارات الأخر المقابلة لها، و معنى النقل من الأوّل: اعتبار كون العين ملكا للمالك بعد الإجازة في عرض مالكيّة المالك الأوّل في الزمن الواحد، فهما واقعيّتان محفوظتان مع وحدة الزمان، و وحدة العين.

مسألة في حكم ما لو باع المالك قبل الإجازة أو باع النماءات المنفصلة

لو باع المالك قبل الإجازة، أو باع النماءات المنفصلة، فإن قلنا بانهدام العقد فالأمر سهل.

و إن قلنا بعدم انهدامه، أو قلنا: إنّ قضيّة الأصول العمليّة- بضميمة القواعد الاجتهاديّة- أيضا عدم الانهدام لدى الشكّ، فإن قلنا: بأنّه يصير أجنبيّا، و يعتبر في المجيز كونه مالكا، فلا فائدة في إجازته، فالأمر سهل.

و إن قلنا: بأنّه لا يصير أجنبيّا بقول

مطلق، بل له حقّ الإجازة- كحقّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 174

الاختصاص على الوجه الذي مرّ تفصيله «1»- فيشكل الأمر ضرورة، أنّ قضيّة القواعد هو العمل بالعقدين مع وحدة العين.

و قد يتوهّم التفصيل بين ما إذا كان العقد الثاني على النماء، و بين ما كان على العين، فإنّه في الأوّل يتعيّن العمل بالعقد الثاني، لأنّ مدلوله المطابقيّ نقل النماء، بخلاف الأوّل، فإنّ نقل النماء مدلوله الالتزاميّ، فعليه يجمع بينهما، و يكون نقل النماء بمنزلة التلف في ملكه، و قد مرّ عدم ضمانه.

و أمّا توهّم ضمانه بالنسبة إلى قيمة النماء، فهو فاسد، لأنّ تصرّفه إن كان صحيحا فلا ضمان، و إن كان في غير ملكه فهو غير نافذ، كما لا يخفى.

و رفع الإشكال بدعوى انعدام موضوع العقد، لأنّ العقد الثاني رافعه، غير تامّ كما مضى. مع أنّ قضيّة الإجازة انتقال العين إلى المالك الثاني، فيكون أمر البيع بيده، إن شاء أجازه، و إن شاء ردّه.

و توهّم المنع عن إلحاق الإجازة، لاستلزامه التخلّف عن الأمر بالوفاء بالعقد، في غير محلّه، لأنّ ذلك إعدام لموضوع العقد الثاني، و لا معنى لتكفّل الحكم لزوم حفظ موضوعه، كما أشير إليه.

فتحصّل إلى الآن: أنّ الإشكال قابل للدفع بأن يقال: إنّ المسألة من قبيل العقد الواقع من المورث على ماله حال حياته، ثمّ مات، و فرضنا انتقال العين إلى الورثة قبل العقد المزبور، فإنّه يكون أمر العقد بيد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 168- 169.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 175

الورثة، و هذا لا يستلزم مخالفة الأمر بالوفاء، كما لا يخفى.

فعليه يمكن دعوى: أنّ قضيّة مالكيّة المالك الأوّل صحّة بيعه واقعا و فعليّا، فإذا أجاز العقد الأوّل فقضيّة

مالكيّة المالك الثاني، هو كون العقد الثاني بيده، و أمّا ثمنه فإن كان موجودا فهو لمالكه الثاني إن أجاز، و إن كان قد تصرّف فيه المالك الأوّل فلا ضمان، و إذا أجاز فهو، و إلّا فعليه ردّ الثمن إلى المشتري، و استرجاع العين، فافهم.

حكم المسألة بناء على النقل من الحين

و أمّا قضيّة النقل من الحين، فهي جواز التصرّف واقعا و ظاهرا، و تكون النماءات بإطلاقها للمالك الأوّل، و إذا أجاز فلا ينتقل إلّا المعقود عليه.

و بعبارة أخرى: كما في عقد الأصيلين لا تنتقل النماءات السابقة، بخلاف الخصوصيّات الموجودة في العين حال العقد، فإنّها للمالك الثاني بعد العقد، و لو تصرّف المالك الأوّل قبل الإقباض في المعقود عليه، يكون ضامنا حسب القواعد، و يمكن دعوى الخيار للمالك الثاني، كذلك في عقد الفضوليّ، لا ينتقل بعد الإجازة إلّا المعقود عليه بالخصوصيّات الموجودة حال العقد و الإنشاء، لأنّ المفروض أنّه أجاز العقد الذي وقع على العين الكذائيّة، فلو نقصت أوصافها الكماليّة، أو زادت:

ففي الصورة الأولى تارة: يكون النقصان بإفراط و تفريط، ففيها

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 176

وجوه: عدم تأثير الإجازة رأسا، و كون المجيز بالخيار، و كون المالك الأوّل ضامنا لما فوّته عليه، و كون المالك الثاني مختارا في إعمال الخيار و في الرجوع إلى الأرش و قيمة التالف، و كون العقد لازما، و لا شي ء عليه:

أمّا الأوّل فلا وجه له، لأنّ ذات المعقود عليه الشخصيّة باقية، و أمّا الثاني فهو قريب، لاندراجه في تخلّف الوصف، أو في كونه معيبا، و أمّا الثالث فلا وجه له كما هو الظاهر، و أمّا الرابع فهو قويّ، لما تقرّر في محلّه، و أمّا الخامس فهو ضعيف جدّا، و الوجه واضح.

هذا فيما إذا

لم يكن المجيز متوجّها إلى النقصان قبل الإجازة.

و أمّا لو توجّه فأجاز، فلا شي ء له على المالك إلّا إذا شرطا، و في نفوذه إشكال، و التحقيق أنّه نافذ، كما هو الواضح.

و اخرى: لا يكون ذلك بالإفراط و التفريط، ففيه الوجوه السابقة إلّا الضمان، تعيينا كان، أو تخييرا، لأنّ دليله في المسألة ليس إلّا قاعدة «على اليد.» و هي- لو سلّمناها من جميع الجهات- لا تشمل يد المالك قبل الإجازة، لعدم انقلابها بالعقد الفضوليّ إلى يد الضمان، بخلافها في الأصيل.

و في الصورة الثانية: فإن وقعت الإجازة مع توجّه المالك إلى اختلاف العين في القيمة للزيادات الكماليّة، فالأمر كما مرّ، و مع عدم توجّهه إلى ذلك ففيه وجوه: عدم تأثير الإجازة، و كون المالك بالخيار، و هو خيار الغبن، و كونه راجعا إلى المالك الثاني بقيمة الزيادة، و كونه مخيّرا بينهما، و كون العقد لازما، و لا شي ء للمالك الأوّل على

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 177

المالك الثاني.

و ربّما يخطر بالبال التفصيل بين ما إذا كانت الزيادة قهريّة، من غير دخالة المالك فيها دخالة عمليّة أو ماليّة، و بين ما كانت الزيادة مستندة إليه، ففي الاولى يكون العقد لازما، و لا شي ء على المجيز، و في الثانية تأتي الوجوه السابقة.

أقول: أمّا عدم تأثيرها- بعد مفروضيّة بقاء الصورة النوعيّة العرفيّة- فلا وجه له، و أمّا كون المالك بالخيار فهو قريب، ضرورة أنّ أدلّة خيار الغبن ناظرة إلى إثباته حين النقل و الانتقال.

نعم، على الكشف لا معنى له، لحصوله عند وجود العقد، فالزيادة تكون في ملك المالك الثاني لا المجيز، و لا سيّما على مذهبنا من صيرورة الإنشاء بيعا بها.

فبالجملة: كما أنّ المدار على الغبن حين

العقد في الأصيل، كذلك المدار عليه حين الإجازة على النقل، لا حين إنشاء العقد.

و أمّا تعيّن رجوعه إلى المالك الثاني فلا معنى له، لأنّه خارج عن المعقود عليه، بل من المحتمل إثبات الخيار للمالك الثاني، إذا كان في الخصوصيّة الزائدة نقض غرضه و لو كانت مرغوبا فيها.

و أمّا تخييره فهو غريب، لما عرفت.

و أمّا لزومه و عدم الخيار، فهو خلاف القواعد الشرعيّة و العقلائيّة حتّى فيما كانت الزيادة قهريّة، فإنّ تلك الزيادة في ملكه، و استلزمت زيادة القيمة السوقيّة، فله الخيار بلا إشكال.

و أمّا إذا كانت الزيادة السوقيّة لأجل الأمور الأخر، ففي ثبوت

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 178

الخيار وجهان:

من أنّ المدار على حال النقل في خيار الغبن: بأن يكون العوضان متساويين حسب القيمة فيثبت.

و من أنّه أجاز ما أنشأه الفضوليّ، و تلك الإجازة واقعة في محلّه من غير زيادة و نقيصة في المعقود عليه، فلا خيار له.

ثمّ إنّ ما فصّلناه في الصورتين على النقل من الحين، يأتي على النقل من الأوّل، كما لا يخفى.

بقي أمر: في بيان عدم فائدة المسائل التي تعرّض لها الأصحاب على الكشف و النقل

و هو أنّ الأصحاب- رضوان الله تعالى عليهم- ذكروا في المقام مسائل، و بحثوا حولها على الكشف و النقل، و ذكروا أنّ ثمرة المسلكين فيها مختلفة، و ناقش في ذلك بعضهم «1»، و حيث إنّه لا فائدة في تعرّضنا لصغريات الكبريات الواضحة، فنعدل عن ذلك، و لعلّه أقرب إلى الصواب.

و بعبارة أخرى: بعد وضوح حقيقة الكشف و مقتضاه، و النقل و آثاره- على اختلافهما- لا حاجة إلى إطالة الكلام في تلك المسائل، مع أنّها أكثر ممّا تحصى، و يطّلع الفقيه عليها في مواطنها.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 4، منية الطالب 1: 246- 252، البيع، الإمام الخميني

قدس سره 2: 191- 201، مصباح الفقاهة 4: 153.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 179

مسألة في حكم تصرّف الأصيل في المعقود عليه
اشارة

هل يجوز للأصيل في العقد الفضوليّ التصرّفات في المعقود عليه مطلقا، فيجوز له فسخ العقد، أو لا يجوز مطلقا، و لا يصحّ فسخه؟

أو يفصّل بين التصرّفات المنافية لوجوب الوفاء، كالتصرّفات الناقلة و المغيّرة، و غير المنافية؟

أو يتوقّف جواز التصرّف على الإطلاق على الفسخ، فما دام لم يفسخ العقد بالإنشاء لا يجوز؟

أو يفصّل بين الفسخ و التصرّف، فلا يجوز هو، و يجوز هذا؟

أو المسألة مبنيّة على المسلكين، فعلى الكشف لا يجوز مطلقا، دون النقل؟

أو على الكشف يجوز ظاهرا، و على النقل يجوز ظاهرا و واقعا؟

وجوه بل و أقوال.

ثمّ إنّ النظر تارة: إلى قضيّة القواعد العامّة، ثمّ إلى مقتضى الأدلّة الخاصّة، ثمّ إلى الأصول العمليّة، فيتمّ الكلام في مقامات:

المقام الأوّل: في مقتضى القواعد الكلّية و الأدلّة العامّة

فالذي هو التحقيق عندنا: أنّ عنوان «العقد و العهد» ليس من العناوين الواجب انطباقها على المعاملات، حتّى يكون صحّة معاملة أو

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 180

لزوم تجارة متوقّفة عليه، بل الذي يجب و يلزم هو البيع و الصلح و الإجارة، سواء كانت عقدا، أو لم تكن، و قد تحرّر منّا أجنبيّة آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» عن هذه العقود المعاوضيّة، و غير معقول كونها ناظرة إليها «2»، بل و آية أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلًا «3» فلا يشترط في الصحّة و اللزوم أكثر من صدق العناوين الذاتيّة للمعاملات.

ثمّ إنّك قد أحطت خبرا: بأنّ عناوينها غير صادقة على الإنشاءات غير المؤثّرة إلّا على التوسّع و المجاز «4»، فعلى هذا لا معنى لمحدوديّة الأصيل بالنسبة إلى البيع الإنشائيّ، و لا معنى لممنوعيّته عن التصرّف في العين أيّ تصرّف كان.

نعم، في كلام المحقّق الرشتيّ قدس سره وجه للمنع، ربّما يأتي على مسلكنا: «و هو أنّ جعل المال

عرضة للانتقال يورث ممنوعيّة المالك عن التصرّف» «5» و قد استظهر ذلك من موضع من كلام أستاذه «6»، و على أيّ تقدير فساد ذلك ليس مخفيّا على مثله.

و توهّم: أنّ بناء الأصحاب على إلغاء أصالة عدم لحوق الإجازة، كما في كلام المحقّق المذكور، و أنّ هذا قاعدة كلّية تعبّدية في الأموال

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 26- 29.

(3) الإسراء (17): 34.

(4) تقدّم في الصفحة 70.

(5) الإجارة، المحقّق الرشتي: 186- السطر 15.

(6) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 14.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 181

و الحقوق، و لذلك بنوا على وجوب الوفاء في النذر المعلّق قبل تحقّق شرطه، و أيضا قالوا بعدم جواز التصرّف في حصّة الحمل، اتكالا على عدم انفصاله حيّا، و بعدم جواز تسليم المال إلى الوارث المعلوم ما لم يثبت انحصاره فيه، و هكذا في المواضع الكثيرة المؤيّدة ببعض النصوص الصريحة، كصحيحة عبيدة الماضية الآمرة بعزل نصيب الزوجة من تركة زوجها حتّى تبلغ و تجيز، مع أنّ ذلك على خلاف الأصول العدميّة «1»، غير تامّ، و غير نافع:

أمّا الأوّل: فهو واضح، لأنّ ورود نصّ في مورد خاصّ، لا يورث القاعدة الكلّية الفقهيّة. مع أنّ جريان هذه الأصول العدميّة- حسب الموازين في الأصول المثبتة و غير المثبتة- محلّ إشكال، بل و منع.

و أمّا الثاني: فلأنّ ذلك يفيد القائلين: بأنّ ما هو الموضوع في الأدلّة الشرعيّة و العقلائيّة هو العقد، و هو حاصل، لأنّ الشرائط كلّها موجودة بالفعل حتّى الشرط المتأخّر، و أمّا نحن فلا ننتفع به، لإنكارنا اعتبار صدق عنوان المعاملة.

فعلى ما تحرّر منّا، اتضح رخصة الأصيل في جميع التصرّفات، و لا شي ء عليه حتّى رجحان الانتظار إلى أن تتّضح

الحال. هذا و قد مضى جريان قاعدة اليد في هذه المسألة «2»، و لا تصل النوبة إلى الأصل.

و من العجيب توهّم جمع: بأنّ القائلين بتحقّق السبب التامّ قبل

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 186- السطر 16.

(2) تقدّم في الصفحة 150.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 182

الإجازة، بين من يقول: بأنّ الشرط أمر اقترانيّ ك «الفصول» «1» و الرشتيّ «2»، و الخراسانيّ «3»، و الأراكيّ «4»- رحمهم الله تعالى- و بين من يقول: بأنّه أمر متأخّر كالمشهور «5»، و بين من يقول: بأنّه لا تأخّر في محيط تقنين القوانين الإلهيّة، فما هو الشرط هو وجود الإجازة، و هو ليس متأخّرا حسب اللبّ و الواقع:

فمن كان من الأوّل و الأخير، فعليه منع الأصيل عن الفسخ و التصرّف، بل و مطلق التصرّف.

و من كان من الوسط فله ترخيصه، لعدم تحقّق الشرط!! و أنت خبير: بأنّ ذلك ناشئ عن الغفلة، ضرورة أنّ المشهور يقولون:

بأنّ النقل حاصل من الأوّل ثبوتا، و الكاشف متأخّر، و ما هو الكاشف هو الدخيل على الشرط المتأخّر، و إذا سقط الأصل لما مضى، فعليهم المنع بلا شبهة و إشكال.

و ممّا يدلّ على ذلك، و به يندفع ما اعترضه عليهم الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «6»-: أنّهم يقولون بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب بما هي

______________________________

(1) الفصول الغروية: 80- السطر 36.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 184- السطر 13.

(3) كفاية الأصول: 118- 119.

(4) نهاية الأفكار 1: 289- 290، شرح تبصرة المتعلّمين 5: 45.

(5) جواهر الكلام 22: 284- 287، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 133- السطر 19.

(6) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 187.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 183

أسباب مؤثّرة، و لذلك قالوا بالكشف، لأنّه على القول

بالنقل يلزم كون عمل الفضوليّ بيعا غير مؤثّر، و هو خلاف مرامهم، و لأجله قلنا: إنّ القائلين بالكشف ينكرون الفضوليّ ثبوتا، لأنّه قد أثّر تأثيره، و لا حالة انتظاريّة بعد العقد إلّا وجود الكاشف الإثباتيّ، فلا تغفل. هذا ما عندنا.

[المقام الثاني] حكم تصرّفات الأصيل بناء على مختار الأصحاب
اشارة

و أمّا الأصحاب فهم في هذه المسألة مختلفون، و وجه الاختلاف أمران: اختلافهم في المراد من وجوب الوفاء بالعقد، و اختلافهم في مسألة الكشف، و الذي ينبغي في المقام الإشارة الإجماليّة إلى تلك الوجوه في المسألة.

فمن يقول: بأنّ الأصيل ممنوع، و لا يجوز له النقض، توهّم أنّ ظاهر الآية الشريفة هو الالتزام بالعقد، و عدم جواز نقضه، فلا يجوز له الفسخ، و لا يجوز له التصرّفات المنافية للحكم المزبور، فلا ترخيص في إعدام الموضوع، لأنّه يناقض إيجاب الوفاء بالمعنى المشار إليه.

و إذا قلنا: إنّ قضيّة الإجازة هو الكشف، فلا يجوز التصرّفات الأخر أيضا، لعدم جريان الأصل السابق لما مضى.

و من يقول: بأنّه ممنوع من نقض العقد و إعدام موضوعه، و لكنّه يجوز له جميع التصرّفات، توهّم أنّ المراد من الآية الشريفة قبل تماميّة العقد بلحوق الإجازة، ليس إلّا عدم حلّه، و لا اقتضاء لها إلّا ذلك، لأنّ موضوعها- و هو العقد- موجود، و لكن موضوع الممنوعيّة- و هو

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 184

التصرّف- مشكوك الوجود، لأنّه هو العقد المؤثّر، و قضيّة الأصل عدم لحوق الإجازة.

نعم، إن قلنا: بأنّ الإجازة شرط متأخّر فله ذلك واقعا و ظاهرا، و إن قلنا: بأنّ الإجازة كاشفة عن الشرط المتقدّم فله ذلك ظاهرا، لا واقعا.

و قد عرفت ما فيه على فرض كون الآية ظاهرة فيما توهّمه و أفاده.

و من يقول: بأنّه يجوز له النقض و الفسخ،

و لا يجوز له التصرّفات إلّا بعد ذلك، توهّم أنّ مفادها هو وجوب الوفاء بالعقد، و أمّا لزوم العقد و عدم قابليّته للفسخ فلا يستفاد منها، فما دام العقد موجودا يجب الوفاء به، فلا يجوز التصرّفات المنافية، و أمّا إذا انعدم العقد فله ذلك، و الفسخ يعدمه.

و لو قيل: إعدام الفسخ يحتاج إلى الدليل، و إلّا فقضيّة الاستصحاب الموضوعيّ عدم الانفساخ، و مقتضى الاستصحاب الحكميّ ممنوعيّته عن التصرّفات.

قلنا: ظاهر الآية الشريفة، أنّ ما هو موضوع الحكم هو الوفاء بالعقد المفروض وجوده، و مقتضى أنّه مأمور به أنّه يتمكّن من عدم الوفاء، و إذا كان العقد لازما فلا يتمكّن من عدم الوفاء، و هو عدم تسليم المعقود عليه، فعليه يعلم أنّه ما دام العقد باقيا يجب عليه الوفاء، و إذا أعدمه فلا يجب، و هو بالخيار في ذلك الأمر.

و إذا قلنا: بأنّ الإجازة كاشفة على مقالة «الفصول» و أشباهها، فهو ممنوع من مطلق التصرّفات واقعا.

و إن قلنا: بأنّها كاشفة على مقالة المشهور فله ذلك واقعا و ظاهرا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 185

و لكنّك عرفت: أنّ التوهّم المزبور في مقتضيات الكشف الحقيقيّ، ناشئ عن قلّة التدبّر في المسألة، فلا تغفل.

و من يقول بجواز الفسخ و التصرّف مطلقا، و يقول بأنّ الآية لا تفي بأكثر من الممنوعيّة بعد الإجازة، توهّم أنّها ظاهرة في إيجاب الوفاء بالعقد، و هو ليس معناه إلّا القيام بمقتضى العقد، و هو تسليم المعقود عليه، و حيث إنّ الهيئة فيها إرشاد إلى أنّ ذلك، لأجل كونه مال الغير المنتقل إليه بالعقد، فيعلم منه حصول الملكيّة بالعقد، و لزوم ذلك العقد، فلا دلالة لها إلّا على ما عليه بناء العقلاء، فمجرّد صدق

«العقد» غير كاف لوجوب الوفاء بالعقد.

و إن شئت قلت: العقد الذي هو لازم و لا ينفسخ هو العقد الذي يجب الوفاء به، و الذي يجب الوفاء به هو العقد بعد الإجازة، ضرورة أنّه قبل الإجازة لا وفاء له، بمعنى لزوم تسليم المعقود عليه، فيتعيّن كون مورد الآية هو العقد بعد الإجازة، فقبلها لا اقتضاء له، فلا لزوم له، فافهم و تدبّر.

بيان وجه الخلل في مختار الأصحاب هنا

أقول: قد تبيّن فساد هذه الوجوه المحتملة حول الآية الكريمة في أوّل الكتاب، و في بعض المواقف المناسبة، و قد ذكرنا: أنّ الآية صدرا و ذيلا تناسب الحكم التكليفيّ، و قضيّة موضوعها أيضا ذلك، من غير إرشاد إلى شرطيّة أمر، أو إرشاد إلى لزوم عقد، و لو كانت مرتبطة بهذه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 186

المواقف يلزم كونها دليلا على الجواز، لا اللزوم كما عرفت «1».

فما عن جماعة من المفسّرين: «من أنّها ناظرة إلى العهود و العقود بالحمل الأوّليّ، و أمّا البيوع و التجارات فليست هي العهد و المعاقدة، نعم بعد تحقّق التجارة يكون على المتعاقدين إفراغ عهدتهم، و القيام بوظيفتهم، حسب مقتضيات المعاملات» «2» في غاية الدقّة، و قريب جدّا إلى الحقّ و الصواب، و ليضحكوا كثيرا على من يدّعي: أنّ إعطاء فلوس و أخذ كبريت عهد و معاهدة و معاقدة، و لا يلتفت أحد منكم إلى من يذهب إلى خلاف ما أسمعناكم، فإنّ ربّكم بالمرصاد.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 91- 94.

(2) التبيان 3: 415، مجمع البيان 3: 233- 234، الصافي 2: 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 187

المرحلة الثالثة حول الأمور التي لا بدّ من التعرّض لها
اشارة

و هي كثيرة:

فمنها: لزوم إبراز الرضا
اشارة

قد عرفت فيما مضى، أنّ الرضا القلبيّ و غير المظهر لا يكفي لخروج الفضوليّ عن الفضوليّة، خلافا للعلمين: الشيخ الأنصاريّ، و السيّد الوالد- عفي عنهما «1»-، و الذي هو مورد الكلام في المقام: هو أنّ ذلك يكفي عن الإجازة، أم لا؟

و على الثاني: هل يكفي الرضا المظهر، أو لا بدّ من إنشائه؟

و على التقديرين: يكفي الفعل، أو لا بدّ من اللفظ؟

و على الثاني: هل يشترط فيه ما يشترط في ألفاظ العقود، من العربيّة، و الماضويّة، و التنجيز، و الصراحة، أو يكفي مطلق اللفظ؟

أو يقال بالتفصيل بين موارد الفضوليّ، ففيما كان المقتضي قاصرا كبيع مال الغير، فيحتاج إلى الإبراز و الإنشاء، و فيما كان المانع موجودا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 20، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 101.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 188

كعقد بنت الأخ و الأخت، فيكفي رضا العمّة و الخالة؟

وجوه، بل و أقوال.

و الذي هو الحقّ عندي لزوم الإبراز، من غير حاجة إلى الإنشاء، و يكفي في المبرز كلّ فعل و لفظ بالضرورة و إن كان غلطا و مجازا، لأنّ القيود المعروفة في ألفاظ العقود و الإجازة لو تمّت فهي تنحصر بموارد إنشاء الأمر الاعتباريّ، و فيما نحن فيه لا يحتاج إلى الإنشاء، فتسقط الاحتمالات الأخر،

و تبقى دعويان:
الاولى: عدم كفاية الرضا الباطنيّ

و ذلك من غير فرق بين القول: بأنّ ما أنشأه الفضوليّ ليس مصداقا حقيقة للعناوين المعاوضيّة و العقود العقلائيّة، و بين القول: بأنّه مصداقه، إلّا أنّه غير مؤثّر «1»، ضرورة أنّ في كلّ عقد يحتاج إلى نحو من الالتزام بمفاده، و هذا المعنى لا يحصل بمجرّد الرضا الباطنيّ.

و دعوى ظهور الآية الشريفة و روايات المسألة في كفاية الرضا «2»، غريبة جدّا، لأنّ ذلك

الرضا في الآية و الرواية مظهر بالتجارة و العقد الذي أوقعه بنفسه، أو بتوكيله و إذنه.

و بعبارة أخرى: توهّم أنّ ظاهر الكتاب و السنّة، شرطيّة التجارة مع التراضي في حلّية الأموال التجاريّة، و هي حاصلة بعد رضا المالك،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 204.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 22.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 189

أمّا تجارته فهي قد حصلت بإنشاء الفضوليّ، و أمّا التراضي فهو حاصل فرضا في نفس المالكين، و لا دليل على أزيد من ذلك، غير تامّ، لأنّ ذلك الرضا المذكور في الآية، هو الظاهر بالتجارة التي تصدّى لها المالك، و هذا قيد واضح في مطلق التجارات، فلا يمكن استفادة عدم الخصوصيّة من الآية أو الرواية.

فعلى هذا، ينحصر الدليل بمراجعة فهم القوم و العقلاء، أمّا فهمهم فقد نسب إليهم كفاية الرضا الباطنيّ، و لكنّها غير ثابتة، و أمّا بناؤهم فالظاهر عدم التزامهم بالعقد المذكور.

و ربّما يخطر بالبال دعوى التفكيك بين الصحّة و اللزوم، بأنّه يصحّ بالرضا، و لا يصير لازما إلّا بالإظهار، و الشاهد بناؤهم عليه.

و فيه: أنّه بالتدبّر في بنائهم يظهر، أنّه إذا رضي بفعل الفضوليّ، لا يجد ما عنده مال الطرف و ملكه، و هذا شاهد على أنّه ممّا يحصل النقل به بالوجدان.

و توهّم التفصيل بين كون الإجازة كاشفة، أو ناقلة، فعلى الأوّل يكفي، دون الثاني، غير صحيح، لأنّ الإجازة الكاشفة ليس معناها أنّ العقد تمام المؤثّر، بل للإجازة- زائدا على كشفها- دخالة شرطيّة على المشهور، و هي دخيلة في اتصاف العقد ب «التعقّب» و هكذا على سائر المقالات، و عندئذ لا بدّ من الإبراز حتّى يحصل الالتزام العقلائيّ بمضمونه.

نعم، إذا قلنا: بأنّها كاشفة محضا كشفا لغويّا،

فهو يرجع إلى عدم اعتبار التزام المالك بالعقد الواقع على ماله.

ثمّ إنّ المراد من «الالتزام» ليس مفهومه الأوّلي، و لا التوجّه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 190

التفصيليّ إليه، بل هذا أمر ارتكازيّ.

و إن شئت قلت: لا يجد العقلاء لزوم عمل الراضي بالعقد بمضمونه، و لا يحكمون بوجوب الوفاء عليه، فلا تخلط.

ثمّ إنّ المحكيّ عن صاحب «الكفاية» كفاية الرضا القلبيّ «1»، و لعلّه ناظر إلى الإنشاء و الإبراز في أفق النفس، ففرق بين الرضا الباطنيّ، و بين الرضا المظهر في أفق النفس الراجع إلى حديث النفس، و ما فيه جليّ لا يحتاج إلى الإنشاء.

الثانية: عدم الحاجة إلى الإنشاء

خلافا لما يظهر من السيّد الأستاذ الحجّة الكوه كمري قدس سره فإنّه قال: بأنّ المسألة مبتنية على ملاحظة منشأ اعتبار الإجازة، فالشيخ جعل ذلك تخصيص عمومات الأدلّة- بعد تسليم شمولها للفضوليّ- بأدلّة طيب النفس و الرضا، فهو في مخلص «2»، و أمّا نحن فجعلنا منشأه نفي شمول تلك الأدلّة عن بيع لم يستند إلى مالك العوضين، فيكون وجه الحاجة إلى لحوق الإجازة، فقدان الفضوليّ للاستناد، و هذا أمر إيجاديّ يحتاج إلى الإنشاء، كنفس البيع «3»، انتهى ملخّص مرامه رحمه الله.

أقول: لا مانع من الالتزام باشتراط الإبراز، و عدم كفاية الرضا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 66.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 22.

(3) البيع، المحقّق الكوهكمري: 393- 394.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 191

الباطنيّ و إن قلنا بمقالة الشيخ، لما عرفت من أنّ العمومات منصرفة إلى البيوع المقرونة بالرضا المظهر، ضرورة أنّ الغالب في المعاملات يكون على هذا النهج، حتّى في الفضوليّ الملحقة به الإجازة، و لا منع من الالتزام باحتياج العقد إلى الاستناد، و عدم احتياجه إلى الإنشاء،

ضرورة أنّ الجهة الناقصة ليست ترجع إلى الماهيّة عندهم، فالنقص في العقد المزبور مستند إلى عدم كونه مضافا إلى المالك، و لا معنى لإنشاء تلك الإضافة، بل لا بدّ من التزامه به، و هذا يحصل بموافقته لما صنعه الفضوليّ.

بل لا يعقل الإنشاء، لأنّ الإنشاء متقوّم بكونه لداع من الدواعي، و لا داعي له إلّا إفادة الالتزام، و هو يحصل في أوّل تنطّقه بكلمة «أجزت» و «أمضيت» و «رضيت» و غير ذلك، فتأمّل جيّدا.

تذييل حول المآثير التي قد يتوهّم دلالتها على كفاية الرضا الباطني

قد يتوهّم دلالة طائفة من المآثير على كفاية الرضا الباطنيّ «1»:

و منها: ما ورد في السكرانة، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام [2] و هي ظاهرة في كفاية الفعل لظهور الرضا، و لا

______________________________

[2] محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها، ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك، ثمّ ظنّت

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 135- السطر 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 192

دلالة منها على المدّعى. مع أنّها مشتملة على إشكالات يشكل حلّها، و التفصيل في محلّ آخر.

و منها: ما ورد في نكاح العبد [1]، و هو مثل سابقه في ظهوره في أنّ السكوت دليل الرضا، فلا بدّ من دليل في حصول الزوجيّة، بل ظاهره اشتراط تأثير العقد بالرضا القائم عليه الدليل و هو الرضا المظهر.

و منها: غير ذلك ممّا لا يرجع إلى محصّل في المسألة.

تنبيه في كفاية مطلق اللفظ بناء على اشتراط الرضا المبرز

بناء على اشتراط الرضا المظهر، فلا فرق بين كون الألفاظ

______________________________

أنّه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر و لا سبيل للزوج عليها؟ فقال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها، قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال: نعم.

الفقيه 3: 259- 1230، تهذيب الأحكام 7: 392- 1571، وسائل الشيعة 20:

294، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 14، الحديث 1.

[1] معاوية بن وهب قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال: إنّي كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ ثمّ أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين أعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا

أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم، و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ، قال: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أثبت على نكاحك الأوّل.

وسائل الشيعة 21: 117، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 26، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 193

المستظهر بها الإرادة و الرضا، ألفاظا خاصّة، أو مطلق اللفظ و لو كان من الأغلاط، لأنّ ما هو الشرط ليس إلّا معنى يحصل بها قهرا و قطعا.

و ربّما يتوهّم: أنّه إذا بنى على إظهار الرضا بجملة، فلا بدّ من إتمام تلك الجملة، و إلّا فله الرجوع، و هذا ما يصدّقه العرف و العقلاء.

و لا يقاس ذلك بالإشارة، لأنّها إذا تحقّقت يتحقّق بها ما هو الشرط، بخلاف الكلمة الاولى من جملة «رضيت» فإنّه يصحّ له العدول عن ذلك، و هذا كما يشهد على شرطيّة الرضا المظهر، يشهد على عدم كفاية كلّ حركة لذلك.

و إن شئت قلت: الألفاظ الموضوعة لإظهار الرضا- سواء كانت من المجازات، أو الكنايات، أو غيرها- إذا استعملت للإظهار، فلا محيص عنه بعد ذلك، و إن كان من قصده إظهار رضاه بالجمل المتعدّدة كقوله:

«رضيت و أمضيت» فإنّه في الجملة الأولى يتمّ الشرط، بخلاف الألفاظ غير الموضوعة، فإنّها غير كافية.

و يندفع هذا التوهّم: بأنّه قد خلط بين الثبوت و الإثبات، فإنّه إذا كان من قصده إظهار الرضا بجملة «رضيت» فقد ظهر رضاه، و لا تسمع دعواه، و إن كان من قصده في الفرض الثاني إظهار رضاه بالجملة الثانية، أو بتمام الجملتين، فلا تسمع دعواه و إن كان بينه و بين ربّه لم يظهر رضاه، كما لا يخفى.

هذا كلّه قضيّة الأدلّة العامّة و النصوص الخاصّة، فلو شكّ فقضيّة

الأصول عدم ترتيب الأثر إلّا إذا تحقّق جميع ما شكّ في دخالته في ناقليّة العقد، فلا بدّ من إنشاء الإجازة بالعربيّة الصريحة مثلا، و هذا من

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 194

غير فرق بين المسالك في الإجازة.

الأمر الثاني: ما إذا أمضى الكشفي العقد من حين الإجازة أو أمضى النقلي العقد من حينه
اشاره

لو قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة على القول بالكشف، أو الإمضاء من حين العقد على القول بالنقل، فهل تصحّ الإجازة، أم لا؟ فيه وجهان.

و تفصيل الكلام و تحقيقه يتمّ في ضمن مسائل:

الأولى: ما إذا أطلق المجيز إجازته

إذا أطلق المجيز إجازته، و لم يكن انصراف إلى التقييد، فالظاهر وقوعها صحيحة، فعلى الكشف تكون كاشفة، و على النقل ناقلة على المسالك المختلفة.

و إلى هذا يرجع ما في صحيحة ابن قيس من قوله: «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» «1» فإنّه لا نظر منه إلّا إلى تنفيذ بيع الابن، سواء كان ناقلا، أو كاشفا.

إن قلت: إنّ النزاع يتصوّر في مفهوم «الإجازة» لغة، فلطائفة اختيار

______________________________

(1) الكافي 5: 211- 12، تهذيب الأحكام 7: 488- 1960، وسائل الشيعة 21:

203، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 195

أنّها بمعنى الإنفاذ، و معنى ذلك نفوذ العقد من حينه، و لأخرى اختيار أنّها بمعنى الرضا بمضمون العقد، و مقتضاه حصول مضمونه من حينها، و حيث أطلق فأجمل فلا تقع صحيحة.

قلت أوّلا: لا معنى للاختلاف المزبور بعد اتفاق اللغويّين في مفهوم «الإجازة».

و ثانيا: على التقديرين يتمّ الكشف و النقل، لأنّ إنفاذ العقد يرجع إلى العقد المعتبر بقاؤه، و الرضا بمضمون العقد هو دليل القائلين بالكشف، فما في حواشي العلّامة الأصفهانيّ رحمه الله من تصوير الخلاف و ترتيب الشهرة عليه «1»، غير مرضيّ به.

فبالجملة: لو سلّمنا وجوب لحوق الإجازة للإجماع عليه، أو لأنّه قضيّة الجمع بين المآثير، لأنّ منها: ما يدلّ على اعتبار الإجازة، كصحيحة ابن قيس، و منها ما يدلّ على الرضا، كصحيحة ابن بزيع، فقال فيها عليه السلام: «إذا أقامت معه بعد

ما أفاقت فهو رضا منها.» «2» الحديث، فاللازم هو الأخذ بالأخصّ، فلا إجمال في مفهومها اللغويّ حتّى يشكل صحّتها هنا.

الثانية: في صحّة إجازة النقليّ عند الكشفيّ و بالعكس

إذا أجاز النقليّ متوجّها إلى أنّ إجازته تورث النقل من الحين،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 157- السطر 24.

(2) الفقيه 3: 259- 1230، تهذيب الأحكام 7: 392- 1571، وسائل الشيعة 20:

294، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 14، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 196

فهل تصحّ الإجازة عند الكشفيّ، أم لا، و هكذا في العكس؟

و المراد من «توجّهه» أنّ إنشاءه الإجازة و رضاه بالمعاملة مقيّد في الظاهر، فيكون مفادها إجازة العقد من الحين، أو مفادها إجازة العقد من الأوّل.

وجهان:

ربّما يقال: بأنّ الإجازة المقيّدة تنحلّ إلى إجازة العقد، و التقييد الخارج عن وظيفته، لأنّ الكشف و النقل من الأحكام الشرعيّة، أو الأحكام العقلائيّة الممضاة في الشريعة، فليس في اختياره، فالقيد المزبور لغو.

و هذا لا يقاس بمسألة الشرط الفاسد في العقد و الإيقاع، إمّا لأنّ القيد لا يرجع إلى الشرط، أو لأنّ الشرط ليس لغوا في نظر الشارط، و لو كان لغوا فإنّه لا يورث الفساد قطعا، بخلاف القيد فإنّه يمكن الالتزام بمقيّديته، فلا تغفل.

و يمكن دعوى: أنّ التقييد يورث البطلان، لأنّ الانحلال العقليّ غير مفيد، و الانحلال العقلائيّ ممنوع. و كون الكشف و النقل من الأحكام الشرعيّة لا يستلزم عدم اختياريّة موضوعهما، فإذا كان موضوع تلك الأحكام العقد المجاز، فإجازته بيد المالك، فإذا أجاز مقيّدا فإمّا يقع على نحو التقييد، أو يقع باطلا، و حيث لا سبيل إلى الأوّل فيتعيّن الثاني.

و لك التفصيل بين ما إذا أجاز و شرط نفوذ العقد بإجازته من الحين، أو من الأوّل، و بين ما كان على نحو

التقييد، ففي الأوّل تندرج المسألة في ذيل تلك المسألة الكلّية المشار إليها، و على الثاني يبطل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 197

و الذي ظهر لي: أنّ هذا الشرط ليس بفاسد، لأنّ مقتضيات العقود- كشفا كانت، أو نقلا- من الأحكام العقلائيّة، و قد تقرّر منّا: أنّ الشرط الفاسد هو المخالف لكتاب الله، لا للأحكام الإمضائيّة «1»، فإنّها ليست كتاب الله، فتدبّر جيّدا، فلو أمكن فرضا الالتزام بالكشف، فلا وجه للبطلان عندنا على جميع المباني.

و هذا نظير ما إذا اشترط المالك بقاء الملك في اختياره إلى أسبوع، فإنّه صحيح عندي. نعم ما هو المنافي المقتضى ذات العقد، هو شرط البقاء أبدا، أو على الإطلاق.

و أيضا تشبه المسألة بناء على صحّة الشرط المزبور، الوقف المنقطع الأوّل.

فبالجملة: إذا أجاز مقيّدا بالنقل من الحين، فلازمه بقاء الملك إليه في ملك المالك الأوّل على الكشف أيضا، و إذا أجاز مقيّدا بالنقل من الأوّل، فلازمه ترتيب آثار الملكيّة من حين العقد، فافهم و تأمّل جدّا.

الثالثة: فيما إذا أجاز النقلي على الكشف و بالعكس

إذا قيّد النقليّ إجازته بالكشف، أو الكشفيّ، إجازته بالنقل، فهل تصحّ الإجازة، أم لا؟

و إن شئت قلت: إذا غفل القائل بالنقل و أجاز على الكشف، أو

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث في الشروط، البحث الثالث حول أخبار المسألة.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 198

بالعكس، فهل يتمكّن هو بنفسه من تصحيح إجازته، أم لا؟ فيه وجهان، بل قولان، و تأتي الوجوه السابقة هنا أيضا، كما لا يخفى.

نعم، مع التوجّه لا يتمكّن من ترشيح الإرادة الجدّية متعلّقة بإجازة العقد، إلّا بناء على ما قوّيناه من جواز ذلك، لعدم رجوع القيد و الشرط إلى الفاسد حتّى يستلزم فساد المقيّد و المشروط.

الأمر الثالث: لو ردّ المالك قبل الإجازة، فهل تفيد الإجازة اللاحقة، أم لا؟
اشارة

وجهان بل قولان:

المشهور بل المدّعى عليه الإجماع صريحا و ظاهرا «1»، سقوط العقد.

و الذي اختاره جماعة كالمحقّق الرشتي «2»، و الفقيه اليزديّ «3»، و الوالد المحقّق «4»- عفي عنهم- بقاء العقد، و كفاية الإجازة المتأخّرة عنه.

و يحتمل التفصيل بين ما لو باع للمالك، أو باع لنفسه.

و تحقيق البحث يقتضي الغور في جهات:

الجهة الاولى: في أنّ الردّ مانع، أو عدمه شرط
اشارة

و على التقديرين هل هو شرط شرعيّ، أو مانع شرعيّ، أو هو من

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 9.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 167- السطر 7.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 159- السطر 18.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 218.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 199

الشروط أو الموانع العقلائيّة؟

قضيّة ما تحرّر منّا في محلّه: أنّ الأمور الاعتباريّة لا تقبل الموانع الوجوديّة «1»، بل كلّ ذلك يرجع إلى اعتبار قيد في الماهيّة، و لذلك قلنا:

إنّ الفضوليّ بالمعنى المشهور باطل، لأنّ ماهيّة البيع إن وجدت فيترتّب عليها الأثر، و إذا لم يترتّب عليها الأثر فيعلم أنّه ليس بيعا، فعليه يدور الأمر بين كونه شرطا شرعيّا، أو عرفيّا:

أمّا شرطيّته العرفيّة فمنوطة بتماميّة الإجماع المدّعى في المسألة، و هو غير معلوم، بل الظاهر عدم الإجماع المحصّل فيها.

و أمّا شرطيّته العرفيّة فلا بدّ من الدليل، و غاية ما يمكن أن يستدلّ به عليه: هو أنّ الضرورة قاضية بأنّ الردّ المتخلّل بين الإيجاب و القبول يمنع عن الصحّة التأهّلية، و الأمر فيما نحن فيه كذلك، لأنّ الإجازة تجعل المجيز أحد طرفي العقد.

و بعبارة أخرى: العقد موجود قبل الرّد و الإجازة، و لكنّ طرفية المالك للعقد معدومة، فكما أنّ الردّ في الأصيلين يورث عدم تحقّق العقد، لتقوّمه بالإيجاب و القبول، كذلك يورث عدم تحقّق تلك الإضافة التي

لا بدّ من وجودها في شمول الأدلّة العامّة.

و إن شئت قلت: العقد الواقع من الفضوليّ على مال الغير، قد تحقّق عنوانه الإنشائيّ، و هذا العقد نظير العقد الاعتباريّ الواقع بين الأصيلين، فكما أنّ الخيار هناك يورث الفسخ، كذلك الردّ هنا يورث

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 8: 85- 89.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 200

الحلّ، ضرورة أنّ ذلك بحكم العقلاء، فإنّ العقد إذا ورد على مال الغير فله حلّه، و له إمضاؤه.

و لك دعوى: أنّه قضيّة إطلاق قاعدة السلطنة، كما استدلّ بها الشيخ الأعظم قدس سره «1».

أو تقول: إنّ المتفاهم من النصّ و الفتوى، اعتبار المعاهدة و المعاقدة في التجارات النافذة، و إذا ردّ المالك فلا تحصل هي بالإجازة اللاحقة.

و بعبارة أخرى: الفضوليّ عقد المعاهدة على مال الأجنبيّ، فإذا ردّ المعاهدة فلا يعتبر لها البقاء حتّى تصحّ بالإجازة.

إن قلت: لا معنى لنفوذ ردّ الأجنبيّ، و لا شبهة في أنّ المالك قبل الإجازة أجنبيّ، و مجرّد صيرورته بها أحد طرفي العقد، غير كاف في كونه غير أجنبيّ قبلها، فاعتبار عدم ردّ المالك الأجنبيّ كاعتبار عدم ردّ كلّ أحد.

قلت: فرق بين المالك و غيره، ضرورة أنّ المعقود عليه هو ماله و ملكه، فكيف يكون أجنبيّا؟! و التعليل المزبور دليل ارتباطه، و إلّا فلا معنى لصيرورته أحد الطرفين بالإجازة، و موافقة الذوق للاستدلال بقاعدة السلطنة، تشهد على أنّه ليس أجنبيّا، فما أفاده العلّامة المحشّي رحمه الله في المقام لا يخلو من تأسّف.

و من العجيب دعواه «أنّ ما نحن فيه من قبيل ردّ التزام الغير، لا من

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 201

قبيل الرجوع عن التزامه» «1»!! انتهى.

و أنت

خبير: بأنّ الفضوليّ ربّما لا يلتزم بشي ء أصلا، بل هو يعقد علقة التجارة بين الطرف و المالك قائلا: «إنّه ربّما يجيز العقد» بل المتعارف في المعاملات الفضوليّة الرائجة بين الدلّالين ليس أزيد من ذلك. هذا مع أنّ هنا أمرا ثالثا: و هو السلطنة على ردّ التزام الغير بحكم العقلاء، لوقوع الالتزام على ماله.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الدليل المزبور يمكن إتمامه من غير الالتزام بما بنى عليه الشيخ في إتمامه من المقدّمات الكثيرة- التي لا يلتزم بها المحقّق الوالد- مدّ ظلّه «2»- و نحن معه في عدم تماميّة تلك المقدّمات، و أنّ الأمر في المقيس عليه باطل، لإمكان الالتزام بالصحّة حتّى في الردّ بين الإيجاب و القبول- و ذلك لأنّ ما هو السند هو فهم العقلاء و العرف، و موافقتهم لتجويز الردّ على المالك، و لا معنى لتجويزهم ذلك إلّا لما يرون في ذلك من الثمرة العمليّة، و هي ليست إلّا سقوط المعاملة السابقة عن الأهليّة، فمنع المالك عن الردّ خلاف ذلك قطعا. و الالتزام بجواز الردّ تكليفا فقط ممّا لا خفاء في وهنه، لاشتراك الكلّ معه، فيتعيّن الالتزام بالسقوط، و يسقط جميع ما قيل في المقام.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 160- السطر 5.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 213.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 202

بناء المسألة على اختلاف المباني في حقيقة الإنشاء و الجواب عنه

و ممّا أفيد: «أنّ المباني في حقيقة الإنشاء مختلفة، فإن قلنا: بأنّه الإرادة المظهرة، أو البناء و الاعتبار النفسانيّ المظهر، أو هو الأمر الإيجاديّ الاعتباريّ الباقي لدى العرف في الاعتبار، فعلى جميع التقادير لا وجه لهدمه بالردّ، لعدم ارتباط هدم المالك بما صنعه الفضوليّ، و على التقديرين الأوّلين يهدم بهدم المنشئ، و على الثالث أيضا

هو غير هادم، لعدم تقوّمه بإنشاء نفس المنشئ».

و أنت خبير: بأنّ من الممكن الالتزام بالبقاء الاعتباري على جميع المباني، لأنّ الإرادة المظهرة ليست هي الإرادة التكوينيّة، لأنّ مخزنها النفس، فهي اعتبار تلك الإرادة، فتكون باقية.

و هكذا يمكن دعوى هدمه على الثالث، لأنّ الباقي في الاعتبار هو المنشأ الحاصل المصدريّ المتّحد مع الإنشاء المصدريّ، و هذا الإنشاء و المنشأ معتبر إذا كان المنشئ باقيا على حاله، و إلّا فهو و إن لم ينعدم من الأوّل، و لا يعقل ذلك، إلّا أنّه يسقط عن الاعتبار، فتدبّر جدّا.

أقول: الحقّ أنّ ردّ المالك فيما نحن فيه، و رد الفضوليّ إنشاءه الفضوليّ، و رد الموجب إيجابه، و رد القابل إيجاب الموجب، لا يورث خللا، و ذلك لأنّ ما صدر من الفضوليّ أو من الموجب، ليس تمام ما هو الموضوع لدى العقلاء في الحكم بترتّب الآثار، و ما كان كذلك لا يحتاج لديهم إلى الردّ، حتّى يشكل اعتبار صحّة الردّ بلا ثمرة عمليّة، فلا يعتبر

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 203

صحّة الردّ أساسا، و لا معنى له رأسا، لأنّ العمل الإنشائيّ بدون القبول و الإجازة لا ثمرة فيه، فإذا كان الردّ و اللاردّ متساوي النسبة إلى حقيقة العقد، و إلى تأثيره، فلا معنى لكون المالك ذا سلطنة عليه، و لا يساعد العرف قطعا على تلك السلطنة، ضرورة أنّ اعتبار السلطنة متقوّم باختلاف الأثر بين إعمالها و عدم إعمالها، و فيما نحن فيه يشترك الإعمال و اللاإعمال في الحكم، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ذلك أيضا يتمّ على احتمال كون الردّ مانعا، و أمّا عدم تماميّته إذا ردّ الموجب إيجابه قبل قبوله، فهو غير معلوم كما سيأتي، و لا سيّما

على القول: بأنّ تمام حقيقة العقد يحصل بفعل الموجب، و لا سمة للقبول إلّا كسمة الإجازة في الفضوليّ.

الجهة الثانية: في مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة إثباتا بالنسبة لردّ المالك قبل الإجازة

فقد يقال: بأنّ الإجماع ناهض على الهدم «1»، و ما فيه واضح.

و قد يستدلّ على تقدير سقوط العقد بالردّ ببعض المآثير، كصحيحة ابن قيس التي عرفت حالها «2»، من اشتمالها على الموهنات الكثيرة التي يشكل الوثوق بصدورها.

و استدلّ الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- بصحيحة ابن بزيع قال: سألت أبا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 9.

(2) تقدّم في الصفحة 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 204

الحسن عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت، فزوّجت نفسها رجلا في سكرها، ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك، ثمّ ظنّت أنّه يلزمها ذلك ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أ حلال هو لها، أم التزويج فاسد، لمكان السكر، و لا سبيل للزوج عليها؟

فقال عليه السلام: «إذا أقامت معه بعد ما أقامت فهو رضا منها».

قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها.

فقال عليه السلام: «نعم» «1».

و قال في تقريبه: «إنّ الظاهر من الصدر عدم غلبة السكر على المرأة حتّى لا تفهم ما تقول، و يشهد له ابتلاؤها بالشرب، و في حكاية الراوي عمله للفظة «التزويج» شهادة أيضا على أنّها لم تقصّر في الزواج بحفظ شرائطه.

و الظاهر من الجملة الأخرى: أنّها ما باشرت الخطبة، لعدم تعارف ذلك، فتكون الخطبة فضوليّة. و لو فرضنا قيامها بذلك فمن ترك الاستفصال في الجواب يعلم: أنّ الإنشاء قابل للتنفيذ و لو كان مسبوقا بالردّ، من غير فرق بين كونه كالمكره الذي بنفسه ينشئ، أو كالفضوليّ، أو كالسكران «2».

فبالجملة: يفهم عدم خصوصيّة في المسألة، و أنّ الفعل الإنشائيّ

______________________________

(1) الفقيه 3: 259- 1230، تهذيب الأحكام 7: 392- 1571،

وسائل الشيعة 20:

294، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 14، الحديث 1.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 217.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 205

لا يردّ بالردّ الفعليّ و الفزع و الجزع العلنيّ.

و الظاهر من الجملة الثالثة: أنّ الإجازة ليست تقديريّة، بل هي بعد ما اعتقدت و ظنّت لزوم ذلك، رضيت بالعقد منجّزا، لا أنّها رضيت به إن كان لازما.

إن قلت: الرضا المنجّز لا يكفي، إلّا إذا كان عن المبادي الصحيحة عندها، و يدلّ عليه ما في ذيل خبر أبي ولّاد الماضي «1» أنّه قال فقلت: إنّي كنت أعطيته دراهم، و رضي بها و حلّلني.

فقال عليه السلام: «إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك.» الحديث.

قلت أوّلا: في الماليّات نحتاج إلى الطيب و الرضا، و هو لا يحصل بمجرّد القول الناشئ من الاشتباه، خصوصا إذا كان في القصّة المعروفة، من ظهور رضاه في أنّه كان آيسا من رجوع حقّه إليه، و هذا نظير إذن صاحب المال للسارق بتنصيف ماله، فإنّه غير كاف في حلّية المال المزبور.

و ثانيا: قضيّة القواعد كفاية الرضا بالتصرّف و بالعقد و لو كان عن خطأ، لأنّ الخطأ الذهني لا يورث قصورا فيما يعتبر في تأثير العقد، و تلك الصحيحة تدلّ على ذلك، فلا وجه لطرحها بمثل ذلك قطعا.

فدلالتها على كفاية الإجازة بعد الردّ غير خفيّة جدّا، فما في

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 250- 251.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 206

تقريرات سيّدنا الحجّة الكوه كمري رحمه الله من الإشكالات و إيراد الموهنات عليها «1»،

غير تامّ، و بعد كون الإجازة المسبوقة بالردّ كافية حسب القواعد، فهي مؤيّدة، و ليست مطروحة، و لا مؤوّلة.

الجهة الثالثة: في مقتضى الأصول العملية

قضيّة الأصول العمليّة لدى الشكّ في هدم العقد بالردّ مختلفة، بناء على القول باعتبار عنوان «العقد» و بناء على أنّه عنوان بسيط منتزع عن الإيجاب و القبول، أو هو نفس الإيجاب و القبول و الإجازة، فيمكن إحراز جزء بالوجدان، و جزء بالأصل.

و الذي هو التحقيق عدم اعتبار عنوان زائد على عنوان «البيع» و «التجارة» و ما هو المقرّر منّا في محلّه: أنّ موضوعات الأحكام لا بدّ من أن تكون واحدة حقيقة «2»، أو اعتبارا، و لا يعقل تعلّق الحكم- حسب الثبوت- بالمركّب الأجنبيّ بعض أجزائه عن بعض، لأنّ الغرض الواحد يحتاج إلى الموضوع الواحد، و الحكم المتشخّص بالموضوع متقوّم بوحدته، فلا معنى لما اشتهر من إثبات الموضوع بالأصل و الوجدان «3»، لأنّ التقيّد المأخوذ بين الأجزاء، لا يثبت إلّا على القول بالأصل المثبت.

______________________________

(1) البيع، المحقّق الكوهكمري: 398.

(2) تحريرات في الأصول 8: 34- 36.

(3) فرائد الأصول 2: 667، فوائد الأصول 4: 434 و 477 و 507 و 570، أجود التقريرات 1: 462 و 467، تهذيب الأصول 2: 353- 354.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 207

نعم، في القضايا الشرطيّة التي يكون الشرط واسطة في الثبوت، و لا يندرج في الموضوع- حسبما تقرّر، خلافا لما قيل- فالأصل الجاري يكون منتجا، فلو كان الأمر فيما نحن فيه هكذا «العقد» إذا كان موجودا يجب الوفاء به، بشرط إجازة المالك» فلا منع من إجرائه، كما لا يخفى.

و لكن الشأن ممنوعيّة ذلك، بل قضيّة الأدلّة تقييد الأدلّة بالرضا و الإجازة، فلا تخلط.

الأمر الرابع: أنّ الإجازة حكم أو حقّ
اشارة

هل الإجازة من آثار الملك و السلطنة، فتكون من الأحكام العقلائيّة و الشرعيّة، كنفس البيع و الإجارة، أو هي كما يظهر من «البلغة» «1» حقّ، حيث عبّر عنها-

على ما ببالي- ب «حقّ الإجازة»؟

وجهان.

أو يقال بالتفصيل بين كونها كاشفة، فتكون حقّا، و ناقلة فتكون حكما؟

فالذي عليه الأصحاب هو الأوّل «2»، و قضيّة ما سلف منّا هو التفصيل، ضرورة أنّ قضيّة الكشف هو انتقال المال إلى الطرف في الفضوليّ من ابتداء حدوث العقد، فلا يعقل حفظ مالكيّة المالك حال

______________________________

(1) بلغة الفقيه 3: 17.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 15، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 67، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 208

العقد في حال الإجازة بحسب الواقع، فالمجيز حال الإجازة على الكشف ليس مالكا، و إلّا يلزم النقل، فعليه لا بدّ من إثبات الحقّ له، لكونه كان مالكا، نظير حقّ الاختصاص المشهور بين الأعلام، فكما هو من ترشّحات الملكيّة الزائلة تبعا للماليّة الساقطة، كذلك هو من تبعات الملكيّة السابقة، و يكون الفرق بين المجيز و الأجنبيّ انتقاله منه إلى الطرف في السابق، و أمّا الأسبق فلا حقّ له، فيكون كالأجنبيّ.

و بعبارة أخرى: بما أنّها دخيلة بنحو الشرط المتأخّر في النقل السابق، أو دخيلة في تحقّق الشرط المقارن له، فلا سلطنة و لا ملكيّة حسب الواقع، و أمّا بحسب الظاهر فهو أيضا ممنوع فيما إذا علم بالإجازة.

و لو قيل: إنّ الشرط و الدخيل هو وجود الإجازة، لا الإجازة المعلومة، فقضيّة ما سلف و تحرّر أنّها بوجودها مقارنة للعقد، كما لا يخفى.

فبالجملة: حسب الحكم الواقعيّ لا يكون المجيز مالكا، و حسب الحكم الظاهريّ الشرعيّ و إن كان مالكا، خصوصا بناء على ما تقرّر منّا من جريان قاعدة اليد في المقام، و لا تصل النوبة إلى الاستصحاب «1»، و لكن بناء على عدم جريان تلك القاعدة في مثل المقام،

للإشكال الذي مضى، و عدم جريان الاستصحاب، لأنّ المالك الباني على الإجازة لا يشمله عموم: «لا تنقض.» فلا يثبت ملكيّته ظاهرا، فلا بدّ من ادعاء الحقّ له، فليتأمّل جيّدا.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 163.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 209

ثمّ إنّه ربّما يشكل اعتبار الحقّ و لو كان الاستصحاب جاريا، لأنّ الموضوع الثابت بالأصل التعبّدي الشرعيّ، لا يكون كافيا لكونه منشأ اعتبار الحقّ، بل و كذا قاعدة اليد، بناء على كونها في مثل المقام تأسيسا، لا إمضاء، كما عرفت تفصيله.

شبهة على إرث حقّ الإجازة و جوابها

بقي في المقام شي ء: و هو أنّه لو فرضنا أنّها حقّ، فلا بدّ من دعوى كونه مترشّحا من الملكيّة، و تابعا لها، فإذا انتقل الملك إلى الوارث، فبما أنّه مبدأ ذلك الحقّ فيلزم كون الوارث ذا حقّين: حقّ بالأصالة، لاقتضاء مالكيّته ذلك، و حقّ بالإرث، و لا يعقل اجتماع الحقّين على شي ء واحد.

و لا يقاس ذلك بالخيارات، ضرورة أنّ هناك أسبابا متعدّدة لاختيار الفسخ، و لا يعقل كونه ذا اعتبارين على شي ء واحد، و أمّا فيما نحن فالسبب هو مالكيّة العين و الإرث، فإن كانا راجعين إلى الواحد فهو خلف، و إن كان كلّ يستدعي حقّا فلا يعقل، لأنّ الحقّ الواحد لا يتعدّد، لأنّ المفروض أنّ الحقّ الموروث هو الحقّ الناشئ من الملكيّة اعتبارا، و مجرّد إمكان التعدّد الشخصيّ غير كاف.

بل قد عرفت: أنّ الخيارات العديدة ليس معناها إلّا الأسباب العديدة للخيار و اختيار الفسخ و الحلّ، فلا تغفل.

بل لا يعقل التعدّد الشخصيّ إلّا بالتقييد، فيقال: «الحقّ المعلول

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 210

لكذا» و «الحقّ الحاصل من كذا».

فبالجملة: بناء على هذا يدور الأمر بين الالتزام بأحد السببين، أو سقوط الحقّين،

لعدم إمكان التعيين، لا سبيل إلى الثاني، فيتعيّن في الفرض الأوّل الالتزام بسببيّة الملك، لأنّه لا يعتبر التورّث في هذا الموقف، كما لا يخفى.

أقول: قد وقع خلط بين لازم الملك، و لازم المالكيّة، فإن قلنا: بأنّ التورّث ليس إلّا انتقال الملك إلى الوارث، من غير تغيير في ناحية صفة الملك، فلا تعدّد للحقّ، لأنّه من توابعه، فإذا كان بيد المورّث فهو له، و إن كان بيد الوارث أو الموهوب له فهو له، و إن قلنا بسقوط تلك الصفة عرفا- كما هو كذلك عقلا- فيأتي البحث السابق.

و الذي هو الأقرب إلى الذهن: أنّ ما نحن فيه من قبيل حقّ الرهانة الذي هو يقبل النقل بالعرض، لأنّ الدين إذا انتقل بالبيع مثلا إلى المشتري، فينتقل إليه حقّ الرهانة، على ما قيل في محلّه، فإذا انتقل الملك و المال إلى الورثة، فينتقل إليهم الحقّ المذكور تبعا للعين، فليس هذا الحقّ مترشّحا من المالكيّة.

هذا، و لك دعوى: أنّ التورّث هو نيابة الوارث عن المورث، فينتقل قهرا بوجه الحكم الشرعيّ و الحقّ الثابت لعنوان «المالك» فما اشتهر: «من أنّه إذا كان حكما فلا يورث، و إذا كان حقّا فيورث» «1» ممنوع في

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 67، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1:

132، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 160- السطر 21، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 219.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 211

كلا الشقّين على بعض المباني.

ثمّ إنّه لا وجه لدعوى عدم انتقال حقّ الإجازة؛ معلّلا بعدم مساعدة الاعتبار، كما أشير إليه، بل الاعتبار يساعد ملكها؛ ضرورة أنّ الملك و الحقّ في عرض واحد، فإذا تركهما الميّت فهما لوارثه في عرض واحد، فلا تصل النوبة إلى الحقّ

المترشّح من مالكيّة العين.

و إذا اختلف الأثر بين ثبوت الحقّ للوارث بالأصالة، و بين ثبوته له بالتبع، فلا بدّ من الأخذ بالأوّل؛ جمعا بين القواعد، فإذا كان البيع من الحبوة، أو ممّا لا ترثه الزوجة، فلا يشترك مع الولد الأكبر غيره من الورّاث في الفرض الثاني، و يشترك معه في الفرض الأوّل، و هكذا في المثال الثاني، فتأمّل.

و قد يقال: بأنّ مجرّد ثبوت الحقّ غير كاف لإثبات التورّث «1»؛ لإمكان شرطيّة وحدة المالك حين العقد و الإجازة.

و فيه: أنّه أيضا ممكن المنع؛ لأنّ الوارث اعتبر نائب المورّث، فيقوم مقامه، فيكون الشرط محفوظا.

و ربّما قيل: إنّ الحقّ إذا كان مفيدا يورث، و فيما نحن فيه لا فائدة فيه على الكشف؛ لأنّه لا يتمكّن الوارث من تصحيح المعاملة الفضوليّة، لأنّها واقعة على مال المورّث.

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 219.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 212

و فيه أوّلا: نقض بعدم إمكانها على النقل؛ لأنّ المنشأ فضوليّة مبادلة المالين في ملكيّة المالكين المعلومين، و إذا تبدّل المالك فلا يمكن تصحيح هذا الإنشاء.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 212

و ثانيا: أنّ حلّه بأنّ خصوصيّة المالك خارجة عن حقيقة المبادلة، فلا فرق بين الكشف و النقل. هذا مع أنّه لو تمّ ما أفيد، فهو من أدلّة اشتراط وحدة المالك حين العقد و الإجازة، و سيأتي الكلام حوله في مسائل المجيز إن شاء الله تعالى «1».

الأمر الخامس: جريان الفضوليّة في العقود الإذنية و القبض و الإقباض
اشارة

قد مرّ منّا في أوّل الفضوليّ؛ أنّ الجهة المبحوث عنها في الفضوليّ

تسري في جميع العقود و الإيقاعات «2». و توهّم عدم جريانها في العقود الإذنيّة «3»، كتوهّم عدم جريانها في الإيقاعات «4».

و مع أنّ المراد من «العقود الإذنيّة» لا يرجع إلى محصّل؛ لأنّ التوصيف المزبور إن كان يرجع إلى أنّ المراد منه العقود التي تمام حقيقتها الإذن، فهذا تناقض؛ لعدم إمكان الجمع بين العقديّة و الإذنيّة.

و إن كان يرجع إلى أنّ المراد منه العقود التي جنسها الإذن، فهو

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 261 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 17.

(3) المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 11.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 14.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 213

أمر مشترك بين جميع العقود؛ لأنّ المقصود ب «الإذن» هو الرضا المعامليّ المشترك بين الكلّ.

و إن رجع إلى أنّ المراد منه العقود التي تعتبر من الإذن، و يكفي في تحقّق ماهيّتها الإذن، فهذا ممّا لا بأس به، و لكنّ معناه أنّ ماهيّتها تحصل بالكناية، كما في البيع.

و إن أريد منه أنّها تحتاج بعد تحقّق ماهيّتها إلى الإذن، فهو ممنوع؛ لأنّ الإذن في التصرّف من اللوازم العقلائيّة، و لا معنى له ثانيا إلّا تأكيدا.

و أمّا جريانها في القبض و الإقباض، فيتوقّف على بيان أمر: و هو أنّ المراد من «الفضوليّة» إن كان ما تعارف في العقود و الإيقاعات من تحقّق المعنى الإنشائيّ المتقوّم بالإرادة الجدّية الحاصلة من الفضوليّ، فلا تجري؛ لأنّ القبض و الإقباض ليسا من المعاني الإنشائيّة، بل لا يعتبر في المعاملات تحقّق عنوانهما، فيكفي تسليط المالك على ماله و إن لم يصدق عليه العنوان المذكور.

و بعبارة أخرى: لا يعتبر القبض المصدريّ، و لو حصل بإطارة الريح يكفي بالضرورة و الوجدان.

و إن كان المراد من «الفضوليّة»

معنى أعمّ، فيشمل ما لو كان الأثر مترتّبا على مركّب من أمر عنوانّي، و رضا بذلك الأمر؛ و لو كان ذلك الأمر حاصلا بفعل مجنون و حيوان أو إطارة ريح، فتجري في القبض و الإقباض؛ ضرورة أنّ مجرّد الرضا بدون القبض- بمعناه الحاصل المصدريّ- غير كاف، كما أنّ مجرّد تسلّط المالك غير كاف إلّا فيما إذا أخذ الثمن، فإنّه ليس له حقّ الحبس، و إلّا فله الحقّ المزبور، فيحتاج إلى الرضا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 214

بالضرورة.

و هذا من غير فرق بين كون المبيع كلّيا، أو شخصيّا؛ ضرورة أنّ الكلّي يحتاج إلى التميّز و الرضا، و لا يكفي الرضا بدون التميّز، كما لا يكفي التميّز التخيّلي من الأجنبيّ.

و بالجملة: لا يعتبر في جريان الفضوليّ لزوم تحقّق عنوان إنشائيّ، بل الاحتياج إلى الجزءين في ترتّب الأثر تمام الملاك في الجريان و عدمه.

و ما يظهر من بعض الفضلاء: من أنّه على المبنى الأوّل يسري الفضوليّ في الكلّيات؛ ظنّا أنّ تعيين الكلّي بالمصداق تجارة، فيكون من الأمور الإنشائيّة «1»، في غاية الوهن؛ بداهة أنّ الطبيعيّ بنفسه موجود في الخارج، لا بمصداقه حتّى يقابل بين الكلّي و مصداقه. مع أنّ العرف و الوجدان يكذّبه كما هو الواضح. و بذلك الذي حرّرناه يظهر الخلط و المناقشات في كلمات القوم في المقام «2»، فتأمّل فإنّه حقيق به.

هل أنّ إجازة العقد إجازة للقبض أم لا؟

إذا عرفت ذلك، و علمت جريانها، فهل إجازة العقد إجازة للقبض

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- السطر 11.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 18، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- السطر 10، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 136- 139، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 160- السطر 25.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 215

مطلقا «1»، أو لا مطلقا «2»، أو يفصّل بين القبض فيما كان شرط الصحّة، كالصرف و السلم، بل و الوقف، و بين ما لم يكن كذلك «3»؟

و الحقّ: أنّ هذه المسألة نظريّة، بل هي تابعة للقرائن الموجودة المختلفة حسب المقامات، و ما هو الواضح أنّ نفس الإجازة المتعلّقة بالعقد، لا تكفي بذاتها عن الإجازة المحتاج إليها في القبض حتّى فيما كان شرط الصحّة؛ لأنّه و إن أجاز مريدا به صحّة العقد، لكنّ الشروط الشرعيّة في الصحّة، تحتاج إلى التوجّه و اللحاظ كما لا يخفى، فربّما لا يجيز العقد إذا توجّه إلى ذلك، و ربّما يجيز العقد، و لا يجيز القبض، مع التوجّه إلى شرطيّته في الصحّة؛ لأنّه يرى نفسه بالخيار قبل القبض، بناء على عدم وجوب الوفاء بالإقباض الذي هو شرط الصحّة، كما لا يخفى.

نعم، فيما إذا وقعت الفضوليّة بالمعاطاة، فمع التوجّه فلا ينفكّ ذلك عن ذاك، و لذلك اكتفي بإجازة البيع في قصّة عروة، مع أنّ القبض و الإقباض وقعا بغير إذن المالك ظاهرا، فتأمّل.

ثمّ إنّ من العجيب توهّم: «أنّ إجازة العقد إجازة للقبض؛ صونا للإجازة عن اللغويّة، فإذا قال: «أجزت العقد دون القبض» ففي بطلان

______________________________

(1) النهاية: 402.

(2) مصباح الفقاهة 4: 223.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 225.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 216

العقد أو بطلان ردّ القبض وجهان» «1» انتهى!! و أنت خبير: بأنّ اللغويّة المتحرّزة هي التي تلزم في المبادئ العالية، دون متعارف الناس.

نعم، في مقام المحاكمة لا تسمع دعواها. و في الفرض المزبور يبطل العقد إذا كان بنحو المعاطاة، و قلنا: بأنّ هذا يعدّ ردّا، و قلنا:

إنّه يورث البطلان، و إلّا فقضيّة ما مرّ منّا تحقيقه عدم بطلان العقد، فلا تخلط.

ثمّ إنّ إجازة القبض تلازم الرضا بالعقد، و أمّا الرضا بالتسليط الأعمّ من القبض فلا، كما لا يخفى.

فبالجملة: كلّما كانت الملازمة عقليّة، و كان المجيز متوجّها إليها، فيسري الرضا بكلّ من العقد و القبض إلى الآخر، و كلّما كانت الملازمة عقلائيّة، ففي مقام الدعوى لا يصغى إلى ادعائه، و أمّا بحسب الحكم الواقعيّ فالأمر موكول إليه، و عليه ملاحظة ما كان في نفسه بينه و بين ربّه، فالبحث على هذا ساقط لا يحتاج إلى الإيضاح.

الأمر السادس: ابتناء الإجازة على الفور و عدمه
اشارة

هل الإجازة مبنيّة على الفور، أو يجوز التواني و التأمّل للمجيز و لو طال الزمان، أو يفصّل بين كونها كاشفة، و بين كونها ناقلة؟ وجوه:

فالمشهور على الثاني «2»، و قضيّة إطلاق كلماتهم بل و صريح بعض

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 22.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 24، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 143، البيع، المحقّق الكوهكمري: 403، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 226.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 217

كفاية الإجازة اللاحقة و لو طالت المدّة المتخلّلة بين العقد و الإجازة؛ و ذلك للإطلاقات بعد بقاء موضوعها.

و قد يتوهّم الفوريّة، لأنّ التأخير في حكم الرّد، و لأنّ مبنى الفوريّة في الخيارات هو أنّ الإنسان مجبول بالطبع على رفع ما يكرهه، و الأخذ بما يحبّه، فإذا لم يعمل بالخيار مع علمه بثبوته، فلا محالة إمّا مقدم على الضرر، أو مسقط لحقّه، و هذا هو جار في الفضوليّ، فيرجع تأخيره إلى الإخلال بحقّه، فيعلم منه إسقاطه حقّ الإجازة؛ لدوران أمره بين جلب المنفعة، و دفع الضرر، و هذا هو بعينه موجود في المسألة.

و

أنت خبير بما فيهما من الوهن، و من العجيب أنّ العلّامة النائيني رحمه الله استدلّ بالأخير على فوريّة الخيارات المبنيّة على الفور، و منع عن ذلك فيما نحن فيه «1»!! فلا تغفل.

و قد يقال: إنّ إطالة المدّة تورث قصورا في إمكان اللحوق عرفا، و إذا شكّ في ذلك ففي جريان الاستصحاب و عدمه وجهان، قد مضى: أنّ الحقّ عدمه «2». و هذا من غير فرق بين المباني في الكشف و النقل.

نعم، على احتمال الكاشفيّة المحضة لا يبعد ذلك، فتدبّر.

و لك دعوى التفصيل بين الكشف و النقل، فإنّه على النقل لا بدّ من

______________________________

(1) منية الطالب 1: 258- السطر 12، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2:

143- 144.

(2) تقدّم في الصفحة 162- 163.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 218

الفوريّة العرفيّة حتّى يحصل الوحدة العرفيّة المعتبرة في السبب الناقل، و على الكشف فهي حاصلة من أوّل الأمر، و لكنّ الإجازة كاشفة عن حصولها، فتأمّل.

مسألة في ثبوت الخيار مع مماطلة المالك في الردّ و الإجازة و عدمه
اشارة

بناء على وجوب الوفاء على الأصيل، و حرمة تصرّفه فيما انتقل عنه، إذا أخر المالك و ماطل في الردّ أو الإجازة، و كان في ذلك تضرّر عليه، فهل يثبت له الخيار، أو يتعيّن عليه إلزامه بالردّ أو الإجازة، أو يخيّر بين الأمرين؟

أو يتعيّن عليه المراجعة إلى وليّ الأمر، أو يجوز له التصرّف فيما انتقل عنه، أو لا بدّ من الصبر و جبران الضرر و الخسارة؟

أو هو بالخيار بين ذلك و بعض ما سبق، أو يتعيّن الأخير عليه أوّلا إذا التزم الأصيل بالجبران، و إلّا فله ما سبق من الفسخ، أو التصرّف، و هكذا؟

وجوه بل أقوال:

ظاهر الشيخ الأعظم قدس سره هو التخيير بين التدارك بالخيار أو إجبار المالك على أحد الأمرين «1»، و

المعروف عن جماعة تعيّن

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 219

الخيار «1»، و استقوى الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- جواز تصرّفه فيما انتقل عنه و نفوذه على مسلك، و تعيّن المراجعة إلى الوالي على مسلكه في قاعدة «لا ضرر.» «2».

بيان مختارنا و أنّه التخيير

و الذي هو الأقوى في نظري التخيير بين التصرّف، و بين الفسخ، و بين الصبر و الأخذ بالدرك.

و قبل الإشارة إلى وجه المختار، لا بدّ من الإيماء إلى مطلب: و هو أنّ في كلّ معاملة معاوضيّة موضوعين و حكمين أحدهما معتبر من الثاني:

أمّا الموضوعان، فأحدهما العقد، و الآخر تصرّف كلّ من المتعاقدين فيما انتقل عنه.

و أمّا الحكمان، فأحدهما اللزوم، و الآخر الحرمة وضعيّة و تكليفيّة.

و أمّا الترتيب؛ فلأجل أنّ تلك الحرمة نشأت من ذاك اللزوم بالضرورة. و هذا لا ينافي كون الآية الشريفة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» ناظرة- على تقدير دلالتها- إلى وجوب الوفاء و حرمة التصرّف أوّلا، و إلى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 70، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 133- السطر 14.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 227- 228.

(3) المائدة (5): 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 220

اللزوم و الصحّة ثانيا؛ و ذلك لأنّ الترتّب في الدلالة لا يستلزم انقلاب الترتّب الواقعيّ.

و توهّم: أنّ الحرمة منتزعة عن الصحّة و الانتقال، في غير محلّه؛ لأنّ الانتقال الجائز لا يورث المنع عن التصرّف؛ إذا أريد به إرجاع الملك إلى نفسه.

و توهّم: أنّ الحرمة ممنوعة، بل الذي هو الحكم الثاني هو وجوب الوفاء، في غير محلّه؛ لأنّه و إن كان يجب الوفاء، إلّا أنّه وجوب ناشئ من الحرمة التي ثبتت بالنصّ و العقل؛ ضرورة أنّ التصرّف في

مال الغير محرّم، و المعقود عليه بعد العقد يصير ملك الطرف بالعقد، و يكون ملكه الملازم للزومه.

هذا في العقود الأصلية، و أمّا في الفضوليّة فيشكل إتمام ذلك؛ لعدم الانتقال واقعا.

نعم، لا مانع من الالتزام بأنّ الحكم الثانويّ في اللبّ، و الأوّلي في الآية و الاستعمال؛ هو وجوب الوفاء، و هذا يستلزم المنع و لو كان المعقود عليه في ملكه و غير منتقل إلى الطرف.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّه قد يقال بامتناع التفكيك بين الحكمين؛ لأنّ أحدهما بدون الآخر لغو، فلا معنى للزوم العقد مع جواز مطلق التصرّف و لو كان هادما لموضوعه، و لا وجه لممنوعيّته عن التصرّف أو وجوب الوفاء عليه مع جواز العقد، فإذن لا يعقل بعض الوجوه المزبورة احتمالا.

و فيه: أنّ معنى لزوم العقد إن كان حرمة النقض، و لزوم إبقائه في

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 221

عالم الاعتبار، فهذا ينافي الترخيص في إفناء موضوعه و إعدام العقد إذا كان يؤدّي ذلك إلى فنائه، و إلّا فالمعروف عدم استلزامه ذلك «1»، و لأجل ذلك التزموا ببقاء خيار الغبن و غيره و إن تلفت العين؛ معلّلين بعدم الملازمة بين الأمرين «2».

و إن كان معناه لزوم العقد على تقدير وجوده؛ أي لا يجوز ما ينافي ذلك، و أمّا إعدامه فلا منع؛ لعدم تكفّل الحكم لحال موضوعه من جهة وجوب حفظه و حرمة إعدامه، فإذا كان العقد موجودا فهو لازم؛ أي يجب الوفاء به و إن كان جائزا إفناؤه بالفسخ و نحوه، و هذا لا يجامع الترخيص المزبور؛ لأنّه ليس حكما وراء اللزوم، و حيث اشتهر الأوّل فلا مانع عقلا من الالتزام بالتفكيك، كما التزموا به في المسألة التي تكفّلت لحكم الأصيل،

فليراجع «3».

فعلى هذا نقول: أمّا وجه المختار فهو التقريب الذي اخترناه في مفاد قاعدة «لا ضرر.» بأنّ المنفيّ مطلق الضرر الواقع بين الخلق من بعضهم على بعض، و مطلق الضرر الواقع من قبل الشريعة المقدّسة

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 190، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 11، و: 136- السطر 24، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 193 و 228.

(2) الروضة البهيّة 1: 378، جامع المقاصد 4: 296- 297، مفتاح الكرامة 4:

598- السطر 19، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 241- السطر 28، شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق العراقي 5: 162.

(3) لاحظ جواهر الكلام 22: 290، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 11، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 193 و 228.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 222

فرضا، و لا يشترط كونه السبب العرفيّ، أو العلّة التامّة، أو جزءها الأخير؛ لعدم الدليل على تلك السببيّة، و عند ذلك يعلم: أنّ اللزوم منفيّ و إن كان هذا أعمّ من الخيار الحقّي و وجوب الوفاء أو حرمة التصرّف نفيه، و لا وجه للاقتصار على الأخير، و لا على الأوّل، و هذا النفي يرجع إلى سدّ تحقّق الضرر.

و لو تحمّل الضرر فلا بدّ من تداركه؛ لأنّ إطلاق القاعدة يقتضي جبران الضرر و تداركه، و يرجع ذلك إلى إفناء الضرر الموجود، فإنّه بالتدارك ينعدم و يفنى، و لا وجه لتعيّن أحد الأمور الثلاثة بعد كون الكلّ مصداق القاعدة في عرض واحد، كما لا يخفى.

ثم إنّ مقتضى ما هو الأظهر في مفاد الآية الكريمة؛ أنّ اللزوم حكم وضعيّ ثابت، و وجوب الوفاء حكم تكليفيّ و إن كان يستلزم عدم نفوذ تصرّفاته، فالتفكيك بين الحكمين أوضح، و لو كان التفكيك ممتنعا لما كان وجه لذهاب

جمع فيما مضى إلى لزوم العقد و جواز التصرّف «1».

و قضيّة ما سلكناه عدم الفرق بين الأصيل المتوجّه إلى فضوليّة المعاملة المحتمل وقوعه في التضرّر، و غير المتوجّه، و أمّا على المشهور فيلزم التفصيل؛ لعدم استناد الضرر إلى اللزوم، و لذلك قيل

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 290، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 11، البيع، المحقّق الكوهكمري: 384، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 193 و 228، مصباح الفقاهة 4: 175- 180.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 223

بعدم ثبوت الخيار للمغبون المقدم مع احتمال الغبن العقلائيّ «1».

ثمّ إنّه ربّما يتخيّل الفرق بين الكشف و النقل؛ فعلى النقل يمكن ترخيصه بالتصرّف للقاعدة، و على الكشف لا يمكن إلّا بفسخ العقد «2»؛ و ذلك لأنّ ممنوعيّة الأصيل عن التصرّف فيما انتقل عنه على الكشف، مترشّحة من احتمال كونه مال الغير، مع عدم جريان الأصل الظاهريّ لوجه أشرنا إليه، و هي غير قابلة للرفع و النفي بالقاعدة؛ لأنّ منع الأجنبيّ عن التصرّف في مال الغير ليس ضررا، بخلافه على النقل، فإنّه مترشّح من لزوم العقد و وجوب الوفاء به، فتدبّر.

تذييل: في بيان الوجوه التي يمكن الاستناد إليها في محتملات المسألة السابقة

قد تبيّن ممّا ذكرناه الوجوه التي يمكن أن يستند إليها في محتملات المسألة؛ فمن قال بالتخيير بين الفسخ و الإجبار على أحد الأمرين «3»، ظنّ أنّ القاعدة لا تفيد إلّا نفي الضرر، و هو ممكن بكلّ واحد منهما.

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 43- السطر 18، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 236- السطر 1، شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق العراقي 5: 151.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 1، لاحظ البيع، المحقّق الكوهكمري:

384، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 193.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 24.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2،

ص: 224

و من قال كالسيّد الفقيه اليزديّ بتعيّن الإجبار أوّلا، ثمّ الخيار «1»، توهّم أنّ إمكان سدّ الضرر بطريق آخر يمنع عن إجراء القاعدة.

و من قال بتعيّن الخيار، و لا تصل النوبة إلى الإجبار قال: بأنّ جواز الإجبار حكم حرجيّ، فلا معنى لذلك، بل هذا يستلزم الهرج و المرج أيضا «2».

و من قال بتعيّن المراجعة إلى الوالي «3»، ظنّ أنّ مفاد القاعدة نهي سلطانيّ، و لا ربط لها بالأحكام الأوّلية، ففي المسألة يرجع الشاكي إلى وليّ الأمر، و عليه قلع مادّة الفساد، كما قلعها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعد المراجعة إليه في القصّة المعروفة «4».

و من نفى الخيار الحقّي، و أثبت الجواز الحكميّ، توهّم أنّ القاعدة لا تفي إلّا بإثبات الجواز بنفي اللزوم، و الخيار الحقّي لا يثبت إلّا في العقود الأصليّة؛ لاختصاص أدلّته بها كما لا يخفى.

و من عجيب ما وقع في المقام كلام العلّامة الخراسانيّ رحمه الله حيث توهّم: «أنّ المسألة مبنيّة على أنّ المنفيّ إن كان هو الحكم الضرريّ فيصحّ ما في المتن، و إن كان المنفيّ هو الموضوع الضرريّ تعيّن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- السطر 23.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 133- السطر 14.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 228.

(4) الكافي 5: 292، وسائل الشيعة 25: 427، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 225

الخيار» «1»!! انتهى.

وجه التعجّب أنّ هنا موضوعين و حكمين كما عرفت. مع أنّ مبناه فاسد جدّا؛ ضرورة أنّ معنى نفي الحكم بلسان نفي الموضوع: هو كون الضرر ذا حكم في الشرع، كالشّك، و السهو، و إذا ورد: «لا سهو لمن

أقرّ على نفسه بالسهو» «2» يقال: «هذا نفي الحكم بلسان نفي موضوعه» و أمّا الموضوعات التي يطرأ عليها الضرر، و توصف ب «الضرريّة» فلا تكون من مصاديق ذلك، فلا تخلط.

الأمر السابع: جريان الفضوليّة في نفس الإجازة

قضيّة ما سلف جريان الفضوليّة في نفس الإجازة، فلو أوقع الفضوليّ، ثمّ أجاز أو باع المكره، ثمّ أجاز الفضوليّ، أو باع المالك بالبيع الإنشائيّ؛ بناء على ما عرفت منّا من تصويره «3»، ثمّ أجاز الفضوليّ، فإن أجاز المعاملة فلا حاجة إلى الإجازة الثانية، و إن أجاز الإجازة، فهل يأتي في هذه الإجازة نزاع الكشف و النقل، أم لا؟

و توهّم: أنّ الإجازة الثانية هي حقيقة الإجازة المفيدة «4»، في غير

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 70.

(2) مستطرفات السرائر: 110، وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 8، مع تفاوت يسير.

(3) تقدّم في الصفحة 119.

(4) بلغة الفقيه 2: 262.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 226

محلّه؛ ضرورة أنّ من الممكن دعوى الشرائط الخاصّة في الإجازة، و هي حاصلة في الاولى، و لا يشترط شي ء إلّا الرضا، أو الرضا المظهر في الإجازة الثانية. هذا مع أنّ الإجازة إذا كانت من الأمور الإنشائيّة- كما عرفت من بعض الأعلام من أساتيذنا «1»- فجريان الفضوليّة فيها قطعيّ، و لا يشترط الإنشائي في الثانية؛ لأنّ الإنشاء الذي هو شرط قد حصل، و الثانية شرط نفوذ الاولى.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ وجه الالتزام بإنشائيّة الاولى، الاحتياج في استناد العقد إلى المالك، و هذا هو المشترك كما لا يخفى.

فبالجملة: ما نحن فيه من قبيل الفضوليّ المدّعي للوكالة، فكما أنّ إجازة الوكالة ربّما تكون كافية عن إجازة البيع، كذلك إجازة الإجازة تكون كافية، و لا ينبغي الخلط

بين الاعتبارات؛ ضرورة أنّ اعتبار قبول إجازة زيد للبيع الفضوليّ، غير اعتبار إجازة البيع بنفسه.

فعلى كلّ تقدير: إن قلنا بكاشفيّة الإجازة، فلا فرق بين كون الكاشف الإجازة الثانية بنفسها، أو هي سبب كاشفيّة الإجازة الاولى، و أمّا إذا قلنا بناقليّتها فربّما يحصل الفرق؛ فإنّه على كون المدار على الإجازة المتأخّرة فالنقل يحصل من حينها، و إن قلنا: بأنّها سبب ناقليّة الاولى فالنقل يحصل في الاعتبار من حين الإجازة الفضوليّة المتقدّمة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الإجازة المتقدّمة لا تزيد على العقد المتقدّم، فكما أنّ العقد المتقدّم ليس ناقلا، و لا يصير ناقلا إلّا بالإجازة،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 190- 191.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 227

فكذلك الإجازة، فتكون الثمرة هنا و هناك مشتركة؛ أي كما أنّ ثمرة النقل ليست إلّا عدم الحاجة إلى تكرار العقد بالشرائط المعتبرة في نفوذه، كذلك ثمرة الإجازة الفضوليّة ليست إلّا جواز اكتفاء المالك بها؛ إذا قلنا باعتبار شي ء فيها ممّا مرّ تفصيله، و لم نقل باشتراط هذه الإجازة بشي ء.

الأمر الثامن: كون الإجازة مطابقة لمضمون العقد
اشارة

و ذلك لأنّها اعتبرت إنفاذا له، و لا مزيّة لها إلّا سمة القبول في غير الفضوليّ، و قد مرّ أنّ التطابق بين الإيجاب و القبول ممّا عليه العقل؛ لعدم تحقّق ماهيّته أو وجوده إلّا بعد ذلك «1»، فالمسألة واضحة بحسب الكبرى في الصورتين، و إنّما الإشكال في صغراها أحيانا.

و ربّما يشكل ذلك: بأنّ النزاع هنا في مقامين:

أحدهما: في أنّ العقد الصادر من الفضوليّ هل يبطل بتخلّف الإجازة عن مضمونه، فلا يمكن تصحيحه و إن رضي الأصيل بعد التخلّف بما أجازه المالك؟

مثلا: إذا باع فضولا داره، و قبله الأصيل، ثمّ أجاز المالك في النصف، فرضي بذلك الأصيل، فهل يتمّ العقد المزبور صحيحا؛

فلا حاجة إلى الإنشاء الجديد، و يأتي نزاع الكشف و النقل، أم لا؟ و هذا نزاع كبروي.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 173- 174.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 228

ثانيهما: في أنّ التخلّف بالزيادة أو النقيصة يضرّ بالمطابقة المعتبرة؛ حتّى إذا كان يضرّ فلا بدّ من تجديد العقد، و إلّا فلا، و هذا نزاع صغرويّ في تلك المسألة، و يأتي هنا أيضا، بمعنى أنّه إذا رضي الأصيل يكفي بناء على القول بالكفاية في النزاع الأوّل، أو لا بناء على القول بعدمها.

و بعبارة أخرى: بعد الفراغ عن المسألة الأولى، يمكن دعوى حصول التطابق في موارد التخلّف صغرويّا، و لو فرضنا عدم تحصيله فيها فيأتي البحث الكبرويّ المشار إليه.

و إن شئت قلت: الإجازة لا تبطل مطلقا؛ سواء طابقت، أو تخلّفت؛ لأنّه في الفرض الثاني يصحّ تأهّلا أيضا، و بلحوق رضا المالك يؤثّر في مضمونه.

الحقّ في النزاع الكبرويّ

إذا عرفت ذلك فالحقّ في المقام الأوّل عدم بطلانه؛ لأنّ الأمور الإنشائيّة الاعتباريّة باقية في الاعتبار، و لا معنى لبطلانها إلّا عدم ترتّب الأثر عليها، و إذا كان المنشأ مثلا واحدا عنوانا كالدار، أو معنونا أيضا عرفا كالأحجار الكريمة، و أجاز المالك المعاملة في النصف، فهذا كالمعاملة البدويّة؛ أي كما أنّ للمالك التفكيك في أجزاء مملوكه في البيع الابتدائيّ، كذلك له ذلك.

و إجازة البعض و إن استلزمت التخلّف عن المضمون، و لكنّها

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 229

لا تستلزم سقوطه و عدم قابليّته للحاظ الكثرة فيه بعد تحقّقه، إذا كان مورد الغرض العقلائيّ، فالدار و إن كانت مملوكة وحدانيّة، و لكنّها عند تعلّق الغرض بأبعاضها تعتبر مملوكيّتها إلى غير النهاية، و هكذا عند تعلّق الغرض في الإنشاء يفكّك بين

أجزاء المنشأ، و هذا ممّا يساعد عليه الاعتبار، و لا دليل على ممنوعيّته شرعا، فلا وجه لأنّ تصير الإجازة لغوا، سواء كانت مطابقة، أو كانت غير مطابقة.

نعم، إذا كان التخلّف بالزيادة بإتيان شرط فاسد، و قلنا بفساد المشروط به، فإن قلنا بعدم الحاجة إلى المالك في تأثير العقد إلّا لأجل إظهار الرضا، فهو حاصل سواء بطلت إجازته، أو صحّت، و إن قلنا باحتياج الرضا الإنشائيّ أو إنشائه بالألفاظ الخاصّة، فلا سبيل إلى تصحيحها.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المراد من «مفسديّة الشرط الفاسد» سقوط المشروط عن التأثير، دون التأهّل، فلا تصير الإجازة عند ذلك لغوا مطلقا.

الحقّ في النزاع الصغرويّ

و أمّا ما هو التحقيق في المقام الثاني، فلا يعلم إلّا بعد الإشارة إلى أقوال الأصحاب فيه، فمن قائل بعدم تحقّقه مطلقا، لأنّ الإنشاء و المنشأ واحد في الإيجاد و الوجود اعتبارا، و لا يعقل تكثّر أحدهما بدون الآخر، و إذا كان الإنشاء واحدا بالضرورة فالمنشأ مثله.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 230

أو يقال: إنّ الإيجاد الواحد لا يعقل أن يتعلّق بالكثير بما هو كثير، فلا بدّ من لحاظ الوحدة، و الوحدة هنا تنافي الانحلال و التكثّر.

و من قائل بتحقّقه مطلقا، حتّى في الشروط الراجعة إلى قيود الطبيعة و لو كانت في المعاملات الشخصيّة، كما إذا باع هذه الحنطة إذا كانت من النجف مثلا، فإنّ هذا الشرط في حكم قيد الطبيعة، لأنّ الإجازة في حكم البيع الابتدائيّ.

و لعلّ هذا ما يظهر من بعض الفضلاء المعاصرين «1»، و لكنّه خلط بين كفاية الإجازة، و بين عدم سقوطها و بقاء قابليّتها لتأثير العقد بعد لحوق الرضا من الأصيل ثانيا، كما عرفت في المقام الأوّل.

و من قائل كالشيخ الأعظم قدس سره

بالتفصيل بين الجزء و الشرط، لأنّ التبعيض من حيث الجزء ممكن، دون الشرط «2».

و من قائل بعكس ذلك، و قال: بأنّ التجزئة شرطا أولى منها جزء «3».

و في المسألة وجوه و احتمالات كثيرة جدّا.

و الذي أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «4»-: أنّ مبنى المسألة في الأجزاء على صحّة الانحلال عرفا و عدمها، و على أنّ الإجازة تعلّقت بالإنشاء، أو بالمنشإ، فالذي هو الحقّ: أنّ الإنشاء لا تكثّر فيه كالإخبار،

______________________________

(1) منية الطالب 1: 259- 260، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 146- 152.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 26.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- السطر 33.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 231- 235.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 231

فكما لا يكون «كلّ نار باردة» أكاذيب كثيرة، كذلك الأمر في ناحية الإنشاء، و كما يكون المخبر عنه كثيرا، فكذلك المنشأ، و المتفاهم العرفيّ في المبنى الثاني رجوع الإجازة و القبول إلى المنشأ و العقد الحاصل المصدريّ، فإنّه هو الموضوع للأثر و حكم العقلاء، فعليه يحصل التطابق.

نعم، موارد الانحلال بيد العرف تشخيصا و تطبيقا، ففي مثل بيع إثبات البيت، و بيع الفضوليّ دارا مشتركة بين كثيرين، و بيع ما يملك و ما لا يملك- بفتح الياء كان، أو بضمه- و أمثاله، لا يبعد الانحلال، و لا سيّما في الأوّلين.

حكم عدم تطابق الإجازة مع العقد في الأوصاف و القيود

و أمّا في الأوصاف و القيود المأخوذة في المبيع مثلا، فما كان منها من قبيل الكلّي المقيّد فالظاهر عدم حصول التطابق، من غير فرق بين الإجازة المشتملة على الزيادة و القيد المباين مع القيد المذكور في العقد، أو الخالية عن الوصف المذكور فيه، فإنّه على التقديرين لا يحصل الشرط، لشهادة العرف، و عدم انحلال العقد

بانحلال الموصوف إلى القيد و الذات عندهم. و يلحق بها الشروط التي تورث تحديد الطبيعة كتلك القيود، كما في المثال الماضي.

و ما كان منها من قبيل أوصاف المبيع الشخصيّ و العين الخارجيّة، فإنّه لا يبعد حصول التطابق، نظير ما قالوا في بيع الشخصيّ المتخلّف وصفه المأخوذ في البيع، فإنّ الأصحاب هناك التزموا

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 232

بالصفحة، و قالوا بالخيار، و ليس هذا إلّا لأجل أنّ الإنشاء إذا تعلّق بالخارج، و الإجازة تعلّقت به، فلا يمكن التقييد، بحيث لا يكون ما في الخارج نفس المبيع، فإذا قال: «بعت هذا الفرس العربيّ» و أجاز المالك بيع هذا الفرس العجميّ، فإنّه قد أجاز ما أنشأه الفضوليّ، كقبول المشتري في الأصيل، و التخلّف لا يضرّ بالتطابق كما ترى.

حكم عدم تطابق الإجازة مع العقد المشروط

و أمّا في الشروط فالأمر كما مرّ في الأجزاء، فإنّ المناط هو الانحلال العرفيّ، بأن ينحلّ العقد الواجد للشرط- بعد تعلّق الإنشاء الفضوليّ بالمشروط مع شرطه- إلى الالتزامين عرفا من دون تقييد في البين.

و أمّا تشخيص تلك الموارد فبيد العرف، فما كان من قبيل شرط الفعل الأجنبيّ عن المعاملة- كالاعتكاف في بيع الدار و الحمّام- فلا شبهة في صحّة المعاملة و كفاية الإجازة، و ما كان من قبيل الشروط التي أشير إليها آنفا المحدّدة لحدود المبيع، فلا تصحّ الإجازة.

و هكذا فيما إذا كان البيع بدون الشرط غرريّا، كما إذا باع حنطة، فإنّه غرريّ، لاختلاف أفرادها في القيمة، و إذا شرط كونها من بلدة قم ترفع الجهالة، و لو أجاز بدونها يلزم فساد المعاملة، لأجل الأمر الآخر أيضا.

و مثل ذلك ما إذا كان الداعي إلى المعاملة، جعل أمر شرطا في ضمن العقد، لعدم نفوذ الشروط البدويّة، فإنّ

مع هذا يشكل الانحلال،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 233

بل لا ينحلّ.

و أمّا إذا كان للشرط قسط من الثمن، كما في المتعارف من الشروط، فإن قلنا: بأنّ المناط هو الغرض فهو مقيّد و لا ينحلّ، و إن قلنا: بأنّ المدار على الإنشاء فينحلّ، و لا يبعد الثاني، ضرورة أنّ الأغراض و المقاصد اللبّية قاصرة عن تحديد الإنشاءات في مرحلة الظهور و الإثبات. هذا كلّه فيما كان العقد واجد للشرط فأجاز الفضوليّ بالغاية.

حكم الإجازة المقيّدة أو المشروطة لعقد مجرّد عنهما

و أمّا إذا كان فاقدا، فأجاز بإضافة قيد إليه أو شرط، فإن كان القيد واردا على المعقود له الكلّي، فلا تكون الإجازة إجازة العقد المطلق الفضوليّ قطعا، فإذا باع الفضوليّ منّا من الحنطة، فأجاز بيع الحنطة النجفيّة، لا تكفي الإجازة.

و إن كان واردا على المعقود له الشخصيّ، فاستظهر- مدّ ظلّه- كفايته. و فيما إذا كان المضاف في الإجازة شرطا، فإنّ التفصيل الذي ذكرناه في الفرض السابق- من اختلاف الموارد بحسب حكم العرف و العقلاء- يأتي هنا.

و ما يظهر من العلّامة النائينيّ رحمه الله في المقام: من أنّ الشرط إذا كان على الشارط هنا، و على الأصيل في الفرض السابق، فإنّه لا إشكال في

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 234

عدم لزوم الإشكال في المشروط، و حكمه واضح «1»، فهو في غير محلّه، لأنّ كونه على نفس المجيز هنا أو على نفس الأصيل هناك لا يقتضي أزيد من إمكان إسقاطه، و لكن الانحلال و عدمه ليس دائرا مدار ذلك، كما لا يخفى.

هذا كلّه حكم المشروط عند تخلّف الإجازة عنه بالزيادة.

بيان حكم الشرط و أنّه يبطل أم لا

و أمّا حكم الشرط فهو خارج عن الجهة المبحوث عنها في المسألة، و لكن تبعا للشيخ الأعظم نشير إليه، فقال رحمه الله: «بأنّ فيه احتمالات ثلاثة: بطلان الشرط و عدم وجوب الوفاء به، و لمكان ذلك تبطل الإجازة، لأنّ الشرط الفاسد مفسد، بطلانه و عدم إفساده الإجازة، صحّته و لزوم العمل به، لعدم كونه من الشروط البدويّة» اختار هو الأوّل «2»، و اختار السيّد المحشّي رحمه الله الأخير «3».

و اختار الوالد- مدّ ظلّه «4»- أنّ الإجازة إن كانت مجرّد إظهار الرضا، فلا تبطل إلّا برجوع الشرط إلى تعليقها عرفا، و لا معنى لاعتبار الشرط

في ضمنها، لعدم كونها من العقود و لا الإيقاعات، كما مرّ تفصيله، و بذلك

______________________________

(1) منية الطالب 1: 259- 260، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 149.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 30.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- السطر 35.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 234- 235.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 235

لا يخرج عن البدويّة، كما زعمه الفقيه اليزديّ رحمه الله «1».

و إن كانت إيقاعا كما اختاره بعض الأجلّة «2»، فهي إيقاع كسائر الإيقاعات، و في اعتبار الشرط هنا إشكال، لأنّه يرجع إلى اعتبار الفسخ للمتخلّف عنه بعدم قبوله، أو عدم عمل الأصيل به، و لا معنى لفسخ الإيقاع، و لا لرجوعه إليه بعد تحقّقه و وقوعه عند العرف و العقلاء، و ان يلتزم بذلك في طلاق الخلع و الرجعيّ، و لكنّه غير كاف، و المسألة بعد تحتاج إلى التأمّل، و تفصيلها في مباحث الشروط إن شاء الله تعالى «3».

مختارنا في عدم تطابق الإجازة مع المجاز

أقول: و إن طال الكلام بذكر الأقوال في المقام، و ما كان دأبنا عليه، إلّا أنّ الاعتذار يهوّن الأمر، و يسهّل الخطب، و فيما أفاده مواقع للنظر لا نتعرّض لها.

و الذي هو الحقّ عندنا كلام واحد في جميع الفروض المذكورة من التخلّف، بالزيادة كان، أو بالنقيصة، و هو أنّ الذي لا بدّ منه بعد تحقّق العقد العرفيّ من الفضوليّ على مسلك الأصحاب، أو بعد تحقّق الإنشاء العقديّ على مسلكنا، هي الموافقة لمضمون ما وقع، و الرضا بذلك إظهارا و إبرازا به، فإن كان يصدق في التخلّف بالنقيصة- و هو الفرض

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 160- السطر 35.

(2) لاحظ جواهر الكلام 22: 280، بلغة الفقيه 2: 275.

(3) تحريرات في

الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث، القول في الشروط.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 236

الأوّل- إظهار الرضا بما وقع، أو يصدق إجازة و شرط في ضمنها في الفرض الثاني فهو، و إلّا فلا تكفي الإجازة.

فإذا رضي بما وقع على الأعيان الشخصيّة، فلا تكون كافية لكونها شخصيّة، ضرورة أنّ القياس المزبور مع الفارق، فإنّ الرضا المشروط مقيّد غير منطبق على ما في الخارج، و فرض رضاه أوّلا بما في الخارج ثمّ الشرط، هو الرجوع إلى أنّ المناط ما ذكرناه، لا جزئيّة المبيع كما لا يخفى.

ثمّ إنّ المناط في الإنشاء على ما يقع تحت الإرادة المظهرة و الإيجاد الاعتباريّ، و يلغى اللبّيات، و لا تكون هي المحدّدة لحدود المظهر بالإنشاء بالضرورة، و إلّا يلزم الهرج و المرج، من غير فرق بين الأغراض الواقعة في سلسلة معاليل المعقود عليه، أو في سلسلة علله، بعد خروجه عن مصبّ الإنشاء، و عمّا ينصرف إليه ذلك، و بعد عدم كونه مبنيّا عليه بالمقاولة أو التعارف.

فعليه إذا كان ما وقع في ضمن العقد هو الفرض الأساسيّ للإقدام على العقد، فلا يخرج في مرحلة الإنشاء عن سمة الشرطيّة، فإذا كان الغرض هو الفرار من بدويّة شرط الاعتكاف، فشرطه في ضمن معاملة، فرضي بها بدونه، فالظاهر تماميّة المعاملة حسب الصناعة العلميّة، فإنّه قد أجاز ما وقع من المعاملة، و لم يجز الخارج عنها.

نعم، إذا كان التخلّف مورثا لقصور فيها لفقد شرط آخر، فهو أمر أجنبيّ عن المسألة، لأنّ البطلان مستند إلى أمر آخر، فلا تخلط، و لذلك يكون خارجا، عن مسألة مفسديّة الشرط الفاسد، لأنّ الفساد لأجل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 237

الأمر الآخر الملازم، و هو الضرر مثلا في

المثال الذي مرّ.

ثمّ إنّ التحقيق في الشرط المذكور في ضمن الإجازة، أنّه إذا رضي الأصيل به فهو لازم، و لا أظنّ التزام أحد بلزومه بدون رضاه، توهّما أنّه داخل في ضمن العقد، و هذا دليل أنّه ليس من الشرط في ضمن العقد، فإن كان المدار على كونه في ضمنه فيشكل نفوذه، إلّا على ما سلكناه من أنّ العقديّة و مفهوم «البيع» يتحقّق بالإجازة، و إن كان المدار على أنّه في ضمن العقد المؤثّر، بمعنى أنّ الإجازة شرط التأثير، فذكر في ضمن الشرط الذي هو دخيل في تأثير العقد، فهو نافذ.

و على كلّ تقدير: يكفي في نفوذه عموم أدلّته، و بذلك نخرج عن الإشكال في شمولها للشروط البدويّة.

حكم تخلّف الأصيل عن قبول الشرط أو العمل به

و أمّا إذا تخلّف الأصيل عن قبوله، أو عن العمل به، فالظاهر القويّ أنّ له الرجوع إلى إبطال إجازته، أو إلى ملكه و ماله، كما في رجوع الزوج إلى الزوجيّة بعد رجوعها إلى ما بذلت في الخلع، و رجوعه إليها مطلقا كما في الرجعيّ، و هذا هو الظاهر من قوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ «1».

و ما قيل: «من أنّ الشرط في ضمن الإيقاعات باطل إلّا ما خرج

______________________________

(1) البقرة (2): 228.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 238

بدليل» «1» غير سديد، لأنّ قضيّة القواعد عكسه، لمساعدة الاعتبار، ففي تحرير العبد إذا تخلّف عن الشرط فله الرجوع إلى رقّيته، إلّا إذا قام نصّ أو إجماع على خلافه.

مع أنّ من الممكن دعوى: أنّه ليس من الشرط في ضمن الإيقاع، بل هو من الشرط في ضمن شرط آخر هو دخيل في تأثير العقد، كما عرفت تحقيقه، أو هو في ضمن العقد، لدخالة الإجازة في تحقّقه، على ما عرفت من

مسلكنا في الفضوليّ.

و يمكن دعوى اختلاف نتيجة البحث حسب نزاع الكشف و النقل، فالقائل بالنقل و جماعة من الكشفيّين الذين يعتقدون بدخالة الإجازة في النقل و الانتقال، لا بدّ لهم من إنفاذ الشرط المزبور، بخلاف من يقول: بأنّه لا دخالة لها في مرحلة الثبوت، كما عن المحقّق الرشتيّ قدس سره «2» فليس له الالتزام بوجوب الوفاء، لأنّه يعدّ من البدويّ، فتدبّر جيّدا.

الأمر التاسع: أنّ النزاع هل يختصّ بوقوع الإجازة بعد تماميّة العقد أم لا؟

إنّ الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة، هل هو فيما إذا كانت بعد تماميّة أجزاء العقد و شرائط صحّته؟

أو هو جار فيما إذا كانت قبله، كما إذا أوجب الفضوليّ البيع، فأجاز

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 32: 79، و 34: 117.

(2) البيع، المحقّق الكوهكمري: 354، الإجارة، المحقّق الرشتي: 180- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 239

المالك قبل قبول الآخر، و مثله في الصرف و السلم إذا أجاز قبل القبض و قبل تفرّق المجلس، و مثل تلك الإجازة الرهن قبل القبض؟

أو يختلف ذلك باختلاف المباني في ماهيّة المعاملة، و في ماهيّة البيع الفضوليّ؟

ظاهر الأصحاب قدس سرهم هو الأوّل «1»، كما هو صريح السيّد المحشّي رحمه الله «2».

و قد مرّ الكلام حول جريان الفضوليّ في المقام، و قد فرغنا عن تصويره.

و الحقّ جريان النزاع الكشف و النقل:

أمّا على ما سلكناه في هذا المضمار، فلأنّ مقتضى جريان الفضوليّ فيها ذلك، لأنّ شمول العمومات للفضوليّ في البيع، ممنوع قبل الإجازة و قبل القبض و القبول بالضرورة، لأنّ موضوعه هو العقد العقلائيّ الناقل، و هما ليسا كذلك، و بعد الإجازة، و القبض هما مشمولان لها، فيقع النزاع في أنّه يجب الوفاء من ابتداء تحقّق الماهيّة العرفيّة، فيكون كشفا، أو من الحين، فيكون نقلا.

نعم، إذا كان

القبض شرط الماهيّة عرفا فيشكل جريانه، أو كان في لسان الدليل شرطها في الاسم و المفهوم فهو، و لكنّهم لا يلتزمون بذلك.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر 24، الإجارة، المحقّق الرشتي: 169- السطر 7، البيع، المحقق الكوهكمري: 424.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 161- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 240

ثمّ إنّه لا منع من الالتزام بجريان الفضوليّ، لما مرّ من أنّ الملاك في الفضوليّة أوسع عندنا ممّا هو الملاك عند القوم، و عدم جريان هذا النزاع، لتقوّمه بكون الماهيّة التي يتعلّق بها الإجازة تكون تامّة.

و ربّما يلتزم بجريانه بناء على القول بأنّ تمام ماهيّة المعاملة يتحقّق بالإيجاب، فليس القبول إلّا كالإجازة، فيجري قبل القبول و هذا لازم ما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1»- و لكنّه لا ينكر كبرى المسألة، و إنّما أنكر صغراها هنا، و الذي هو المقصود بالبحث كبراها، و هو أنّه على فرض عدم تماميّة الماهيّة يجري النزاع، أم لا.

ثمّ إنّ النظر في القبض هنا أنّه كالإجازة في الفضوليّ، أي كما أنّ الإجازة ليست من مقوّمات الماهيّة، و لكن للمجيز ردّ العقد، فلا يكون لازم الوفاء، كذلك القبض فيما يشترط صحّته بالقبض، فإنّه ليس من المقوّمات لها، و لكن مع ذلك يجوز قبل القبض ردّ العقد، كما في الوقف و غيره، و على هذا يأتي نزاع الكشف و النقل في القبض أيضا.

إلّا أنّ المتفاهم من أخبار المسألة هو النقل، لأنّه أقرب إلى البناءات العرفيّة، و هذا لا يستلزم سدّ باب الكشف فيه، خصوصا على ما سلكناه من أنّ هذه الأمور اختياريّة للمالك، فله اشتراط كون أثر القبض من الأوّل في ضمن القبض، فافهم و تأمّل.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني

قدس سره 2: 301- 302.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 241

المرحلة الرابعة فيما يتعلّق بالمجيز
اشارة

و هو أمور:

الأمر الأوّل: كونه جائز التصرّف و نافذ القول حين الإجازة

فلا تصحّ إجازة غير البالغ العاقل القاصد، المحجور عن التصرّف، لسفه، أو فلس، أو مرض.

ثمّ إنّه لا ينبغي الخلط بين شرائط المجيز و سائر الشرائط، كما وقع في كلام بعض أساتيذنا «1»، فعدم كون المبيع متعلّق حقّ الغير أجنبيّ عن هذه المسألة. و الظاهر عدم الفرق بين الكشف و النقل.

و ربّما يشكل: بأنّ دليل اعتبار البلوغ قاصر عن إثباته في مطلق الأمور، و الذي هو المنصرف إليه من أدلّته ممنوعيّته عن التصرّفات بالاستقلال و المباشرة، فإذا باشره واحد من العقلاء، و كان هو رشيدا في بيعه و صلحه، ثمّ أجاز، ففي عدم نفوذ إجازته إشكال، و منشأه ما عرفت منّا في تلك المسألة و في اشتراط العقد شبهة، لعدم اعتبار الإنشاء في الإجازة، و مجرّد الرضا المظهر كاف.

______________________________

(1) البيع، المحقّق الكوهكمري: 411- 412.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 242

و ربّما يتوهّم الفرق بين الكشف و النقل في شرطيّة عدم الحجر «1»، فإنّه على الكشف غير معتبر، لعدم صدق «التصرّف» ضرورة أنّ التصرّف و التحويل في مرحلة الثبوت ممنوع، و هو يحصل بالعقد قبل الحجر و المرض، و في مرحلة الإثبات ليس ممنوعا، لعدم صدق «التصرّف» و إن كان محجورا، فكون الإجازة شرط التأثير متأخّرة بنفسها، أو سببا لحدوث الشرط في المتقدّم و لانتزاعه منها، أمر، و أنّها كلّما تحقّقت تكشف عن وقوع التحوّل في السابق أمر آخر، و ما هو الممنوع ليس هذا و لا ذاك.

نعم، على النقل هو ممنوع، لأنّه تصرّف سواء قلنا بالنقل من الحين، أو بالنقل من الأوّل من الحين، و لا سيّما على أنّها سبب تعنون المنشأ بعناوين المعاملات.

و بعبارة أخرى: إذا كانت قضيّة الاستصحاب أو

الأمارة العقلائيّة، ممنوعيّة زيد عن التصرّف، و لكنّه تصرّف مثلا غفلة و نسيانا، أو عمدا و طغيانا، بشرط عدم تولّد إشكال آخر من تلك الجهة، ثمّ تبيّن أنّ تصرّفه كان موافقا للقواعد، فهل هو نافذ، أم لا؟ فيه بحث.

و هذا فيما نحن فيه أيضا كذلك، ضرورة أنّ قضيّة الاستصحاب بعد العقد الفضوليّ أو الأمارة العقلائيّة مثلا أو الشرعيّة- على الوجه الذي مضى منّا تقريبها «2»- أنّ المملوك باق في ملك صاحبه، فعليه لا تنفذ

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 161- السطر 19.

(2) تقدّم في الصفحة 162- 163.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 243

قبل الإجازة تصرّفاته، لأنّه ملكه، و من التصرّف إنفاذ العقد فرضا، و لكنّه بالإجازة يكشف فساد الاستصحاب و الأمارة فما تسلّمه الأصحاب «1» رضي الله عنهم لا يخلو من صعوبة.

و قد مرّ: أنّ العقد الفضوليّ على الكشف ممنوع أصلا، لأنّه دائر بين الصحّة و الفساد الفعليّين، و لو كان القول بعدم الفرق ثابتا، فلا وجه لإحداث الفرق بين أنحاء الكشف و اختلاف المالك فيه، خلافا لما قال به المحقّق الوالد- مدّ ظلّه «2»- ضرورة أنّه لو لا إجازته يكون مقتضى الاستصحاب أنّ الملك له، و بالإجازة يجوز التصرّف إثباتا، و هذا المقدار كاف في شمول أدلّة الحجر عن التصرّف في الأموال المثلة، فلاحظ و تدبّر.

الأمر الثاني: في أنّ وجود المجيز شرط أم لا
اشارة

فيه وجهان بل قولان، فعن بعض المخالفين «3» و «القواعد» اعتباره «4»، و هو المحكيّ عن ابن الجنيد «5» و بعض المتأخّرين «6»، و صريح

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 33، منية الطالب 1: 260- 261.

البيع، المحقّق الكوهكمري: 408.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 236.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 195- السطر 10.

(4)

قواعد الأحكام 1: 124- السطر 18.

(5) لم نعثر عليه في المختلف لاحظ بلغة الفقيه 2: 278.

(6) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 170- السطر 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 244

الآخرين عدمه «1».

و المراد من العنوان إن كان وجود المجيز و لو كان أجنبيّا عن العقد الفضوليّ- بأن يكون حال العقد مجيز في العالم- فهو معلوم العدم، و قبيح الالتزام بمثله، و هو شرط دائم التحقّق.

و إن كان المراد كون المجيز أي الذي يجيز العقد بحسب الواقع، موجودا حال إنشائه و إيجاده، فهو يتصوّر في بيع مال اليتيم، لأنّه حين العقد يمكن أن لا يكون موجودا، بأن كان حملا، فإنّه لا يترتّب عليه أحكام الموجودية شرعا، فباع وليّه بيعا غير نافذ، أو باع أجنبيّ أمواله، فإنّه إذا ولد و بلغ فلا تكفي إجازته، لفقد الشرط المزبور.

و إن كان المراد كون من يحكم عليه حال العقد بأنّه هو الذي تنفذ إجازته موجودا حال العقد، كما هو المتعارف في الفضوليّ، فيلزم بطلان البيع فيمن باع ثمّ ملك، لاختلاف ذلك، فإنّ من يحكم عليه ذلك حال العقد هو المالك الأوّلى، و المالك بعد البيع لا يحكم عليه حال العقد بالحكم الذي ذكر. و لعلّ من فرّع على هذا الشرط تلك المسألة أراد من عنوان المسألة ذلك، فافهم.

ثمّ إنّ المراد من «المجيز» ليس المجيز بالفعل، و إلّا يلزم بطلان جميع البيوع الفضوليّة، لتقوّمها بعدم الإجازة حين الإنشاء، فالمراد منه

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 72- 73، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 4، منية الطالب 1: 261، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 238.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 245

هو الصالح للإجازة صلاحية بالفعل و حين العقد، فلا الطفل

الذي يبلغ يكون صالحا لها، و لا البائع الذي يملك بعد البيع صالح لها صلاحية بالفعل، فعليه يلزم تفرّع المسألة الآتية على هذا الشرط، دون الشرط الآتي، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

الحقّ عدم اشتراط وجود مجيز حال العقد

إذا عرفت ذلك، و أحطت خبرا بما في صحف المتأخّرين من القصور و الإشكال فاعلم: أنّ الشرط المذكور لا أساس له، لعدم الدليل عليه، ضرورة أنّ المدار في مسألة الفضوليّ على تحقّق الإنشاء الجديّ متعلّقا بالمبادلة بين المالين، قاصرا عن التأثير، و عن كونه موضوعا لحكم العقلاء بالنقل و الانتقال، من غير انتظار حالة أخرى زائدة على ما يعتبر في المفهوم و الماهيّة، رافعا الشبهة المتصوّرة بإطلاق و عموم الأدلّة، و بناء العرف و العقلاء.

و ما ترى في بعض الكتب القيّمة «1» من الاستدلال بأنّ لحوق الإجازة إذا كان ممتنعا في حال، فهو ممتنع في جميع الأحوال، و بطلان العقد في زمان يستلزم البطلان في جميع الأوقات، و كبرى المسألة واضحة، و صغراها تظهر بأدنى تأمّل، بداهة أنّ العقد الفضوليّ هو العقد الواجد لجميع الشرائط و الإمكانات الاستعداديّة، و يكون على أقرب مراتب

______________________________

(1) لاحظ جامع المقاصد 4: 72.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 246

الإمكان الاستعداديّ إلى الصحّة الفعليّة، و إذا كان المجيز معدوما بالمعنى الذي مرّ، فلا يمكن الحكم عليه: بأنّه على أقرب مراتب الإمكان الاستعداديّ، فيكون باطلا و ممتنعة صحّته، فكيف يصير صحيحا بعد ذلك؟! لسقوطه عن الأهليّة للإجازة.

أو الاستدلال بأنّ الخروج عن العامّ في زمان يستلزم الخروج عنه أبدا «1».

في غاية الوهن و السخافة، و لعمري إنّ التعرّض لأمثال هذه المطالب من اللغو المنهيّ، و إضرار بحقّ الطلّاب و المحصّلين، و مجرّد فتوى بعض الأعلام و استدلال بعضهم له

لا يرخّص في تضييع الأوقات الشريفة و الأيّام المباركة.

إن قلت: قضيّة الأدلّة الخاصّة في الفضوليّ- بعد كونها خلاف القاعدة- هو الأخذ بالقدر المتيقّن.

قلت: فيه مضافا إلى أنّه موافق لها، يصحّ إلغاء الخصوصيّة عنها.

إن قلت: ربّما يلزم الضرر، فإنّه إذا كان العقد مثلا على مال اليتيم على خلاف مصلحته، فإنّه ليس للوليّ إمضاؤه، فعلى الأصيل الصبر إلى بلوغه، و يكون ممنوعا عن التصرّف في الثمن و المثمن، أمّا في الثمن فلأنّه مقتضى لزوم الوفاء بالعقد، و أمّا في المثمن فلعدم الانتقال إليه «2».

قلت: يتوجّه إليه نقض بلزوم ذلك أحيانا في البعد المكانيّ أيضا،

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 134- السطر 11.

(2) لاحظ جامع المقاصد 4: 72.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 247

فلا بدّ من اشتراط وجود المجيز في بلد العقد، و إمكان التوصّل إليه فورا فوريّة عرفيّة، و بعدم لزوم الضرر إذا كان بين الزمانين فصل قصير، كيوم و ساعة. بل و ربّما لا يلزم الضرر في الزمان الطويل، و لا سيّما على القول بممنوعيّته عن التصرّفات المنافية، لا مطلق التصرّف.

و حلّه ما مرّ تفصيله سابقا: من أنّ الالتزام بممنوعيّة الأصيل غير لازم، لما أنّ ما يصنعه الفضوليّ ليس عقدا و لا بيعا، حتّى يشمله الأدلّة على ما عرفت تحقيقه منّا «1».

و أمّا إذا قلنا بمقالة المشهور، فقضيّة وجوب الوفاء بالعقد على كلّ واحد منهما مع قطع النظر عن الآخر- قضاء لحقّ الانحلال- لزوم حفظ العقد، و هذا ينافي الترخيص بالتصرّف المنافي، و على كلّ تقدير لا يحصل من ذلك شرطيّة وجود المجيز حال العقد بنحو كلّي، فتأمّل جيّدا.

و ربّما يقال: بأنّه لا يلزم الضرر من لزومه مطلقا، لاستناده إلى حرمة التصرّف و

عدم نفوذه، و هذا لا يستلزم جواز العقد، بل للأصيل جميع التصرّفات، ثمّ إذا بلغ الطفل فأجاز فعليه ردّ مثله و قيمته، كما في الفسخ بعد التلف «2»، فتدبّر.

تذييل حول استدلالي المحقّق الرشتي على اشتراط وجود المجيز حال العقد

في كلمات المحقّق الرشتيّ قدس سره استدلالان آخران:

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 5.

(2) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 240.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 248

أحدهما: «أنّ العقد مع عدم وجود المجيز بذاته أو عدم اتصافه بقابليّة الإجازة- لصغر أو جنون- قد وقع في زمان خارج عن سلطانه، و قصوى ما ثبت للإجازة كونها مثل التوكيل، أي كما أنّ التوكيل في البيع لا معنى له مع عدم الموكل أو عدم الأهليّة له، كذلك الإجازة، و إلّا يلزم زيادة الفرع على أصله» «1».

و فيه ما لا يخفى، و العجب أنّه قال: «هذا لا يخلو من وجاهة»!! ثانيهما: «أنّ الإجازة هي الإذن، و لا فرق بينهما إلّا في السبق و اللحوق، فلا معنى لإمكان كونها مصحّحة للعقد السابق إلّا بأنّه كان إذا يأذن له يقع صحيحا، و مع عدم وجوده أو عدم أهليّته لا يتصوّر المقايسة».

و قال قدس سره: «و هذا أوجه، لكن كلّ ذلك اجتهادات مقابل النص» «2».

و أنت خبير بما فيه، و أمّا النصوص فهي لو كانت تدلّ على المسألة، و لكنّها أجنبيّة عن إفادة الحكم في جميع العقود و الإيقاعات التي تكون واردة في مسألة الفضوليّ.

و العجب أنّ الأصحاب قدس سرهم بناؤهم على القياس في هذه المواقف مدّعين إلغاء الخصوصيّة «3»!! فإنّ ذلك يتمّ في بعض الموضوعات، فلا تخلط.

______________________________

(1) الإجازة، المحقّق الرشتي: 170- السطر 24.

(2) الإجازة، المحقّق الرشتي: 170- 171.

(3) جواهر الكلام 22: 297- 298، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 249

الأمر الثالث: حول اشتراط نفوذ تصرّف المجيز زائدا على أصل وجوده
اشارة

بناء على اشتراط وجود المجيز، فهل يشترط نفوذ تصرّفه حال العقد، حتّى لا يصحّ العقد الفضوليّ على مال المحجور مثلا، لعدم كونه حال العقد جائز التصرّف، فلا تنفع إجازته بعد ارتفاع حجره؟

أو لا يشترط ذلك، فيصحّ في المثال المزبور، و فيما إذا وقع على مال الصغير، و لم يتّفق إجازة الوليّ، أو لم يجزه و لم يردّه فبلغ، فإنّه يصير صحيحا بإجازته و إن كان حين العقد محجورا لصغره؟

و من هذا القبيل ما إذا باع شيئا ثمّ ملك، و هكذا إذا باع الراهن العين المرهونة، فإنّه بعد التملّك و الفكّ يصير نافذ الإجازة، و ليس حال العقد جائز التصرّف.

و من هذا القبيل بيع الأوقاف قبل طروّ المسوّغات، فإنّه إذا طرأ فهل يصحّ بالإجازة، أم لا، لعدم كونه نافذ الإجازة حين العقد؟

أو باع العين الموقوفة، ثمّ نصب البائع متولّيا عليها و هكذا، و تمام الكلام في المقام يقع في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: في الإجازة بعد فكّ الرهن
اشارة

لو باع الراهن العين المرهونة، ثمّ فكّ الرهن، فهل يصحّ

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 250

بالإجازة، أم لا، أو لا يحتاج إليها في الصحّة؟

ثمّ بعد الفراغ عن ذلك، فهل يأتي نزاع الكشف و النقل، أو لا؟

فالبحث يقع في جهات:

الجهة الاولى: في صحّته بها

و عليها الأكثر، بل هي المتّفق عليه عند القائلين بصحّة الفضوليّ «1»، ضرورة أنّ شرائط تحقّق المعاملة موجودة، فإذا زال المانع عن النفوذ- و هو تعلّق حقّ الغير- فلا منقصة حتّى يحتاج إلى تحصيلها.

بل بعض الإشكالات الجارية في الفضوليّ لا يأتي هنا، لقيام المالك بالبيع الذي هو مبادلة بين ذات المالين من غير ارتباط بحقّ الرهانة، فما هو السبب لعدم النقل و عدم ترتّب الأثر هو الرهن، و المفروض انعدامه.

و من هنا يظهر وجه عدم الحاجة إلى الإجازة، و عدم سريان بعض إشكالات الفضوليّ، لأنّ الاستناد المعتبر عند جماعة في الفضوليّ «2» حاصل، و قد مرّ أنّ تحصيله بالإجازة اللاحقة غير ممكن عند التحليل

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 14، الإجارة، المحقّق الرشتي: 177- السطر 16، منية الطالب 1: 261- 262.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 52، منية الطالب، 1: 209- 210، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 130- 131، كتاب البيع، المحقّق الكوهكمري: 268 و 280- 281.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 251

العقليّ، فعليه صحّة هذا العقد أولى بعد عدم الدليل الشرعيّ على شرطيّة كون المجيز جائز التصرّف حال الإجازة، و بعد ثبوت العموم و الإطلاق في أدلّة نفوذ المعاملات.

و قد يقال: إنّ قضيّة الصناعة شمول دليل الوفاء بالعقد هنا العقدين: عقد البيع، و عقد الرهن، و حيث لا يعقل الجمع بينهما فلا بدّ من الأخذ بأحدهما، و حيث لا رجحان

لعقد البيع، بل هو- حسب تقدّم عقد الرّهن عليه زمانا- غير مندرج تحت العموم المزبور، فإذا كان في الابتداء خارجا عنه فهو خارج أبدا، لأنّ تقديم أحد المتزاحمين على الآخر، لا يستلزم تعنون الدليل و تقسيمه إلى العنوانين، حتّى لا يكون منع من الخروج و الدخول، كما في العقد المرضيّ به، و العقد غير المرضيّ به، فإنّه من قبيل تقديم الخاصّ على العامّ المورث لورود القيد على العموم و انقسامه إلى صنفين، فلا تخلط.

إن قلت: هذا لا يتمّ بالنسبة إلى مقايسة دليل نفوذ البيع و الرهن، فإنّ قضيّة الجمع بينهما تعنون دليل البيع إلى الكلّيين القابلين للصدق على الأفراد المختلفة، و منها البيع الوارد على العين المرهونة، فإنّها خارجة، و إذا صارت منفكّة تصير داخلة، كما في المثال المذكور.

قلت: نعم، و لكنّه ينفع على النقل دون الكشف، لأنّ شموله بعد الفكّ يستلزم منع تأثير الإجازة كشفا «1».

أقول أوّلا: في كون الرهن مانعا إشكال، بل منع، لأنّ تصوير المانعيّة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 165- 166.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 252

في المعتبرات العرفيّة و الشرعيّة غير ممكن، فيرجع ذلك إلى اعتبار شرطيّة المطلق، كما عن الفقهاء «1»، أو شرطيّة عدم الرهانة، فما يظهر من الشيخ من اعتبار المانع هنا «2» ممنوع.

و ثانيا: لو كان البيع المزبور باطلا، يلزم عدم إمكان تصحيحه قبل الفكّ بإجازة المرتهن، لما ذكر بعينه، و لا أظنّ التزام القائل بذلك، فإذا صحّ بإجازته، و كان موقوفا على إجازته، فلا مانع عن صحّته بعد الفكّ.

و ثالثا: قضيّة انحلال عموم الوفاء بالعقود و إن كانت وجوب الوفاء بالعقدين المتزاحمين، و مقتضى القاعدة في باب التزاحم هو المراجعة إلى الأهمّ، و

لكنّه فيما كانت المسألة تكليفيّة، و ما نحن فيه ليس كذلك، فإن سبق الرهن أو البيع يستلزم القصور في شرائط تأثير اللاحق، فتخرج المسألة عن كونها صغرى باب التزاحم.

و توهّم: أنّ الدليل المتكفّل لنفوذ حقّ الرهن و مانعيّته مثلا هو وجوب الوفاء بعقده، في غير محلّه، بل دليله العقل و الإجماع.

نعم، على التقدير المزبور فلا معنى لحصول القصور في شرائط تأثير البيع مثلا في مفروض المسألة.

و لكنّه يتوجّه إليه: أنّ الأسبقيّة الزمانيّة لو كانت مانعة عن توجّه التكليف بالمزاحم، يلزم ذلك في المتزاحمين اللّذين يكون

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 11، الحدائق الناضرة 18: 438، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 163- السطر 16- 17.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 253

المتأخّر أهمّ عقلا و شرعا، و لا يلتزم به أحد، فلزوم صرف القدرة في الأسبق منوط بعدم الابتلاء بالأهمّ قبل صرفها.

و رابعا: النسبة بين دليل حلّية البيع و نفوذ الرهن عموم من وجه، من غير كون أحد اللسانين حاكما على الآخر، فلا معنى للتخصيص أو التقييد المستلزم للتنويع حتّى يصحّ التمسّك بأحد الدليلين في مورد التعارض دون الآخر.

و أمّا قضيّته الكشف و النقل فستأتي في الجهة الثالثة إن شاء الله تعالى.

فتحصّل: أنّ صحّة هذه المعاملة أقرب من صحّة الفضوليّ، فلا تغفل.

الجهة الثانية: في عدم الحاجة إلى الإجازة بعد فكّ الرهن
اشارة

قد عرفت عدم احتياجه إلى الإجازة، لأنّها ليست من الأجزاء الدخيلة في الماهيّة، و لا قائم عليها الإجماع تعبّدا، بل هي شرط التأثير بلحاظ كشفها عن الرضا، أو كونها الرضا المظهر، فلا معنى لتوقّفه عليها بعد ذلك.

و أمّا توهّم: أنّ الرضا المظهر من البائع المالك غير مفيد، لأنّه لم يؤثّر في النقل، فهو كالرضا من الأجنبيّ «1»، فهو فاسد،

ضرورة أنّ الرضا من الأجنبيّ غير مقتض في العقد، بخلاف رضا المالك و فقد شرط كالطلقيّة، أو عدم الرهانة، أو وجود مانع كالرهن لا يورث انعدام

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 166- السطر 24- 27.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 254

الاقتضاء في الرضا، بل يلزم منه فقد الأثر، فيستند ذلك إلى ذاك، فإذا حصل ذاك يحصل الأثر قهرا و طبعا قطعا.

نعم، ربّما يخطر بالبال أنّ ذلك يستلزم التعليق في العقد، بمعنى أنّ العقد قد وجد، و لا يكون في تأثيره موقوفا على أمر اختياريّ كالإجازة، فيكون معلّقا على مضيّ وقت الرهان و فكّ الرهن، حتّى يؤثّر أثره بعد ذلك، و هذا المعنى هو التعليق الممنوع في العقود و الإيقاعات، بخلاف التعليق المتراءى في الفضوليّ، فكأنّه قال: «بعتك هذه الدار في وقت فكّها» و هذا مثل قوله: «بعتك في وقت رجوع الحاجّ» أو «مجي ء زيد» و هكذا بأن يكون عنوان المعاملة محقّقا، و مؤثّريته مرهونة بتحقّق المعلّق عليه.

و يمكن أن يقال بصحّة العقود المعلّقة، كما هو المختار، أو أنّ ما هو الممنوع هو الإنشاء المعلّق، و فيما نحن فيه لا تعليق في الإنشاء كما لا يخفى، فتأمّل جيّدا.

إن قلت: قضيّة عدم الحاجة إلى الإجازة، انقطاع يد المالك عن العقد الواقع على العين المرهونة، فيلزم عدم تأثير ردّه قبل الفكّ، و يلزم عدم جواز التصرّف في العين مطلقا، سواء كان منافيا لحقّ المرتهن، أم لا.

قلت: الملازمة ممنوعة، و لا دليل على أنّ الردّ لا يفيد إلّا فيما كانت الإجازة مفيدة.

نعم، بناء على ما تقرّر منّا في الردّ- من أنّه لا سلطنة للمالك على ردّ العقد الفضوليّ- يشكل نفوذ ردّه هنا، لأنّ ما وقع غير

قابل للهدم، و ما هو شرط التأثير خارج عن اختياره.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 255

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الرضا المظهر منه بالعقد و إن لا يكون شرطا بقاؤه في الأصيلين، و لكنّه شرط هنا، لعدم النقل و الانتقال واقعا، ففي صورة الردّ يهدم العقد فيحتاج إلى الإجازة، بناء على انهدام اقتضائه الحيثيّ، لا مطلقا كما لا يخفى.

نعم، فيما إذا باع الصغير ماله ثمّ بلغ، فإنّه يلزم الإشكال، لأنّه لا يكون ردّه نافذا، فيكون صحّة البيع مرهونة بالبلوغ من غير الحاجة إلى الإجازة، لتماميّة الشرائط، و لا يتمكّن من الردّ حين البلوغ، لحصول الشرط مقدّما عليه، فتأمّل كثيرا.

و إذا كان راضيا إلى حين البلوغ فقضيّة ما تحرّر هنا عدم الحاجة إلى إجازته، بل رضاه كاف، و لا يحتاج العقد في التأثير إلّا إلى البلوغ.

و توهّم: أنّه ممنوع عن التصرّف، في محلّه، و لكنّه كممنوعيّة الراهن، و رضاه كرضاه، بلا أثر شرعا و عرفا، و لكنّه إذا بلغ فلا نقصان في العقد.

و الإنصاف: أنّ الالتزام بذلك مشكل، و يستلزم ذلك الإشكال فيما نحن فيه، فتدبّر.

تنبيه: حول وجوب الإجازة على الراهن لأجل وجوب الوفاء بالعقد الثاني

هل يجب على الراهن بناء على الحاجة إلى الإجازة، الوفاء بالعقد الثاني حتّى يجب عليه الإجازة، أم لا فيجوز له؟ وجهان:

من أنّ معنى وجوب الوفاء بالعقد، هو حرمة النقض.

و من أنّ معناه ترتيب آثاره، و هو التسليم، و لا أثر له قبل الفكّ، حتّى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 256

يجب الوفاء، كما في الصرف و السلم.

و هذه المسألة غير مسألة نفوذ الردّ و عدمه، لأنّ ذاك بحث وضعيّ، و هذا بحث تكليفيّ، و لا منع من الالتزام بوجوب الوفاء، بمعنى حرمة النقض، و نفوذ الردّ

و هدم العقد به إذا ردّ و رجع.

هذا، و غير خفيّ: أنّ الوجهين ساقطان على ما سلكناه من عدم صدق «البيع و العقد» قبل الإجازة «1».

الجهة الثالثة: في جريان نزاع الكشف و النقل في بيع العين المرهونة
اشارة

بناء على الاحتياج إلى الإجازة، فهل يجري نزاع الكشف و النقل، أم لا؟

و على الثاني: فهل على القائل بالكشف الالتزام بالصحّة نقلا، أو الالتزام بالفساد؟

ثمّ إنّ النزاع المزبور هل يأتي في الفكّ، بناء على عدم كون الإجازة بيد المالك.

أمّا جريانه و عدمه ففيه وجهان، بل قولان، ظاهر بعض الأصحاب رحمهم الله المنع معلّلا: «بأنّ معنى الكشف لا يجتمع مع تعلّق حقّ الغير بالملك في زمن الكشف، فيتعيّن النقل» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 158.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 165- 166، لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 245- 246.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 257

و صريح الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- جريانه على الكشف الانقلابيّ المسمّى ب «الحكميّ» و الكشف التعبّدي، دون الكشف الحقيقيّ، لأنّ ما لا يجتمع هو هذا، دون الأوّلين «1».

ثمّ إنّ قضيّة ما اخترناه من أنّ الكشف و النقل باختيار المالك «2»، عدم الفرق بين الفضوليّ و ما نحن فيه، فللمالك أيضا إجازة البيع من الأوّل، كما له إجازة البيع من الوسط و الآخر، لأنّ حين الإجازة لا منع، و حين المنع لا إجازة كما لا يخفى.

و أمّا بناء على عدم جريان النزاع، فظاهر القائلين بالكشف فساد العقد، لتمسّكهم على بطلان النقل بأنّه خارج عن مضمون العقد.

و يمكن دعوى: أنّ اختلاف المسالك في الكشف يورث الاختلاف هنا، فإنّ من القائلين بالكشف المحقّق الرشتيّ قدس سره فإنّه أفاد «أنّ الإجازة كاشفة عن الرضا التقديريّ» «3» و قضيّة ذلك هي الصحّة نقلا من الوسط، أو من حين

الإجازة، لدورانها مدار الكشف عن حين تحقّق الرضا التقديريّ.

و قد يقال: إنّ الأمر دائر مدار الكشف أو النقل، بمعنى أنّ قضيّة الأدلّة عند القائلين بالكشف أنّ النقل غير صحيح، و هكذا العكس، فلا معنى لالتزام إحدى الطائفتين بمقالة الأخرى في مورد، للزوم خرق

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 246.

(2) تقدّم في الصفحة 158- 159.

(3) الإجازة، المحقّق الرشتي: 184- السطر 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 258

الإجماع باختيار التفصيل بين الموارد في الكشف و النقل فما قد يقال:

من أنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة هو النقل، إلّا في موارد خاصّة تدلّ عليها بعض الروايات «1»، في محلّ الإشكال.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ المسألة صناعيّة، و ليست إجماعيّة.

و أمّا جريان النزاع المزبور في الفكّ، و أنّه كاشف أو ناقل، فقد يقال بناقليّته، لأنّه يرجع إلى قصور في العلّة، فيكون الإسقاط و الإبراء و الفكّ و سقوط الحقّ- كالقبض في الصرف و السلم- من أجزاء العلّة «2».

و فيه: إن أريد من «العلّة» الماهيّة فهو ممنوع، و إن أريد من «العلّة» الماهيّة المؤثّرة فهو لا يستلزم عدم الجريان، لأنّه كالإجازة.

و الذي هو الأقرب: أنّ الحقّ مانع في زمن متوسّط بين العقد و الفكّ، فإذا منع العقد عن التأثير، و كان مضمونه ترتّب الأثر عليه من الابتداء، فلا منع من تأثيره بعد الفكّ و رفع المنع و تحقّق الشرط.

و يمكن أن يقال: بأنّ القائل بهذه المقالة لا بدّ و أن يلتزم بالبطلان؛ لأنّ الإجازة تتعلّق بإنفاذ مضمون العقد، فلا بدّ من لحاظه في ظرف وقوعه، و لو لا اللحاظ فلا واقعيّة له في ذلك الزمان، لمضيّه، و الفكّ غير ناظر إلى العقد، فيكون الممنوع بعد رفع المنع

بلا مضمون. و هذا نظير الاستصحاب المتقوّم بلحاظ الحالة السابقة، و إلّا فهي معدومة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 182- السطر الأخير، مصباح الفقاهة 5: 247.

(2) منية الطالب 1: 263، الهامش.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 259

بحسب الواقع.

ثمّ إنّ ما سلكناه من أنّ الإجازة بيد المالك، يقتضي القول بالنقل هنا، لتقوّم الانقلاب من الأوّل و صيرورة البيع الإنشائيّ بيعا حقيقيّا من الأوّل بلحاظ المالك، و عند فقد ذلك فلا وجه للقول بالكشف من الأوّل، و لذلك عدّ المحقّق الثاني الفكّ ممّا لا يجري فيه النزاع «1»، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

إشارة لبعض الفروع المشابهة لمسألة الرهن
اشارة

بعد ما تحرّر البحث في هذه المسألة، يظهر المرام في الفروع الأخر المشابهة لها، و سائر نظائرها ممّا أشير إليها.

و منها: ما إذا باع الموقوفة، ثمّ صارت ملكا، لكونها منقطعة الآخر، و هكذا إذا باع ما لا يتموّل، ثمّ صار متموّلا، أو باع عينا شخصيّة قبل حيازتها، ثمّ حازها، بناء على عدم نفوذ البيع من الأوّل، و قد مرّ في محلّه.

و يمكن إدراج بعض هذه الفروع في المسألة الآتية، لأنّ المراد من قولهم: «من باع شيئا ثمّ ملك» أعمّ، و لكنّه خلاف المنصرف إليه من كلام الأعلام، و الأمر سهل.

فبالجملة: ما نسب إلى جماعة من الصحّة من غير حاجة إلى

______________________________

(1) جامع المقاصد 5: 75، لاحظ منية الطالب 1: 202- السطر 2- 11، و: 262، المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 157- 158.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 260

الإجازة «1»، لا يخلو من شائبة إشكال، لاستبعاد الأذهان قبولها.

و ما عن ابن الجنيد و «مبسوط» الشيخ و الفاضلين في «التحرير» و «الإيضاح» من البطلان «2» إمّا محمول على سلب الصحّة الفعليّة، أو

على توهّم: أنّ عبارتهم مسلوبة، و أنّهم لا أهليّة لهم، و أنت خبير بما فيه.

و ربّما يظهر من «الشرائع» بطلان التصرّف حال الحجر قال: «لو تصرّف كان باطلا» «3» و لكنّه ليس في محلّه، ضرورة أنّ المبادلة الإنشائية ليست من التحويل و التصرّف في العين، كما هو الظاهر.

حول عدم التنافي بين الإجازة و البيع و بين الرهن

في أصل المسألة، و أنّ الإجارة و البيع، و الرهن و البيع ممّا لا يجتمعان، خلاف، فالمشهور على التنافي في الفرضين «4»، و قد يظهر من الفقيه المحشّي عدم التنافي بين البيع و الرهن معلّلا: «بأنّه لا حقّ له

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 14، لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 162- السطر 24- 25، البيع، المحقّق الكوهكمري: 412.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 162- السطر 25- 26، مختلف الشيعة: 428- السطر 32، المبسوط 2: 272، تحرير الأحكام 1: 285- السطر 26، إيضاح الفوائد 2: 65- 66.

(3) شرائع الإسلام 2: 77- 78، لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 162- السطر 26.

(4) الخلاف 3: 227، الدروس الشرعيّة 3: 386، مفتاح الكرامة 4: 264، مقابس الأنوار: 190- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 261

في العين، بل له حقّ المنع، و لذلك التزم بصحّة البيع حال الرهن من غير الحاجة إلى الإجازة» «1».

و الذي استقربناه في الإجازة: أنّ حقيقتها التسليط على العين بداعي ثبوت حقّ الانتفاع من العين، من غير كون منفعة العين منتقلة إلى المستأجر، بل لا منفعة لها إلّا تخيّلا و توهّما، قياسا بمنافع الأشجار و ثمرات الحيوان، فعليه لا تنافي بينهما هناك، و أمّا هنا فلا بدّ من المراجعة إلى الأدلّة تفصيلا.

و الذي يساعده الاعتبار: أنّ حقّ الرهانة لا أساس له، بل

المرتهن له حقّ الحبس، أو له استيفاء دينه من ماليّة العين، دون شخصيّتها، فلا وجه لتعلّق حقّ له بالشخص حتّى يستلزم قصورا في صحّة البيع.

المسألة الثانية: فيمن باع ثمّ ملك
اشارة

من باع شيئا ثمّ ملكه، فهل يصحّ البيع مطلقا، أو لا يصحّ مطلقا، أو يصحّ مع الإجازة؟

أو يفصّل بين الصور المتصوّرة في المسألة تارة: من ناحية قصد البائع من البيع لنفسه و البيع لغيره، مالكا كان، أو أجنبيّا.

و اخرى: من ناحية كون المملوك و المبيع شخصيّا أو كليّا، بناء على جريان البحث في المبيع الكلّي؟

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 162- السطر 6- 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 262

و لعلّه يستظهر من «الدروس» حيث حمل كلام الحلبي «1» في الاستدلال بما ورد من النهي عن بيع ما ليس عنده على الكلّي الذي ليس عنده، بل عند الغير «2» انتهى، فإنّه إذا صحّ تصوير كون الكلّي له حالتان كالشخصيّ فلا بأس بجريان النزاع هنا.

و لكن الإنصاف: أنّ المبيع الكلّي ليس مملوكا إلّا في صورة: و هي ما إذا باع الدين الذي في ذمّة زيد، ثمّ اشترى من مالكه، فإنّه فيه يأتي البحوث الآتية، كما لا يخفى.

و ثالثة: من ناحية تجدّد الملك بالاختيار كالشراء و نحوه، و غير الاختيار كالإرث.

و رابعة: من ناحية أنّ البائع الذي اشترى ما باعه يجيز البيع، أو لا يجيز البيع، أو لا يحتاج إلى الإجازة، و غير ذلك ممّا يمكن تخيّله و تصوّره. هذا كلّه حال الصور.

و أمّا الأقوال فهي مختلفة، و كانت المسألة معنونة في الابتداء بين العامّة، و لأجل ذلك قيل بنظارة بعض أخبار المسألة إلى آرائهم «3»، ثمّ وصلت النوبة إلى فقهاء الخاصّة، فتشتّت فتاويهم من القول بالصحّة من غير الحاجة

إلى الإجازة، و لعلّه الظاهر من «جامع المقاصد» «4»

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 359.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 193.

(3) لاحظ مقابس الأنوار: 135- السطر 27.

(4) لاحظ جامع المقاصد 4: 73- 74، الإجارة، المحقّق الرشتي: 172- السطر 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 263

و في «الدروس» قال بها مع الإجازة «1»، فما في «الجواهر» من نسبة الفساد إليه «2»، غير سديد.

و عن «الإيضاح» «3» و «تعليق الإرشاد» «4»، بل و «النهاية» التردد «5».

و مختار الشيخ، المتأخّر قول «الدروس» في بعض صور المسألة:

و هي ما لو باع الفضوليّ رجاء الإجازة من المالك، ثمّ أجاز بعد الانتقال إليه، و رجّح الفساد في غيرها «6»، معلّلا بظاهر الأخبار الآتية.

و لعلّ القائل بالصحّة في الأمر الثاني- كابن المتوّج و الصيمريّ «7»- يقول بها هنا أيضا، لما قد عرفت: من أنّ مفاد الشرط المذكور في الأمر الثاني- و هو وجود المجيز- لا يرجع إلّا إلى الشرط الثالث في بادئ النظر، و أنّ تصوّرنا له، فرض «8».

إذا عرفت ذلك فاعلم،

أنّ الكلام في المقام يتمّ في ضمن فروع
اشارة

، و إذا اتضح الحقّ فيها فلا حاجة إلى التعرّض لغيرها.

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 193.

(2) جواهر الكلام 22: 298.

(3) إيضاح الفوائد 1: 419.

(4) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 196- السطر 30.

(5) لم نعثر عليه في النهاية. لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 172- السطر 8.

(6) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 140- السطر 23- 33.

(7) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 195- السطر 9، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 5، و الإجارة، المحقّق الرشتي: 172- السطر 7.

(8) تقدّم في الصفحة 243 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 264

الفرع الأوّل: في بيع العين الشخصيّة لنفسه ثمّ تملّكها بسبب اختياري
اشارة

إذا باع العين الشخصيّة لنفسه، ثمّ اشتراها و ملّكها بالسبب الاختياريّ مثلا و أجاز، فقضيّة القواعد و العمومات و الإطلاقات و بناء العرف و العقلاء- بعد صدق عناوين المعاملات عليه من «البيع» و «العقد» و «التجارة»- هو الصحّة.

و قد يستدلّ له بأخبار تحليل الخمس بعد النفقات و الصدقات [1]، حتّى أنّه عليه السلام- بمقتضى بعض المآثير- أباح للابن ما ورثه من أبيه الذي كان من عمّال بني أميّة [2]، فإنّه من صغريات المسألة، و ظاهره عدم

______________________________

[1] معاذ بن كثير بيّاع الأكسية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرّم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتوه به يستعين به.

وسائل الشيعة 9: 547، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 11.

[2] يونس بن يعقوب، عن عبد العزيز بن نافع قال: طلبنا الإذن على أبي عبد الله عليه السلام و أرسلنا إليه، فأرسل إلينا: ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا و رجل معي، فقلت للرجل:

أحبّ أن تحلّ بالمسألة، فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك، إنّ أبي كان ممّن سباه بنو أميّة،

و قد علمت أنّ بني أميّة لم يكن لهم أن يحرّموا و لا يحلّلوا، و لم يكن لهم ممّا في أيديهم قليل و لا كثير و إنّما ذلك لكم، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليّ عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حلّ ممّا كان من ذلك، و كلّ من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلّ من ذلك.

الكافي 1: 458- 15، وسائل الشيعة 9: 551، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 265

الحاجة إلى الإجازة «1»، و سنذكر التحقيق فيها عند التعرّض للروايات الخاصّة التي استدلّ بها لفساد العقد و لو أجاز إن شاء الله تعالى «2».

و قد يستدلّ على الصحّة بالأصل «3»، و هو غير سديد، لعدم إمكان إجرائه على الوجه الصحيح، سواء كان هو استصحاب العدم الأزليّ، و كان مجراه شرطيّة اتحاد المالك حين العقد و الإجازة، أو كان الاستصحاب التعليقيّ الجاري في الموضوع، أو كان أصل البراءة الشرعيّة عن شرطيته كما يجري في العبادات و توهم أنّه من الشك في الشرط الشرعي و ما لا يجري فيه الأصل المزبور هو الشرط العرفي و توهم الحاجة إلى دليل الإمضاء. كما في كلام السيّد المحشّي رحمه الله «4» غير سديد، لأنّه عندئذ لا تصل النوبة إلى الأصل، فتأمّل.

حول استدلالات القائلين بفساد بيع العين الشخصيّة ثمّ تملّكها
اشارة

ثمّ إنّ القائلين بالفساد- و فيهم أعيان الفضلاء، كالشيخ أسد الله التستريّ، و المحقّق الرشتيّ في «المقابيس» و «الإجارة» «5»- استدلّوا عليه بوجوه عقليّة و عرفيّة لا بدّ من نقلها و نقدها، و إلّا فهي المعتمدة في

______________________________

(1) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 172- السطر 12.

(2) يأتي في الصفحة

288.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 24.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 163- السطر 12.

(5) مقابس الأنوار: 134 و ما بعدها، الإجارة، المحقّق الرشتي: 172- 176.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 266

المسألة، و تلك الوجوه كثيرة نذكر مهمّاتها:

الوجه الأوّل:
اشارة

أنّ بعض الإشكالات المذكورة في بيع الغاصب لنفسه يأتي هنا، و لا يأتي جوابه: و هو أنّ قضيّة المعاوضة هو اتحاد المدخل و المخرج في العوضين، فكيف يصحّ بيع الفضوليّ لنفسه سواء كان غاصبا، أو غير غاصب، مع أنّه ينشئ خروج المعوّض من كيس المالك، و دخول العوض في كيسه؟! و ربّما يجاب هناك، بأنّه ينشئ ذلك عن المالك، و يدّعي المالكيّة حين العقد، فبالإجازة يصير صحيحا، لعدم تخلّف الإجازة عمّا أنشأه الفضوليّ، و الادّعاء المزبور لا ينافي أصل الإنشاء، و لا يضادّ اقتضاءه «1».

و هذا الجواب يؤكّد الإشكال في المقام، ضرورة أنّ الفضوليّ إذا أنشأ عن المالك الحقيقيّ، يلزم توقّف صحّته على إجازة ذلك المالك حين العقد، لخروج المعوّض من كيسه، و إذا صار مالكا فلا تفيد إجازته، لتخلّفها عمّا إنشاء الفضوليّ، و هو نفسه بالضرورة.

و بعبارة أخرى: لا بدّ من حلّ الإعضال في المسألتين، و ما هو سبب الحلّ هناك مؤكّد الإعضال هنا، ضرورة أنّ مقتضى القضيّة المشهورة «ما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع» هو لزوم اتحاد الواقع و المقصود، و هذا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128- السطر 28، و: 137- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 267

في المسألة السابقة حاصل، لاتحاد المالك الحقيقيّ حين العقد و المجيز، و غير حاصل هنا، لاختلافهما.

الأجوبة الأربعة عن الاستدلال السابق

و يندفع ذلك أوّلا: بما عرفت منّا في كبرى المسألة «و هي لزوم اتحاد المدخل و المخرج» و أنّ قضيّة المعاوضة ليست أكثر من التبادل في أمر من الأمور الإضافيّة، كالملكيّة و غيرها، لما عرفت حالها «1»، فالإشكال في المسألتين يندفع بذلك في المقامين.

و ثانيا: لو سلّمنا الاقتضاء المزبور فلا نسلّم كونه من مقتضيات

وجود العقد الإنشائيّ، بل هو من آثار العقد بعد الإجازة، و أمّا قبلها فلا اقتضاء له إلّا بالمعنى المحرّر في الماهيّات الأصيلة، فكما أنّ اقتضاء النار للحرارة ليس إلّا قضيّة شرطيّة «و أنّها لو كانت موجودة فلها كذا» فكذلك اقتضاء العقد الإنشائيّ معناه أنّه لو صار مجازا و موجودا بوجوده الواقعيّ المنشأ للأثر، يكون أثره دخول العوض في محلّ المعوّض و بالعكس، ففي مرحلة الإنشاء يكون المتعاملان خارجين عن العقد و اقتضائه. بل الظاهر من كلمة «الاقتضاء» هذا الذي أشرنا إليه، فما أفاده السيّد المحشّي رحمه الله «2» إن رجع إلى الذي قرّبناه فهو، و إلّا فساقط.

كما أنّ ما ذكره الوالد- مدّ ظلّه- هنا: «من أنّه من مقتضيات

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 312- 314.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 141- السطر 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 268

الماهيّة لا الوجود، و أنّ ماهيّة المعاوضة معناها ذلك» «1» غير سديد إنصافا، ضرورة أنّ الفرق ثابت بين لازم الماهيّة و بين مقتضيها، فإنّ الأوّل هو الإدراك عقيب الإدراك، و الثاني هو الإدراك عقيب الوجود المفروض خارجا، فلا تخلط.

و ثالثا: لو سلّمنا جميع ما قيل و اشتهر، فلا نسلّم أخذ الخصوصيّات الفرديّة في مقام الإنشاء، و ذلك لأنّ الفضوليّ ينشئ المبادلة بين المالين عن المالكين، من غير نظر إلى أنّ المالك زيد، أم عمرو، أو غير ذلك، فإذا صار مالكا فلا يكون بين الإجازة و الإنشاء تخلّف و اختلاف إلّا فيما هو الأجنبيّ عن معنى المعاوضة، فيبادل بين مال زيد، لأنّه مالكه، فكأنّه بادل بين المملوكين مع إلغاء الخصوصيّة من ناحية المالك.

و لو كان هذا في المالك الادعائيّ كافيا لكان يندفع به الإشكال في تلك

المسألة، و لكنّه غير مندفع، لأنّ المجازيّة و الادعاء لا تورث ترشّح الإرادة الجدّية و القصد التكوينيّ، كما عرفت سبيله «2».

إن قلت: كيف يعقل المبادلة بين المالين الشخصيّين في الملكيّة التي هي من الأمور ذات الإضافة إلى شخص معيّن، مع إلغاء الشخصيّة في جانب المالك؟! فإنّه يلزم من ذلك عدم إمكان تحقّق المعاوضة، لعدم إضافة بين الكلّي و المال المعيّن الخارجيّ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 249.

(2) تقدّم في الصفحة 89.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 269

المفروض في المقام.

قلت: لا دليل على امتناعه، لأنّ الغفلة عن المالك و خصوصيّاته ممكنة، فإذا فرضنا مثلا أنّ شيئا مردّد مالكه بين جماعة يصحّ بيعه، و لا يلاحظ إلّا بيع العين، من غير لحاظ خروجها من كيس مالكها الواقعيّ، بل النظر إلى المبادلة في الملكيّة الثابتة لها مع الجهل بطرفها، و لو لاحظ فلا يعقل إلّا لحاظ أمر كلّي منطبق على الواحد المعيّن، و إذا تجدّد المالك بعد العقد و قبل الإجازة، فقهرا ينطبق عليه، لأنّ ما هو الملحوظ عنوان إيهاميّ يشير به إلى من هو مالكه، من غير أخذ الزمان الفعليّ فيه، أو لزوم أخذه فيه، فإذا تجدّد فلا محيص عن الانطباق، و إذا صحّ في الفرضين المزبورين يصحّ هنا، لأنّه كالفرض الأخير في تجدّد المالك.

نعم، اختلافهما في أمر لا يضرّ: و هو كون الفضوليّ و المجيز متّحدا.

و لو لم يصحّ البيع في مفروض المسألة، يلزم عدم جوازه فيما إذا صرّح الفضوليّ في مقام الإنشاء: بأنّه باع عمّن هو مالكه في هذا الزمان، أو في كلّ زمان يأتي، مع أنّ الوجدان قاض، بأنّ بناء العقلاء على عدم ترتيب آثار الفساد عليه، فتدبّر.

ثمّ إنّ ما

ذكرناه يتمّ من غير فرق بين مقالتنا في البيع الفضوليّ، و بين مقالة المشهور، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرناه في المثال الأخير يظهر: أنّ تقييد الفضوليّ بيعه بأنّه بيع عن مالكه الفعليّ، لا يستلزم عدم إمكان تصحيحه بالإجازة، لأنّ من المثال المزبور يعلم خروج هذا النحو من القيد عن حقيقة المبادلة، فلا إشكال في المسألة من هذه الناحية أصلا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 270

بل قضيّة ما مرّ منّا إيرادا على مقالة المشهور- من أنّ فعل الفضوليّ بيع حقيقة، و أوردنا عليهم: بأنّ لازمه كونه هو البائع بالحمل الشائع و هو العاقد حقيقة- هو لزوم الوفاء عليه بالاشتراء، ثمّ التسليم.

و رابعا: قد مرّ سابقا أنّ البيع غير متقوّم بكون الملكيّة التي تقع فيها التبادل موجودة قبل المبادلة، و إن كان ذلك كذلك في المتعارف من البيوع، و يدلّ عليه بيع الكلّي، فإنّه لا يكون مملوكا للبائع. بل بيع العين الشخصيّة قبل الحيازة تباع مع القدرة على التسليم.

فالمدار على التمليك الصادر عن المقتدر على التسليم، فإنّه عند ذلك يتحقّق المعاوضة و المبادلة بين المالين، و تصير النتيجة حصول إضافة الملكيّة بعد تحقّقه.

و لكن لا يشترط تعلّق التبادل بنفس الإضافتين أوّلا و بالذات، و لا يشترط وجود تلك الإضافة قبل البيع، و لذلك قيل و اشتهر: «إنّه تمليك عين بعوض» «1» و لا يقتضي مفهوم «التمليك» المالكيّة الاعتباريّة للملك قبل التمليك و لا بعده، كما ترى أنّ الأمر كذلك في بيع الكلّي.

نعم، هو بعد ما ملّك المشتري صاعا من الحنطة يتملّك عليه المشتري تلك الحنطة، و يتملّك البائع ثمنه.

فعليه ينحلّ الإعضال، فإنّ من باع العين الشخصيّة لا ينشئ إلّا تمليك تلك العين الموجودة، و إن

لم تكن مملوكة له، و لا يقتضي بيعها لنفسه

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 53- السطر 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 271

معنى آخر غير حصول هذا الإنشاء في عالم الاعتبار، فإذا اشتراها و أجاز يحصل المقصود، و يتحقّق البيع الواقعيّ الاعتباريّ، فلا قصور في مفهوم «المعاوضة» و «التمليك بالعوض» عن شمول المسألة إنصافا، فليتدبّر.

الوجه الثاني:

أنّ في البيع الفضوليّ يكون المالك و الراضي بالمبادلة و القادر على التسليم، هو الذي له البيع حقيقة، لأنّ المعاوضة وقعت في ملكه، و كان قيد «لنفسه» ملغى مثلا في بيع الغاصب لنفسه، لأنّه قيد زائد على أصل حقيقة المعاملة، و أنّ الإجازة كانت سببا لاستناد البيع إلى المجيز الواجد لجميع الشرائط.

و الأمر هنا ليس كذلك، ضرورة أنّ المجيز هو الفضوليّ، و حينما كان ينشئ العقد لا ملك له حتّى يبادله، و لا يمكن إلغاء القيد المزبور، للزوم تخلّف الإجازة عن الإنشاء، و يلزم نقض الغرض، فلا رضا من الذي يعتبر رضاه، و لا قدرة على التسليم لمن يعتبر قدرته، و المالك حين العقد أجنبيّ لا دخالة له في هذا العقد، و بهذا التقريب يظهر بعض المناقشات المزبورة في الكتب المتعرّضة لها.

أقول: بعد ما عرفت منّا حقيقة المعاوضة لا معنى لهذه الشبهة.

مع أنّ وجه صحّة الفضوليّ ليس استناده إلى المالك بالإجازة، كما مرّ «1».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11- 13.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 272

و بالجملة: مفهوم «المبادلة» لا يقتضي أزيد من كون التمليك الإنشائيّ حذاء التملّك، و هذا أمر حاصل من غير توقّفه على واقعيّة الملكيّة الاعتباريّة، و اعتبار الرضا لا دليل عليه إلّا حين ترتّب الأثر العقلائيّ، و

هو النقل و الانتقال، و هو حاصل، و القدرة على التسليم ليست شرطا، بل و لا القدرة على التسلّم، كما في بيع العبد الآبق للعتق.

مع أنّ ما هو الشرط ليس إلّا وجودها الإحرازيّ، و ما هو تمام الموضوع هو إحراز القدرة و إن لم يكن قادرا، فإنّه عند انكشاف الخلاف مع قدرة المشتري على التسلّم يصحّ البيع، و يكون المشتري بالخيار، و التفصيل في محلّه.

هذا مع أنّه حاصل، لأنّ ما هو الشرط فرضا دخيل في حال تنجّز المعاملة دون إنشائها، فما يظهر من الشيخ رحمه الله «1» و بعض أتباعه «2»، لا يخلو من غموض.

هذا، و يمكن أن يقال: بأنّ إلغاء قيد «لنفسه» لا يستلزم تخلّف الإجازة عن المنشإ، لأنّه في مقام الإنشاء بادل بين العين الخارجيّة لأيّ شخص كانت أو تكون، و بين الثمن الكلّي أو الشخصي، فإذا رضي بها المالك حين العقد فالبيع له، و إن رضي بها المالك الثاني أو الثالث أو الرابع فالبيع له، فلا معنى لأخذ هذه القيود- الأجنبيّة عن ماهيّة المعاوضة- دخيلة فيها و إن كانت مقصودة حال الإنشاء، فضلا عمّا إذا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 29.

(2) لاحظ منية الطالب 1: 265- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 273

لم تكن مقصودة و مورثة لتقييد الإنشاء.

و غير خفيّ: أنّ ما وقع فيه المبادلة هي الملكيّة، و لو كان مالكيّة المبادل شرطا للزم عدم صحّة الفضوليّ أيضا، فلا تخلط.

فبالجملة: الشروط في المعاملة تنقسم إلى قسمين و صنفين:

قسم راجع إلى مفهوم «المعاوضة» و هي المقوّمات، و في عدّها من الشروط تسامح.

و قسم منها يرجع إلى تنفيذ المعاملة و تنجيزها و تأثيرها، و مالكيّة البائع و رضاه و

قدرته من الثانية، فلو ترى في الإشكالات الآتية: أنّ لازم صحّة هذه المعاملة الخروج من الملك قبل الدخول فلا تغترّ، و لا تظنّ أنّها من المستحيلات العقليّة أو العقلائيّة، ضرورة أنّ بناء القادرين على الحيازة، و المقتدرين على الاستملاك على بيع الأعيان الشخصيّة قبل حيازتها، ثمّ تسليمها بعدها.

ثمّ إنّ البيع الواقع على العين الشخصيّة، ليس نفوذه منوطا بإجازة البائع الفضوليّ، بل هذا البيع باختيار مالك العين الشخصيّة، إن شاء أجازه، لما عرفت من لغويّة قيد «لنفسه» و عدم استلزامه قصورا في مفهوم البيع الإنشائيّ، فإن أجاز فهو، و إن لم يجز، و لكنّه باعها من البائع الفضوليّ فله إجازته. بل قضيّة ما مرّ وجوب إجازته.

فعلى هذا، لا قصور في شرائط صحّة البيع رأسا، لأنّ جميع الشرائط المزبورة موجودة حال البيع.

و أمّا وجه وجوبها، فلأنّ العقد حاصل بعمله، و يجب العمل على طبقه، و ليس وجوب التسليم من الأحكام المترشّحة من مالكيّة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 274

المشتري ملكا واقعيّا، بل هو من مترشّحات التمليك، كما عرفت في بيع العين قبل الحيازة.

إن قلت: قضيّة ما مرّ منّا من أنّ عمل الفضوليّ ليس بيعا و لا عقدا، هو عدم وجوب الوفاء به، فلا يجب التسليم حتّى يجب الاستملاك و الإجازة.

قلت: نعم، و لكنّه فيما كان محتاجا إلى الإجازة، أي فيما كانت المنقصة المتصوّرة في البيع هو رضا البائع، و أمّا في غير هذا الشرط من الشروط الأخر فالبيع واجب الوفاء، و لذلك لا يحتاج إلى الإجازة، بل بمجرّد الحيازة و الاشتراء يقع في ملك المشتري الأوّل، و سيأتي بعض ما يتعلّق بالمقام حول الإشكالات الآتية إن شاء الله تعالى.

الوجه الثالث:
اشارة

أنّه يلزم بناء على القول

بالكشف الحقيقيّ، خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه، و ذلك لأنّ العقد عند المشهور إذا وجد إمّا يكون مؤثّرا، أو يكون باطلا، فإن كان مؤثّرا فهو يستلزم خروج المال عن ملك البائع، مع أنّه ليس مالكا، ضرورة أنّه يتلقّى الملك من المالك بالاشتراء.

و لك دعوى: أنّ هذا الإشكال لا يختصّ بالكشف الحقيقيّ، لأنّ القول بالكشف الانقلابيّ الذي هو النقل من حين العقد، و القول بالكشف التعبّدي، و إن لا يستلزمان الامتناع العقليّ، و لكنّهما يلازمان الامتناع العقلائيّ، بداهة أنّ لازم الكشف كون النماءات للمشتري من

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 275

الأوّل، و هذا واضح المنع عند العقلاء.

و توهّم: أنّه إذا كان البائع المالك عالما بهذا البيع الفضوليّ و بآثاره، و أقدم عليه، فهو ممّا لا منع منه، و إذا كان جاهلا فهو بالخيار، غير سديد كما لا يخفى.

و ربمّا يقال: بأنّه إذا لم يصحّ البيع المزبور كشفا، فلا مانع من صحّته نقلا، لأنّ قضيّة القواعد هو النقل، فإن دلّ دليل على الكشف فيؤخذ به، و فيما سواه يرجع إلى مقتضاها «1».

و لكنّه قابل للمنع: أنّ أمر الإجازة بين الكشف و النقل، و لا قول ثالث بالتفصيل بين الموارد، فتأمّل.

المختار في الجواب عن الاستدلال الثالث

و الذي هو حلّ الشبهة: هو أنّ بحث الكشف و النقل، مخصوص بما إذا كان العقد مستجمعا لجميع الشرائط إلّا الإجازة، و أمّا إذا كان فاقد الشرائط و منها الإجازة، فإنّه إذا أجاز فلا معنى لكونها كاشفة أو ناقلة بعد ما لم يتمّ بعض الشرائط الأخر. و هكذا إذا تمّ الشرائط قبل الإجازة، فإنّه لا معنى للبحث عن كاشفيّتها عن حين تحقّق العقد الإنشائيّ، بل لا بدّ من الالتزام بالكشف من

حين تماميّة الشرائط غير الإجازة، فعلى هذا يتعيّن القول بصحّة العقد المزبور، و لا منع من الالتزام بالكشف بعد التملّك بالاشتراء، لأنّ من الشرائط مالكيّة المجيز البائع بالضرورة.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 254.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 276

هذا، و قد مرّ منّا: أنّ الالتزام بالتجزئة في الكشف بحسب الأوقات المتوسّطة بين العقد و الإجازة، لازم مقالة المحقّق الرشتيّ قدس سره من الالتزام بالرّضا التقديريّ «1»، و هو كان مختارنا أيضا حسبما ذكرناه: من أنّ الإجازة أمر اختياريّ بيد المالك، و ليست مسألة الكشف و النقل من الأحكام الثابتة الشرعيّة أو العقلائيّة.

إن قلت: التفكيك غير صحيح، لأنّ مضمون العقد هو التأثير من الأوّل، و هو غير قابل للإجازة، و إذا أجاز فهو لا يتعلّق بالمضمون فيتخلّف.

و توهّم: أنّ ممنوعيّة الأثر لأجل المانع، كما في العين المرهونة، فاسد ضرورة أنّ هنا لأجل عدم المقتضي، فلا يقاس بذاك، فما توهّمه بعض الأعيان من المحشّين «2»، غير واضح سبيله.

قلت أوّلا: ليس مضمون العقد متقيّدا بذلك، و قد مرّ كلام المحقّق الثاني و «الجواهر» و ما هو مرامهما في المسألة، و قد عرفت تماميّة ما أفاداه هناك، و أنّ إشكال الشيخ و أتباعه عليهما في غير محلّه «3»، فعليه أنّه يكون مضمونه مجرّدا عن الزمان، و لكنّه يستلزم قهرا الانتقال بعد وجوده، لاقتضائه الذاتيّ، فإذا كان لجهة من الجهات ممنوعا عن التأثير، فلا منع من تعلّق الإجازة به بعد رفعها، لعدم كونه مخالفا لمضمونه، فلا تخلط.

______________________________

(1) الإجارة، المحقّق الرشتي: 184- السطر 13.

(2) حاشية المكاسب، الأصفهاني 1: 168- السطر 31.

(3) تقدّم في الصفحة 155.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 277

و ثانيا: لو سلّمنا أنّه

متقيّد، فهو فيما كان جامعا لجميع الشرائط إلّا الإجازة التي هي من شرائط الوجود لا الماهيّة، و لا أظنّ التزامهم بأنّ مضمونه ذلك، حتّى في الشرائط الدخيلة في ماهيّته المتأخّرة في الوجود، و منها مالكيّة البائع المجيز، بناء على كونها منها.

فتحصّل إلى هنا: أنّ هذه المسألة غير مخدوشة من قبل هذه الشبهة أيضا، فتدبّر حقّه.

لا يقال: يجوز التفكيك و التجزئة بحسب الأوقات المتوسّطة، إذا كان دليل الكشف غير دليل صحّة العقد الفضوليّ، فإنّه عند ذلك يصحّ التصرّف في الأوّل بالالتزام بالكشف من حين الاشتراء.

و أمّا إذا كان دليل المسألتين واحدا- و هو قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و أنّ الهيئة تدلّ على الصحّة، و المادّة تدلّ على الكشف، ضرورة اقتضاء الوفاء ترتيب الآثار من أوّل وجود العقد، و هذا معنى الكشف الحقيقيّ- فلا سبيل إلى التجزئة، للزوم عدم صحّته من الأوّل، و وجوب الوفاء به بعد الاشتراء، و هذا غير صحيح، فإنّه لازمه تعدّد وجوب الوفاء بحسب الآنات و الأحوال، مع أنّه لزوم واحد مستمرّ «2».

لأنّا نقول: لو سلّمنا جميع المقدّمات المطويّة في تحرير هذه الشبهة، لا نسلّم النتيجة، لإمكان الالتزام بالصحّة من حين الاشتراء، و ذلك لأنّ البحث في الفضوليّ ليس حول شمول الأدلّة قبل الإجازة، بل

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 277

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 135- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 278

البحث حول شمولها بعدها، فإذا كانت الإجازة بعد تحقّقها سببا و كاشفة عن

النقل من حين الاشتراء، فلا منع من شمول الأدلّة له، و أنّه حكم واحد مبدأه حين العقد الثاني، و مستمرّ إلى طروّ الإقالة مثلا، فلا وجه لتوهّم وجوب الوفاء إلى حين العقد الثاني بالعمومات، ثمّ إخراجه بدليل عقليّ أو شرعيّ بل الأدلّة قاصرة عن شمول مثل هذا العقد هذا و فيما قيل مواضع كثيرة من الخلط ليست مخفيّة على المتدبّر في مقالاتنا.

الوجه الرابع:
اشارة

أنّه يلزم على المشهور في الإجازة، كون العين الواحدة الشخصيّة ملكا لغير واحد من زمن العقد إلى زمن الاشتراء.

و بتقريب آخر: يلزم من صحّة العقد الأوّل عدم صحّته، لأنّ صحّته موقوفة على صحّة العقد الثاني، و صحّة العقد الثاني موقوفة على فساد العقد الأوّل، و إلّا فلا يمكن تلقّي البائع الفضوليّ الملك من مالكه الأوّل.

و بتقريب ثالث: يلزم من صحّة العقد الثاني فساده، لأنّ صحّته موقوفة على فساد العقد الأوّل، و فساده موقوف على صحّة العقد الثاني.

و هذا التالي الفاسد المزبور في المسألة غير التالي الفاسد السابق، لأنّ من الممكن التزام فقيه بجواز إمكان اجتماع المالكين على ملك واحد، و لا يلتزم أحد بجواز إخراج شي ء عن الملك قبل دخوله فيه.

و غير خفيّ: أنّ الإشكال مبنيّ على الكشف الحقيقيّ المنسوب إلى

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 279

الأكثر «1»، الذي مبناه الشرط المتأخّر، و لا يلزم على سائر أنحاء الكشف.

كما أنّ مبناه على أنّ معنى الكشف هو انكشاف النقل من حين العقد، لا من حين استجماع الشرائط.

أقول: قد مرّ منّا توضيحه لدى بيان مقالة الكشف في الفضوليّ، و جعلنا هذا الإشكال من المفاسد المترتّبة على الفضوليّ، من غير اختصاصه بهذه المسألة، و ذكرنا أنّ الكشف لا يجتمع مع اشتراط مالكيّة المجيز

حين الإجازة، و أنّ الاستصحاب إمّا لا يفي بتمام المطلوب، أو لا يفي مطلقا، و ذلك لأنّ استصحاب بقاء مالكيّة المجيز، لا يورث إحراز الشرط الذي هو واقعيّ، و ليس الشرط أعمّ من الواقعيّ و الظاهريّ، لعدم القول بالإجزاء في المقام المتوقّف على تصوير الحكومة، و الالتزام بأعمّية الشرط «2» كما لا يخفى، فتأمّل.

و لأنّ النوبة لا تصل إليه على الوجه الآتي، و لأنّ من الممكن عدم تصوير الشكّ في الإجازة، لأنّه إذا كان بناؤه عليها، و كان عالما بذلك، و لا يحتمل موته لغفلته، لا يشكّ حتّى يجري.

نعم، قد مرّ أنّ قضيّة «من استولى على شي ء فهو له» «3» جعل الملكيّة الواقعيّة و كشف الملكيّة الأوّلية، فهو حين التصدّي للإجازة مالك

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 132- السطر 4، الإجارة، المحقّق الرشتي: 180- السطر 12.

(2) تقدّم في الصفحة 160- 168.

(3) تهذيب الأحكام 9: 302- 1079، وسائل الشيعة 26: 216، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 8، الحديث 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 280

بحكم الأمارة العقلائيّة و الشرعيّة، على اختلاف في المسألة محرّر في مقامه.

و توهّم: أنّ الأمارة مع العلم بلحوق الإجازة غير مفيدة، في غير محلّه، لأنّه يلزم بناء على صحّته جواز سلب مالكيّته فعلا، مع أنّه ممنوع بالضرورة، و يجوز له التصرّف قبل الإجازة، و ذلك لأنّ ما هو الشرط- و هي الإجازة بوجودها الواقعيّ- غير حاصل.

نعم، الالتزام بالإجزاء هنا أشدّ محذورا.

و الذي يسهّل الخطب ما عرفت: من أنّ الكشف لا يلزم كون المنكشف من حين العقد «1»، فلذلك يحصل الفرق بين المسألتين، فلا مانع من التفكيك.

و هذا الإشكال العامّ غير قابل للدفع إلّا على القول بالإجزاء في الأصول

و الأمارات، كما هو الأقوى عندنا في مطلق الأحكام، تكليفيّة كانت، أو وضعيّة «2».

و أمّا الدفع بدعوى عدم شرطيّة مالكيّة المجيز حين الإجازة، و كفاية المالكيّة حين العقد «3»، أو كفاية الملكيّة التقديريّة «4»، فهو ممّا لا يصغى إليه، ضرورة أنّ لازم ذلك ممنوعيّة المجيز عن التصرّف بعد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 158- 159.

(2) تحريرات في الأصول 2: 308- 316 و 325- 334.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 169- السطر 9.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 164- السطر 22.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 281

العقد و قبل الإجازة، و الإشكال في جريان استصحاب الملكيّة مشترك و جار في سائر الاستصحابات الحكميّة الأخر، مع أنّ ضرورة العقلاء على الترخيص في التصرّف و إن كان بانيا على الإجازة.

و لعلّ المراد من «الكشف الحقيقيّ» ليس كشفا عقلائيّا، و لا واقعيّا في عالم الاعتبار، بل المراد من «الكشف الحقيقيّ» هو الكشف الذي تدلّ عليه العمومات الأوّلية، و الكشف التعبّدي ما تدلّ عليه النصوص الخاصّة، فيكون الكلّ تعبّديا.

فما نرى من السيّد الفقيه اليزديّ من كفاية الثاني «1»، أو من العلّامة المدقّق المحشّي رحمه الله من كفاية الأوّل، و كون زمان الملكيّة متّصلا بزمان التصرّف الناقل «2»، لا يخلو من تأسّف، لأنّه ليس من حلّ الإعضال كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالإشكال العامّ، و أمّا الإشكال الخاصّ بالمقام فهو مندفع بما مرّ في حلّ الإعضال الثالث.

تنبيه و توضيح: حول تقريب الإشكال الأخير

قد أشير في بيان الإشكال الأخير المخصوص بالكشف إلى تقريبات مختلفة، و ترجع الكلّ إلى أمر واحد.

كما أنّ من تقاريبها لزوم اجتماع ملّاك ثلاثة على ملك واحد قبل

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 169- السطر 9.

كتاب البيع (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 282

العقد الثاني:

أمّا مالكيّة المشتري الأوّل و البائع الأصيل، فهو واضح.

و أمّا مالكيّة البائع الفضوليّ، فلأنّ تأثير الإجازة من حين العقد، متوقّف على مالكيّته قبل العقد الثاني، حتّى تكون إجازته موجبة لصحّة العقد الأوّل من حين العقد، كما لا يخفى «1».

و فيه: أنّه لا برهان على لزوم مالكيّة الفضوليّ لتأثير إجازته من حين العقد، بل الشرط كون المجيز مالكا حال الإجازة، و هو يحصل بالعقد الثاني.

نعم، الالتزام بالكشف من الأوّل، هو خروج النماءات من كيس الأصيل إلى كيس المشتري، و هو ليس ممنوعا بعد علمه بذلك و التزامه، و مع جهله يكون بالخيار في البيع و العقد الثاني، كما أشير إليه.

و قد يقرّر: بأنّ صحّة إجازة الفضوليّ بعد العقد الثاني، موقوفة على إجازة المشتري، لأنّه اشترى ماله من الأصيل، لأنّ المفروض كاشفيّة الإجازة المتأخّرة عن مالكيّته السابقة، و صحّة إجازة المشتري أيضا موقوفة على إجازة الفضوليّ، لأنّه بدونها لا كاشف له عن مالكيّته، فليتدبّر.

بل يلزم أن يقع العقد الثاني على ملك المشتري، فيكون الأصيل أجنبيّا عن الملك، فلا وجه لدخول الثمن في ملكه، بل لا بدّ من رجوعه

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 138- السطر 18.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 283

إلى ملك المشتري، فيكون في المقام جمع بين الثمن و المثمن في ملك المشتري، و تفريغ العين عن ملك الأصيل بلا ثمن، و يلزم من بطلان ذلك صحّته، و من صحّته بطلانه «1»، و يلزم التوالي الفاسدة الأخر التي كلّها ترجع إلى أمر واحد عرفت ما فيه. و من هذه الخلف، لأنّ معنى «كاشفيّة الإجازة» كون المنكشف بها ملكيّة المشتري من حين العقد، و هذا غير ممكن فرضا.

ثمّ إنّه

غير خفيّ: أنّ ما هو الشرط هو الإجازة بوجودها الواقعيّ، فلا يكفي وجودها العلمي في ترتيب آثار الملك بعد الإجازة. و لو كان الشرط وجودها الواقعيّ الدهريّ- كما سلكناه- فيلزم جواز ترتيب الآثار قبل لحوقها، لوجودها الشرط مع المشروط.

و أمّا إذا كان الشرط وجودها الزمانيّ، فلا معنى لتجويز التصرّف مطلقا و لو كان عالما بلحوقها، و لا لتوهّم كون العقد الثاني على ملك المشتري، لعدم لحوقها بعد، و بعد الانكشاف يصحّ البيع بناء على القول بالإجزاء، كما عرفت منّا.

الوجه الخامس:
اشارة

أنّ بيع المالك بمنزلة الردّ للعقد الأوّل، إذ لا يعتبر فيه اللفظ، كالفسخ في زمان الخيار، و الرجوع في الهبة، و غيرهما من العقود الجائزة، و لا فرق في ذلك بين بيعه من الأجنبيّ، و بيعه من الفضوليّ،

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 135- السطر 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 284

و بيعه من المشتري، لأنّه بذلك تسقط الإجازة عن قابليّة اللحوق، بل يسقط العقد عنها. و مجرّد تفويت المحلّ لا يستلزم عدم بقاء القابليّة كما توهّم «1»، فإنّ في جميع الموارد يسقط العقد، و ينحلّ بالردّ، و إن كان في بعض الموارد أمر زائد عليه: و هو تفويت محلّ الإجازة، كما في الردّ بالإتلاف الحقيقيّ، فعليه لا يبقى العقد الثاني على صحّته التأهّلية.

بل الظاهر أنّ في الهبة و العقود الجائزة يكون الواهب أجنبيّا، و مع ذلك يكون تصرّفه في الموهوب له فسخا للهبة، فكيف لا يكون فعل المالك قاصرا عن ذلك؟! من غير فرق بين صورتي العلم و الجهل:

أمّا مع التوجّه فواضح.

و أمّا مع الجهل و عدم الالتفات، فعدم كونه فسخا مبنيّ على احتياج الردّ إلى الإنشاء، و هذا خلاف التحقيق، بل الردّ أمر أعمّ.

الجواب عن الاستدلال الخامس

أقول: و لعمري إنّ هذا الدليل مبنيّ على التغافل عن خصوصيّات المسائل، و إلّا فلا ينبغي صدوره عن الأفاضل، فضلا عن الأعلام. و الذي هو الحجر الأساسيّ ما مرّ منّا: من أنّ المالك لا سلطنة له على الردّ، و ليس من شرائط نفوذ الإجازة عدم تعقّبها به.

هذا مع أنّه لو سلّمنا ذلك، فهو يتمّ في حقّ المالك المنشئ غير المظهر لرضاه حين العقد، أو في حقّ الفضوليّ فقط، و أمّا إنشاء الفضوليّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 139- السطر 2.

كتاب البيع

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 285

فيما نحن فيه الواقع على ملك الأصيل، فلا وجه لسقوطه عن القابليّة بالردّ الإنشائيّ، فضلا عن الفعليّ، و لا سيّما الفعليّ حال الجهل، لأنّ مجرّد كونه على ماله غير كاف في ثبوت السلطنة له على رفض تلك العلقة الوهميّة الإنشائيّة التي لا تعدّ من التصرّف الحسيّ، و لا من التصرّف الاعتباريّ الواقعيّ.

و لو سلّمنا ذلك أيضا ففي صورة العلم لا يكون فسخ فيما نحن فيه، لأنّه يرجع إلى العمل بالعقد الأوّل مقدّمة، بمعنى أنّه تثبيت له، و لو كان الردّ متوقّفا على الإنشاء فلا يحصل بمثله.

و أمّا توهّم: أنّ الردّ ليس إنشاء، فهو غير ظاهر، كما سيأتي تحقيقه من ذي قبل إن شاء الله تعالى.

فبالجملة: تماميّة هذا الوجه النقليّ، موقوفة على المباني الكثيرة التي لا يمكن تصديق جلّها، بل كلّها. مع أنّ فساد واحد منها كاف في سقوطه، كما لا يخفى.

إن قلت: إنّ البيع الثاني مضادّ للبيع الأوّل، و مريد الشي ء كاره لأضداده، و لا يعتبر في الردّ سوى الكراهة المقرونة بالكاشف كالإجازة، فنفس البيع ردّ من غير حاجة إلى التفات و إنشاء للردّ، لكفاية الارتكاز، و هذا هو السرّ في كون تصرّف من له الخيار و الواهب فسخا و رجوعا «1».

قلت: لا تضادّ، لعدم توقّف صحّة الثاني على صحّة الأوّل، دون

______________________________

(1) لاحظ بلغة الفقيه 2: 297.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 286

العكس، لأنّه إذا لم يتمكّن الفضوليّ من الاشتراء، فلا يتمكّن من الوفاء و ترتيب الآثار، فلا يصير صحيحا فعليّا بإجازته.

نعم، بناء على الكشف ربّما يتوهّم التضادّ، و لكنّه قد عرفت حاله.

فتحصّل: أنّ في المسألة أقوالا ثلاثة:

القول بأنّه ردّ مطلقا، و هو مختار «المقابيس» «1».

و

القول بأنّه ليس ردّا مطلقا، و هو مختارنا.

و قول بالتفصيل بين صورتي العلم و الجهل «2».

و لعلّ رابع الأقوال قول من يرى أنّ الردّ إنشاء، و هو لا يلازم الالتفات، فمع عدم الإنشاء- و إن كان ملتفتا و عالما- لا يعدّ من الردّ، كما هو المستظهر من بعض أساتيذنا «3»، فليتدبّر جيّدا.

إن قلت: ما ذكرتم من أنّ البيع الثاني مع اطلاع المالك على أطراف المسألة و خصوصيّات القضيّة، تأكيد و تثبيت للعمل بالعقد الأوّل، و تحكيم للعقد، غير تامّ، لأنّه كذلك في خيال المالك و البائع الفضوليّ، و لكنّه ردّ بحسب الملازمة الواقعيّة الثابتة بين تصرّف المالك تصرّفا مورثا لسقوط الإنشاء الفضوليّ.

قلت: إنّ هذه المسألة مبناها على أمر واحد و معنى فارد، و هو الذي تقرّر منّا في محلّه من عدم الدليل على سلطنة المالك على رفض هذه

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 135- السطر 6.

(2) لاحظ جامع المقاصد 4: 74.

(3) البيع، المحقّق الكوهكمري: 429 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 287

العلقة الإنشائيّة المتعلّقة بماله، فهو و إن لم يكن أجنبيّا، لتعلّقها بملكه، و لكن مجرّد التعلّق غير كاف، كما في الاستظلال بجدار الغير، و الاستضاءة من سراجه، و الاستماع إلى أقواله، و النظر إلى أفعاله و إشكاله، فإنّ كلّ ذلك إمّا لا يعدّ من التصرّف، أو لا يكون من التصرّف المنهيّ «1».

مع أنّ العقد الثاني لا ينافي العقد الأوّل حتّى على الكشف، لما عرفت من إمكان الالتزام بآثاره حتّى بالنسبة إلى منافع السلعة قبل العقد الثاني، إلّا أنّ المالك الأصيل ربّما يزيد في الثمن مع التوجّه إلى العقد الأوّل و أثره، و يكون بالخيار إذا كان غير ملتفت، فافهم و اغتنم.

الوجه السادس:
اشارة

أنّ

الأدلّة الناهضة على بطلان البيع في المقام على طائفتين:

عقليّة، و عقلائيّة، أو شرعيّة و لفظيّة، و من الأدلّة اللفظيّة- بعد ما عرفت من الوجوه العقليّة و العقلائيّة و بعض الوجوه اللفظيّة، كاعتبار القدرة في التسليم- المآثير الكثيرة التي يستدلّ بها عموما أو خصوصا الواردة في المقام بل ربّما تكون هذه المسألة مورد صدور العمومات المستدلّ بها على بطلان الفضوليّ مطلقا، و هي على طوائف:

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 53، و في هذا الجزء: 203 و 254 و 284.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 288

الطائفة الاولى و الثانية: هي الأخبار التي نصّت على أصل المسألة

و قد بحثنا حولها سندا و دلالة في تلك المسألة.

و من الأولى: النبويّ المحكيّ عن الفريقين، فعن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم الصلوات و السلام في مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «و نهى عن بيع ما ليس عندك، و نهى عن بيع و سلف» «1».

و قريب منه ما عنه عليه السلام بطريق آخر فيه سليمان بن صالح [2].

و عن حكيم بن حزام العامّي: «لا تبع ما ليس عندك» «3» مصدّرا بجملة أخرى مرويّة في بعض كتب العلّامة «4»: و هو أنّ ابن حزام سأل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عن أن يبيع الشي ء، و يمضي و يشتريه و يسلّمه، فأجيب بذلك.

______________________________

[2] سليمان بن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن.

تهذيب الأحكام 7: 230- 1005، وسائل الشيعة 18: 47، كتاب التجارة، أبواب أحكام

العقود، الباب 7، الحديث 2.

______________________________

(1) الفقيه 4: 4- 1، وسائل الشيعة 18: 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 5.

(3) سنن البيهقي 5: 339، سنن الترمذي 2: 350- 1250.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 462- السطر الأخير.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 289

و من الثانية: النبويّ «لا بيع إلّا فيما تملك» كما في «عوالي اللآلي» «1» مع اختلاف التعابير في نقله، و مع كونه مرويّا تارة: منفردا «2»، و اخرى:

منضمّا إلى بعض الكبريات الأخر [3].

و قد عرفت بما لا مزيد عليه الاحتمالات البالغة إلى قريب من عشرة، و معها يسقط عن الاستدلال مع اختلاف القراءات فيه «4».

و ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ هاتين الطائفتين و إن كانتا قاصرتين عن إفادة بطلان الفضوليّ، و لكنّها غير قاصرتين عن إفادة بطلان البيع هنا، و ذلك لأنّ الفضوليّ في تلك المسألة يبيع للمالك، فليس البيع إلّا للمالك، و لا يكون هو المتولّي له، و لا هو طرفه، و لا موضوعا لأحكامه، من وجوب الوفاء، و حرمة النقض، و وجوب التسليم، فتمام الاستناد للمالك وجدانا، فلا يشمله الأدلّة العامّة، بخلاف الفضوليّ هنا، فإنّه بائع- بالحمل الشائع- ما ليس عنده.

و يمكن الانعكاس: بأنّ من هو البائع حقيقة في تلك المسألة- كما عرفت بما لا مزيد عليه- هو الفضوليّ، و نسبة البيع إلى المجيز و المالك كنسبته إلى الموكّل في كونها مجازا، بل قد مضى الإشكال في

______________________________

[3] عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا طلاق إلّا فيما تملك، و لا عتق إلّا فيما تملك، و لا بيع إلّا فيما تملك.

سنن أبي داود 1: 665- 2190.

______________________________

(1) عوالي اللآلي

2: 247- 16.

(2) نفس المصدر.

(4) تقدّم في الصفحة 61- 62.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 290

مجازيّتها أيضا «1»، فعليه من ليس عنده السلعة و المتاع، و يكون هو البائع، و يصير بيعه منهيّا، هو الفضوليّ في تلك المسألة، و أمّا في هذه المسألة فهو عنده المتاع، لقدرته على الاشتراء، كما هو المفروض في المسألة، على ما نصّ عليه الشيخ رحمه الله «2» في بعض الوجوه السابقة.

و الذي يسهّل الخطب: أنّ إنشاء البيع ليس بيعا حتّى يشمله الأدلّة، و ما ترى من النواهي فهي ناظرة إلى البيوع التي توجد في الخارج في محيط العقلاء، معتقدين بأنّ الأثر قد حصل بها، و بانين على الوفاء بها بالتسليم. و ما قرع سمعك من نظارتها إلى النهي عن العناوين غير المترتّب عليها الأثر، غير سديد جدّا.

فما هو يعدّ إنشاء البيع فليس بيعا، مع أنّه لو كان بيعا لا يكون مورد هذه الأخبار، لجلالة شأن القانون عن التعرّض لما لا ثمرة عمليّة له بالفعل، و أمّا إمكان الاستثمار بوجه جامع للشرائط فلا ينبغي النهي عنه، لعدم ترتّب الفساد عليه، كما لا يخفى.

الطائفة الثالثة: المآثير الخاصّة

و هي كثيرة نذكر مهمّاتها:

فمنها: ما رواه ابن أبي عمير، عن يحيى بن الحجّاج (نجيح) [عن خالد بن الحجّاج] قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 12- 14.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 137- السطر 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 291

الثوب و أربحك كذا و كذا.

قال: «أ ليس إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟».

قلت: بلى.

قال: «لا بأس به، إنّما يحلّ الكلام، و يحرم الكلام» «1».

و أمّا صحّة السند فمحلّ إشكال، لعدم ثبوت وثاقة المرويّ عنه،

و كفاية كون الراوي من أصحاب الإجماع- و لا سيّما ابن أبي عمير- محلّ بحث.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ الظاهر هو ابن الحجّاج، لأنّ ابن نجيح من المهملين أوّلا، و لعدم تعرّض «جامع الرواة» لاختلاف النسخ في ترجمة ابن الحجّاج ثانيا، و بعد إهمال من يروي عنه ابن أبي عمير ثالثا و الله العالم.

و أمّا دلالتها، فالمعروف بينهم الاستدلال بها على ما نحن فيه مع لزوم التكلّفات الكثيرة.

و الذي هو الأقرب: أنّ من البيوع المتعارفة بيع الآجال، و هو من البيوع التي كان يفرّ بها عن الربا في القرض، بأنّ يشتري المقرض دار المقترض مثلا بعشرة نقدا، ثمّ يبيعها منه بعشرين نسيئة، فيكون بحسب اللبّ العشرة نقدا حذاء العشرين نسيئة، و يكون للأجل قسط، و بذلك لا يقع في الحرام، و يفرّ من الربا بالكلام و الإنشاء بحسب مقام الإثبات،

______________________________

(1) الكافي 5: 201- 6، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 292

فإنّ الكلام يحرّم و يحلّل.

و لمّا كان في كيفيّة سؤال السائل احتمال آخر: و هو كون المأمور المقرض يشتري للمقترض وكالة، بأن يقرضه عشرة، و يربحه العشرين مثلا، فيلزم الربا، سأله بأنّه: «أ ليس إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟» فإنّه بهذا يتعيّن أنّه يشتري لنفسه، لا للمقترض.

و لو قيل: على التقديرين يصدق قوله: «إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟» لأنّه على تقدير الاقتراض يكون باطلا.

قلنا: نعم، و لكنّه ناظر إلى حكم العقلاء في محيط العرف، و أنّ المغروس عندهم الالتزام بالقرار و المعاهدة المفهومة من الأمر، فأريد من السؤال حدّ الموضوع الخارجي المقصود من الكلام، و أنّه أريد

منه أن يشتري لنفسه، أو يشتري للآمر، فإذا تبيّن أنّه يشتري لنفسه ينفى عنه البأس، و يصير التعليل المزبور في محلّه، لأنّه إن أراد من الأمر الاقتراض و الاشتراء للآمر، فيكون الكلام محرّما، و إن أراد منه الاشتراء لنفسه، ثمّ بيعه من الآمر بالمرابحة، فيكون الكلام محلّلا.

و من التدبّر فيما استظهرناه اتخاذا من تقرير بعض أساتذتنا «1»، و إكمالا بما عرفت في تحريم الكلام و تحليله، يظهر مفاد سائر الأخبار المزبورة في الكتب الاستدلاليّة «2»، و المرويّة في أبواب أحكام

______________________________

(1) البيع، المحقّق الكوهكمري: 418- 419.

(2) مقابس الأنوار: 135- السطر 14، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 139- السطر 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 293

العقود «1»، من غير حاجة إلى نقلها.

و لعمري، إنّ المراجع لروايات الباب الأوّل و الأخير، يقطع بالأمر، و لا يغترّ بما في صحف الآخرين.

فتحصّل: أنّ هنا مسألتين:

أولاهما: مسألة بيع ما ليس عنده، كليّا كان، أو جزئيّا.

و ثانيتهما: مسألة الفرار من الربا القرضيّ ببيع المرابحة و الآجال، في الكلّي كان، أو في الجزئيّ، و قد وردت الروايات في هذه المسألة مشتملة على الكلّي و الشخصيّ، و ناطقة بالجواز و نفي البأس، من غير كونها ناظرة إلى مسألة أخرى، و إن كان يوهم بعض التعابير الواردة ذيل بعضها بمفهومها ممنوعيّة الاشتراء قبل البيع، و لكنّه مجرّد و هم لا أساس له.

فقوله عليه السلام ذيل معتبر منصور بن حازم: «إنّما البيع بعد ما يشتريه» «2» و في ذيل معتبر ابن مسلم: «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» «3» لا يدلّ على أنّ البيع قبل الاشتراء ممنوع، بل ناظر إلى أنّ الاسترباح بالاشتراء للمقترض من الربا المحرّم، بخلاف ما إذا كان الاسترباح بالاشتراء لنفسه، ثمّ

البيع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 40 و 46- 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5 و 7 و 8.

(2) تهذيب الأحكام 7: 50- 218، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 7: 51- 220، وسائل الشيعة 18: 51، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 294

للمقترض، فإنّه استرباح بالبيع.

و ممّا يدلّ على أنّ مصبّ هذه الأخبار ما ذكرناه: أنّ هذه المسألة كانت معنونة من قديم الأيّام، و مشهورة بين خلفاء العامّة، و مورد الخلاف بين فقهائهم، و كان يرى بعضهم- كمالك و جمهور أهل المدينة- عدم جواز ذلك معلّلا لهم: بأنّه الربا المنهيّ عنه، و كان بعضهم- كالشافعيّ و داود و أبي ثور- على جوازه «1».

و بالجملة: تكون المسألة ذات شقوق كثيرة بالغة في بعض كتبهم إلى تسعة «2»، و كانت معنونة و معروفة، و قد وردت أخبارنا في هذه المواقف و تلك القصّة، ناطقة بأجمعها بجواز ذلك، لخروج موضوع المسألة عن الربا معلّلا: «بأنّ الكلام يحرّم و يحلّل» و لا يعتني في الفقه بالأغراض و المقاصد التخيّلية بعدم إمكان الاطلاع على العلّة الواقعيّة، فلاحظ و تدبّر جيّدا.

الطائفة الرابعة: الروايات الخاصّة الواردة في أبواب نكاح العبيد و الإماء «3»
اشارة

و قد استدلّ بها الشيخ رحمه الله و قال: «ربّما يؤيّد المنع- مضافا إلى ما

______________________________

(1) لاحظ المجموع 10: 149- 151، المدوّنة الكبرى 4: 90 و 118، بداية المجتهد 2: 140- 141.

(2) بداية المجتهد 2: 140- 141.

(3) وسائل الشيعة 21: 114، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 24.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 295

سيأتي عن «التذكرة» «1» و «المختلف» «2» من دعوى الاتفاق- رواية الحسن

بن زياد الطائيّ الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي كنت رجلا مملوكا، فتزوّجت بغير إذن مولاي، ثمّ أعتقني الله بعد، فأجدّد النكاح؟

قال فقال: «علموا أنّك تزوّجت»؟

قلت: نعم، قد علموا فسكتوا، و لم يقولوا لي شيئا.

قال: «ذلك إقرار منهم، أنت على نكاحك» «3».

فإنّها ظاهرة بل صريحة في أنّ علّة البقاء بعد العتق على ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرّا مالكا لنفسه مسوّغة للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلى الاستفصال عن أنّ المولى سكت أم لا، للزوم العقد حينئذ على كلّ تقدير» «4» انتهى.

و قريب منها- و كان الأولى الاستدلال به، لصحّة سنده دونها، لأنّ ابن زيد الطائيّ من المهملين- ما في الباب المزبور، عن معاوية بن وهب قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال: إنّي كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ، ثمّ أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 463- السطر 5.

(2) مختلف الشيعة: 348- السطر 28، لاحظ مقابس الأنوار: 134- السطر 14- 21.

(3) تهذيب الأحكام 7: 343- 1406، وسائل الشيعة 21: 118، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 26، الحديث 3.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 140- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 296

إيّاها حين اعتقت؟

فقال له: «أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟

فقال: نعم، و سكتوا عنّي، و لم يغيّروا عليّ.

قال: فقال: «سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، و أثبت على نكاحك الأوّل» «1».

و يتوجّه إلى الاستدلال المزبور: أنّ من الممكن كون الاستفصال لأمر آخر، و هو الاطلاع على

ردّ الموالي عقده حتّى لا يمكن إتمامه بالإجازة، و من الممكن كون الاستفصال للاطلاع على أنّ العقد يحتاج إلى الإجازة بعد الانعتاق، أم لا، ضرورة أنّه من الممكن كونه بالخيار في النكاح إذا لم يكن الموالي راضين بعقده.

و هذا عندي غير تامّ، لأنّ الردّ عندنا ليس من الأسباب المبطلة للإنشاء، و الاحتياج إلى الإجازة غير موافق للتحقيق، و كون هذا الاستفصال لأحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ، لا يستلزم سقوط الاستدلال، لأنّه من الاحتمال الموهون كما لا يخفى.

نعم، هنا احتمال آخر أفاده المحقّق الوالد- مدّ ظلّه-: و هو كون الاستفصال للحكم على الصحّة من أوّل الأمر و قبل الانعتاق، أو كان الموالي غير موافقين له، فيكون العقد غير مؤثّر من أوّل الأمر و قبل الانعتاق، و قضيّة الجواب كون التزويج واقعا قبل عتقه، فلا يكون ولده ولد

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 4، وسائل الشيعة 21: 117، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 26، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 297

الشبهة، و غير ذلك من الآثار الشرعيّة «1».

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «أثبت على نكاحك الأوّل» هو أنّ مع الفرض المذكور يكون النكاح لازما، و هذا إمّا مقابل جوازه الفعليّ، أو فساده، و حيث لا سبيل إلى الأوّل يتعيّن الثاني.

نعم، تماميّة الاستدلال بها غير واف بتمام المقصود، لأنّ فساده في باب النكاح غير سار إلى الأبواب الأخر إلّا بالقياس، و لا سبيل إلى إلغاء الخصوصيّة، كما لا يخفى.

و ربّما يستدلّ برواية في الباب على نقيض مطلوب القوم في المقام «2»: و هي معتبرة معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّه قال في رجل

كاتب على نفسه و ماله، و له أمة، و قد شرط عليه أن لا يتزوّج، فأعتق الأمة و تزوّجها.

قال: «لا يصلح له أن يحدث في ماله إلّا الأكلة من الطعام، و نكاحه فاسد مردود».

قيل: فإن سيّده علم بنكاحه، و لم يقل شيئا؟

فقال: «إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ».

قيل: فإنّ المكاتب عتق، أ فترى يجدّد نكاحه، أم يمضي على النكاح الأوّل؟

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 280.

(2) نفس المصدر.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 298

قال: «يمضي على نكاحه» «1».

فإنّ الجملة الأخيرة بمناسبة وقوعها بعد الثانية، تكون ظاهرة في أنّ المفروض انعتاقه، و عدم موافقة الأولياء مع عقده، لعدم علمهم به، فإنّه مع ذلك صحّح العقد الأوّل من غير حاجة إلى الإجازة.

و لكن الإنصاف يقضي: بأنّه استظهار غير موافق لما هو الظاهر فيه، و هو احتمال كون وجه الشبهة أنّ الانعتاق و مالكيّة النفس بعد العقد المزبور، يورث إشكالا في صحّة العقد السابق. بل الظاهر من قوله:

«فإنّ المكاتب» هو الإيماء إلى الرجل المذكور في صدر الحديث، لما تقرّر من أنّ تكرار الاسم ظاهر في الوحدة، إذا كان الأوّل نكرة، و الثاني معرفة.

و على كلّ تقدير: لا يصلح التجاوز منها إلى غيرها، و لا يصطاد قاعدة كلّية منها صحّة كانت أو فسادا، فليتأمّل.

و من المحتمل أنّ الموالي كانوا عالمين بالتزويج حين الإنشاء و العقد، لا بعده، فإنّه لا صراحة لهذه الروايات في أنّ علمهم بالتزويج كان بعده.

نعم، كان التزويج بدون إذنهم، و لكنّه ليس معناه جهلهم بحاله، فتصير هذه الروايات صريحة في بطلان العقد بدون الإذن و العلم حال الإنشاء، فتأمّل.

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 6، الفقيه 3: 76- 271، وسائل الشيعة 21: 117، كتاب

النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 26، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 299

بحث و توضيح: حول تفصيل الشيخ الأعظم و إيراد الوالد المحقّق عليه
اشارة

قضيّة ما مرّ منّا حسب القواعد صحّة البيع في المقام، حتّى على القول بالكشف، و حتّى على كون الكشف تامّا و من الأوّل، هذا بحسب القواعد، و لا دليل يقابلها في خصوص البيع.

و قد اختار الشيخ الأنصاريّ قدس سره التفصيل بين صور المسألة فاختار البطلان في صورة، و الصحّة في سائر الصور، ظنّا أنّ الأدلّة اللفظيّة ناهضة على البطلان في تلك الصورة التي أشرنا إليها في صدر المسألة: و هي ما إذا باع البائع لنفسه، و اشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك، و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا «1».

و قد حكي عن «تذكرة» العلّامة نفي الخلاف في فساد هذه الصورة «2»، و استظهر عليه إجماع «الخلاف» «3».

و أنت خبير: بأنّ البصير الناقد لا يحتمل كون الروايات ناظرة إلى تلك الصورة التي لا تتّفق إلّا فرضا أو نادرا، بداهة أنّ بناء المعاملات على الانتهاء إلى الآثار و المبادلة الواقعيّة، و لا يقدم أحد من العقلاء عليها إلّا فيما يرجى ذلك، و يجد وقوع الإجازة، قريبا جدّا، و هذا أمر لا يكذّبه أحد، فلو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 140- السطر 23.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 463- السطر 5.

(3) الظاهر أنّه سهو من قلمه الشريف و الصحيح «المختلف». لاحظ مختلف الشيعة:

348- السطر 28، و مقابس الأنوار: 134- السطر 14- 21.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 300

دلّت الأخبار على البطلان فالقدر المتيقّن منه الصورة الشائعة، و هي ما إذا ترقّب الإجازة.

ثمّ إنّ المراجعة إلى الروايات بناء على تماميّة دلالتها، تعطي أنّ ما هو المنظور من النهي و المقصود بالأصالة

فيها، هو بيع مال الغير بما هو مال الغير من غير دخالة سائر القيود فيه، و هذا هو إلغاء الخصوصيّة عرفا، لانتقال العرف منها إلى أنّ ما هو المنهيّ ليس الراوي، و لا في زمان كذا، كما لا دخالة لسائر القيود من الترقّب و عدمه، أو كون البيع لنفسه أو لغيره، بل المناط و المطلوب في النهي هو المنع عن التجاوز إلى مال الغير.

فما أفاده المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- ردّا عليه قدس سره «1» في غاية المتانة و نهاية الصحّة، فلا تكن من الغافلين المبعدين.

الفرع الأوّل: فيما إذا باع عن المالك فصار مالكا
اشارة

لو باع عن المالك، فاتفق انتقال المبيع إليه، ففي صحّته و عدمها قولان، و منشأهما أنّ حقيقة البيع إن كانت متقوّمة بالمعاوضة في الملكيّة، و هي لا تتصوّر إلّا فيما كان المالكان متشخّصين، فإنّه حينئذ يبطل، لأنّ المالك الذي باع عنه غير المالك المجيز.

و لا يقاس هذه المسألة ببيع الغاصب لنفسه، فإنّه فيما إذا باع

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره: 280- 281.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 301

العين المغصوبة مقيّدا بقوله: «عن نفسه» فإنّه كان يمكن إلغاء هذا القيد، و لكنّه هنا يستلزم كون المجاز و المنشأ متكثّرا واقعا، و لذلك أمر الشيخ بالتأمّل «1».

و إن قلنا بعدم تقوّمهما إلّا بالمبادلة في الملكيّة، فهي حاصلة في مرحلة الإنشاء، و أمّا تشخّص المالكين فلا يعتبر في حقيقة النكاح، فضلا عن البيع، فلو باع عن المالك فقد بادل إنشاء بين العين و الثمن، و أمّا إخراجه عن ملك المالك المعيّن، فلا يورث إشكالا في أصل البيع إذا تبدّل المالك.

و من العجيب أنّ السيّد الوالد- مدّ ظلّه- كيف يكون غافلا عن هذه الجهة في المسألة، فظنّ بطلان البيع، و هما

أنّ هذا ينافي مفهوم «المعاوضة» و «المبادلة» «2»؟! و ربّما يقال: بأنّ التمسّك بعمومات التنفيذ مشكل هنا، لأنّه قبل الانتقال ما كان يجب عليه الوفاء بالعقد، و بعد الانتقال يشكّ في ذلك، و قضيّة استصحاب حكم المخصّص عدم الصحّة، لعدم وجوب الوفاء، و هذا ما يستظهر من الشيخ الأعظم قدس سره في المسألة الآتية «3».

و فيه أنظار:

فأوّلا: أنّه بعد ما عرفت حسب الأدلّة الاجتهاديّة، لا يشكّ في لزوم

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 140- السطر الأخير.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 282.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 141- السطر 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 302

الوفاء حسب دليله، و هو بناء العقلاء، و قد عرفت أنّ الآية أجنبيّة عن المسألة «1».

و ثانيا: ليس المسألة من صغريات تعارض العامّ و استصحاب حكم المخصّص لعدم التخصيص، بل هو من تعارض العامّ و الأصل، و لا ريب في تقدّمه عليه.

و ثالثا: عدم الوجوب لا يلازم عدم الصحّة، نعم الوجوب يلازم الصحّة، فلا يمكن الحكم بالبطلان في مفروض المسألة، و سيأتي في الفرع الثاني بعض ما يتعلّق بالمقام عند التعرّض لكلام الشيخ الأعظم قدس سره فانتظر.

بحث: في صحّة البيع للمالك فيمن باع ثمّ ملك

بناء على بطلان البيع في أصل المسألة، فهل يمكن تصحيحه للمالك؟ فيه وجهان، بل قولان، و منشأهما يعلم ممّا مرّ في بيع الغاصب لنفسه.

و إذا أجاز يصحّ على ما عرفت منّا «2»، و هل للمشتري خيار لأجل تبدّل طرف المعاملة، أم لا، لعدم كونه من الأغراض العقلائيّة النوعيّة، و عدم الاشتراط الخاصّ في ضمن العقد؟ وجهان ثانيهما هو الأقوى.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11- 13.

(2) تقدّم في الصفحة 87- 89.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 303

في صحّة و فساد العقد الثاني في مسألة «من باع ثمّ ملك»

ثمّ إنّه قد يقال: بأنّ في مسألة «من باع ثمّ ملكه بالاشتراء» لا يكون العقد الثاني باطلا، بل هو ظاهر الأصحاب، و هو المفروغ عنه، فلا تلازم بين بطلان العقد الأوّل و الثاني.

و ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ قضيّة بعض الوجوه السابقة بطلان أحد العقدين، و حيث لا سبيل إلى تعيّن أحدهما لا بدّ من الالتزام ببطلانهما، عملا بالعلم الإجماليّ، و ذلك هو الوجه الذي كان يؤدّي إلى اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد، و هو من اجتماع الضدّين، و يلزم من ذلك اجتماع النقيضين، لأنّ لازم وجود أحد الضدّين عدم الآخر.

بل الفساد ينشأ من العقد الثاني، فإنّه لولاه لكان العقد الأوّل باقيا على صحّته التأهّلية القابلة لإجازة المالك، كما عرفت آنفا «1».

و أنت خبير بما فيه، فإنّ الصحّة التأهّلية لا تزول بالعقد الثاني.

هذا أوّلا.

و ثانيا: تمام الفاسد تحت فرض صحّة العقد الأوّل.

و إن شئت قلت: ليس المسألة من صغريات دوران الأمر بين المتباينين، بل المسألة من صغريات مسألة الأقلّ و الأكثر، ضرورة عدم إمكان الالتزام بصحّة الأوّل دون الثاني، بخلاف عكسه، فيدور الأمر بين الالتزام بصحّة الكلّ، أو صحّة العقد الثاني، فهو القدر المتيقّن،

______________________________

(1) تقدّم

في الصفحة 83- 84.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 304

و الزائد عليه يحتاج إلى الدليل.

و توهّم: أنّ صحّة العقد الثاني تستلزم صحّة الأوّل، في غير محلّه كما لا يخفى.

و لو شكّ في صحّة العقد الثاني، لاحتمال خروجه عن العامّ بخروج العقد الأوّل، فهل قضيّة القواعد الرجوع إلى العمومات، لرجوع الشكّ إلى الشكّ في التخصيص الزائد، كما هو رأي العلّامة المحشي رحمه الله و قال: «إذا امتنع شمول العامّ لفردين، بحيث كان خروج أحدهما مستلزما لخروج الآخر، دون خروج الآخر، تعيّن خروج ما لا يستلزم خروج الآخر، و بقاء ما لا يلزم من بقائه بقاء الآخر» «1»؟

أم قضيّة الصناعة قصور البناء العقلائيّ عن المراجعة إلى العامّ بعد العلم الإجماليّ بالخروج، و مجرّد الانحلال الحكميّ غير كاف في صحّة التمسّك؟

وجهان بل قولان، و التفصيل موكول إلى مقام آخر.

الفرع الثاني: حول احتياج العقد الأوّل إلى الإجازة و وجوبها
اشارة

بناء على صحّة العقد الأوّل، فهل يحتاج إلى الإجازة، أم لا؟

و على التقدير الأوّل، فهل يجب الإجازة، أم لا، أو يقال بالتفصيل، فإن كان الرضا المظهر بالمعاملة و العقد الأوّل، باقيا إلى حال العقد

______________________________

(1) حاشية المكاسب، الأصفهاني 1: 169- السطر 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 305

الثاني فلا حاجة إليها، و إن لم يكن باقيا و تبدّل إلى الكراهة فيحتاج إليها؟

وجوه بل أقوال، و منشأها- مضافا إلى اختلاف المباني، كما نشير إليه- اختلافهم فيما هو الشرط عرفا في صحّة العقد.

و قبل الإشارة إلى أصل البحث لا بدّ لنا من تقديم أمر: و هو أنّ هذا البحث عندنا ساقط، لعدم لزوم اشتراء البائع الفضوليّ لنفسه حتّى يقال بلزوم إجازته، أو يقال بعدم شرطيّتها، بل البائع يشتري من المالك الأصيل للمشتري الأوّل، و يدخل الثمن في

كيسه، و يدخل المثمن في كيس المشتري بلا واسطة، و لقد تعرّضنا لدليل ذلك سابقا، و أيّدنا صحّة هذه المعاوضة عند العقلاء بالوجوه المختلفة.

نعم، لا يلزم عليه أن يشتري له، فله اشتراؤه لنفسه، و عند ذلك يقع البحث المزبور.

و ربّما يمكن دعوى صحّة اشترائه للمشتري فضولا، و إذا أجاز ينتقل. إليه ما يجب عليه تسليمه، نعم عند ذلك يتخيّر المشتري بين إجازة الاشتراء الفضوليّ على الثمن المذكور في العقد الثاني، و بين إجازته باشتراط ردّ زيادة الثمن الأوّل إذا كان زائدا.

هذا إذا لم نقل: بأنّه ينافي وجوب التسليم الذي عرفت منّا سابقا في أصل المسألة، و علمت أنّ من باع شيئا يجب عليه الاشتراء و التسليم، و الظاهر هو التنافي كما هو الواضح.

إذا عرفت ذلك فالبحث يقع في جهات

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 306

الجهة الأولى: فيما إذا اشترى ما باعه و لم يتغيّر حاله بين العقدين

لو اشترى ما باعه، و لم يتغيّر حاله بعد العقد الأوّل إلى العقد الثاني، و كان رضاه باقيا، فقضيّة بعض الوجوه التي ذكرناه سابقا أنّ الإجازة لازمة، و ذلك لأنّ الرضا من المالك شرط، و هو غير حاصل، و رضاه بالعقد ليس من رضا المالك، و بعد ما صار مالكا لا يكون رضاه كافيا، لأنّه رضا الأجنبيّ.

و يتوجّه إليه: أنّ الرضا الباقي إلى العقد الثاني المستلزم لمالكيّته بما له من البقاء تكوينا، لا يكون من الأجنبيّ بالضرورة، و لا منقصة في العقد المزبور إلّا المالكيّة، و هي إذا حصلت تستلزم تأثير العقد قهرا، لتماميّة الشرائط. و لو فرضنا اعتبار المقارنة بين الرضا و الملكيّة المنتقلة فهو أيضا حاصل، لبقائه إلى حال مالكيّته.

فما قد يتوهّم من الإخلال بشرط التقارن، أو يتوهّم أنّ نظر الشيخ رحمه الله إلى هذه

الصورة في المنع عن كفاية العقد بلا إجازة «1»، في غير محلّه.

و ربّما يخطر بالبال دعوى لزومها إذا قلنا: بأنّ مطلق الرضا المظهر غير كاف، بل لا بدّ من إنشاء الإجازة.

و فيه: لو سلّمنا المبنى، فلا نسلّم البناء، لأنّ عند إنشاء العقد الأوّل ظهر رضاه، و هو باق، فلا معنى لاحتياجه إلى الإظهار الآخر، فالرضا لو

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 174- السطر 17- 23.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 307

لم يكن بوجوده الحدوثيّ كافيا، فبوجوده البقائيّ كاف، و مظهره ما سبق من الإظهار.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الإظهار السابق لا يظهر به إلّا أصل الرضا، و هو يتعلّق بوجوده الحدوثيّ غير الكافي، و وجوده البقائيّ كاف في شرطيّة الرضا، و لكنّه ليس يصحّ العقد بمجرّده، لحاجته إلى الإظهار، بل و لو كان المحتاج إليه أصل الإظهار، لا إنشاء الإجازة، فعلى مسلكنا من احتياج العقد في التأثير إلى الرضا المظهر، لا يمكن تتميم العقد على القول: بأنّ الرضا الحدوثيّ غير كاف.

نعم، على مسلك الشيخ رحمه الله و الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- من كفاية الرضا الباطنيّ «1»، فلا يحتاج إلى الإجازة في هذه الصورة قطعا.

الجهة الثانية: فيما إذا اشترى ما باعه و تغيّر حاله بين العقدين

لو باع و اشترى، و تغيّر حاله بين البيع و الشراء، بأنّ صار كارها للعقد الأوّل، فهل يحتاج إلى الإجازة، أم لا؟

أو يفصّل، فإن أظهر كراهته فلا يصحّ بالإجازة، فضلا عن صحّته بدونها، بناء على ما مرّ من هدم العقد بها «2»، و إن لم يظهر كراهته فيصحّ معها؟

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 135- السطر 27 و ما بعده، البيع الإمام الخميني قدس سره 2: 203- 204 و 207- 208.

(2) تقدّم في الصفحة 80- 81.

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 2، ص: 308

و ربّما يمكن دعوى: أنّ النزاع في الفرض الأخير، فلا تغفل.

و الذي هو الأظهر صحّته، و عدم سقوطه بالكراهة المظهرة، لأنّه أمر خرج عن قدرته، و لا يكون العقد في عالم البقاء تحت سلطانه بعد اشتماله على جميع الشرائط، و أمّا شرطيّة بقاء الرضا إلى حال المالكيّة، أو شرطيّة المالكيّة حال العقد الأوّل- و بعبارة أخرى:

شرطيّة مالكيّة البائع لنفسه مقارنة لبيعه و عقده- فهي منفيّة بالإطلاقات، كسائر الشكوك المتصوّرة و الشبهات المتوهّمة، فقضيّة الصناعة صحّة العقد الأوّل مطلقا من غير حاجة إلى الإجازة، و لذلك التزمنا بالاشتراء عليه، لتماميّة ما يجب عليه الوفاء به من غير لزوم النقل و الانتقال، كما سيجي ء تفصيله.

و توهّم: أنّه من التصرّف في مال الغير بغير إذنه و رضاه «1».

مندفع: بأنّه من الكراهة بعد العقد و قبل القبض، فإنّها ليست مضرّة.

أو هو مثل الكراهة بينهما في بيع الصرف و السلم، بناء على عدم حصول الملكيّة إلّا بالقبض مع وجوب الوفاء بالعقد عليه.

أو هو مثل بيع الأصيل من الفضوليّ، بناء على وجوب الوفاء عليه بعدم نقض العهد، و حرمة التصرّفات فيه قبل ردّ المشتري، فإنّه لا يلزم من الالتزام بهذه الأمور التصرّف في مال الغير بغير إذنه.

و الذي هو حلّه: أنّ الرضا بالمعاملة حاصل، و لا يعتبر الزيادة

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 141- السطر 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 309

عليه في التأثير، فإذا كان هو الراضي بالسبب فلا معنى لاعتبار رضاه بالسبب مستقلّا و إن دخل في ملكه، لأنّ دخوله في ملكه لا يستلزم شرطيّة رضاه ثانيا بالانتقال، بعد كون ذلك قهريّا بالتسبّب الذي أوجده قبل ذلك بطيب الخاطر، و رضاه القلبي المتعلّق بالسبب

الإنشائيّ غير القاصر في السببّية عند وجود شرطه الآخر، و هو المالكيّة.

و مثل هذا التوهّم توهّم التمسّك بقاعدة السلطنة «1»، ظنّا أنّها تنافي خروجه عن ملكه بغير اختياره، مع أنّ القاعدة المزبورة لا تقتضي السلطنة على المسبّب بعد إيجاد السبب، و إلّا يلزم التزاحم بينها و بين:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» الدالّ على تماميّة السبب في التأثير مثلا، و عدم إمكان تخلّل إرادة المالك بين السبب و المسبّب.

فبالجملة: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار الثابت للمالك على ماله بالقاعدة المزبورة، بل السيّد المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- أفاد: «أنّها تؤكّد مفاد دليل الإمضاء» «3» و هو في محلّه كما لا يخفى.

و ربّما يخطر بالبال: أنّ قضيّة تماميّة السبب في المعاملات قبل القبض، عدم بقاء الملكيّة للمالك، فلا موضوع للقاعدة، و لا لحديث عدم الحلّ.

و بعبارة أخرى: وجود المالكيّة حين العقد، يستلزم تأثير العقد من

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 141- السطر 3.

(2) المائدة (5): 1.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 283.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 310

غير ثبوت المالكيّة آنا ما بعد العقد، و فيما نحن فيه ثبتت المالكيّة آنا ما، و عند ذلك يتحقّق موضوع القاعدتين، فلا يقاس هذا بذاك، فلا يتمّ ما ذكره الوالد- مدّ ظلّه «1».

نعم، لنا أن نقول: بأنّ بين الدخول المستند إلى العقد الثاني، و الخروج المستند إلى العقد الأوّل، تقدّم و تأخّر رتبيّ، و لا يمضي آن على الدخول حتّى يقال بشمول القاعدتين، ضرورة عدم شمولهما للمتقدّم بالرتبة. بل دعوى انصرافهما عن هذه المسألة- بعد مساعدة العقلاء- قريبة جدّا، بل و بعد مساعدة بعض الأخبار الماضية.

و إن شئت قلت: البحث حول الاحتياج إلى الإجازة و عدمه، موقوف على القول ببقاء الملك

في ملكيّة المشتري، و أمّا إذا قلنا بعدم بقائه فيه حتّى في الآن، لاتحاد زمان الخروج و الدخول، بل لوحدة آن الخروج و الدخول، فلا يمكن التمسّك بهما، لعدم الموضوع لهما عقلا أو عرفا، أو لانصرافهما عن المسألة، لما أشير إليه. هذا كلّه بناء على ما هو الحقّ حسب اقتضاء الأدلّة الاجتهاديّة.

و لو فرضنا قصور الأدلّة عن إثبات تأثير العقد المزبور بدون الإجازة، فلا يبقى وجه للتمسّك بالقاعدتين، لأنّ من المحتمل خروج الملك بعد دخوله، فلا يحرز موضوعهما حتّى يمكن التمسّك بهما، ففي الآن الأوّل إمّا لا تجري قاعدة السلطنة و غيرها، أو تجري فيكون مؤكّدا، و في الآن الثاني لا علم ببقاء الموضوع حتّى يصحّ التمسّك.

______________________________

(1) نفس المصدر.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 311

نعم، يمكن إجراء الاستصحاب، و لكنّه لا يثمر، لأنّ الاستصحاب الموضوعيّ- و هو عدم تحقّق السبب الناقل- لا يورث صحّة العقد بلحوق الإجازة التي هي المقصود في المسألة، و الاستصحاب الحكميّ و هو بقاء الملك، أو بقاء كونه مالكا، لا يفي بالمقصود، لأنّ ما هو الموضوع فرضا هو العقد المقارن للرضا، أو العقد الصادر عن المالك بنحو التقييد، و قد تقرّر في محلّه، أنّ الموضوعات المقيّدة لا تحرز بالوجدان و الأصل.

و توهّم: أنّ إجازته وجدانيّة كالعقد، غير نافع بعد كون المالكيّة تعبّدية، فتأمّل.

و ربّما يخطر بالبال أن يقال: بأنّ استصحاب الملكيّة لا يكون نافعا، لعدم وقوع عنوان «الملك» في الدليل الشرعيّ المعتبر حتّى ينقّح موضوعه بالأصل، و لكنّ استصحاب بقاء كون السلعة ماله، يحرز موضوع قاعدة السلطنة و قاعدة «لا يحلّ مال.» الحديث، و تكون لازم القاعدة كون الإجازة كافية، و لا يلزم مثبتيّة الأصل، فلا تغفل.

فبالجملة: القدر المتيقّن

من السبب المخرج هو العقد السابق الملحوق بالإجازة، و فيما زاد عليه إشكال، بناء على التنازل عن الأدلّة، و أمّا على ما سلكناه فالحاجة إلى الإجازة ممنوعة جدّا، و لذلك صرّح به الفخر في «الإيضاح» «1» و هو المحكيّ عن ثاني الشهيدين في هبة

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 419.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 312

المسالك «1».

و قيل: «إليه يرجع ما أتى به الشيخ في الزكاة، و قال: لو باع المالك الزكويّ أو رهنه، ثمّ اغترم حصّة الفقراء، صحّ البيع و الرهن «2»، فإنّ بيع الزكويّ ثمّ الاغترام من مسألة «من باع شيئا ثمّ ملك» نظرا إلى ولاية المالك على إبدال الزكاة المقتضي لدخول سهم الفقراء في ملكه، فحكم بالصحّة من دون إجازة» «3» انتهى.

فتوهّم: أنّ المسألة إجماعيّة، ممنوع صغرى و كبرى.

الجهة الثالثة: في وجوب الإجازة بناء على الاحتياج إليها
اشارة

بناء على الحاجة إلى الإجازة، فهل يمكن دعوى وجوبها، أم لا؟

فيه وجهان:

في إثبات وجوب الوفاء بالاشتراء

و يظهر الحقّ في هذه المسألة بعد الغور في مسألة أخرى ذكرناها سابقا: و هي أنّه هل يجب الاشتراء، أم لا؟ و لقد أحطت بما لا مزيد عليه بأنّ الاشتراء واجب، لأنّ حقيقة البيع ليست إلّا التمليك الإنشائيّ بالعوض، و هو هنا حاصل، و لزوم مالكيّة البائع قبل البيع أو بنفس البيع ممنوع،

______________________________

(1) مقابس الأنوار: 134- السطر 24، مسالك الأفهام 1: 296- السطر 25.

(2) المبسوط 1: 208.

(3) الإجارة، المحقّق الرشتي: 176- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 313

كما في بيع الكلّي. و لو قلنا: بأنّ البيع مبادلة مال بمال في الملكيّة الموجودة، و المفروض وجودها، فهو لأجل تعريفه حسب الأفراد الشائعة، و إلّا يلزم خروج بيع الكلّي من هذا التعريف.

و قد مرّ: أنّ هذا لا ينافي ما سلكناه في هذا المضمار، من أنّ البيع هو الموضوع للأثر، لأنّه بذلك يحصل للمشتري حقّ على البائع بالتسليم، بخلاف بيع الفضوليّ.

نعم، في بيع الفضوليّ لنفسه يجب أيضا الاشتراء و التسليم، لعين ما مرّ آنفا، كما أشرنا إليه في أصل المسألة سابقا، للزوم كون أثر البيع هو النقل و الانتقال بمجرّد تحقّقه، أو بعد ما وجد، غير ثابت، فإذا باع الطير في الهواء بيعا شخصيّا، و السمك في الماء، و الحجر الخاصّ في المعدن، مع قدرته على التسليم، فهو بيع عقلائيّ، و عليه طريقة العقلاء و العرف في هذا اليوم، فيكون صحيحا واضحا بالوجدان و البرهان، و لا ملزم لإرجاعه إلى الإجارة، أو إلى بيع الكلّي، مع أنّ الثاني مشترك الإشكال كما لا يخفى.

و ما قيل في الكلّي من الملكيّة قبل البيع، فهو من

الأمر السخيف، بل هو يصير مملوكا للمشتري على ذمّة البائع، من غير كون البائع المملك مالكا له قبل البيع و بعده، فلا نقل و لا انتقال بالبيع، و لكنّه ذو أثر عقلائيّ، و هو كاف في الباب.

و لعلّ إلى هذا يرجع ما أفاده الشيخ قدس سره من المعارضة بين

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 314

استصحاب حكم المخصّص و عموم العامّ «1»، فإنّه في بادئ النظر- كما مرّ- غير واضح سبيله، و لذلك استشكل عليه تلاميذه «2»، و لكن بعد التدبّر فيما أسلفناه و ذكرناه يظهر سبيل ما خطر بباله، فإنّه إذا كان قضيّة الصناعة وجوب الوفاء بالعقد، فهو حسب الموارد مختلف الاقتضاء، ففي مورد يقتضي حفظ العقد عن الانفساخ، كما في الأصيل و الفضوليّ، و في مورد يقتضي التسليم، و هنا يقتضي الاشتراء و التسليم.

و لكنّ التسلّم بين الأصحاب رحمهم الله يمنع عن المراجعة إلى عموم الكتاب، و فيما زاد على مورد التسلّم يقع التنافي بين عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» و استصحاب عدم وجوب الوفاء الثابت بالإجماع مثلا، و بناؤه قدس سره على التفصيل، و أفاد هنا أنّ الاستصحاب مقدّم.

فما يتوجّه إلى ظاهر كلامه: من أنّ البحث ليس من صغريات هذه المسألة، بل هو من التخصّص الموجب لتعارض الأصل و العامّ، و لا شبهة في تقدّم الثاني عليه «4»، قابل الدفع، و الأمر- بعد ما سمعت منّا- سهل جدّا.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 141- السطر 8.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 177- السطر 7، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني:

73، منية الطالب 1: 271- السطر 20، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1:

174- السطر 16.

(3) المائدة (5): 1.

(4) المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 189، البيع، الإمام الخميني قدس

سره 2: 284- 285.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 315

في إثبات وجوب الإجازة بناء على الاحتياج إليها
اشارة

فإذا تحرّر وجوب الوفاء بالاشتراء، فلا معنى للشكّ في وجوب الإجازة، بناء على الاحتياج إليها، لأنّها تصير كالقبض في الصرف و السلم، بناء على وجوب الوفاء بالعقد و إن لم يكن صحيحا شرعا قبل القبض، لأنّ عدم الصحّة الشرعيّة لا ينافي شمول العمومات الأوّلية له، كما هو الظاهر.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ مع الحاجة إليها لا يمكن الالتزام، لعدم ثبوت حقّ للمشتري على المالك، و لا نقل ملك منه إليه، لأنّ معنى الحاجة إليها دخالتها في ذلك، أو كاشفيّتها عن الحقّ إثباتا.

و دعوى: أنّ هذا نظير الأصيل الواجب عليه الوفاء مع عدم نقل، و لا ثبوت حقّ، غير مسموعة كما مرّ تفصيلها. مع أنّه غير تامّ قياسها، ضرورة أنّ في الأصيل صدر العقد من المالك، فلا بعد في إلزامه بإبقاء الالتزام، و أمّا في المقام، فلا معنى محصّل لإلزامه بالإجازة بعد عدم صدور أمر من المالك، و لو كان الصدور السابق و المالكيّة اللّاحقة كافيا فهو ينتج عدم الاحتياج إليها رأسا.

تنبيه حول المآثير الدالّة على اعتبار الإجازة و نفيها

ربّما يقال بدلالة رواية الحسن بن زياد الطائيّ السابقة «1»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 295.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 316

- فحوى- على اعتبار الإجازة، لظهورها في أنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح، لو لا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة «1».

و فيه ما مرّ من الاحتمالات الراجعة إلى الاستفصال المزبور في الرواية، فما أفاده الشيخ غير سديد.

و ربّما قيل بظهور صحيحة معاوية بن وهب السابقة «2» في عدم الحاجة إليها «3»، و لقد ذكرنا وجه استدلال الوالد- مدّ ظلّه- بها و ما فيها من قصورها عن دلالتها عليه.

و من هذا القبيل استدلاله بما في الباب الثامن من أبواب أحكام العقود، كمعتبر

ابن الحجّاج الماضي «4»، و معتبر إسماعيل بن عبد الخالق [5]، قائلا: «إنّ قضيّة ما فهمه الأصحاب من هذه المآثير- بناء

______________________________

[5] إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن العينة و قلت: إنّ عامّة تجّارنا اليوم يعطون العينة، فأقصّ عليك كيف نعمل؟ قال هات، قلت: يأتينا المساوم يريد المال فيساومنا و ليس عندنا متاع فيقول: أربحك ده يازده، و أقول أنا ده دوازده فلا نزال نتراوض حتّى نتراوض على أمر فإذا فرغنا: قلت أيّ متاع أحبّ إليك أن أشتري لك؟ فيقول: الحرير، لأنّه لا يجد شيئا أقلّ وضيعة منه، فأذهب و قد قاولته من غير مبايعة، فقال: أ ليس إن شئت لم تعطه، و إن شاء لم يأخذ منك؟ قلت بلى، قال:

فأذهب فأشتري له ذلك الحرير، و أماكس بقدر جهدي، ثمّ أجي ء به إلى بيتي فأبايعه،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 141- السطر 9.

(2) تقدّم في الصفحة 192.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 281.

(4) تقدّم في الصفحة 290.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 317

على ارتباطها بهذه المسألة- هو أنّ البيع قبل الاشتراء يستلزم وقوع السلعة بعد الاشتراء في ملك المشتري من غير انتظار أمر آخر، و إلّا لا يلزم كون الاسترباح غير مشروع، لإمكان أخذ الربح قبال الإجازة، فيعلم من هذه الأخبار عرفا: أنّ البيع السابق على الاشتراء تمام السبب للنقل» «1».

و فيه أوّلا: أنّ من الممكن دعوى أنّ هذا الظهور، لأجل أنّ الاشتراء للمشتري يستلزم خروج السلعة من ملك الأصيل إلى ملك المشتري من غير واسطة، كما مرّ منّا تقويته، و ذكرنا أنّ اتحاد المخرج و المدخل ليس من شرائط ماهيّة البيع عرفا «2».

و ثانيا: إذا كان يجب عليه

الإجازة احتمالا بعد البيع و الاشتراء، فلا يبقى له الخيار حتّى يتمكّن من الاسترباح، فلا تخلط.

______________________________

فربما ازددت عليه القليل على المقاولة، و ربما أعطيته على ما قاولته، و ربما تعاسرنا فلم يكن شي ء، فإذا اشترى منّي لم يجد أحدا أغلى به من الذي اشتريته منه فيبيعه منّي فيجي ء ذلك فيأخذ الدراهم فيدفعها إليه و ربّما جاء ليحيله عليّ، فقال: لا تدفعها إلّا إلى صاحب الحرير، قلت: و ربما لم يتّفق بيني و بينه البيع به و أطلب إليه فيقبله منّي، فقال: أ ليس إنّه لو شاء لم يفعل و لو شئت أنت لم تزد؟ فقلت: بلى لو أنّه هلك فمن مالي قال: لا بأس بهذا إذا أنت لم تعد هذا فلا بأس به.

وسائل الشيعة 18: 53، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 14.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 285.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 312- 314.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 318

مسألة: فيما إذا باع فضولا للمالك أو لثالث ثمّ ملك و لم ينتقل إلى من باع له

لو باع فضولا للمالك أو لثالث، ثمّ ملك هو، فإن انتقل إلى من باع له و أجاز فلا كلام.

و أمّا إذا لم ينتقل إليه، فهل يكون هو أجنبيّا عن العمومات، كما هو مرام الأصحاب، أو يحتمل وجوب الوفاء عليه، لأنّه باع عن المالك، و لا خصوصيّة ملحوظة في البيع من ناحية المالك، فيجب عليه الإجازة، كما هو الظاهر من الشيخ «1»؟

أم هنا مطلب آخر: و هو أنّ القيد الواقع تحت الإنشاء لا يورث تضيّقا في الإنشاء، فهو- أي الفضوليّ- باع السلعة الخارجيّة المعيّنة من زيد، فإن أجاز من باع له فهو، و إلّا فعليه أن يجيز، كما مرّ في الصورة السابقة، لما تقرّر من أنّ هذه القيود لا تستلزم

تنويع الطبيعة، و لا قصورا في الإنشاء؟

و نتيجة هذا، أنّ الفضوليّ إذا ملك ما باعه يجب عليه الوفاء في مطلق الصور، و أمّا وجوب الوفاء عليه فيما إذا باع للمالك أو للأجنبيّ فهو ممنوع، لعدم صيرورته بيعا إلّا بالإجازة، و أمّا مجرّد الملك فهو هنا غير كاف، لأنّه في إنشائه الأوّلي باع للمالك، فلا يكون البيع له إلّا بعد

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 141- السطر 4- 6 و 10- 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 319

امتناعه من قبوله، فلا يقع بيعه فاسدا و عاطلا، بل أمره بين وقوعه للمالك أو الأجنبيّ، و بين وقوعه لنفسه.

هذا ما هو مقتضى الصناعة، و لكن في مساعدة العرف و العقلاء على جميع ما ذكرناه إشكال قويّ، فليتدبّر.

الفرع الثالث: فيما إذا باع ثمّ ملك بالإرث أو كان المبيع كليّا أو غير ذلك

من الفروع المرتبطة بمسألة «من باع شيئا ثمّ ملكه» هو ما لو كان التملّك بالإرث، أو كان المبيع كلّيا، أو غير ذلك ممّا يظهر من القيود المذكورة في الفرع الأوّل، و لمّا كان أساس البحث واضحا من المباحث السابقة، فلا نطيل الكلام بإعادة ما مرّ. و لا يخفى أنّ للفروض الأخر بعض خصوصيّات، و لكنّ الإحالة إلى غير هذا الكتاب أولى.

بحث و تتميم: فيمن تصرّف عن استحقاق مع جهله باستحقاقه
اشارة

لو تصرّف السلطان في ماله السلطنة عليه، مع جهله بالسلطنة جهلا مركّبا أو بسيطا، فيكون مردّدا، فهل يكون تصرّفه صحيحا و نافذا، أم لا مطلقا؟

أو يقال بالتفصيل بين التصرّفات الإيقاعيّة بالمعنى الأعمّ، و بين التصرّفات العقديّة و الإيقاعيّة بالمعنى الأخصّ، فيكون غير نافذ في الأولى، دون الأخيرتين؟ فإذا أذن في الأكل من المائدة، مع اعتقاده أنّه لا سلطنة له عليه، أو أذن مع الشكّ، بناء على إمكان ترشّح إذنه، لعدم

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 320

مبادلاته بأصول المذهب، كما مرّ في بيع الغاصب تفصيله «1»، أو أمر بأخذ الغير ماله و إطعامه و هكذا، فلا يكون إذنه نافذا في جواز التصرّف، لأنّ المنصرف إليه من حديث «لا يحلّ.» «2» ذلك، و لبناء العرف و العقلاء على عدم ترتيب آثار الحلّ، و لما في ذيل صحيحة أبي ولّاد الماضية «3»، الظاهرة في أنّ الطيب الحاصل من الاشتباه و الغفلة، غير كاف في جواز التصرّف و في الإبراء.

فلو أبرأ زيدا من دينه توهّما: أنّه مقتضى بعض القواعد مثلا، فإنّه لا يكفي، و لا يحصل البراءة، فهي متوقّفة على الالتفات و التوجّه، و لو كان قضيّة الصناعة أنّ الطيب الفعليّ متعلّق بالعين الخارجيّة، و لا يعقل التعليق هنا بعد كون الطرف شخصيّا، و الاشتباه

في المقدّمات لا يورث قصورا في النتيجة بعد كون السلطان جاهلا بالأمر، و غير ملتفت إلى القصد.

و أمّا بيعه و عتقه و طلاقه ممّا يعدّ من الإيقاعات بالمعنى الأخصّ، فهي كلّها نافذة، لتماميّة الشرائط، و فقد الموانع: أمّا الأولى فلعدم قصور في العمومات، بعد كون الألفاظ المستعملة في الكتاب و السنّة موضوعة لمعانيها النفس الأمريّة و الواقعيّة، و مستعملة حسب الأصل العقلائيّ فيها، فلو طلّق امرأة بتخيّل أنّها زوجة زيد، فبانت زوجته،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 91 و ما بعدها.

(2) وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

(3) تقدّم في الجزء الأوّل: 249.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 321

فطلاقه صحيح، و هكذا عتقه، فضلا عن عقده كالبيع و الصلح، من غير احتياج إلى الإجازة، و إلّا يلزم إجازة العقد و الإيقاع فيما كان ملتفتا، لعدم الفرق بين الصور حسب الصناعة الأوّلية.

إشارة إلى بعض التفصيلات في المقام

و ربّما يفصّل بين العقود و الإيقاعات مطلقا، و لعلّه ظاهر الأكثر، فيصحّ و ينفذ في الأولى دون الثانية، و ذلك لأنّ ما هو النافذ من الطلاق هو طلاق زوجته على أن يكون العنوان مأخوذا موضوعا، لا مشيرا إلى الخارج و اسما للمعنون، و هكذا عتق عبده، و هذا ممّا لا يحصل بدون الالتفات، بخلاف بيع ماله و الصلح على ماله، فإنّ عنوان «المال» ليس من العناوين المأخوذة في العقود بنحو الموضوعيّة حسب النظر العرفيّ.

و لأنّ الاحتياج إلى الإجازة غير قابل للإنكار، و هو في العقود ممّا يتصوّر، لجريان الفضوليّة فيها، و لا يتصوّر في الإيقاعات. و أنت خبير بما فيه من جهات شتّى أشرنا إليها في المباحث السابقة.

و لأنّ في العقود يمكن الالتزام بالخيار، لحكم العقلاء به

من غير حاجة إلى التمسّك بقاعدة «لا ضرر.» مع أنّها لا تفي لإثبات الخيار الحقّي، على إشكال مشهور في محلّه، و لكن ذلك مقطوع العدم بالضرورة في الإيقاعات، فدائر أمرها بين اللّزوم و البطلان، و لا سبيل إلى الأوّل، فتعيّن الثاني.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 322

و ربّما يقال: بأنّ العقد الصادر من السلطان الجامع للشرائط و هكذا إيقاعه صحيح، و لكنّه ليس بلازم، بل لا بدّ من الإجازة، و هذا ليس من الخيار المصطلح عليه حتّى لا يجري في الإيقاعات.

و غير خفيّ: أنّ الإجازة ليست لازمة، ضرورة أنّ العقد السابق إن كان كافيا، و لا منقصة فيه حتّى يحتاج إلى الجبران، فهو لازم، و مع وجودها فلا وجه لوجوب جبرانها على السلطان بعد كونه مختارا في الخصوصيّات الفرديّة.

فبالجملة: لا دليل على كفاية الرضا المظهر بالعقد أو الإيقاع الحاصلين حال الغفلة و عدم الالتفات، و قضيّة حديث «لا يحلّ.»

و قاعدة السلطنة هو الاحتياج إلى الإجازة.

و ربّما يتوهّم التفصيل بين ما إذا باع لنفسه، و ما إذا باع عن المالك و السلطان على السلعة، ففي الصورة الأولى يشكل الحكم بالصحّة، بخلاف الثانية، لأنّ الإنشاء غير قاصر عن شموله و إن كان خاطئا في التطبيق.

و مثله التفصيل بين ما إذا باع عن أبيه الذي هو المالك، فبان أنّه ميّت، و عن مالكها الذي هو أبوه، فإنّ مثل هذه التفاصيل كلّها ناشئة عن أنّ المدخل و المخرج في المعاملة إمّا يكون واحدا في الإنشاء، أو يكون متكثّرا، فإن كان واحدا عرفا- سواء كان خطأ في التطبيق، أو لم يكن- فهو صحيح، و إلّا فهو باطل، فالمناط الكلّي للصحّة و الفساد هذا التحليل العرفيّ.

و من التفاصيل

المتصوّرة التفصيل بين أنحاء السلطنة، فإن كانت

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 323

من قبيل سلطنة الأب و الجدّ ممّا كانت جبريّة شرعيّة، و هكذا سلطنة الحاكم، أو مثل سلطنة الوكيل و الوصيّ ممّا هي مجعولة بعنوان «التولّي» و «الولاية» فلا بدّ من اعتبار قصد العنوان، و ذلك لا يمكن إلّا مع العلم و الالتفات، فلا يعقل إنشاء المبادلة إلّا بعنوان «الولاية» كما عليه بناء حاكم الشرع في التصرّفات، فإنّه يقيّد كلامه بقيد «الولاية» و هذا هو المستظهر من طريقة العقلاء في الوكالة و الوصاية، و لا سيّما في الاشتراء بمال الموكّل و اليتيم بالاشتراء الكلّي، كما لا يخفى.

و إن كانت من قبيل سلطنة المالك التي هي سلطنة تبعيّة مترشّحة من الملك، فلا وجه لبطلان المبادلة بعد تماميّة جميع الشرائط، و لا دليل على لزوم الالتفات و اعتبار العنوان زائدا على وقوع التجارة عن تراض على ماله. و أمّا وقوعها على ماله بما هو ماله، فهو شرط لا يساعد عليه العقل و لا النقل.

و إن كانت من قبيل السلطنة التكوينيّة، كما لو باع مع اعتقاده عدم قدرته على أخذ السمك في الماء، أو الطير في الهواء، أو الحجر في الجبال، بناء على صحّة هذه البيوع، كما عرفت منّا تقويتها في سالف الزمان «1»، و قد استقربها الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- هنا «2»، فإنّه بعد ما تبيّن أنّه قادر فعليه الوفاء بعقده، بعد ترشّح الإرادة الجدّية منه لتمليك المشتري إنشاء، لعدم قصور في البيع بعد صدقه عليه بالوجه الذي

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 2.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 285.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 324

مضى بيانه.

نعم، ربّما يشكل ترشّح الإرادة

الجدّية للتمليك مع اعتقاد العجز.

نعم، مع احتمال القدرة يمكن ترشّحها، فإذن يجب صرفها حتّى يفي بالموعود، و لا سيّما إذا تذكّر قدرته عليه قبل الاشتغال بمقدّمات التسليم، فتدبّر جيّدا.

فبالجملة: بيع الجزئيّ قبل الحيازة كبيع الكلّي قبل اشتراء مصداقه، فكما أنّه قبل الاشتراء لا يكون مالكا هو أيضا لا يكون مالكا، و كما أنّه يتمكّن من استعمال كلمة «التمليك» كذلك هو متمكّن من ذلك.

و لا وجه لما قد يتوهّم: من أنّه قبل البيع يكون مالكا، لامتناع اختصاصه بما يريد بيعه، فهو يكون مالك صاع من الحنطة و الشعير و العدس و الباقلاء، و مثقال من الذهب، و من الحديد، لأنّه بإرادة البيع لا يكون مالكا لما يريد بيعه، فهو لا محالة مالك كلّ شي ء بمقدار اعتباره السوقيّ، و هذا ممّا يضحك الثكلى.

و دعوى: أنّه مالك الواحد اللابعينه، أو مالك الماليّة المشتركة بمقدار اعتباره، غير صحيحة عقلا و عرفا، فهو لا يكون قبل البيع مالكا، بل يبيع ما يقدر على تسليمه، و هذا عين بيع الجزئي فإنّه بيع ما يقدر على تسليمه، فافهم و اغتنم.

الحقّ في الإيقاعات بالمعنى الأعمّ و الأخصّ

و الذي هو الحقّ الحقيق بالتصديق: هو أنّ الالتزام بجواز

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 325

التصرّف في الإيقاعات بالمعنى الأعمّ، مشكل جدّا، بل لا يبعد منعه، و ذلك لأنّ المستفاد من الأدلّة أنّ الرضا و الطيب الحاصل من الخطأ و الاشتباه، أو من الدواعي غير النفسانيّة، غير كاف، و لذلك التزموا بعدم جواز تصرّف العدوّ في مال من يقول: «يا صديقي تصرّف» أو يأخذ بيده معتقدا أنّه صديقه، فإنّه و إن لم يعقل تعلّق الرضا و الجرّ الخارجيّ إلّا بمن في الخارج، و هو الجزئيّ الحقيقيّ، إلّا أنّه مع

ذلك لا ينقدح في أذهان العرف كفاية ذلك.

و يشهد له ذيل صحيحة أبي ولّاد، فإنّه مع رضاه- حسب فتوى أبي حنيفة- بما وقع، و لكنّه عليه السلام أمره بالتفاته إلى الواقعة، و قال عليه السلام: «فإن رضي بعد ذلك فلا بأس» «1» فيعلم منه ممنوعيّة كفاية مطلق الرضا كما لا يخفى.

و أمّا في الإيقاعات بالمعنى الأخصّ، فالإشكال فيها ما مضيّ، فإنّه إذا طلّق امرأة بتوهّم أنّه طلاق فضوليّ، ثمّ بانت أنّها امرأته، فإنّه ما تعلّق رضاه بطلاق زوجته بالعنوان المعتبر عرفا في ذلك، و إن تعلّق طلاقه بالموجود الخارجيّ الذي هي امرأته.

و أمّا الإشكال من جهات أخر- كلزوم التعليق في الإنشاء، لأنّ الفضوليّ يكون عمله معلّقا، أو غير ذلك ممّا قيل في المفصّلات، فهو لا يرجع إلى محصّل، فتأمّل.

______________________________

(1) الكافي 5: 290- 6.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 326

الحقّ في العقود

و أمّا في العقود فإن قلنا: بأنّ الرضا المعتبر في العقود، ليس أمرا وراء الرضا المعتبر في الإيقاعات بالمعنى الأعمّ، و إنّما اختلافهما من ناحية المتعلّق، فإنّه في الإيقاع متعلّق بالتصرّف أو الإبداء، و في العقود بالتجارة، فلا يبعد التجاوز من ذيل الصحيحة فيقال: إنّ مجرّد الرضا غير كاف.

و الإنصاف: أنّ بناء العقلاء على عدم ترتيب آثار العقد اللّازم على فعل الفضوليّ، بعد ما تبيّن أنّه باع مال نفسه غفلة و نسيانا، و ملتزمون بأنّه بالخيار، و هذا ليس الخيار العقديّ، بل هو من تخييره بين الإجازة و الردّ، فدعوى قصور أدلّة التنفيذ عن شمول مثل هذه العقود، قريبة جدّا، و مجرّد موافقة الصناعة غير كاف، فلا تخلط.

و ربّما يمكن دعوى استظهار شرطيّة الرضا الخاصّ من آية التجارة، لقوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ

تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1» فإنّ التقييد بقوله مِنْكُمْ لا يفيد إلّا كون الرضا عن الدواعي النفسانيّة، و هي لا تحصل إلّا مع الالتفات إلى أطراف القضيّة.

إن قلت: «لو كان الالتفات و العلم من قبل المالك، شرطا في نفوذ إذنه في الإيقاعات و العقود، لكان يشكل عند الشكّ في ذلك، لعدم إمكان إحراز هذا الشرط بقاعدة اليد و السلطنة، فإنّ هذه القواعد ناظرة

______________________________

(1) النساء (4): 29.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 327

إلى إفادة الملكيّة، و أنّ المتصرّف مسلّط على ماله، و أمّا أنّه عالم بأنّ ما يتصرّف فيه ماله، فهو أمر آخر نحتاج في إحرازه إلى أمارة عقلائيّة اخرى بالضرورة، و هي منتفية، فيعلم عدم تماميّة الشرط المزبور».

قلت: هذا ما أورده الوالد- مدّ ظلّه- في المقام «1»، و لكنّه غير تامّ، لأنّ احتمال الغفلة مع التصدّي للإذن و الإيقاع و العقد غير عقلائيّ، و يكون مجرّد و هم لا يعتنى به.

و بعبارة أخرى: حاله مع هذه الأفعال الصادرة عنه، ظاهرة في توجّهه إلى مالكيّته و ماله و عمله مع الخصوصيّات المعتبرة فيه.

إن قلت: بناء عليه يلزم كون العقد و الإيقاع المزبورين فضوليّين، بمعنى تحقّقهما الإنشائيّ، و توقّفهما على الإجازة مع صدورهما عن المالك و عمّن له السلطنة عليهما، و هذا غير الفضوليّ المعروف، مع عدم إمكان الالتزام به في الإيقاعات.

قلت: قد عرفت أنّ مفهوم «الفضوليّ» ليس في رواية، و لا في معقد إجماع «2»، حتّى يصار إليه، و مناط الفضوليّة جار في جميع الأمور الإيقاعيّة و العقديّة، و الإجماع المشار إليه- لو كان- لا يستلزم فساد العقد، أو عدم احتياجه إلى الإجازة، و لقد مرّ منّا تصوير الفضوليّة من المالك الملتفت، فضلا عن غير

الملتفت إلى ملكيّته و ماله.

إن قلت: التفاته إلى أنّه اتجر بماله كمالكيّته فيمن باع ثمّ ملك،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 290.

(2) تقدّم في الصفحة 3.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 328

فكما لا حاجة إلى الإجازة هناك، لتماميّة الشرائط بعد تحصيل الملكيّة، كذلك الأمر هنا، فإذا باع بتوهّم الفضوليّة، ثمّ تبيّن أنّه أصيل، فيكون العقد مؤثّرا بعده.

قلت: بينهما فرق واضح، بداهة أنّ اعتبار الملكيّة ليس إلّا لأجل أنّ بناء المعاوضة عليها في التأثير نوعا، و أمّا اعتبار الالتفات فيرجع إلى قصور الرّضا الموجود عن كفاية الرضا المعتبر، فلا بدّ بعد العلم و الالتفات من إحراز الرضا الحاصل من المبادي الموجودة في نفسه، فلا يمكن تأثيره بدون الإجازة و الاختيار.

ثمّ إنّ جريان نزاع الكشف و النقل في هذه المسألة، مبنيّ على ما مضى في أصل المسألة: و هو أنّ فقد بعض الشرائط في العقد، يقتضي الكشف على القول به من حين تحقّقه، لا من حين العقد، على التفصيل الذي مضى سبيله.

و ممّا ليس يخفى: أنّ قضيّة ما سلف عدم تماميّة التفاصيل المشار إليها، و لا حاجة إلى ذكرها، لقلّة نفعها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 329

المرحلة الخامسة فيما يتعلّق بالمجاز
اشارة

و هو أمور:

الأمر الأوّل: في انقسام الشرط إلى مقوّم الماهيّة و محقّق الوجود
اشارة

لا شبهة في اشتراط العقد و عناوين المعاملات بشروط، و هي بين ما يكون شرط العقد اصطلاحا، أو شرط المتعاقدين، أو شرط العوضين، و الكلّ يرجع إلى أنّ العقد إمّا متقوّم في ماهيّته بأمور، أو متقوّم في وجوده بها، أو متقوّم في علّيته و تأثيره. هذا بحسب التصوّر.

و أمّا تصديقا، فلا يمكن دعوى أنّ جميع الشروط شروط التأثير، أو أنّها شرط تحقّقه، أو هي مقوّم ماهيّته، لأنّها مختلفة قطعا بلا شبهة و إشكال، و قد مضى منّا في مقام ذكر ثمرات الكشف و النقل: أنّ الفقيه لا يتمكّن من التخريص و التخمين، بل عليه الرجوع إلى أدلّة كلّ واحد من هذه الشروط، و مراعاة كلّ واحد من هذه الاحتمالات.

فما يظهر من الشيخ و جمع من أتباعه «1» من الالتزام بأنّها كلّها- إلّا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 170- السطر 7، منية الطالب 1: 277.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 330

رضا المالك- من شروط الوجود، و قال: «إنّ جميع ما دلّ من النصّ و الإجماع على اعتبار الشروط في البيع، ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل و الانتقال بالعقد» «1» انتهى، في غير محلّه و إن استثنى من ذلك و قال:

«نعم، لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعيّ على العقد- من غير ظهور في اعتباره في أصل الإنشاء- أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة، و لعلّ من هذا القبيل القدرة على التسليم، و إسلام مشتري المصحف و المسلم» «2» انتهى.

و لا يخفى: أنّه بعد فرض عدم الظهور لا معنى لقوله: «أمكن» فتدبّر.

فبالجملة: كلّ ما كان قيد العقد و الماهيّة و مقوّم الحقيقة الاعتباريّة، فهو- لا محالة- واجب

من أوّل العقد إلى بعد الإجازة، لأنّ العقد لا بدّ من بقائه حتّى بعدها ليمكن الإقالة و الفسخ، و هذا مثل أصل وجود العوضين، فإنّه إذا تلفا فلا بقاء للعقد و إن اعتبرنا بقاءه في محلّه باعتبار بعض الآثار و الأغراض، و لكنّه مجرّد تخيّل لا واقعيّة اعتباريّة له.

و كلّ ما كان دخيلا في تحقّقه الإنشائيّ و أصل وجوده الناقص من الشرائط العرفيّة و الشرعيّة، فهو لا معنى لكونه مورد البحث و الشكّ، مثل العربيّة، و الماضويّة، و تقدّم الإيجاب على القبول، فإنّ هذه الأمور معان حدثيّة لا بقاء لها، حتّى يشكّ في اعتبار بقائها في دخالة

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر 28.

(2) نفس المصدر.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 331

العقد في التأثير بعد لحوق الإجازة.

و أمّا التنجيز، فربّما يمكن دعوى لزوم كون العقد عند الإجازة منجّزا، دون حالة الإنشاء، بناء على إمكانه عقلا، و ممنوعيّته شرعا، كما هو كذلك على القول بتماميّة الإجماع المدّعى في المسألة «1»، فإذا باع معلّقا على أمر حصل قبل لحوقها، فيكون العقد عند اتصافه بالتأثير منجّزا، و هو القدر المتيقّن من مصبّ الإجماع، فما قد يتخيّل من أنّ التنجيز خارج عن محطّ البحث، في غير محلّه.

ثمّ إنّ سائر الشرائط بين ما يحتمل دخالته في العقد إنشاء و تأثيرا، كنوع شرائط العوضين، و بين ما يحتمل دخالته في الحالتين و الحالة المتوسّطة بينهما، فيكون معتبرا استمراره من حال العقد إلى حال الإجازة، كما في المثال المزبور أيضا، و بين ما يحتمل دخالته في حال التأثير فقط، كالملكيّة، و عدم الإكراه، و البلوغ، و أمثالها.

و لا شبهة في سقوط الاحتمال بالنسبة إلى طائفة منها، لاشتهار كفايتها حال التأثير،

و أنّها من علل علّية العقد، لا أصل وجوده و حقيقته الإنشائيّة، حسبما يتراءى من الأدلّة، و منها الملكيّة و المالكيّة، و منها الاختيار و هكذا.

إذا عرفت ذلك

فالبحث يتمّ في مراحل:
اشارة

______________________________

(1) تمهيد القواعد: 533، القاعدة 198، لاحظ مفتاح الكرامة 7: 639- السطر 39، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 99- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 332

المرحلة الأولى: فيما يتعلّق بالشرائط حسب الأدلّة الاجتهاديّة
اشارة

و قد أشير آنفا إلى أنّ ذلك لا يمكن إلّا بعد الغور في أدلّتها التفصيليّة، و ما اشتهر: من أنّها شرائط الإنشاء إلّا ما شذّ غير سديد، و قضيّة القول بصحّة عقد من باع ثمّ ملك، مع عدم الحاجة إلى الإجازة، اشتراك سائر الشرائط مع شرط الملكيّة في لزوم تأثير العقد بعد حصوله، و في تحقّق العقد الإنشائيّ مع فقده و إن كان صادرا عن المالك.

إن قلت: شرائط العوضين كلّها شرائط الإنشاء حتّى الملكيّة، فإنّه في الفضوليّ تكون الملكيّة التي هي من شرائط العوضين حاصلة، لأنّ العوضين مملوكان لغير العاقد، في مقابل ما ليس مملوكا رأسا، و لذلك يعتبر المملوكيّة في العوضين، و المالكيّة في المتعاقدين، إلّا أنّ الثاني من شرائط التأثير دون الإنشاء.

و أمّا في غيرها، فظاهر الأدلّة المانعة عن البيع، لا بدّ و أن يرجع إلى منع البيع الإنشائيّ مثلا، و إلّا لما كان وجه للمنع عنه رأسا، ضرورة أنّه إذا كان في مثل الخمر عنوان «الخمريّة» غير مانع عن الإنشاء، فإذا صارت خلّا فهو يدخل في ملك المشتري قهرا بدون حاجة إلى الإجازة، فيكون النهي ناظرا إلى تسليط الغير عليها، كما قيل به في المصحف و المسلم، في بيعهما من الكافر، و هو خلاف الأدلّة قطعا، فلا يحتمل في هذه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 333

الشرائط إلّا كونها شرائط الإنشاء، كما قال به الشيخ الأعظم قدس سره «1».

نعم، شرائط المتعاقدين- كالبلوغ و الرشد و عدم الحجر و الاختيار و المالكيّة- كلّها قابلة

لأن تكون شرط الإنشاء و التأثير، أو شرطا في إحدى الحالتين، أو فيها و في الحالة الثالثة المتوسّطة بينهما، كالرشد مثلا.

و أمّا القصد فهو من قبيل شرائط حدوث الماهيّة إنشاء، لأنّ الإرادة علّة وجوده، و العقد بمعناها. و هكذا قصد المضمون، فإنّه لا معنى لاعتبار بقائه أو وجوده حال الإجازة، فلا تخلط، و كن على بصيرة من أمرك.

فبالجملة: البحث حول أنّ الشرط الكذائيّ شرط حال العقد، أو شرط حال الإجازة، متفرّع على البحث عن أنّ الإجازة لازمة أم لا، فإذا قلنا بعدم لزومها في مثل شرائط العوضين- كما مرّ في مسألة «من باع ثمّ ملك» «2»- فلا يبقى لما أفاده الأصحاب رحمهم الله من التفصيل «3» وجه، و يكون البحث المشار إليه ساقطا.

و إن شئت قلت: كلّ شرط إذا كان فقدانه مستلزما للحاجة إلى الإجازة، فهو مورد البحث في أنّه شرط الإنشاء، أو شرط الإجازة، أو شرط مستمرّ من العقد إلى الإجازة، و إلّا فلا معنى للبحث المزبور.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر 28.

(2) تقدّم في الصفحة 304 و ما بعدها.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر 24، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 170- السطر 8، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 140- السطر 38، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 177- 178.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 334

قلت أوّلا: الملكيّة لا تكون من الشرائط مطلقا، كما عرفت تحقيقه، و المدار على تحقّق عنوان «البيع» و إن لم يكن المبيع مملوكا، كالبيع في الكلّيات، فعليه لا منع من بيع الخمر مثلا من قبل من له حقّ الاختصاص، و إذا صارت خلّا و ملكا له يؤثّر العقد، كما إذا استملك ما باعه إرثا أو بالاشتراء.

و ثانيا: ما

هو الممنوع حسب الأدلّة ليس الإنشاء غير المبتني على التسليم و التسلّم، بل المتفاهم العرفيّ أنّ الأدلّة ناظرة إلى النهي عن البيع في المحرّمات مثلا، و في النجاسات بلحاظ قيام العقلاء بترتيب آثاره، فما كان من الإنشاء المقصود منه ترتيب آثار البيع من غير النظر إلى الشرائط المقررة- كما في إنشاء الأصيلين- فهو محرّم و ممنوع و باطل، و ما كان من الإنشاء غير المقصود منه ترتيب آثاره- كما في الفضوليّين، أو الفضوليّ و الأصيل، أو كالأصيلين اللّذين لا يريدان الوفاء بالعقد بمجرّد الإنشاء، بل بناؤهما على المحافظة على الشرائط الشرعيّة بعدم التسليم قبل حصول الشرط- فهو نافذ و قابل للتأثير بعد حصول شرطه.

و ثالثا: مورد كلام القوم رحمهم الله هو بيع الفضوليّ مع فقد شرائط الصحّة في العوضين، أو هو مع فقد شرائط المتعاوضين، و أمّا بيع الأصيل مع فقد الشرائط فهو خارج عن مصبّ كلماتهم، فعليه يأتي النزاع المذكور، و لا يبقى وجه لما اشتهر: من أنّ شرائط المتعاقدين شرائط الإنشاء، و هكذا شرائط العوضين.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 335

حكم العقد الإنشائي المحتاج إلى الإجازة

أقول: قضيّة ما تقرّر منّا في بيع الفضوليّ، أنّ ما يصدر من الفضوليّ ليس بيعا، بل هو إنشاء قابل لصيرورته بيعا، فعليه لا معنى لشمول الأدلّة لمثله، فلا يكون البيع الإنشائي المحتاج في تأثيره إلى الإجازة رأسا، أو المحتاج إلى الإجازة ثانيا- كبيع الصبيّ مثلا، بل و المكره على كلام فيه، و السفيه، و المجنون الأدواريّ على بحث فيه- مشمول الأدلّة الناهية، لخروجه موضوعا عنها، فصحّة العقود الصادرة عن الفضوليّ و الفاقدة لجميع الشرائط الشرعيّة و المستجمعة لها حال الإجازة، قويّة جدّا.

و لأجل هذا التزمنا بعدم لزوم استجماع الإيجاب للشرائط،

بل المدار على حال النقل، فإذا كان العقد عند تحقّقه مستجمعا فهو كاف، و لا دليل على الأزيد منه، سواء قلنا: بأنّ الإيجاب تمام هويّة المعاملة، و تكون فضوليّة، و يحتاج إلى الإجازة، و القبول إجازة الفضوليّ حقيقة «1»، أو قلنا: بأنّ القبول جزء ركنيّ في العقد «2»، أو قلنا: بأنّ الإيجاب تمام العقد الإنشائيّ، و لكنّه ليس بيعا، كما هو الأقوى.

نعم، على الأخير قصور الأدلّة واضح كما لا يخفى.

هذا كلّه حول العقد الإنشائيّ المحتاج إلى الإجازة.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 102- 103، 301- 302.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر الأخير.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 336

حكم العقد الإنشائي الذي لا يحتاج إلى الإجازة

و أمّا ما لا يحتاج إليها، فالبحث المزبور ساقط، و لكن قد أشرنا آنفا إلى إمكان الالتزام بأنّ المنصرف إليه من الأدلّة الناهية هو ما تعارف في بيع المحرّمات و الأعيان النجسة مثلا، و أمّا إذا كان بناء المتعاملين على إنشاء العقد و العمل بمضمونه بعد ما صارا مالكين- كما إذا صار الخمر خلّا، أو صار الكلب ملحا، أو غير ذلك- فإنّه يصحّ العقد، على إشكال قويّ.

و ربّما يمكن دعوى احتياجها إلى الإجازة و إن صدر عمّن له حقّ الاختصاص، لأنّ رضاه غير كاف، كما عرفت عن جمع من الأعلام في مسألة «من باع ثمّ ملك» و عليه يأتي البحث، و يصير قصور الأدلّة عن شمولها قطعيّا، لأنّ معنى الحاجة إلى الإجازة أنّه العقد الإنشائيّ، و هو عندنا ليس بيعا بالحمل الشائع «1»، فافهم و اغتنم.

المرحلة الثانية: في اختلاف اقتضاء الكشف و النقل في الشرائط
اشارة

ضرورة أنّ قضيّة الكشف الحقيقيّ هو النقل من الأوّل ثبوتا، فلا بدّ من كون العقد جامعا للشرائط من الأوّل.

و لو كان فاقدا فهل يمكن تصحيحه من حال وجود الشرط على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 337

الكشف، أم لا؟ وجهان مضى في المسألة السابقة سبيلهما، و قد قوّينا الأوّل «1»، و ذلك لأنّ نزاع الكشف و النقل مخصوص بالعقد الجامع، و إذا صار جامعا فيصير مؤثّرا، و لما تقرّر: من أنّ خروج العقد في برهة من الزمان عن الإطلاق الأزمانيّ، لا يضرّ بشمول العموم الأفراديّ له بعد ارتفاع المانع، و التفصيل في مقام آخر «2».

و العجب من الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- حيث منع صحّة الكشف هناك، معلّلا بعدم تحقّق المضمون و الإنشاء «3»، و صحّحه هنا «4»!! فبالجملة: مفاد الإنشاء و إن كان

غير مشتمل على الزمان، و لكنّه منطبق عليه، فإذا كان واجدا للشرائط فيؤثّر قهرا، و إلّا فيؤثّر بعد الاستجماع بالضرورة.

و إذا صار واجدا لها حين الإجازة فيصحّ على النقل، لما تقرّر منّا:

من أنّ امتناع التصحيح على الكشف لا يورث بطلان العقد، و لا يستلزم سلب الصحّة التأهّلية و انسلاب قابليّته عن لحوق الإجازة، فما اشتهر:

«من أنّ قضيّة القواعد هو الكشف، فإن أمكن هو فهو، و إلّا فالعقد باطل» فهو في غير محلّه عندنا، لما مضى من أنّ هذا لا يستلزم ذاك، فاغتنم.

هذا إذا قلنا: بأنّ الكشف على وفق القواعد.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 275.

(2) لاحظ تحريرات في الأصول 5: 457- 458.

(3) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 163، 185.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 305- 306.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 338

و إذا قلنا: بأنّه على خلافها، فالقول بالنقل عند عدم إمكان الالتزام بالكشف متعيّن، لأنّه على القواعد.

و من هنا يتّضح حال الكشف التعبّدي، بناء على كون المتعبّد به تأثير العقد من أوّل وجوده، و هكذا كشف المحقّق الرشتيّ قدس سره «1»، فكلّ من يرى الانتقال من حين العقد ثبوتا، فلا بدّ من أن يراعي جميع الشرائط، و إلّا فلا يحصل الأثر.

و أمّا توهّم شرطيّة استمرار الشرائط إلى حال الإجازة بعد حصول النقل، فهو مناقض للكشف، لأنّ لازم ذلك التزامه بشرطيّة بقائها إلى آخر الدهر، لعدم الفرق، فإنّ الإجازة على الكشف الحقيقيّ و ما بحكمه معناها ليس إلّا الجزء المتأخّر الدخيل بعد حصول معلوله قبله، فإذا حصل المعلول فلا معنى لشرطيّة بقاء سائر أجزاء العلّة.

و هذا نظير أن يعتبر بقاء ألفاظ العقد إلى حالها، أو من قبيل شرطيّة بقاء اتحاد القيمة السوقيّة إلى

حالها، فلو كان حين العقد معاملة غير غبنيّة، ثمّ بعد الإجازة علم باختلاف القيمة السوقيّة بعد العقد، فيكون على التوهّم المزبور هو بالخيار، و هذا واضح المنع.

و بالجملة: بعد انتقال الملك إليه واقعا لا معنى لشرطيّة البقاء أصلا.

و ممّا مضى في المرحلة الأولى يظهر حال الكشف الانقلابيّ، فإنّ الشرائط ليست معتبرة عليه حال العقد كما على النقل، لأنّ الأثر مترتّب من حين الإجازة من الأوّل، فلا يؤثّر العقد بوجوده الإنشائيّ حتّى يلزم

______________________________

(1) الإجازة، المحقّق الرشتي: 184- 185.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 339

واجديّته للشرائط، بعد قصور الأدلّة فرضا عن إثبات ذلك.

فما قيل من عدم الفرق بين الكشف و النقل «1»، غير سديد، و إحداث الفرق بين أنحاء الكشف ممكن لا يهمّنا ذكره.

و توهّم: أنّ الكشف الانقلابيّ من أقسامه، ممنوع جدّا، كما مضى، بل هو من أقسام النقل، لما مضى من أنّ مدار الكشف على تأثير العقد من الأوّل ثبوتا، لا إثباتا، و مدار النقل على تأثير العقد بعد الإجازة ثبوتا و إثباتا، سواء كان النقل من حينها، أو من الأوّل «2»، فافهم و تأمّل.

فبالجملة تحصّل: أنّه على الكشف لا بدّ من استجماع العقد لجميع الشرائط حينه، و على النقل لا بدّ من استجماعه لها حينها، و أمّا شرط استمرار الشرائط من حال العقد إلى حال الإجازة أو بالعكس، فهو منفيّ، لعدم الوجه له أصلا.

و أمّا على ما سلكناه من أنّ الكشف و النقل بيد المالك الظاهريّ، و لا يكونان خارجين عن اختياره، فهو غير الكشف الحقيقيّ، بل هو من قبيل الكشف الانقلابيّ، أو الحكميّ و التعبّدي، بمعنى إلزام الشي ء بترتيب آثار العقد من حين الإجازة من الأوّل، و عليهما لا بدّ من

استجماع العقد للشرائط حال الإجازة، فلا تخلط.

إن قلت: لا بدّ من اعتبار الاستمرار، و إلّا يلزم لغويّة العقد، لأنّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 170- السطر 8، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 306.

(2) تقدّم في الصفحة 146- 149.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 340

الخلّ إذا صار خمرا يخرج عن الملك، و لا يبقى أثر للإجازة اللاحقة، و هكذا سائر الشروط المعتبرة في العوضين.

قلت: خروجه عن الملك لا يورث سقوط حقّ الاختصاص الثابت بالعقد للمشتري، فالإجازة مفيدة، هذا مع أنّه يشبه العقد الثاني قبل الإجازة، فإنّه مخرج عن الملك واقعا مع لزوم الإجازة بالنسبة إلى العقد الأوّل، فالخروج إذا كان مستتبعا لغرض و أثر عقلائيّ، لا يستلزم لغويّة العقد.

بحث و تفصيل: حول عدم اعتبار استمرار الشرط غير المقوّم للماهية
اشارة

قضيّة ما مرّ منّا عدم لزوم وجدان العقد الفضوليّ للشرائط الشرعيّة، بل مطلق الشرط غير الدخيل في تقوّمه الماهويّ، من غير فرق بين شرائط العوضين و المتعاوضين.

نعم، ربّما يستظهر من الشرع اعتبار شرط مقوّما، فيكون هو المتّبع تعبّدا، كما قد اشتهر في شرطيّة البلوغ، و أنّ الصغير مسلوب العبارة «1»، و لكنّك عرفت منّا ضعفه «2».

و من غير فرق بين كون المتصديّ للإنشاء نفس المالك الفاقد

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 73، الدروس الشرعيّة 3: 192، الروضة البهيّة 1: 314- السطر 2، جواهر الكلام 22: 260- 262، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 8 و 25.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 287 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 341

للشرط، أو غيره، و من غير فرق بين كون الفضوليّ كالوكيل المفوّض و المأذون المطلق، أو كالآلة الموسّطة، فلا حاجة إلى معلوميّة مقدار العوضين حين العقد، لا للفضوليّ، و لا لغيره، و لا إلى

القدرة على التسليم، بل هي غير لازمة حين الإجازة إذا كانت موجودة في ظرف لزوم التسليم، لعدم الدليل الشرعيّ عليه و لا إلى كونه طلقا، و لا إلى بلوغ الفضوليّ و المالك. و هكذا.

و على تقدير اعتبارها حالهما، فلا دليل على اعتبار استمرارها في الحالة المتوسّطة:

أمّا بالنسبة إلى شرائط المتعاوضين، فهو واضح.

و أمّا بالنسبة إلى شرائط العوضين، فبقاء الملكيّة و الماليّة مع بقاء حقّ الاختصاص مقطوع العدم، و هكذا غيرهما بطريق أولى.

نعم، بناء على صيرورته مباحا أصليّا، و يكون الناس على حد سواء بعد ما صار الخلّ خمرا مثلا، فربّما يشكل اعتبار بقاء العقد الإنشائيّ، لما مرّ من أنّ تلف العوضين يستلزم انحلال العقدة قهرا عرفا، من غير فرق بين الكشف و النقل. هذا كلّه بناء على ما سلكناه في هذا المضمار.

بيان حال الشرط غير المقوّم بناء على اعتباره

و أمّا بناء على اعتبار الشرائط، فهل هي معتبرة مطلقا، أي عند الفضوليّ و المجيز و المالك حين العقد، أو لا تعتبر إلّا للعاقد و المجيز فقط؟

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 342

أو يكفي حصول شرائط العوضين للفضوليّ العاقد عن المالك و المجيز، بحيث إذا اطلع المالك على وقوع العقد التامّ الشرائط فأجاز، فهو صحيح، من غير لزوم الاطلاع على الخصوصيّات، و هكذا لو كان عالما بالقدرة على التسليم حين العقد، فإنّه يكفي لصحّته و إن كان المالك جاهلا بذلك، بناء على القول: بأنّ قدرة المشتري على التسلّم كافية للصحّة، و تكون قدرة المالك من الشرائط التي يستلزم تخلّفها الخيار، كما لا يخفى فتدبّر؟

وجوه:

أمّا لزوم كون المالك مطلعا، فهو ممنوع جدّا، بل لو كان فهو معتبر في المجيز.

و أمّا عدم كفاية علم الفضوليّ، فلا دليل عليه، و سيوافيك بعض البحث في

الأمور الآتية إن شاء الله تعالى.

نعم، بناء على ما سلكناه، من أنّ بيع الفضوليّ ليس بيعا حقيقة، فلو دلّ الدليل على أنّه لا غرر في البيع، أو دلّ على شرطيّة القدرة على التسليم في البيع، فالكفاية ممنوعة، لاحتياجها إلى الدليل، من غير فرق بين كونه كالوكيل المفوّض، أو كونه كالآلة.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ مع وجدان العقد للشرائط حال الإنشاء، لا يبقى موضوع الغرر حال الإجازة، فيكون الاعتبار لغوا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 343

المرحلة الثالثة: في مقتضى الأصول العمليّة
اشارة

و هو يقرّر على وجوه:

أحدها: أنّ العقد الإنشائيّ إذا كان واجدا لجميع الشرائط إلّا الرضا، فقد علم ذلك، و إذا اختلّ شرط بقاء فقضيّة الاستصحاب كفاية الرضا، لأنّه كان على يقين من أنّه إذا لحقه الرضا يصحّ، فالآن كذلك.

و فيه: أنّ الاستصحاب التعليقيّ ممنوع الجريان في التعاليق الاختراعيّة، لأنّ التعليق ليس حكما شرعيّا، و لا مجعولا إلهيّا.

و بعبارة أخرى: الملازمة ليست من المجعولات.

و لو قيل: يستصحب الصحّة التأهّلية، فإنّها في تأهّليّتها فعلية، فإذا كان العقد صحيحا لا يؤثّر فيه الرضا.

قلنا: لا يعلم منه واجديّته لجميع الشرائط، كما لا يخفى.

ثانيها، إذا علمنا بشرطيّة أمور حال الإجازة، أو أمور حال العقد، و شكّ في الباقي، فلا دافع له إلّا إطلاق الأدلّة، و أمّا البراءة الشرعيّة ففي جريانها إشكال المثبتيّة، خصوصا بالنسبة إلى الشرائط العرفيّة، أي الشرائط المشكوك اعتبارها عرفا، لعدم الاطلاع على فهمهم و بنائهم بالنسبة إليها، فالمحكّم استصحاب عدم النقل، على إشكال فيه أيضا.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 343

و

إذا علمنا بشرطيّة أمور حال العقد أو الإجازة، و شكّ في الحدّ المتوسّط و في شرطيّة بقائها إلى حال الإجازة، أو علمنا بعدم شرطيّتها بقاء و في الحالة المتوسّطة، ففي الفرض الثاني لا بدّ من الاحتياط بالنسبة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 344

إلى حالهما، دون الحالة الثالثة، عملا بالعلم الإجمالي. و هكذا في الفرض الأوّل، لعدم كونه طرفا للعلم.

و لو علمنا بشرطيّة أمور إجمالا في الحالات الثلاث، فإن كان المفروض أنّ الحالة الاولى و حالة الإجازة مقابل الحالة الثالثة، بأخذهما بشرط لا، فلا بدّ من الاحتياط عملا بالعلم.

و إن كان المفروض أنّ الحالة الثالثة بالنسبة إلى الحالتين الأخريين من الأقلّ و الأكثر، فيكون العلم الإجماليّ بالنسبة إلى حال العقد و الإجازة منجّزا، لأنّهما متباينان، و بالنسبة إلى الثالثة غير منجّز، لأنّ الطرف الثالث من الأقلّ و الأكثر، و يكون الأقلّ إحدى الحالتين الأوّلتين، و لا يتصوّر التنجيز بالنسبة إلى الطرفين مكرّرا، و لا تنجيز فوق التنجيز، كما اشتهر و صار من الأمثلة المشهورة: «إنّ المتنجّز لا يتنجّز» «1».

و بعبارة أخرى: كما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه-: «أنّ هذه المسألة كمسألة الأقلّ و الأكثر، فكما أنّ العلم الإجماليّ هناك ينحلّ بالعلم التفصيليّ بالأقلّ تكليفا، كذلك هنا، و لكنّ الفرق من جهة غير فارقة: و هي أنّ في الأقلّ و الأكثر يكون من الانحلال في التكليف، و هنا يكون من الانحلال في التنجيز» «2» ضرورة أنّ المعلوم بالإجمال مشكوك من جهة زيادة الشرط، و هو استمرار الشرائط إلى حال الإجازة، فلا بدّ

______________________________

(1) لاحظ تهذيب الأصول 2: 301، مصباح الأصول 2: 421.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 303- 304.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)،

ج 2، ص: 345

من الاحتياط في الطرفين، دون الحالة المتوسّطة، فيرجع إلى إطلاق الأدلّة، أو البراءة الشرعيّة على القول بها، كما كان يقوّيه في الأسبق.

و ربّما يخطر بالبال أن يقال: بأنّ المتنجّز لا يتنجّز، كقاعدة «أنّ المتنجّس لا يتنجّس» فكما أنّه بالنسبة إلى الأثر الزائد يصير متنجّسا ثانيا، كذلك الأمر هنا.

و بعبارة أخرى: فيما إذا تعلّق العلم ثانيا بنجاسة الطرف و الملاقي، يكون التنجّز مستندا في البقاء إلى العلمين، فيصير السببان متداخلين، و فيما نحن فيه و إن لم يعقل تنجّز الطرف الواحد مرّتين بالعلم الواحد، و لكن فيما كان الطرف الثالث في عرض الطرفين، لا يكون من التنجيز فوق التنجيز، لعدم تنجّز الطرفين قبله، فالطرف الثالث يستند في التنجّز إلى كونه طرفين، لما فيه من الزيادة، فلا يلزم كون الشي ء الواحد طرفين للعلم الواحد، بل يلزم كون الشي ء الواحد متنجّزا مع الزيادة.

و بعبارة أخرى: بعد العلم الإجماليّ المزبور نعلم- بالملازمة- بأنّ الطرف الأوّل و الثاني لا ينجّزان إلّا مع تنجّز الثالث، لعدم إمكان التفكيك بينهما، لعدم تقدّم هذين على ذاك في التنجّز و العلم، فالعلم إمّا لا يكون منجّزا مطلقا، أو ينجّز كلّ الأطراف في عرض واحد، و حيث لا سبيل إلى الأوّل يتعيّن الثاني، و عليه لا بدّ من الاحتياط بحفظ الشرط في الحالات الثلاث. و مع ذلك كلّه نحتاج إلى التدبر.

ثالثها: إذا كانت الشرائط المعتبرة موجودة حال العقد، و شكّ في بقائها في الحالة المتوسّطة و حالة الإجازة، أو شكّ فيه في الحالة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 346

المتوسّطة، و علمنا بتحقّقها ثانيا حال الإجازة، فقضيّة الاستصحاب بقاؤها، فتكون من ضمّ الوجدان إلى الأصل، و يحصل السبب التامّ.

و يشكل

ذلك: بأنّ بقاء الشرائط المعتبرة في سببيّة العقد للتأثير، لا يورث إثبات السببيّة إلّا على الأصل المثبت، سواء كان الطرفان وجدانيّين و الحدّ المتوسّط تعبّديا، أو كان التعبّد منجزّا إلى حال الإجازة.

و ربّما يفصّل بين الشرائط، لاختلاف لسان الأدلّة إمكانا، فما كان متكفّلا لجعل السببيّة يكون إحراز السبب مثبتا، و ما كان متكفّلا لجعل الملازمة فينتزع السببيّة منه، فلا يكون الأصل مثبتا، و التفصيل يطلب من محالّه.

عدم جريان الاستصحاب المزبور في مثل شرط المعلوميّة

ثمّ إنّ من الشروط ما لا يجري فيه الأصل، كشرط المعلوميّة، و العلم بمقدار الكيل، فإنّه إذا شكّ في بقائه على الوصف السابق، و لم يكن يجري أصالة السلامة، فالاتكال على الاستصحاب مشكل، لا لأنّ العلم أخذ على وجه الصفتيّة و الموضوعيّة، بل لأجل أنّ الإحراز الحاصل من العلم إحراز تامّ، و ربمّا كانت تماميّته مانعة عن قيام الأصل المحرز مقامه، لعدم تماميّة إحرازه، كما ذكرنا ذلك في منع قيام البيّنة مقام العلم المأخوذ في الأخبار المتكفّلة لاعتبار اليقين بالركعات «1»،

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 6: 107.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 347

فلا تغفل، و لا تكن من الخالطين.

هذا كلّه فيما إذا كان المفروض شرطيّتها في الحدّ المتوسّط.

حكم جريان استصحاب الشرائط المعتبرة حال العقد و الإجازة

و إذا كانت الأمور المذكورة شرطا حال العقد و الإجازة فقط، و شكّ في بقائها، فلا مانع من تخلّل الزمان المتوسّط الذي لا أثر له، لعدم إضراره بشرائط الاستصحاب.

إنّما الإشكال فيما إذا تخلّل اليقين بين حال العقد و الإجازة، فإنّه ربّما يمكن دعوى جريان الاستصحاب، لأنّ اتصال زمان الشكّ باليقين معتبر مع عدم تخلّل اليقين المضادّ الذي هو كاشف عن الأثر الضّد، و أمّا إذا لم يكن فيه الأثر رأسا- كما نحن فيه- فلا يضرّ، فلو كان المبيع خلّا، ثمّ صار خمرا، فإنّ القطع، بخمريّته لا يورث شيئا في الحكم الثابت حال العقد الخاصّ الواقع عليه، و إذا شكّ في انقلابه خلّا يصحّ أن يقال: «كنت على يقين من خلّية هذا، و شككت في خلّيته» فإنّ وحدة القضيّتين محفوظة، و لا معنى- على ما تقرّر «1»- لاعتبار كون الشكّ في بقاء ما يتيقّن به، لأنّه أمر تصوّري، و الشكّ و اليقين يتعلّقان بالقضايا التصديقيّة، أو بما

في حكم القضيّة.

نعم، بناء على جريان الاستصحاب إذا كان الأثر لحال الشكّ فقط، يشكل الأمر، لتهافت الاستصحابين، و لا يمكن شمول الدليل لهما. و لكن

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 8: 405.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 348

إمكان جريان الثاني ليس بأقرب من الأوّل، فافهم و تأمّل.

فما ورد في أخبار الاستصحاب بقوله: «و لكن أنقضه بيقين آخر» «1» ليس ناظرا إلّا إلى اليقين بالحكم المضادّ للحكم السابق، أو الموضوع المضادّ مع الموضوع السابق في الحكم، و أمّا نفس اليقين بما هو يقين، فلا قاطعيّة في حكمه، و الله العالم.

إيقاظ: في لزوم واجديّة العقد للشرائط المعتبرة حين اتصافه بكونه بيعا

بناء على ما سلكناه من أنّ بيع الفضوليّ ليس بيعا حقيقة، بل هو بيع إنشائيّ كالحكم الإنشائيّ، و بناء على ما ذكرناه: من أنّ كاشفيّة الإجازة و ناقليّتها بيد المالك، فإن أجاز من الأوّل يصير العقد مؤثّرا من الأوّل، و إن أجاز من الوسط فمن الوسط، و إن أجاز من الآخر فيصير مؤثّرا و ناقلا من حين الإجازة «2»، لا بدّ من كون العقد واجدا للشرائط المعتبرة حين الاتصاف بكونه بيعا واقعا و حقيقة.

فلو كان المبيع حين العقد الفضوليّ خمرا، و صار قبل الإجازة خلّا، فللمالك إجازته من حين الانقلاب، لا من الأوّل.

و لو كان خلّا ثمّ صار خمرا، فله إجازته من الأوّل، لعدم شرطيّة بقائه على الخلية إلى حال الإجازة، و لا في حالها، لعدم كونها عقدا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 8- 11، وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 146.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 349

مستأنفا، و لا استيجابا بدويّا، كما لا يخفى.

الأمر الثاني: حول اشتراط معلوميّة المجاز للمجيز
اشارة

قد ذكر الأصحاب هنا شرطيّة معلوميّة المجاز للمجيز معلوميّة بالتفصيل «1»، و قال بعضهم بكفاية المعلوميّة الإجماليّة «2».

و أنت خبير: بأنّ هذا البحث ليس جديدا، و لا وجه لتخصيصه بالذكر، بعد ما عرفت البحث الكلّي في الأمر الأوّل، و أنّ الأدلّة المتكفّلة لإفادة شرائط المعاملة، ناظرة إلى أنّ المعاملات كلّما اتصفت بالعناوين المعامليّة- من «البيع» و «الشراء»- لا بدّ من كونها واجدة للشرائط حسب أدلّتها، و استثناء بعض منها شاهد على عموميّة المستثنى منه، فيكون من اللّازم كون العقد معلوما و كون المبيع معلوما بحدوده على وجه يرفع به الغرر المنهيّ، فلو كان هذا معلوما للفضوليّ و لم يكن

كافيا فهو باطل، لما قال الشيخ برجوع الشرائط إلى حال الإنشاء «3»، و هكذا لو كان هذا معلوما للمالك حال العقد و لم يكن كافيا. هذا على مسلكهم.

و أمّا على ما سلكناه من لزوم المراجعة إلى أدلّة الشروط، فالذي هو القدر المتيقّن من شرطيّة العلم هو اشتراطه حال التأثير،

______________________________

(1) المكاسب و البيع، المحقق النائيني 2: 216- 217. حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 180- 181.

(2) لاحظ هداية الطالب: 304- السطر 13.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 142- السطر 28.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 350

فإن قلنا بالكشف فلا بدّ من الالتزام بكفاية معلوميّته للفضوليّ أو المالك حال العقد، و إن قلنا بالنقل من حين الإجازة، فلا بدّ من الالتزام بكفايته حال الإجازة للمالك، و أمّا لزوم علمه بالخصوصيّات- بعد اطلاعه على أنّ ما وقع مطابق لمصلحته مثلا- فلا برهان عليه.

و ممّا يتوهّم في المقام شمول دليل نفي الغرر لحال الإجازة «1».

و أنت قد عرفت منّا: أنّ دليل نفي الغرر لا أساس له، و أنّ الغرر المنهيّ بعنوانه لا يورث اشتراط المعاملات، فضلا عن الإجازة، لأنّه عنوان خارج عنها، و بينه و بينها عموم من وجه، و أمّا النهي عن بيع الغرر فهو في محلّه، و لكنّ المعاملات الفضوليّة إمّا ليست بيعا واقعا، أو تكون مورد الانصراف، لأنّ العقلاء لا يفهمون أزيد من كون المبيع معلوما حال التأثير، ككونه مملوكا حاله، فتدبّر.

و ممّا لا يكاد ينقضي تعجّبي منه، توهّم ابتناء المسألة على أنّ الفضوليّ إن كان كالوكيل المفوّض فعلمه كاف، و إن كان كالآلة فلا يكفي، فإنّه أجنبيّ عن هذه المسألة بالضرورة، لعدم تماميّة صغراها و كبراها، بل المسألة مبتنية على ما أشير إليه: من أنّ المعلوميّة

إن كانت شرطا حال الإنشاء، فلا بدّ من الالتزام بكفاية علم الفضوليّ أو المالك حال العقد، سواء كان الفضوليّ مفوّضا أم لا.

و إن كانت شرطا حال التأثير، فيكفي علم كلّ واحد منهم، لأنّ المناط

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 181- السطر 11، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 308.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 351

ليس عدم كون المعاملة غرريّة، بل المناط عدم كونها سفهيّة و خطرة، أو كونها عقلائيّة، و هي كذلك قطعا.

فروع:

لو أجاز على تقدير وقوع عقد فضوليّ، فهل يكفي، أم لا بدّ من العلم بأصل وجوده و لو كان علما إجماليّا؟ وجهان:

من لزوم التعليق، و أنّ الإجازة في حكم الركن في العقد.

و من عدم لزومه، و أنّه على فرضه لا يضرّ، و أنّها ليست إلّا تنفيذا للماهيّة الموجودة.

و لو عقد الفضوليّ عقدين على أمواله، فأجاز أحدهما، فهل يصير نافذا بالنسبة إلى أحدهما غير المعيّن، فلا بدّ من المراجعة إلى القرعة، بناء على شمول أدلّتها لما لا واقعيّة معلومة له، كما هو الأظهر، أو لا يصير شيئا؟

و على الثاني فهل هي ساقطة رأسا، أم تكون نافعة إذا انضمّت إليها إجازة الآخر، فلو أجاز أحدهما، ثمّ أجاز الآخر، يقعان صحيحين نافذين؟

الظاهر هو الثاني، لعدم احتياج العقد في التأثير إلى الأزيد من ذلك، و توقّف العقد في التأثير على الفرض الأوّل، لعدم إمكان تعلّق الرضا المهمل بالمعيّن منهما، فإذا انضمّ إليه الآخر فقد أظهر رضاه بالعقدين.

و إن شئت قلت: الإجازة الاولى لا تكون نافعة، و لكن لحوق الثانية يستلزم رضاه بالجميع، فيصير الكلّ نافذا فتأمّل.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 352

و ممّا ذكرناه يظهر الخدشة في كلمات القوم، من عدم

إمكان فرض الترديد و الإهمال في ناحية الإجازة، لأنّها لا تتعلّق إلّا بالموجود الخارجيّ «1»، فإنّه غفلة نشأت من تخيّل لزوم كون المفروض عقدا واحدا فضوليّا، فلا تخلط.

الأمر الثالث: في إجازة المالك لأحد العقود الفضوليّة مبهما أو معيّنا
اشارة

كان المفروض في بحث الفضوليّ إلى هنا، ما إذا وقع عقد واحد فضوليّ على مال، و أجازه المالك، و الذي هو المقصود هنا ما إذا أوقع الفضوليّ الواحد أو الفضوليّون عقودا كثيرة من سنخ واحد أو من الأنواع المختلفة على عين شخصيّة، أو عليها و على عوضها و عوض العوض و هكذا، أو عليهما معا، و أجاز المالك أحدها إجمالا أو معيّنا.

و على التقدير الثاني: تارة يجيز رأس السلسلة، و اخرى وسطها، و ثالثة آخرها.

ثمّ إنّ مجرّد تخصيص الفقهاء البحث هنا بالعقود الطوليّة لا يستلزم التخصيص، بل للفقيه بسط المسألة حتّى يتّضح جميع أطرافها، خصوصا فيما إذا كانت ذات نظر علميّ، فالعقود العرضيّة الفضوليّة أيضا محطّ البحث.

______________________________

(1) المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 217، البيع، المحقّق الكوهكمري: 426.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 353

و عند ذلك نقول: الكلام في هذا المقام يتمّ في ضمن صور، و بذلك يتّضح حكم سائر الصور، و الأمر سهل:

الصورة الاولى: في إجازة أحد العقود العرضيّة

إذا وقعت العقود الكثيرة على عين شخصيّة من فضوليّ واحد أو متعدّد، في زمان واحد أو متعدّد عرضا، فالذي تعلّقت به الإجازة يصحّ دون غيره، لعدم توقّف صحّته على صحّة غيره، و لا يستلزم صحّته صحّة الآخر، فلو أوقع جماعة عقد البيع و الإجازة و الصلح مثلا على دار زيد في زمان واحد، و أجاز الوسط، يصحّ هو فقط.

نعم، في بطلان سائر العقود بتلك الإجازة، و سقوطها عن صلاحيتها للحوقها مطلقا، أو بقائها مطلقا عليها، أو يفصّل بين ما إذا وقعت العقود على المبادلة بين المالين من غير تضيّق في ناحية الإنشاء، و من غير إدراج خصوصيّة المالك في المبادلة، و بين ما لو اعتبر ذلك فيه.

وجوه لا يخلو

الثاني من قوّة، فإذا أجاز الوسط في المثال المزبور فلا منع من إجازة الأوّل و الثالث بلا إشكال، لعدم التنافي بينهما ذاتا، فلا معنى لكونها ردّا لغيره، فما ترى في كتب القوم من الرّد الفعليّ بالإجازة مع علمه بذلك «1»، في غاية السخافة.

و في غير ذلك من الأمثلة الأخرى إذا كانت منافية- كما أجاز

______________________________

(1) المكاسب و البيع، المحقّق النائيني 2: 218، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 181- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 354

الثالث في المثال المزبور- فسقوط صلاحية غيره عن لحوق الإجازة مبنيّ على أمر غير مبيّن- و هو ما مرّ منّا توضيحه، و يأتي تفصيله في أحكام الردّ- من أنّ العقد الفضوليّ قابل للإجازة و الردّ، و لقد أنكرنا إمكان ذلك، فضلا عن وقوعه «1»، فانتظر.

فإذن يجوز له إذا انتقل إليه ثانيا بالإرث و نحوه إجازة الإجارة، أو البيع، أو هما معا، لما تقرّر من عدم اشتراط مالكيّة المجيز حين الإنشاء الفضوليّ، و أيضا يجوز في المثال المزبور للمصالح له بعد الإجازة إجازة الوسط و الأوّل، أو هما معا و إن كان العقد الفضوليّ واقعا للمالك حين العقد و الإنشاء، لما تقرّر سابقا: من أنّ إضافة المالك الشخصيّ إلى الإنشاء و المبادلة من زيادة الحدّ على المحدود، و تكون خارجة عن حقيقة المعاوضات «2». و من التفصيل الذي سمعت منّا تقدر على الاطلاع على مواقف الخدشة في كلمات القوم، فليتدبّر.

ثمّ إنّ قضيّة ما ذكرناه لا تختلف على الكشف و النقل، فما ترى في كلمات المحقّق الرشتيّ قدس سره «3» لا يخلو من غموض.

الصورة الثانية: في إجازة أحد العقود الطولية

لو وقعت العقود الطوليّة على عين شخصيّة من أشخاص متعدّدين،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 81 و 202-

203.

(2) تقدّم في الصفحة 271- 273.

(3) الإجارة، المحقّق الرشتي: 195- السطر 19.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 355

بأن باع دار زيد من عمرو، ثمّ باع عمرو داره من بكر، ثمّ بكر من خالد، أو آجر عمرو دار زيد من بكر، و صالح بكر خالدا، على أن تكون العقود الطوليّة مختلفة بالنوع، فهنا صورتان:

ففي الاولى: إن أجاز الأخير صحّ هو بنفسه دون غيره، لعدم توقّف و لا استلزام، و إن أجاز الأوّل صحّ و ما بعده، للاستلزام بناء على جميع الأقوال المشتركة في أنّ العقد مؤثّر من أوّل وجوده، أو هو بالإجازة يصير مؤثّرا من الأوّل واقعا، أو تعبّدا، بناء على إطلاق في دليل التعبّد، أو إلغاء لخصوصيّة المورد، و لا يصحّ ما بعده على النقل كما هو واضح.

و أمّا سقوط صلاحية العقود الأخر عن لحوق الإجازة من قبل المالك، إذا انتقل إليه الملك ثانيا أو من قبل المشتري، فهي عندنا ممنوعة، لما تقرّر سابقا و آنفا.

و الإشكال: بأنّ المالك إذا انتقل إليه ثانيا يجوز له الإمضاء دون المشتري، لأنّ المفروض وقوع البيوع له، مندفع: بما أشير إليه آنفا و مرّ تفصيله «1».

هذا مع أنّ من الممكن اختلاف الصور أيضا من هذه الجهة، فتارة:

يبيع عمرو في المثال المزبور للمالك، و اخرى: يبيع لنفسه، فإن باع للمالك فله إجازته إذا انتقل إليه ثانيا، و إن باع لنفسه فلا يجوز تنفيذه إلّا للمشتري الذي باع لنفسه، فعلى هذا كان على الذين يقولون باختلاف الحكم في هاتين الصورتين- و منهم الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- التفصيل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 271- 273.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 356

في المسألة بين وقوع العقد المتأخّر عن المجاز للمالك،

و بين ما لو وقع لنفسه، فإنّه لا يصحّ المتأخّر بإجازة المتقدّم في الفرض الأوّل:

لقصور الإنشاء عن تأثيره و إن كان هو مالكا، لأنّ العقد السابق وقع صحيحا.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ المفروض في كلامهم الصورة الثانية، و إلّا لا يلزم الترتّب، فلا تغفل.

و أمّا في الثانية: فإنّ إجازة العقد المتوسّط في مفروض المثال، لا تستلزم صحّة العقد المتأخّر، لعدم خروج العين عن ملكيّته حتّى لا يحتاج إلى الإجازة على الكشف، فترتّب العقود بإطلاقه لا يقتضي السراية، فلا تخلط.

و لو أجاز العقد الأوّل فالعقد الثاني يصحّ، لصدوره على الكشف عن مالكه، و ما يتوهّم في الصورة السابقة من الإشكال يأتي هنا بجوابه، كما لا يخفى.

و توهّم: أنّ المراد من «الترتّب» أخصّ من المترتّبات الزمانيّة، غير معلوم الوجه، فتأمّل.

ثمّ إنّ فرض وحدة العاقد و تعدّده في الصورة الأولى، ممكن فيما إذا كان العقد الثاني للمالك الشخصيّ، و أمّا مع كونه للمالك الكلّي أو لنفسه- بأن باع مثلا بعد ما اشترى من الفضوليّ لنفسه- فإنّه يلزم الترتّب في العقود، و يخرج عن الصورة الأولى المتكفّلة للعقود العرضيّة، فما ترى في كتب الأصحاب- رضي الله عنهم- مخدوش.

و أمّا فرض الوحدة و التعدّد في العقود الطوليّة، فهو أيضا ممكن

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 357

أمّا الثاني: فهو واضح.

و أمّا الأوّل: فهو فيما كان الفضوليّ يشتري لنفسه، و يبيع عن المالك من نفسه، ثمّ قبل الإجازة يبيع العين من الآخر لنفسه، فإنّ إجازة الأوّل تستلزم- على الكشف- صحّة الثاني، لصدوره عن المالك، فافهم و اغتنم.

إن قلت: لو كان العقد الواقع في الحلقة الثانية مثلا للمالك الكلّي، فلا يلزم الترتّب القهري، فلا يستكشف من إجازة الاولى إجازة الثانية،

فينحصر المثال بما إذا كان لمالكه الشخصيّ.

قلت: نعم، و لكنّه بناء على الحاجة إلى الإجازة، و هي محلّ إشكال بل منع، لأنّ الفضوليّ الثاني إذا عقد عن مالكه الكلّي القابل للانطباق على مالكه الشخصيّ و نفسه، و كان مالكا على الكشف حين العقد، فإنّه يقع منه قهرا، لتماميّة الشرائط.

بل يمكن دعوى جريان ترتّب قهريّ حتّى إذا باع الفضوليّ الثاني لمالكه الشخصيّ، و ذلك لأنّ حقيقة المبادلة ليست إلّا المعاوضة بين عين ماله و الثمن، فإذا بادل بين دار زيد في الحلقة الثانية و الثمن لمالكه، ثمّ أجاز زيد بيع داره في الحلقة الاولى من سلسلة البيوع المتعدّدة الواقعة عليها، يتبيّن أنّ عمرا كان مالكا في الحلقة الثانية، و تخيل عدم مالكيّته، فتكون المسألة من صغريات ما مضت كبراها، و هي ما لو باع المالك بتوهّم أنّه ليس مالكا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 358

الصورة الثالثة: ما لو ترتّبت العقود على الثمن
اشارة

و هذا أيضا تارة: يكون الترتّب زمانيّا عرضيّا، و هذا لا بحث فيه.

و اخرى: يكون الترتّب طوليّا قهريّا.

و على كلّ حال تارة: تكون العقود من نوع واحد، أو أنواع متسانخة، كالصلح و الهبة و البيع، ممّا يخرج بها العين عن الملكيّة.

و اخرى: من الأنواع المختلفة، كالبيع و الإجارة.

و في الأخير أيضا لا يكون بحث زائدا على ما مضى، فيبقى الكلام في المقام حول الطوليّة التي من قبيل البيوع المتعدّدة و ما هو من سنخها، فالمشهور على أنّ إجازة رأس السلسلة لا تستلزم صحّة ما بعده، و إجازة آخرها يتوقّف صحّتها على صحّة سابقها، فيستلزمها، و إجازة الوسط يستلزم ردّ اللاحق و نفوذ السابق، و هذا هو المعروف بين المتأخّرين «1».

و يجوز لحوق الإجازة عندنا بعد تنفيذ رأس سلسلة أو

وسطها إلى غيره، لأنّ الردّ لا يهدم العقد عن القابليّة.

نعم، العقد الثاني و الثالث تارة: يقعان فضولا، للمالك الأصليّ، فبلحوق الإجازة يصحّ.

و اخرى: يقعان للفضوليّ أو للأجنبيّ، فإن انتقل إليهما فهو، و إلّا فإجازة المالك الأصليّ صحيحة، بناء على ما قوّيناه أيضا في الصورتين

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 143- السطر 9، الإجارة، المحقّق الرشتي: 197- السطر 2، لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 312.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 359

السابقتين.

فبالجملة: إذا باع الدار بالبستان، ثمّ باع البستان بالعقار، ثمّ باع العقار بالدكّان، فإن أجاز بيع الدار فيصير المالك الأصليّ مالكا للبستان، و يكون العقد على البستان منوطا بإجازته ثانيا، و لو انتقل البستان إلى الفضوليّ و كان البيع له فأجاز صحّ، لما مضى من عدم شرطيّة مالكيّة المجيز حين العقد، بل يجوز له تصحيحه و إن باع للمالك الأصليّ.

و لو فرضنا أنّ مالك الدار منع الفضوليّ عن بيع الدار، و لكنّه كان راضيا- على تقدير بيع الدار بالبستان- بيع البستان بالعقار و هكذا، فإذا أجاز رأس السلسلة يلزم صحّة ما تأخّر، لتماميّة الشرائط، فليتدبّر.

و لو أجاز بيع العقار بالدكّان، فإن كانت إجازته بنحو العموم البدليّ أو الاستغراقيّ المنحلّ إلى الإجازات فهو، كما إذا أجاز رأس السلسلة بهذا النحو، فكما يستلزم صحّة بيع الدار بالبستان، صحّة بيع البستان بالعقار و هكذا، لأنّ الإجازة الواقعة على رأس السلسلة تستلزم مالكيّته للبستان، و تكون إجازة بيع البستان بالعقار مستلزمة لمالكيّته للدكّان، فتخرج الدار عن ملكه، و يدخل الدكّان- و هو عوضها الواقعيّ- في ملكه، كذلك إجازة بيع العقار بالدكّان مستلزمة لما سبق، لتوقّف صحّتها على صحّة ما سبق، ضرورة أنّ العقار و الدكّان ليسا ملكا

لمالك الدار، فلا معنى لإجازة بيعه به، فلا بدّ من دخول العقار في ملكه، و هو لا يمكن إلّا بدخول البستان فيه، فلا بدّ من تعلّق إجازته برأس السلسلة، حتّى يصحّ في سائر الحلقات.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 360

فإجازة المتأخّر تورث صحّة المتقدّم، فالانحلال المتصوّر هنا هو انحلال، خاصّ، لطوليّة المصاديق. هذا إذا أجاز بنحو العموم.

و لو أجاز شخص المتأخّر، فإن كان متوجّها إلى أنّها لا تفيد إلّا إذا كانت إجازة للمتقدّم، فبدلالة الاقتضاء، و لعدم إمكان ترشّح الجدّ بالمتأخّر إلّا مع رضاه بالمتقدّم، يعلم صحّة السابق.

و إن كان غير متوجّه إلى ذلك، و تخيّل أنّ العقار ملكه، فأجاز بيعه بالدكّان، ثمّ تبيّن أنّ الأمر ليس كما تخيّله، ففي الاستلزام المزبور إشكال، بل منع. و لا منع من الالتزام بعدم صحّة العقد المجاز في حقّه، لأنّ الالتزام بلغويّة إجازته غير ممنوع.

الإشكال العقليّ على إمكان تصحيح العقود المترتّبة على الأثمان النوعيّة مطلقا

ثمّ إنّه قد يشكل عقلا في إمكان تصحيح العقود المترتّبة على الأثمان النوعيّة مطلقا، سواء أجاز رأس السلسلة بنحو العموم، أو آخرها بنحو العموم، فإنّه على التقديرين يصحّ رأس السلسلة فقط، دون غيره، أو أجاز بنحو الخصوص وسطها أو آخرها.

و هذا بناء على اعتبار الإنشاء في الإجازة، بل و بناء على اعتبار إظهار الرضا بالمعنى المصدريّ في صحّة العقد الفضوليّ، و ذلك لأنّ قوله:

«أجزت جميع هذه العقود»- بنحو العموم- ينحلّ و يصحّح العقود العرضيّة، و أمّا العقود الطوليّة فهي لا تصير صحيحة بمجرّد ذلك، لأنّ الانحلال

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 361

الطوليّ معناه اعتبار المراعاة في العقود المتوسّطة، حتّى يصير العقد الأوّل نافذا، فإذا صار المالك الأصليّ مالكا للبستان، يصير في المرتبة المتأخّرة بيع البستان بالعقار صحيحا و

هكذا، و لا يعقل للإنشاء وجود بقائيّ، فإنّ الباقي هو المنشأ، و هو غير كاف فرضا.

و بعبارة أخرى: حال الإنشاء العامّ لا حقّ له بالنسبة إلى غير العقد الأوّل، و حال صيرورته ذا حقّ لا إنشاء حتّى يثمر.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ الهيئة لا تستقلّ إلّا في المعنى الواحد، و هو- فرضا- إيجاد الإجازة، و لكنّها بحسب طرفها، يختلف في المفاد، فإذا تعلّقت بالعقد الأوّل الواجد لجميع الشرائط، تكون تنفيذا منجّزا، و إذا تعلّقت بالعقد الثاني تكون تنفيذا معلّقا، فالانحلال عرضيّ، و التعلّق طوليّ، و التعليق بهذا المعنى في الإنشاء ممكن، بل هو موافق للتحقيق في محلّه، من غير لزوم اعتبار الجامع بين الوجوبين، المنجّز، و المعلّق، حتّى يقال بامتناعه، فلا تغفل.

و أمّا توهّم: أنّ الإنشاء المعلّق يتصوّر في الأمور المعلّقة على الأمور غير الاختياريّة، كالوقت في الصلاة، و أمّا فيما نحن فيه فلا، فهو غير راجع إلى محصّل، لأنّه إذا أمكن ذلك فهو يتبع غرض المنشئ، لما في الإنشاء المعلّق من الآثار الخاصّة.

هذا كلّه فيما كانت الإجازة بنحو الكلّية السارية.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 362

حكم ما إذا أجاز شخص العقد المتأخّر

و أمّا إذا أجاز شخص العقد المتأخّر، فقد يقال: بأنّ بالكنايات يمكن الإنشاء، و لا يعتبر عدم تحقّق الإنشاء الآخر بالمدلول المطابقيّ، فها هنا إنشاءات كنائيّة، و إنشاءات مطابقيّة، من غير لزوم استعمال الألفاظ الكنائيّة في الأكثر من معنى واحد، كما في الإخبارات الكنائيّة.

و فيه: أنّه يلزم عدم تحقّق الإنشاء بالنسبة إلى مصبّ الإجازة إلّا بعد تحقّقه بالنسبة إلى السابق و الأسبق، و هذا يورث الإشكال المتقدّم:

و هو التعليق في الإنشاء، مع عدم إمكان جريان الجواب المشار إليه هنا، لعدم انحلال الإجازة الشخصيّة الجزئيّة إلى الإجازات

العرضيّة، و لا الطوليّة.

فإجازة العقار بالدكّان أجنبيّة عن المالك للدار، و لا يصير ذا حقّ إلّا بعد ما صار مالكا للبستان ثمّ للعقار، فيلزم عدم تأثير إنشاء إجازة بيع الثالث إلّا بعد تحقّق الإنشاء بالنسبة إلى الأسبق و السابق، و هذا غير ممكن.

بل يلزم عدم إمكان إجازة الأوّل، لأنّ المجاز بالأصالة هو الأخير، و مبدأ السلسلة مجاز بالتبع، فإذا لم يمكن إجازة المتأخّر لا يمكن الالتزام بكفاية الإجازة بالنسبة إلى الأوّل، فيصير لغوا قهرا.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ ذلك الالتزام إقرار منه بالأوّل، و إنشاء له بالنسبة إلى مبدإ السلسلة، فيصير بيع داره بالبستان صحيحا فقط، لأنّه

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 363

القدر المتيقّن من الإنشاء الذي أراده من الإنشاء المتعلّق بالمتأخّر، فليتدبّر.

أقول: هذه الشبهة قد أوردها المحقّق الوالد- مدّ ظلّه- على القائلين باعتبار الإنشاء في الإجازة، و أضاف «بأنّها متوجّهة إلى القول باعتبار إظهار الرضا» «1».

و فيه: أنّ المراد من «إظهار الرضا» ليس مفهومه المصدريّ، بل المقصود هو الرضا الظاهر، و هو حاصل، فلا تأتي الشبهة عليه.

و أمّا رفع أصلها فهو بالالتزام بتحقّق الإجازة بالمدلول المطابقيّ على التعليق، و بالمدلول الكنائيّ على التنجيز، و التعليق ممكن، فإذا قال:

«أجزت هذا العقد»- أي عقد العقار بالدكّان في ظرف المالكيّة، كما هو يرجع إليه قهرا بعد التوجّه إلى أطراف القضيّة- فهو إجازة تنجيز بالنسبة إلى بيع الدار بالبستان بالكناية، و إجازة تعليق بالنسبة إلى بيع البستان، بالعقار بالكناية أيضا، و إجازة تعليق بالنسبة إلى بيع العقار بالدكّان بالمطابقة.

هذا كلّه إذا قلنا باعتبار الإجازة الإنشائيّة، أو إظهارها على وجه قيديّة المعنى المصدريّ.

و أمّا على القول باعتبار الرضا الظاهر، كما هو المختار، أو كفاية الرضا الباطن،

كما اختاره الشيخ الأعظم قدس سره و الوالد- مد ظلّه «2»-

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 312- 314.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 124- السطر 21، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 101.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 364

فالأمر سهل.

نعم، إذا كان المعتبر الرضا بوجوده الحدوثيّ، فيشكل تصحيح المتأخّر عن رأس السلسلة كما ترى، بل و يشكل رأس السلسلة، لأنّ الرضا تعلّق بوجوده الحدوثيّ.

الصورة الرابعة: في التقاء السلسلة الواقعة على المبيع مع السلسلة الواقعة على الثمن
اشارة

إذا التقت السلسلة الواقعة من العقود المترتّبة على المبيع، مع ما وقع في السلسلة الواقعة على الثمن في الأثناء، بأن باع الدار بالبستان، و البستان بالعقار، و العقار بالدكّان، و باع مشتري الدار الدار ثانيا بالحمّام، و ثالثا كان العقد بين الدار و الدكّان، فتبادلت بين حلقات سلسلتين، ثمّ وقعت بيوع على الدار و الدكّان و عوضه و هكذا، فإن أجاز بيع الدار بالدكّان، فلا يلزم منه شي ء إلّا صحّة البيوع المتعدّدة الواقعة على الدار بناء على الكشف، و إذا أجاز اشتراء الدكّان بالدار- بأن يكون ذلك فضوليّا فرضا- فنفوذ إجازته موقوف على صحّة تمام السلسلة في ناحية الأثمان، فإذن يلزم صحّة السلسلة في ناحية المبيع إلى آخرها.

نعم، يلزم صحّته إلى الطبقة المتوسّطة التي وقعت بين الدار و الدكّان، للتوقّف، و إلى الآخر بناء على الكشف، للاستلزام كما لا يخفى.

و لو وقعت إجازته لبيع الدار بالدكّان في عرض إجازة وكيله

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 365

لاشتراء الدكّان بالدار، فإن قلنا: بأنّ الإجازة ليست ردّا فهو كسابقه، و إن قلنا: بأنّها ردّ فيلزم ردّ البيوع السابقة على الأثمان و نفوذها على المبيع، فيقع التهافت بين الردّ و الإمضاء في رأس السلسلة، و يشكل تصحيحه، و حيث هو مشكل

حكميّ يشكل الرجوع إلى أدلّة القرعة، فتأمّل جيّدا.

تذنيب: حول توقّف صحّة ردّ العقد اللاحق على صحّة السابق

كما يتوقّف صحّة إجازة العقد الواقع على الثمن المتوسّط على صحّة ما تقدّم عليه، كذلك يتوقّف صحّة ردّ ذلك العقد على صحّة ما سبق، فإنّ ردّ الثمن الذي هو أجنبيّ عنه و عن عوضه يضرّ بالعقد، و يورث سقوط قابليّته إذا كان العقد الواقع في رأس السلسلة نافذا.

و من هنا يعلم: أنّ وجه القول المشهور بالصحّة ليس إلّا التوقّف، و إلّا فلا معنى لكون الردّ إجازة بالنسبة إلى العقد الآخر مع عدم إمكان الاستعمال في الأكثر، لأنّه فرع الوضع للأكثر، و الجمع بين الاستعمال الحقيقيّ و المجازيّ و إن كان ممكنا، إلّا أنّه في توقّف يساعده العرف، فتدبّر جيّدا.

تذنيب: حول الإشكال في تتبّع العقود مع علم المشتري بالغصب

ربّما يشكل جريان تتبّع العقود في صورة علم المشتري بالغصب، لأنّ قضيّة العلم بذلك عدم وقوع البيوع المتأخّرة على ثمن الدار المغصوبة، بل هو يقع على ملك الفضوليّ و البائع، فيكون أصيلا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 366

و منشأ الشبهة ما مضى: من أنّ المقبوض بالعقد الفاسد مع العلم بفساده ليس مضمونا: لعدم جريان أدلّة الضمانات «1»، فإجازة بيع العقار بالدكّان لا تتوقّف على صحّة بيع الدار بالبستان.

و في وقوع بيع الدار صحيحا إشكال، للزوم المجّانية، و هي غير مقصودة قطعا.

نعم، لو كان الثمن في رأس السلسلة كلّيا يمكن لحوق الإجازة به، لأنّ تسليطه على مصداق الثمن مجّانا، لا يستلزم عدم تحقّق الماهيّة إنشاء.

و أنت خبير: بأنّ هذه الشبهة محكيّة عن «قواعد» «2» العلّامة، و هي- بعد ما عرفت منّا، في محلّه- غير سديدة جدّا.

و من العجيب ما يظهر من موضع من «الإيضاح» من منع الاسترداد «3»!! فإنّ المقدم على الإتلاف لا يورث الإعراض القهريّ عنه حتّى يقال: بأنّه يصير من المباحات فيتملّكه المشتري.

ثمّ

إنّ الشبهة المؤمأ إليها تختصّ بالنقل، و تجرى على الكشف إذا كانت العقود معاطاتيّة، فإنّ التعاطي العقديّ لا يتحقّق بتسليط الغاصب حتّى يمكن إجازتها.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 203.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 143- السطر 18، قواعد الأحكام 1: 124- السطر 18.

(3) إيضاح الفوائد 1: 417- 418.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 367

المرحلة السادسة فيما يتعلّق بالردّ
اشارة

و هو أمور:

الأمر الأوّل: في مقتضى الأصول العمليّة

أي حول قضيّة الأصول العمليّة عند الشكّ في سقوط العقد عن قابليّة لحوق الإجازة بالردّ أو بالألفاظ الخاصّة، بناء على فرض إمكان ردّه بالألفاظ الصريحة مثلا.

و الذي هو التحقيق، جريان الاستصحاب في الشبهتين: الحكميّة، و الموضوعيّة، أي قضيّة الاستصحاب لو شكّ في أصل إمكان الردّ هو اللزوم، و هكذا لو شكّ في تحقّقه بألفاظ المجازات و الكنايات. و نظير هذه المسألة في الجهتين الشكّ في قابليّة عقد الإجارة للحلّ بالإقالة، و الشكّ في تحقّقها بألفاظ الكنايات في البيع.

ثمّ إنّ المفروض عدم إمكان التمسّك بالمطلقات، و هو في الشبهات الحكميّة غير موافق للواقع، و يكون مجرّد فرض فيما نحن فيه، و في الشبهة الموضوعيّة أيضا كذلك، لأنّ العرف لا يجد حلّ العقد و انعدامه بالردّ، بل هو حكم تعبّدي من الشرع فرضا، فلا تصل النوبة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 368

إلى الأصل العمليّ.

إن قلت: يشكل جريان الاستصحاب هنا، لأنّ ما هو المقصود إثبات أنّ العقد لازم كما كان لازما، و هذا لا يمكن بإجراء الاستصحاب في القضيّة الثنائيّة و مفاد «كان» التامّة، و هي «أنّ لزوم العقد كان موجودا»، و لا بإجرائه في القضيّة المقيّدة الثنائيّة، و هي «أنّ العقد اللازم كان موجودا»، و لا بإجرائه في القضيّة الثلاثيّة و مفاد «كان» الناقصة، و هي «أنّ العقد كان لازما»، لأنّ الشكّ في اللزوم ينشأ من الشكّ في بقاء وجود العقد، و إجراء الاستصحاب في القضيّة المركّبة و مفاد «كان» الناقصة مع الشكّ في بقاء موضوع تلك القضيّة، غير ممكن، فإحراز بقاء العقد لازم حتّى يجري الاستصحاب في لزوم العقد.

و لا في القضيّة الثنائيّة و مفاد «كان» التامّة في الشبهة الموضوعيّة،

لا الحكميّة الوضعيّة كاللزوم، و هي «أنّ العقد كان موجودا، و الآن موجود» فيشمله العمومات، كسائر الاستصحابات الموضوعيّة، لأنّ موضوع الدليل ليس مقيّدا بالوجود و إن كان بحسب الواقع و اللبّ مقيّدا عقلا.

و ممّا ذكرناه يظهر عدم إجرائه في قابليّة العقد للحوق الإجازة. مع أنّ مجرّد ثبوتها غير كاف، لأنّ موضوع وجوب الوفاء و اللزوم هو العقد المتقيّد بالإجازة، و التقيّد لا يثبت بضمّ الوجدان إلى الأصل.

و أمّا توهّم جريانه في ناحية الردّ، بأنّ ألفاظها على السلب المحصّل بالعدم الأزليّ ما كانت موصوفة بقابليّة الردّ و بإمكان تحقّقه بها، فيجري استصحاب العدم الأزليّ، و لا تصل النوبة إلى الأصل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 369

الحكميّ الوضعيّ، فهو أظهر فسادا على ما تقرّر في محلّه.

و أمّا استصحاب العدم النعتي في ناحية المتعامل، فإنّه يشكّ بعد تحقّق العقد في استحقاقه لردّ العقد في الشبهة الحكميّة، و يكون الشكّ في المسألة مسبّبا عن هذه الشبهة، فإذا جرى الاستصحاب، و كانت نتيجته عدم ثبوت حقّ الرّد، فالشكّ المسبّبي يرتفع به.

و توهّم اختصاصه بجريانه في الشبهة الحكميّة، دون الموضوعيّة، لثبوت الحقّ له بالألفاظ الصريحة، سديد، و لكنّه لا يضرّ بالمطلوب في الجملة.

فهو غير مرضيّ، لما تقرّر في محلّه: من أنّ مجرّد السببيّة غير كاف، بل لا بدّ من كون المشكوك في المسبّب من أحكام السبب، و هو هنا ممنوع، لأنّ إثبات عدم استحقاقه لردّ العقد لا يكون موضوعا للزوم، بل اللزوم من أحكام العقد، فيتخلّل الواسطة، فتأمّل.

قلت: الأمر كما مرّ، ضرورة أنّ إجراء الاستصحاب في مفاد «كان» التامّة لا يثبت مفاد الناقصة، و إجراءه في المبدأ لا يثبت عنوان المشتقّ إلّا بالأصل المثبت، و لكنّ الذي هو

الجاري من بينها هو استصحاب مفاد الناقصة، و هو «أنّ العقد كان لازما».

و شبهة الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- عليه: «بأنّ ذلك- مع الشكّ في أصل موجوديّة العقد- غير ممكن» «1». مندفعة: بأنّ المقرّر في محلّه أنّ المعتبر في الاستصحاب، ليس إلّا اتحاد القضيّتين: المتيقّنة،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 319.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 370

و المشكوك فيها، مع وجود الأثر الشرعيّ بلا توسّط عقليّ، أو عقلائيّ، و الأمر فيما نحن فيه كذلك، ضرورة أنّ اليقين ثابت بأنّ العقد كان لازما بلا شبهة و إشكال، و الشكّ في هذه القضيّة الوجدانيّة بلا ريبة، و الأثر مترتّب بلا تردّد.

و أمّا فرعيّة القضيّة الثلاثيّة لقضيّة ثنائيّة حسب قاعدة الفرعيّة، فهي من الأحكام العقليّة القطعيّة بلا شبهة، إلّا أنّ مسألة التعبّد أوسع من ذلك، فإنّ النظر إلى إحراز موضوع الدليل الاجتهاديّ:

و هو أنّ العقد إذا كان لازما يجب الوفاء به، و إذا حكم الاستصحاب بأنّ العقد لازم، فلا بدّ من الوفاء به.

و ما اشتهر من لزوم إحراز موضوع الاستصحاب، فهو لا يرجع إلى محصّل، لأنّ المقصود هو إحراز وحدة القضيّتين، و لا شي ء أزيد منه معتبرا. و ما تعارف بين القوم من توهّم: أنّ موضوع الاستصحاب مقابل المحمول «1»، غلط جدّا، بل موضوع الاستصحاب قضيّة مركّبة من الموضوع و المحمول، و هي هنا حاصلة، فاغتنم.

إن قلت: كما يشكّ في مفاد الناقصة يشكّ في مفاد التامّة، فإذا أمكن إجراء الأصل في الثاني يحرز الموضوع، فيجري الأصل في الأوّل.

مثلا: إذا شكّ في بقاء عدالة زيد، و شكّ في حياته، فلك إجراء استصحاب الحياة، ثمّ بعد إحراز الموضوع تعبّدا يستصحب العدالة، و يترتّب الأثر، فبالاستصحاب يحرز موضوع الاستصحاب،

و هذا من الآثار

______________________________

(1) فرائد الأصول 2: 691، كفاية الأصول: 486.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 371

المطلوبة أيضا.

قلت أوّلا: المراد من «موضوع الاستصحاب» كما عرفت هو مجراه، و هي القضيّة، فكيف يعقل إحرازه بالاستصحاب الجاري في مفاد «كان» الناقصة؟! و قد أشير آنفا إلى أنّ استصحاب أنّ زيدا موجود و حيّ، أجنبيّ عن استصحاب أنّه عادل و عالم، لاختلاف القضيّتين.

نعم، على القول: بأنّ المراد من «موضوع الاستصحاب» هو ما يقابل المحمول، فلا منع من هذه الجهة كما لا يخفى.

و ثانيا: موضوع القضيّة المركّبة- و هي «زيد الحيّ يجوز تقليده»- لا يحرز باستصحاب أنّه حيّ، لأنّ إثبات النسبة الناقصة بالتامّة من الأصل المثبت، فتأمّل.

و ثالثا: ليست وحدة القضيّة من الآثار الشرعيّة حتّى يحرز بالاستصحاب موضوع الاستصحاب الآخر، فتدبّر.

و الذي هو الحجر الأساسي، هو أنّ الحاجة لا تمسّ إلى ذلك، بل الاستصحاب يجري في مفاد الناقصة من غير لزوم إجرائه في مفاد التامّة، فلا تخلط.

الأمر الثاني: في أنّ فائدة الردّ رفع المنع عن الأصيل

قد اشتهر حتّى ادّعي الإجماع على أنّ ردّ المالك للعقد الفضوليّ،

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 372

يورث سقوط قابليّته للحوق الإجازة «1»، و قد مرّ منّا في مباحث الإجازة عدم إمكان ذلك في الاعتبار، لعدم ثبوت الاعتبار المضادّ مع الاعتبار الأوّل، و هو إنشاء المبادلة، و عدم تماميّة الإجماع التعبّدي في المسألة، لعدم ثبوت المستند الشرعيّ للمجمعين، كما ترى.

و أيضا قد عرفت: أنّ ذلك يتفرّع على ثبوت حقّ للمالك بالنسبة إلى ردّ الإنشاء الواقع على ماله، و هو ممنوع، فإنّ مجرّد المبادلة الإنشائيّة لا يتزاحم مع حقّ من الحقوق الثابتة للمالك على ماله.

إن قلت: لا بدّ من الإمضاء أو الردّ، و إلّا يلزم وقوع الأصيل في الضرر،

فالردّ لازم عليه قهرا.

قلت: هذا يؤيّد كون لزوم الردّ لتخلّص الأصيل من الممنوعيّة عن التصرّف، لا لانفساخ العقد و سقوطه عن القابليّة. هذا مع أنّ قضيّة ما تحرّر منّا سابقا، عدم منع للأصيل عن التصرّفات مطلقا، لعدم اقتضاء للمبادلة الإنشائيّة لأزيد من التأثير عند تماميّة الشرائط، كما عرفت تفصيله «2».

فبالجملة: اعتبار الردّ لو كان، فهو لا يفيد إلّا خلاص الأصيل من الحبل و العقدة، و أمّا العقد فله القابليّة أيضا.

ثمّ إنّ ظاهر القوم سقوط العقد عن قابليّة الإجازة من قبل المالك، و هذا أعمّ من انفساخ العقد، لأنّه يمكن دعوى لحوق الإجازة

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 278، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 136- السطر 8.

(2) تقدّم في الصفحة 180.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 373

به من قبل المالك الآخر بعد انتقال العين إليه، فمجرّد دعوى السقوط غير كافية، و إثبات الانفساخ دونه خرط القتاد، فعلى ما تقرّر تسقط مباحث الردّ.

الأمر الثالث: في أنّ الأفعال الصادرة من المالك توجب سقوط قابلية العقد لا انفساخه

بناء على سقوط قابليّة العقد يكفي مجرّد إظهار عدم الرضا به، و لا يحتاج إلى إنشاء الردّ، و بناء على انفساخ العقد لا بدّ من الإنشاء، لأنّه كالخيار المنفسخ به العقد، و يكفي للإنشاء الفعل المناسب معه، كما في سائر المواضيع، لعدم نصّ يقتضي اعتبار الألفاظ الخاصّة الصريحة، أو الكنائيّة و المجازيّة.

فعلى هذا، الأفعال الصادرة عن المالك- سواء كانت ناقلة أو غير ناقلة، و سواء كانت منافية أو غير منافية- كلّها تورث سقوط العقد عن القابليّة، لاشتمالها على ظهور عدم الرضا بالعقد الفضوليّ، و لا تورث الانفساخ، لاعتبار الفعل الخاصّ في إنشاء الردّ. بل الأفعال غير المنافية و التصرّفات المجامعة- كالإجارة بعد البيع- ربّما تقصر عن إفادة عدم الرضا بأصل العقد، و إن كانت تورث

عدمه بالنسبة إلى إطلاقه، فلا تخلط.

و أمّا إطالة البحث حول هذه التصرّفات المختلفة على حسب اختلاف المسالك في الكشف و النقل، فهو من اللغو المنهيّ جدّا.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 374

الأمر الرابع: في عدم ثبوت حقّ ردّ العقد للفضوليّ

في نفوذ ردّ الفضوليّ لعقده و عدمه وجهان:

من أنّه هو البائع واقعا، و يكون العقد مستندا إليه تكوينا فينفسخ.

و من أنّ شرط بقاء العقد ليس بقاء إرادته و تسبيبه، بل المناط شرطيّة إرادته في تحقّقه حدوثا، و لا معنى لفوات قابليّته للحوق الإجازة بردّه.

و مثله ما إذا باع الغاصب بيعا خياريّا، ثمّ فسخ البيع بالخيار، فإنّه لا ينقلب العقد الإنشائيّ عمّا وقع عليه، و لم يكن هذا العقد مؤثّرا عند العقلاء في خصوص الغصب، حتّى يكون فسخه إعداما له.

و توهّم قياسه بما إذا باع المالك الأصيل، ثمّ قبل لحوق الإجازة ردّ العقد، فإنّه كما ينحلّ به ينحلّ ذاك، في غير محلّه، ضرورة أنّ من شرائط تأثيره بقاء الرضا من المالك، و هو ليس شرطا في الفضوليّ.

هذا مع أنّ القويّ عند جمع عدم نفوذ رجوع الأصيل عن عقده قبل الإجازة، لوجوب الوفاء به «1»، و لكنّه عندنا ضعيف، لأجنبيّة آية الوفاء عن هذه المراحل، مع انصرافها إلى العقد المؤثّر بالحمل الشائع، فإنّ ما صنعه الفضوليّ ليس عقدا، و لا بيعا، حسب مرتكز العرف و العقلاء إلّا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 134- السطر 21، منية الطالب 1: 247- السطر 15، و 248- السطر 10.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 375

مجازا و توسّعا، كما عرفت مستدلّا «1»، فما يظهر من العلّامة الفقيه اليزديّ قدس سره «2» في غاية المتانة، فشكر الله تعالى سعيه.

و ممّا ذكرناه- من عدم ثبوت حقّ الردّ لأحد، لا

للمالك، و لا لغيره- يظهر: أنّه لو كان ذلك حقّا لأحد كالوليّ مثلا، و لكنّه وقع في غير محلّه، لا يكون نافذا في فسخ العقد و مسقطا لصلاحية لحوق الإجازة.

و ربّما يتخيّل أنّه بعد كونه قابلا للردّ، فإذا وقع الردّ فهو من آثاره القهريّة، و لا يشترط أزيد من ذلك، كما إذا باع مال الطفل مراعاة لمصلحته، فردّه الوليّ، فإنّ ردّه واقع في محلّه لإمكان بيعه من الآخر مراعاة لمصلحته، فعليه لا يتمّ ما في كلام الفقيه اليزديّ «3»، فلا تخلط.

نعم، إذا انحصر البيع الصالح بالبيع الواقع فضولا فلا يقع ردّه في محلّه، لأنّه من قبيل ردّ الأجنبيّ، لا من قبيل ردّ المالك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 5.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 174- السطر 34.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 174- السطر 36.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 376

المرحلة السابعة فيما يتعلّق ببعض أحكام الفضوليّ
اشارة

و ذلك في طيّ مسائل:

المسألة الأولى: في إقباض الأصيل الثمن للفضوليّ

إذا كان المشتري أصيلا، و البائع فضولا، و قد أقبضه الثمن، جهلا بأنّه ليس مالكا و محقّا في البيع.

و الذي هو محلّ الكلام في المقام، هو ما إذا دفع الثمن غفلة عن الحال، ثمّ تبيّن أنّه فضوليّ غاصب لا يقرّ أو يقرّ بالفضوليّة. و أمّا سائر الصور المذكورة في المطوّلات، فهي خارجة عن بحث الفضوليّ، و أحكامها واضحة، و تحتاج إلى مزيد تأمّل في كتاب القضاء و الشهادات.

فبالجملة: إن أقرّ بالفضوليّة، أو لم يقرّ بها، و كان هو عالما بأنّه ليس مالكا، فالثمن باق في ملكيّته، و له الرجوع إليه و الاسترداد منه. و مجرّد إنكاره الفضوليّة بدعوى المالكيّة أو الولاية و المأذونيّة من قبل المالك، لا يورث قصورا في جواز الاستنقاذ و لو بالحيلة.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 377

و ربّما يخطر بالبال دعوى عدم صحّة الاسترداد، لحصول التمليك من قبله، و هذا غير الهبة، فإنّ قضيّة القواعد عدم جواز الاسترداد بعد التمليك، و الذي هو الخارج منها هي الهبة، و ليس مطلق التمليك المجّاني هبة، فما في كتب الأصحاب: «من أنّه ليس أسوأ حالا من الهبة» «1» في غير محلّه.

و يندفع أوّلا: بأنّه ليس تمليكا، بل هو الوفاء بالعقد الموهومة صحّته، فهو يتوهّم أنّه ملك البائع ردّ المثمن إليه في البيوع الشخصيّة، أو يتوهّم أنّه ذو حقّ عليه ردّ إليه حقّه في البيوع الكلّية، و أداء الدين ليس تمليكا بالضرورة، و إذا لم يكن دين، و لم يكن هو مالك الثمن، لا يجوز له التصرّف فيه إذا كان هو عالما، و لو كان جاهلا فتوجّه إلى أنّه ليس ملكه، و لكن أنكر عليه ذلك، فإنّه لا

يورث جوازه من غير شبهة.

فبالجملة: مع بقاء العين و الجهل بحال البائع و التذكّر لحاله بعد العقد و القبض، يجوز له الاسترداد، من غير فرق بين حالتي جهل البائع و علمه، و حالتي إقراره و إنكاره، ضرورة أنّ أماريّة اليد لا تقاوم العلم بالخلاف.

و ثانيا: كون العقد بإطلاقه مملّكا على وجه لا يجوز للمالك السابق الرجوع إلى ملكه، محلّ إشكال، بل منعه جماعة من

______________________________

(1) منية الطالب 1: 290- السطر 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 378

الأصحاب «1»، حسب مرتكزات العقلاء، و لكنّ الإنصاف أنّ الحقّ خلافه، فلا تخلط.

هذا كلّه فيما لم يكن للثمن ثمرة تالفة تحت يد البائع، و لا منفعة مستوفاة تحت سلطانه.

و إذا كان كذلك، فإن كان الفضوليّ البائع عالما بفضوليّة المعاملة و غصبيّة المبيع، فيؤخذ منه العين و الزيادة، سواء تلفت، أو أتلفها.

و أمّا إذا كان جاهلا هو كالمشتري، ثمّ بعد مضيّ مدّة تذكّر بطلان المعاملة، ففي الضمان مطلقا، و عدمه مطلقا، أو التفصيل بين التالفة و المتلفة، وجوه بل و أقوال، مضى تفصيلها في المقبوض بالعقد الفاسد.

و إجماله: أنّه في الاستيفاء ضامن، لقاعدة الإتلاف التي هي- مضافا إلى عقلائيّتها- منصوص عليها في بعض المآثير، كما عرفت، و أمّا في التلف السماويّ فربّما يشكل، لقصور قاعدة اليد عن شمول المنافع و الأوصاف التبعيّة، و هو غير سديد. و أمّا الإشكال من جهة عدم تماميّة سندها «2»، فهو قويّ.

بل قضيّة ما عرفت منّا- بناء على صحّة سندها- اختصاصها بتلف الوصف و إتلافه، قضاء لحقّ الغاية المفروض فيها بقاء العين إلى حال ردّها، فليتدبّر.

______________________________

(1) لاحظ جامع المقاصد 4: 77، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 146- السطر 18.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 186 و

ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 379

المسألة الثانية: في استرداد المشتري للثمن مع علمه بالفضوليّة

لو كان المشتري في الفرض المزبور عالما بالفضوليّة، فردّ الثمن في البيع الشخصيّ أو الكليّ إليه، فإن كان باقيا فله الاسترداد وفاقا للمعظم «1»، بل لا أجد في المسألة خلافا، و لكنّه يأتي هنا وجه الإشكال فيما مضى، ضرورة أنّه بناء على تمليكه يحتمل تعيّن ذلك عليه، عملا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» و الخارج عنه عنوان «الهبة» و هي لا تنطبق عليه، بل يحتمل كون التمليك حذاء التمليك الأعمّ من الصحيح و الفاسد، و هو حاصل، فلا معنى لرجوعه إليه.

و لعلّ لمثل ذلك و لما في «الجواهر»- «من أنّ عقوبته على ما فعله من الإقدام على شراء المغصوب تقتضي ممنوعيّته عن الاسترداد» «3»- احتمل إطلاق كلمات النافين. و لا يظهر لي ما حكاه الفخر عن نصّ الأصحاب «4»، و ثاني المحقّقين عنهم: من امتناع استرداد العين و إن بقيت «5»، فإنّه كيف يمكن الالتزام بذلك جدّا بمجرّد بعض الذوقيّات البدويّة؟!

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 420- 421، الدروس الشرعية 3: 193، جامع المقاصد 4: 76- 77، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 145- السطر 9، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 331.

(2) المائدة (5): 1.

(3) جواهر الكلام 22: 306.

(4) إيضاح الفوائد 1: 417 و 421.

(5) جامع المقاصد 4: 71، 77.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 380

و من العجب استظهار الفقيه اليزديّ قدس سره من قول القائلين، عدم جواز الرجوع مع بقاء الثمن في ملك المشتري «1»! و أنت خبير بما فيه، فإنّ من المحتمل ظنّهم إعراضه عن الثمن لأجل استجلاب المغصوب، فيكون الإعراض مسقطا لملكه، و حيازة البائع مملّكة.

و أعجب منه ما ذكره الشيخ رحمه الله: «من أنّه

إن كان مملّكا لما كان يصحّ العقد بالإجازة» «2»!! فإنّ بيع الغاصب لنفسه قد عرفت أنّه محلّ إشكال، بل منع في بعض صوره «3». هذا أوّلا.

و ثانيا: هذا الوجه لا يتمّ في الثمن الكلّي.

و ثالثا: هذا تمليك للمالك الواقعيّ، و تسليط للغاصب، فبما أنّ المشتري ملّك البائع يمكن صحّة البيع بالإجازة، و بما أنّه سلّط الغاصب على ماله لا يكون له الاسترداد، لأنّه إعراض، كما أشير إليه مثلا، فلا تخلط.

و ممّا ذكرناه يظهر عدم الفرق بين بقاء الثمن في يد البائع الغاصب، أو انتقاله إلى أخرى، فإن صحّ الرجوع صحّ مطلقا، و إلّا فلا مطلقا، لأنّ الانتقال من يده لا يورث أمرا جديدا.

و أمّا مسألة تعاقب الأيادي، فتأتي من ذي قبل إن شاء الله تعالى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 176- السطر 3.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 145- السطر 11.

(3) تقدّم في الصفحة 89.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 381

على الثمن و المثمن بشقوقها و أحكامها «1».

و أيضا يظهر الإشكال في منع جواز تصرّف الغاصب في الثمن.

نعم، قضيّة الأصول العمليّة عند الشكّ بقاء سلطنة المشتري، و ممنوعيّة البائع عن التصرّف، و هذا لا يستلزم عدم قابليّة لحوق العقد إذا كان كلّيا للإجازة، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما أشرنا إليه من الإشكال، غير مختصّ بصورة علم البائع بغصبيّة ما في يده، بل هو جار و إن كان هو جاهلا.

نعم، يجوز مع الجهل تصرّفه في الثمن، إلّا أنّه إذا كان تصرّفا مبذولا بحذائه المال، يكون ضامنا للاستيفاء. هذا حسب القواعد.

و أمّا حسب الذوق، و «أنّ الغاصب يؤخذ بالأشقّ»، و «أنّه أقدم على التسليط، و هدر ماله» و أمثال ذلك من العبارات، فربّما يشكل تضمين البائع

الجاهل بالغصب إشكالا موهونا فقها جدّا.

المسألة الثالثة: حول تلف أو إتلاف الثمن بيد البائع الغاصب
اشارة

إذا صارت عين الثمن في يد البائع الغاصب تالفة بتلف سماويّ، فالمعروف المشهور في مفروض المسألة- و هو علم المشتري بالغصب- عدم الضمان «2».

______________________________

(1) تأتي في الصفحة 433.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 463- السطر 15، مسالك الأفهام 1: 135- السطر 8، جامع المقاصد 4: 76، جواهر الكلام 22: 305.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 382

و اختار السيّد الفقيه اليزديّ و الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- ضمانه «1»، بعد اتّفاقهم على عدم قصور في أصل المعاملة، و أنّ الغاصب مثلا متوجّه إلى غصبيّة ما في يده، و المشتري عالم بذلك، و مع هذا يترشّح منهما الإرادة الجدّية، لعدم مبالاتهم بأصول المذهب و قوانين العرف.

و يحتمل عدم الضمان حتّى مع الإتلاف، و الذي هو الحقّ ما مضى في المقبوض بالعقد الفاسد «2».

نعم، قد ذكرنا هناك قوّة عدم الضمان، لأنّ مبنى المتعاملين في المعاملات الفاسدة شرعا على وصولهم إلى الأغراض و المقاصد الشخصيّة و الكلّية الملحوظة في التبادل، سواء كانت المعاوضة منطبقة على القوانين الشرعيّة، أم لا، لعدم إضراره بما هو الأصل المرعيّ عندهم و الأساس الواقعيّ لديهم، كما لا يخفى.

فلكلّ واحد منهما رضا تقديريّ بالتصرّفات مطلقا، إلّا في بعض المواقف، و إذا كان الرضا التقديريّ الذي له المنشأ العقلائيّ موجودا، فلا ضمان قطعا، فمن عنده مقدار من الحنطة فيريد تبادله مع اللبن، لاحتياجه إليه و بالعكس، فكلّ لا يرون إلّا حاجتهم، و إذا كان يرى كلّ واحد ممنوعيّة الآخر عن التصرّف في مال الآخر إلّا برضاه، يحصل لهما الرضا قهرا و قطعا، فلا ضمان في المقبوض بالعقد الفاسد.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 177- السطر 2، البيع، الإمام الخميني قدس سره

2: 333.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 182- 184.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 383

بخلاف الأمر هنا، لعدم دخالة الرضا من قبل الغاصب في جواز تصرّف المشتري في المبيع، فإن أتلف فهو ضامن، لقاعدة احترام مال المسلم الذي هو القدر المتيقّن منه، و لقاعدة الإتلاف، و لحكم العقلاء الذي هو الحجر الأساسيّ في الضمانات.

و قضيّة نفي الضمان في صورة التلف كما عن الأكثر، نفيه في صورة الإتلاف، لجريان الوجوه المقتضية لعدمه، و لقصور أدلّة الضمان بعد إثبات أنّه تمليك، أو تسليط و إذن، أو إعراض و انصراف.

فبالجملة: مستند المشهور أنّ المشتري العالم بالغصبية، قد أقدم على هتك حرمة ماله شرعا، فلا وجه للضمان عرفا.

مع أنّ مناط الضمان عدم انصراف مالكه- على جميع التقادير- عن ماله، لا انصرافا فعليّا، و لا تقديريّا، و هو هنا غير حاصل، لأنّ المتفاهم من العالم بالغصب عدم الاعتناء ببلوغ عوض ماله إليه، لأنّه يحتمل قويّا رجوع المالك إليه، و أخذه منه بالقهر و الغلبة، أو حسب الموازين العرفيّة، و إذا قيل عليه ذلك، فلا بدّ أن يجيب بأنّه راض بذلك، فيكون المال هدرا من كيسه، فعليه يقصر قاعدة «على اليد.» و غيرها عن تضمين البائع.

تقريب عدم ضمان البائع و تزييفه

و غاية ما يوجّه به مقالة الآخرين: أنّ المشتري العالم بالفساد فيما نحن فيه، لا يقدم على المجّانية قطعا، لشواهد عرفيّة، من قبيل

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 384

ملاحظة القيمة أوّلا، و من المراجعة إليه لأخذ المثمن ثانيا، بل في محيط حكّام الجور يحكم بأنّه ذو حقّ بعد إيقاع العقد ثالثا و هكذا، و ليس هذا إلّا لأجل أنّه ليس تسليطا على ماله مجّانا و بلا عوض، و ليس مدار ضمان

المعاملة كون العقد صحيحا شرعا فيقال: «إنّه إذا تلف في يده يكون ضامنا» بل مناط الضمان قصد المالك و من له السلطنة شرعا، و هو التعويض و المبادلة و إن كانت باطلة في محيط العقلاء.

بل لو فرضنا عدم ترشّح الإرادة الجدّية منه للمعاملة، لا يكون تسليطه مجّانا بالضرورة.

فما ترى في كتب الأصحاب القائلين بالضمان، من فرض كون المعاملة واقعة جدّا «1»، في غير محلّه، لعدم توقّف الضمان عليه.

و أنت خبير: بأنّه يجمع بين التقريبين، فإنّ حالة المشتري النفسانيّة الفعليّة هي التعويض و عدم المجّانية، و لكنّه بعد ما لاحظ نفسه و إن احتمل أنّه من الممكن قريبا رجوع المالك إليه، و أخذه منه، و قد خرج عن تحت سلطان البائع الأخذ للثمن، لا يتمكّن إلّا من الرضا بذلك، لما يرى الحاجة الفعليّة إلى المثمن، فإنّه كثيرا ما يقدم العقلاء على الأمور النقديّة، و لا يعتنون بما يأتي لهم نسيئة و في الآتي، فليتدبّر.

فعلى ما تحرّر إلى هنا يلزم التفصيل في المسألة، و لا وجه

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 177- السطر 13، البيع، الإمام الخميني قدس سره 2:

331- 332.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 385

لإطلاق القول بالضمان، و لا لعدمه، كما لا يخفى. و هذا التفصيل جار في صورة الإتلاف. هذا حكم الأدلّة الاجتهاديّة.

و مع الشكّ فقضيّة الأصول العمليّة هل هو الضمان، عملا باستصحاب احترام المال، أو استصحاب العدم الأزليّ، لعدم تحقّق عنوان المجّانية؟

أو هو عدم الضمان، لعدم جريان الثاني، و لعدم ثبوت حرمة مال المسلم مع التلف السماويّ في يد الأجنبيّ، لما مضى من أنّ «حرمة ماله كحرمة دمه» «1» و لا يستفاد منه إلّا الحرمة الخاصّة، كما في المشبّه به؟

أو

هو الضمان عملا بالاستصحاب التعليقيّ، لأنّه كان إذا يتلفه يكون ضامنا إذا كان بغير إذنه، و هكذا في صورة التلف؟

أو عدم الضمان، لعدم جريانه على ما تقرّر في محلّه؟ فلا تخلط.

أو يقال: إنّ القواعد العرفيّة تقتضي الضمان، إلّا في صورة إحراز سبب عدم الضمان بأصل محرز شرعيّ؟

تنبيه: حول التفصيل بين التلف و الإتلاف

ربّما يفصّل بين صورتي التلف و الإتلاف، بدعوى أنّ مع الإتلاف ضمانا، لقاعدته، و لا قاعدة شرعيّة للتضمين في صورة التلف إلّا قاعدة

______________________________

(1) الأمالي، الطوسي: 537، وسائل الشيعة 12: 281، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 9.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 386

اليد، و هي قاصرة السند و الدلالة، فإنّ الظاهر منها- مع الغضّ عن سندها- ضمان الأوصاف و المنافع، دون العين التالفة، فكأنّها سيقت لتضمين المنافع المستوفاة، أو التالفة تحت اليد، دون ذات العين، لما مرّ مرارا من ظهور الغاية في بقاء العين حال الردّ، و تكون أيضا ظاهرة في بقاء العين الشخصيّة الخارجيّة، دون الاعتباريّة الذمّية «1».

أقول: قد تقرّر منّا سابقا أنّ المقبوض بالعقد الفاسد مضمون، لتضمين المتعاملين، و عدم الإقدام على التسليط المجّاني، أي كلّ واحد منهما- بعد مفروغيّة بنائهم على المعاملة و التجارة- لا يرفع يده عن ماله إلّا بحذاء المال الآخر، و هذه هي قاعدة الإقدام التي هي تامّة عندنا، و قد دفعنا شبهاتها هناك فراجع «2»، فإذن لا بدّ من الالتزام بالضمان هنا، لعدم جريان الجهة المورثة لعدمه في المقبوض بالعقد الفاسد، كما أشير إليه، و جريان ما يورث الضمان هنا. و دليل هذه القاعدة بناء العقلاء على المراجعة إلى من تلف أحد العوضين عنده، و ليس ذلك إلّا لأجل التضمين الضمنيّ الارتكازيّ.

و لا يخفى: أنّ التدبّر

في بناءاتهم يؤدّي إلى أنّ التلف قبل القبض يورث سقوط حقّ البائع على المشتري، فيكون على القاعدة إنصافا.

و من العجيب استدراك السيّد الفقيه اليزديّ رحمه الله من صورة

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 187- 190.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 197- 199.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 387

الضمان ما إذا كان العقد واقعا على ما لا ماليّة له عرفا «1»!! و أنت خبير بما فيه:

أوّلا: من أنّه خروج عن مفروض المسألة، لأنّه يرجع إلى عدم تعلّق الإرادة الجدّية بالمعاملة، أو إلى التسليط الابتدائيّ المجّاني.

و ثانيا: إذا غفل المشتري، و أقبض الثمن قبال ما لا ماليّة له عرفا، يكون الثمن مضمونا على البائع أيضا، فالمناط ليس تحقّق المعاملة، بل المناط أمر آخر، فلا تخلط.

المسألة الرابعة: حول ضمان المشتري مع تصرّفه في العين المغصوبة

إذا تصرّف المشتري في المقبوض بالعقد الفضوليّ مع علمه بالفضوليّة، مع كون الفضوليّ غاصبا و يبيع لنفسه، و كان تصرّفه مستلزما لخسارات عليه، و لا يرجع نفعه إليه، و كانت العين باقية ناقصة، فإنّه يجوز للمالك المراجعة إليه، باسترداد ما بقي من العين، مع أخذ قيمة ما نقص بلا شبهة و إشكال. و لا يجوز له المراجعة إلى البائع الغاصب، لعدم ما يقتضي ضمانه.

و هذا هو المعنى المعروف: من أنّ «الغاصب يؤخذ بأشقّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 176- السطر 36.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 388

الحال» «1» فإنّه غاصب، و تكون الخسارات من كيسه، و ضمان المنافع التالفة أيضا عليه.

و يحتمل جواز المراجعة، لقاعدة الغرور الآتية حدودها، فإنّ من يقول بجريانها حتّى في صورة جهل الغارّ، فله دعوى ذلك في صورة علم المغرور، فإنّ مفادها وقوع الطرف في الخطر من قبل الغارّ.

هذا، مع أنّ المحتمل كون «الغرور»

بمعنى الغرر، و هو الخطر، فالمغرور هو الواقع في الخطر، فلا بدّ من تجويز مراجعة الغاصب الثاني إلى الأوّل بالخسارات الواردة عليه.

مع أنّ من الممكن توهّم جريان قاعدة الإتلاف، فإنّ الأوّل أتلف على الثاني ما استحقّه عليه المالك. و لو كانت قاعدة نفي الضرر مثبتة و مشرّعة- كما سلكناه في رسالتنا المعمولة فيها «2»- فهي تستدعي جبران الضرر الوارد على الثاني بتضمين الأوّل.

هذا، مع أنّ الثاني إذا انتقل إليه بالبيع العين المغصوبة، لا يعدّ عند العقلاء غاصبا، فإنّه قد أعطى الثمن قبالها، فلا يؤخذ إلّا الأوّل بأشقّ الأحوال. هذا كلّه إذا كانت العين المرجوعة ناقصة.

و إذا كانت كاملة، أو ازدادت قيمتها السوقيّة، لإحداثه فيها شيئا، فهل لا يستحقّ شيئا، و تكون العين كلّها للمالك، إلّا إذا كانت العين

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 10، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 114- السطر 7، البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 452، مصباح الفقاهة 1: 517.

(2) هذه الرسالة مفقودة، لاحظ تحريرات في الأصول 8: 283.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 389

الزائدة على المقبوض بالعقد و الموجبة لكمالها، منحازة عن العين المغصوبة، بحيث لا يورث إرجاعها و استردادها ضررا على ملك المالك الأصيل؟

أو يجوز مطلقا، و عليه جبران الخسارة، أو لا يجوز إذا أعطى المالك أجرتها، أو جبر خساراته، أو غير ذلك من الوجوه و الأقوال؟

و تفصيلها في الخيارات في خيار الغبن، و المسألة في غاية الغموض.

المسألة الخامسة: حول اغترام المشتري الجاهل
اشارة

إذا اغترم المشتري في الفرض المزبور غرامة محضة لا فائدة له فيها، لرجوع المالك قبل وصول النفع إليه إلى العين و استردادها، و كان هو جاهلا بالفضوليّة و الغصبيّة، ففي جواز مراجعة المالك إليه إشكال، لأنّ شمول «على اليد.» لضمان اليد الثانية الجاهلة

غير واضح.

و لو سلّمنا ذلك، كما هو المعروف و المرسل إرسال المسلّمات في مسألة تعاقب الأيادي، فعلى ما هو المشهور- من أنّها سيقت لتضمين العين إذا تلفت- لا يمكن استفادة ضمان اليد بالنسبة إلى سائر المنافع، للزوم الجمع بين المتنافيين، فإنّه لو كان التصرّف المزبور غير مضرّ بوحدة العين عرفا فهي راجعة إلى أهلها، فلا ضمان، فتأمّل.

نعم، يمكن دعوى جريان قاعدة الإتلاف، فإنّها قاعدة عقلائيّة، و قد مضى الإيماء إليها في الأخبار و المآثير. و ظهورها في العالم ممنوع.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 390

و توهّم اختصاصها بصورة إتلاف المال، خلاف ما ورد في الأخبار من التعليل بإتلاف الموطوءة على مالكها، مع أنّ لمالكها بيعها خارج بلد الوطء.

و أمّا مهمّ الكلام فهو في مراجعة المشتري إلى البائع، فالذي هو المعروف بين الأصحاب- رضي الله عنهم- كما عن «الرياض» و «الكفاية» رجوعه في مفروض المسألة «1»، و هو التصرّف الذي لم يرجع إليه نفع منه، و عليه دعوى الإجماع، كما عن الفخر في شرح «الإرشاد» «2»، و استظهر شيخنا أنّ المسألة ليست خلافيّة «3»، و عن «السرائر» أيضا ما يظهر منه «4»، فتدبّر.

و عن المحقّق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشتري إذا أتلفه المالك «5»، انتهى.

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 513- السطر 25، و 2: 307- السطر 31، كفاية الأحكام:

89- السطر 8، و: 260- السطر 30.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 199- السطر 2.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 146- السطر 26.

(4) السرائر 2: 493.

(5) جامع المقاصد 5: 340، مسالك الأفهام 1: 204- السطر 27.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 391

الأدلّة المستدلّ بها على ضمان البائع و جواز مراجعة المشتري إليه
اشارة

و كيف كان، يكون البحث حول

سند المسألة، و هو أمور:

أوّلها: قاعدة نفي الغرور
اشارة

و الكلام تارة: حول سندها، و اخرى: حول دلالتها:

بحث قاعدة الغرور سندا

أمّا السند: فمضافا إلى أنّها قاعدة عقلائيّة إجمالا، و معروفة بين الفريقين إهمالا، و منسوبة إلى خير الأنام صلى الله عليه و آله و سلم [1] تبرّكا، مذكورة في الأخبار الخاصّة بألفاظ مختلفة، ك «الخدعة» و «التدليس» كما في عدّة من المآثير، و المهمّ منها حديثان:

أحدهما: ما رواه «الكافي» بإسناده عن إسماعيل بن جابر، و فيه

______________________________

[1] لم نعثر عليها في كتب الروايات و الظاهر أنّها قاعدة فقهيّة مستفادة من عدّة روايات.

لاحظ جواهر الكلام 37: 145، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 179- السطر الأوّل، منية الطالب 1: 294- السطر 8.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 392

محمّد بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها، فقيل، هي ابنة فلان، فأتى أباها فقال: زوّجني ابنتك، فزوّجه غيرها، فولدت منه، فعلم بها بعد أنّها غير ابنته، و أنّها أمة.

قال: «تردّ الوليدة على مواليها، و الولد للرجل، و على الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة، كما غرّ الرجل و خدعه» «1».

ثانيهما: محمّد بن يعقوب بإسناده عن أبي بصير، و فيه إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّه قال في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها أو مات عنها فتزوّجت، ثمّ جاء زوجها.

قال: «يضربان الحدّ، و يضمنان الصداق للزوج بما غرّاه» «2».

و بناء على اتحاد مفهوم «التدليس» و «الخدعة» و «الغرور» أو تقاربها- بحيث علم إرادة المعنى المتقارب منها، كما هو ظاهر اللغويّين في تفسير كلّ واحد بالآخر «3»- يستدلّ على تلك القاعدة برواية ثالثة «4»:

و هو ما رواه «الكافي» بإسناده عن رفاعة

بن موسى، و فيه سهل بن زياد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام إلى أن قال: و سألته عن البرصاء.

______________________________

(1) الكافي 5: 408- 13، وسائل الشيعة 21: 220، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 7، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 150- 4، وسائل الشيعة 22: 253، كتاب النكاح، أبواب العدد، الباب 37، الحديث 5.

(3) صحاح اللّغة 3: 930، القاموس المحيط 2: 104 و 224، مجمع البحرين 4:

71، و 3: 422، المنجد: 170 و 222.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 336.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 393

فقال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء، أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها، و أنّ المهر على الذي زوّجها، و إنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها.» «1» الحديث.

و الشبهة في إسنادها بما أشير إليه، غير راجعة إلى محصّل، و تفصيله في مقام آخر.

و الإشكال في دلالتها بعدم إمكان التعدّي «2»، غير صحيح، لعدم الخصوصيّة لموردها، فيكون الظاهر أنّ العلّة هي أحد العناوين المعلّلة بها. و توهّم اختلاف المفاهيم غير مدلّل، بل مع فرض الخلاف يكفي التعليل بمفهوم الغرور.

و احتمال أنّ «الغرور» من الغرر و هو الخطر «3»، مدفوع بما يظهر من اللغة و موارد استعمالاته في الرواية، كما أنّ بذلك يظهر وحدة المعنى بدوا. مع أنّه لا تكون هناك قواعد ثلاث مثلا حتّى تكون هذه الأخبار دليلها، فأصل هذه القاعدة إجمالا ممّا لا شبهة في سندها.

و إسناد التدليس إلى مورده في قوله: «لأنّه دلّسها» لا يضرّ بالمقصود، لأنّ المعنى المفهوم منه عرفا هو أنّه دلّس المرأة على زوجها. و ربّما يشكل هنا الأمر من جهة أنّ ذلك يورث اختلاف

المفهوم بين

______________________________

(1) الكافي 5: 407- 9، وسائل الشيعة 21: 212، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 2، الحديث 2.

(2) مصباح الفقاهة 4: 356.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 146- السطر 26، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 191- السطر 11، مصباح الفقاهة 4: 267.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 394

«الغرور» و «التدليس» فتدبّر.

و يظهر من الفقيه اليزديّ دعوى انجبار المرسلة بالعمل «1».

و فيه: أنّ الجابر هو الشهرة و الإجماع العمليّ، و مجرّد التوافق في المضمون غير كاف. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ التوافق في المفاد دليل على الاستناد، كما كان عليه استأذنا البروجرديّ- رحمه الله تعالى «2»- و الله العالم.

و ممّا يؤيّد اعتبارها: أنّ الأخبار الكثيرة في متفرّقات الأبواب ناظرة إلى تلك القاعدة، و تكون من صغرياتها، و منها: معتبر جميل في «الوسائل» آخر أبواب نكاح العبيد و الإماء [3]، فما يظهر من الشيخ الأعظم «4» في غير محلّه، فتأمّل.

و ربّما يخطر بالبال أنّ الرواية الاولى و الثالثة مرميّتان بضعف السند، و الثانية و إن كانت قويّة- لأنّ إبراهيم بن عبد الحميد ثقة و لو كان واقفيّا- و لكنّها مرويّة في «الوسائل» في كتاب الشهادات بالسند

______________________________

[3] جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية، قال يأخذ الجارية المستحقّ و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه.

وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 5.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 179- السطر 2.

(2) نهاية الأصول: 542- 543.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 146- السطر 28 و

147- السطر 27.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 395

المزبور و المتن المذكور بعينه، مع خلوّها عن الجملة المقصودة، و هي قوله: «بما غرّاه» و زيد عليها قوله بعد ما قال: «يضمّنان الصداق للزوج»:

«ثمّ تعتدّ، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل» «1».

و دعوى تعدّدها غريبة، و إن كانت قضيّة الصناعة ذلك، خصوصا إذا كانت الروايتان مختلفتي النسخ حسب اختلاف الكتب. فراجع «الوافي» «2».

بحث قاعدة الغرور دلالة
اشارة

و أمّا دلالتها: فهي مورد البحث من جهات:

الجهة الاولى: في أنّ المراد من «الغارّ» هو العالم لا الجاهل

قد صرّح السيّد الفقيه اليزديّ: «بأنّ قاعدة الغرور من القواعد المحكمة المجمع عليها، و لا فرق على الظاهر بين كون الغارّ عالما أو جاهلا، و ما يحتمل أو يقال من عدم صدق «الغرور» مع جهل الغارّ، كما ترى» «3» انتهى.

و استظهر الوالد المحقّق خلافه، مستدلّا «بما في كتب اللغة، من

______________________________

(1) الكافي 7: 384- 7، تهذيب الأحكام 6: 260- 689، وسائل الشيعة 27: 330، كتاب الشهادات، الباب 13، الحديث 1.

(2) الوافي 3: 94، الجزء 12- السطر 12.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 179- السطر 16- 17.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 396

ظهورها في توجّه الغارّ إلى تغريره، و هو المتبادر من التفاهمات العرفيّة» «1».

و ربّما يقال: بأنّ «الغرور» إذا كان صادقا على من وقع في الخدعة و التدليس فلا بدّ من صدق «الغارّ»، و بعد المراجعة إلى العرف نجد صدقه على مطلق من أوقع عليه الخدعة.

و يشكل: بأنّه ربّما كان لأجل التوسّع، لما فيه أثر المخدوع.

و الذي هو المفهوم عندنا- و إن كانت كتب اللغة قاصرة عن إثباته- أخصيّته، فلا يفي بتمام المدّعى في المقام. و لو شكّ في ذلك فالقدر المتيقّن منه صورة علم الغارّ، و فيما زاد عليه يرجع إلى البراءة.

و من الممكن استفادة الخطر من «الغرور»، و يؤيّده تمسّك المجمعين بها لإثبات ضمان البائع و لو كان جاهلا، فيقال: إنّ الواقع في الخطر يرجع إلى من أوقعه فيه «2»، و هو أعمّ قطعا، و لكنّه غير تامّ كما مرّ.

و ربّما يظهر من الأخبار الكثيرة: أنّ «التدليس» مقابل من لا يعرف و الجاهل بالحال، ففي «الوسائل» عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه

السلام قال:.

إلى أن قال: «و يأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم بشي ء من ذلك فلا شي ء عليه» «3».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 336.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 47- السطر 13، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 179- السطر الأوّل، القواعد الفقهية، المحقّق البجنوردي 1: 227.

(3) وسائل الشيعة 21: 211، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 2.

الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 397

و مثله في الباب المزبور الرواية الثانية [1].

و قد يقال: إنّ التقييد المزبور يسري إلى تقييد قاعدة الغرور، لاتحاد المفهومين، فيكون أيضا أخصّ من المدّعى «2».

و فيه ما لا يخفى، فإنّ السراية إلى تلك القاعدة- لمكان الاتحاد- معلوم، و لكنّه لا يستلزم الأخصيّة، لأنّ مورد التقييد باب النكاح، فلا يلزم منه تقييدها في مطلق الأبواب، فلا مانع من الالتزام بأنّ المدلّس و الغارّ العالم ضامن في خصوص هذه المسألة، و الغار و المدلّس- جاهلا كان أو عالما- ضامن في كتاب البيع و غيره، فيكون تمام المدّعى ثابتا بها، فالإشكال الوحيد أنّ الاطمئنان بأعمّية المفهوم مشكل جدّا.

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم عدم الحاجة إلى تأسيس هذه القاعدة، سواء كانت أخصّ، أو أعمّ، لأنّ قاعدة الإتلاف تجري في جميع موارد هذه القاعدة، و هي أعمّ.

و أنت خبير: بأنّ قاعدة الإتلاف يختصّ موردها بإتلاف المال، و هو لو

______________________________

[1] رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام- إلى أن قال-: و سألته عن البرصاء؟

فقال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها، و أنّ المهر على الذي زوّجها، و إنّما صار عليه المهر لأنّه

دلّسها، و لو أنّ رجلا تزوّج امرأة و زوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء، و كان المهر يأخذه منها.

وسائل الشيعة 21: 212، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 2، الحديث 2.

______________________________

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 337.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 398

يشمل الحقّ فلا يشمل الخسارة الآتية على النفس، فلو غرّه بإيقاعه في أمر وقع عليه شي ء، فإنّه بمقتضى هذه القاعدة ضامن.

و دعوى: أنّه يعدّ من إتلاف المال عليه إذا صرفه فيه، غير مسموعة جدّا، لعدم مساعدة العرف و لا اللّغة. مع أنّه ربّما لا يصرف فيه شيئا، و لكنّه يرجع إليه لصرفه في إرجاع صحّته بلا توسّط، مع أنّه لا يعدّ إتلافا قبل صرفه قطعا، فالمغرور الذي كسرت يده بتغرير الغارّ، يرجع إليه بإعادة صحّته و صرف المال له في ذلك قبل أن يصرف نفسه شيئا فيه، كما يأتي تفصيله، أو إعادة صحّته بالمباشرة لو كان عارفا بذلك.

هذا مع أنّ مقتضى ما يظهر من قاعدة الإتلاف، لزوم استناد الفعل إلى المتلف حقيقة لا مجازا، و فيما كان السبب هو الغارّ، و المتلف نفس المغرور أو الشخص الآخر يرجع إلى السبب، لقاعدة الغرور، و لا يمكن المراجعة إليه بقاعدة الإتلاف، لضعف الاستناد، بل مجازيّته.

ثمّ إنّ الغارّ تارة: يكون عالما بالغرور و يريد التغرير.

و اخرى: يكون عالما بعدم إقدام الطرف على المعاملة، و لكنّه لا يعلمه و لا يريد تغريره بذكر الأوصاف الجميلة.

و ثالثة: يكون غافلا حين المعاملة.

و رابعة: لا يكون داعي الطرف إلى المعاملة قابلا للقلب بذكر العيوب، فهو كالعالم بالعيوب في عدم دخالة العيوب في انصرافه عنها.

و الذي هو المسلّم من موردها هو الفرض

الأوّل، و فيما سواه إشكال، بل منع.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 399

الجهة الثانية: في تحديد ما يضمنه الغارّ

الظاهر أنّ المراد من «رجوع المغرور إلى الغارّ» هو رجوعه إليه فيما اغترّ به من الأمور الماليّة، أو ما يرجع إليها، و أمّا رجوعه إليه بجواز ضربه و شتمه إذا وقع عليه الضرب غرورا مثلا، فهو ممنوع.

و ربّما يقال: «إنّه يرجع إليه فيما توجّه إليه من الخسارة، و عليه لا معنى لرجوعه إليه فيما لا يعدّ خسارة عليه، كما إذا غرّه فيما يحتاج إليه من المعيشة في السكنى و غيرها، فإنّه لو لا الغرور لكان يقدم عليه و يشتري الخبز مثلا لرفع جوعه، فإذا ناوله خبزة فأكلها فلا شي ء عليه، لأنّه ليس من الخسارة، و هكذا في سائر الموارد، فما ترى من ذهاب الفقهاء- رضي الله عنهم- إلى تضمين الغارّ في مفروض المسألة، في غير محلّه» «1».

و أنت خبير: بأنّه لا يصحّ أخذ مفهوم «الخسارة» محذوفا، ثمّ التفتيش عن حدود هذا المفهوم صدقا، ضرورة أنّه اجتهاد بدون سند، فالمحذوف ربّما كان أمرا آخر، مثل أن يكون عنوان «الخطر» أي المغرور يرجع فيما وقع عليه من الخطر إلى الغارّ، أو أمرا آخر.

نعم، القدر المسلّم أنّه لا بدّ من كونه عقلائيّا، لما عرفت منّا: من أنّ هذه القاعدة عقلائيّة «2»، و في المحاكم العرفيّة يؤخذ بها للجريمة

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 337- 338.

(2) تقدّم في الصفحة 391.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 400

و الجرم، فإذا ناول إليه ماله فأكله، مع احتياجه إليه، و كان ما أكله أقلّ مصرفا ممّا يريد اشتراءه فلا يرجع إليه، و هكذا في الفرض، كما هو يرجع إليه إذا أوقعه في خطر نفسانيّ،

بأن كسرت يده، فإنّه يرجع إليه بإعادة صحّته- كما أشير إليه- من غير لزوم الخسارة الماليّة، فلا تخلط.

فبالجملة: المغرور يرجع إلى الغارّ فيما توجّه إليه من تغريره، و يجب على الغارّ جبران ذلك.

الجهة الثالثة: في تحديد الضامن و أنّه الغارّ المتلف أو المغرور
اشارة

إذا أتلف المغرور على صاحب المال شيئا، كما إذا استوفى الزوج منافع المرأة، ثمّ بعد ذلك توجّه إلى أنّه غرّه صديقه، لأنّه خدعه و قال له: «إنّها حرّة» فبانت أمة، فقضيّة قاعدة الإتلاف هو ضمان المستوفي للزوجة و المرأة، أو لمواليها، و قضيّة الأخبار الواردة في قاعدة الغرور مختلفة:

فمن طائفة منها يظهر: أنّ الضامن هو الغارّ ابتداء، و لا شي ء على المغرور رأسا، و من تلك الطائفة ما رواه «الوسائل» كما مضى «1»، حيث قال فيه عليه السلام: «و أنّ المهر على الذي زوّجها، و إنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها.» الحديث.

فيعلم منه: أنّ المرأة ترجع إلى الغارّ، لا المستوفي.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 393.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 401

و من طائفة أخرى يظهر: أنّ الغارّ ضامن للزوج، و منه يعلم أنّ ضامن المرأة و التي تلفت منافعها هو الزوج المستوفي، و من تلك الطائفة ما مضى من قوله: «يضمنان الصداق للزوج بما غرّاه» «1».

فعلى هذا، يكون الضمان مستقرّا على عهدة الزوج، و على الزوج الرجوع إلى الغارّ بما غرّه، و لا يجوز للمرأة المختدعة المراجعة إليهما عرضا.

و لكن قضيّة الجمع بين المآثير جواز رجوعها إلى كلّ واحد منهما، من الغارّ، و من المستوفي، فإذا رجعت إلى الغارّ، فهو، و إن رجعت إلى المستوفي، لقاعدة الإتلاف، فله الرجوع إلى الغارّ، لقاعدة الغرور، و أمّا احتمال رجوعها إليهما معا فهو غير قابل للتصديق.

و من طائفة ثالثة يظهر: أنّ الضمان طوليّ، أي

لصاحب المال المراجعة إلى الغارّ إذا أدّى المهر و الخسارة، و من هذه ما رواه «الوسائل» في كتاب الشهادات، عن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن عبد الحميد الذي عرفت حاله «2»، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: في امرأة شهد عندها شاهدان.

إلى أن قال: «و يضمنان المهر لها عن الرجل.» «3» الحديث.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 392.

(2) تقدّم في الصفحة 394- 395.

(3) الفقيه 3: 36- 119، وسائل الشيعة 27: 330، كتاب الشهادات، الباب 13، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 402

فإنّه يعلم منها: أنّ الضامن أوّلا هو الزوج و الرجل، فإن أدّى و وقع في الخسارة فعليه المراجعة إلى الغارّ، فلا ضمان على الغارّ بدوا حتّى ترجع إليه. و لكنّ الإنصاف أنّ ظاهرها نفي ضمان الرجل رأسا، فلا تغتر، فتكون كالطائفة الثالثة.

و قضيّة الجمع بينها هو التخيير، لأنّ نفي الضمان بلحاظ أنّ من هو يستقرّ عليه هو الغارّ، فتلك الطائفة الأولى ناظرة إلى من يستقرّ عليه الضمان، و من يخرج من كيسه المهر واقعا، و لا تكون ناظرة إلى نفي ضمان المستوفي رأسا حتّى يحتاج إلى الجمع بالالتزام بالتخيير، كما صنعه الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1»- فليتدبّر.

ثمّ إنّ احتمال أنّ المغرور ليس له إلّا الرجوع إلى الغارّ تكليفا، و عليه جبران ما ورد عليه تكليفا، ساقط قطعا، بل هو ضامن كسائر الضامنين.

بيان النسبة بين قاعدة الغرور و الإتلاف

و ربّما يمكن دعوى، أنّ الظاهر من بناء العقلاء تغريم الغارّ من غير إثبات الضمان على المغرور، فكأنّه في مورد التغرير ليس قاعدة الإتلاف مورثة للضمان، و لا قاعدة اليد.

و إن شئت قلت: النسبة بين قاعدة الغرور و الإتلاف و إن كانت من وجه، و لكن الظاهر من

الأدلّة و من بناء العرف عدم المراجعة إلّا إلى

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 338- 340.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 403

الغارّ، فيرجع صاحب المال بدوا إليه، خلافا لما أفاده الأعلام فيما نحن فيه: من رجوع المالك أوّلا إلى المشتري المغرور، و أمّا المشتري ففي رجوعه إلى البائع الغارّ كلام و بحث «1».

و توهّم: أنّ قضيّة ما مرّ من المآثير أنّ الشاهدين يضمنان للزوج خلاف ذلك، ممكن الدفع بأنّه تضمين في مورد إعطاء المهر و بذله، فإنّه هو المرسوم سابقا، كما يأتي في البحث الآتي.

نعم، ظاهر معتبر جميل الماضي عن أبي عبد الله عليه السلام: في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية. قال:

«يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «2» هو أنّ قاعدة الإتلاف لا تكون في مورد الغرور معطّلة.

و دعوى: أنّ هذه الرواية ظاهرة- بمقتضى ترك الاستفصال- في أنّ المراجعة إلى البائع ثابتة في حالتي العلم و الجهل، و إن كانت قريبة، و لكنّها بعد ما عرفت منّا لا تورث إطلاقا يصحّ الاتكال عليه، فليتدبّر جيّدا.

فبالجملة: استفادة جواز مراجعة مالك العين أو المنفعة إلى الغارّ ممنوعة.

______________________________

(1) منية الطالب 1: 294- السطر 5.

(2) تهذيب الأحكام 7: 82- 353، الإستبصار 3: 84- 285، وسائل الشيعة 21:

205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإمام، الباب 88، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 404

الجهة الرابعة: حول رجوع المغرور إلى الغارّ قبل اغترامه للمالك

قال الفقيه اليزديّ رحمه الله في المقام: «يظهر منه و من كلّ من عبّر بمثل هذه العبارة: أنّ الرجوع في كلّ مورد يقال به إنّما هو بعد الاغترام،

فلو أراد الرجوع على البائع قبل أن يغرّمه المالك فليس له ذلك.

و منه يظهر عدم جواز رجوعه عليه إذا أبرأه المالك، أو دفع عنه متبرّع، كما صرّح به «الجواهر» «1»، و لعلّه كذلك لعدم الدليل عليه، لأنّ الإجماع و قاعدة الغرور و نحوهما لا يشملان ذلك.

نعم، لو أخذ منه، ثمّ ردّه عليه هبة أو صدقة أو نحو ذلك، جاز له الرجوع عليه.

ثمّ قال: «و يحتمل القول بجواز الرجوع بمجرّد الضمان، لأنّ شغل ذمّته للمالك اغترام منه و ضرر عليه و غرور» «2» انتهى.

فبالجملة: في جواز مراجعة المغرور إلى الغارّ في كلّ مورد قبل اغترامه و أدائه الخسارة إلى المالك و من أتلف عليه المال و لو بالاستيفاء، و عدم جوازه، وجهان: من إطلاق القاعدة، و من انصرافها إلى تلك الموارد.

مع أنّ النصوص الخاصّة المتكفّلة لتضمين الغارّ، كلّها في مورد وقوع الخسارة، لأدائه المهر إلى المرأة و سوقه إليها، كما في

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 304.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 178- السطر 22- 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 405

الرواية السابعة المعتبرة في الباب الثاني من أبواب العيوب و التدليس [1]. و لو كان موردها أعمّ يلزم الجمع بين الاستيفاء من المرأة و أخذ المهر من الغارّ، مع أنّه ضروريّ البطلان، لأنّها ترجع إلى الغارّ أيضا، فيلزم أن يخرج من كيسه وجهان، و يدخل في جيب المغرور شيئان، و هذا غير موافق معه الوجدان.

فبالجملة: بناء على جواز رجوع المالك إلى الغارّ و المغرور عرضا، لا يمكن الالتزام بجواز مراجعة المغرور إلى الغارّ قبل أداء الخسارة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّه إذا رجع المالك إلى الغارّ، لقاعدة التسبيب و الإتلاف مثلا، فله المراجعة إلى المغرور.

و لكنّه لا وجه لذلك الإطلاق حتّى يحتاج إلى هذا التقييد، فلا معنى لمراجعة المغرور إلى الغارّ إلّا إذا كان مغرورا بالحمل الشائع، و ما ترى في عبارات السيّد رحمه الله من دعوى: «أنّ نفس شغل الذّمة و غيره من الاعتبارات غير المستتبعة للخسارة و الاغترام ضرر» غير متين أصلا، فالتعليل المزبور عليل قطعا و جزما.

نعم، بناء على عدم جواز مراجعة المالك إلى الغارّ إلّا في بعض

______________________________

[1] محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام من زوّج امرأة فيها عيب دلّسه و لم يبيّن ذلك لزوجها فإنّه يكون لها الصداق بما استحلّ من فرجها و يكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوّجها و لم يبيّن.

وسائل الشيعة 21: 214، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 2، الحديث 7.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 406

الموارد للنصّ فرضا كما عرفت، فاستفادة الحكم الكلّي منه غير تامّة، لأنّ استيفاء الزوج المغرور من المرأة يعدّ من الإتلاف، فبمقتضى قاعدة الإتلاف و الأخبار الخاصّة ترجع إلى الزوج أو الغارّ عرضا، كما في موارد «على اليد.».

و أمّا البائع في هذه المسألة، فلا يكون متلفا على المالك شيئا حتّى يصحّ له المراجعة إليه.

نعم، ربّما يعدّ هو المتلف على المشتري، كما في كتاب الشيخ رحمه الله «1» لما ورد في نظيره، كما يأتي في مسألة شاهد الزور الذي عدّ متلفا في الخبر، و تفصيله يأتي في السند الآتي للمسألة إن شاء الله تعالى.

و لا يكون مورد النصوص و لا فيها ما يشعر بالعموم.

و لو قيل: عموم التعليل كاف في ذلك.

يقال: فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- «من استفادة عموم الحكم» «2» غير قابل

للتصديق، فليتدبّر جيّدا.

فبالجملة: بناء على عدم جواز المراجعة يمكن توهّم: أنّ قضيّة إطلاق قاعدة الغرور هو ذلك، و لكنّه بمعزل عن التصديق، لأنّ الإجماع على جبران سند قوله: «المغرور يرجع إلى من غرّه» «3» غير ثابت، و الأدلّة الخاصّة طبقت جواز المراجعة في موارد تحقّق الخسارة قبلها،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 146- السطر 27.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 339.

(3) تقدّم في الصفحة 391، الهامش 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 407

فالاحتمال المزبور في عبارته غير مبرهن كما ترى، فتأمّل.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ القدر المتيقّن من الموارد القاصر عنها دليل الغرور، هو ما إذا لا يكون أمرا مترتّبا على الغرور من الأمور الماليّة مثلا، فإنّه عند ذلك لا يعدّ هو المغرور الذي هو المقصود في الأخبار. و أمّا لزوم تقدّم الخسارة على المراجعة تقدّما زمانيّا فهو ممنوع، فإذا كان بناء المالك على المراجعة فعلى المشتري المراجعة إلى البائع، و لو بدا له خلافه فيرد إليه ما أخذه منه غرامة.

الجهة الخامسة: في تحديد من يضمن المهر عند التدليس

بناء على عدم جواز المراجعة إلى الغارّ للمالك كما هو الأقرب، و عرفت أنّ الأخبار الدالّة على أنّ المهر على المدلس و الغارّ، لا تدلّ إلّا على أنّ المهر مستقرّ عليه، و أمّا رجوع المستوفي- في مفروض المسألة في تلك الأخبار- إلى الغارّ فلأنّه قد أدّى المهر، فلا تكون المرأة بعد أخذ المهر ذات حقّ.

نعم، يكون للزوج حقّ المراجعة إلى الغارّ و المزوّج، لأنّه مغرور يرجع إلى غارّه، بناء على جريانها في المسألة الآتية.

و إذا كانت المدلّسة نفس المرأة- بأن أخفت حالها على الوليّ المزوج- فلا شي ء عليه لها، و إذا أعطاها مهرها فيرجع إليها، لقاعدة الغرور بناء على جريانها في البحث الآتي.

هذا،

و لو قلنا: بأنّهما ضامنان، و للزوجة المراجعة إليهما، لقاعدة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 408

الإتلاف، و للأخبار الخاصّة الدالّة على أنّ المهر على الغارّ، المتوهّم دلالتها على أنّ المالك و ربّ السلعة و المنافع، يجوز له المراجعة إلى الغارّ حتّى فيما نحن فيه، فيأتي بحث: و هو أنّه بلا شبهة لا يمكن أن يرجع إليهما، فإذا أبرأت الزوجة الغارّ، أو أبرأت الزوج، فهل لها المراجعة إلى الآخر، أم لا، أو يفصّل؟

قيل بالثالث، فإن أبرأت الغارّ فلها المراجعة إلى الزوج المستوفي، و له بعد ذلك المراجعة إلى الغارّ.

و إن أبرأت الزوج فلا يجوز لها المراجعة إلى الغارّ، لأنّ من استقرّ عليه الضمان للزوجة هو الزوج، و من يستقرّ عليه الضمان للمغرور هو الغارّ «1»، و هذا أيضا يعلم من مسائل مثل تعاقب الأيادي، كما يأتي تفصيلها.

هذا، و ربّما يخطر بالبال: أنّ ما رواه «الوسائل» في كتاب الشهادات، عن ابن عبد الحميد، عن أبي بصير: في شاهدين شهدا زورا. قال:

«لها المهر بما استحلّ من فرجها الأخير، و يضرب الشاهدان الحدّ، و يضمنان المهر لها عن الرجل.» «2» الحديث، يدلّ على أنّ ضمان الشاهد الغارّ يرجع إلى ضمان المهر عن قبل الرجل، لا مطلقا.

و أنت خبير: بأنّ تضمين شاهد الزور كما يمكن أن يكون لقاعدة الغرور، كما في بعض المآثير، يمكن أن يكون لقاعدة الإتلاف، كما يأتي

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 341.

(2) وسائل الشيعة 27: 330، كتاب الشهادات، الباب 13، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 409

في أخبارها «1»، فإذا احتمل الثاني فلا يمكن استفادة ضمان الرجل منها أصلا، بل ربّما يكون معنى هذه العبارة: أنّ الرجل المستوفي

ليس ضامنا رأسا.

نعم، هما ضامنان و إن كان الرجل مستوفيا، لقوّة السبب على المباشر، فلا تخلط.

و الذي هو الأقرب بناء على صحّة المبنى: جواز المراجعة إلى كلّ واحد منهما، و لا يورث الإبراء سقوط حقّ المراجعة للآخر، لأنّ المرأة تارة: تسقط حقّ مراجعتها إلى الغارّ أو الزوج، و اخرى: تسقط حقّها الماليّ، فإن أبرأت على الوجه الأوّل فهو لا يورث سقوط حقّها بالنسبة إلى الآخر، و إن أبرأت على الوجه الثاني فتبرأ ذمّتها.

و بعبارة أخرى: ليس ذمّة الكلّ مشغولة، بل من هو المشغولة ذمّته واحد، و هو من استقرّ عليه الضمان، و الآخر مورد حقّ المراجعة، كما يأتي في تعاقب الأيادي.

و الذي استقرّ عليه الضمان ربّما يكون في هذه الأخبار مختلفا، فإنّ قضيّة تعيين المهر على الغارّ أنّه هو المستقرّ عليه.

و لكنّه يشكل: بأنّ ذلك فيما كان الزوج قد أدّى المهر، فإذا كان لم يؤدّ المهر فربّما كان هو المستقرّ عليه، فليتدبّر، و المسألة تحتاج إلى تأمّل تامّ.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 418 و ما بعدها.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 410

الجهة السادسة: في تحديد الضامن عند تعدّد الغارّين طوليّا و عرضيّا

لو تعدّد الغارّ، فإن كان طوليّا- كما لو غرّ المزوج و الوليّ الزوج، و كانت الزوجة حاضرة، و لكنّها أيضا أخفت حالها على الزوج- فلا يبعد اختصاص جواز المراجعة إلى الذي هو طرف التزويج، لأنّه يعدّ غارّا، دونها، لأنّ علمها بالواقعة لا يورث تأثيرها في إقدامه على الزواج، و لا يجب عليها الإعلام و لو كان واجبا عليه، فإنّه لا يورث عدّها غارّة، كما لا يخفى.

نعم، لو أخفت حالها على الوليّ المزوج فهي غارّة للوليّ، و لكن لا تعدّ غارّة للزوج إلّا مع اطلاعها على الواقعة، فإذا عدّت غارّة فهو، و إلّا

فيشكل، لأنّها غرّت الوليّ، و الوليّ لم يغرّ الزوج، فالزوج لا يستحقّ المراجعة لا إلى الزوجة، و لا إلى الوليّ، كما لا يخفى.

نعم، مقتضى ما مرّ من المآثير رجوع الزوج إلى المرأة، ففي رواية رفاعة بن موسى في «الوسائل»: «و لو أنّ رجلا تزوّج امرأة، و زوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها، لم يكن عليه شي ء، و كان المهر يأخذه منها» «1».

فإنّ ظاهرها ضمان الزوجة و إن لم تكن طرفا، و لكنّها لا تكون ظاهرة في أنّ سبب الضمان هو التدليس و الغرور، فتدبّر. و أمّا سندها فلا يبعد اعتباره.

و لو كان عرضيّا، بأن اجتمع جماعة على تغرير شخص في معاملة،

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 410

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 212، كتاب النكاح، أبواب العيوب و التدليس، الباب 2، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 411

فهل يرجع إلى الكلّ و عليهم جبران خسارته، أو لا يرجع أصلا، أو له المراجعة في جميع ما توجّه إليه إلى كلّ واحد، فإذا رجع إلى واحد منهم بالجميع، فله المراجعة إلى الآخرين بما ورد عليه من الخسارة مثلا؟ وجوه و احتمالات.

و حيث لا دليل ظاهر من الشرع في خصوص هذه المسألة، فلا بدّ من المراجعة إلى فهم العرف و بنائهم، و هو بلا شبهة على الأوّل. و يجب على كلّ واحد- بالتقسيط- جبران خسارته، و ربّما تختلف السهام لأجل اختلافهم في التغرير، كما هو الواضح.

و هذا من غير فرق بين كون كلّ واحد جزء العلّة، بحيث

إذا ترك أحدهم لا يقع الرجل في الغرور، أو كان كلّ واحد منهم تمام العلّة، بحيث إذا ترك أحدهم لا يقع الرجل في الغرور، أو كان كلّ واحد منهم تمام العلّة و إن كان في الواقعة الشخصيّة جزءها، أو كانوا مختلفين، فإنّ ما وقع فيه المغرور شخصا مستند إلى تغريرهم مجموعا، و الفروض و التقادير لا تورث اختلافا في أصل النسبة، و لا في الشدّة و الضعف، فليتدبّر جيّدا.

حول جريان قاعدة الغرور في رجوع المشتري إلى البائع الجاهل بعد أداء الخسارة

إذا أحطت خبرا بمسائل قاعدة الغرور و مهمّاتها، فهل تجري هي في مسألتنا هذه، أم لا؟

أمّا رجوع المالك إلى المشتري، فقد عرفت البحث فيه «1»، و أنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 387- 388.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 412

هذا مفروغ عنه عندهم.

و أمّا رجوع المشتري إلى البائع بعد أداء الخسارة إلى المالك، فهو حسب هذه القاعدة واضح في الجملة. و أمّا إذا كان البائع جاهلا فجريانها محلّ إشكال كما مضى.

و ربّما يقال: «إنّ موجب اغترار المشتري كون المال بيد البائع، و ظهور يده في الملكيّة، مع أنّه خلاف الواقع، فللمغرور نسبتان: إلى ظهور اليد، و إلى ذي اليد، كما في نسبة القطع إلى السكّين، و إلى صاحبه، فإن كان البائع غاصبا فهو بهذا الظهور المخالف للواقع يغرّ المشتري، فوصف الغارّ مسند إلى البائع، و إلى ما هو كالآلة لتغريره.

و إن كان معتقدا لمالكيّة نفسه، فهو يبيع المال معتمدا على اعتقاده، لا مستندا إلى ظهور يده في الملك بنظر المشتري، و المشتري إنّما يشتري نظرا إلى هذا الظهور، لا إلى اعتقاد البائع، و إلّا لما كان مغرورا، لتقوّمه بجهله.

فمضايف الغرور- و هو الغارّ- موجود، و هو ظهور يده في الملك، لكنّه حيث لم يكن بيع

البائع مستندا إليه فلا يكون البائع غارّا، بل اغترّ المشتري بظهور يده» انتهى ما في كلام العلّامة المحشي قدس سره «1».

أقول أوّلا: هذه الشبهة لا تستلزم ممنوعيّة رجوع المغرور إلى البائع على الإطلاق، لأنّه إذا انضمّ إلى ظهور يده إقراره بالملكيّة، و دعواه ذلك مع علمه بالواقعة، فيستند التغرير إلى البائع قطعا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 192- السطر 26- 30.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 413

و ثانيا: إذا كانت يده بضميمة عدم إظهاره غصبيّة ما في يده، كاشفة عن الملكيّة- لما يعلم من طريقته فيما كان ما يبيعه مغصوبا من إظهاره بها- فإنّه يستند الغرور إليه عرفا أيضا.

و ثالثا: إنّ الاستناد المزبور إلى ظهور اليد ليس من الاستناد التامّ، فإنّه إذا كان جاهلا بالغصبيّة ففي كونه غارّا إشكال مضى سبيله، و إذا كان عالما فكونه بضميمة الظهور المزبور سببا، فيسند إليه التغرير، لأقوائيّة سكوته من ظهور اليد في تغريره، فعليه لا يمكن المساعدة على التوهّم المذكور أصلا.

فعلى ما تقرّر، يرجع إلى البائع العالم بالواقعة إذا كان المشتري جاهلا بها، و قد توجّه إليه الخسارة التي أخذت منه.

حول دعوى معتبر جميل على جواز المراجعة إلى البائع

ثمّ إنّه من الممكن دعوى دلالة معتبر جميل الماضي «1» على جواز المراجعة إلى البائع و لو كان جاهلا، لإطلاقه في مورد ترك الاستفصال.

و كون مصبّه ما إذا كان المشتري منتفعا، لا يضرّ بالمقصود، لأنّ مسألتنا هذه أولى بالتضمين قطعا. و لعلّ إطلاق الفتوى بضمان البائع لأجله، و لأجل بعض آخر، لا القواعد كما لا يخفى.

و من العجيب أنّ صاحب «الحدائق» مع توغّله في عدم الاتّكاء على الاجتهادات المنسوبة إلى الأصوليّين، وقع في خطر: و هو الإفتاء

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 394.

كتاب البيع (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 2، ص: 414

بعدم مراجعة المشتري إلى البائع في هذه المسألة و غيرها بطريق أولى قهرا و قطعا، مستندا إلى سكوت بعض الأخبار عن إرجاع المشتري المغترم إلى البائع مع كونها في مقام البيان «1» مثلا!! و أنت خبير بما فيه من جهات شتّى عندنا، فضلا عنه- قدّس الله سرّه- و لو سلّمنا تماميّة سند رواية زرارة في كتاب النكاح «2»، و رواية زريق في كتاب التجارة «3»، و تماميّة كونهما في مورد يناسب ذكر الحكم الآخر، و سلّمنا أنّ الإطلاق السكوتيّ يقاوم الإطلاق اللفظيّ، فلا نسلّم مقاومته مع النصّ. و لو سلّمنا المعارضة فلا وجه للعدول عن حكم العقلاء بالضمان و صحّة المراجعة، فلا تخلط.

ثانيهما: قاعدة الإتلاف
اشارة

أي من الأمور التي استند إليها لتضمين البائع و تجويز مراجعة المشتري إليه، قاعدة الإتلاف، و البحث حول سندها قد مضى، و ذكرنا في محلّه: أنّ هذه القاعدة عرفيّة في الجملة، و لا رادع عنها «4».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 18: 394.

(2) وسائل الشيعة 21: 204، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 88، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 17: 340، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 3، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 397- 398.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 415

بل قضيّة ما ورد في مختلف الآثار عن الأئمّة الأطهار- سلام الله تعالى عليهم- هو أنّ الإتلاف الموجب للضمان، ليس ما يورث تلف المال، بل المدار على صدق «المتلف» على الضامن و إن كان المال باقيا صحيحا و سالما، و لكن صار هو السبب لانقطاع يد المالك عن ملكه و ماله و حقّه، كما في موارد كثيرة، مثل ما إذا أطار طائره فإنّه سالم و باق،

و لكنّه أتلفه عليه، فالمدار على كون الإتلاف على ربّ المال، و فيما إذا تلف المال فهو لأجل إتلافه عليه ضامن، و لا دخالة لتلف المال في الضمان، و هذا أيضا عقلائيّ بلا شبهة و إشكال.

و هكذا إذا كان الإتلاف مستندا إلى من أتلفه في محيط القانون، و منطقة الأحكام النافذة في الأمّة، فإنّه أيضا يعدّ تلفا عرفا و حقيقة و إن كان الدخيل في ذلك اعتبار القانون في المجتمع البشريّ.

مثلا: وطء البهيمة ليس من أسباب الإتلاف عرفا مع قطع النظر عن القوانين الإلهيّة، و لكنّه في محيطها قد أتلفها على صاحبها و مالكها، كما في كتاب الحدود باب نكاح البهائم عن إسحاق، عن حريز، عن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام: في الرجل يأتي البهيمة.

قال: «يجلد دون الحدّ، و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه» «1».

و مثله في الأبواب الأخر موجود «2»، و قد استقصاها الوالد المتتبّع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 28: 358، كتاب النكاح، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 19: 141 و 143، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 1 و 8، و 23:

39، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 9، و 28: 119، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 22، الحديث 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 416

المحقّق حقّه، فمن شاء فليراجع ما هناك «1».

ثمّ إنّه ربّما يشكل استفادة قاعدة الإتلاف من هذه المآثير، لاحتمال اختصاص موردها بما إذا كان المال باقيا و فاسدا، قضاء لحقّ مفهوم «الفساد» المقابل «للصحّة» المخصوص بالوجود الناقص، و لا يطلق على فرض إعدام الوجود، و لكنّه إشكال موهون، لشهادة العرف بالأعمّية قطعا.

حول جريان قاعدة الإتلاف لتضمين البائع

فإذا تقرّرت القاعدة سندا و دلالة، فعليك بالتأمّل

التامّ في إجرائها في المقام، فإنّ البائع قد أتلف على المشتري مالا، فإنّ الإتلاف عليه غير إتلاف المال، ضرورة أنّ «الإتلاف عليه» صادق و إن لم يكن أتلف ماله، و كان المتلف في الحقيقة نفسه بالمباشرة، فكما أنّ إيجاب الشرع عليه جبران خسارة المالك، لا يعدّ سببا للإتلاف، كذلك تبعيّته له بردّ الخسارة لا يعدّ سببا، فما هو السبب الوحيد لإتلاف المال عليه هو البائع، لأنّه السبب للحيلولة و بين ماله و ملكه.

و ربّما يظهر لي، أنّ هذه المآثير الكثيرة المشتملة على القاعدة الكلّية- و هي ضمان المفسد و المتلف مال الغير على صاحبه- و لو

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 341- 346.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 417

كانت مورد الخدشة من جهة الصغرى، و هي صحّة انتساب الإفساد إليه، و لكنّه لا يضرّ بتماميّة تلك الكلّية.

مثلا: قد ورد في كتاب العتق الباب الثامن عشر في رواية معتبرة عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المملوك بين شركاء، فيعتق أحدهم نصيبه.

فقال: «إنّ ذلك فساد على صاحبه، فلا يستطيعون بيعه، و لا مؤاجرته» فقال: «يقوّم قيمة، فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، و إنّما جعل ذلك عليه عقوبة لما أفسده» «1».

و مثلها موثّقة سماعة في الباب المزبور، إلّا أنّه قال: «لأنّه أفسده على أصحابه» «2».

فبالجملة: إسناد «الإفساد» إليه لأجل حكم الشرع، لا يورث قصورا في الإسناد عرفا، كما ترى في القوانين العرفيّة أيضا. و لو فرضنا قصور النسبة و لكنّه لا يضرّ. بالمقصود.

إلّا أنّ تماميّة إسناد «الإفساد» فيما نحن فيه إلى البائع مشكل، إلّا على ما أشير إليه: من أنّ المقصود إيقاع الغير في أمر و خطر و ضرر

و إن لم يعدّ من الفساد عرفا، فليتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 36، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 23: 37، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 5.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 418

حول روايات «شاهد الزور» الواردة فيها كلمة «الإتلاف»

ثمّ إنّ في كتاب الشهادات مآثير مشتملة على كلمة «الإتلاف» المورثة لتضمين المتلف، المشكلة فيها صحّة النسبة و الإسناد إلى الضامن فيها، و حلّها أنّ استفادة الكلّية المزبورة ممكنة، كما عليه دأب الفضلاء، و الخدشة في صغراها لا تورث وهنا فيها، ففي الباب الحادي عشر عن عليّ بن الحكم- المعتبر عندنا- عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام:

في شاهد الزور.

قال: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» «1».

و مثله في هذا الباب و رواية أخرى [2].

و ربّما يتوهّم: أنّ النسبة مجازيّة، و النظر فيها إلى التضمين سياسة، و هذا تقريب و استحسان في التعليل، و إلّا فمن هو المتلف حقيقة هو الذي صرفه، و هو المحكوم له، و هو أولى بالتضمين من غيره، خصوصا إذا كان عالما بالواقعة، فنسبة «الإتلاف» إلى الشاهد و إن أمكن تصحيحها، بدعوى أنّه المتلف عليه، و ليس متلفا للمال، و من هو

______________________________

[2] وسائل الشيعة 27: 328، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 3.

عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة الزور إن كان قائما، و إلّا ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 2.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 419

المتلف للمال هو المحكوم له، و لكنّه لا يستلزم تضمين الشاهد، خصوصا إذا كان سوق الروايتين لنفي

ضمان المحكوم له، و إلّا كان ينبغي الإيماء إليه. و حملها على صورة جهل المحكوم له بالواقعة بعيد جدّا، مع أنّه لا يستلزم قصور شمول دليل الإتلاف له، كما هو الواضح.

و ممّا يشهد لعدم ضمانه، و يكون الضامن هو الشاهد: ما رواه في الباب المزبور عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام: في شاهد الزور ما توبته؟

قال: «يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله، إن كان النصف أو الثلث.» «1» الحديث.

فإنّ إيجاب الأداء ظاهر في تعيّنه عليه، بخلاف كلمة «ضامن» فإنّها أعمّ.

فبالجملة: العمل بمضمون هذه المآثير مشكل، لاشتمالها على ما لا يوافقه القواعد، و لكنّه بعد اعتبارها لا بأس بالفتوى على طبقها، و لكنّه لا يستفاد منها أنّ نسبة «الإتلاف» إلى الشاهد حقيقيّة، فيقال في جميع المواقف المشابهة معها بالضمان، بل غاية ما يستفاد منها اعتبار قاعدة الإتلاف.

اللهم إلّا أن يقال: لا حاجة إلى الرواية بعد كونها عقلائيّة ممضاة.

هذا كلّه حول هذه القاعدة سندا و دلالة، و إنّما البحث في جريانها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 420

في هذه المسألة، قد مرّ وجهه «1»، و المشهور عدمه، لأنّ تخلّل الإرادة من العاقل المختار ينافي صحّة النسبة، و إلّا يلزم صحّتها طولا إلى المباشر و المسبّب، و هو ممنوع.

ثالثها: قاعدة التسبيب
اشارة

فإنّها غير قاعدة الإتلاف مضمونا، فإنّ الثانية لا تجري في مواقف تخلّل الإرادة بين تحريكه و التلف، خصوصا إذا كانت الإرادة من غير المقهور عليها، كما فيما نحن فيه على المشهور، بخلاف هذه القاعدة، فإنّ من هو السبب لوقوع المشتري في الخسارة و الضرر هو البائع بالضرورة، و

لذلك يرجع لهذه النكتة إليه معلّلا، بأنّه السبب و العلّة في ذلك.

و بعبارة أخرى: بعد المراجعة إلى الطوائف المختلفة من المآثير في أبواب شتّى يتحصّل: أنّ ما هو الوجه في تعيين السبب دون المباشر فيما كان أقوى منه، هو أنّ الوسائط إن كانوا مقصّرين في تصرّفهم و إتلافهم، و خارجين عن وظيفتهم الشرعيّة و القانونيّة، و لا يكونون معذورين، فهم الأقوى، و يكون الضمان عليهم، و إذا كانوا هم معذورين في تصرّفاتهم و غير مقصّرين، بل كانوا عاملين بوظيفتهم، فالضامن هو المتخلّف، و فيما نحن فيه يكون البائع غير معذور، و المشتري الجاهل معذورا، فيكون ضمان ما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 397- 398.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 421

توجّه إليه من الخسارات عليه.

و أمّا تلك الطوائف من الأخبار:

فمنها: ما يتضمّن تضمين شاهد الزور الراجع عن شهادته «1»، فإنّ الحاكم المتوسّط و عمّال الحاكم معذورون، و يدور الأمر بين المباشر و الشاهد، و يكون الشاهد- حسب هذه الطائفة- ضامنا، و ليس ذلك إلّا لأجل أنّ العقلاء يضمّنونه طبعا، لاستناد الخسارة إليه عرفا بوجه يورث ضمانه.

و منها: ما كان يتضمّن السبب و لو كان الواسطة ذات اختيار «2»، كما في صاحب الحيوان، فإنّ الحيوان و إن كان بالاختيار يتلف الحنطة و يأكلها، و لكنّ ذلك لا يورث إلّا ضمان السبب الغريب الذي هو القريب في الضمان.

و منها: ما يورث ضمان التلف الشرعيّ لا العرفيّ، كما في وطء البهيمة «3»، فإنّها لا تكون تالفة إلّا حسب القوانين، فيكون تضمين الواطئ لأجل قوّة السبب، و لا يستند التلف إليه، فتأمّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 326 و 327 و 332، كتاب الشهادات، الباب 10، و الباب 11، الحديث 1،

و الباب 14.

(2) وسائل الشيعة 29: 256 و 276، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14 و 19.

(3) وسائل الشيعة 28: 357، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث 1.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 422

و منها: غير ذلك «1».

و أنت بعد التدبّر في مجموعها، ربّما تطّلع على أنّ مناط التضمين في جميع هذه المواقف، ليس إلّا ما يراه العرف و العقلاء سببا له، و ليس في مورد منها ما لا يساعده العقلاء، فيعلم من ذلك، أنّ المرجع في الضمانات هو ذلك، فإذن فيما نحن فيه يرجع إليهم، و لا شبهة في أنّهم يرون لزوم جبران خسارة المشتري الجاهل على البائع العالم الغاصب.

نعم، إذا كان هو أيضا جاهلا بالغصبيّة فيشكل تضمينه، كما لا يخفى.

استشكال الوالد المحقّق في روايات قاعدة التسبيب و الجواب عنه

و استشكل الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- فيها: «بأنّ هذه المسألة خارجة عن مورد هذه الأخبار، و داخلة في أمر آخر، ضرورة أنّ المشتري هو المتلف على نفسه بالضرورة، و يكون البائع سببا لتسليطه على مال المالك، و هذا لا يكون من السبب المنتهى إلى فعل المشتري، بل هو دخيل في تحقّق موضوع الفعل، كما لا معنى لتضمين الأب إذا كان القاتل ابنه، مع أنّه لو لا الأب لا يتحقّق القتل، و لكنّه غير كاف، بل لا بدّ من دخالة الأب في القتل، و فعله بالتسبيب إليه، لا بالتسبيب إلى موضوعه.

ففيما نحن فيه لا وجه لجريان القاعدتين: لا قاعدة الإتلاف، و لا

______________________________

(1) مثل ما دلّت على ضمان من أضرّ بطريق المسلمين. وسائل الشيعة 29: 241 و 243 و 245، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 8 و 9 و 11.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص:

423

قاعدة التسبيب، و لو فرضنا أنّ الأخيرة غير الاولى، و أنّها معتبرة مثلها» «1».

و فيه أوّلا: أنّ من الممكن تضمين الأب إذا كان من نيّته الاستيلاد و تربيته و تسبيبه إلى القتل، و لا يكون في القتل الخاصّ دخيلا، فعليه إذا كان البائع مريدا لتسليط المشتري الجاهل على مال الغير، و لإيقاعه في الخسارة، فهو عند العرف ضامن لما يأخذه المالك منه بلا شبهة.

و ثانيا: لا تقاس الأمثلة بعضها ببعض، فإنّ العرف فيها مختلف الفهم و إن كان- حسب الموازين العلميّة- كلّها من باب واحد و واد فارد، فلا يقاس دخالة الأب في قتل الابن بالاستيلاد- الذي هو بعيد عنه- بالتسليط المنتهى إليه قهرا و طبعا، لأنّ الإنسان إذا اشترى شيئا فلا يشتري إلّا لتصرّفه فيه و الاستيفاء منه، فلا يمكن صرف النظر عن تضمين البائع، لعدم الاحتياج فيه إلى دليل لفظيّ، كما أشير إليه مرارا.

و ثالثا: لا يعقل دخالة السبب بين إرادة المباشر و فعله، بل السبب كلّه يرجع إلى الجهات المتقدّمة على الإرادة، فما كان منها أجنبيّا عنها عرفا- كالاستيلاد في المثال المزبور- فلا يكون مورد الضمان، و ما كان منها قريبا إلى الإرادة، و يكون كالجزء الأخير لحصول الداعي له إلى التصرّفات المنتهية إلى خسارته فهو ضامن، فتأمّل جدّا.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 350- 351.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 424

تفصيلنا في مسألة ضمان البائع

فتحصّل: أنّه يمكن التفصيل في المسألة: بأن يقال: إنّ المشتري يرجع إلى البائع إذا كان عالما بوقوعه في تلك الخسارات، و أراد بالبيع إيقاعه فيها، و هذا لقاعدة الغرور، و هو القدر المسلّم منها، و إلّا فيشكل صدق «الغارّ» خصوصا إذا كان جاهلا بتصرّفاته فيه. و

هذا غير ما مرّ «1»، فإنّ الأصحاب و إن اختلفوا في صورتي العلم و الجهل، و لكنّهم أرادوا العلم و الجهل بالنسبة إلى أصل الغصبيّة، لا تصرّفاته في المغصوب، فلا تغفل.

و هكذا له أن يرجع إليه إذا كان عالما بتصرّفاته فيه و إن لم يرد بالبيع ذلك، فإنّه يعدّ سببا لذلك عرفا.

و أمّا إذا كان عالما بالغصبيّة، و جاهلا بوقوعه في الخسارة، أو جاهلا بالغصبيّة، ففي الأوّل الضمان قريب، لأنّ الغاصب متخلّف عن الوظيفة الشرعيّة و العرفيّة، كشاهد الزور، و المشتري كالحاكم في جواز الحكم عليه شرعا، بل و أحيانا في لزومه، ضرورة أنّه من الممكن في فرض وجوب حفظ ما اشتراه حسب الأدلّة الظاهريّة.

و أمّا في الفرض الثاني فالضمان مشكل، و القاعدة تجري على خلافه.

و لو كان ما نحن فيه من قبيل سببيّة الأب بالاستيلاد في قتل الابن،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 411- 413.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 425

لكان مورد أخبار شاهد الزور أولى به، لأنّ شاهد الزور ما صنع إلّا موضوعا لحكم الحاكم الذي هو أوجد الموضوع للمحكوم له، فإنّ المحكوم له الذي هو المستوفي للمنافع لا يكون ضامنا، و شاهد الزور الذي أوقع الحاكم في قيامه بوظيفته الظاهريّة ضامن، و هل هذا إلّا لأجل أنّ منشأ وقوع الفساد هو ذاك؟! و المسألة بعد تحتاج إلى مزيد تدبّر و تأمّل. و هذا كلّه يؤدّي إلى ضمان البائع للمشتري.

و لو كان ذلك حقّا لكان يستلزم جواز رجوع المالك إلى البائع، فإنّ تصرّفات المشتري المستلزمة للنقصان في الملك، كما تستند إلى المشتري للمباشرة، تستند إليه للتسبّب على الوجه الذي عرفت، أو للإتلاف، لأنّه هو الذي أتلفه على مالكه و صاحبه، و يكون المشتري

الجاهل كالحيوان عرفا من وجه.

و بعبارة أخرى: تصرّفاته على نحوين:

تارة: تكون خسارة على المشتري، و لا تورث نقصانا في الملك.

و اخرى: تستلزم النقصان فيه.

فما كان من الأوّل، فلا حقّ للمالك على البائع.

و ما كان من الثاني، ففي جواز رجوعه إلى المشتري حسب فهم العرف إشكال، فإنّ البائع أولى بالتضمين من شاهد الزور و صاحب الحيوان الغافل عن كونه مالكا للحيوان، و لو لا مخافة توهّم كونه من القياس المنهيّ، لكان الحكم المزبور المخالف للإجماع أقرب إلى التحقيق.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 426

الأمر الرابع: قاعدة نفي الضرر
اشارة

و هي على ما قرّبناه تكون نافية للضرر، و دافعة و رافعة و ناهية، و تكون الجملة المعروفة مشتملة على النفي و النهي، فالأولى- و هي قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا ضرر» نفي يستلزم الدفع و الرفع، و الثانية- و هي قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا ضرار» «1»- نفي يفيد النهي، لما تقرّر من أنّ «الضرر» اسم مقابل للنفع، و لا معنى لظهوره في النهي إذا دخلت كلمة النفي عليه، بخلاف «الضرار» فإنّه مصدر، و كلّما دخلت عليه كلمة النفي يورث النهي، كما لا يخفى.

و إمكان استفادة النهي من عموم النفي في الأولى- كما هو الأقرب- لا يستلزم خلاف ما أشير إليه، فعليه لا بدّ من جبران الخسارة، قضاء لحقّ كونها رافعة، فإنّ بجبران الضرر الموجود يرتفع الضرر عرفا.

و توهّم: أنّ إيجاب الجبران ضرر، و هو منفيّ، في نهاية الفساد.

نعم، ربّما يشكل: بأنّ مقتضى هذا العموم المنفيّ، ليس لزوم التدارك من أيّ مال كان، بل التدارك لازم من مال المضرّ، فإنّ مفهوم «لا ضرر» ليس إلّا أنّه لا ضرر في حوزة الإسلام:

لا بين الخالق و خلقه، فينتفي الأحكام الضرريّة، و لا بين المخلوقين بعضهم مع بعض، فيلزم الجبران، أي يجب على المضارّ جبران الضرر، لا أنّه يجب جبرانه على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 427، كتاب إحياء الموات، الباب 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 427

كلّ أحد، أو على الحكومة الإسلاميّة، حتّى الضرر الجائي من قبل الحوادث التكوينيّة «1».

فعليه كيف يصحّ التمسّك بها هنا مع أنّ البائع لا يعدّ مضارا، و لا سيّما بالنسبة إلى بعض صور المسألة: و هي ما إذا كان في تصرّفاته المنافع المستوفاة؟! فلا يتمّ ما اشتهر في هذه المسألة: من رجوع المشتري إلى البائع متمسّكا بها، كما ترى في كلام الشيخ قدس سره «2».

أقول: بعد الفراغ عن المبنى المحرّر منّا في الرسالة «3»، فالأمر كما أشير إليه حسب الكبرى، و لكنّه مخدوش صغرى، ضرورة أنّ البائع- على ما عرفت- مختلف الحال و النيّة، من العلم و الجهل بالتصرّفات، و من العلم و الجهل بوقوعه في الضرر، و من قصده الإضرار به بتسليطه على الملك، و عدم قصده، و قد عرفت الحقّ في هذه الصور، فلا يمكن إثبات الضمان مطلقا، و لا نفيه على الإطلاق، لاختلاف صدق المفهوم حسب اختلاف الصور و الفروض.

تذنيب: فيما ذكره الأصحاب من رجوع المالك إلى البائع و المشتري

ذكر الأصحاب رحمهم الله: «أنّ المالك له الرجوع إلى البائع و المشتري، إلّا أنّ قرار الضمان في هذه المسألة على البائع، فللمشتري

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 352- 353.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 146- السطر 27.

(3) رسالة في قاعدة نفي الضرر للمؤلّف قدس سره (مفقودة).

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 428

الرجوع إليه إذا رجع المالك إليه، و ليس للبائع الرجوع إلى المشتري إذا رجع المالك

إليه» «1».

و أنت خبير: بأنّ الجهة المبحوث عنها أساسا هنا هي مسألة اغترام المشتري للمالك، و معنى ذلك هو أنّه إذا تصرّف المشتري بما وقع في الضرر، فأحدث مثلا بنائه، ثمّ قلعها المالك، فإنّ المالك لا يكون راجعا إلى المشتري بشي ء، و لا إلى المالك، بل الكلام يرجع إلى أنّ المشتري هل له حقّ الرجوع إلى البائع، أم لا؟

فما ترى من عدم ذكر المسألة بخصوصيّتها، أوقعهم فيما لا ينبغي من البحث الكلّي حول رجوع المالك، مع أنّ البحث في أمر آخر ربّما يكون في مورد مستلزما لرجوع المالك إلى أحدهما تخييرا، و ربّما لا تصل النوبة إليه كما لا يخفى، و لذلك جعلنا كلّ واحد من الفروض عنوانا واحدا، حتّى لا يقع الخلط و الاشتباه، و ذكرنا في ذيل بعض الفروض:

أنّ اغترام المشتري تارة: يكون لأجل ما أحدثه في أرض اشتراها مع عدم خسارة على المالك، فإنّ بحث الرجوع إلى الغاصب البائع يجري هنا أيضا، فلا تخلط.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 195، لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 180- السطر 14 و ما بعده البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 353.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 429

المسألة السادسة: حول رجوع المستوفي للمنفعة المغصوبة على البائع و عدمه
اشارة

إذا كانت تصرّفاته في المقبوض بالعقد الفاسد لأجل الغصبيّة، ذات منافع مستوفاة، بحيث لو كان عالما بالواقعة لكان يتصرّف بأنحائها، و يبذل تلك المصارف.

مثلا: إذا اشترى شيئا كان يحتاج إليه، فأكله و صرفه، ثمّ بعد ذلك تبيّن أنّه كان لغير البائع، أو استأجر دارا كان يحتاج إليها، فسكن فيها سنة بأجرة، ثمّ بعد ذلك توجّه إلى أنّها غصبيّة، أو أنّها لنفسه، و ربّما كان يؤدّي في صورة العلم أكثر من الأجرة التي أدّاها إلى المالك و هكذا،

فهل يرجع إلى البائع، بدعوى جبران ما توجّه إليه، أم لا؟

ظاهر جماعة بل صريحهم الأوّل، معلّلين بقاعدتين: الغرور، و نفي الضرر «1».

و استشكل الآخرون: تارة بعدم تماميّة قاعدة الغرر سندا و دلالة، و عدم تماميّة قاعدة نفي الضرر دلالة، من جهة أنّ شأنها نفي الأحكام الضرريّة، لا تشريع الحكم، و من جهة الشبهة في صدق «الضرر و الإضرار»، فإنّ مجرّد صدق «الضرر» غير كاف، بل لا بدّ من صدق «الإضرار» على البائع حتّى يرجع إليه.

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 124- السطر 22، جامع المقاصد 6: 326، مسالك الأفهام 1: 135- السطر 4.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 430

و إلى الأوّل مال الشيخ رحمه الله من المتأخّرين «1»، و إلى الثاني ذهب الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- من المعاصرين «2».

أقول: قد عرفت أنّ قاعدة نفي الغرر غير وافية بتمام المدّعى «3»، و هو مراجعة المشتري إلى البائع مطلقا، و ذلك لأنّ مجرّد الاستيفاء غير كاف لعدم صدق «الغرر»، ضرورة أنّه إذا غرّه في ذبح شاته و صرفها مع أنّه ليس أهلا لذلك، لا يخرج البائع مثلا عن كونه غارّا، و هكذا فيما إذا أحدث البناية في دار أو أرض، و استوفى بمقدار صرفه منها، فإنّه لا يستلزم عدم كونه غارّا كما لا يخفى.

مع أنّ قاعدة نفي الضرر عامّة، فلو صدق «الضرر» أحيانا في مورد- كما في الأمثلة المشار إليها- فعلى البائع جبرانه، من غير لزوم صدق «المضرّ» عليه، لأنّ المنفيّ هو الضرر، و الذي هو القدر المتيقّن من الصور الخارجة عنه هو ما إذا تضرّر أحد، و لم يكن الضرر بوجه مستندا إلى أحد عرفا، لا عقلا و تخيّلا، كما في تضرّره بالسيل و الزلزلة، و

أمّا البائع فيما نحن فيه فهو و إن لم يكن مضرّا عرفا، و لكنّه أوقعه في الضرر عند العقلاء، فعليه الجبران.

فتحصّل: أنّ المسألة مختلفة الصور، و لا يمكن إتمام الضمان في جميعها، و لا نفيه في جميعها، و من هنا يظهر حال غيرها.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 147- السطر 11- 15.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 351- 353.

(3) تقدّم في الصفحة 406- 407.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 431

إيقاظ: في التمسّك بقاعدة قبح الظلم لإثبات ضمان البائع الغاصب

قد ذكرنا في كتاب الإجارة «1»: أنّ من قواعد الضمان قاعدة قبح الظلم المسلّم عند الكلّ، و إذا استلزام في مورد الحكم بالضمان قبحا أو بالعكس فلا يمكن إلّا الانعكاس، قضاء لحقّها. فلو كان في هذه المسألة نفي مراجعة المشتري الجاهل إلى البائع الغاصب العالم، ظلما عرفا و عقلا عليه، و لا يرتفع ذلك إلّا بالضمان و إيجاب الجبران، فلا محيص عنه قطعا.

و لعمري، إنّ هذه القاعدة أقوى سندا و أتمّ دلالة، من غير حاجة إلى فهم خصوصيّات اللغات، بل المدار على صدق «الظلم» و المسألة بعد تحتاج إلى التأمّل.

في رجوع المشتري الغارم لزيادة القيمة السوقية على البائع

في مفروض المسألة إذا تلف المال عند المشتري، و قد اشتراه بمائة، ثمّ رجع إليه المالك و قد ازدادت قيمته السوقيّة، فأخذ منه الألف، لقاعدة «على اليد.» أو كان ما اشترى به أقلّ من قيمته الواقعيّة، فرجع إليه المالك بها، فهل يرجع إلى البائع الغاصب في تلك

______________________________

(1) كتاب الإجارة من تحريرات في الفقه للمؤلّف قدس سره مفقود.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 432

الزيادة، فيرجع إليه بتسعمائة مثلا، أو لا يرجع إليه؟ وجهان، بل قولان.

و التحقيق هو التفصيل، فإنّه إذا كان البائع الغاصب عالما بغصبيّة ما في يده، فيرجع إليه، سواء كان عالما بوقوع المشتري في الخسارة، أو غير عالم، و سواء كان مريدا بذلك إيقاعه فيها، أم لا، و إن كان الحكم في الصورتين الأخيرتين- خصوصا الثانية- أظهر، و إذا كان جاهلا بغصبيّة ما باعه فلا شي ء عليه، و الوجه قد اتّضح بما أشرنا إليه أخيرا، و بما أوضحناه في قاعدة نفي الضرار، فليتدبّر جيّدا.

ثمّ إنّه يجوز للمالك المراجعة إلى الغاصب، لقاعدة «على اليد.» أيضا، و في جواز مراجعته إليه في الزيادة

السوقيّة التي حصلت تحت سلطان المشتري، و عدم جوازه، وجهان مضى سبيلهما سابقا.

و حيث إنّ جواز المراجعة إلى كلّ واحد من البائع و المشتري، و أخذ الثمن من كلّ واحد منهما، مع كون العين التالفة واحدة، يستلزم الإشكال العقليّ، و أنّه في تعاقب الأيادي كيف يمكن الالتزام باشتغال الذمم الكثيرة بالنسبة إلى شخص واحد لأجل عين واحدة؟! فلا بدّ من تحرير المسألة و حلّ معضلتها، كما عليه بناء الأصحاب قدس سرهم هنا، و قد واعدناكم فبلغ أجله، و علينا الوفاء به.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 433

البحث عن مسألة تعاقب الأيادي
اشارة

فنقول: البحث حول مسألة تعاقب الأيادي يقع في جهات:

الجهة الأولى: حول شبهة عقليّة في مسألة تعاقب الأيادي
اشارة

فيما قيل أو يمكن أن يقال إشكالا على معقوليّة اشتغال الذمم المتعدّدة لشخص واحد مع وحدة المال:

فيقرّر تارة: بأنّ للشي ء الواحد بدلا واحدا، فكيف يعقل كونه في ذمّة الأشخاص الكثيرين «1»؟! و اخرى: يقرّر بأنّ الضمان ليس معناه إلّا اعتبار كون ما وقع تحت اليد على ذي اليد، فإذا كان ذلك واحدا فكيف يعقل كثرتها بكثرة الأيادي الكثيرة؟! فإنّه يستلزم كون الواحد في الأمكنة المتعدّدة «2».

و بين التقريرين فرق واضح، ضرورة أنّ عنوان «البدل» و لو كان

______________________________

(1) نهج الفقاهة: 276، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 194- السطر 16.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 148- السطر 15- 16، نهج الفقاهة: 276.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 434

مضافا إلى المال الشخصيّ، كلّي بخلاف العين الشخصيّة، فإنّها غير قابلة للصدق على الأخرى.

و ثالثة: بأنّ معنى الضمان هو تعهّد العين الخارجيّة، كما في الكفالة، و لكنّ الأمر في الكفالة تكليف محض، بخلاف ما نحن فيه، و هذا يستلزم الامتناع «1» كما لا يخفى.

و أنت خبير أوّلا: بأنّ مفهوم «البدل و العوض» ليس مأخوذا في دليل المسألة حتّى يتمسّك بأنّ بدل الشي ء الواحد لا يكون إلّا واحدا، بل غاية ما يمكن أن يستفاد منه عنوان «القيمة» و «المثل» كما عن المشهور، و هذان العنوانان قابلان لأن يكونا متعدّدين. بل مفهوم «البدل و العوض» أيضا يحمل على الكثير واقعا على البدليّة.

و لو أشكل الأمر من جهة عدم صدقه واقعا، و لكنّه لا ينافي إمكان صدقه اعتبارا و ادّعاء للأثر المقصود.

و إن شئت قلت: إنّ الموصول إشارة في القاعدة إلى العين الخارجيّة المأخوذة، فهي تورث اشتغال ذمّة ذي اليد بمماثل.

و ثانيا: مبنى

الإشكال على أنّ المفروض المرسل إرسال المسلّم، أنّ صاحب المال لا يستحقّ إلّا بدلا، و ليس له المراجعة إلى الأيادي المتعاقبة بالجمع بين الأعواض و الأبدال، و حيث إنّ الحكم المزبور مسلّم فيورث إشكالا و عويصة.

و لكنّه محلّ التأمّل، فإنّ الالتزام بذلك أوّلا: غير بعيد، كما التزموا في

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 327- 328 و 354- 355.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 435

الإجارة بأنّ من استأجره المستأجر لحمل متاعه المعيّن إلى بلد كذا، فأتاه الأجير، و لكنّه اشتباها و غفلة أعطاه المال الآخر، و أرسله إلى بلد آخر، فإنّه يستحقّ أجرتين: أجرة المسمّى، و أجرة المثل، مع أنّ الأجير لا يكون له إلّا حظّ واحد.

و إن شئت قلت: إنّه لا يملك إلّا منفعة واحدة، على تسامح في التعبير.

و بالجملة: قاعدة اليد غير عقلائيّة، و لا بأس بالالتزام بما يلزم منها، لعدم صحّة الاستبعاد مع اقتضاء الدليل، كما لا يخفى.

و ثانيا: ما هو المفروغ عنه هو عدم استحقاقه لأكثر من بدل واحد، و هذا لا يستلزم عدم اشتغال الذمم الكثيرة بالإبدال.

و بعبارة أخرى: قرار الضمان على الكلّ لا يعقل، لا الضمان، فلا مانع عقلا من ذلك بعد اقتضاء السبب تعدّد المسبّب.

و بعبارة ثالثة: لو ورد النصّ ب «أنّ الأيادي المتعاقبة ضامنة، و على كلّ واحد منهم ردّ العوض و البدل» فإنّه كما لا يمكن طرحه بدعوى: أنّ بدل الواحد واحد، كذلك لا يطرح بدعوى: أنّ اشتغال الكثير بالواحد ممتنع، بل مقتضى هذا النصّ اشتغال الكلّ بالأمثال و القيم، و وجوب الأداء على كلّ واحد، فإذا اقتضى دليل تعدّد الضمان ذلك، و قلنا بعدم استحقاقه لأكثر من واحد، فلا بدّ من

الجمع بين الدليلين، و تكون النتيجة ضمان الكلّ، و لكنّ قرار الضمان على واحد، أي لا يتحقّق إلّا أن يرجع إلى واحد.

و لعمري، إنّه لا عويصة في المسألة حتّى يحتاج إلى التدبّر، و بعد ما أسمعناك تقدر على أن تحيط خبرا بما في صحف الآخرين، و لو شئنا كشف النقاب عمّا قيل و قالوا في الباب لخرج الكتاب عن الصواب.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 436

إن قلت: اعتبار الضمان الكثير مع الاستحقاق الواحد لغو، فلا بدّ من أن يقال: بأنّ من هو الضامن هو الذي يرجع إليه في علمه تعالى، و الباقين ليسوا ضامنين.

و إن شئت قلت: لا واقعيّة له حتّى يكون معلوما له تعالى، و لكنّه إذا رجع إليه يكشف عن فعليّة الضمان آنا ما قبل المراجعة، فالاستيلاء يكون مقتضيا لأن يصير من يرجع إليه المالك ضامنا بالفعل على النحو المزبور.

قلت: لا حاجة إليه بعد عدم لغويّته، لأنّ الاعتباريّات قائمة بكونها ذات نتاج و ثمرة، و لكن ليس معناها أنّ سعتها و ضيقها أيضا تابعة لها، بحيث لو أمكن الاعتبار المناسب للغرض لكان هو المتعيّن. مع أنّ مقتضى الدليل كما يأتي ذلك.

محذور ملكية المالك لجميع الأبدال مع اشتغال ذمم الكلّ و جوابه

إن قلت: لو كان الكلّ ضامنا، و أعطى الكلّ بدل ماله، يجوز له التصرّف فيه.

قلت: هذا متوجّه إلى من يقول: بأنّ هذه المسألة شبيهة بالواجب الكفائيّ، على بعض المسالك في تفسيره «1»، و متوجّه إلى من يقول: بأنّ عنوان «البدل و العوض» مضمون، فإنّه من الطبيعيّ القابل للصدق على الكثير العرضيّ، و لا يتوجّه إلينا، لما عرفت من أنّ الكلّ ضامن، و على

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 148- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 437

كلّ واحد قيمة

التالف و مثله و بدله، الذي هو يتكرّر لأجل إضافته إلى الأشخاص قهرا و طبعا، مع أنّه ليس عنوانا مأخوذا على نحو الموضوعيّة، بل هو عنوان يشير إلى البدل الواقعيّ. و هو القيمة و المثل، بل ما هو المضمون هو الدينار في القيميّ، و الحنطة في المثليّ، لا عنوانهما كما لا يخفى.

و لكنّ المالك لا يستحقّ إلّا أن يرجع إلى واحد، فإذا أتاه الكلّ بالقيمة في ساعة واحدة فهو لا يستحقّ إلّا واحدا منها، و أمّا حكم سائر الإبدال مع الخلط بذلك الواحد فيعلم بالقرعة، لما تقرّر من جواز العمل بها حتّى في مورد لا واقعيّة له، فافهم و تأمّل جدّا.

و بالجملة: هذه المسألة شبيهة بما إذا نذر جماعة إطعام زيد، فإنّه يجب على كلّ واحد ذلك من غير تقييد في الهيئة، و إذا امتثل أحدهم يرتفع موضوع التكليف، و لا يعدّ هذا من الكفائيّ المصطلح عليه، بل هو واجب عينيّ، و فيما نحن فيه يجب ردّ المثل أو القيمة- عقلا أو عرفا و شرعا- على كلّ واحد منهم، و إذا قام أحدهم به سقط موضوع حكم الآخرين من غير تقييد في الهيئة، و في النذر- بناء على مالكيّة المنذور له للمنذور على الناذر- يكون هو مالكا على كلّ واحد منهم إطعامه، و لكنّه لا يستحقّ، بمعنى أنّه لا يتمكّن من الجمع، و هذا لا يستلزم تقييد الحكم الوضعيّ، لأنّ نتيجة ذلك تخييره العقليّ في الرجوع إلى من شاء، و هكذا فيما نحن فيه.

فتحصّل: أنّ كلّ واحد من الأيادي ضامن بضمان على حدة غير ضمان الآخر، و على كلّ واحد منهم يجب تفريغ ذمّته وجوبا عينيّا، إلّا أنّ الموضوع

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2،

ص: 438

لمّا كان ينتفي بامتثال أحدهم، لا يبقى لسائر المكلّفين فرصة الامتثال، كما في قضاء الوليّ عن أبيه، فإنّه واجب عليه عينيّا، و لكنّه يسقط بأداء الآخر، فما اشتهر في تفسير الواجب العينيّ، غير موافق للتحقيق، كما ذكرناه في الأصول «1».

عدم عقلائيّة قاعدة «على اليد.»

و الذي يسهّل الخطب: أنّ ما اشتهر من وحدة العوض و البدل مع كون المعوّض واحدا، صحيح بالنظر إلى الحكم العرفيّ و بناء العقلاء، و حيث إنّ قاعدة اليد ليست عقلائيّة بالضرورة خلافا لبعض المحصّلين «2»، فلا منع من الالتزام بلازمها غير العقلائيّ.

مثلا: إذا انتقلت العين المغصوبة من يد الغاصب إلى الأيادي الأخر الغافلة عن حالها، ثمّ رجعت إلى يد الغاصب الأوّل، لا يرجع من له حظّ قليل من العقل إلى غير الغاصب، مع أنّ فتوى المشهور على جواز الرجوع إلى الكلّ حتّى مع بقاء العين، و ليس ذلك إلّا لأجل تخيّلهم أنّ مفاد قاعدة اليد ذلك، فعليه كما ترى استبعاد العرف ذلك، و لا يعتني به، كذلك الأمر فيما نحن فيه، فتنحلّ الشبهة من رأس.

______________________________

(1) تحريرات في الأصول 4: 52- 53.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 82.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 439

حول حلّ الشبهة بناء على اشتغال الذمّة بنفس العين

و ربّما يقال: إنّ الشبهة لا ترد على مسلك من يقول باشتغال الذمّة بنفس العين، و إنّ العين بعد تعلّق اليد بها تصير في الذمّة «1»، لأنّه لا يكون الأشخاص المختلفون مشغولة ذممهم إلّا بعين واحدة شخصيّة، و يجب على كلّ واحد منهم ردّها إلى صاحبها، كما في باب الكفالة، و هذا هو مختار العلّامة المحشّي الخراسانيّ رحمه الله «2» و تلميذه الأصفهانيّ رحمه الله «3».

و أنت خبير: بأنّه لا يتقوّم باختيار المسلك المزبور، بل لك دعوى اشتغال الذمّة في اليد بالمثل أو القيمة، إلّا أنّ للشي ء الواحد مثلا واحدا، فيكون اشتغال الذمم المتعدّدة بالشي ء الواحد، و هو مثل التالف، و لا يتكثّر ذلك بتكثّر الأيادي، كما في باب الكفالة لا يتعدّد الإحضار بتعدّد المتعهّدين، لعدم إمكان تعدّده، و هذا

ما اختاره الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «4».

و ربّما يتوجّه إليهما الإشكال في تصوير اعتبار العين الخارجيّة في الذمّة، و قد فرغنا عنه في محلّه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37- 38، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 96- السطر 27 و 99- السطر 25.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37- 38 و 82- 83.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 194- 195- السطر 2.

(4) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 354- 355.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 440

و ربّما يتوجّه إليهم الشبهة في أنّه كيف يمكن التكاليف الجدّية الكثيرة، مع عدم إمكان تكثّر المكلّف به؟! و هو أيضا قد علمت منّا حلّها، و ذكرنا مثاله في نذر جماعة لأمر واحد غير قابل للتكرار «1»، و مثاله الآخر القضاء على الوليّ، فإنّه واجب.

و أمّا ما هو الحجر الأساسيّ: فهو أنّ اعتبار العين الخارجيّة في الذمّة، ليس بدليل آخر غير قاعدة اليد، فإذا تعدّد مصداقها حسب تعدّد الأيادي، يتعدّد الاعتبار قهرا، حفظا لإطلاق السبب، فيكون في ذمّة كلّ واحد عين على حدة، و عند ذلك ربّما يصبح الأمر أشكل، لأنّ الالتزام بتعدّد الأمثال ممكن، لأنّ للشي ء الواحد أمثالا متعدّدة في الصورة النوعيّة، و في القيمة السوقيّة، و لا يتعدّد شخص العين، فيعلم من ذلك: أنّ المسلك يورث صعوبة الأمر على أربابه، و لا ينحلّ به الشبهة كما لا يخفى.

هذا كلّه تمام البحث بناء على مسلك القوم في تفسير هذه القاعدة.

عدم تعدّد الضمان على مسلكنا مع تعاقب الأيدي

و أمّا بناء على المختار، من أنّها لا تفيد إلّا أمرا معقولا عرفيّا، و هو أنّ المأخوذ في عهدة الآخذ، فيجب عليه حفظه إلى أن يردّ إلى صاحبه، و يكون دركه إذا عاب و نقص عليه، و أمّا مع

التلف فهي ساكتة عنه أصلا، فلا يتعدّد الضمان.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 437.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 441

و توهّم: أنّه إذا نقص في اليد الاولى، ثمّ انتقلت العين إلى الأخرى، يجب على كلّ واحد تدارك الناقص، في غير محلّه، لأنّ الضرورة قائمة على أنّ الأمانة إذا عابت في يد الأمين بلا تعمّد و تفريط لا يضمن، فإذن لا يكون الضامن إلّا من خرج عن شرط المحافظة، و هو لا يكون إلّا أحدهما كما لا يخفى.

إن قلت: قضيّة الأخبار السابقة ضمان كلّ واحد من الغارّ و المغرور للزوجة، مع أنّها لا تستحقّ إلّا مهرا واحدا، فتأتي الشبهة السابقة هنا.

قلت: قد فرغنا عن ذلك، و ذكرنا أنّ تضمين الغارّ باعتبار استقرار الضمان عليه، و أنّ المهر خرج عن كيسه، و لا يكون مفادها ضمان كلّ واحد منهما عرضا «1»، خلافا لما استظهره الوالد المحقّق- مدّ ظلّه- منها «2».

دلالة قاعدة «على اليد.» على الحكم التكليفي خاصّة و سقوط الاستدلال بها

و لا يخفى: أنّ استفادة الحكم الوضعيّ من قاعدة اليد مماشاة مع القوم، و إلّا فالذي يظهر لي أنّها ليست- بمقتضى الغاية- إلّا قاعدة تكليفيّة، ضرورة أنّ المفروض فيها بقاء العين عند إيجاب الردّ، فما أفاده القوم: من أنّها سيقت لإفادة إيجاب ردّ العين عند التلف، فتكون مورثة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 400 و 409.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 340 و 354.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 442

للضمان، فهو خارج عن مفادها.

فبالجملة: بعد كونها غير عقلائيّة قطعا، و بعد ذلك الأمر الذي أشير إليه، و بعد ما نرى من عدم دلالة الجار و المجرور على الضمان إلّا استظهارا، فلا أقلّ من الشبهة، فتسقط القاعدة، و تنحصر أسباب الضمان بغيرها، فلا تخلط.

هذا مع أنّه

سيظهر لك بعض الجهات المؤدّية إلى عدم دلالتها على الضمان بالوجه الذي فهمه القوم منه.

إن قيل: بناء عليه لا دليل على ضمان اليد.

قلت: ضمان اليد في الجملة عقلائيّ، كما في يد الغاصب، و هذا كاف، و فيما سواه لا نبالي بالالتزام به. مع أنّ في بعض المواقف الأخر التي التزم فيها المشهور بالضمان، يشارك تلك القاعدة بعض القواعد الأخر التي تكون هي المؤوّلة، كما في المقبوض بالعقد الفاسد، فإنّ دليل الضمان هناك عندنا قاعدة الإقدام، لا قاعدة اليد. مع أنّك أحطت خبرا بما في سندها، و اختلاف نسخها «1»، فلا ضير في إسقاطها عن صفحة الضمانات أصلا.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 186.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 443

الجهة الثانية: حول دلالة «على اليد.» على جواز رجوع المالك إلى كلّ يد من السلسلة

لو سلّمنا دلالتها على الضمان، و قلنا بإمكان اشتغال الذمم الكثيرة بالشي ء الواحد ثبوتا، فلا بدّ من الفحص عمّا يقتضيه إثباتا، فالذي هو المعروف عنهم دلالتها على جواز رجوع المالك إلى كلّ واحد من الأيادي «1».

و أنت خبير: بأنّ محتملات القاعدة من هذه الجهة أيضا كثيرة:

فمنها: أنّها تفيد ضمان المأخوذ على الآخذ، سواء أخذ من المالك أو غيره، حتّى يؤدّي المأخوذ بعينه أو بمثله و قيمته إلى مالكه، أو المأخوذ منه.

و منها: أنّ الضمان منحصر بما إذا أخذ من المالك، و يؤدّيه إليه.

و الاحتمال الثالث: ما اختاره المشهور، من أنّ المأخوذ مضمون على الآخذ- سواء أخذ من المالك أو غيره- إلى أن يؤدّيه إلى مالكه.

و سائر الاحتمالات يعلم من الاحتمالات المزبورة.

فإن أمكن استفادة المعنى العامّ من الصدر و هو قوله: «على اليد ما أخذت» من مالكه أو غيره، يمكن ضمان الأيادي المتعاقبة، و إلّا فلا،

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 185، قواعد الأحكام 1: 202- السطر 18،

مفتاح الكرامة 6:

229- السطر 7، جواهر الكلام 37: 33.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 444

و حيث إنّ ذيله- و هو قوله: «حتّى تؤدّيه»- ظاهر في المعنى الخاصّ، و هو الأداء إلى المالك، لا الأعمّ منه، و إلّا يلزم إمّا ضمان اليد الثانية بالأولى و المالك بردّ العوضين و تدارك الغرامتين، أو سقوط ضمانه بالنسبة إلى المالك بردّ إلى اليد الاولى، و كلاهما غير مرضيّ عندهم، فيتعيّن كون الصدر أيضا ظاهرا في المعنى الخاص، أي على اليد ما أخذت من مالكه حتّى تؤدّي إليه، فلا تكون اليد الثانية و الثالثة ضامنة.

ثمّ إنّ ما هو المغروس العقلائيّ و المعروف بالفارسيّة (دست دست را مى شناسد) عدم ضمان اليد الثانية إلّا بالأولى و إن كان يعرف المالك، و بناء عليه لا يجوز للمالك الرجوع إلّا إلى اليد الاولى، دون غيرها.

فتحصّل: أنّ اشتهر من جواز مراجعة المالك إلى كلّ واحد من الأيادي الواردة على ماله، غير مبرهن، و غير عقلائيّ، أمّا أنّه غير مبرهن فلأنّ من المحتمل القويّ أنّ الصدر يكون ظاهرا في كون المأخوذ منه مالكا أو ذا حقّ، و أمّا أنّه غير عقلائيّ فلما أشير إليه.

و بالجملة: لو سلّمنا دلالتها على ضمان جميع السلسلة بالنسبة إلى المالك، فلا نسلّم دلالتها على استحقاق المالك للرجوع إليهم، و دعوى الملازمة ممنوعة.

نعم، يجب على الضامن أداء دينه في أيّ زمان شاء، قضاء لحقّ الضمان.

فعلى ما تقرّر ينحصر الضامن في السلسلة باليد الاولى، و لا يجوز

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 445

للمالك المراجعة إلّا إليها، و إذا رجع إليها، و أخذ العين ببدلها الواقعيّ، فإن قلنا: بأنّ باب الغرامات من المعاوضات العرفيّة، فيكون التالف في الاعتبار ملكا

للضامن، و هو مبدأ السلسلة، فتكون اليد الثانية واردة على ملكه إمّا بالانقلاب، أو بالكشف ادّعاء و اعتبارا يصحّ للأولى و السابق الرجوع إلى اللاحق إلى آخر السلسلة، فيبقى الضمان على من تلفت في يده.

و لكنّ الالتزام بذلك مشكل جدّا، و مجرّد ذهاب «الجواهر» و السيّد قدس سرهما «1» إليه، لا يكفي، بل باب الغرامات تفريغ الذمّة بأداء المثل و القيمة، و لا سيّما على مسلكنا من أصالة تخيير الضامن، من غير لزوم مراعاة رضا المضمون له، أو رضا الآخر، فكيف تكون معاوضة؟! مع أنّ مجرّد كون الفسخ ممكنا مع تلف أحد العوضين، لا يجوّز إمكان ذلك في العقد الابتدائيّ، فإنّه غير مساعد عليه العرف.

اللهم إلّا أن يقال: إنّه حدّ متوسّط بين الفسخ و العقد، فتأمّل جيّدا.

و سيأتي زيادة توضيح حول ذلك في الجهة الآتية إن شاء الله تعالى.

الجهة الثالثة: حول جواز رجوع السابق إلى اللاحق دون العكس
اشارة

قد اشتهر بين الأصحاب في مسألة تعاقب الأيادي- بعد تسلّم جواز مراجعة المالك إلى الكلّ- أنّ كلّ سابق و مأخوذ منه، يجوز له

______________________________

(1) جواهر الكلام 37: 34، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 186- السطر 12.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 446

الرجوع إلى اللاحق و الآخذ في السلسلة، و لا عكس «1»، و نتيجة ذلك استقرار الضمان على من تلف المأخوذ في يده و تحت سلطانه، إلّا فيما كان السابق غارّا، أو أتلفه، فإنّه إمّا لا يرجع إلى اللاحق، أو لو رجع إليه- أخذا بقاعدة اليد- فله الرجوع إليه، أخذا بقاعدة الغرور و الإتلاف.

و ربّما يشكل: بأنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى المغرور، فإنّه لو رجع المالك إلى الغارّ لقاعدة اليد، فرجوع الغارّ إلى اليد اللاحقة غير موجّه، و إذا رجع المالك إلى اليد اللاحقة

و هي المغرور، فله الرجوع إلى الغارّ، و لكنّه في صورة إتلاف اليد السابقة، فلا منع من الالتزام برجوع المتلف إلى اللاحق، أخذا بقاعدة اليد، فيستقرّ الضمان على من تلف عنده، فالاستثناء الثاني محلّ إشكال إطلاقه.

و هكذا الأوّل إذا كانت اليد الثانية غارّة بالنسبة إلى الثالثة، دون الرابعة، فإنّه إن رجع المالك إلى الغارّ فله الرجوع إلى الرابعة، فإنّها ليست مغرورة لها، فيكون استقرار الضمان حينئذ على الرابعة و الذي تلف عنده.

و هكذا إذا رجع المالك إلى المغرور في السلسلة، فله الرجوع إلى الغارّ، و إذا رجع إليه فله الرجوع إلى المتأخّر عن المغرور، فيستقرّ الضمان على من تلف عنده.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 148- السطر 26 و ما بعده، منية الطالب 1: 302- 303، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 184- 185.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 447

هذا، و توهّم إمكان التمسّك بقاعدة الإتلاف بعد مراجعة المالك إلى من تلف عنده، لأنّه في الاعتبار بعد الاغترام قد أتلف مال من تلف عنده، فيكون ضامنا، فاسد لا يحتاج إلى الدليل.

و توهّم: أنّه لا يتصوّر كون الثانية غارّة للثالثة دون الرابعة، لأنّ معنى «الغرور» هنا هو تغرير الجاهل بتسليطه على المال حتّى يتلف عنده، فإذا كان المفروض تلفه عند الرابعة فلا تكون غارّة بالنسبة إلى الثالثة، في غير محلّه، لأنّه بمجرّد التسليط يصحّ للمالك الرجوع إليه، فإذا رجع إليه يكون متضرّرا لأجل تغرير الثانية.

نعم، له المراجعة إلى الثانية لقاعدة الغرور و إلى الرابعة لقاعدة اليد. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالمستثنى.

و أمّا البحث حول المستثنى منه فطويل الذيل، لاختلاف المسالك في مفاد القاعدة، و أنّ اختلافها يورث الاختلاف في كيفيّة تضمين كلّ لاحق بالنسبة إلى السابق

تارة، و بالنسبة إلى المالك اخرى.

و حيث إنّ المفروض عدم استحقاق السابق من اللاحق شيئا كاستحقاق المالك، لعدم تعلّق اليد اللاحقة بمال السابق، و إنّ المفروض عدم استحقاق المالك إلّا عوضا واحدا، فيلزم الإشكال في استفادة الضمان بالمعنى الواحد منها، ضرورة أنّ قضيّة القول: بأنّ مفاد القاعدة انتقال العين إلى العهدة اعتبارا، و يكون ذو اليد مشغول الذمّة بالعين بوجودها الاعتباريّ الباقي إلى الأبد، و الساقط استحقاق المالك بأداء المثل و القيمة، هو اشتغال ذمّة اللاحق، بالسابق على

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 448

النحو المزبور، فتكون العين فيما تقع في اليد الثانية منتقلة إلى ذمّة اليد المتأخّرة مرّتين في آن واحد: مرّة لوقوعها على مال المالك، و مرّة لوقوعها على المأخوذ من الاولى، و لا شبهة في أنّ ذلك واضح البطلان.

فهربا من تلك الشبهة التزموا بأنّ معنى ضمان العين بالنسبة إلى المالك، هو اشتغال العهدة بها، و معنى ضمان العين بالنسبة إلى اليد السابقة هو اشتغالها بالعين المضمونة، لأنّ هذه الصفة قد طرأت بعد استيلاء اليد الاولى على العين، فتكون اليد الثانية مستولية على العين الموصوفة، و معنى اشتغالها بالعين المضمونة أنّ دركها على اليد الثانية إذا رجع المالك إليها.

و أنت خبير: بأنّ معنى هذه القاعدة بناء على هذا المسلك، يكون مختلفا حسب الأيادي المختلفة، و هذا فاسد قطعا.

فبالجملة: إذا بنينا على المقالة المعروفة عن الكاظمين المحشّيين قدس سرهما «1» فلا بدّ من الالتزام بأحد الأمرين: إمّا جواز رجوع السابق إلى اللاحق في عرض رجوع المالك إليه، فيخرج من كيسه مثلان، أو التفكيك بين مفاد القاعدة بحسب المورد.

و توهّم: أنّ القاعدة تقتضي الأوّل، و لكنّ بطلانه الضروريّ يؤدّي إلى التقييد بصورة مراجعة

المالك إليه، غير سديد. هذا مع أنّ تضمين العين المضمونة- إذا كان معنى الضمان أمرا تنجيزيّا لا تعليقيّا- يورث

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 82- 83، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 96- السطر 26، و: 99- السطر 25.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 449

كون الوصف مورد الاشتغال بالنسبة إلى المالك إن كان من الأوصاف المتموّلة، و إلّا فلا يفيد شيئا.

هذا، و أمّا على مسلك المشهور- من اشتغال الذمّة بالمثل و القيمة، و من أنّ معنى الضمان هو الابتلاء بهما عند التلف، فيكون ذو اليد بعد تعلّق اليد بالعين ضامنا، و معنى ضمانه، ذلك- فالأمر أقلّ إشكالا، و لكنّه يلزم منه أيضا التفكيك، ضرورة أنّ اليد الاولى تورث ضمان المثل و القيمة إذا تلفت العين، و اليد الثانية تورث ضمان الضمان، بمعنى أنّه إذا تدارك الخسارة، و رجع المالك إليها، فعلى اليد الثانية جبرانها، بداهة أنّ معنى ضمان اليد الثانية لضمان الاولى ذلك.

و أنت خبير أوّلا: بأنّ الاولى و الثانية مشتركة في وقوعهما على العين الشخصيّة الخارجيّة، فكيف يكون مفاد القاعدة في الثانية بالنسبة إلى المالك، ضمان العين إذا تلفت، و مفادها بالنسبة إلى اليد الاولى ضمان الضمان المتعلّق بالعين، فهل هذا إلّا الجزاف المستند إليها؟! و هل هذا إلّا أنّهم في مقام تصحيح أمر مفروض خارج عن القاعدة، مريدين إدراجه فيها، و استفادته منها؟! فعلى ما تقرّر لا يعقل كون الدليل الواحد بعد وحدة السبب- و هو الاستيلاء على الشي ء- مختلف المضمون و المفاد، و لا مختلف الأثر و النتيجة.

و ثانيا: مجرّد اتصاف العين بوصف، لا يلزم منه اشتغال ذمّة ذي اليد بذلك الوصف، بل لا بدّ من كونه من الأوصاف المتموّلة، و

وصف الضمان و أنّه عين لها بدل ليس منها، ضرورة أنّ الأوصاف المقوّمة

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 450

ترجع فائدتها إلى مالكها، مع أنّ العين إذا وصفت بذلك الوصف فرجعت إلى مالكها، يزول منه هذا الوصف كما لا يخفى.

فتحصّل إلى هنا: أنّ الضمان بمعناه التقديريّ الذي يظهر من الشيخ الأنصاريّ قدس سره «1» و أوضحه الوالد- مدّ ظلّه «2»- خال من شبهات الكاظمين المحشّيين قدس سرهما لأنّ أساسها على انتقال العين أو بدلها الفعليّ إلى ذمّة الأيادي، و لكنّه أيضا ممنوع عقلا و عرفا، كما عرفت آنفا.

فذلكة الكلام في المقام

إنّ المقصود في مسألة تعاقب الأيادي ضمان جميع الأيادي للمالك، و ضمان كلّ لاحق بالنسبة إلى السابق، و تجويز رجوع السابق إلى اللاحق قبل مراجعة المالك إليه، و عدم جواز مراجعة اللاحق إلى السابق، و أن يكون ضمان اللاحق بالنسبة إلى السابق و المالك، مجتمعين في زمان واحد و إن كانا في رتبتين، و استفادة هذه الأحكام من قاعدة «على اليد.» مشكلة، بل ممتنعة، ضرورة أنّ معنى «على اليد.» إن كان أنّ ذا اليد ضامن لما أخذه من المالك، أو ضامن لما أخذه من المالك أو غيره، فلا يثبت المدّعى، لأنّ على الأوّل ليس ضامنا لليد الاولى و على الثاني ليس ضامنا للمالك.

و إن كان معناه أنّ من استولى على مال الغير فهو ضامنه، فلا يضمن

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 148- السطر 28 و ما بعده.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 363- 366.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 451

لليد الاولى.

و إن كان معناه أنّ من استولى على شي ء فهو ضامنه، فهو مهمل لا يمكن إطلاقه، لعدم الجامع غير المنطبق إلّا على المالك

و اليد الاولى.

و إن كان معناه أنّ من استولى على شي ء، فهو ضامن لمن كان مستوليا عليه قبل ذلك، فيلزم ضمانه لليد السابقة على يد المالك، و هو واضح المنع.

و أمّا إرجاعها بالنسبة إلى اليد الاولى إلى مفاد آخر: و هو تضمين الضمان، فهو أفحش فسادا، لعدم معقوليّة دلالة دليل واحد في الاستيلاء الواحد على المعنيين المختلفين.

و إن كان معناه أنّ المأخوذ مضمون، فلا بدّ من إثبات الإطلاق للمأخوذ منه حتّى يشمل غير المالك، و لكنّه يلزم منه خروج المالك في المسألة، لأنّه ليس مأخوذا منه، للملازمة بين المأخوذ و المأخوذ منه عقلا و عرفا، أي قضيّة التضايف لزوم المأخوذ منه حتّى يصحّ أن يقال: «المأخوذ مضمون».

و أمّا حمل عنوان «المأخوذ» على الإشارة، فهو ليس احتمالا وراء بعض ما سبق.

و توهّم: أنّ الضمان في تعاقب الأيادي و إن لم يمكن على النحو المشهور، و لكن لنا دعوى صحّة رجوع السابق إلى اللاحق بعد مراجعة المالك إليه، فإنّه- قضاء لحقّ المعاوضة القهريّة- يصير

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 452

التالف معوّض المثل، فيكون ضمانه على اللاحق «1»، فاسد، لما عرفت منّا سابقا: من أنّ باب الغرامات ليس باب المعاوضات عرفا «2» و لو أمكن عقلا في الاعتبار. هذا أوّلا.

و ثانيا: لا يكفي مجرّد المعاوضة لصحّة رجوع السابق إلى اللاحق، بل لا بدّ من إثبات وقوع اليد الثانية على مال السابق، و هذا بحسب الواقع غير ممكن.

نعم، يمكن دعوى الانقلاب الماضي في الفضوليّ، و لكنّها غير مسموعة هنا، للحاجة إلى الدليل المتصديّ لاعتبار الانقلاب أوّلا، ثمّ شمول «على اليد.» للتضمين ثانيا.

و توهّم كفاية «على اليد.» لذلك، فاسد جدّا، للزوم تعرّضه لموضوعه. و هذا ليس من

قبيل ما قيل في الإخبار مع الواسطة، لاختلاف القضيّتين انحلالا، و هنا نريد شمول «على اليد.» لرأس السلسلة بإثبات موضوعه تعبّدا، أو اعتبارا انقلابيّا، و هذا نظير أن يتخيّل إثبات الموضوع لصدق «العادل» في رأس السلسلة في المسألة المشار إليها.

فتحصّل: أنّه لا بدّ من المصداق الوجدانيّ أوّلا حتّى يمكن ذلك التخلّص ثانيا و ثالثا، و هذا هنا غير ممكن، لأنّ ما هو الوجدانيّ أجنبيّ عن مسألتنا، و ما هو المقصود إثباته ليس مسبوقا بالمصداق الوجدانيّ،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 186- السطر 15.

(2) تقدّم في الصفحة 445.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 453

فافهم و اغتنم.

توهّم وقوع المبادلة في بعض أنحاء الغرامات و جوابه

لا يقال: الظاهر وقوع التبادل في بعض أنحاء الغرامات، كما إذا وطأ الحيوان، أو أتلفه و قتله، أو أتلفه بتلف عرفيّ كالغرق و نحوه، فغرم لصاحبه، فإنّ الحيوان و جثّته للغارم عرفا، بل قد مضى أنّه مستفاد من بعض الأخبار الواردة في تغريم الواطئ «1»، و منه يعلم عموميّة ذلك في سائر المواضيع.

لأنّا نقول أوّلا: لو رجع الحيوان المقتول و المائت إلى الحياة الدنيويّة، فالعرف يرى أنّه راجع إلى مالكه الأوّل، و قد مضى أنّ جمعا منهم قالوا في التلف العرفيّ: بأنّه بعد الاستيلاء على العين الغائبة يجب عليه إرجاعها إلى صاحبها و مالكها، و يكون ما أدّى إليه بدل الحيلولة.

و ثانيا: لا منع من الالتزام بأنّ في هذه المواقف، نوع إعراض و صلح و رفع يد عن حقّ الاختصاص، كما لا يخفى.

و ثالثا: القضايا الجزئيّة ليست دليلا على الكبرى الكلّية، و لا شبهة في أنّ باب الغرامات ليس معاوضة، لا قهريّة، و لا اختياريّة، و في هذه الأمثلة نلتزم ببقاء العين التالفة شرعا أو عرفا أو هما

معا، فلا تخلط أصلا.

ثمّ اعلم: أنّ قضيّة وقوع المعاوضة القهريّة بين العين التالفة و عوضها، أنّ اللاحق يجوز له الرجوع إلى السابق، لأنّ يده وقعت على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 421.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 454

ماله. و توهّم أنّ اعتبار العين التالفة ملكا لمن رجع المالك إليه حيثيّ، فيترتّب الأثر بالنسبة إلى اللاحق دون السابق، واضح المنع، لعدم الوجه للتفكيك، و سيأتي بعض الكلام حول هذه المعاوضة في الوجوه الآتية.

هذا كلّه تمام البحث حول عمدة المسائل و الوجوه المزبورة في مسألة تعاقب الأيادي، و عرفت قصورها كلّها عن إثبات جواز رجوع السابق إلى اللاحق مطلقا، لا في عرض المالك، و لا في طوله.

إشارة إلى أهمّ الوجوه المذكورة على جواز رجوع السابق إلى اللاحق

و هنا بعض وجوه أخر مسطورة في المفصّلات نشير إلى أهمّها إجمالا:

أحدها: ما يظهر من مطاوي كلمات الفقيه اليزديّ المحشي قدس سره مع اضطراب فيما تخيّله في المقام: و هو أنّ قضيّة المعاوضة في باب الغرامات قيام الغارم مقام المالك، و معنى هذا القيام ترتّب آثار و أحكام المالك عليه، و منها جواز مراجعته إلى اللاحق «1».

إن قيل: السيّد قدس سره يعتبر المعاوضة و النقل و الانتقال بين العوض و العين التالفة، كما هو صريح كلامه، و هو الوجه الذي مرّ تفصيله.

قلنا: نعم، و لكن بعد ما عرفت الشبهات الكثيرة- عقليّة و عقلائيّة- على ما مرّ، و كان في كلماته ما يشبه أنّه يدّعي القيام و التنزيل في المقام مقام المالك بعد أداء العوض في رجوعه إلى اللاحق، يمكن حمل

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 186- السطر 16.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 455

كلامه على ذلك.

و لكنّه أيضا باطل، لأنّ قضيّة القيام مقامه عدم رجوعه إلى

اللاحق، لأنّ المالك بعد رجوعه إلى اليد الاولى لا يستحقّ المراجعة إلى الغير، فلا يستحقّ النائب منابه أيضا، و لو استحقّ ذلك فيستحقّ اللاحق أيضا من غير فرق أصلا.

هذا، مع أنّ وجدان كلّ أحد يحكم بأنّ مسألة الغرامات، ليست من مصاديق النيابة و التنزيل، بل الغارم يسقط ذمّته بأداء العين بمثلها و قيمتها، و جواز رجوعه بعد ذلك- لأجل أنّه نائب مناب المالك- يحتاج إلى دليل آخر.

و أمّا توهّم: أنّ التنزيل لازم المعاوضة القهريّة، فإذا حصلت هي بين العين التالفة و المثل أو القيمة، يجوز لليد الأولى المراجعة إلى كلّ واحد من السلسلة «1»، فهو- مضافا إلى فساده الظاهر، لأنّه مجرّد دعوى بلا دليل، و يرد عليه الإشكالات السابقة على أصل المعاوضة و على النيابة- يتوجّه إليه: أنّ اليد الثانية لا يصحّ لها الرجوع إلى اللاحق، لعدم تحقّق المعاوضة المزبورة هنا.

اللهم إلّا أن يدّعى حصولها في جميع السلسلة بين العوض و عوض العوض. و لعمري إنّه لا حاجة إلى تلك الأباطيل، بعد عدم كون المسألة إجماعيّة عند الأقدمين.

ثانيها: أنّ الظاهر من قاعدة «على اليد.» هو تضمين من أخذ مال

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 186- السطر 16.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 456

الغير للمالك، و لمن استولى على مال الغير، و ذلك لأنّ المضمون له مسكوت عنه فيها. و سقوط الضمان بالأداء إلى المالك- حسب فهم العرف- لا يورث انحصار المضمون له بالمالك، فإن قلنا: بأنّ مفهوم «الضمان» معنى تعليقيّ، كما عن المشهور، و اختاره الشيخ «1»، و السيّد الوالد «2»- عفي عنهما- فيستلزم ضمانه بالنسبة إلى المالك، أنّه إذا تلفت العين عليه المثل و القيمة، و بالنسبة إلى اليد الاولى أنّه

إذا تلفت و رجع المالك إليها، فهي ضامنتها.

و إن قلنا: بأنّ مفهوم «الضمان» معنى منجّز، كما عن جماعة آخرين، و هو الظاهر من قولهم: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» و قلنا: بأنّ المضمون نفس المأخوذ بوجوده الاعتباريّ، فتكون اليد الثانية ضامنة لكلّ من المالك و اليد الاولى، و نتيجة ذلك جواز رجوع السابق إلى اللاحق حتّى قبل مراجعة المالك إليه، و إذا رجع السابق إلى اللاحق حصلت الغاية، فلا يستحقّ المالك إلّا الرجوع إلى السابق.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ حصول غاية الضمان بالنسبة إلى الاولى، لا يورث سقوطه بالنسبة إلى المالك، نعم لمكان العلم الخارجيّ بعدم تعدّد الاستحقاق، يعلم بالسقوط.

أقول: قضيّة هذا التقريب عدم استحقاق المالك للرجوع إلى اليد الثانية بعد مراجعة الاولى إليها، و هذا خلاف ما هو المشهور عنهم

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 102- السطر 1 و 148- السطر 16.

(2) البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 376.

كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 457

في تعاقب الأيادي.

و أيضا: يلزم شمول «على اليد.» لتضمين الأيادي السابقة على يد المالك، لأنّهم أيضا مستولون على العين، و هذا ضروريّ البطلان.

و حصول الغاية برجوع العين إلى المالك، لا يورث قصورا في شمولها الابتدائيّ، كما لا يخفى.

هذا مع أنّ وجدان كلّ أحد يجد أنّ مفاد «على اليد.»- بلحاظ الغاية، و هو الأداء إلى المالك، و بلحاظ الصدر، و هو الاستيلاء على مال الغير، لا مطلق المال، و إلّا يلزم شموله للمباحات- يكون ظاهرا في أنّه إذا استولى على مال الغير فهو ضامن له، لا أنّه ضامن له و لغيره الذي كان مستوليا عليه، فإنّه أمر خارج عن مضمونه و مفاده بالضرورة.

نعم، على مسلك المشهور يلزم التفكيك

في المفاد، كما مرّ تفصيله، لأنّهم يريدون من ضمانه بالنسبة إلى المالك ما لا يريدون من ضمان اليد الثانية بالنسبة إلى اليد الاولى. و لا يلزم التفكيك على ما هو المسلك الآخر، و هو ضمان المأخوذ.

نعم، بناء عليه يلزم أن يورث الاستيلاء الواحد على العين، تعدّد العين اعتبارا حسب تعدّد المضمون له، و هو في حدّ نفسه و إن كان معقولا في أفق الاعتبار، و لكنّه أيضا ممنوع في كونه مندرجا في دلالة القاعدة.

هذا آخر ما عثرنا عليه ممّا سطّره يراع العلّامة المحقّق الشهيد طاب ثراه.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب البيع (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.